الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا سورة الأحزاب 70-71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
تكلمنا أيها الإخوة في الخطبة الماضية بمناسبة كثرة ولائم النكاح في هذه الأيام، تكلمنا عن شيء من شروط النكاح، وأهمية استئذان المرأة وعدم تزويجها إلا برضاها، وعن مشكلة المغالاة في المهور وعن غير ذلك من الأمور المتعلقة بالنكاح، ووعدنا بإكمال هذا الموضوع؛ لأن الناس قد جهلوا كثيراً من آداب النكاح النبوية، وما ورد في السنة المحمدية بشأن هذه الشعيرة الخطيرة من شعائر الإسلام وهي الزواج.
من موازين الجاهلية الزواج من الغني والحسيب فقط
وكان من جهل الناس أنهم صاروا يعتبرون بموازين جاهلية في أمور التزويج، ومن ذلك أنهم لا يزوجون إلا الغني، أو الحسيب النسيب فقط، ولو كان فاسقاً، ولو كان فاجراً، فصارت نظرة الناس المادية إلى المال لا إلى الدين والخلق.
عن سهل قال: مر رجل على رسول الله ﷺ فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح وإن شفع أن يشفَّع وإن قال أن يستمع له قال: ثم سكت ﷺ فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفَّع وإن قال أن لا يستمع، فقال رسول الله ﷺ: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا[رواه البخاري5091]رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه.
ولذلك كان هديه ﷺ تزويج المعسر كما ذكرنا في الحديث ونعيده لأهميته، الحديث الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله في أكثر من موضع من كتابه، وعنون عليه تزويج المعسر لقوله تعالى: إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِسورة النور32، عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاءت امرأة إلى رسول الله ﷺ فقالت: يا رسول الله جئت أهب لك نفسي، كما قال الله في حق نبيه ﷺ:وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَسورة الأحزاب50، قال: فنظر إليها رسول الله ﷺ فصعد النظر فيها وصوبه، ثم طأطأ رسول الله ﷺ رأسه فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست، فقام رجل من أصحابه فقال: يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها، فقال: هل عندك من شيء؟ قال: لا، والله يا رسول الله، قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً. أهمية المهر والصداق وأنه حق للمرأة، فذهب ثم رجع فقال: لا والله ما وجدت شيئاً، فقال رسول الله ﷺ: انظر ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يا رسول الله، ولا خاتماً من حديد، ولكن هذا إزاري قال سهل الراوي: ما له رداء، ليس عليه إلا إزار فقط، فلها نصفه، فقال رسول الله ﷺ: ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وإن لبسته لم يكن عليك منه شيء، فجلس الرجل حتى إذا طال مجلسه قام، فرآه رسول الله ﷺ مولياً فأمر به فدعي، فلما جاء قال: ماذا معك من القرآن؟ قال: معي سورة كذا وسورة كذا، عددها، فقال: تقرأهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن.[رواه البخاري5030].
إذن أيها الإخوة: من السنة تسهيل أمور الزواج وعدم تعقيدها، ومن السنة تزويج الرجل الكفء في الدين والخلق ولو كان فقيراً، وقد يكون الرجل ليس جميل الخلقة، قد يكون فيه دمامة ولكن الخير الذي في قلبه، والإيمان الذي بين جوانحه ليدعو المؤمن اللبيب إلى أن يزوج مثل هذا ولو كان شكلاً وظاهراً ليس من أصحاب الوسامة.
عن أنس قال: كان رجل من أصحاب النبي ﷺ يقال له جليبيب في وجهه دمامة، فعرض عليه رسول الله ﷺ التزويج فقال له جليبيب: إذن تجدني كاسداً يا رسول الله لا أحد يقبل بي لدمامة وجهي، فقال: غير أنك عند الله لست بكاسد [رواه أبو يعلى3343]رواه أبو يعلى وهو حديث حسن.
هذا الرجل، هذا الصحابي الجليل جليبيب سعى له في الزواج رسول الله ﷺ بنفسه، ولعلنا نأخذ درساً أيها المسلمون من فعله ﷺ كيف سعى في التقريب وكيف سعى في عقد النكاح، كيف مشى في حاجة أخيه المسلم وصحابيه جليبيب ، كيف مشى في حاجته وتوسط له وشفع له عند الناس حتى تزوج، ﷺ علمنا المشي في حوائج الناس، علمنا المشي في مشاريع التزويج، علمنا أن نشفع لإخواننا المسلمين عند العوائل وعند الناس كي يتزوجوا.
عن أبي برزة الأسلمي أن جليبيباً كان من الأنصار، وكان أصحاب النبي ﷺ إذا كان لأحدهم أيم، امرأة ليست متزوجة لم يزوجها حتى يعلم أن للنبي ﷺ فيها حاجة أم لا، من كمال طاعتهم لرسول الله، وأن رسول الله أولى بكل مؤمن من نفسه، كانوا يستشيرونه كل واحد عنده بنت قبل أن يزوجها يعلم هل لرسول الله ﷺ فيها حاجة أم لا. فقال رسول الله ﷺ ذات يوم لرجل من الأنصار: زوجني ابنتك فقال: نعم ونعمة عين وكرامة عين يا رسول الله، ما أشرف هذا، فقال له: إني لست أريدها لنفسي، إني لست أريدها لنفسي أريدها قال: فلمن؟ قال: لجليبيب، أنا وسيط، قال: حتى أستأمر أمها، وفي رواية: فقال: يا رسول الله أشاور أمها، فأتاها فقال: إن رسول الله ﷺ يخطب ابنتك، قالت: نعم، ونعمة عين، زوج رسول الله ﷺ، قال: إنه ليس يريدها لنفسه، قالت: فلمن؟ قال: لجليبيب، قالت: حلقى، أجليبيب إنيه أجليبيب إنيه، أجليبيب إنيه، يعني: لا، لا، لا، لا لعمر الله لا أزوج جليبيباً. لما عرف من دمامته، قال: فلما قام أبوها ليأتي رسول الله ﷺ قالت الفتاة لأمها من خدرها، وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر على ما كانت عليه النساء في ذلك الزمان، كانت المرأة العذراء في خدرها داخل بيتها، والعذارى من المسلمين الآن يسوحون في الشوارع، ويخفقون في الأسواق وينفردن بالركوب مع السائق الأجنبي، فسبحان الله يا للعجب من الفارق الشاسع بين نسائنا ونسائهم، قالت الفتاة لأمها من خدرها: من خطبني إليكما؟ قالت: النبي ﷺ، قالت الفتاة المسلمة الواعية المؤمنة، قالت الفتاة: فتردون على النبي ﷺ أمره، ادفعوني إلى النبي ﷺ فإنه لا يضيعني.[رواه أحمد19784]هذا هو موقف الفتاة المؤمنة عندما تعلم أن المسألة فيها رجل صالح تقوم لتوعية أهلها الذين يردون الخاطب لأمور تافهة.
وإذا انسحب فالحمد لله فسح المجال لك، أو تركوه ورفضوه انفسح المجال لك، أو استأذنته فأذن...
أهمية المرأة الصالحة
ليرى سيئاً إذا كانت سيئة الخلق سليطة اللسان، وإن المرأة مهما كان جمالها متدنياً ترى حسنة بطيب لسانها وصلاح دينها، وحسن عشرتها، فلهذا نبه رسول الله ﷺ على صفات المرأة الصالحة، فنقول لهؤلاء الشباب الذين يتشرطون في أمور الجمال شروطاً معقدة لا تكون موجودة إلا على غلاف بعض المجلات، نقول لهم: ليس من العيب أن تشترطوا الجمال، ولا هو من المذموم أن تبحثوا عن المرأة الجميلة، لكن إذا تعارض الجمال والدين فماذا تقدم؟ هذه هي المسألة المهمة، ثم إن الناس لما تركوا غض البصر ونظروا في صفحات المجلات وفي الأفلام والمسلسلات وفي الأسواق صار لا يعجبهم شيء؛ لأن من سيئات إطالة النظر وعدم غض البصر عدم القناعة بما هو موجود، فالرجل عندما ينظر إلى المرأة في الخطبة أو إذا تزوجها فإن هذه السلسلة من الصور المتراكمة في ذهنه من جراء النظر في فتيات الغلاف في المجلات والنساء اللاتي يظهرن في الأفلام والمسلسلات تسبب عدم القناعة، فما أحكم الشارع حينما أمر بغض البصر.
وبعض الناس يتصورون أن ذلك المجتمع الفلاني كل النساء فيه جميلات؛ لأن فتاة الغلاف منه، وما يدريه لو مشى في شوارع ذلك المجتمع كم من القبح سيرى؟ وهل يعلم أو لا يعلم أن من مخططات اليهود انتقاء النساء من نساء المجتمع لعرضهن في الأفلام والمجلات لتسبيب الفتنة ونشر الحرام بين الناس.
وقد ندب الشارع إلى الزواج بالبكر، فعن جابر قال: قال لي رسول الله ﷺ:هل نكحتك؟ قلت: نعم، قال: أبكراً أم ثيباً؟ قلت: ثيباً، قال: فهلاً بكراً تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك [رواه مسلم715]. وفي رواية لمسلم وبمعناه للبخاري وأحمد فأين أنت من العذارى ولِعابها؟[رواه مسلم715]. أي: ملاعبتها، قلت: يا رسول الله قتل أبي يوم أحد وترك سبع بنات وكرهت أن أجمع إليهن خرقاء، يعني: الجاهلة بمصلحة نفسها والتي لا تحسن العمل بيدها، فكرهت أن أجمع إليهن خرقاء مثلهن ولكن امرأة تمشطهن وتقيم عليهن، قال: أصبتوفي رواية: فإنك نعم ما رأيت[رواه مسلم715]، ودعا له بخير.
لو رأى المصلحة في الزواج بالثيب كما فعل جابر فأنعم وأكرم، وبارك الله لرجل يرى ثيباً أو متأيمة من زوجها عندها يتامى فيتزوجها ليضمها وأولادها إليه لينفق عليها وعليهم، فبارك الله له وشكر مسعاه وجزاه خيراً عن هذا المعروف الذي يصنع، ولأجل ذلك إذا كانت المصلحة الشرعية في الزواج بالثيب فتسلك ولا بد ولا شك في ذلك حتى يكون للثيبات من الأزواج الصالحين من يعفها، فإن المطلقات قد كثرن في المجتمع في هذه الأيام، وإذا لم تتسهل الأمور انتشر الفساد، فعليكم يا عباد الله بتسهيل أمور الزواج، وابتغاء الرجل الصالح، والتشديد في السؤال عنه، ومعرفة أحواله، وعليكم يا معشر الناس من الرجال الذين يريدون الزواج بالفحص عن حال المرأة والتأكد من تدينها حتى لا تنكب بها في المستقبل، ولا تكون من معاول هدم بيتك وأسرتك.
جواز النظر إلى المخطوبة
أيها الناس: إن رسول الله ﷺ قد رغب إلى الذي يريد النكاح أن ينظر إلى المخطوبة إذا أراد خبطتها وجد في ذلك، فقال ﷺ: إذا خطب أحدكم امرأة فإن استطاع أن ينظر فيها إلى ما يدعوه من نكاحها فليفعل[رواه أبو داود2082]، وصح عنه ﷺ أنه قال: إذا خطب أحدكم المرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر لخطبتها[رواه أحمد23602]، فهو ليس متلاعباً ولا مخادعاً، وإنما هو جاد يريد النكاح فعلاً فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن يسمح له بالنظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبتها كما جاء في الحديث.
ومن فوائد هذا النظر ما قاله ﷺ: اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما[رواه الترمذي1087]، أدعى للالتقاء النفسي وللقبول والرضا القلبي.
وإن كثيراً من الناس بلغ من عاداتهم السيئة أنهم يحرمون الحلال ويحلون الحرام، فإذا استحلوه كفروا، وإذا امتنعوا عنه دون استحلال عصوا، وهؤلاء الناس صار أمر العيب عندهم أمراً عجيباً، فقد تخرج ابنته في الشارع متبرجة ولا يعتبر ذلك عيباً، وتخلو بالسائق في السيارة ولا يرى ذلك عيباً، وتتبختر بين الرجال الأجانب في الأسواق فلا يرى ذلك عيباً، وتكلم معاكسة في الهاتف ولا يرى ذلك عيباً، فإذا جاء رجل يريد خطبتها على سنة الله ورسوله وقال: أريد أن أرى البنت، قال: لا، هذا عيب عندنا، سبحان الله العظيم على ما انقلب من الموازين في حياة المسلمين، أفصار العيب إذن ما هو من طريق الحلال الذي أجازه الشارع وأكد عليه وأمر الخاطب بالنظر وأخبر أنه أحرى لأن يؤدم بينهما، ثم تأتي أنت وتقول: لا، هذا عيب، كيف ترى ابنتنا، وهو ترى بالحرام وتري نفسها بالحرام صباحاً ومساءاً! فتباً لهذه العقول ما أسخفها، وبعداً وسحقاً لهذه النفوس ما أسوأها. كيف تحرم، تمنع الحلال الذي أباحه الله ورغب فيه رسول الله وتبيح للمرأة أن تطلق لنفسها العنان في المحرمات؟! اذهب فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما [رواه الترمذي1087]يرى منها ما يدعوه إلى نكاحها، فيرى وجهها وشعرها وذراعيها وعنقها وقدميها، لا بأس بذلك، لا بأس بذلك أن ينظر إليها، كما تظهر هي أمام أخيها وأبيها، يذهب فينظر إليها فهو أحرى أن يؤدم بينهما، يقولون: إذا ارتفضت انحرجت، نقول: أحسن من أن يتزوجها ثم يدخل بها فلا تعجبه فيطلقها.
من آداب الخطبة
وقد بين الشارع أموراً من آداب الخطبة فمن ذلك: أنه لا يجوز أن يخطب الرجل على خطبة أخيه، فإذا علمت أن فلاناً تقدم إلى العائلة الفلانية يخطب ابنتهم فلا يجوز لك شرعاً أن تذهب وتتقدم إليهم ولما يفرغ من شأنه هو، لا يجوز لك أن تخطب على خطبته ولما يفرغ من شأنه هو سواء من قبله أو من قبلهم، كما قال ﷺ: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه حتى ينكح أو يُترك أو يَترك[رواه النسائي3241]، فإذن إذا سمعت أنه قد تقدم لخطبة ابنتهم فلاناً فتوقف فإذا الرجل أنهى الموضوع معهم ونكح فالحمد لله، وإذا انسحب فالحمد لله، فسح المجال لك، أو تركوه ورفضوه انفسح المجال لك، أو استأذنته فأذن لك جاز لك أن تتقدم أنت، لما ورد في الحديث: إلا بإذنه[رواه أحمد6276]، فيجوز لك أن تستأذن منه إذا لم يفرغ منهم فإن أذن لك تقدم، وإلا فلا يجوز لك أن تتقدم ما دام الأمر لم ينته بعد.
وهنا أمر يضاف إلى ما تقدم وبعض الناس يعده عيباً وليس عيباً في الشرع، لكن من انقلاب الموازين ومن سوء معرفة الحق والسنة عند الناس وهو عرض الرجل ابنته على الرجل الصالح، كم يعده بعض الناس عيباً وقد فعله من هو خير منا أصحاب رسول الله ﷺ، يجب أن ندقق في مواضيع العيب في حياتنا أيها الإخوة، ما هو العيب؟ ما هو العيب؟ العيب الذي حرمته الشريعة وكرهته الشريعة الذي تنفر منه نفوس كرام الناس والشيم والفطر السليمة، وأما العيب المبني على عادات الجاهلية وأمور ما أنزل الله بها من سلطان، فالعيب أن يقال عنه أنه عيب.
قال البخاري رحمه الله: باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، عن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي وكان من أصحاب رسول الله ﷺ فتوفي بالمدينة، لما مات زوج حفصة بنت عمر قال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري، فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق فقلت له: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيء، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، عثمان على الأقل اعتذر، اعتذر اعتذاراً مؤدباً، أما أبو بكر سكت، ولكنه ما سكت الصديق إلا لأمر مهم، وكنت أوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله ﷺ فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، هذا من آداب الأخوة، المصارحة والمكاشفة حتى يزول ما في النفوس، قال عمر: قلت: نعم، بصراحة نعم، وكثير من الناس اليوم إذا جرى بينه وبين أخيه شيء فقال له الآخر يحاول أن يستلطفه: لعلك وجدت علي في نفسك؟ يقول: لا، لا، لا أبداً، وهو ما زال يجد عليه في نفسه إلى تلك اللحظة، كذب، قال عمر: قلت: نعم، قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت علي إلا أني كنت علمت أن رسول الله ﷺ قد ذكرها، ينوي أن يخطبها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله ﷺ.[رواه البخاري4005]علمت أنه ذكرها لكن استكتمني، وهذا خبر خاص، وقد يغير رأيه، فما رجعت إليك بشيء، ولو تركها رسول الله ﷺ لقبلتها. فانظروا أيها المسلمون كيف يسعى الأب بنفسه إلى خطبة ابنته من الرجل الصالح، كيف يسعى لعرض ابنته وليس بعيب أبداً أبداً أبداً، وإن عده الناس عيباً، دعوهم وعقولهم المنتنة، لكن سنة الصحابة خير وأولى وأحرى، ماذا فيها لو أن الرجل علم أن له جار شاب أو قريب شاب صالح، قال له: هل ترغب في الزواج عندي بنت لك، تباً لهذه العقول التي ترى أن الحلال حراماً والحرام حلالاً. هذا عيب، يقولون: هذا عيب! كيف نعرض ابنتنا على الناس؟! ليست سلعة! ومن قال لك إنها سلعة؟ ألست تريد معروفاً في أن تنتقي لها رجل صالح، بل هذا خير من أن تجلس في بيتك وقد يتقدم إليها صالح أو لا، وقد لا يتقدم إليها أحد، فماذا فيها لو سعى الرجل لابنته برجل صالح، ويوفق الله من أراد الخير ومن ابتغاه.
من المنكرات خروج الخاطب والمخطوبة
إن من المنكرات العظيمة التي شاعت في هذا العصر بين المسلمين مسألة خروج الخاطب والمخطوبة وانفرادهما معاً وخلوة كل منهما بالآخر دون محرم، وهذا حرام لا يجوز، فإن الفتاة لا زالت أجنبية عنه، وإن عقد الزواج لم يقع بعد، وإن هذه البدعة الخبيثة التي سرت إلينا من أوساط الكفار والفجار لهي دليل عن البعد عن شريعة الله وكم آل هذا الخروج والخلوة إلى مفاسد شرعية وانتهاك المحرمات والعلاقات المشبوهة، وكثيراً ما تكون عاقبة الحرام الفرقة، فيتفرقا قبل العقد، وينهي كل منهما أمر الخطوبة، وقد حدث ما حدث بينهما من الأمور المحرمة شرعاً، ويترتب على ذلك نتائج وخيمة، وبالذات على سمعة الفتاة المخطوبة وعرضها فيلوكه الناس وتصبح مضغة في الأفواه، لتدخل عانساً في سوق الكساد، إذ من ذا الذي يقبل بالتقدم إلى امرأة كانت تخرج مع شخص دون عقد شرعي، والله أعلم بما حصل بينهما، وأما احتجاج بعض الناس: إن الخروج والانفراد في هذه الفترة هو أمر ضروري لتعرف كل من الشخصيتين على الأخرى ولإحداث نوع من التمازج والتقارب قبل الزواج، فإن هذا الكلام باطل من عدة وجوه.
الوجه الأول: وهو أهمها وأعظمها على الإطلاق: أنه حرام شرعاً، وأن المسلمين المفترض فيهم أنهم لا يرضون بالشيء الذي لم يجيزه الله ، فإذا كان الله قد حرم خلو المرأة الأجنبية بالرجل فإن الخاطب لا زال رجلاً أجنبياً عن المرأة، فإذا كان الأمر حراماً فلا يجوز استحداث أي تعليلات عقلية لنسف هذا الحكم الإلهي في عدم جواز خلوة المرأة بالرجل الأجنبي، ولم ينعقد العقد، وليس هو زوجاً لها، فبأي حق تخلو به؟
ثانياً: أن مفاسد هذا الأمر بالتجربة أكثر من مصالحه، والأحداث والحوادث شاهدة على ذلك.
ثالثاً: إن هذه المعرفة المزعومة غير ممكنة في الغالب، بسبب التمثيل والتهريج اللذان يقعان في فترة المجاملات. وهذه فترة الخطوبة فترة مجاملات، يظهر كل منهما للآخر أحسن ما فيه، فكيف ستخرج كل من الشخصيتين بالانطباع الصحيح عن الشخصية الأخرى وفترة المجاملات تغطي عن العيوب، وكل منهما يواري عن الآخر سوءاته ما أمكنه ذلك.
إذن فخروج الخاطب مع المخطوبة أمر حرام لا يجوز، ومن تأمل بزيادة وجد من السلبيات أموراً أخرى. ولكن الخطبة تقدم إلى الفتاة بحسب الشريعة، وطلب الرؤية الشرعية مع السؤال الدقيق عنها، وهذا يكفي والحمد لله، فإذا حصل السؤال الدقيق من الطرفين، ورؤية كل منهما للآخر كما شرع الله فإن هذا يكفي تماماً في مرحلة ما قبل الزواج. وهو ينظر إلى ما يظهر منها غالباً، كما قال أهل العلم، وبما يدعوه إلى نكاحها، كما نص على ذلك النبي ﷺ بقوله: اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً[رواه مسلم1424]وقد كان فيهم صغر العينين في نسائهم، فأراد منه ﷺ أن يذهب فينظر إليها وأخبر بالنتيجة فإنه أحرى أن يؤدم بينكما[رواه الترمذي1087].
وبناءً على ذلك فإن المباح هو مجرد النظر، والنظر ضرورة، وإلا فإن الأصل لا يجوز، الأصل أن نظر الرجل الأجنبي إلى المرأة الأجنبية حرام لا يجوز إلا للضرورة كنظر الخاطب إلى المخطوبة، ونظر الطبيب إلى مكان العلاج في المرأة التي لا تجد طبيبة، ونظر الشاهد في المحكمة والقاضي ونحوهما، هذه حالات ضرورة استثنائية وإلا فإن النظر حرام.
وبناءً على ذلك فإن النظر ضرورة، والضرورة تقدر بقدرها، فلا يجوز للخاطب أن يطيل النظر أكثر مما يحتاج إليه، فإذا نظر إليها وإلى ما يدعوه إلى نكاحها فلا يجوز له أن يبقى أكثر لينظر وإنما يقول:اكتفيت وحصل ما أردت لتنصرف الفتاة حالاً.
ويدخل في ذلك أيضاً من باب أولى أنه لا يصافحها؛ لأنها لا زالت أجنبية ومس المرأة الأجنبية محرم، ألم تر أنه ﷺ قد قال: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له. فاذهب يا عبد الله بعد ذلك ومس من النساء ما شئت إذا عرفت هذا الحديث. لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له[رواه الطبراني486]. وبناء على ذلك أيضاً فلا يجوز للخاطب أن يخلو بالمخطوبة؛ لأنه لا زال أجنبياً عنها، وهذه الرؤية الشرعية تتم بحضور من تزول به الخلوة ويجوز حضوره شرعاً كمحرم الفتاة.
فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته. اللهم ألهمنا رشدنا وقنا شر أنفسنا، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك، اللهم واجعل في الأحداث التي تدور في العالم خيراً للإسلام والمسلمين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، وحد صفوفهم يا ربنا، وانصرهم على عدوهم يا إلهنا، اللهم إنا نسألك يوماً تقر به أعيننا بنصرة دينك وإعلاء كلمتك وتذل فيه أعداءك يا رب العالمين، إنك على كل شيء قدير.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.