الثلاثاء 10 رمضان 1445 هـ :: 19 مارس 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

من هدي النبوة - أسئلة


عناصر المادة
مقدمة
حال أهل السنة والجماعة آخر الزمن
التسلُّح بالعلم الشرعي للتخفيف من الغربة
الإقبال على أمر الخاصة وترك العامة

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أدّى الرسالة وبلّغ الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.

مقدمة

00:00:30

أيها الإخوة، في هذه الليلة - إن شاء الله - سنتكلم على حديث من أحاديث رسول الله ﷺ من الهدي النبوي، وهو حديث مهم في حال غربة الإسلام وفي حالة الفتنة، ولن نطيل في الكلام عليه حتى نتمكن من الإجابة على أكبر عدد ممكن من الأسئلة، التي تراكمت من المرات السابقة في هذا الدرس إن شاء الله تعالى.

حال أهل السنة والجماعة آخر الزمن

00:01:00

فأما الحديث فقد رواه الإمام أحمد بإسناد حسنٍ عن رسول الله ﷺ أنه قال: يأتي على الناس زمان يُغربلون فيه غربلةً يبقى منهم حُثالة قد مرجت عهودهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا، وشبّك بين أصابعه ، قالوا: "يا رسول الله، فما المخرج من ذلك؟ قال: تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون، وتقبلون على أمر خاصتكم وتدعون أمر عامتكم [رواه أحمد: 7049، والحاكم: 2671، والطبراني في الكبير: 5، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 4594].

فهذا الحديث حديث عظيم من أحاديث الرسول ﷺ في حال غُربة الإسلام، وفي حال ضعف الإسلام وانحساره من نفوس أبنائه ومن العالم، فإنه يجب على المسلمين في حال الفتنة والغُربة أموراً يتأكد وجوبها أكثر مما كانت واجبة عليه في نفوس أسلافهم في الماضي.

وهذا الحديث يبين بأن الناس سوف يُغربلون غربلة، ومعنى يُغربلون غربلة يعني: يقبض الله الصالح فالصالح، حتى لا يبقى على وجه الأرض إلا أهل السوء، أو أن أكثر الباقين من أهل السوء، هؤلاء أهل السوء قد مرجت عهودهم، لم يعودوا يحترمون عهداً ولا وعداً، وأماناتهم لم يعد يبقى فيهم صالح إلاً ولا ذمة، وكذلك قد اختلفوا وتشعبت بهم الأهواء وتجارت بهم كما يتجارى الكلب بصاحبه، ((فكانوا هكذا، وشبّك رسول الله ﷺ بين أصابعه)) دلالة على اختلاط الأمور والغبش في التصورات والمفاهيم واضمحلال المفاهيم الإسلامية المفهومات الإسلامية من نفوس الناس في هذه الحالة من الكربة والظلمة، ما هو المخرج؟ كان صحابة رسول الله ﷺ فيهم حرصٌ شديدٌ على السؤال عن المخرج، كانوا حريصين كما كان حذيفة عن معرفة سبيل الشر حتى يتجنب، كما كانوا حريصين على معرفة سبيل الخير، وستُنقض عُرى الإسلام عُروة عُروة، إذ نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية، إذا نشأ في بلاد المسلمين بين أبناء المسلمين من لا يعرف صور الجاهلية، ولا أشكال الانحراف، ولا الفرق الضالة التي أخبر رسول الله ﷺ عنها، ولا يعرف الباطل حتى يميزه عن الحق، ولا يعرف المنكر حتى يميزه عن المعروف، ففي هذه الحالة ستُنقض عُرى الإسلام عُروة عُروة، فلا بد كما هو الواجب علينا في معرفة الإسلام أن نعرف الجاهلية، لا بد أن تعرف بالإضافة إلى معرفة وسائل الكسب الحلال، أن تعرف طرق الربا وأشكال الربا وصور الربا حتى تتجنبه، ولا بد كذلك من معرفة أشكال الرِّشوة مثلاً وحالاتها حتى تتجنبها، لا يكفي فقط معرفة سُبُل الكسب الحلال فقط؛ لأنك إذا لم تكن على معرفة بأشكال الكسب الحرام قد تقع فيها من حيث لا تدري، لذا كان الوعي من صفات المؤمنين، كان الوعي بالواقع من صفات المؤمنين، ومعرفة التغيرات الحادثة والطارئة في أيام المسلمين هذه من الأمور الواجبة، فإن من يدفن رأسه في الرمال ويغلق عينيه عن التيارات الهدامة التي تعصف ببلاد المسلمين وأبناء المسلمين، فإنه على خطر عظيم ولن تكون النجاة فقط بمعرفة ما كتُب في الماضي، وإنما لا بد من معرفة ما يدور في الحاضر، ألم تر أن الله قال لنبيه: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55]. وكان من أهداف بعض سور القرآن فضْح مخططات المنافقين والكفار، وطرقهم وسبلهم للتخريف في هذا الدين؟ بلى.

التسلُّح بالعلم الشرعي للتخفيف من الغربة

00:05:55

ما هو المخرج يقول ﷺ لأصحابه معلّماً ولأفراد الأمة من بعده مرشداً: تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون وتُقبلون على أمر خاصتكم وتدعون أمر عامتكم  تأخذون ما تعرفون وتدعون ما تنكرون سبق أن بينا في مناسبة أخرى أنه لا سبيل لمعرفة للأخذ بما نعرف وترك ما نُنكر إلا بالعلم الشرعي، العلم الشرعي هو سلاح الإنسان المؤمن في ظلمات الجاهلية، وهو نور الله الذي يؤتيه المسلم الذي يسلُك سبيل المؤمنين، فيضيء له بين يديه الصراط المستقيم الذي يسير فيه، ويعرّفه بأحوال الفُسّاق والكفار وسُبُل الصدّ عن سبيل الله، العلم الشرعي، العلم أداة مهمة جداً الذين يعتمدون على الأشياء العصرية وينبذون العلم الشرعي.

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة هم أُولو العرفانِ
ما العلمُ نصبُك للخلاف سفاهةً بين الرسول وبين قول فلانِ
كلا ولا جحْد الصفات ونفيها حذراً من التأويل والبُهتان

[نونية ابن القيم: 226].

العلم مهم جداً، لم يأمر الله عز وجل نبيه من الاستزادة من شيء إلا العلم فقال - جل وعلا - آمرا نبيه: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]. وأما قول رسول الله ﷺ:  وتُقْبلون على أمر خاصّتكم وتدعون أمر عامتكم  فإنه إذا انحسر الإسلام وأصبح المسلمون في غُربة، فإن الناس أكثريتهم على ضلال، قال الله -جل وعلا-: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [الأنعام: 116]. ليست العِبرة بالكثرة، ليست العِبرة بالعدد الهائل والضخم، إنهم غُثاء ليس لهم وزن ولا قيمة، قال أحد السلف: "السواد الأعظم هو فلان" أبو حمزة السكري أو غيره من علماء السلف، فالسواد الأعظم لا يُعرف بالكثرة، وإنما يُعرف بمن تمسك بشرع الله، لا بد من الإقبال على أمر الخاصّة التي تهتم بأمور العقيدة الخاصّة التي تنافح عن عقيدة الله ورسوله، وتدفع عنها شُبُهات الجاهلية من تأويل المؤولين وتحريف الغالين والمبطلين التي تقدِّم العقيدة للناس صافية سهلة كما قدّمها رسول الله ﷺ بعيداً عن ظلمات الفلسفة والمنطق الزائف، تقدّم العقيدة مرتبطة بالواقع، تقدّم أسماء الله وصفاته للناس مرتبطة بحياتهم التي يعيشون فيها، لا بد من الإقبال على أمر الخاصة التي تعتني بسنة رسول الله ﷺ، فتميّز صحيحها من سقيهما، وتعتبر أن السُّنة كل مجمل ليس فيه لُب وقشور، كما أدخل المستشرقون وتلاميذهم في عقول بعض المسلمين، وتنقي السنن من البدع والشوائب التي علقت بها، فتبين أمور البدع وتفضحها للناس، لا بد من الإقبال على أمر الخاصّة التي تهتم بالعلم الشرعي، وتهتم بأقوال السلف، وتعرف الأمور بالدليل، وتبتعد عن التعصُّب المذهبي المقيت لا بد من الإقبال على أمر الخاصة التي ترى في كتاب الله وسنة نبيه ﷺ منهجاً لا يجوز العُدول عنه.

الإقبال على أمر الخاصة وترك العامة

00:10:41

لا بد من الإقبال على أمر الخاصّة التي ترى في كل مسلم يسير على منهاج سليم أخاً لها في الله، مرتبط بها برباط الإيمان الوثيق، وبرباط العُروة الوثقى، أمر الخاصة الذي لا يُغْلِق الطريق أمام أحد من أهل السنة والجماعة ممن يريد الانتساب إلى الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، مهما كان موقعه على وجه الأرض، ومهما كانت جنسيته.

أو لغته لا بد من الإقبال على أمر الخاصة، التي تختط التميز منهجاً لها، فتميز علمها عن علم الجاهلية، وصفاتها عن صفات الجاهلية وأخلاقها عن أخلاق الجاهلية وشعاراتها وملابسها عن شعارات الجاهلية وملابسهم.

لا بد من الإقبال على أمر الخاصة الذين لا يرفعون إلا شعارات أهل السنة والجماعة، أينما حلوا ووجدوا.

لا بد من الإقبال على أمر الخاصة التي لا ترضى بغير مصطلحات المسلمين سبيلاً.

لابد من الإقبال على أمر الخاصة التي تعرف بأن الدعوة إلى الله -جل وعلا- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتْم لازم وفريضة واجبة، الإقبال على أمر الخاصة التي فقِهت في أمر الدعوة ووسائلها وأساليبها وطرق تبليغها للناس وتدعون أمر عامتكم، يقول : تدعون أمر عامتكم  العامة من الناس إنما هم غوغاء، غثاء، ليس لهم وزن، وليس لهم مكانة في القْدوة والطاعة، لا تغتر بكثرة الهالكين، وعليك بقلّة السالكين، لا تستوحش من قلّة السالكين، وقد تحدّثت عن هذه الأمور بتوسُّع أكبر في درس مضى بعنوان: "معالم سبيل المؤمنين" ولعل الفرصة تُتاح لمزيد من التنقيح والزيادة وإعادة العرض في المستقبل إن شاء الله.

هذه وصية نبوية ينبغي لكل مسلم يريد النجاة بنفسه يوم الدين من معرفتها والتمسُّك بها، والبحث عن الأمور والمواصفات؛ مواصفات الفرقة الناجية، وصفات الطائفة المنصورة؛ حتى يكون من أهلها الناجين يوم القيامة، ولا أريد أن أطيل أكثر من ذلك في هذه الوصية من الهدي النبوي .