الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الشباب والتدين


عناصر المادة
مقدمة
الخطوات العملية لتديُّن الشاب
أثر الصُّحبة الطيبة في ثبات تدُّين الشاب
أثر البيئة في تديُّن الشاب
توجيه الطاقات الشابة لخدمة الإسلام
أمور مهمة لأجل مخاطبة الشباب
قضايا متعلقة بالشباب

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وبعد:

فحديثنا في هذه الليلة عن موضوع بعنوان: "الشباب والتديُّن".

مقدمة

00:00:29

لقد ذكر الله هذه المرحلة في كتابه العزيز بالفتوّة، كما وصف أصحاب الكهف فقال: إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى [الكهف: 13]. إنها مرحلة القوة أيضاً كما قال الله : اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ [الروم: 54]. هذه مرحلة بلوغ الأشد التي ذكرها الله بقوله: وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ  [الأنعام: 152]. إنها مرحلة الرشد أيضاً التي وصفها الله بقوله: وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ  [النساء: 6]. شبّ الغلام يشب شباباً وشُبوباً وشبيباً، وأشبّه الله، وأشبّ الله قرنه، والجمع شبّان، وشّببة، شباب الشيء أوله، ولقيت فلاناً في شباب النهار، أي في أول النهار، هذه الكلمة الشباب التي تعني في أصلها اللغوي النماء والقوة، هذه المرحلة العظيمة من مراحل العمر التي علق التكليف بها كما قال النبي ﷺ:  رُفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشبّ، وعن المعتوه حتى يعقل  [رواه الترمذي: 1423، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 3514].

هذه المرحلة العظيمة التي تتجلى فيها قضية التكليف، بداية التكليف للإنسان، قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية -رحمه الله تعالى-: "تكليف العاجز الذي لا قدرة له على الفعل بحال غير واقع في الشريعة،، بل قد تسقط الشريعة التكليف عمن تكمل فيه أداة العلم والقدرة تخفيفاً عنه، وضبطاً لمناط التكليف، وإن كان تكليفه ممكناً، كما رُفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وإن كان له فهم وتمييز، لكن ذلك لأنه لم يتم فهمه؛ ولأن العقل يظهر في الناس شيئا فشيئاً، وهم يختلفون فيه، فلما كانت الحكمة خفية ومنتشرة قُيِّدت بالبلوغ" [مجموع الفتاوى: 10/345].

فإذن هو مرحلة الفهم والعقل، ولذلك كان التكليف منوطاً به ومرتبطاً به.

إن هذه السنّ وهو سنّ الشباب الذي اختلف أهل اللغة في أوله وآخره، فقال بعضهم: من البلوغ حتى بلوغ الأربعين

والله ذكر بأن الأشد الأربعين في قوله: حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً [الأحقاف: 15].

هذه الفترة - فترة القوة - لا بد أن يكون لها عناية خاصة في حياتنا، هذه الفترة التي كان الشعراء يتغنون بها، إنها أفضل فترات العمر على الإطلاق.

بكيتُ على الشباب بدمع عينٍ فلم يغن البكاء ولا النحيبُ
فيا أسفا أسفت على شباب نعاه الشيب والرأس الخضيبُ
عريت من الشباب وكنت غصنا كما يعرى من الورق القضيبُ
فياليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيبُ

[ديوان أبي العتاهية].

هذا الشباب هو مرحلة الفراغ، هذا الشباب الذي لا تكون فيه المسؤوليات والأشغال قد تراكمت على الإنسان بعدُ ولا ينال العلم إلا فتى خال من الأفكار والشغل، لو أن لقمان الحكيم الذي سارت به الركبان بالفضل بُلي بفقر وعيال ما فرّق بين التبن والبقل، هذا المرحلة سيكون أهل الجنة فيها كما جاء عن النبي ﷺ ينادي مناد:  إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشّبوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً  [رواه مسلم: 2837].

فنظراً لفضلها وما فيها من العنفوان والقوة والنشاط، كان أهل الجنة ليسوا بسنّ الطفولة، ولا في سنّ الشيخوخة، وإنما كلهم في سنّ الثالثة والثالثين، في سنّ الشباب، لا يتغيرون ولا يهرمون ولا تتبدل أحوالهم.

هذا السن العظيم، هذه المرحلة التي يستمتع فيها الإنسان بقوته، ولذلك اتجهت همم الصحابة لعبادة الله اغتناماً لهذه المرحلة كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: "جمعتُ القرآن كله في ليلة، فقال رسول الله ﷺ:  إني أخشى أن يطول عليك الزمان وأن تملّه، فاقرأه في شهر ، فقلت: دعني استمتع من قوتي ومن شبابي، قال: فاقرأه في عشرة  قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي، قال:  فاقرأه في سبع  قلت: دعني أستمتع من  قوتي وشبابي، فأبى". [رواه ابن ماجه: 1346، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه: 1346].

إذن، هذه المرحلة كان الصحابة يستمتعون بها فعلاً لأن الشباب سن استمتاع لكن بأي شيء دعني أستمتع من قوتي وشبابي بأي شيء؟ بعبادة الله .

ونحن نريد أن نتحدث عن الشباب والتديُّن، التديُّن في حياة الشباب كيف يتحول الشباب أو الشاب إلى شخص متدين؟ كيف تبدأ القضية؟ كيف يتم التوجيه؟ ما هي الخطوات؟

إن النبي ﷺ لما قال:  سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله  وذكر منهم: شاب نشأ في عبادة الله أو شاب نشأ في طاعة الله  [رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031].

علمنا إذن أن هذا السن إذا صار الإنسان فيه متوجها إلى الله صار له مزية، شاب نشأ في طاعة الله، وشاب نشأ في عبادة الله، هذا السن في الحقيقة، سن الشباب الذي يبدأ بمرحلة المراهقة ينبغي أن يقدر له قدره، من الذي أوحى إلينا بالفكرة الخبيثة أن مرحلة المراهقة مرحلة شر؟ من الذي أوحى إلينا بالفكرة الخبيثة أن مرحلة المراهقة مرحلة طيش؟ من الذي أوحى إلينا بالفكرة الخبيثة أن مرحلة المراهقة مرحلة شرور؟ من الذي أوحى إلينا الفكرة الخبيثة أن الشاب في هذه المرحلة لا يقبل توجيهاً ولا يستعد لعبادة ولا تديُّن؟ إنها مرحلة معاصٍ ونفور، إنها مرحلة شرود عن الله ومنهجه، إن الذي أوحى إلينا بهذه الفكرة هم الخبثاء من أهل الغرب ومن قلّدهم من أهل الشرق، وإلا فإن المراهقة وهي أول سن الشباب انتقال طبيعي، الله خلق الإنسان في كبد وينتقل من مرحلة إلى مرحلة، ويمر بمتغيرات، لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4], إذا أردت أن  تنظر إلى قضية البلوغ في الشريعة فانظر إليها كما تنظر إلى نبات أسنان الطفل، إلى بداية تعلُّمه المشي، إلى بداية تعلمه الكلام، ينتقل من حال إلى حال، من الفطام والابتعاد عن الثدي والحضن إلى المشي والكلام، ينتقل من مرحلة إلى مرحلة، يكون في الحضن والثدي، فيفارق الثدي والحضن فيبدأ يمشي ويتكلم، ويكون هناك تغيرات في شخصيته، كما يقول علماء النفس: إن أكثر مرحلتين تتم فيها تغيرات في شخصية الإنسان مرحلة مفارقة الثدي والحضن ومرحلة البلوغ، فإذا أردنا أن ننظر مرحلة البلوغ من الناحية الشرعية لا يمكن لمسلم أن يقول: إن مرحلة البلوغ شر بحد ذاته أبداً، هي انتقال طبيعي، الذي أوحى إلينا بهذه الفكرة هم الخبثاء، ولذلك ربما فساد البيئة الذي جعل المراهقين ينحرفون أوحى إلى الناس أن مرحلة المراهقة  هذه مرحلة شرور، من قال ذلك؟ هل الله جعل في أصل الخلقة شراً؟ هل الله -عز وجل- لما خلق الشاب وجعله يبلغ بعلامات البلوغ المعروفة ينتقل إلى مرحلة الشر، البلوغ بحد ذاته شر؟ مطلقاً هذا كلام غير مقبول، من الناحية الشرعية على الإطلاق ليست مرحلة البلوغ مرحلة الشر، والذي يقول بذلك معناها أنه يفترض أن الشباب ينحرفون ولا بد في هذا السن! ولذلك ترتب على هذه الفكرة الخبيثة أن بعض الناس صاروا يعذرون الشاب المنحرف في مرحلة المراهقة، فإذا صار منحرفاً قالوا اصبروا عليه هذه مرحلة المراهقة، هذه طبيعة مرحلة المراهقة، أنها مرحلة المصائب والشرور والآثام والانحرافات والبعد عن الله، وإيذاء الخلق، ونحو ذلك.  

كيف حصل الانطلاق من هذه الفكرة بهذه الصورة؟ تأثراً بمناهج المنحرفين، بالعكس، مرحلة البلوغ ومرحلة المراهقة هي مرحلة تفتح على التدين، واتجاه الفطرة إلى بارئها بوعي وعقل لم يكن موجوداً من ذي قبل، ولذلك نحن نؤجل المفهومات الكبيرة ونؤجل التصورات العميقة إلى مرحلة البلوغ، وإذا سألنا الطفل أسئلة فنبسّط له الإجابة ولا نتعمق فيها؛ لأن عقله لا يتحمل، ونؤمل أنه سيفهم الأمر إذا بلغ، فهي مرحلة الأشُّد، مرحلة الرشد، مرحلة تعقُّل، مرحلة القوة، ولذلك فإن الذي ينظر إلى مرحلة المراهقة والبلوغ على أنها مرحلة تدين عميق وعقل وفهم للدين أكثر من مرحلة الطفولة، هذا سينطلق بخلاف الذي ينظر إلى مرحلة المراهقة على أنها مرحلة شر، وبصعوبة نصبر عليه حتى يتجاوز عنق الزجاجة، وبالتالي لا نوجهه ولا نعلمه الدين؛ لأن هذه مرحلة شر وطيش، انتظر عليه حتى يهدأ ويصير ابن خمس وعشرين وثلاثين! فجلسنا نضيع أوقاتاً كثيرة، ونقول: هؤلاء الأولاد أولادنا إذا بلغوا، اصبر عليه، تحمّل، لماذا لا نأخذ القضية أنها مرحلة تدين واتجاه إلى البارئ سبحانه وتعالى؟ إنها مرحلة وعي ديني، القضية في هذا السن مرحلة وعي ديني، تتميز عبادة الفرد في طفولته وقبل بلوغه بالتقليد لوالديه ومن حوله من الناس دون تمييز للعبادة ونظر فيها، فنجد الطفل عندما يقوم والده للصلاة أو والدته يقف بجانبه يركع ويسجد مقلّداً ومحاكياً الحركات دون فهم لمعنى الصلاة ومعنى العبادة، أما في مرحلة الشباب فيستيقظ الوعي فلا يكون عندئذ مقلداً، وإنما يكون عاقلاً يفهم ويعقل العبادات، ولذلك فإن عند الشباب القدرة على فهم المصطلحات المجردة المتعلقة بالدين، مثل: التقوى، الاستقامة، ونحو ذلك، يوجد سرعة تغير؟ نعم، اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك  [رواه مسلم: 2654]. يوجد تغير في طبيعة النفس؟ نعم، يوجد مرحلة يحدث فيها طيران؟ يحدث فيها انتقال سريع في الطول في العقل في الجسم في الأعضاء؟ صحيح، هذا الانفجار الذي يحدث لدى الشخص وهذا التسارع في عمليات نمو العقل والجسم هذا شيء خلقه الله في نفس الإنسان، وإذا توجه التوجه الصحيح فإنه سينتج انتاجاً جميلاً وجيداً، فإذا بلغ الشاب فينبغي أن ننظر إليه كما يلي: نحن الآن مع كائن جديد لا يريد أن يكون طفلاً، يكره أن يعامل كطفل، يريد أن يعامل على أنه كبير يشعر بالامتياز عن أقرانه بحسب ما عنده من المعلومات، هذا الولد إذا بلغ لا يريد أن يعامله أباه كطفل، ولذلك فإنه من الخطأ أن يقول: أبي لا يزال يعاملني كطفل، إذا كان أبوه كذلك وكذلك فإن على الأب أن يكسر الحلقة المفرغة، الأب يقول: تفكر نفسك رجلاً؟ أنت طفل، وهو يقول: أبي لا يزال يعاملني كطفل، فعلى الأب أن يقول: أنت أصبحت رجلاً، يا بُني لقد أصبحت رجلاً، وبالتالي يحدث الانتقال فعلاً وحقيقة، من أسعد لحظاته أن يقدم معلومات أو يصحح خطأ شخص، وتبرز سمات مرحلة الرجولة والأنوثة، فيخشوشن صوت الولد ويرق صوت الأنثى، وتتهيأ الأعضاء للنمو، وينشأ هنالك حاجز فطري بين الجنسين، فلا يقبل الصبيان بنتاً تدخل بينهم، ولا تقبل البنات فتى يدخل بينهن، ولكن الجاهلية الحديثة تريد كسر هذا الحاجز بالاختلاط بين الجنسين، والتركيز على قيام ذلك في المرحلة المتوسطة؛ ولأن الناس نفروا منهم فإنهم يتدرجون به من السنوات الابتدائية، فيريدون الاختلاط في الصف الأول والثاني والثالث؛ تمهيداً للاختلاط في الصف الرابع والخامس والسادس؛ تمهيداً للاختلاط في مرحلة البلوغ، وهذه هي الكارثة والطامة الكبرى.

إذن، انظروا كيف جعل الله تعالى في نفوس الجنسين التميّز، كل جنس عن الآخر، هكذا بطبيعتهم لا يريد الصبيان بنتاً بينهم ولا البنات فتى بينهن، لكن الجاهلية المعاصرة هي التي تسبب الانحراف، وتهيىء البيئة له، تبدأ تكوين الأصول للصداقة والمجموعة، المحافظة على المواعيد والوعود، وعدم الخيانة بتغيير الصديق وعدم إفشاء أسرار الأصدقاء أو المجموعة، هذه من مميزات الشاب في أول البلوغ ومرحلة المراهقة، وبما أن هذه المرحلة هي مرحلة تكون القيم والمثُل العليا في نفس الشاب، يبدأ تتكون عنده أفكار معينة محددة، قِيَم مُثُل تتكون عنده أشبه الخطوط العريضة التي تميز المنهج، فهذه فرصتنا نحن المربين لإقرار القيم في نفوس الشباب الصغار لأن التربة الصالحة متوفرة.

إن هناك أمراً مهماً ينبغي أن يستقر في عقول الآباء والمربين، أن يقدروا لهذه المرحلة قدرها، أن يميزوا الشاب إذا بلغ عن  الطفل في كلامهم معه، في تعاملهم معه، وأن يقدروا له قدْره، ويعطوه الاحترام والمنزلة التي تليق به؛ إن ذلك مما يريحه نفسياً ويجعله مهيأ للتقبل، إن النبي ﷺ كان يحترم الجميع، وحتى الصبيان، كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أنس أن النبي ﷺ مرّ على صبيان فسلم عليهم ولما أُتي النبي ﷺ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام؛ لأنه الأحق بالشرب بعده، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟  [رواه البخاري: 2451، ومسلم: 2030]. فقال الغلام: "لا والله لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، فتلّه رسول الله ﷺ في يده" يعني: وضع الإناء في يد الغلام، لم يحرمه حقه وحفظ له منزلته، فلم يكن ﷺ يحقرهم، ولا يعرض عنهم، لا الصبيان ولا البالغين، فإذا هو مرّ بهم سلّم عليهم، وقد يجلس الواحد منهم عن يمينه، ويستأذنهم في حقوقهم.

وينبغي إذا عرفنا هذا أن نتعامل معه بما يليق به، وعمر تعامل مع ابن عباس الصغير تعاملاً أهّله أن يكون قائداً مستقبلياً في العلم والعمل، وقُدوة للناس جميعاً في عصره والذين كانوا معه، فقد روى ابن عباس رضي الله عنه: "كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر". يعني: في المشورة.

فإذن، لما لمح عمر أن ابن عباس ذكي وألمعي لم يجد غضاضة في أن يدخله في المشورة، المجلس الاستشاري للخليفة، يعني أعلى مجلس في البلاد يدخل فيه غلام، لم لا يدخل إذا كان هناك مؤهلا لذلك؟ لم لا؟ فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ ولماذا يميز عن أبنائنا؟ فقال عمر: "إنه حيث قد علمتم، فدعاني ذات مرة فأدخلني معهم، فما رأيت أنه دعاني يومئذ إلا ليريهم -هذه فطنة- فقال: ما تقولون في قوله تعالى:  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  فقال بعضهم: أُمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وهذا ظاهر جداً، لا يحتاج إلى استنباط وليس مقصود عمر أن يسأل عن الشيء الواضح جداً،  إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا  [النصر: 1 - 3].

أراد عمر شيئاً آخر، وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً، فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا، قال: فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله ﷺ أعلمه له، أخبره بأجله، قال: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ  وذلك علامة أجلك، استقر الدين وانتشر في الجزيرة وقمتَ بالمهمة، أتممت الواجب، فاستعد للموت، لقد قمتَ بما عليك، وجاء نصر الله والفتح، وعمّ الإسلام الجزيرة، استعد للموت،  فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ، فقال عمر : "ما أعلم منها إلا ما تقول"[رواه البخاري: 4294].

ومن القصص اللطيفة التي حدثت في تبيان منزلة الشباب الصغار، ما كان في مجلس هشام بن عبد الملك؛ لما أقبلت القبائل عندما قحطت البادية في أيامه ودخلوا عليه وفيهم درواس بن حبيب وعمره أربعة عشرة سنة، فأحجم القوم وهابوا هشاماً -أن يقولوا أعطنا- هابوا أن يكلموا الخليفة، فوقعت عين هشام الخليفة على درواس الصغير، فقال لحاجبه: ما يشاء أحد أن يصل إليّ إلا وصل، صار الباب عندي بدون بوّاب، حتى الأطفال دخلوا علينا، ما يشاء أحد أن يصل إلينا إلا وصل حتى الصبيان، يقول الخليفة لبوابه: كل واحد دخل، فقال درواس وعلم أنه يريده وأنه هو المقصود بالكلام: "يا أمير المؤمنين إن دخولي عليك لم يخل بك شيئاً، ولقد شرّفني، وإن هؤلاء القوم قدموا لأمر أحجموا دونه، وإن الكلام نشرٌ، والسكوت طي، ولا يُعرف الكلام إلا بنشره، فقال هشام: فانشر لا أب لك، وأعجبه كلامه، فقال: يا أمير المؤمنين أصابتنا ثلاث سنين، فسنة أذابت الشحم، وسنة أكلت اللحم، وسنة نقت العظم، صار العظم بدون مُخ، وفي أيديكم فضول أموال، إن كانت لله ففرقوها في عباد الله المستحقين لها، وإن كانت لعباد الله فعلام تحبسونها عنهم؟ وإن كانت لكم فتصدقوا عليهم، فإن الله يجزي المتصدقين، ولا يضيع أجر المحسنين، واعلم يا أمير المؤمنين أن الراعي للرعية كالروح للجسد، لا حياة للجسد إلا به، فقال هشام: "ما ترك الغلام في واحدة من الثلاث عُذراً، وأمر أن يقسم في بادية درواس بمئة ألف درهم، وأمر لدرواس بمئة ألف أخرى، فقال: يا أمير المؤمنين ارتدها في عطية قومي، فإني أكره أن يعجز ما أمر لهم أمير المؤمنين عن كفايتهم، قال: فما لك من حاجة تذكرها لنفسك؟ قال: ما لي من حاجة دون عامة المسلمين" [عيون الأخبار: 2/365].

مادام هذا الشاب الصغير مؤهّل للكلام فلماذا لا يتكلم؟.

لقد كان المجتمع الإسلامي فيه تقدُّم؛ بسبب إتاحة الفرص للنبغاء من الصغار أن يتبوؤوا مكانتهم فيه، يُعطَون الفرصة ولذلك برزت شخصيات، حصل اهتمام بهم منذ سن مبكرة.

والشاهد أننا ينبغي أن نقدِّر قدْر هذا السن، وأن نعطيه حقه؛ لتحصل الفائدة المرجوّة من وراء الاهتمام بهم في هذه المرحلة، وقضية التديُّن في نفس الشاب قضية فطرية، الله فطرهم عليها، عندما نحدّث الشباب الصغار عن قضية الدين وعن الله تعالى وصفاته وأسمائه وعظمته وسلطانه وقوته وجبروته، ونتحدّث معهم عن اليوم الآخر، والجنة والنار والحساب، والصراط والميزان والحوض، والشفاعة، والقبر عذابه ونعيمه، ونتحدث معهم عن التكاليف الشرعية والعبادات التي أوجبها الله على عباده؛ من الصلاة والصيام وغيرها، والمحرمات التي نهى الله عنها، وعن أعمال البر والمستحبات، فإننا لا نتكلم بدون أساس، نحن نخاطب بهذا الكلام في هؤلاء الشباب فطرة فطرهم الله عليها، نخاطب أجهزة استقبال مستعدة للتلقي، هذا اسمه رصيد الفطرة، يعني: الله تعالى أعان الدُّعاة بتركيب أشياء في نفوس المدعوين ولو كان هؤلاء شباباً صغاراً، تستقبل كلام الدعاة إذا ما وجدت مؤثرات خارجية سيئة، تستقبله استقبالاً صحيحاً وتتفاعل معه، يعني لو وجد شاب بلغ الآن والبيئة نظيفة، ولا يوجد مؤثرات سلبية، وكلمته عن الحق يعرفه بالفطرة ويقبله بالفطرة، فعندنا شيء اسمه رصيد الفطرة، والفساد في الشباب ليس أصلياً، هذا طارئ، هذا أجنبي، هذا غريب، هذا مناقض للفطرة، لكن لما صارت البيئة فاسدة، والمؤثرات السلبية فاسدة، صار الأصل غريباً، والغريب هو الأصل فحسبت الانحرافات، وإلا في المجتمع الأول الشاب يبلغ يكبر يرى أمامه علم جهاد قدوات، فيريد القتال، فيرد ابن عمر؛ لأنه ما بلغ خمسة عشر عاماً، ويأتي في السنة التي بعدها ويريد أن يقاتل، أولاد الصحابة يتهيؤون للقتال ويريدون الخروج، كان قد سمع من قبل في قصص من السيرة أن أبا جهل كان يؤذي النبي ﷺ لما دخل المعركة يريد أن يقتل أبا جهل، هو غلام، هو شاب صغير، معاذ و معوّذ شابان صغيران تفاعلا مع الكلام الذي سمعاه على المرحلة المكية، وعزما على الانتقام، ما أحد قال لهما: اقتلا أبا جهل، ولا خطّطا لقتله، ولا اعزما على ذلك، لكن من تلقاء نفسيهما، تفاعلا مع الكلام وعزما على الأمر وبيّتاه، وجاء في ميدان المعركة يسأل كل واحد منهما جاره عبد الرحمن بن عوف الكبير عن أبي جهل أين هو؟ وما تفعل به يا ابن أخي؟ قال: أريد أن أقتله" [رواه البخاري: 3988، ومسلم: 1800].

فإذن، متى صارت عند الشباب هذه المبادرات الذاتية للخير التي تصل إلى قضية التضحية بالأرواح؟ لما كان المجتمع نظيفاً، لما كانت البيئة نظيفة، لما كان القدوات حاضرين، لما كان الخير قائماً مشرعاً ألويته، لما نصبت للخير أعلام اتجهوا إليها وبرزوا في ميادين العلم الجهاد، الأمر بالمعروف النهي عن المنكر، العبادة عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: دعني أستمتع بقوتي وبشبابي.

عبد الله بن عمر كان صغيراً رُدّ في معركة بدر، خمسة عشر سنة في الخندق، كان يبيت في المسجد، لما  تزوج بنى بيتاً وحده، بيت صغير بناه، لما سمع عبارة: نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل  هو شاب، لكن جاءت الكلمة  نعم الرجل  ليس نعم الطفل، ولا نعم الصغير، نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم الليل  قال: "فما تركتُ قيام الليل بعدها" [رواه البخاري: 1122، ومسلم: 2479]. مع أنه صغير في السن  لكن التأثر يحدث في نفوس هؤلاء، عندما يكون هناك توجيه، قدوات، بيئة طيبة، هذا ما نريده اليوم للشباب أن يعيشوا في توجيه صحيح ومنهج سليم، ولذلك أريد أن أقرأ عليكم هذا النص الذي رواه الطبري -رحمه الله- عن ابن شوذب، نص جميل مهم جداً، ابن شوذب رجل من السلف، يقول: "إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك -يعني توجه للدين صار عنده توجه ديني- إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يؤاخي صاحب سنّة يحمله عليها" [تلبيس إبليس: 11]. عبارة مهمة جداً جداً جداً، فأي شاب يحصل عنده توجُّه، للخير، بداية استقامة، حب للتدين والعبادة، من أكبر النعم عليه أن يوفقه الله إلى رجل من أهل السُّنة عنده علم وعقيدة صحيحة، رجل من أهل السُّنة يعني: صاحب عقيدة صحيحة، وعنده علم يحمله على السنة وعلى العقيدة الصحيحة.

 ولذلك لو جاء واحد من الشباب وقال: أنا بدأت في التدين، أنا بدأت أتوجه، أنا بدأت أحس بأهمية العبادة، أريد ألتزم بالإسلام، ماذا تنصحوني؟ نقول: أهم شيء الآن في هذه المرحلة، من أهم الأشياء أن تبحث عن صاحب سنة يحملك عليها، صاحب عقيدة صحيحة، منهج سلفي، دين، على بصيرة، على أدلة من الكتاب والسنة، يحملك عليها هذا المنهج الذي ذكره السلف، هذا النص ينبغي أن يُحفظ، "إن من نعمة الله على الشاب إذا نسك أن يؤاخي صاحب سُنّة يحمله عليها" [شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي: 4/26]. وإلا فقد يسلك سبيل بدعة، أنت ترى الواحد عند الباطنية يأتي إلى شيخ الطريقة ويسجد له، ويدخل في حلق المبتدعة فرأسه في السقف، حِلق ذكر مبتدعة، هو هو، وهكذا، يذكرون بالاسم المفرد وبالضمير فيتجه الواحد مسكين مغفّل إلى البدعة من أول أمره، يتجه إلى الشرك من أول أمره، يظن هذا هو الدين.

وأحياناً يتجه إلى تخليطات، سنّة مع بدعة، توحيد مع شرك، علم مع جهل، تخليطات مشكل، وهذه أيضاً مشكلة، ولذلك أنا أنصح كل شاب بدأ بالتدين أنه يحرص فعلاً أن يقتدي بأهل السنة الحريصين عليها من أصحاب الاهتمام بالعلم الشرعي والعبادة والدعوة، وأن يسير معه يحمله عليها، أهم شيء التوحيد والعقيدة، هذه أهم شيء، فإذا رزق الواحد من يحمله عليها فهذا غاية المنى. إن الشاب كما قلنا يتجه إلى الله بفطرته، يحس على وجه الخصوص بالقرب من ربه في حالة الذنب والشدة والخطر، فيتوجّه إلى الله بالتوبة عند الذنب، ويتوجه إلى الله بالدعاء لفك الكربة وحل الأزمة، قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ  [الأنعام: 64]. كما أنه لما كان كل مولود ولد على الفطرة، فهو الآن مستعد يميل إلى التديُّن، عنده تفكير وتأمل، ولذلك فإن تفكير المراهق المتميز يدعوه للتساؤل عن القضايا الكونية والنفسية وبدايات الإنسان وغاياته، وتتراكم عليه أسئلة كثيرة في هذا الباب، كما أن عواطفه جياشة، وأحاسيسه مرهفة، فهو كثير الخوف كثير الرجاء، سريع الشعور بالذنب والإحساس بالضعف، يتجه إلى المسجد أحياناً، ويحافظ على الصلوات، ويكثر الدعاء والأوراد والأذكار، ويعطف على الفقير والمحتاج والمظلوم، ويتبنى المساعدة ويتوق للعمل التطوعي التعاون الجماعي، تستهويه ساحات الجهاد، وتجتذبه أخبار المجاهدين، وتأخذ بشغاف قلبه؛ لما فيها من إبراز القوة والبطولة والتضحية ونصر الحق، ورفع الظلم، والحركة والمغامرة، كل هذا يؤكد على أن أصول التدين موجودة في نفوس الشباب تحتاج القضية إلى توجيه قدوات وبيان المنهج.

الخطوات العملية لتديُّن الشاب

00:37:22

فإذا قال قائل: الخطوات العملية للشاب لكي يتدين؟

الجواب: أولاً: معرفة الله ، وتوحيده ، وأسماؤه وصفاته، وربط هذا بالواقع، ثم بعد العقيدة العبادة، لا بد أن يتعبّد الشاب، لا بد أن يمارس العبادات، أداء ما افترض الله عليه، ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه  [رواه البخاري: 6502]. فيؤدي الصلوات ويحافظ عليها في أوقاتها المحددة شرعاً بشروطها، ثم النوافل والرواتب، تلاوة القرآن والاستماع إلى القرآن، الاستماع أحياناً تأثيره يكون أكثر من القراءة، الاستماع إليه من الغير، الأوراد والمحافظة على أذكار الصباح والمساء والمناسبات المختلفة التي جعل فيها الشارع أذكاراً، ومهم جداً أن يعرف معنى الأذكار؛ لأنك عندما تقول:  اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدتك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك عليّ  [رواه البخاري: 6306]. ما معنى: ((أبوء)) إذا كان وهو يقرأ أذكار الصباح والمساء كل يوم ولا يعرف معنى كلمة ((أبوء؟)) فكيف سيتأثر بالذكر هذا وهو لا يعرف معنى كلمة أبوء؟ أعترف وأقر بذنبي وبنعمتك عليّ، أبوء بذنبي، أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، مسألة معرفة معاني الآيات، هؤلاء يقرءون قصار السور في الصلوات، هل يعرفون معانيها؟ ما معني الصمد؟ ما معني: غاسق إذا وقب؟ ما معني العاديات ضبحاً؟ ما معنى: الموريات قدحاً؟ ما معنى لإيلاف؟ ما معنى تبّت؟ ما معنى: شانئك؟ هذا إذا كان في السور القصيرة كلمات مجهولة يقرأونها في الصلوات باستمرار، فما بالك بالسور الطويلة والآيات الأخرى؟ إذن، كارثة أنك تقول: نقرأ آيات ولا نعرف معناها، وبالمناسبة معرفة معنى القرآن واجب، لازم كل واحد يعرف معنى القرآن لكن ما هو كل المعاني الموجودة في الآية الواحدة، لأن المفسرين لهم أقوال لكن على الأقل تعرف المعنى الإجمالي للآية، أما أن توجد آيات طلاسم بالنسبة لك لا تعرف معناها، ربما يكون هذا إثم أو تقصير يأثم عليه نص العلماء على وجوب معرفة معنى القرآن، على الأقل المعنى الإجمالي، لازم، مثل الذين لا يعرفون التفسير كمثل قوم كانوا في برية في الليل فجاءتهم رسالة من الملك فدخلتهم روعة ظلام ورسالة من الملك ولا يعرفون ماذا يوجد فيها، جلسوا يفكرون في حيرة واضطراب وخوف، ماذا يوجد في الرسالة؟ ومثل الذي يعرف التفسير كمثل شخص جاءهم بمصباح، فقرأوا ما في الرسالة، إذن، الشاب عندما يتدين ينبغي أن يعرف معنى الرسالة التي وصلته من ملك الملوك، مالك الملك الملك من أسمائه.

وكذلك هذه الأوراد والأذكار التي يقرأها صباح مساء، ارتياد مواطن الوعظ والذكرى والقصص الصادق المؤثر، مجالس الذكر، مهم جداً أن يكون له مجالس ذكر يغشاها، العبادات؛ الحج والعمرة والرفقة الصالحة، الأشياء من أعمال البر أن يمارسها، زيارة المرضى، زيارة المقابر، زيارة الصالحين، زيارة أهل العلم.

النبي ﷺ سأل مرة أصحابه: من عاد منكم مريضاً؟  قال أبو بكر: "أنا"  من تبع منكم جنازة؟  قال أبو بكر: "أنا" من أطعم منكم مسكينا؟  قال أبو بكر: "أنا" [رواه مسلم: 1028].

وهكذا وجّه السؤال إليهم وهم جلوس وفيهم الصديق ، فظهر أنه في هذا اليوم الذي سئلوا فيه زار مريضاً، وتبع جنازة، وأطعم مسكيناً، وكان صائماً، فأخبر ﷺ أنه إذا اجتمعن في رجل نودي من أبواب الجنة، دخل الجنة، لأن لها باب الصيام، وباب الصدقة، وباب الصلاة، وهي طبعاً المقصود بها من يكثر النوافل من هذه العبادة، وإلا الذي ما يصلي أصلاً ما يدخل الجنة، فهناك أبواب في الجنة لمن يكثر من نوافل شيء معين، باب الصدقة، باب الصيام، باب الصلاة، يدعى من أبوابها، ممكن يدعى من كل الأبواب؟ نعم، أبو بكر واحد منهم، فلما كان الوقت مملوءاً بالطاعة، هذا اليوم فيه عدة طاعات، وهذه تأخذ وقتاً، الآن لو واحد قال: أنا أريد أطبّق حديث أبي بكر الصديق، سأنظر ليوم خميس وأصبح صائماً فيه، وأذهب إلى مسجد يصلون فيه الجنازة، سأجد جنازة في الغالب وأتبعها إلى أن تُدفن، وأسأل عن مريض أزوره، وأبحث لي عن مسكين، وأسأل جمعية خيرية عن مسكين، وأتصدّق عليه بوجبة، هذه تحتاج إلى وقت، إذا صار الواحد مملوء وقته بالطاعات فأين يجد الوقت للمعصية؟ ولذلك قال الشافعي: "صحبتهم فلم استفد منهم إلا خصلتين: الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، ونفسك إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية"

فإذا كان الشاب ينوّع الطاعات بهذا الشكل كما في حديث الصديق يملأ بها وقته، يومه مملوء بالطاعات، من أين يجد الوقت ليعصي؟ ولذلك ورد في سير بعض السلف أنه لم يكن يُحسن يعصي الله، لو جاء يعصي يفشل، يخفق لا يستطيع أن يعصي، يفشل، التدين يقتضي ممارسة العبادات والتنويع فيها، وازدحام اليوم بها مهم جداً في التدين، ما يمكن يحافظ على التدين إذا لم يكن مشغلاً نفسه بطاعة الله عز وجل.

أثر الصُّحبة الطيبة في ثبات تدُّين الشاب

00:45:11

ثم من الأمور المهمة في قضية التدين الصُّحبة الطيبة ولا شك، إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة: 40]. {لِصَاحِبِهِ} صُحبة طيبة، ومن أكرم من النبي ﷺ، فصحِبه الصديق فنال بصحبته إياه المنزلة العالية، فصار أفضل الناس بعده، وكانا في سن متقاربة تسعة وثلاثين أربعين كان يجمع بينهما تقارب في أمور كثيرة، فنعم الصحبة هي.

وكذلك فإن رفقة أصحاب الكهف لبعضهم البعض، عندما خرجوا من انحراف الشرك الذي كان عليه قومهم أورثتهم هذه الصُّحبة متانة في الموقف، وقوة في العقيدة، استطاعوا أن يصمدوا بها أمام ظلم قومهم، ويتحملوا آلام الغُربة، ومشقة السفر، وخروجهم في هذا السن الصغير برغم المخاطر التي يمكن أن يتعرضوا لها، فراراً بدينهم.

ولذلك فإن الصُّحبة تقوي الإنسان وتقيه الشرور.

الصُّحبة الطيبة، لا بد أن يكون للإنسان إخوان في الله ، فإذا عرفنا كما مر معنا سابقاً أن مرحلة المراهقة والشاب في أول أمره يميل إلى تكوين الصداقات والدخول في المجموعات، والمحافظة على الأصول، مثل: قضية عدم إخلاف المواعيد، والوفاء للمجموعة، وعدم إفشاء أسرار المجموعة، وهكذا إذا كانت المجموعة طيبة، فهذا شاب على خير عظيم، ويمكن في هذه المرحلة أن يتدخل الأب لتكوين الصداقات لولده، فإن قال قائل: إنهم يرفضون، إنه يقول: أنا أختار أصدقائي بنفسي، لو سمحتم لا أحد يتدخل، فلا بد أن يكون التدخُّل حكيماً لتكوين أصدقاء الولد.

فمثلاً: يقوم الأب بدعوتهم وتوجيههم، وكذلك الأم في صديقات ابنتها، مادام فرض الصداقة على الولد أنت تقول: أنه لا يمكن، وصعب جداً، وأولاد الزمان هذا لا يقبلون أن تُفرض عليهم أسماء معينة، ويقال: اذهب مع فلان، ولا تصادق فلاناً، فيقول: أنا كبير أعرف مصلحة نفسي، لا تدخل في علاقاتي! إذن إذا كان عندنا حكمة في قضية إدخال الولد في صداقات من غير أن يحس أنها فُرضت عليه، هب أن هؤلاء آباء مستقيمين على الدين عندهم أولاد فجعلوا لأولادهم نشاطاً واجتماعاً، فصاروا يزورون بعضهم البعض، وكل واحد معه ولده، بطبيعة الحال الأولاد سيتكومون وينجذبون إلى بعضهم، ويتحول المجلس إلى قسمين، الكبار في رأس المجلس، والصغار في آخر المجلس، وربما تسرب الصغار إلى خارج المجلس، فإذا كان كل واحد ربّى ولده واعتنى به، إذن، عملية زيارة الآباء لبعضهم أو الزيارات العائلية بين المتدينين، أو العوائل المتدينة، هذه العلاقات بين العوائل المتديِّنة تنشئ بطبيعتها تلقائياً وسطاً وبيئة طيبة لولد كل واحد منهم، دون أن يحس الأولاد أن هناك أسماء فُرضت عليهم، وهذه قضية في غاية الأهمية.

إذا قال قائل: كيف تريدني أن أدخل ولدي في مجموعة من الطيبين دون أن يحس الولد المراهق أو الذي قارب المراهقة أن القضية مفروضة عليه؟ فنقول: الفرق أن تأتي وتمسك الولد وتقول: ولد فلان وفلان وفلان، لا أريدك أن تتصادق معهم، صادق فلاناً وفلاناً وفلاناً، هذا الأسلوب قد لا يجدي فعلاً، ويتكون عند الولد أجسام مضادة، كريات سوداء تقاوم هذا الفرض، اللهم إلا أن تكون شخصية الأب قوية وشخصية الولد تقبل هذا، والولد يحب أباه فيمكن أن يطاوع، لكن لو حصل ما قلته قبل قليل أن هؤلاء الأخيار الذي يعتني كل واحد منهم بابنه وابنته يزور بعضهم بعضاً، كل أسبوع مرة مثلاً، يصطحبون أولادهم معهم بطبيعة الزيارات وطبيعة العلاقات وطبيعة هذا اللقاء ستتكون للأولاد مجموعة يعيشون فيها ويرتبطون ببعضهم بعضاً؛ لأنك أدخلت الولد فيهم بغير فرض، جاء نتيجة الزيارة العائلية، إذن، هذه طريقة من الطرق كذلك البنات، هذه طريقة مهمة جداً، لتكوين بيئات طيبة للأولاد دون أن تفرض القضية عليهم السبيل الأخير أن نمسك مجموعة الولد التي يعيش فيها الآن أو الشاب الآن مع مجموعة شلة فندخل فيهم نحن، فيدعو الأب أصدقاء ولده إلى البيت يقوم بتوجيههم، وكذلك الأم مع صديقات ابنتها، وشيء من المزاح الطيب مع شيء من الكلام الذي فيه توجيه، يمكن أن يحب الأولاد هذا الأب، فيقبلوا توجيهه فيستفيد ولدك وأولاد الآخرين، وكذلك وجود أنواع من الرحلات التي تسبب تداخلاً أيضاً ينفع في هذا الجانب، وينبغي أن يفرق الأب بين سؤال المستجوب وسؤال المستطلع مع من ذهبت؟ ممكن يكون سؤال تحقيق، والولد يكره التحقيق ويعتبر هذا من خصوصياته وأسراره ويلف ويدور، ولكن إذا كان السؤال سؤال استطلاع وليس سؤال تحقيق واستجواب، وهذه قضية تعتمد على أسلوب توجيه السؤال، فإن الولد قد يتقبل هذا الكلام ويسمع للتوجيه.

وكذلك فإن إشعار الولد أنه قد صار رجلاً، هذه من الطرق التي تؤدي إلى اطمئنانه، أن أباه ليس يفرض عليه وصاية؛ لأنه يقرر له أنه قد أصبح رجلاً وأصبح كبيراً.

أثر البيئة في تديُّن الشاب

00:52:31

أيها الإخوة، إن هناك تأثر في هؤلاء الشباب في الدراسة في الشارع في البيت في الحارة، في أماكن متعددة يلتقون فيها، ولذلك كانت البيئات من أهم الأمور التي تؤثر في تكوين العلاقات في الأولاد، وبالتالي انحرافهم أو استقامتهم في أحد العوائل المتدينة، الأب متديّن، الأم متديّنة، البيت خالٍ من المنكرات، لا تلفزيون، ولا دِش، ولا مجلات ساقطة، فوجئ الأب والأم أن البنت تغازل بالتلفون، وبعد التحقق من القضية واستقصاء الموضوع، تبين أن هناك قرينة سوء في المدرسة، هي التي زينّت لها عملية الاتصال، إذن، يحتاج أحياناً الواحد إلى غسيل مستمر، إذا رجع الولد من المدرسة الابن أو البنت، أن يقوم بغسل ما حصل من الآثار السيئة؛ لأننا نقول: إنه لا يمكن العزل الكلي، وإلا سيكون الولد فيما يشبه السجن، وإذا طلعنا للمجتمع الذي فيه كثير من الانحرافات تأثر الأولاد، لا بد أن يكون هناك عملية غسيل مستمرة، الشباب هل يمكن توجيههم للدعوة حتى مع كونهم صغاراً؟

الجواب: نعم، هناك أدلة على أن هذا قد حصل  قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ  [الأنبياء: 59، 60]. سمعنا فتى وليس شيخاً ولا كهلاً،  سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَاإِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُون  [الأنبياء: 60 - 63].

يوسف، كان غلاماً شاباً بحسن التربية كان ولدا صالحاً، أصحاب الكهف كذلك مثال على وجود دعاة؛ لأنهم قاموا فقالوا:  رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا * هَؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا  [الكهف: 14، 15].

ولما أيسوا من صلاح الحال اتجهوا إلى الخروج من تلك البيئة الفاسدة.

الدعوة تحتاج إلى فهم أشياء قد لا يعقلها الصغير، أن يعرف مثلاً الأسلوب الصحيح، ويبدأ بماذا؟ وكيف يكون مؤثراً؟ وقلنا سابقاً: إن الصغير ربما لا نستطيع أن نخاطبه بهذا المستوى من الكلام، لكن الشاب أو الشباب إذا انضم الشباب إلى مثله، يحصل بهذا الانضمام تكوُّن وعي، وتعمُّق في فهم الأمور، وانفتاح على الأفكار والآراء؛ ومن هنا كان لا بد من انتهاز هذه الفترة للتعليم والدعوة وتفهيم هؤلاء موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا له أصول لا بد أن تكون قد صارت من الصِّغر، لكن الآن قضية الشجاعة والجرأة والإقدام والمبادرة، وقضية القدرة على الرد، ابن تيمية -رحمه الله- ناقش يهودياً وعمره إحدى عشرة سنة، فأفحمه، يمكن إذن أن تتكون نماذج من الدعاة الشباب، وليس من الحتم أن تطول الفترة بين الاستقامة والدعوة، فإن بعض الشباب ربما يتصور أنه حتى يصبح داعية لا بد يكون مرت عليه ثلاث سنوات في الالتزام، ثم يتحول إلى داعية! وهذا غير صحيح، فالطفيل بن عمرو الدوسي،كم بين الفترة التي أسلم فيها، وبين أنه  أصبح داعية؟.

كان الواحد عندما يدخل في الدين من قديم يتحول مباشرة بعد فترة بسيطة، يتحول إلى داعية، يعرف الحق ويتبع الحق ويلتزم بالحق ويدعو إلى الحق مباشرة، أشياء وراء بعض، لا توجد فترات طويلة، الآن بسبب حصول التميع في التدين صار الواحد يأخذ فترة طويلة حتى يصبح داعية هذا إذا أصبح داعية وإلا فهو جالس على عتبة الالتزام رجل برا ورجل جوا وهكذا تحصل الحالات المشوهة لما يسمى بالالتزام، فتجد واحد التزامه نصف ونصف، سكر خفيف، هناك ميل للهو واللعب وهناك مع الأخيار، وهناك أذهب المسجد، وكذلك ذهاب إلى بعض الأماكن الأخرى التي لا تليق، هناك قراءة قرآن وهناك لعب بألعاب لا تجوز شرعاً، وهناك سماع للقرآن وسماع للألحان التي تكون في بعض الأناشيد التي هي أغاني قطعاً بدون موسيقى، وكذلك هناك أيضاً ميل إلى التراخي والكسل والدعة والانشغال بالترف، ووسائل الترفيه قضت على الجدية في كثير من الشباب اليوم، وإذا كان الشاب هذا مشغول بالترف ووسائل الترفيه، متى يصبح داعية؟ الدعوة تحتاج إلى تضحيات، تحتاج إلى قوة تحتاج إلى ممارسة تحتاج إلى متابعة هي ما هي كلمة واحدة تلقيها وتمضي، هي عملية متابعة، كلام مستمر، عطاء متجدد، تضحيات بالنفس بالوقت بالمال، تعمل جهداً فيها، العملية جهد، ولذلك أقول: كان الصحابة يأتون النبي ﷺ كما قال مالك بن الحويرث: "جئنا ونحن شببة متقاربون، شببة شباب صغار متقاربون في السن "فمكثنا عنده خمسة عشر ليلة، جلسوا يتعلمون عند النبي ﷺ في المدينة عشرين ليلة، "لما رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلينا وكان بنا رحيماً فقال: ارجعوا إلى أهليكم فعلموهم وصلوا كما رأيتموني أصلي [رواه ابن حبان: 1658، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: 1656]. شباب جاءوا وتعلموا ورجعوا دعاة معلمين لأهليهم يعلموهم ما تعلموه، عملية نقل العلم كانت عملية آلية، ما كان الواحد يتعلم ويؤجل عملية نقل العلم إلى سنوات بعدها لا يتعلم المعلومة الآن، ثم ينقلها مباشرة، هذا الشيء لا بد من غرسه في نفوس الشباب، قضية نقل المعلومة التي تعلمها، هذا منهج الصحابة، يتعلم وينقل مباشرة الآن يتعلم المعلومة يفهمها بطريقة صحيحة، لو خرج من المجلس ورأى واحداً يحتاج إليها مباشرة يلقيها إليها، الحس حس نقل المعلومات أو الدعوة أو الأمر بالمعروف أو تعليم الناس الخير كانت عملية تلقائية ما فيها مراحل كبيرة وأشياء تمطط حتى يصل إلى هذه المرحلة وهذه الدرجة، ولذلك في بعض الحالات التي نلاحظ فيها طفرة عند بعض الشخصيات التي فيها عصامية وهمة عالية، مرحلة انتقال من الاستقامة والالتزام بالإسلام وترك المنكرات والمحرمات والالتزام بالواجبات وفعل المستحبات إلى الدعوة والتعليم مرحلة قصيرة ما الذي يقصرها؟ وما الذي يطولها؟ يقصرها ويطولها همّة الشاب وحرصه، هذا إذا كان عنده همّة انتقل مباشرة، وربما ينتقل من غير ما أحد يقول له: علم وادع وأمر وانه، هو يفهم بطبيعته، هذه طبيعة الدين، أو بطبيعة الأمر يفهم أنه لا بد أن يبلغ وأن هذا الدين ما جاء حتى يأخذه واحد ويسكت عليه ويغلق الباب على نفسه وإنما دين من طبيعته الانتشار.

ولذلك الإسلام الآن أكثر دين في العالم، في النمو أكثر من النصرانية واليهودية والبوذية والهندوسية، الإسلام الآن على ضعف المسلمين، وعلى قلة المجهودات، لكنه أكثر دين في العالم انتشاراً الآن، معنى ذلك: طبيعة الإسلام تجعل الانتشار أمراً عادياً، هذا الدين يحمل في طياته انتشاره.

وكذلك فإن مسألة انتقال هذا الشاب إلى الاقتداء أو تعلُّم الاقتداء، مسألة فطرية فيه أيضاً، فإن الشاب في أول أمره يكون عنده استعداد لعملية يسميها بعض علماء النفس: "الاستهواء" يعني: تستهويه الشخصيات والمواقف.

فقد تستهويه العصابات الشريرة، أو أبطال المغامرات، مثل: ما يوجد في أفلام الكرتون والقصص البوليسية، وأكثرها منحرفة، فلماذا تجدهم يُعجبون بسوبر مان والرجل الحديدي، إلى آخره لماذا؟

عملية الاستهواء مسألة نفسية إذا كان الأشياء التي يطلع عليها هي من نوع هذه المجلات والأفلام التي يراها من هذا النوع وأقراص الليزر، السي دي، الآن من هذا النوع، الآن ما في سوني بلايستيشن، هذه مغطية حتى الكبار ليس فقط للصغار، وهذه الألعاب قد توجد استهواء وانجذاب نحو شخص لاعب معين، أو بطل معين، أو مغامر معين، هذه القصص الموجودة، القصص التي يسمونها بوليسية وأكثرها منحرفة، لماذا يوجد عند البنات والأبناء انجذاب إلى اللاعب والمغنّي والممثل؟ لا، ويستميت في الدفاع عنه، المغني سقط على جانبه الأيمن وهو يغني، هذه معناها أنه من أهل اليمين، دفاع مهزلة، أهل اليمين! والغواص عندما يسقط تحت في البحر على اليمين صاروا كل الروس من اليمين والطيارة إذا طاحت على اليمين كل الكفار اللي فيها TWA على اليمين من آل اليمين ما معنى هذا الكلام؟

إذن، عملية الاستهواء تجعل هؤلاء ينجذبون إلى الأشخاص، ثم يقتدون بهم، قضية الاستهواء ليست خطراً بحد ذاتها لكن الولد يكون عنده انجذاب للاقتداء والإعجاب بشخص معين، طاقة الإعجاب بالشخصيات يجب أن توجه للإعجاب بمحمد ﷺ، وأصحابه والسلف والشخصيات الإسلامية الكبيرة، التي مرت عبر التاريخ ونحن أثرياء جداً، عندنا رصيد هائل في هذا  الموضوع، الأمريكان ماذا عندهم؟ من كم سنة تأسست أمريكا؟ وماهي الشخصيات التي عندهم؟ كفار وساقطون ومنحرفون وأهل لهو ولعب، تاريخناً حافل بشخصيات على مدى ألف وأربعمئة سنة، الأمة أنجبت شخصيات عظيمة شخصيات صالحة للاقتداء، ويمكن أن ينجذب إليها هؤلاء الشباب، وبالتالي تعجبهم فيحبونها فيقتدون بها وهذه قضية مهمة جداً، توجيه طاقة الإعجاب والاستهواء إلى الشخصيات الإسلامية الكبيرة، والآن نحن نلمس آثار العملية هذه فيما تنتجه هوليود، هوليود هذه أكبر دائرة للشر في العالم، تنتج الشخصيات التي يعجب بها الشباب، أكبر دائرة شر في العالم تنتج شخصيات يعجب بها الشباب والشابات، هذه مصنع أو هذه مدينة تنتج، تغطي هذا الجانب، لقد أدرك اليهود من أسباب إسقاط الناس في الرذيلة أن يكون قدوات الناس والشخصيات التي تستهوي الشباب والشابات أهل الرذيلة، فعمدوا إلى إنشاء هذه المدينة السينمائية التي تنتج هوليود، تنتج شخصيات بمواصفات معينة لهؤلاء الكفار، تستقطب استهواءات وإعجابات الناس من أبناء المسلمين وغيرهم، وبالتالي كان تحويل الناس عن هذه القضية وصرفها إلى الشخصيات الحقة أمر مطلوب، وإدراك حجم المؤامرة التي تقوم بها هوليود وغيرها هي مسألة مهمة لأي مربّي أو داعية.

توجيه الطاقات الشابة لخدمة الإسلام

01:07:18

من الأشياء المتعلقة بالتدين قضية توجيه الطاقات لخدمة الدين؛ لأن الشاب الذي يتفجر قوة وحيوية وعنده طاقات هائلة في التعلم، اكتساب المعرفة، هذه من ألمع الطاقات الموجودة عند الشباب، السرعة في التعلم، السرعة في الحفظ، السرعة في اكتساب المعرفة، الفهم، طاقات تتفجر متوالية، هذه إذا وجهت طاقات، حتى الطاقات البدنية والجسدية، الطاقات الفكرية العالية هذه إذا وجهت لخدمة الدين فإن هذا الشاب يكون تدينه قوياً، لقد حدثونا في التاريخ عن شخصيات من الشباب، كان لها أثر كبير في نصرة الدين.

زيد بن ثابت، تعلّم لغة كاملة في سبعة عشر يوماً؛ لينصر دين الله، قال: "ذكر له أنه لا يأمن اليهود على كتابه، فتعلّم لي لغة يهود، فتعلّمتها في سبعة عشر يوماً" [رواه أحمد: 21587، وابن حبان: 7136، وصححه الألباني في التعليقات الحسان: 7092].  لأجل أي شيء تعلم لغة أجنبية؟ لنصرة دين الله تعالى، ما عمم اللغة الأجنبية على كل المجتمع، هذا فيه خطر على شخصية المجتمع، انتقى ناس معينين.

علي بن أبي طالب شخصية شاب صغير في مكة، كان له أدوار كبيرة وجهت طاقته لخدمة الدين فأبدع.

كانت عمليات توجيه الطاقات عموماً في المجتمع الإسلامي في عهد النبي ﷺ، عملية محكمة، هذا صوت جميل يوجه للأذان، قم فألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك  [رواه أحمد: 16478، وأبو داود:499، وصححه الألباني في الإرواء: 220]. هذا صاحب قدرة قيادية، يوجه للقيادة، أسامة بن زيد وصغير في السن وجه للقيادة، هذا صاحب موهبة شعرية اهجهم ومعك روح القدس، وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك هؤلاء محطات إعلامية تبث قصائد تنكي في الكفار، وحسان بن ثابت رأسهم أشد من وقع النبل على الكفار، قصائد حسان بن ثابت أشد من وقع النبل، هذا إعلام موجّه إعلام العرب، ليس إعلام العرب لم يكن هناك دُش، لا توجد قنوات محطات تلفزيونية، قصائد، كانوا مبدعين في الشعر، قصائد تقال فتسير بها الركبان ويحفظها الصغير والكبير والمرأة والرجل، ويقولونها في المجالس، كان هذا هو الإعلام، قصائد، أشعار، قال: اهجُهم روح القدس معك  [رواه البخاري: 6153، ومسلم: 2486]. أشد وقعاً عليهم من النبل، وهكذا تكاملت الطاقات في خدمة الدين، فخط جميل يوجه، قوة جسدية توجه لخدمة الدين، قدرة على الاختراع والابتكار توجه لخدمة الدين، في سيرة صلاح الدين الأيوبي في حرب الصليبين، كان من الاختراعات المهمة: إيجاد أبراج قاذفة توضع فيها كرات نفط مشتعلة وتُرمى، خشب وخرق مغموسة بالنفط مشتعلة توضع في برج يقذف هذه المقذوفات إلى ما وراء أسواق القلاع للكفار، فابتكر أحد الشباب المسلمين بُرجاً قاذفاً كان له أثر كبير في تحقيق النصر، كما ذكر ذلك صاحب كتاب: "المحاسن اليوسفية ابن شداد القاضي في سيرة صلاح الدين الأيوبي"، [النوادر السلطانية: 282]. وهكذا إذا اتجهت الطاقات إلى الخير قوي التدين وعم الخير وإذا اتجهت إلى الغزل والغناء والطرب إذا اتجه الشعر للغزل والصوت للغناء والطرب فماذا ستكون النتيجة؟ هنا مسألة مهمة، النبي ﷺ ما كان حريصاً على أن ينتج ناس طبعة واحدة، كلهم متماثلين، لا، أرأفهم بالأمة أبو بكر الصديق، أشدهم في أمر الله عمر، أصدقهم حياء عثمان، أقضاهم علي، أقرأهم أُبي، أعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، أشدهم أمانة أبو عبيدة  فإذن، هناك مجالات متعددة كل واحد بشخصية بدون تكلف ينفع المسلمين  وأفرضهم زيد بن ثابت  [رواه الترمذي: 3790، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 868]. حتى في جوانب معينة في العلم، في أبواب معينة، بعض الصحابة أبدع أكثر من أشخاص آخرين.

أمور مهمة لأجل مخاطبة الشباب

01:12:35

إننا نحتاج إلى أمور متعددة في مخاطبة الشباب؛ ومن ذلك على سبيل المثال: الحفاظ على مشاعرهم وعدم الاستهزاء بهم والسخرية، ويكون هناك تخوف عند كثير من الشباب، في أول الأمر نتيجة البلوغ للتغيرات المتتالية في حجم العظام ونمو الشعر والأعضاء وحتى ظهور الطمث ونزول دم الحيض عند الفتاة وتغير الصوت ونحو ذلك يعمد بعض الأشخاص إلى السخرية بهؤلاء البالغين في أول أمرهم والاستهجان من حالهم في هيئاتهم وأشكالهم وقد قال الله تعالى  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ  [الحجرات: 11] ولنعلم أن مثل هذه العملية تفسد العلاقة وتجعل الاستقبال سيىء جداً؛ لأننا ما دام قد سخرنا منه في أول مرة فكيف سيتلقى منا بعد ذلك؟ فتجنيب الأبناء السخرية والاستهزاء واللمز والنبز بالألقاب؛ بسبب أمور لا ذنب لهم فيها مما يجعل هناك عقد نفسية عند هؤلاء تمنع من انتاجهم واتجاههم نحو ما يريد من التدين، لا شك أن هناك أمور أخرى حتى خارج نطاق العبادات مفيدة، أن يعود الشاب على القيام ببعض المسؤوليات كالإشراف على الأسرة في حال غياب الأب، وشراء المستلزمات، وشيء من التعويد على الصرف والاستقلالية المالية، لأنه إذا منح مصروفاً شهرياً فهو يتصرف فيه ويوفر منه ويتعود على السياسة المالية وعلى قضية التخطيط للمستقبل بإشراكه في بعض القرارات والتوجه الدراسي أو الوظيفة أو قضية الزواج، ما هو الوقت المناسب له؟ المشاركات الاجتماعية في المناسبات الأسرية والتي تجتمع فيها الأسرة الكبيرة، هذه مسألة في غاية الأهمية أيضاً لأن تكوين النفس أو الحس الاجتماعي الصحيح عند الشاب مما يجعل سيره في حياته أمراً طبيعياً وعادياً وانتقل هنا إلى قضية مهمة وهي أثر موضوع الشهوة على التدين، عندما يبلغ الشاب ولا شك وتكون هذه الشهوة في نفسه، والله -عز وجل- قد جعل لها تصريفاً طبيعياً من خلال عملية الاحتلام، وإذا كان المجتمع نظيفاً فإننا الأصل كما قلنا لن نعاني من الانحرافات، ولن تحدث الانحرافات لا نتيجة البلوغ بحد ذاته، ولا نتيجة الاحتلام ولا غيره، وإنما تحدث الانحرافات عند وجود مؤثرات خارجية سيئة، وقد تعلم بعض الشباب أموراً من السوء في هذ الجانب -جانب الشهوة- كلهم من قضية الأخذ عن الآخرين، فقلت: إن البلوغ بحدّ ذاته ليس مشكلة، والبلوغ بحد ذاته ليس شراً، وإنما هو نقلة إلى مزيد من التعقل والفهم، ولكن الجاهليات الحديثة تسعى إلى أن يكون الرجال مفاخرين بتعديد خطاياهم، وأن يقوم النساء بالتبرج والسفور والمطالبة بالمساواة بالرجل وتأخير الزواج، والنبي ﷺ قال:  يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج  [رواه البخاري: 5065، ومسلم: 1400]. وقضية الصيام لو كانت الأوضاع طبيعية لن نعاني من مشكلات في قضية الشهوة، ولكن هذه الجاهلية الحديثة التي تريد تحطيم رباط الزواج المقدس بإقامة العلاقات المحرمة والتشجيع عليها ونشر الرذيلة والفساد في كل مكان فيريدون إفساد التصورات والعقائد أولاً، فيعقدون الاجتماعات العالمية للمرأة والأسرة والطفل، يقولون: مؤتمر الأسرة العالمي، مؤتمر المرأة العالمي، ونحو ذلك من الأطروحات.

والآن اجتماعات الألفية، يريدون فيها توحيد البشر على عقائد ومناهج هم اختطوها، اليهود والنصارى، وينادون بقضيتين أساسيتين الحرية والمساواة، أما معنى الحرية فهو أن  تتفلت من كل قيد ومن كل دين ومن كل فضيلة ومن كل خلق وتنطلق كالبهيمة، ولذلك إذا قام واحد بإقامة علاقة مع شخص مثلي في لواط أو سحاق، فهذه حرية، لا يصلح أن يكون عليها عقوبة، ولا أن ينظر المجتمع بعين العيب إلى هذا الشخص، أو هذه المرأة، لأن الحرية هي الأساس، ثم إذا أقيمت أسرة من لوطي ولوطي آخر، ومساحقة ومساحقة أخرى، فإن هذه عملية يجب أن تكون مقبولة، والولد يحصل بالتبني بسيطة.

وهكذا يكون الحال في هؤلاء الذين يريدون تدمير المجتمعات بالإباحية والحرية والمساواة، الآن لا أكثر مما تسمعها في المقالات، المساواة بين الجنسين، خروج المرأة، التوسع في عمل المرأة، كل المجالات تنافس الرجل، وتدخل في أي شيء، ماذا وراء القضية؟ الفساد في المجتمعات الإسلامية ما حصل إلا عندما خرجت المرأة، لما خرجت المرأة وقع الفساد فلذلك يركزون الآن على عملية إخراج المرأة، الآن السعار العظيم في قضية إخراج المرأة، إذا خرجت المرأة حصل ما يريدون، وانظر إلى تسلسل الفساد في البلاد الإسلامية، كيف بدأت الرذيلة والفساد؟ كيف بدأت؟ خروج المرأة العملية التي يقولون عنها تحرير المرأة، ولذلك فإن الأفكار الجديدة التي صارت الآن تُروّج في هذه الحرية، وقضية ليس لازماً تكون أسرة، ليس لازماً زواج، وعملية هذه الأمراض التي تكون نتيجة المعاشرات الجنسية، هناك حلول لها.

ولذلك يقولون: لتلافي انتقال مرض كذا اعمل الإجراء الفلاني، وضع الغطاء الفلاني، والبس الشيء الفلاني، وخذ الحبوب الفلانية، هذه المسألة وعندما تأتي الأخبار من الغرب بأن هذه المشاريع التي يقدمونها مشاريع فاشلة عند ذلك نعرف أن المسألة شهد شاهد من أهلها، عكست دراسة في بريطانيا الاعتقاد السائد في الغرب في أن التعايش بين رجل وامرأة يقيهما من منغصات الزواج، وأظهرت الدراسة التي أجرتها الباحثة باتريسيا مورغان، ونشرتها في كتاب أن الأطفال الذين يولدون لأبوين غير متزوجين يعانون من مشكلات نفسية وتربوية، ولو كان الأبوين تحت سقف واحد، واتهم الكتاب وعنوانه: "ماريج-ليت"  زواج النخبة، المسؤولين والمنظمات الاجتماعية بالخضوع لمجموعة من العبثيين الذين يروجون لنظرية كاذبة مفادها أن الزواج لا يعدو كونه ورقة رسمية. الآن الفكرة منتشرة أن الزواج ورقة رسمية فقط، يعني لو ما صارت الورقة هذه، لو ما صار عقد، أي اثنين يلتقيان جيرل فريند، بوي فريند، في بيت، عشر سنوات، عشرون سنة ويجيبون أولاداً، يعني وقفت على الورقة هذه، وضم الكتاب نتائج إحصائيات في مختلف أنحاء العالم، دلت هذه المتكلمة وهي باحثة نصرانية على أن الشريكين اللذين يعيشان في ظل التعايش يعانين قدراً أكبر من التوتر والاكتئاب، إضافة إلى كونهما أكثر ميلاً إلى الخيانة من الذين يقترنان رسمياً، الذي هي قضية الزواج، العقد، وانتقد الكتاب وجهة النظر القائلة أن بعض أشكال التعايش أكثر ثباتاً من الزيجات مشيرا إلى أن 8% فقط من أتباع الفئة الأولى ظلوا تحت سقف واحد بعد إنجابهم طفلهم الأول، يعني العملية الجيرل فريند، والبوي فريند رغم أنه صار في ولد بينهما 8% فقط من هؤلاء الذين استمروا في الحياة، ولاحظ الكتاب اتجاهاً حالياً لدى الشباب إلى تفضيل الزواج على التعايش، طبعاً هم يسمونه تعايش وإلا هو حرام، زنا التعايش هذا اسمه شرعاً عندنا زنا، مشيراً إلى أنه في السنتين الأخيرتين فضل 22% من الرجال و 17% من النساء التعايش في مقابل 45% من الرجال و51% من النساء اختاروا الاقتران رسمياً، يعني هذا الزواج عند الكفار، {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: 26]. إذن، عملية الزواج هي السبيل إلى معالجة الشهوة بشكل جذري لكن بعض الناس لا يتهيأ لهم هذا ويوجد واحد عنده ولد من الأولاد، آتاه الله بسطة في الجسم، وما يستطيع أن يزوجه، وسبعة عشر سنة يقول للأب: زوّجني، لكن ليس عنده مال، ليس عنده قدرة، لا توجد شهادة، لا شيء يرغّب العائلة التي يتعرض لها أو يعرض نفسه أو يريد أن يتزوج منهم، لا يوجد ما يرغِّب، وبالتالي لا بد أن تكون المعركة شديدة ضد الشهوة التي تضغط على هذا الشاب وتحاصره، والمواجهة تكون بالتسلح بقوله تعالى: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان: 20].

فإذن، النساء فتنة للرجال، والرجال فتنة للنساء، آية عظيمة التسلح بقوله تعالى: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء: 27].

ما الذي يجعل الشاب يصبر على ضغط الشهوة ويأبى الانحراف؟ شيء مقابل حافز، أجر، ثواب  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة: 17]. والإنسان الله جبله أنه ما يترك محبوباً إلا لشيء أحب إليه فإذا كانت الجنة أحب إليه من النظر إلى النساء والالتقاء بالنساء والعلاقات المحرمة، إذا كانت الجنة أحب، قدم الجنة وترك هذا، ولذلك مسألة إحياء محبة الله ومحبة ما يرضاه في النفوس هي التي تجعل الشاب يصمد أمام الإغراءات، وقد يقع الشاب تحت وطأة إغراء أو تهديد بعض الفسقة أو الفاسقات الذين يشجعون أولادهم على إقامة العلاقات، يعني وصلنا إلى درجة من السوء أن بعض الناس عندهم عقلية غربية أو عاشوا برا أو أخذوا من الأفكار الغربية، يعيشون بين الكفار صاروا يشجعون أولادهم على إقامة هذه العلاقات، روح زور بنت الجيران وهكذا، هم يرون أن عدم الكبت بإطلاق العلاقات، ولا شك أن هذه المدارس أو الأشياء التي فيها اختلاط في بعض البلدان هذه تشجع الجامعات المختلطة، أماكن العمل المختلطة، هذه مفرخة للرذيلة وإقامة العلاقات المحرمة، وإلا لو كان الأمر حاصلاً بالتهذيب الإسلامي الذي من أسسه عدم الاختلاط بين الجنسين في أماكن الدراسة ولا في أماكن العمل ولا في غيرها فإن ذلك سيكفينا شراً كثيراً، وهذا واضح، وهؤلاء الذين يقولون: اخلطهم حتى يزول الكبت وبعدين يصير الوضع عادياً، نقول: هؤلاء الغرب اختلطوا قبلنا بزمان وفجروا فجروا، ماذا حصل؟ انتهت مشكلاتهم؟ وإلا، زادوا شقاء؟ وزادت حالات الانتحار وزادت حالات الجنون والاكتئاب.

قضايا متعلقة بالشباب

01:25:45

في نهاية هذه الكلمة أو في نهاية هذا الدرس أريد أن أؤكد على بعض القضايا المتعلقة بالشباب لدينا، وهي قضية تكوين أو إشراك الشباب في الأنشطة الإسلامية؛ لكي يكون هناك تديُّن جيد عند الشباب، لا بد أن يكونوا في بيئات، والبيئات هذه هي: حلقات تحفيظ قرآن، مراكز طيبة، جمعيات إسلامية، التوعية الإسلامية في المدارس، في المكتبات الإسلامية، وغير ذلك من الأنشطة التي تحافظ عليهم وتوجههم وتعتني بهم، ولا شك أن هناك اختلاف في الحالات بين الأبناء ولكننا نستطيع أن نوجد عناصر وشخصيات إسلامية قوية من خلال بيئات إسلامية قوية يتربى فيها هؤلاء الشباب تصقل شخصياتهم وتزيد تدينهم، والآن هناك عدة ملاحظات على علاقة عدد من الشباب بآبائهم وعلاقة عدد من الشباب بهذه الأنشطة الإسلامية فمثلاً : بعض الآباء يريد أن يرمي الولد على النشاط الإسلامي على حلقة تحفيظ أو مكتبة في مسجد أو توعية إسلامية أو الصحبة التي معه ويقول: خذوه وربوه ثم هو لا يبذل شيئاً، وهذه عملية خطيرة لا بد أن يكون هناك تعاون مشترك وكذلك فإن انتقاء الصحبة أو النشاط المناسب لهذا الولد أمر في غاية الأهمية ومتابعته عليه وعندما نبتلى بأولاد فيهم تدخين، البنت لا تريد الحجاب، الولد يطالب بدخول الدش، يريدون الذهاب إلى أقرباء بيوتهم فيها فساد، يريدون الذهاب إلى أماكن من الملاعب والملاهي فيها منكرات، هذا ما يطالب به كثير من الأولاد في البيوت، جب لي اللعبة الفلانية، وجب لي الفلم الفلاني، وربما يكون سمعه من قرين له في المدرسة، إذا ما كان هناك جيش مقابل وشيء مشغل في المقابل لا يمكن أن ينجذب ولدك من هذا الشر إلى ذلك الخير ولذلك فإن وجود عوامل جاذبة ممن هم في سنه أو قريب من سنه مسألة في غاية الأهمية، ويجب أن نكون نحن مع أولادنا في حال كسب قلب ولين كما قال واحد: أحياناً بعض الدعاة يتعاملون مع الناس بأسلوب مركز الدعوة والإرشاد، يتعاملون مع أولادهم بأسلوب هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يعني هو أراد تقريب الصورة، الفكرة: أننا ربما نجد أحياناً بعض الناس يستعملون اللين مع البعداء والشدة مع الأقرباء، وهذا خطأ، واللين في موضعه والشدة في موضعها لا أحسن منها، أحياناً الولد يريد أشياء من الدنيا؛ ساعة، ثوب، شماغ ملكي، حذاء، أكل من مطاعم ، البنت قد تريد فساتين، هذا لا أراه شيئاً، هذا ليس معصية أو عيب، الولد يريد أن يلبس، والبنت تريد أن تلبس، ويهتم الولد في البلوغ بمظهره والاعتناء بمظهره، هذا إذا وفرناه له، ليست مشكلة ولا معصية إذا كان بحدود بعيدة عن الإسراف.

لكن المشكلة عندما تعطي الأولاد أدوات محرمة وتحت الضغط والعاطفة، والولد يضغط على أمه، والأم تضغط على الأب، يأتي بالمنكر في النهاية ويرضخ لما يطلبونه  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  [التحريم: 6].

إذا نظر الولد إلى ابناء بعض المتساهلين في العوائل التي يعرفها أبوه يرى أن أباه معقداً، ولذلك مهم أن يكون هناك زيارات لأناس عندهم صدق في التدين حتى لا يرى الولد أن أباه معقد من خلال المقارنات، ونسأل الله أن يهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين ويجعلنا للمتقين إماماً.