السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

قواعد وضوابط في حل المشكلات


عناصر المادة
الدنيا دار الهموم والأحزان
أصناف الناس في مواجهة المشكلات
فوائد الشدائد والأزمات
قواعد وضوابط في حل المشكلات
أنواع المشكلات
النظر الشامل إلى المشكلة
الحاجة إلى فريق لإدارة الأزمة
التحلي بالهدوء ورباطة الجأش والتروي
الانشغال عن أصل المشكلة بالفرعيات
الحذر من المحرمات في حل المشكلات
البدء بالأسهل في حل المشكلة
خنق المشكلة
الحاجة إلى المساندة في حل المشكلات
الحاجة إلى الصبر
التفكير الأمثل في حل المشكلات
الاستعانة بالكتمان
التعلق بالله والدعاء
الاستخارة في معالجة الأزمات والشدائد
الاستشارة في معالجة الأزمات والشدائد
مشاركة أطراف أخرى في حل المشكلات
المواساة والدعم النفسي في مواجهة الأزمات
الواقعية في حل المشكلات وعدم التسطيح أو التيئس
احتساب الأجر في الصلح
الإشارة على طرفي النزاع بقبول الصلح والتنازل
حل المشكلة عن طريق الجمع بين الشيئين المختلف عليهما
حل المشكلة بالقرعة
الخاتمة

الحمد لله رب العالمين الذي عقد الإخوة بين المؤمنين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً رسول الله إمام المتقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه المتحابين في الله وعلى التابعين وعلى من سار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

الدنيا دار الهموم والأحزان

00:00:38

فهذه حياتنا فيها هموم وغموم وأحزان وأكدار، إنها منغصة لا تخلو من ألم في النفس أو البدن، هكذا خلقها الله وجعلها بهذه الطبيعة، وميز الجنة عنها فصارت الجنة بلا هموم ولا غموم ولا أحزان ولا أكدار.

هذه الحياة نتذكر بكدرها صفو الجنة، وبأحزانها سرور الجنة وبآلامها نعيم الجنة.

هذه الحياة فيها أزمات ومشكلات فيها مصاعب وأمور شائكة، ونحن في ديننا ولله الحمد ما يعيننا على مواجهة هذه الابتلاءات الموجودة في هذه الحياة في الفرد والمجتمع فيمن حولنا، صعوبات وأزمات تواجهنا، كيف نديرها؟ كيف نحللها ونفكر فيها؟ كيف نتعامل معها؟

إن هذه الصعوبة أو الأزمة أو المشكلة التي يمكن تعريفها بأنها صعوبة موجودة وعقبة قائمة يراد تخطيها.

إن مواجهة هذه الأزمات التي تعترض طريق المسلم في حياته قد جاءت الشريعة بما يعينه عليها، لا تخلو حياتك من مثل هذه المواقف الصعبة، فاحمد الله أن جعل لك في هذا الشرع ما يعينك على المواجهة وتجاوز العقبات.

إن الأصل في الحياة التعب والمشقة، قال تعالى: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4]، وقال: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق: 6].

ومهما قيل عن أسباب السعادة فإنه لا يوجد في الدنيا من خلت حياته من الصعوبات والأزمات والشدائد سواء كان من أهل الدين حتى الأنبياء، أو كان من أهل الدنيا أرباب الأموال، ونحو ذلك من أنواع النعيم الدنيوي، فإن الله لا بد أن يبتليهم ونحن مسلمون ننطلق في مواجهة هذه الصعوبات والأزمات من كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، إنه النهر المتدفق، إنه المعين الذي لا ينضب.

أصناف الناس في مواجهة المشكلات

00:03:32

ومن الناس من ينجح في مواجهة ما يواجهه، ومن الناس من يتغلب على ما يواجهه، ومنهم من يقعد مستسلماً كسيراً حائراً وهو حسير، وذلك بأسباب؛ منها: قلة الإخلاص، وقلة العلم، وقلة المجاهدة، وتغلب الشيطان عليه، ومنهم من لا يعرف الحل لجهله، ومنهم من يعرفه لكن لا يعمل به، ومنهم من يعمل به شيئاً ما، ولكنه لا يستمر عليه ليرى النتيجة.

ألم تر أن النبي ﷺ لما قال: من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء  متفق عليه [رواه البخاري: 1905 ومسلم: 1400].

قال بعض الشباب: جربنا الصيام فلم ينفع؟

ونقول لهم: كم جربتموه؟

إن العلاج أحياناً لا يؤتي ثمرته الكاملة إلا إذا واظبت عليه.

وكذلك فإنه لا معنى لأن تقوم بحل واحد والشريعة قد جاءت بحلول أخرى، فالذي يصوم ولا يغض البصر، ثم يقول: لم ينفع الصيام، فهذا إنسان لم يأخذ بالحل الشرعي كاملاً.

فإذاً، لا بد من معرفة الحل والعمل به والاستمرار عليه ليؤتي أكله وثماره مع بقية الحلول للمشكلات، هل هنالك إيجابيات للمشكلات التي نواجهها والأزمات والمصاعب؟

قبل أن نتكلم في حلها والتغلب عليها وكيف تواجه؟

فوائد الشدائد والأزمات

00:05:09

ليس في حياة المسلم مما قدر الله عليه ما هو شر محض كله، بل لا بد أن يكون فيه خير بوجه من الوجوه، فعلى سبيل المثال هذه الشدائد والمصاعب والأزمات:

أولاً: تكفر الخطايا والسيئات: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه [رواه البخاري: 5640 ومسلم: 2572].

فهذا الألم البدني والألم النفسي والتعب؛ نصب مرض وصب هم وحزن على شيء مضى وعلى شيء سيأتي في المستقبل سواء كان كثيراً أو قليلاً، إلا كتب الله له بها حسنة، أو حطت عنه بها خطيئة.

ولذلك لا يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة حتى يلقى الله وليس عليه خطيئة.

ثانياً: مضاعفة الأجر: وقد قال النبي ﷺ  من يرد الله به خيراً يصب منه [رواه البخاري: 5645] يعني يبتليه.

وإذا قلت: هل المصائب مكفرات أو مثيبات؟ هل تكفر السيئات أو تزيد الحسنات؟

فقد أجاب عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- فقال: إن كل ما تولد عن عمله الصالح من المصائب أثيب عليه بخلاف المصائب التي تتولد عن عمله فإنها مكفرات لا مثيبات.

إذاً، ما يواجهه المسلم من المصائب والشدائد الناتج عن طاعات كما يحدث له في الجهاد في سبيل الله من القتل كما يحدث له في الجهاد في سبيل الله من الألم والجراح، ونحو ذلك، فهذا يثاب عليه ويكفر أيضاً خطيئته.

وأما الأشياء التي تحدث له ولا تتولد.

وأما الأشياء التي تحدث له بلا تولد من طاعات، مصيبة حدثت له فجأة دون تولد من طاعات، فإنها مكفرات لا مثيبات، فإذا صبر عليها أجر على صبره هذا.

ثالثاً: محبة الله ، فإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.

وعندما تواجه -يا أخي- أزمة أو مشكلة أو صعوبة أو شدة فإنك تتذكر أن الأنبياء الذين يحبهم الله قد واجهوا كثيراً من هذا، فآدم قد ابتلي مع زوجته في الجنة، ثم بابنيه عندما قتل أحدهما الآخر.

ونوح الذي ابتلي بزوجته وابنه.

وإبراهيم وما ابتلاه الله به من عدم الإنجاب، ثم الابتلاء بذبح الولد والابتلاء بالإلقاء في النار، وهكذا..

ولوط ابتلي بزوجته الضالة.

ويعقوب ابتلي بأبنائه الذين رموا شقيقهم في الجب.

وموسى والمعاناة المعروفة.

وعيسى الذي اجتمعوا على إيذائه وأرادوا أن يقتلوه فنجاه الله منهم.

ومحمدﷺ وما وقع له.

ولذلك فإنك لا بد أن تعيش أن جو المحنة هذا قد عاشه قبلك الأنبياء والصالحون، قال الفضيل -رحمه الله-: "إذا أحب الله عبداً أكثر غمه، وإذا أبغض عبداً وسع عليه دنياه" [حلية الأولياء: 8/88].

فليس معنى أن تؤتى من الدنيا أن الله يحبك فقد يكون استدراجاً، وليس معنى أن تبتلى أن الله يبغضك فقد يكون تكريماً.

وكذلك فإن من فوائد هذه المصاعب والشدائد والأزمات: التأديب والتمحيص واستخراج ما في النفوس من العيوب، فقد يكون فيها عجب، كبرياء، فيخرج: وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ [آل عمران: 154].

وكذلك: الشكر، فإنه يبتلي: لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ [النمل: 40].

ويختبرهم ليعلم صدق إيمانهم ويظهر علمه في الواقع.

وكذلك: الدفع للاستغفار، والله -تبارك وتعالى- يبتلي عبده كما يقول ابن القيم: ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه وصبره ورضاه بما قضاه عليه.

وهذا يونس  لما لم يصبر عن إكمال تبليغ الرسالة ابتلاه الله برميه في البحر والتقام الحوت له: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 87].

سابعاً: من فوائد هذه المصاعب والشدائد والأزمات: التذكير بحقيقة الدنيا حتى لا يغتر الإنسان بها ولا يركن إليها، ولذلك سئل الإمام أحمد: متى يرتاح المؤمن؟ قال: عندما يضع أول قدمه في الجنة.

ثامناً: التحفيز على التوبة، فإن كثيراً من الناس لا يتوبون إلا إذا ابتلوا، إلا إذا واجهوا الشدائد والمصاعب: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ  [الأنبياء: 87]؟

أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.

تاسعاً: أن تستشعر نعمة الله فإنك قبل الشدة كنت في نعمة ربما لم تعرف طعمها وقيمتها إلا بعدما ابتليت.

عاشراً: تقوية النفس وتعويد النفس على المواجهة الإيجابية: عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء وشكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له [رواه مسلم: 2999].

ثم كذلك اكتساب الخبرة والتجربة والدراية، وأيضاً الوقاية المستقبلية، فإنك إذا تعرضت لمصاعب وشدائد فإنك بهذا تعرف كيف تتجنبها مستقبلاً.

وكذلك فإنك تتعلم الاستسلام للقضاء والقدر والتسليم لأمر الله والرضا بما كتبه الله .

وأيضاً فإن هذه المهارات التي تكتسبها من خلال مواجهتك للمشكلات من ضبط النفس والصبر والتضحية والعفو وكظم الغيظ، ونحو ذلك من الأخلاق التي تغرس في نفسك وتزيد بهذه المواجهات؛ إنها نعمة كبيرة.

وأيضاً فأنت تتعود على التعامل مع الآخرين فهذه مشكلة علاجها الصراحة كيف تصارح بأدب، وهذه قضية علاجها العفو، هذه القضية علاجها مثلاً التهدئة من الروع، وكيف تجعل الآخر يتغلب على مشكلته، إنك تكتسب خبرات من هذه المشكلات، وأيضاً فإن الالتفات إلى النفس لمعالجة عيوبها وهذه المصاعب والشدائد والأزمات تكشف حقائق الناس؛ إنها تبين معادنهم، فحص للمعادن، فكيف ستعرف المعادن والأصول إذا لم يبتلى الإنسان؟

جزى الله الشدائد كل خير عرفت بها عدوي من صديقي

فهي تكشف لك أيضاً ما يوجد من الحقائق في نفوس الآخرين ممن حولك.

والإنسان إذا لم يكن في حياته مصاعب ولا شدائد ولا أزمات في الحقيقة تفقد الحياة بعضاً من طعمها.

وأيضاً فإن الإنسان ربما يبطر ويصاب بالأشر ولا يحس بالنعمة، فإذا صارت هنالك شدائد ومصاعب وأزمات فإنه يشعر بنعمة الله -تعالى- عليه في الرخاء فإذا عوفي من هذه الشدة أو الأزمة فإنه يعود عبداً صالحاً عابداً لربه.

قواعد وضوابط في حل المشكلات

00:12:25

إن قضية المعالجات -أيها الإخوة- والقواعد في المواجهة لهذه المصاعب والأزمات إنها علم ودراية وخبرة بالإضافة إلى إيمان وصلة قوية بالله .

ونحن نحتاج مع تعقيد الحياة التي نعيش فيها الآن إلى دراسات علمية في مواجهة بعض المشكلات وإلى منهجية في هذه المواجهة.

والشباب عندما يكونون صغاراً أو أغراراً فإنه تنقصهم هذه القضية، ولذلك لا بد من التوعية، لا بد من تعليم الآخرين كيفية التعامل مع هذه الشدائد، فيتعلم مثلاً كيف يشخص المشكلة؟ ويتعلم ما هي البدائل في العلاجات؟ ولذلك لننتقل الآن إلى القواعد والسبل في هذه الحلول والمواجهات:

أولاً: تحديد المشكلة، وهذا التحديد ينبني على فهم لا بد أن تعرف طبيعتها، تاريخها، متى بدأت، تجمع المعلومات عنها، القضية تحتاج إلى ملاحظة وربما تذكر الماضي واستعانة بمن حولك، وإن قضية الاكتشاف مما جبل الله الناس عليه: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ [النحل: 78]، فبهذا السمع والأبصار والأفئدة نتعرف على الحلول، ونقلب الأمور.

ولا تظن -يا أخي- أن أي مشكلة تواجهها فسيكون عندك الحل مباشرة، قد يكون وقد لا يكون، ولذلك نحن نتعلم، هب أنك دخلت غرفة مظلمة فجأة وانقفل عليك الباب، هل تستطيع أن تتعامل مع كل ما هو موجود في هذه الغرفة المظلمة مباشرة؟

لا تستطيع، ولو قيل لك: اجمع المتاع الموجود فيها فوراً، لا تستطيع، ولكن تتناول شيئاً فشيئاً، تتحسس طريقك تدريجياً، تبدأ عيناك تعتاد الظلمة، تبصر أشياء أو خيالات لم تكن تبصرها في البداية، وتتلمس الطريق جامعاً هذا المفيد.

ومن تأمل هذا المثل عرف كيف تتم آلية التعامل في كثير من الأحيان.

ثانياً: البحث في الحلول، هذه الحلول المناسبة للأزمة أو الشدة أو المشكلة، الأسلوب العلمي أو الأسلوب الرياضي أو إيجاد البدائل أو الاحتمالات والبحث فيها هذه قضية، ثم الممكن منها فقد تكون هناك حلول لكن ليست بالإمكان ليست باليد، إن تجزئة المشكلة أيضاً والحل التدريجي إذا كان لا يمكن حلها مباشرة من السياسات المهمة.

إن توليد الأفكار والتأمل والتدبر، وهذا يأخذ وقتاً، مع اللجوء إلى الله وأنت تدعوه أن يهديك للحل الأمثل وأن يوفقك لتجاوز هذه الصعوبة، كان شيخ الإسلام -رحمه الله- إذا استغلقت عليه مسألة من مسائل العلم ينطرح بين يدي الله داعياً ملحاً: "يا معلم إبراهيم علمني، ويا مفهم سليمان فهمني" كان العلماء يلجؤون إلى الله لحل المشكلات عندما تتعارض أدلة، عندما تأتي الأزمة القوية التي تحتاج إلى فتوى مثلاً وهذه الفتوى لا بد أن تبنى على بصيرة.

إن مصادرنا في إيجاد الحلول تأمل وتدبر استلهام هذا من الكتاب والسنة، اللجوء إلى الله بأن يفتح عليك، قراءة الكتب، سؤال أهل الخبرة، استشارة الإخوان، ونحو ذلك؛ إن المصادر للبحث عن الحلول متعددة.

ثالثاً: أن تختار الحل الأقرب والأمثل بعد تقليب النظر في الآراء الأخرى، لقد كانت الحلول في مواجهة عشرة آلاف شخص من الكفار في الخندق متعددة، المواجهة المباشرة، أن نخرج إليهم، أن ننتظرهم يأتوا إلينا، أن نتحصن داخل بيوت المدينة، حتى كان الحل الأمثل الذي طرحه سلمان الفارسي حفر الخندق.

إن الحل الأمثل يحتاج إلى فترة لكي يختمر في الذهن وينضج وأن تفكر في الحل، ما هي إيجابياته؟ ما هي سلبياته؟ فقد يكون له سلبيات.

رابعاً: وضعه موضع التنفيذ، وضعه موضع التنفيذ لكي ترجو أثره.

ويمكن أن نلخص ما تقدم:

أولاً: تحديد المشكلة.

ثانياً: جمع المعلومات.

ثالثاً: إيجاد البدائل.

رابعاً: المقارنة بين البدائل.

خامساً: اختيار البديل الأفضل.

سادساً: وضعه موضع التنفيذ.

سابعاً: فحص النتيجة.

ثم أخذ العبرة واستخلاص ذلك للمستقبل.

أنواع المشكلات

00:18:01

إن المشكلات متنوعة، فمنها ما يكون متعلق بك أنت كشخص مصاب بالوسوسة، مشكلته لا علاقة لها بشخص آخر مشكلته ذاتية في نفسه هو، ومن المشكلات ما يكون بين اثنين كمشكلة العشق أو التعلق أو المشكلات بين الزوج والزوجة مثلاً نفور متبادل، عداوة بين شخصين من المسلمين، بين جارين، وقد تكون المشكلة متعلقة بعدد من الناس في بيئة أو وسط من الأوساط قد تكون في شركة، مؤسسة تعاني من أزمة أو شدة، وقد تكون قضية على مستوى البلد، أو قضية دولية وعالمية، قد توجد قضية على مستوى البلد كالبطالة، وقد توجد قضية عالمية كالتلوث.

الأزمات والمصاعب والشدائد والمشكلات متنوعة متعددة، وكل واحد من هذه له طريقة حله المناسبة، لكن في كثير من الأحيان تحتاج المشكلات الجماعية إلى بروز قائد وشخصية للحل لكي يقود هذه المجموعة إلى الحل، لقد كان دور الإمام أحمد -رحمه الله- عظيماً في فتنة خلق القرآن، شدة عظيمة مرت على الأمة، مبتدعة تسللوا إلى مركز القرار والقيادة، ولبسوا على الخليفة واستمالوه إلى جانبهم وحملوه على حمل الناس على البدعة بالقوة، تصدى لها الإمام أحمد -رحمه الله-، كانت أزمة عظيمة واجهت الأمة.

والأعظم من هذا موقف الصديق -رحمه الله- في التعامل مع أزمة المرتدين، لما توفي النبي ﷺ كفرت العرب، ولم يبق إلا أهل مكة والمدينة والطائف، نفر قليل وأكثر العرب ارتدوا، إنها أزمة ضخمة جداً، إنها قضية مصيرية، ربما تعيد الناس إلى الجاهلية، وتجعل هؤلاء يتغلبون على النفر أو من بقي من المسلمين، ولكن كان لها أبو بكر خلافة النبي ﷺ كانت أزمة، فإن النبي ﷺ لم يعين لهم شخصاً بالاسم ينص عليه نصاً قاطعاً، وإنما ترك إشارات لخلافة الصديق، كانت أزمة وكان خلاف قد قام بين المسلمين، فبادر الصحابة من هؤلاء الرؤوس الكبار إلى حلها قبل أن تعصف بالمسلمين.

النظر الشامل إلى المشكلة

00:20:53

إننا نحتاج أيضاً بالإضافة إلى دور القائد في حل هذه المشكلات الجماعية النظر الشامل إلى المشكلة، فبعضهم ربما ينظر من زاوية أو نظره جزئي، فلا يدرك كل المشكلة، وبناءً على ذلك قد يتخذ قراراً في حلها، وهذا الحل جزئي، وربما يحلها بعضهم حلاً سريعاً مؤقتاً، ثم تنفجر وتتضاعف.

إذا ما الجرح رم على فساد تبين فيه إفساد الطبيب

لأن جرح بدون تنظيف إذا خيط يتقيح بعد مدة وينفجر، ويتبين فيه الإهمال الأول في العلاج.

الحاجة إلى فريق لإدارة الأزمة

00:21:42

إننا نحتاج في كثير من الأحيان -أيها الإخوة- إلى فريق لإدارة الأزمة، إننا نحتاج إلى من يدير الحل.

إن وجود طائفة من حلالي المشكلات في المجتمع الآن مهم جداً.

إن الناس يعانون من مشكلات نفسية، مشكلات مالية، مشكلات زوجية، اجتماعية، وهكذا..

ولا بد من وجود أهل ثقة وأهل خبرة يرجع إليهم الناس.

لا بد أن نتعلم طريقة الاستقراء والفحص الشامل والعمق في النظر.

وكذلك عدم تضخيم المشكلة، التضخيم أكثر من الحقيقة؛ لأن الشيطان يهول في نفس الإنسان المصاعب، وربما تكون القضية بإمكانه السيطرة عليها، وهذا العائق بإمكانه أن يتخطاه، لكن الشيطان ينفخ في صدره ليهوله له: لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا [المجادلة: 10].

وأحياناً يكون ضعف الإيمان سبباً في تهويل المشكلة في النفس أو أن ينظر إليها بنظرة غير نظرة الشريعة، رأى رجل من المسلمين في معركة اليرموك كثرة الروم، فقال: ما أكثر الروم وأقل المسلمين؟

إنه نظر إلى العدد فقط، إنه نظر نظراً ظاهراً فقط، لكن هذا الواحد من المسلمين بإيمانه كم يعدل؟

وأولئك الزبد الذي يذهب جفاء، أولئك الكثرة الذين قلوبهم خاوية لما انطلت عليه من الكفر، ولذلك بادر خالد قبل هذه العبارة المحبطة أن تنتشر، فقال له: بل ما أكثر المسلمين وأقل الروم.

ولما رأى رجل قرحة في يد محمد بن واسع فزع منها، فقال محمد بن واسع: هذه القرحة تنبجس بالقيح والصديد أنها منظر مؤلم يستدر الشفقة، إنه مزعج يؤلم النفس، فقال محمد بن واسع: الحمد لله أنها ليست في لساني ولا في طرف عيني، فكلما نظرت إلى ما كان يمكن أن تؤول إليه المشكلة لو كانت أصعب أعقد أسوأ حمدت الله على ما أنت فيه.

وإن بعض الناس الذين يبتلون اليوم بالمشكلات والمصاعب في حياتهم يعممون النظرة التشاؤمية، وهذا كثير في النساء، لأن النبي ﷺ قال: ((تكثرن الشكاية)) في قضية سبب كثرتهن في النار، تقول بعض النساء: حياتي كلها نكد، زوجي ما فيه خير، هل فعلاً حياتها كلها نكد؟ ما في ولا يوم أو أيام أو بعض السنة تعيش بخير، زوجي ما فيه خير، هل فعلاً زوجها ليس فيه خير أبداً، لم يحسن إليها أبداً ولا في أي يوم من الدهر؟ هذه هذه مسألة.

وكذلك بعض الأزواج أيضاً ينكر الجميل وعنده هذه النظرة التعميمية للسلبيات، ولذلك أوصاه: لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر  [رواه مسلم: 1469].

فانظر إلى الجوانب الأخرى الإيجابية، واسمع معي هذا الحديث: دخلت امرأة صفوان بن المعطل يوماً على رسول الله تشتكي زوجها، دخلت على رسول الله ﷺ تشتكي زوجها صفوان وتقول: يا رسول الله إن زوجي صفوان يضربني إذا صليت، ويفطرني إذا صمت، ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، النظر في الموضوع للوهلة الأولى يشعر بأن كل الحق على الزوج، وأنه هو المخطئ مائة في المائة، لكن استيضاح الحقيقة، جمع المعلومات، مقابلة الأطراف، السماع من المتخاصمين والفرقاء المتنازعين مهم جداً لإيجاد الحل للمشكلة هذه والحكم فيها، وكثيراً ما يواجه القضاة هذا، بل والمدرسون في المدارس، والآباء والأمهات في البيوت، وكل من يرجع إليه في حل مشكلة من المشكلات، أئمة مساجد، خطباء، طلبة علم، دعاة، وهكذا، يضربني إذا صليت، يفطرني إذا صمت، لا يصلي الفجر إلا بعد وقتها، فاستدعى النبي ﷺ صفوان فسأله عما قالت، لا حكم قبل السماع من الأطراف الأخرى، فقال: يا رسول الله، أما قولها: يضربني إذا صليت، فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها، يعني تقرأ بسورتين طويلتين في الركعة، وقد نهيتها عن تطويل القراءة؛ لأني أحتاجها في الفراش، فقال ﷺ: لو كانت سورة واحدة لكفت الناس، قال: وأما قولها: يفطرني إذا صمت، فإنها تنطلق فتصوم يعني النافلة وأنا رجل شاب فلا أصبر، طبعاً هذا زمن المغريات أيضاً، قد يرجع الإنسان من الشارع فيكون بحاجة إلى إتيان أهله، فهي تكثر الصيام فيفطرها بحق، ليس صيام فرض ولا قضاء ولا نذر، إنه صيام نافلة، قال ﷺ يعلق على كلام صفوان عندما شرح يفطرني إذا صمت، قال: فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر، قال ﷺ: لا تصوم المرأة إلا بإذن زوجها قال: وأما قولها: إني لا أصلي الفجر حتى تطلع الشمس، فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك، لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس" [رواه أبو داود: 2459 وأحمد: 11759، وصححه الألباني في صحيح: 2122].

إذاً، هذا شبه المرض الوراثي، هناك مرض النوم الثقيل، مرض ابتلاء من الله، ليس التفريط في النوم إنما التفريط في اليقظة، فمن الناس من يستطيع أن يقوم ويستطيع أن ينهض للصلاة ويسمع المنبه ويسمع من يوقظه ويسمع الأذان ويسمع الإقامة لكنه يتعمد عدم القيام، ومنهم من لا يسمع شيئاً أبداً، نومه ثقيل جداً، قال إنا أهل بيت، نحن أسرة عائلة فينا هذا، فينا مرض النوم الثقيل، واستفيد من صفوان أنه كان لما يتأخر في الاستيقاظ وقد رحل الجيش فيبحث عن المفقودات والأشياء الساقطة يجمعها، ولذلك صفوان عثر على عائشة في قصة الإفك لما مشى الجيش وتركها، من الذي عثر على عائشة وأتى بها؟ صفوان بسبب أنه كان عنده هذه العلة وهي مرض النوم الثقيل.

فتأمل كيف أن هذه الادعاءات لما فحصت آلت إلى أمور أخرى، فلا بد من التمحيص والبحث في المشكلة وفحصها.

وإذا ابتلي الإنسان بقضية واجه أزمة أو شدة فإن من العلاجات أن يتأمل ويتدبر فيمن ابتلي بأكثر منه كما مر معنا، والنبي ﷺ لما واجه شدة، قال: رحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر [رواه البخاري: 3150 ومسلم: 1062].

ولما جاء خباب يشتكي إليه وقد أرهقت جسمه سياط الكفار، قال: يا رسول الله ألا تستنصر لنا؟ قال: كان فيمن كان قبلكم يؤتي بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه، فينشر ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه [رواه البخاري: 3852] لا يوجد في كثير من الأحيان لا يوجد حلول فورية، ناس مضطهدون محاصرون في مكة، ما هو الحل؟ لا يستطيعون الخروج، ولا ينتصرون على عدوهم الآن، الحل هو الصبر.

بعض الناس يريد حلولاً سحرية كما يقولون، يعني تزيل المشكلة فوراً وإذا لم يأتهم ناصح بها لعدم توفرها قال: أنت لم تحل المشكلة ولا تفهم شيئاً، خباب لما جاء للنبي ﷺ يشكو إليه هذا، ماذا كان الحل؟ مقارنة الحال بمن كان قبله ممن أوذي بأكثر كان فيمن كان قبلكم يؤتي بالرجل فيوضع المنشار على مفرق رأسه فينشر ما بين لحمه وعظمه ما يصده ذلك عن دينه، منشار، أنت ضربت بالسياط غيرك أوذي بأكثر من هذا.

ونحن -يا إخوان ويا أخوات- إذا نزلت بنا ملمة من الملمات فإننا لا بد أن نتأمل فيها فقد يكون فيها خير كثير: وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة: 216].

حكي أن رجلاً في بلدة أدخل السجن ظلماً، ولا شك أنه قد حصل له من التأذي بسبب هذا على الأقل نفسياً، وفي أثناء السجن حصلت مجزرة في البلد، وقتل بعض الناس بعضاً، ولما خرج عرف، فتبين له أن سجنه كان سبباً في نجاته.

قال شريح: إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات أشكره إذ لم تكن في ديني، وإذ رزقني الصبر عليها، وإذ وفقني للاسترجاع فيها، وإذ لم تكن أعظم مما هي، كان ممكن تكون أسوأ، أي قضية تحصل لك قل: كان ممكن أن تكون أسوأ، وهناك ما هو أسوأ، وكل ما تأمل الإنسان فيما حصل للآخرين يجد أن هنالك من هو أسوأ منه وضعاً، تتفاوت القلوب في التجلد والتحمل للمصاعب والأزمات تفاوتاً عظيماً وعلى حسب ما فيها من الإيمان والصبر والتعلق بالله والاستمداد من قوته تعالى يكون الصمود وتكون المواجهة، وليكن عندك من النظرة المستقبلية والربط والتحليل والاستقراء ما يجعلك قادراً على التفكير السليم في الخروج من هذه الأزمة.

التحلي بالهدوء ورباطة الجأش والتروي

00:32:56

إننا نحتاج إلى التحلي بالهدوء ورباطة الجأش والتروي، وإذا قررت ألا تغضب فلن تغضب؛ لأن النبي ﷺ لما قال للرجل: لا تغضب  [رواه البخاري: 6116] لم يأمره بشيء خارج عن قدرته، ولم يكن التكليف فيما لا يطاق، إنما كان فيما يطاق.

ولا بد أن يوجد عندنا أيضاً حكمة في العلاج: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا [البقرة: 269].

ولما واجه النبي ﷺ مشكلة في مسجد عندما جاء هذا الأعرابي وبال فيه تصرف بكامل الهدوء والاتزان وقال: ((دعوه)) [رواه البخاري: 219 ومسلم: 284] ثم أمر بأن يراق على بوله سجلاً من ماء، ذنوباً من ماء، دلواً من ماء، وذهبت المشكلة، ابتلعتها الأرض وتطهر المكان، وحصل تألف لقلب الرجل، وأحب النبي ﷺ.

ولا بد أن يوجد أيضاً لدينا فطنة، فإن الفطنة وليدة الإيمان، صحيح أن الذكاء قسمه الله في البشر، ولكن الإيمان يفطن الإنسان لحلول لا تكون عند غيره ممن هو أحياناً أكثر ذكاء، لكن أقل زكاء، وجه عبد الملك بن مروان عامراً الشعبي إلى ملك الروم في بعض الأمر، فملك الروم أعجب بالشعبي، وحزن أن يكون عند المسلمين واحد بقوة عقل هذا الرجل، وفكر في حيلة ماكرة خبيثة للتخلص من الشعبي إذا رجع إلى الخليفة، والرسل لا تقتل عرفاً، فلما أراد الشعبي الرجوع إلى عبد الملك حمله ملك الروم رقعة لطيفة، قال له إذا رجعت إلى صاحبك يعني عبد الملك وأبلغته ما عندنا فادفع إليه هذه الرقعة، فلما صار الشعبي إلى عبد الملك، وذكر له ما حصل دفع إليه الرقعة ونهض وخرج، فقرأها عبد الملك وكان عنده فطنة، فأمر برد الشعبي، فقال: أما علمت ما في هذه الرقعة، قال: لا، قال: إنه يقول فيها: عجبت من العرب كيف ملكت غير هذا؟ عبارة خبيثة، عجبت من العرب كيف ملكت غير الشعبي؟ هذا أجدر بالملك، لكي يجد الخليفة عليه في نفسه ويغار ويقتله، أفتدري لم كتب إلي بهذا؟ قال: لا، قال: حسدني بك فأراد أن يغريني بقتلك، فقال الشعبي متواضعاً: لو كان رآك يا أمير المؤمنين ما استكثرني، فبلغ ذلك ملك الروم، فقال: لله أبوه، يعني عبد الملك، ما أردت إلا ذاك، يعني ما أردت إلا أن يغار منه فيقتله.

الانشغال عن أصل المشكلة بالفرعيات

00:36:25

نحن في مواجهة المشكلات والمصاعب أحياناً ننشغل عن أصل المشكلة بالفرعيات، كطبيب يعالج الوجع والحرارة ولا يعالج أصل الالتهاب، وعلاج الأعراض لا يغني عن علاج أصل العلة، والعلة إذا عولجت ذهبت الأعراض تلقائياً، وأيضاً فإننا لا بد أن نتأمل في أنفسنا إذا واجهنا مشكلة فربما نكون نحن سببها، فزوج يشتكي نفور زوجته وأنها لا تتزين له، فلما تأمل أو نصح عرف أن ذلك ردة فعل؛ لأنه لا يعتني بأبسط قواعد النظافة هو، فكان تصرف الزوجة ردة فعل على طريقته.

الحذر من المحرمات في حل المشكلات

00:37:14

ومن القواعد: الحذر من المحرمات في حل المشكلات، فإن بعض الناس إذا عرضت لهم بعض هذه الأزمات لجأوا للسحرة والعرافين والكهان، لا تفسد حياتك بالمعصية، ولم يجعل الله شفاء أمة محمد ﷺ فيما حرم عليها.

البدء بالأسهل في حل المشكلة

00:37:36

ومن النصائح أيضاً: الأسهل فالأسهل، فبعض الناس إذا ابتلي بشيء في ولده تصرف الولد تصرفاً سيئاً يفكر مباشرة في طرده من البيت، مع أنه تجاوز أموراً كثيرة قبل هذا، فقد كان عنده النظرة، ومن الناس من يؤدب بالنظر، وعنده المعاتبة، وعنده الزجر والتوبيخ، وعنده الترهيب والتخويف، وعنده الهجر والمقاطعة المؤقتة، عنده أشياء كثيرة، لكن مباشرة يذهب إلى حل ليس هذا وقته، وليس هذا أوانه، فيريد أن يطبق حلاً شديداً جداً في مشكلة بسيطة، وهذا بلا شك لا يحلها بل يزيدها تعقيداً، وإذا صار الواحد يستخدم دائماً الحد الأعلى، يستخدم دائماً أقصى العلاجات وأقساها، فماذا خبأ للمشكلة الأصعب؟

فليكن في جعبتك حلول باقية للمستقبل، ولما هو أشد، وكذلك في معالجتها، فبعضهم يفكر في الطلاق مباشرة، أو في طرد الزوجة من البيت مباشرة، وهنالك أشياء ومراحل وقد ذكر الله فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ  [النساء: 34]، وذكر  فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا [النساء: 35] هذا إذا كانت هي المخطئة، فكيف لو كان الزوج هو المخطئ؟

 فَعِظُوهُنَّ  الظاء بالعصا، فإننا نتألم عندما نقرأ في أوراق الطلاب وبعض منتديات الإنترنت كثيراً ممن لا يفرقون بين الضاد والظاء، فيكتب الضاد في موضع الظاء، والظاء في موضع الضاد، ولذلك لما لجأ أحد هؤلاء الأعراب إلى شيخ في مشكلة زوجية فعلمه الآية:  فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ [النساء: 34] رجع إليه وكان الشيخ قد أوصاه ابدأ بالأول، لا تقفز للضرب، ابدأ بالأول، قال: يا شيخ جربت ما نفعت، جربت الأول ما نفع، ازدادت المشكلة سوءاً، قال: لماذا؟ قال: عضيتها وعضيتها وعضيتها، قال: كيف؟ قال هذه الآية: فَعِظُوهُنَّ  [النساء: 34].

أحياناً في هذا الباب أو باب قضية اتخاذ أقصى الحلول أو أقساها، يريد بعض الناس مباشرة أن يلجأ إلى الشرطة أو المحكمة، قد يكون خلافاً مالياً أو زوجياً، أو غير ذلك، هناك حلول أبسط يعني قبل الشرطة أو المحكمة فيه خطوات كثيرة، لكن العجلة، الرغبة في الانتقام، الغضب يجعل بعض الناس مباشرة يقفز إلى خطوات وإجراءات اتخاذها يعتبر إنهاء للعلاقة، يعني إذا وصلت الشرطة أو المحكمة ماذا بقي؟

خنق المشكلة

00:41:04

إن اتباع استراتيجية تفريغ المشكلة من مضمونها أو ما يسمى بخنق المشكلة والتنفس بلا هواء للقضاء عليها من العلاجات الجيدة.

وقد تكون المشكلة إشاعات تنتشر، كيف تواجه؟

خنق الإشاعة فلا تتنفس فتموت، عبد الله بن أبي بن سلول قال كلاماً سيئاً جداً وقبيحاً، وكان انتشاره بين الجيش مصيبة، النبيﷺ أعرض عنه، لم يظهر أن للمشكلة وزناً كبيراً أمام الناس، ولم يأمر بقتله أيضاً، لأن هنالك سلبيات أخرى، ولم يترك الناس على حالهم فيتكلمون وتنتشر الإشاعة زيادة، بل مشى بالجيش في وقت لم يكن عادته أن يمشي بهم، فانشغل الناس بالمشي عن تناقل الإشاعة، ولما تعبوا جداً نزل بهم، فما أن وجدوا مس الأرض حتى ناموا، فانشغلوا عن الإشاعة، وهكذا حتى وصلوا المدينة، إن انتشارها في السفر الآن كارثة، وفي الحضر يأتي الله بالفرج.

الحاجة إلى المساندة في حل المشكلات

00:42:27

وأيضاً فإن الإنسان يحتاج في مواجهة الأزمات إلى إخوة يساندونه، والنبي ﷺ لما واجه أزمة الإفك وشدة عصيبة فيه، تعامل مع هذه الأزمة بعدد من الإجراءات والخطوات مهمة جداً:

أولاً : من الذي سمع الكلام ومن الذي نقله والتأكد منه.

ثم التحقق هل وقع هذا من عائشة؟ والسؤال وبطريقة حكيمة  إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه [رواه البخاري: 4141 ومسلم: 2770] ((إن كنت)) فلا هو بالذي اتهمها وأثبت عليها التهمة، ولا هو بالذي برأها وهو لم تتبين له الحقيقة.

ثم استشار علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد من المحبين، والمحب لا يبذل إلا رأياً سديداً، أهل الود يكونون معك، واقترح أسامة أن تسأل الجارية، هذه تلازم عائشة، فدعاها رسول الله ﷺ: أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟  قالت: والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمراً أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله. [رواه البخاري: 4141 ومسلم: 2770].

سليمان : سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ [النمل: 27] قضية التروي.

الحاجة إلى الصبر

00:43:55

ثم نحتاج للصبر، فكثير من الأزمات تأتينا فجأة كالمصيبة، صدمة تحصل، ومر النبي ﷺ بامرأة تبكي عند قبر، فقال: اتق الله واصبري  قالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها إنه النبي ﷺ، فأخذها مثل الموت، كيف قالت هذا الكلام للنبي ﷺ، فأتت باب النبي ﷺ فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك، تعتذر، قال: إنما الصبر عند الصدمة الأولى  [رواه البخاري: 1283].

 اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ [البقرة: 153].

لقد واجه النبي ﷺ مع أصحابه بمكة في حصار الشعب أزمة ضخمة، تجويع، محاصرة، حتى أكلوا الجلود، حتى صار الرجل يضع كما تضع الشاة، إذ تضع الشاة بعرة صغيرة، ما في شيء يؤكل، لا يكادون يأكلون شيئاً، فجعل الرجل يضع كما تضع الشاة، ولقد أتت علي ثلاثون من بين يوم وليلة ليس لي ولبلال شيء يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال)) [رواه الترمذي: 2472 وأحمد: 14055 وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].

وصبر النبي ﷺ.

إن الصبر مهم جداً في المواجهة، وجاء الله بالفرج.

ولربّ نازلة يضيق بها الفتى ذرعا وعند الله منها المخرج
ضاقت فلمّا استحكمت حلقاتها فرجت وكان يظنّها لا تفرج

ما أصابك لم يكن ليخطئك.

وعندما تواجه أزمة دراسية، رسوب، إخفاق، عندما تواجه خسارة مالية، تذهب أموالك في استثمار خاسر، ما الذي يصبرك حينئذ؟

أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

وأنك مهما عملت من التدابير إذا كان الله أراد ذلك فلا بد أن يحدث لك، ولذلك الإيمان بأن هذا في اللوح المحفوظ ومكتوب مهم جداً:  مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا [الحديد: 22].

وبهذا استعان الرجل الصالح لما أتى به ذلك الملك الباطني المستبد الخبيث وأمر يهودياً بسلخه، تعرف كيف يسلخ جلد الإنسان؟ سلخ كجلد الشاة، فلم يكن منه إلا أن قرأ الآية وهو يسلخ، هذا موقف مربوط يسلخ، بأي شيء يواجه؟ قرأ الآية: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22]، وفي النهاية رحمه اليهودي فطعنه في قلبه ومات، وذهب شهيداً لربه.

التفكير الأمثل في حل المشكلات

00:47:06

في خضم معمعة الأزمات يفقد كثير من الناس القدرة الصحيحة على التفكير، ومن هنا فإن الإيمان يثبت الإنسان ويرد إليه عقله فيفكر بطريقة صحيحة.

إننا نسمع بعض القصص التي فيها انقلاب سيارة والأب يموت وقد ذهل الجميع إلا فتاة، قالت: يا أبت قل: لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فقالها وهو يلفظ أنفاسه.

كون الواحد يسترد وعيه ويعرف في قمة المصيبة ما هو أهم شيء يفعله الآن، وأولى إجراء بالاتخاذ، إن ذلك شيء لا يولده إلا الإيمان، احفظ لسانك كثيراً، ما يزيد اللسان المشكلات تعقيداً، كثيراً ما تزيد التعليقات الأزمة سوءًا، اللسان أحق شيء بالسجن، ثم يا أخي لا تجعل المشكلة تستولي عليك، وإنما أنت سيطر عليها إذا كان ذلك بمقدورك، فبعض الناس استسلامهم سريع، والمؤمن بإيمانه هو الذي يسعى إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه واستدراك ما يمكن تداركه ويتخذ الأسباب الشرعية ليخرج من الأزمة بسرعة، وهو يصعد الأمور تدريجياً لكي يخرج من الورطة.

الاستعانة بالكتمان

00:48:46

ومن القواعد: الاستعانة بالكتمان، فإن النبي ﷺ قال: استعينوا على إنجاح حوائجكم بالكتمان [رواه الطبراني في الكبير: 1186].

وبعض المشكلات إشاعتها طريق إلى عدم حلها، والأمر إذا اتسع تصعب السيطرة عليه، ومن المشكلات العائلية ما يتعاظم عندما يخرج خارج البيت فيعلم به الجيران وأقارب الزوج ثم أقارب الزوجة والزملاء في العمل وصاحبات الزوجة، وهكذا..، ثم تجده عند أجانب غرباء لا علاقة لهم بالأمر، وعندما يرى الزوج أو الزوجة أن الأسرار الداخلية صارت عند الغرباء فإنه يأنف أو تطيب نفسه منها أو تطيب نفسها منه، لا يريدها ولا تريده؛ لأن الناس لا يحبون الفضيحة، وقد جبلوا على الستر، والله -تعالى- ستير، فينبغي الستر وعدم نشر الغسيل كما يقولون، الغسيل المتسخ طبعاً، وليس الغسيل النظيف.

التعلق بالله والدعاء

00:50:06

والتعلق بالله -جل وعلا- والإكثار من الدعاء، وكان هذا من صفات النبي ﷺ في كل أزمة واجهته، يرى قريشاً قد خرجت بفخرها وخيلائها وعددها تحاد الله ورسوله، يرفع يديه حتى سقط رداؤه عن منكبيه وهو يقول: اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم آتني ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض  فما زال يهتف بربه، ماداً يديه مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه، وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتك ربك، فإنه سينجز لك ما وعدك [رواه مسلم: 1763].

وكان دعاؤه ﷺ في كل موقف من هذه المواقف جالباً للفرج من الله -تعالى-، ولذلك من القواعد الأساسية في حل المشكلات الثقة بالله، وأنه يأتي بالفرج:  فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح: 5، 6].

ولا تكن -أيها الأخ أيتها الأخت- إمعة، فإن بعض الناس يريد أن يجرب حلولاً قد قام بها أشخاص آخرون في مشكلات مختلفة، ولا يدرك أن ما يصلح هناك ربما لا يصلح هنا، وأن الأحوال تختلف، ولذلك لا بد من فحص الحل، هل مناسب لهذه الأزمة، أم لا؟ ولا بد أن يكون عندنا تفاؤل وليس بتشاؤم، وإذا كنت حسن الظن بالله، فأنت عظيم التفاؤل، وإذا كان ظنك بالله سيئاً، فإنك شديد التشاؤم، ولما قلنا إن للأزمات والشدائد إيجابيات فهذه مما يواجه به المسلم الأزمة بنفسية متفائلة، ويتذكر قول الشافعي: أما ترى البحر تعلو فوقه جيف، وتستقر بأقصى قاعه الدرر، فربما ترى الجيف على سطح البحر، ما هو الظاهر؟ نتن، ماذا يوجد في الأسفل؟ درر، فلا يغرك الظاهر، وربما يكون في بواطن الأمور خير عظيم، ثم نحتاج في المواجهة إلى العزم والعمل والمضي وعدم التردد، وقد ذكرنا الله -تعالى- بالأخذ بالأسباب، فقال: فَإِذَا عَزَمْتَ  يعني على اتخاذ السبب، ذكرنا بالتوكل مع هذا، فقال: فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران: 159]، وقد قيل: العاجز يكثر الشكوى، والحازم يسرع إلى العمل، وبعض الناس إذا صارت مشكلة مباشرة يلجأ للآخرين وربما يستطيع هو أن يفعل شيئاً، وربما يندم بعد ذلك إذا جاء الآخرون، فقد يتأخرون وقد يفسدون ولا يصلحون، وربما ينشب حريق صغير في الغرفة، فيبادر إلى الاتصال بالدفاع المدني وينتظر فاحترق البيت، وربما يتصل على شخص ويقول ماذا أفعل؟ هنا شب حريق في الغرفة، هل أبقي الغرفة مفتوحة؟ أو هل أغلق الغرفة؟ فيقول له ذاك الذي يجيب من بعيد ولا يعرف القضية: افتح كل شيء، كل شيء افتحه، قال: ففتحت كل شيء حتى الثلاجة، قال فخرج الحريق من الغرفة إلى الغرف الأخرى، ثم جاء ناس لإطفائها، فبللوا كل البيت، على سياسة تبريد، والذي ما احترق من الأثاث خرب بالماء، ولو كنت سارعت إلى إطفائها لانطفأت، وربما لو أغلقت عليها الباب لما احترقت إلا هذه الغرفة، ينبغي أن نكون رابطي الجأش.

الاستخارة في معالجة الأزمات والشدائد

00:54:14

وكذلك: الاستخارة والصلاة لله -تعالى-، فإن المؤمن لا يزال يحتاج إلى ربه، والله يلهمه الصواب في الأزمات والشدائد، ولذلك لا يستغني عن الصلاة والدعاء في هذه الاستخارة، ولتطمئن نفساً بركونك إلى الله، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.

الاستشارة في معالجة الأزمات والشدائد

00:54:40

ثم نأتي إلى مسألة: الاستشارة في معالجة الأزمات والشدائد.

إن الله قد فاوت بين العباد، فاوت بينهم في الرأي، وقوة العقل، وحسن التدبير والنظر، ولذلك فإن أهل الخبرة والاختصاص وأهل العلم وأهل الشورى جديرون بالمشاورة: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ [آل عمران: 159]، وإذا أمر النبي ﷺ بذلك وهو أكمل الأمة عقلاً، فما بالك بمن هو دونه؟

وعدم الاستشارة قد يعني بأن الشخص مغرور بنفسه أو أنه منعزل لا إخوة له في الله يستشيرهم أو أنه يريد أن يسيطر على المشكلة بنفسه ولا يخبر بها أحداً، لكنها لا تزال تتفاقم، فإلى متى؟

وربما يأتيك رأي من عاقل تتحسن به الأوضاع كثيراً، ولا بد من اللجوء إلى الحكماء، قال عمر : "لا تتكلم فيما لا يعينك، واعرف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، ولا أمين إلا من يخشى الله، ولا تمشي مع الفاجر فيعلمك من فجوره، ولا تطلعه على سرك، ولا تشاوره في أمرك إلا الذين يخشون الله ".

إن بلقيس وهي ملكة لم تأنف من المشاورة:  يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ [النمل: 32].

قد يستشير الإنسان أحياناً شخصاً بعيداً عن الجو؛ لأنه لا يعرف الظروف المحيطة ولا يريد الفضيحة ولا بأس بذلك، فيجمع بين الاستشارة وعدم فضح القضية، ويستشير أهل الورع؛ لأنهم لا يتكلمون إذا استكتموا فإذا قال: هذه أمانة، ولا أريدك أن تذكرها أبداً، فإن من حدث بحديث ثم التفت يخشى أن يسمعه أحد فهي أمانة لا يجوز إفشاؤها، وكتمان السر من الأمانات العظيمة التي يجب المحافظة عليها.

مشاركة أطراف أخرى في حل المشكلات

00:57:02

إن قضية إدخال أطراف أخرى في المسألة في المشكلة للحل مهم في كثير من الأحيان، خصوصاً عندما نعجز نحن، عجزت المرأة عن زوج مهمل في الصلاة، تنصح، تعظ، تذكر، تعطيه كتباً وأشرطة، وتكلمه مباشرة، ترغيب، ترهيب، لا فائدة، فتضطر للاستعانة بآخرين، فقد تخبر زوجة إمام المسجد لكي ينصح زوجها، إن زوجات الدعاة وزوجات أئمة المساجد وزوجات العلماء عليهن واجب خاص: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ [الأحزاب: 32]، وكانت عائشة وحفصة وأم سلمة ... نساء النبي ﷺ مرجعاً للنساء في نقل القضايا إلى النبي ﷺ.

فينبغي على زوجات الدعاة والأئمة والخطباء وطلبة العلم والمشايخ والعلماء التضحية وبذل الوقت للأخريات لنقل المشكلات والإتيان بالحلول، قد تحتاج أيها الطالب إلى المدرس، وتحتاج أيها الإنسان إلى من يشير عليك برأي سديد، وبعضهم يقول: المراكز الاستشارية المتخصصة نظراً لقلة الأمناء في الاستشارات في هذه الأيام، وقلة من يبذلون أوقاتهم للناس في الاستشارات، قام سوق مراكز الاستشارات، وصاروا يأخذون عليها أموالاً، وبعضهم يشير بالشيء التافه ويأخذ عليه مالاً، وبعضهم يشير بما يصعد القضية ويضاعف المشكلة، ولذلك مراكز الاستشارات هذه قد تكون نافعة وقد تكون ضارة، ولذلك لا بد من تمحيصها، ويبدأ الإنسان بمراكز الاستشارات المجانية؛ لأن من فيها أقرب إلى الإخلاص من مراكز الاستشارات التجارية، مراكز الاستشارات الاجتماعية أنشطة مهمة جداً لا بد أن تكثر في المجتمع، ويرتب مع المختصين النفسانيين والاجتماعيين وأهل العلم بالدين وطلبة العلم مواعيد للناس، لا بد من فتح هذا المجال، اليوم المشكلات كثيرة جداً، الأزمات كثيرة جداً، المعاصي الكثيرة وتعقيد الحياة المعاصرة ولد أزمات عند الناس، وإذا لم يكن للناس مفزع بعد الله وصدور مفتوحة، فماذا سيحدث؟

تكثر الانتحارات، الانهيارات النفسية والعصبية، ولذلك لا بد للدعاة من التفكير جيداً وهم يعالجون المجتمع ويقدمون النافع له بإيجاد المراكز الاستشارية المجانية، ويدعى إليها من يدعى من أهل الثقة والاختصاص والخبرة والعلم لكي يبذلوا من أوقاتهم للناس.

يوجد هناك هواتف استشارية أيضاً يتحرى فيها ومن يقوم بالجواب، فإنك قد تأتي بشخص يفسد أكثر مما يصلح، وإذا لم يكن في الطرف الآخر من يخاف الله فترى من الفضائح نتيجة الاستشارات ما يحدث من علاقات محرمة نتيجة بعض هذه الاستشارات التي حدثت لأناس ليسوا بمؤهلين ولا يخافون الله.

المواساة والدعم النفسي في مواجهة الأزمات

01:00:55

نحتاج في مواجهة الأزمات إلى عون نفسي معنوي يقدمه الآخرون، والذي يبتغي الأجر من الله يساند أخاه المتأزم نفسياً أو صاحب الشدة في محنته فيكون معه إخوانه لا يتركونه، إذا مات له قريب أحاطوا به، قاموا معه، ذهبوا معه، جاؤوا معه في التغسيل والصلاة والدفن والعزاء فهم معه ما تركوه، كذلك إذا أصابته خسارة مالية، دين، وقفوا معه، إذا أصابه إخفاق دراسي، مشكلة دراسية قاموا معه يعينونه، هذا بمواساة وهذا بشرح وهذا بالخبرة، فربما يكون تغيير التخصص أحياناً سبباً في تخطي المشكلة، الدعم المعنوي -يا إخوان-، نحتاج الآن إلى دعم معنوي كبير.

إن قضية التنفيس وأن تجد من تتكلم معه من الأمناء مسألة مهمة جداً اليوم، وأحياناً يكون الحل أن تجد فقط من تخبره بما في نفسك، وأحياناً يتصل شخص على شيخ ليشكو إليه أمراً، وتكون كل القضية أن يجد من يسمعه فقط، ولو لم يسمع في المقابل شيئاً، ولذلك فإن أهل الخير ينبغي أن يحتسبوا قضية تفريغ الآذان للسماع.

نعم، هناك أولويات، بعض الدعاة قد ينشغل عن هذا بأشياء أخرى نفعها أعم من نفع شخص واحد، لكن أحياناً يفرغ شيئاً على الأقل لأجل أجر إغاثة الملهوف؛ لأن التنفيس عن المكروب وإغاثة الملهوف فيه أجر خاص، ربما يتعدى أحياناً أعمالاً نفعها متعدٍ، ولكن الموازنة مطلوبة.

الواقعية في حل المشكلات وعدم التسطيح أو التيئس

01:03:11

من القواعد في حل المشكلات: عدم تسطيح القضية والتهاون بها، بل الوقوف على حقيقتها، ولنفترض أن شخصاً قد أصابه -والعياذ بالله- مرضاً خطيراً، فهل ترى الطبيب سيقول له: لا، هذه علتك بسيطة إن -شاء الله- يومان وتقوم بالسلامة، ما عندك مشكلة، وهو يرى السرطان قد انتشر فيه، خطأ، قد يكون يحتاج أن يوصي ولا بد أن يبين له حالته ليكتب وصيته، لكن عندما يبين له خطورة القضية، هل يقول له كما يقول بعض هؤلاء الجهلة من الأطباء يقول: أنا ما أظن أنك تطول أكثر من شهر أو شهرين، يقولها بكل برودة وبكل سخافة هكذا، وإذا قدر الله يعيش المريض أكثر من شهرين، جاء في الشهر الثالث يقول له الطبيب: غريب أنت كيف عايش إلى الآن؟ ما هذا؟ ولذلك فإن إيقاف الشخص على حقيقة مشكلته يحتاج إلى مساندة معنوية في الطرف الآخر، فأنت بين التسطيح غير الحكيم وبين التيئيس المقنط المحبط.

وعندما يأتي إنسان يعاني من أزمة بسبب ذنب، وقد يكون كبيرة من الكبائر، فهل من الحكمة أن تقول له: والله هذا ذنبك -إن شاء الله- بسيط؟ استغفر وتب، أم أنك أحياناً تحتاج إلى التروي والصمت؟ يقول رجل دخل على رسول الله ﷺ تعرض لامرأة مجاهد غازٍ في سبيل الله.

طبعاً هذه جريمته عظيمة أن يخلف غازياً في أهله بشر، ليس أن يخلفه بخير، يخلفه في أهله بشر، فتعرض لامرأة مجاهد غازٍ في سبيل الله، وجاء يطلب التكفير، فماذا فعل النبي ﷺ أمام هذه المعصية؟ قال: أخلفت رجلاً غازياً في سبيل الله في أهله بمثل هذا؟ قال الرجل: حتى ظننت أني من أهل النار، حتى تمنيت أني أسلمت سَاعَتَئِذٍ؛ لأن الإسلام يجب ما قبله، فأطرق رسول الله ﷺ ساعة، فنزل جبريل فقرأ النبي ﷺ عليه: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود: 114] [أخرجه البخاري].

لما جاء أسامة وقد قتل رجلاً قال: لا إله إلا الله، وكان ينبغي أن يكف عن قتله، وبعد ذلك ينظر في أمره، قال: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟  ولا زال يكررها علي، حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ.

حتى الإسلام يجب القتل هذا الذي حصل، مع أن الإنسان ما يتمنى أن يتأخر إسلامه، لكن أمام هذا التذكير والوعظ، فبعض الأحيان الأزمة التي تحصل بالمعصية لا ينبغي أن تسطح وتهون القضية، ويقال للمذنب هذا أو الذي ارتكب كبيرة: بسيط الأمر، تصلي ركعتين وخلاص، ينبغي أن يشعر بعظم خطيئته، ولكن ليس إلى الحد الذي يقال له: قتلت تسعة وتسعين نفساً ثم تأتي تريد التوبة ما لك توبة، في الجانب الآخر التيئيس حرام في علاج المشكلات والأزمات، نحتاج إلى الواقعية.

وبعض الناس يظن أن فلاناً هذا ما عنده ولا مشكلة مع زوجته، وفلاناً هذا العالم والداعية ما عنده ولا مشكلة مع ولده.

غير صحيح، جاء رجل إلى عمر يريد أن يشتكي له سوء خلق امرأته، فلما بلغ باب عمر سمع صوت زوجته تراجعه وتكلمه، زوجة عمر ترفع صوتها، فرجع أدراجه وهو يقول: لئن كان عمر تراجعه زوجته، فما بالنا لا تراجعنا زوجاتنا؟ أنا أصبر.

إذاً، إذا عمر تراجعه زوجته.

وكذلك الإنسان أحياناً يتعلم قد يكون هنالك عالم أو داعية حاول الكثير في صلاح ولده، فلم يكتب الله ذلك.

فأيضاً أنت ترى الواقعية أن هنالك أناس ربما يكونوا خيراً منك لم يحلوا المشكلة، وهذا يهون عليك، أو ترى ناساً خيراً منك عندهم مشكلة، يعني النبي ﷺ ما كان عنده مشكلات زوجية؟ النبي ﷺ ما كان عنده مشكلات دعوية؟ ما ردوه، ما ذهب يدعوهم حتى طردوه، ما قبلوا منه، أفاق من الهم في قرن الثعالب، النبي ﷺ كان جالساً مع نسائه مرة فدخل أبو بكر يستأذن، فأذن له، ثم أقبل عمر فاستأذن فأذن له، فوجد النبي ﷺ جالساً حوله نساؤه واجماً ساكتاً النبي ﷺ، واجماً حزيناً ممسكاً عن الكلام، ساكتاً، فقال: لأقولن شيئاً أضحك النبي ﷺ، فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة؟ يعني زوجتي، سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها؟ دفعت في عنقها، فضحك رسول الله ﷺ وقال: هن حولي كما ترى يسألنني النفقة  فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها، كلاهما يقول: تسألن رسول الله ﷺ ما ليس عنده، كل واحد يؤدب ابنته، أبو بكر يؤدب عائشة، وعمر يؤدب حفصة، قلن: والله لا نسأل رسول الله ﷺ شيئاً أبداً ليس عنده.

فانظر إلى قضية المعالجة، يعني الذي يعيش في غم يحتاج إلى تنفيس.

ولذلك ممكن أحياناً الواحد يأتي بشيء طريف لينفس به عن إنسان يعيش في غم، ترى الممازحة أحياناً يؤجر عليها الإنسان أجر عظيم، ينفس عن واحد مكروب، ويضحكه كما بكى.

ثم تدخل الحكيم من والد الزوجة، أبو بكر يتدخل مع عائشة، وعمر مع حفصة، والمشكلة في بيت النبوة، فليست القضية الآن أن بيت النبوة خالٍ من المشكلات، بعض الناس ينظرون بمثالية غير واقعية إلى الأمور، وربما إذا رأيت مثل هذا الموقف تقول: إذاً أنا في عافية.

وهذا من العلاجات أن تنظر ماذا عند الآخرين؟ قد تواجهنا أحياناً أزمات أو مشكلات بين أشخاص تعادوا فلا بد من القيام بالإصلاح.

احتساب الأجر في الصلح

01:10:42

إن من الأمور المهمة: احتساب الأجر في الصلح، ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة  قالوا: بلى يا رسول الله، قال:  إصلاح ذات البين .

فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم.

 لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[النساء 114]

قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- في صفات المصلح الذي يتدخل: ينبغي أن يكون ذا حلم وتقوى لله وعمل صالح وإنصاف للنفس من النفس، حتى يتوسط بين الناس بما أعطاه الله من العلم والبصيرة والإنصاف والتواضع، حتى يتوسط بين من زين لهم الشيطان الاختلاف والفرقة، وربما يكون سخياً، صاحب جود، فيعالج المشكلة.

احتساب الأجر في حل المشكلات والتدخل في السعي للإصلاح أجره عظيم، ولذلك قال الله: فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا .

وينبغي أن نفعل ذلك ابتغاء وجه الله، ولنتأمل في هذه المشكلة التي حصلت في زمن عبد الله بن الزبير وكان قد بويع بالخلافة، والخليفة يتدخل في أحوال رعيته، وأحياناً من رعيته من يكون من قراباته، فيرى لنفسه عذراً في التدخل، وربما يكون تدخله شديداً فيؤلم الطرف الآخر، حدثت عائشة -رضي الله عنها- أن عبد الله بن الزبير قال في بيع أو عطاء أعطته عائشة: "والله لتنتهين عائشة أو لأحجرن عليها" يعني هذه كلمة ثقيلة جداً، عائشة أم المؤمنين، ومن هي بالنسبة له من قرابة؟ خالته، "لأحجرن عليها"، ولكن بويع بالخلافة، ورأى لنفسه حقاً، والحاكم يحجر على بعض الرعية، وعائشة ما تمسك مالاً أبداً، فهو يريد أن يبقى لخالته شيء تعيش به، فلما رآها تعطي تعطي، قال: "لأحجرن عليها" كلمة ثقيلة، فقالت: أهو قال هذا؟ قالوا: نعم، قالت: هو لله علي نذر ألا أكلم ابن الزبير أبداً، صار عندنا الآن أزمة كبيرة، هو قال: "لأحجرن عليها"، وهي نذرت ألا تكلمه أبداً.

طبعاً أنت تتكلم الآن عن ناس من أفاضل ومن كبار الصحابة، لا بد من الواقعية في الأمور، بشر، يحصل بينهم ما يحصل من نزغ الشيطان.

وربما لو تأملت في أصل القضية، ابن الزبير ربما يريد الخير لخالته بالحجر هذا، وهي استثقلت كلمته، فاستشفع ابن الزبير إليها حين طالت الهجرة، لما طال الهجران، والقطيعة طالت، ابن الزبير يريد من يتدخل لحل المشكلة، فقالت: لا والله، لا أشفع فيه أبداً، ولا أتحنث في نذري، فلما طال ذلك على ابن الزبير كلم المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود من كبار قريش، وهما من بني زهرة، وقال لهما: "أنشدكما بالله لما أدخلتماني على عائشة، فإنها لا يحل لها أن تنذر قطيعتي" فأقبل به المسور، الوضع متأزم جداً، الوضع نفسياً متأزم جداً، كيف انتهت المشكلة؟ فأقبل به المسور وعبد الرحمن مشتملين بأرديتهما، ابن الزبير مغطى مختف بينهما حتى استأذنا على عائشة، فقالا: "السلام عليك ورحمة الله وبركاته، أندخل؟ قالت عائشة: ادخلوا، قالوا: كلنا، وهي لا تعرف أن ابن الزبير معهم، قالت: نعم، ادخلوا كلكم، ولا تعلم أن معهما ابن الزبير، فلما دخلوا دخل ابن الزبير الحجاب فاعتنق عائشة وطفق يناشدها ويبكي، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها، التعزيز مهم جداً في مثل هذه القضية، المناشدة، ومن عدة أطراف لكي يحدث التأثير، وطفق المسور وعبد الرحمن يناشدانها إلا ما كلمته، وقبلت منه، ويقولان: إن النبي ﷺ نهى عما قد علمت من الهجرة، يعني لا يهجر المسلم أخاه فوق ثلاث، فإنه لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، فلما أكثروا على عائشة من التذكرة والتحريج طفقت تذكرهما نذرها وتبكي، وتقول: إني نذرت، والنذر شديد، فلم يزالا بها حتى كلمت ابن الزبير، وأعتقت في نذرها ذلك أربعين رقبة.

وكانت تذكر نذرها بعد ذلك فتبكي حتى تبل دموعها خمارها [رواه البخاري].

هذا مثال مشكلة وكيف حلت.

لكن من الأمور المهمة أن المؤمن يرجع إلى الحق، وعائشة لما ذكرت وحرج عليها ووعظت استجابت.

اليوم الناس لا يستجيبون أبداً، خمسون سنة ما كلم أخاه لخلاف على الإرث، ولا يكتفون بهذا، يعني أنه لا ينسى الحقد القديم عليهم، بل يورث الحقد الجيل الذي بعده، فيقول: يا أولادي وأنا سأموت ترى لا تنسوا عمكم سوى لي كذا كذا، يتواصون به وللجيل الذي بعده وأولاد العم يقاطعون بعضهم؛ لأن أباهم أوصى، وتتسلسل المشكلة، التدخل الحكيم يحاصر المشكلة بل يقضي عليها، لما جاء الرسول ﷺ إلى فاطمة ولم يجد علياً في بيت فاطمة، أحس أن في الأمر شيئاً، قال: أين ابن عمك؟ ليش ما قال: أين زوجك؟ يريد استثارة العاطفة في القرابة، أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم يقل القيلولة، فلم يقل عندي، فقال رسول الله ﷺ لإنسان انظر أين هو؟ فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول الله ﷺ وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب، فجعل رسول الله ﷺ يمسحه عنه ويقول: قم أبا تراب، قم أبا تراب .

إن معرفة شخصية الطرف الآخر في المشكلة مهم جداً في الحل، زوجة، زوج، ابن، أب، أخ مع أخيه، النبي ﷺ في قضية الحديبية لما جاء أحد الكفار إليه في التفاوض عرف أن هذا من قوم يعظمون الحرم ويعظمون الهدي، فقال: ابعثوا الهدي في وجهه، فلما اقترب الرجل إذا ببد المسلمين الإبل تنبعث معلمة، هذا الجرح في سنامها قد سال الدم على صفحتها وجانبها علامة على أنها هدي، وهذا قد عقدت القلائد وقلدت في عنقها دليل على أنها هدي، الرجل مع كونه كافراً، لكن يعظم الهدي والحرم مما ورثه من سابق، رجع إلى قريش بوجه غير الذي خرج به من عندهم.

الإشارة على طرفي النزاع بقبول الصلح والتنازل

01:19:05

من قواعد حل المشكلات: الإشارة على طرفي النزاع بقبول الصلح والتنازل، كل واحد يتنازل عن شيء، أو الذي عليه الحق، الذي له يتنازل والذي عليه الحق يقضي، فقاضى كعب بن مالك ابن أبي حدرد ديناً كان له عليه في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول الله ﷺ وهو في بيته، فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته، فنادى: ((يا كعب)) قال: لبيك يا رسول الله، قال: ضع من دينك هذا، وأومأ إليه بالشطر، هذا ما عنده، ما عنده كل المال وهذا يطالب، ضع من دينك وأشار بالشطر، قال: قد فعلت يا رسول الله، قال: ((قم فاقضه)) قال للآخر: ((قم فاقضه)).

حل المشكلة عن طريق الجمع بين الشيئين المختلف عليهما

01:20:00

أحياناً حل المشكلة يكون بطريقة ليس فيها تنازلات، بل فيها جمع، فيها أي شيء إيجابي، اشترى رجل من رجل عقاراً له، فوجد الرجل الذي اشترى العقار في عقاره جرة فيها ذهب، بسبب الأمانة نشأت مشكلة، فقال له الذي اشترى العقار: خذ ذهبك مني إنما اشتريت منك الأرض ولم أبتع منك الذهب، والذي اشترى الأرض ووجد الذهب فيها أخرج الذهب إلى صاحب الأرض، وقال الأول: خذ ذهبك أنا اشتريت الأرض وما اشتريت الذهب، وقال الذي له الأرض: إنما بعتك الأرض وما فيها، أنا لما بعتك ما كنت أدري ماذا في بطنها، فبعتك إياها بما فيها، فتحاكما إلى رجل، فقال الذي تحاكما إليه: ألكما ولد؟ طبعاً كلمة ولد، يعني الذكر أو الأنثى كل ما يولد، فقال أحدهما: لي غلام شاب، وقال الآخر: لي جارية فتاة، فقال: أنكحوا الغلام الجارية، وأنفقوا على أنفسهما منه وتصدقا.

خلاص حل للمشكلة بإنشاء بيت جديد.

حل المشكلة بالقرعة

01:21:25

أحياناً لا يوجد حل للمشكلة إلا القرعة، تتزاحم الحقوق وتتقارب وليس إلا القرعة، وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ [آل عمران 44 ] ، تنازعوا على مريم من الذي يكفلها؟ لأنها من بيت عظيم، وكل واحد يريد أن يؤجر على كفالة هذه البنت من بيت نبوة، ما هو الحل؟ القرعة.

 وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ  [الصافات 139-140] ، هرب من قومه إلى البحر، فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ  [الصافات141] ، ركب في السفينة وعصفت بهم الريح وصارت ثقيلة ولا بد أن يلقوا أحدهم في الماء وإلا غرق الجميع، فقالوا: القرعة، فطلعت عليه، فألقي في البحر، فالتقمه الحوت.

كان نبي الله ﷺ إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه، الذي عنده أكثر من زوجة، إذا ما تراضين فالقرعة، القرعة لتطييب القلوب، وإزاحة تهمة الميل، يلجأ إليها عند التنازع وتساوي الحقوق، وقد تكون القرعة بكتابة أسماء الشركاء في أوراق، ثم تسحب ورقة، لتمييز المستحق، فمثلاً لو واحد قال: أعتقت عبيدي، وكل الذي عنده ثلاثة، كم ينفذ من عتقه؟ الثلث، ليس له في الوصية إلا الثلث، طيب أي واحد منهم الذي سيعتق؟ ما سمى، وهو أصلاً أعتقهم جميعاً، أوصي بعتق عبيدي كلهم وما له إلا الثلث، بعد ما مات أي عبد منهم سيعتق بالقرعة.

التزاحم على الصف الأول، لو فعلاً صار نزاع على الصف الأول، قرعة.

أحياناً توزيع التركة على الورثة، قد تجعل في مجموعات ثم يقال: نسحب الذي يخرج له المصنع أو العقار وكذا والسيولة، إذا ما تراضوا على قسمة ممكن تجعل قسمين متقاربين، وكل واحد ربما يقول: أنا أريد هذا، نفس الشيء، فالقاضي يقرع بينهما.

إذا استوى القرابة من الميت وأراد كل واحد أن يغسله، كل واحد مصر أن يغسله وحده، القرعة.

إذا استووا أيضاً وكل واحد يريد أن يكون هو الإمام في صلاة الجنازة، القرعة.

لو واحد قال لزوجاته بعد خصومة: إحداكما طالق، كيف نميز الآن من هي؟ لأنه طلق بلفظ منجز، ففي واحد الآن وقع عليها الطلاق، من هي؟ بالقرعة.

قد يطالب بالحضانة أكثر من طرف وكلهم سواء، القرعة.

إذا صارت مسابقة في الرمي، وكل واحد يقول: أنا الذي أبدأ، أو كل واحد يقول: ابدأ أنت، القرعة.

الخاتمة

01:25:10

إن حلول المشكلات في الشريعة كثيرة، وهذه بعضها، وبقيت بقية، لعلنا نفرد بها -إن شاء الله- درساً آخر؛ لأن هذا الموضوع من الموضوعات المهمة حيث أنه يفيد الواحد في حياته الشخصية كثيراً.

نسأل الله أن يؤلف بين قلوبنا، وأن يصلح ذات بيننا، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، إنه سميع مجيب.

اللهم فرج عنا كرباتنا.

اللهم إنا نسألك أن تهيئ لنا من أمرنا رشداً.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.