مقدمة
حديثنا -بمشيئة الله تعالى- عن خصائص نبينا محمد ﷺ، وذلك أن معرفة ما يتعلق به واجب علينا، وأن نعرف له حقه، وأن نعرف منزلته وقدره، ومن معرفة منزلته وقدره ﷺ أن نعرف خصائصه ﷺ.
وذلك كله داخل في إيماننا بنبينا محمد ﷺ.
فخصائصه ﷺ: ما اختصه الله بها، وفضله على سائر الأنبياء والخلق.
اعتناء العلماء بخصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-
والخصائص النبوية موضوع قد اعتنى به العلماء من أهميته، فتناولوه بحثاً وتأليفاً، وذكروا ما انفرد به ﷺ عن إخوانه الأنبياء والمرسلين، كما ذكروا ما انفرد به عن سائر أمته، وممن ألف في هذا: الإمام العز بن عبد السلام -رحمه الله -تعالى- في كتابه: "بداية السُول في تفضيل الرسول".
وكذلك الإمام ابن الملقن -رحمه الله- في كتابه: "خصائص أفضل المخلوقين".
ومنهم من أدرج الخصائص في مؤلف من المؤلفات التي كتبها، مثل الحافظ الإمام أبي نعيم الأصفهاني -رحمه الله- في كتاب: "دلائل النبوة".
والحافظ البيهقي -رحمه الله- في كتاب: "دلائل النبوة".
والحافظ القاضي عياض -رحمه الله- في كتابه: "الشفاء في التعريف بحقوق المصطفى".
وكذلك ابن الجوزي -رحمه الله- في "الوفاء لأحوال المصطفى".
وكذلك ابن كثير -رحمه الله- في كتابه: "البداية والنهاية" و "الفصول في سيرة الرسول".
وكذلك النووي -رحمه الله- في "تهذيب الأسماء واللغات".
كل هؤلاء العلماء وغيرهم قد جعلوا أبواباً في مصنفاتهم عن خصائص النبي ﷺ.
هذه الخصائص التي معرفتها تزيده ﷺ في أعيننا قدرا،ً وتجعلنا نحبه ونعرف منزلته أكثر، وتجعلنا نزداد به إيماناً، ونزداد له تبجيلاً، ونزداد له شوقاً ويقيناً ﷺ؛ لأن من واجباتنا أن نعرف أحوال نبينا ﷺ.
ومن كمال الإيمان والتصديق به: أن نعرف له من الخصائص والميزات ﷺ.
إن هذه الخصائص منها ما اختص به ﷺ في ذاته في الدنيا، ومنها ما اختص به في ذاته في الآخرة، ومنها ما اختصت به أمته في الدنيا، ومنها ما اختصت به أمته في الآخرة.
فنريد أن نتناول شيئاً مما اختص به ﷺ في الدنيا والآخرة:
أخذ الله العهد من الأنبياء والمرسلين باتباع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا ظهر فيهم
فمن خصائصه ﷺ وهي خاصية عجيبة: أن الله قد أخذ العهد والميثاق على جميع الأنبياء والمرسلين من لدن آدم إلى عيسى : أنه إذا ظهر النبي ﷺ في عهده وبعث أنه سيؤمن به ويتبعه، ولا تمنعه نبوته من أن يتابع نبينا محمداً ﷺ.
وكل نبي أخذ العهد والميثاق على أمته أنه لو بعث محمد بن عبد الله فيهم أن يتابعوه عليه الصلاة والسلام، لا يتبعون نبيهم، بل يتبعون محمداً ﷺ إذا ظهر فيهم، والدليل على ذلك قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ [آل عمران: 81] من هو هذا الرسول؟
هو محمد ﷺ، قال: قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنْ الشَّاهِدِينَ [آل عمران: 81].
ميثاق مأخوذ على جميع الأنبياء وعلى جميع الأمم: أن محمداً -عليه الصلاة والسلام- إذا بعث فيهم أن يتبعوه وأن يؤمنوا به وأن ينصروه.
وقال علي : "ما بعث الله نبياً من الأنبياء إلا أخذ عليه ميثاقاً لأن بعث الله محمداً وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه"، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته، أمر كل نبي أن يأخذ الميثاق على أمته: "لأن بُعث محمد وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه".
ولذلك لما جاء عمر بن الخطاب النبي ﷺ بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه على النبي ﷺ، فغضب، وقال: أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ التهوك: الوقوع في الأمر بغير روية، وهو التحير أيضاً، أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب، والذي نفسي بيده! لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده! لو أن موسى ﷺ كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني [رواه الإمام أحمد: 15156، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 177].
فإذاً، محمد ﷺ لو وجد في أي عصر لكانت طاعته مقدمة، والإيمان به مقدماً، ومتابعته مقدمة.
رسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع البشر
ومن خصائصه ﷺ: أن رسالته عامة لجميع البشر، فقد كان الأنبياء والرسل يبعثون إلى أقوامهم خاصة، كل نبي إلى قومه خاصة؛ كما قال الله -تعالى-: إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ [نوح: 1]، وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً [الأعراف: 65]، وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً [الأعراف: 73]، وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ [الأعراف: 80]، وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً [الأعراف: 85].
وأما النبي ﷺ فقد قال الله -تعالى- في شأنه: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً [سبأ: 28]، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف: 158].
فإذاً، لو قال يهودي أو نصراني في هذا الزمان: ليس محمد بنبينا، نبينا موسى، نقول: نبيك محمد رغماً عنك، نبيك محمد ﷺ الذي يجب عليك أن تؤمن به: تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1]، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107].
قال العز بن عبد السلام -رحمه الله-: ومن خصائصه ﷺ: أن الله -تعالى- أرسل كل نبي إلى قومه خاصة وأرسل نبينا محمداً ﷺ إلى الجن والإنس، ولكل نبي من الأنبياء ثواب تبليغه إلى أمته، ولنبينا ﷺ ثواب التبليغ إلى كل من أرسل إليه.
فإذاً، النبي ﷺ له أجر كل الإنس الذين اتبعوه، وله أجر كل الجن الذين اتبعوه إلى قيام الساعة، ولذلك فهو أكثر الأنبياء أجراً، ولا يوجد لواحد من الأنبياء أتباع مثل أتباع نبينا ﷺ، فهو أكثر الأنبياء أتباعاً على الإطلاق.
والدليل على أن اليهود والنصارى في زماننا هذا مخاطبون بالإيمان بالنبي ﷺ واتباعه، وأن من لم يؤمن بنبينا من اليهود والنصارى وغيرهم من الهندوس والسيخ والمجوس وسائر الكفرة أنه في النار، قوله ﷺ: والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ، والمقصود بالأمة أمة الدعوة، واليهود والنصارى داخلون في أمة الدعوة، لا أمة الإجابة الذين استجابوا له ﷺ، فقوله: والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة وهي أمة الدعوة يعني: الذين أرسل إليهم، كل العالم يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار [رواه مسلم: 153].
وقال ﷺ: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي ومنها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة [رواه مسلم البخاري: 335، ومسلم: 521].
وفي رواية: كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى كل أحمر وأسود [رواه مسلم: 521].
حتى الجن: وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ [الأحقاف: 29] ينذرونهم عذاب الله، ويخوفونهم ما سمعوا.
فإذاً، الرسل من الإنس والجن منهم دعاة إلى قومهم، والرسل من الإنس، والجني يمكن أن يسمع الإنسي، وأن يسمع كلام النبي ﷺ، بخلاف الإنسي فإنه ربما لا يتمكن من سماع الجني لو كان الرسول من الجن؛ ولذلك كان الرسل من الإنس، والجن منهم دعاة ومنذرون، فهؤلاء الجن الذين سمعوا القرآن يتلى منه ﷺ: وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ [الأحقاف: 29].
وهذه آية في كتاب الله تتعلق بالموضوع، فيها بشارة وبيان ميزة للنبي ﷺ، قال الله -تعالى-: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً [الفرقان: 51] فهذه الآية فيها منة من الله على النبي ﷺ، يقول له: لو شئنا لبعثنا في كل قرية نذيراً، لكن مننا عليك وبعثناك لكل القرى نذيراً وبشيراً، فصار تابعوك من كل القرى، المؤمنون لك مثل أجرهم، وأنت رسول إليهم جميعاً، فلم نبعث بعدك ولا معك رسلاً إلى الأقوام الآخرين وإلى غير العرب، بل بعثناك للجميع: وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً [الفرقان: 51] فهذا وجه التمنن، أنه لو بعث في كل قرية نذيراً لما حصل لرسوله ﷺ إلا أجر إنذاره لأهل قريته مكة، أو للعرب، لكنه بعثه للجميع.
وكذلك قال ابن عباس : "إن الله فضل محمداً ﷺ على الأنبياء وعلى أهل السماء"، فقالوا: يا ابن عباس بم فضله على أهل السماء؟ قال: إن الله قال لأهل السماء: وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ [الأنبياء: 29].
وقال الله لمحمد ﷺ: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح: 1 - 2] قالوا: يا ابن عباس فما فضله على الأنبياء؟
قال: قال الله : وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4].
وقال الله لمحمد ﷺ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ: 28] فأرسله إلى الجن والإنس.
ختم الله به صلى الله عليه وسلم الأنبياء والمرسلين
من خصائصه ﷺ: أن الله ختم به الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، فهو آخر نبي، وأكمل به الدين، وأنه ﷺ خاتم الرسل، فمن ادعى الرسالة بعده فهو كذاب أفاك دجال: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40].
فإذا جاء غلام أحمد القادياني وقال: أنا نبي، وإذا جاء بهاء الله، زعيم البهائية وقال: أنا نبي، وإذا جاء أي واحد دجال كذاب في هذا الزمان أو في غيره وقال: أنا نبي، فنقول: أنت كذاب؛ لأن الله قال: وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب: 40]، فليس بعده نبي.
وعن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة القطعة من الطين التي تعجن وتعد للبناء، ويقال لها: إن لم تحرق لبنةً، وإذا أحرقت صارت آجرة، الآجر: هو اللبن المحروق، إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به بهذا البيت ويعجبون له، ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ ما بقي لإكمال البناء إلا هذه اللبنة، لو جاءت هذه اللبنة كان ما أحسن هذا البيت، فالبيت كامل كله إلا أن اللبنة تنقصه "قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين [رواه البخاري: 3535].
ولذلك يوم القيامة لما يفزع الناس إلى الأنبياء، آخر واحد عيسى فيردهم إلى محمد ﷺ، فيأتي الناس إلى محمد، يقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم النبيين.
وكذلك قال ﷺ: فضلت على الأنبياء بست ومنها: وخُتم بي النبيون [رواه مسلم: 523].
وقال ﷺ: إن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي ، فشق ذلك على الناس، قال: ولكن المبشرات)) [رواه أحمد: 13824، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"] يعني: بقي المبشرات.
صحيح أن النبوة انتهت الآن فلا يأتي نبي، لكن بقي المبشرات "قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: رؤيا الرجل المسلم، وهي جزء من أجزاء النبوة [رواه الترمذي: 2272، وقال: "حديث حسن صحيح"، وهو في صحيح الجامع: 1631].
وهذا يدل على أن الرؤيا الصالحة الباقية التي قد يكون فيها إنذار من شيء خطير أو تبشير ببشرى لمؤمن يراها أو ترى له حق، حيث أن النبوة فيها وحي وإخبار عن الغيب، واشتركت الرؤيا مع النبوة في مسألة الإشعار بشيء قد يحدث في المستقبل، ولذلك كانت الرؤيا جزءاً من النبوة، وإلا فهناك فرق كبير بين الرؤيا والنبوة لا شك في هذا، ولكن لماذا كانت الرؤيا جزءاً من النبوة؟ ما هو وجه الاشتراك بين الرؤيا والنبوة؟
في النبوة إخبار عن المغيبات والأشياء المستقبلية، وكذلك البشارات والإنذارات، وقد يكون في بعض الرؤى الصالحة التي يراها المؤمن أو ترى له إنذار من شيء سيحدث، أو بشارة لشخص، فلذلك كانت جزءاً من النبوة.
والنبي ﷺ من أسمائه التي أخبر عنها، قال: وأنا العاقب ، والعاقب فسره، قال: الذي ليس بعده أحد [رواه مسلم: 2354]، فليس بعده نبي.
وقال ﷺ: كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي، وإنه لا نبي بعدي، وسيكون بعدي خلفاء [رواه البخاري: 3455، ومسلم: 1842].
والنبي ﷺ رحمة مهداة إلى العالمين: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ [الأنبياء: 107] وهو ﷺ بالمؤمنين رؤوف رحيم.
النبي -صلى الله عليه وسلم- أمنة لأصحابه
من خصائصه ﷺ: أنه أمنة لأصحابه، أمان لأصحابه، أكرمه الله -تعالى-، وأكرم أصحابه بأن جعل وجوده بينهم أماناً لهم من العذاب، بخلاف الأمم السابقة، فقوم نوح عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم هود عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم صالح عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا، وقوم شعيب عذبوا في حياة نبيهم وأهلكوا.
أما النبي ﷺ من خصائصه: أن وجوده ﷺ في أمته أمان لهم من الفناء والعذاب، فلا يأتي عذاب عام فيهلكهم، قال الله -تعالى-: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ [الأنفال: 33] مع أنهم يستحقون العذاب، فهم كفرة مشركون، كفار قريش متجبرون طغاة، ومع ذلك قال: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الأنفال: 33].
وكذلك فإنه ﷺ رفع رأسه مرة إلى السماء بعدما صلى بالقوم المغرب، جلس وسألهم ما الذي أجلسهم؟ قال: ما زلتم هاهنا قالوا: يا رسول الله! صلينا معك المغرب، ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء -ينتظرون الصلاة بعد الصلاة رباط في سبيل الله- قال: أحسنتم أو أصبتم ، فرفع رأسه إلى السماء، وكان كثيراً ما يرفع رأسه إلى السماء، وهذا في غير الصلاة، فقال: النجوم أمنة للسماء فما دامت النجوم باقية فالسموات باقية، يوم القيامة إذا النجوم انكدرت وتناثرت فاعلم أن السماء ستتشقق وستذهب، وتنفطر وتزول، فإذا كانت النجوم موجودة فالسماء بخير وموجودة، فإذا انكدرت النجوم وتناثرت، فاعلم أن السماء ستذهب وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي)) من البدع ((فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون من التفرق وانفتاح باب البدعة- [رواه مسلم: 2531].
أقسم الله به صلى الله عليه وسلم ولم يقسم بنبي غيره
من خصائصه ﷺ: أن الله أقسم به ولم يقسم بنبي غيره، فقال : لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: 72] فأقسم الله بالنبي ﷺ في قوله: {لعمرك}، ومعنى: {لعمرك} قسم بحياته ﷺ، يقسم بعمره وحياته وبقائه، فكأنه يقول: وحياتك وعمرك وبقائك في الدنيا، لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ [الحجر: 72].
من خصائصه ﷺ: أن الله أقسم بحياته، والله يقسم بما يشاء من خلقه، ولكن المخلوقين لا يجوز أن يقسموا إلا بالخالق، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.
فالإقسام بحياته ﷺ يدل على شرف حياته وعزتها، ونفاستها ومنزلتها عند المقسم بها، وهو الله -تعالى-.
خاطب الله الأنبياء بأسمائهم ولم يخاطبه عليه الصلاة والسلام باسمه
ثم لاحظ أيضاً من الخصائص النبوية: أن الله -تعالى- خاطب الأنبياء بأسمائهم، ولم يخاطب نبينا ﷺ باسمه، يناديهم بأسمائهم، فقال: يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ [البقرة:35]، قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا [هود: 48] قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ [الأعراف: 144]، يا إبراهيم * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا [الصافات: 104-105] يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ [المائدة: 110] في آيات كثيرة.
وأما نبينا ﷺ فلم يناده ربه ولا مرة: يا محمد، لكنه ناداه وخاطبه بالنبوة والرسالة، فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ [المائدة: 41]، وقال: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] فزيادة في التشريف والتكريم له خاطبه بالنبوة والرسالة، وبقية الأنبياء خاطبهم بأسمائهم.
ولا يخفى على أحد أن السيد إذا دعا أحد عبيده بأفضل ما وجد من الأوصاف العلية، والأخلاق السمية، ودعا الآخرين بأسمائهم الأعلام، فإن الذين دعوا بالوصف أعلى منزلة من الذين دعوا بالاسم، فلو قال مثلاً وهو يخاطب أحد عبيده: يا أيها الأمين، يا أيها الذكي، يا أيها الخبير، غير ما يقول مثلاً: يا مرجان، يا فلان.
فإذاً، الله خاطبه بمقام الرسالة، وخاطبه بمقام النبوة، ولما ذكر اسمه في القرآن قرنه بذلك: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ [الفتح: 29]، وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ [محمد: 2]، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ [آل عمران: 144] فهو ليس نداءً وخطاباً، وإنما لما ذكر اسمه قرنه بالنبوة والرسالة.
نهى الله المؤمنين أن يخاطبوه صلى الله عليه وسلم باسمه
ثم من أمر الأمة لتوقيره ﷺ: أن الله نهى المؤمنين أن يخاطبوه باسمه، قال سبحانه وتعالى: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً [النور: 63] بينما بنو إسرائيل: قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ [الأعراف: 138]، إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ [المائدة: 112] لكن الصحابة لا يمكن أن ينادوا النبي ﷺ باسمه، إنما يقولون: يا رسول الله! يا نبي الله!
أوتي صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم
وكذلك فإنه ﷺ قد أوتي جوامع الكلم، وتضمن كلامه الحكم البالغة، والمعاني العظيمة في الألفاظ القليلة، والعبارات اليسيرة، ولذلك عندما يقول العلماء مثلاً: ((إنما الأعمال بالنيات)) [رواه البخاري: 1]، و دع ما يريبك إلى ما لا يريبك [رواه الترمذي: 2518، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 2773] يقول: هذه ربع العلم، هذه ثلث العلم، هذه عبارات جامعة.
اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن [رواه الترمذي: 1987، وقال الألباني: "حديث حسن"، وقال الألباني: "حسن" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3160] عبارات جامعة، فصاحة لا توازى، وبلاغة لا تبارى.
نصر صلى الله عليه وسلم بالرعب
ومن خصائصه ﷺ: أنه نصر بالرعب، وهو: الفزع والخوف يلقيه الله في قلوب أعدائه، والنبي ﷺ متجه إليهم، أو ينوي أن يتوجه إليهم، فيخافوه وهو على بعد شهر، وعلى بعد شهر يلقى الرعب في قلوبهم، فلا يملكون لأنفسهم استعداداً أو منعة منه، وإنما تنحل عزائمهم، وينفرط أمرهم، ويخافون غاية الخوف، فقال ﷺ: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر [رواه البخاري: 335، ومسلم: 521].
أعطى الله محمدا صلى الله عليه وسلم مفاتيح خزائن الأرض
وكذلك فإنه ﷺ أعطاه الله مفاتيح خزائن الأرض، فقال ﷺ في خصائصه: أوتيت مفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي ، وليست كل البلدان فتحت في وقته ﷺ، لكن بعد وفاته ﷺ أكمل المشوار وأكمل الطريق وأكمل الاستيلاء على الخزائن أصحابه، ولذلك قال أبو هريرة بعدما ذكر الحديث، قال: "وقد ذهب رسول الله ﷺ وأنتم تمتثلونها" يعني: تستخرجونها [رواه البخاري: 2977، ومسلم: 523].
وقال ﷺ: وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض [رواه مسلم: 2889]، والكنز الأحمر: الذهب، والأبيض: الفضة؛ لأن أكثر مال الروم كان فضة، وأكثر مال الفرس كان ذهباً، فقال لهم: إن بلاد الفرس والروم ستسقط.
غفر الله له لمحمد صلى الله عليه وسلم ما تقدم من ذنبه وما تأخر
وهو ﷺ الوحيد الذي أخبر بأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، كل الأنبياء يوم القيامة يقولون: نفسي نفسي، كل واحد يذكر ذنباً؛ آدم يذكر خطيئته، ونوح يذكر دعوته على قومه، وموسى يقول: قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، وإبراهيم يقول: كذبت ثلاث كذبات، أما النبي ﷺ فلا يقول شيئاً؛ لأن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر: إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ [الفتح: 1-2].
ولم ينقل أن الله أخبر أحداً من أنبيائه بمثل ذلك، بل ظاهر قولهم في الحديث: نفسي نفسي، أنهم ليس عندهم مثلما للنبي ﷺ: وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ [الشرح: 2-3]، والناس يوم القيامة يذهبون إليه ﷺ، يقولون: يا محمد! أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر [رواه البخاري: 4712، ومسلم: 194]، لماذا؟ لأن عيسى بن مريم لما حولهم قال لهم: "لست مناكم، ولكن اذهبوا إلى محمد، فهو عبد قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" [رواه البخاري: ].
كتابه صلى الله عليه وسلم معجزة باقية محفوظة
ومن خصائصه ﷺ وهي خصيصة مهمة جداً جداً، متعلقة بنا نحن اليوم: أن كتابه محفوظ، فقد أعطى الله كل نبي من الأنبياء من الآيات والمعجزات حجة له على قومه، وبرهاناً على صحة ما جاء به، وأنه نبي.
وكانت معجزة نبينا ﷺ الكبرى هي: القرآن الكريم.
فمن خصائصه ﷺ: أن معجزته باقية.
وأما معجزات الأنبياء كلها قد تصرمت وانقرضت، وبقيت معجزة نبينا ﷺ، حتى التوراة والإنجيل تحرفت وتغيرت وتبدلت، أما كتاب هذه الأمة، قال الله فيه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9]، وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 41-42]، قال ﷺ: ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر [رواه البخاري: 4981، ومسلم: 152] أعطي معجزات من أجل أن يؤمن البشر حتى لا يقولوا: وما أدرانا أنك نبي، أثبت لنا أنك نبي، فيقول: هذه ناقة الله لكم آية.
ويقول هود: فكيدوني جميعاً، كيدوني ولن تستطيعوا أن تفعلوا لي شيئاً.
وهذا موسى ألقى العصا وأخرج يده بيضاء.
وهذا عيسى يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، ويخبرهم بما يدخرون في بيوتهم، يقول: في بيتك رز، في بيتك عدس، في بيتك سكر، في بيتك كذا، يخبرهم بما يدخرون في بيوتهم.
ونبينا ﷺ له معجزات، أهم معجزة: القرآن الكريم، معجزة باقية لا تغيير ولا تبديل فيها.
وهذه قصة عجيبة: قال يحيى بن أكثم: دخل يهودي على الخليفة المأمون فتكلم فأحسن الكلام، فدعاه المأمون إلى الإسلام، فأبى اليهودي، فلما كان بعد سنة جاءنا مسلماً، فتكلم في الفقه فأحسن الكلام، فقال له المأمون: ما كان سبب إسلامك؟ قال: انصرفت من حضرتك -أنا لما خرجت من عندك- قبل سنة وأحببت أن أمتحن هذه الأديان، فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت واشتروها اليهود، اشتروها بسرعة- وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ، فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني -راجت ونفقت مع أنها محرفة، هو بنفسه حرفها- وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها على الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها ولم يشتروها، فعلمت أن هذا الكتاب محفوظ، فكان هذا سبب إسلامي.
قال يحيى بن أكثم: فحججت تلك السنة فلقيت سفيان بن عيينة في الحج، فذكرت له القصة، فقال لي: مصداق هذا في كتاب الله -تعالى-، قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله تعالى في التوراة والإنجيل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة: 44] فجعل حفظه إليهم -إلى الأحبار والرهبان- فضاع، وقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر: 9] فجعل حفظه إليه، فحفظه الله -تعالى- علينا فلم يضع.
الإسراء والمعراج
من خصائص نبينا ﷺ: الإسراء والمعراج، وتحضير الأنبياء له في السموات يستقبلونه، وأنه ﷺ أَمَّهم جميعاً فكانوا وراءه، هو الإمام وهم المأمومون، والدليل على ذلك ما جاء في حديث أبي هريرة قال رسول الله ﷺ: لقد رأيتني في الحجر بعد ما رجع في حجر وقريش تسألني عن مسراي فسألتني عن أشياء من بيت المقدس لم أثبتها -يعني: أنا لما كنت في بيت المقدس ما حفظت التفاصيل سألوني عنها بعدما رجعت- (فكربت كربة ما كربت مثلها، قال: فرفعه الله لي أنظر إليه) -أنقذ الله نبيه ورفع له بيت المقدس أمامه وهو في مكة، أمامه ينظر إليه وعن أي شيء يسألونه يعطيهم التفاصيل، فهو يراه وهم لا يرونه، وهم يسألونه وهو يجيب من الواقع حياً على الهواء- ما يسألوني شيئاً إلا أنبأتهم به، وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء، فإذا موسى قائم يصلي فوصفه ثم قال: فحانت الصلاة فأممتهم، فلما فرغت من الصلاة قال قائل: يا محمد! هذا مالك صاحب النار -فسلم عليه- فالتفت إليه، فبدأني بالسلام [رواه مسلم: 172].
أعطى الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- الوسيلة والفضيلة
من خصائص نبينا ﷺ: أن له الوسيلة والفضيلة.
الوسيلة الراجح أنها هي: منزل النبي ﷺ في الجنة، وهي داره، وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش، قمة الجنة هي: الوسيلة، درجة في الجنة لا ينالها إلا واحد، وهو النبي ﷺ لا يشاركه فيها غيره، من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة [رواه البخاري: 614].
وفي حديث آخر قال: ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة [رواه مسلم: 384].
وفي رواية لأحمد وهي في صحيح الجامع، قال رسول الله ﷺ: الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة، فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة [رواه أحمد: 11783، وهو في صحيح الجامع: 7151].
الوسيلة حاصلة للنبي ﷺ فنحن لماذا ندعو؟
ندعو أن يؤتيه الله الوسيلة حتى نستفيد نحن وننال الشفاعة؛ لأن من سأل له الوسيلة حلت له الشفاعة، فإذا أردت -يا عبد الله- أن تنال شفاعة رسول الله فسل الله الوسيلة لرسول الله ﷺ.
والمقام المحمود
ولذلك نحن نقول هذا الذكر من الأذكار بعد الأذان: "آتِ محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً"، وهذه من خصائصه ﷺ الأخرى: المقام المحمود.
والمقام المحمود: الشفاعة: وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً [الإسراء: 79].
قال ابن جرير الطبري -رحمه الله-: أكثر أهل العلم على أن ذلك هو المقام الذي يقومه ﷺ يوم القيامة للشفاعة للناس، ليريحهم ربهم من عظيم ما هم فيه من شدة ذلك اليوم؛ لأن الناس يكربون يوم القيامة كربة عظيمة حتى يتمنى الكفار الانفكاك من الموقف ولو إلى النار، ولأن الشمس دنت من رؤوس العباد فصهروا في عرقهم، وهم قيام على أرجلهم، وخمسون ألف سنة، فيتمنون الفكاك ولو إلى النار، والناس يفزعون يريدون الفكاك، يطوفون على الأنبياء واحداً واحداً لينفرج الموقف ولتنفك الأزمة، كل يحولهم، حتى يصلوا إلى النبي ﷺ فيقوم ويستأذن على ربه، ويدخل عليه، ويسجد تحت العرش، السجدة الطويلة التي يفتح الله عليه فيها بمحامد وأدعية لا نعرفها، ثم يقول: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع [رواه البخاري: 3340، ومسلم: 194]، فيعطى الشفاعة في أهل الموقف، فيبدأ الحساب وتنفك أزمة الموقف.
ثم تبدأ قضية أخرى وهي قضية الحساب، ويقضي الله -تعالى- بين الخلق، ويأتي الله -تعالى- بكرسيه لفصل القضاء بين الخلق، والناس جثى، كل أمة جاثية، كل أمة تتبع نبيها.
فهذا المقام المحمود يحمده عليه كل الخلق؛ لأنه سبب فك الأزمة، وانفضاض الناس من الموقف للحساب.
وله ﷺ في هذا الموطن شفاعات متعددة:
شفاعة في استفتاح باب الجنة.
وشفاعة في تقديم من لا حساب عليه لدخول الجنة.
وشفاعة في ناس من الموحدين عندهم معاصٍ وذنوب، استحقوا دخول النار ألا يدخلوها.
وشفاعة في ناس موحدين دخلوا النار أن يخرجوا منها.
وشفاعة في رفع درجات ناس في الجنة.
وشفاعة في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب.
فالنبي ﷺ هو الذي يستفتح باب الجنة فيشفع لهم عند الله -تبارك وتعالى-، فيدخل ويدخلون وراءه.
والنبي ﷺ الذي يشفع لمن لا حساب عليه من أمته؛ كما جاء في الحديث بعد ما ينادي: يا رب! يا رب! أمتي يا رب! فيقول: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب [رواه البخاري: 4712، ومسلم: 194].
ثم إن له في عمه أبي طالب موقفاً، تكريماً للنبي ﷺ، فجاء العباس عم النبي ﷺ أخو أبي طالب، فـالعباس أسلم وكان قلقاً على مصير أخيه أبي طالب، فقال: يا رسول الله! هل نفعت أبا طالب بشيء؟ أبو طالب مات كافراً وسيدخل النار قطعاً، فحق وعيد "هل نفعت أبا طالب بشيء؟ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟" كان يصونك ويحافظ عليك، ويذب عنك وينافح؟ قال النبي ﷺ: ((نعم)) نفعته، ((هو في ضحضاح من نار)) ضحضاح: ما رق من الماء على وجه الأرض فاستعير في النار، فقال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار [رواه البخاري: 3883، ومسلم: 209].
وفي رواية: أن العباس عم النبي ﷺ، قال: "يا رسول الله! إن أبا طالب كان يحوطك وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم، وجدته في غمرات من النار فأخرجته إلى ضحضاح .
ومعنى الغمرات: المعظم من الشيء الكبير، لكن هذا الضحضاح ليس بنعيم إطلاقاً، فإن أبا سعيد الخدري ، قال أنه سمع النبي ﷺ وذُكِر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه [رواه البخاري: 6564].
أهون أهل النار عذاباً أبو طالب، وهو منتعل بنعلين يغلي منهما دماغه [رواه مسلم: 212].
فنسأل الله أن يعيذنا من النار، وأن يقينا عذاب النار.
دعوة مستجابة خبأها صلى الله عليه وسلم لأمته
وللنبي ﷺ دعوة مستجابة خبأها لأمته من كمال شفقته عليهم، ورأفته بهم، واعتنائه بمصالحهم، وقيل: الدعوة هذه هي الشفاعة المعطاة للنبي ﷺ.
خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمته
لقد كانت للنبي ﷺ خصائص في أمته، فجعلت أمته خير الأمم، وأحلت الغنائم لهم، وكانت الغنائم من قبل تأتي النار من السماء فتأكلها، وجعلت الأرض لهم مسجداً وطهوراً، ووضع عنهم الآصار والأغلال، وهداهم الله إلى يوم الجمعة، وتجاوز له عن أمته الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وحفظهم من الهلاك والاستئصال، فلا يمكن أن ينزل بأمة محمد ﷺ عذاب يفنيهم تماماً، ولا يمكن أن يُسلط عليهم عدو يستبيح بيضتهم كلهم إطلاقاً، ولا تجتمع أمته على ضلالة، وهم شهداء الله في أرضه، وشهداء للأنبياء يوم القيامة، وصفوفهم كصفوف الملائكة في الصلاة، وهم غر محجلون يوم القيامة؛ بياض في جباههم ومواضع الوضوء منهم، وأول من يجتاز على الصراط أمة محمد ﷺ وهو أمامهم، وأول أمة تدخل الجنة وهو أولهم، وأن عملهم قليل وأجرهم كثير؛ فأعمارنا بالنسبة لأعمار بقية الأمم أقل، ولكن من يدخل الجنة من هذه الأمة أكثر، ثلثا أهل الجنة من هذه الأمة.
خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم- في بعض الأحكام
لقد كان للنبي ﷺ خصائص في بعض الأحكام، فمثلاً:
لا يجوز له صلى الله عليه وسلم أن يأخذ من الزكاة ولا من الصدقة
لا يجوز له أن يأخذ من الزكاة ولا من الصدقة؛ لأن هذه أوساخ الناس، ولا تليق بالنبي ﷺ، ولذلك لما رأى في يد الحسن تمرة من تمر الصدقة قال له: كخ .. كخ .. أما علمت أنا لا نأكل الصدقة [رواه مسلم: 1069].
وكان يأكل الهدية ﷺ.
يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إمساك أي امرأة لا تريده
ومن خصائصه ﷺ: أنه يحرم عليه إمساك أي امرأة لا تريده، إذا أرادت أي امرأة فراقه يجب عليه أن يمكنها من الفراق.
بينما بقية الرجال لا يلزم أحدهم إذا كرهته زوجته أن يطلقها، لكن النبي ﷺ ملزم، ولذلك جاء في صحيح البخاري أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: (إن ابنة الجوني -هذه بنت من ملوك العرب كانت جميلة جداً جداً- خطبها النبي ﷺ وتزوجها، ولما أدخلت على رسول الله ﷺ ودنا منها، قالت: "أعوذ بالله منك" المرأة نفرت، ثم ندمت ندماً لا يوصف، لكن هذا الذي حصل، فأول ما دخل عليها قالت: "أعوذ بالله منك"، فقال لها: لقد عذتِ بعظيم، الحقي بأهلك [رواه البخاري: 5254].
فحرِّم عليه نكاح كل امرأة كرهت صحبته، ولا شك أن المرأة هذه ليست بمستوى أن تكون من أمهات المؤمنين، ولذلك ما أكملت الطريق وأخرجت من الحسبة.
ليس له صلى الله عليه وسلم إذا لبس لباس الحرب أن يخلعه
والنبي ﷺ إذا لبس لباس الحرب لا يمكن أن يخلعه، ولا يمكن أن يتراجع في قرار الحرب، إذا اتخذ قرار الحرب ولبس اللأمة لابد من إكمال المشوار.
ليس له صلى الله عليه وسلم خائنة الأعين
النبي ﷺ ليس له خائنة الأعين، بمعنى أنه لا يجوز له ولا يليق بمقامه أن يشير بعينه إشارة خفية ولو إلى شيء مباح، مثل قتل شخص مهدور الدم، ولذلك لما أهدر النبي ﷺ دم عبد الله بن سعد بن أبي سرح؛ لأنه كان ممن أنشد الشعر في سب النبي ﷺ، فأي واحد سب النبي ﷺ يقتل مباشرة، وقد أهدر النبي ﷺ دم نفر من المشركين يوم فتح مكة، ومن الناس الذين أهدر دمهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، عبد الله بن سعد بن أبي سرح توجه إلى عثمان أخيه من الرضاعة واختفى عنده، فلما دعا النبي ﷺ الناس إلى البيعة جاء عثمان بـابن أبي سرح حتى أوقفه عند النبي ﷺ، فرفع رأسه فنظر إليه ثلاث مرات، ابن أبي سرح يطلب البيعة والنبي ﷺ يأبى، ابن أبي السرح يطلب البيعة والنبي ﷺ يأبى، ثم بعد الثلاث بايعه، ثم قال النبي ﷺ لأصحابه: أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني كففت يدي عن بيعته فيقتله أليس فيكم واحد فهمها وقام وقتله؛ لأن هذا حكمه القتل، أي شخص يسب النبي ﷺ يقتل مباشرة "فقالوا: ما ندري يا رسول الله! ما في نفسك" ما أدرانا أن هذه رغبتك "ألا أومأت إلينا بعينك " يعني: إشارة ونحن نقضي عليه- "قال: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين [رواه أبو داود: 2683، والنسائي: 4067، وقال الحافظ ابن حجر -رحمه الله- في التلخيص: "إسناده صالح"].
لا يعرف صلى الله وسلم القراءة ولا الكتابة إطلاقاً
من خصائصه ﷺ: أنه لا يعرف القراءة ولا الكتابة إطلاقاً، كما أن الله وصفه بقوله: وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ [العنكبوت: 48] لا قراءة ولا كتابة، لماذا؟ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت: 48] لو أنك قارئ وكاتب لقالوا: هذا القرآن من الثقافات التي اطلع عليها وقرأها وتعلمها من الكتب، ثم جاء وكتب لنا هذا القرآن، فقال: أنت معروف من أول أمرك، لا قراءة ولا كتابة، فأنت أمي؛ لأن هذا يكون أبلغ، حتى القرآن لا يمكن لأحد أن يقول: تعلمه من غيره، وأنه كان يقرأ كتب ثقافات، فهو لا يعرف القراءة أصلاً، لا يوجد إلا مصدر واحد هو: الوحي، من أين تأتيه هذه الأخبار؟ أخبار السابقين بهذه التفصيلات، لا يعرف يقرأ ولا يكتب، فهذه ليست منقصة بالنسبة للنبي ﷺ، بل بالعكس هي في حقه كمال، فلو كان يعرف القراءة والكتابة، كان فتح باباً كبيراً للافتراء عليه.
وكذلك فإنه ﷺ لا يقول الشعر: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69]، فهو لم يكن عالماً لا بصنوفه ولا بأنواعه، ولذلك لما أراد أن يستشهد ببيت كَسَّره وقدَّم وأخر، ولما قال شيئاً قال رجزاً يسيراً، وشعراً غير مقصود، وشيئاً أتى وجرى على اللسان من غير قصد، مثل قوله:
أنا النبي لا كذب | أنا ابن عبد المطلب |
هذا من بحور الشعر وليس من القصائد.
وإذا جاء ببيت أو بيتين من أبيات غيره كسرها وكسر الوزن: وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69].
إباحة الوصال في الصيام للنبي صلى الله عليه وسلم
النبي ﷺ أبيح له الوصال في الصيام، يوالي الصيام ونحن لا نوالي، هذه من خصائصه، يختلف عنا فيها.
يباح له عليه الصلاة والسلام الزواج من غير ولي ولا شهود
يتزوج ﷺ من غير ولي ولا شهود، كما حصل أن الله زوجه زينب بنت جحش من غير ولي ولا شهود، نزل العقد من السماء، كانت زينب -رضي الله عنها- تفخر على أزواج النبي ﷺ، تقول: "زوجكن أهاليكن وزوجني الله -تعالى- من فوق سبع سماوات" [رواه البخاري: 7420].
يجوز له عليه الصلاة والسلام أن يجمع أكثر من أربع نسوة
يجوز للنبي ﷺ أن يجمع أكثر من أربع نسوة، ونحن لا يجوز لنا أن نزيد على أربع.
وفي ذلك فوائد كثيرة، منها: أن يكثر من يشاهد أحواله الباطنة، فعنده نساء متعددات، وتتشرف قبائل العرب بمصاهرته، ويزيد ذلك في تأليفهم، وتكثر عشيرته من جهة نسائه، فيزداد أعوانه ويحاربون معه، وينصرون الدين، وكذلك نقل الأحكام الشرعية من جهة عدد أكبر من النساء؛ لأن بعض الأشياء لا يطلع عليها إلا الزوجات، كبعض الأشياء الداخلية في البيوت، وصار عندنا عدد من أمهات المؤمنين، وكذلك ألف الله قلوب أعدائه ببعض هذه الزواجات، أم حبيبة أبوها كان من أعدائه، وصفية ألف الله قلبها على الإسلام، وهكذا حصلت من البركة في زواجه ﷺ.
أُحل له القتال في مكة ساعة من نهار فقط
أحل له القتال في مكة ساعة من نهار فقط، ولم يحل لأحد آخر غيره، ولا يجوز القتال في مكة إطلاقاً، إلا النبيﷺ أحلت له ساعة كسر بها الشرك، ودمر بها الأوثان والأصنام.
وعصمه الله ، فلا يقول الباطل.
وكل من استهان به ﷺ أو سبه فإنه يكفر مباشرة وعقوبته القتل.
ساب النبي-عليه الصلاة والسلام- يقتل ولو تاب
ومن الأحكام التي قد يستغربها بعض الناس، لكن هذا هو الراجح: أن الذي يسب النبي ﷺ يقتل ولو تاب، بينما الذي يسب الله -تعالى- إذا تاب انتهى، يعفى عنه لماذا؟
لأن الله غفور رحيم، والله بيَّن أن من أخطأ في حقه -تعالى- ثم تاب فإنه يغفر له.
لكن الذي يسب النبيﷺ جاءت النصوص بقتله، فعرفنا الآن أن هناك حداً شرعياً في كل من يسب النبي ﷺ وهو القتل، من الذي يملك إسقاط الحد هذا؟
هو ﷺ إذا تنازل سقط الحد، أما إذا لم يتنازل فيقام الحد.
والآن بعد ممات النبي ﷺ لو جاء واحد وسب النبي ﷺ يترتب عليه أمران:
أولاً: انتهاك حق الله -تعالى-؛ لأنه عصى الله، وهذا معروف، وهذا يمكن أن يستدرك بالتوبة.
ثانياً: انتهاك حرمة النبي ﷺ، وهذا حده القتل، إلا إذا تنازل النبي ﷺ، وبما أنه قد مات ﷺ فلابد من إقامة الحد.
فالذي يسب النبي ﷺ ويتوب توبته تنفع عند الله، لكن لابد من قتله.
هذا هو الراجح في مسألة سابِّ النبي ﷺ، دمه مهدور مباشرة، ويرفع أمره إلى الحاكم الشرعي ليطبق حد الله فيه، يشهد عليه، ويرفع أمره، أي واحد يسب النبي ﷺ يشهد عليه ويرفع أمره، ويبت في قتله.
رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن خلفه في الصلاة
ثم إنه ﷺ من خصائصه: أنه كان يرى من خلفه في الصلاة مع أن وجهه إلى القبلة، لكنه يرى الصفوف التي خلفه، ويرى لو أن واحداً متقدم أو متأخر.
ولما غشي على أسماء في قصة الكسوف وقامت وأكملت صلاتها بدون وضوء، والعلماء صححوا صلاة من غشي عليه وقام، والغشيان غير الإغماء، فهو درجة أخف، من غشي عليه وقام وأكمل الصلاة صححوا صلاته، بأي شيء؟
لأن أسماء كانت وراء النبي ﷺ، وكان يشاهد من خلفه، وقامت أسماء وأكملت بعد الغشيان من غير وضوء وما أنكر عليها ﷺ.
معناها أن صلاة المغشي عليه إذا غشي عليه وقام صحيحة.
وذلك لأنه ليس نوماً وإنما هو دوخة خفيفة يمكن أن نسميها هكذا.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يورث، ولا يجوز لأزواجه الزواج بعد موته
النبي ﷺ لا يورث، وأي مال يتركه فهو لبيت مال المسلمين، وأزواجه لا يجوز الزواج بهن بعد موته بل هن أمهات المؤمنين، ولا يتمثل الشيطان به في المنام.
من دعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- من المسلمين تنقلب دعوته عليه رحمة وبركة
وأخيراً: أي واحد من المسلمين سبه النبي ﷺ أو شتمه أو دعا عليه فإن هذه الدعوة تنقلب في حق هذا الرجل المدعو عليه رحمة وبركة؛ لأن النبي ﷺ قال لبعض أصحابه أشياء: تربت يمينك، لا كبر سنك، لا أشبع الله بطنه .. كذا .. كذا إلى آخره.
فمرة أودع النبي ﷺ عائشة أسيراً فهرب منها، مع أنها موكلة بحراسته فهرب، فلما علم ﷺ، قال: ((قطع الله يدك)) يعني: لماذا لم تنتبه لهذا الأسير؟ فقعدت عائشة تنتظر، قال: ((ما بالك؟)) قالت: دعوت علي أن تنقطع يدي، قال: ((أما علمتِ)) المسألة التي سألتها ربي أو كما قال عليه الصلاة والسلام قلت: اللهم إني أتخذ عندك عهداً لن تخلفنيه، فإنما أنا بشر)) يعني: أغضب كما يغضب البشر فأي المؤمنين آذيته شتمته، أو دعوت عليه، أو جلدته، شرط أن يكون من المؤمنين فاجعلها له صلاةً وزكاة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة [رواه مسلم: 2601].
يعني: حتى لو سب أحد المسلمين فهو في صالحه، صلى الله وسلم على نبينا محمد.
فماذا بقي من شمائل هذا النبي الكريم وكل شمائله -والحمد لله- وخصائصه بركة وخير ورحمة لهذه الأمة.
نسأل الله أن يرزقنا شفاعته، وأن يجعلنا من أهل ملته وسنته، وأن يحيينا على سنته ويميتنا عليها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.