الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:
أهمية التمسك بالدين
فيا عباد الله: قد تحدثنا في الخطبة الماضية عن ظاهرة تمييع الدين التي يسعى إليها بعض المنتسبين إلى المسلمين، ويقودون فيها حرباً على التمسك بالدين، بكل صغيرة وكبيرة فيه كما أمرنا الله تعالى بأن نستمسك بجميع العرى وأن نأخذ بجميع الشرائع والأحكام كما قال : ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةًسورة البقرة208 أي: تمسكوا بجميع شعب الإسلام، وشعب الإيمان، تمسكوا بها، وهؤلاء يريدون أن يميعوا هذه الأحكام، وأن يحذفوا أشياء مما لا تروق لهم، وأن يجعلوا هذا الدين ثوباً فضفاضاً يفصلونه كيف يشاؤون، ويتسع عندهم لك شيء يلبسوه به سواءً كان حقاً أم باطلاً.
دوافع تمييع الدين
إن مما دفع إلى اتخاذ هذا التمييع أيها الإخوة قضية خطيرة نادراً ما ينجو منها الواحد منا ألا وهي الانهزامية وضغط الواقع على الإنسان المسلم، وعندما نظر بعض هؤلاء إلى الواقع وما فيه، وتسلط الكفار على المسلمين وهيمنتهم وسيادتهم في العالم بزعمهم، فإنهم تحت هذا الضغط صاروا يقدمون التنازل تلو التنازل، والفتاوى الشاذة باسم الواقع وظروفه، ويفصلون من الإسلام فستاناً يناسب الذوق الغربي، وكأن الواقع صار عندهم مصدراً من المصادر التشريعية، كأنهم قالوا: مصادر التشريع: القرآن، والسنة، والقياس، والإجماع، والواقع، ولا تخلو هذه الانهزامية من نظرة انبهار للغرب ولما عندهم، ولا تخلو هذه الانهزامية وهذا المنهج في التمييع من التأثر بقادة الانحلال الفكري في المسلمين.
إنه تأثر بمنهج المنحرفين أمثال سلامة موسى وطه حسين حيث يقول الأول: كلما ازددت خبرة وتجربة توضحت أمامي أنه يجب علينا أن نخرج من آسيا وأن نلتحق بأوروبا، فإني كلما زادت معرفتي بالشرق زادت كراهيتي له، وشعوري بأنه غريب عني، وكلما زادت معرفتي بأوروبا زاد حبي لها وتعلقي بها، شعوري بأنها مني وأنا منها، هذا هو مذهبي الذي أعمل له طول حياتي سراً وجهرةً، فأنا كافرٌ بالشرق مؤمن بالغرب.
ثم يقول: الرابطة الشرقية سخافة، فما لنا ولهذه الرابطة الشرقية، وأي مصلحة تربطنا بأهل جاوه، وماذا ننتفع بهم، وماذا ينتفعون بنا؟ إننا في حاجة إلى رابطة غربية.
ثم يقول: وما الفائدة من تأليف رابطة مع الهندي أو الجاوي.
ما هو المقصود أيها الإخوة بهذه العبارات؟ قطع الصلات بين المسلمين، وتدمير القاعدة الإسلامية في أن المؤمنين إخوة، وأن الإسلام يوحد بين الأجناس على هدي الدين، فإذا أسلموا صاروا سواء، أليس هذا مما نعرفه قطعاً من دين الإسلام، أن الكل سواء في الإسلام.
أيها الإخوة: إن هؤلاء يريدون أن يجعلوا نسباً بين المسلم والكافر ويقطعوا نسب المسلم بأخيه المسلم، هذه هي الحقيقة؛ لأجل الهزيمة التي يحسون بها، يريدون الانبتات والانقطاع عن الإسلام وأهله، والارتباط بالغرب وأهله.
ويقول طه حسين في السبيل للخروج من الهزيمة التي نعيشها، يقول: السبيل إلى ذلك واحدة وهي أن نسير سير الأوروبيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أنداداً، ولنكون لهم شركاء في الحضارة، خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يعاب.
إذن لا بد أن نسير سير الغربيين، ونأخذ بكل شيء بما يحب وما يعاب، أن نأخذ بذلك كله.
هذه هي الفلسفة التي يقولون بها، فتأثر بها هؤلاء حتى جعل واحد منهم أيها الإخوة قاعدة أصولية عجيبة، ماذا يقول: شرع المتقدمين علينا حضارياً شرع لنا.
عند المسلمين قاعدة يناقشها علماء الأصول، هل شرع من قبلنا شرع لنا أم لا؟ هل شرع موسى أو شرع عيسى شرع لنا أم لا؟ وقالوا: بأن شرع من قبلنا شرع لنا إذا لم يرد له ناسخ في شرعنا أو لم يتعارض مع شرعنا. قال به بعض علماء الأصول؛ لأن النبي ﷺ قيل له في القرآن: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْسورة الأنعام90، فقالوا: شرع من قبلنا من الأنبياء إذا لم ينسخ في شرعنا ولم يتعارض معه شرع لنا.
فماذا قال هذا الأصولي الحديث؟ شرع المتقدمين علينا حضارياً شرع لنا.
إذن: شرع الكفار هو شرع لنا، أرأيتم خطورة هذه العبارة أيها الإخوة، ماذا يدندن حوله هؤلاء؟ أن تصير طريقة الكفار هي طريقتنا، وأن نهتدي بهديهم، ونسير على منوالهم، والنبي ﷺ قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر، وذراعا بذراع، حذرنا من ذلك، وقال: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، وهذا عين ما قاله طه حسين، حلوها ومرها، ما يحب وما يعاب، أن نسير على طريقتهم، والنبي ﷺ حذر وقال: حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه[رواه أحمد 10641].
إن الله تعالى قد حذر نبيه ﷺ من التأثر بضغوط الكفار وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاَّتَّخَذُوكَ خَلِيلاًسورة الإسراء73كادوا أن يفتنوك لتفتري علينا غيره، تحت ضغطهم وضغط واقعهم، ولكن الله ثبته، وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاًسورة الإسراء74، لو قليلاً هذا حصل ما الذي سيكون؟ إِذاً لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِسورة الإسراء75، لجاءك العذاب مضاعفاً.
أمثلة من تمييع الدين
أيها الإخوة: طريقة الدين واضحة متميزة، ليس لنا نسب مع أولئك القوم، بل إن الله لا يرضى لعباده الكفر، بل إن الله أمرنا بمقاتلتهم عند القدرة والاستطاعة لا بد من ذلك.
ثم قام هؤلاء يجارون الغربيين، انظر في الأطروحات التي تسمعها صباح مساء، ما هي السيرة عند هؤلاء المستنيرين العقلانيين بزعمهم، وليس لهم من العقل نصيب؛ لأن العقل الصحيح الصريح لا يعارض ما جاء عن الله ورسوله، لكن عقول مريضة ثم ينتسبون إلى العقل بزعمهم، هزيمة تلو هزيمة، تراجعات تحت ضغوط الكفار، لما اعترض الغربيون على أحكام الجهاد، ماذا قال هؤلاء المنهزمون؟ قالوا: مالنا وللجهاد يا سادة، نعوذ بالله من الهمجية، ولما اعترض الغربيون على الرق قال هؤلاء: إنما هو حرام عندنا أصلاً، فيحرمون ما أحل الله، والله حكيم لما جعله وسنه وشرعه ولا يستطيع أحد أن يلغي شرع الله تعالى، ولما أطال هؤلاء الغربيون وأذنابهم لسان القدح في تعدد الزوجات جاء هؤلاء المنهزمون ينسخون بضلالهم وجهلهم آيات القرآن ويحرفون الكلم عن مواضعه، ويقولون: لا تعدد في الدين، وإنه لا يمكن العدل وإذن لا يمكن التعدد، لا يمكن لا يجوز التعدد، وخلطوا الأمور، وقلبوا لك الأمور لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَسورة التوبة48 خلطوها ببعضها، لا يمكن العدل في المحبة القلبية، لكن يمكن العدل في المبيت والنفقة، وليس الإنسان مطالباً المسلم بأن يعدل في المحبة القلبية، والنبي ﷺ كان يحب عائشة أكثر من بقية نسائه، ومع ذلك تزوج أكثر من واحدة، ولم يكن ظالماً ﷺ إطلاقاً، إذن لن تعدلوا في المحبة القلبية، ولكن إذا عدلتم في المبيت والنفقة فتزوجوا مثنى وثلاث ورباع.
ولما قال الغربيون: لا بد من مساواة الرجل بالمرأة في جميع نواحي الحياة، وافقهم هؤلاء المنهزمون، وقالوا: هذا هو الذي ينادي به ديننا ويدعو إليه، ولذلك رفضوا مبدأ أن تكون المرأة غير متولية للولايات العامة كما قال بذلك أهل الإسلام، استناداً على حديث النبي ﷺ: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[رواه البخاري4425]، ولذلك لا تتولى المرأة ولاية عامة في المجتمع الإسلامي، لا خلافة ولا وزارة ولا قضاءً، لماذا؟ لأنها لا يمكن أن تقوم بحجابها المفروض عليها وتحريم الخلوة المفروض، والحيض والنفاس الذي هو من طبيعتها، وضعف عقلها مقابل قوة عاطفتها، لا يمكن أن تقوم بولاية عامة، ولو وجد لذلك حالات شاذة، فإن الدين لا يبنى على الشواذ، وليس الحالات الشاذة قاعدة أصلاً.
ولما قام هؤلاء بالهجوم على الحدود الشرعية وقالوا: إنها همجية في رجم الزاني المحصن، وقطع يد السارق، ونحو ذلك قام هؤلاء يوافقون الغرب ويقولون: لا رجم في الإسلام، ويقولون: إن إنزال الحد لا يتفق مع روح القرآن، وإن تحويل المجتمع إلى مجموعة من المشوهين لا تريده الشريعة، وهذا في الحقيقة استهزاء بحدود الله تعالى، ولذلك فإن هؤلاء أذناب الغرب المنهزمين من أبنائنا يقولون بعدم معاقبة المرتد وينكرون حد الردة، وينكرون رجم الزاني المحصن، وليس على شارب الخمر حد معين عندهم، ويجوز للمرأة المسلمة أن تتزوج باليهودي والنصراني؛ لأن هناك ضغط من الخارج: يقول: لماذا تفرقون؟ لماذا ليس عندكم مساواة، أين العدل؟ نريد، لماذا لا تتزوج المسلمة يهودي أو نصراني، فلتتزوج، فقال هؤلاء بجواز الزواج وقرروه، والله تعالى قال في كتابه العزيز: لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّسورة الممتحنة10، وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْسورة البقرة221، لا تزوج ابنتك ولا أختك إلى مشرك، وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْسورة البقرة221 فقال هؤلاء: بلى يجوز أن تنكحه، عاندوا الشريعة، وخرجوا عن أحكام الدين، وكذبوا بشرع الله تعالى، وعاندوا أحكامه، كل ذلك تحت مطرقة الضغط، تحت الضغوط تأتي الانهزامية، وتقدم التراجعات، ويقال: الإسلام دين سماحة، وليس دين جهاد ولا دين حدود، تنسف الأشياء هكذا، يريدون إلغاءها بجرة قلم، انهزام أمام الكفرة، أين عزة المسلم، أين عزة المسلم الذي يفتخر بشريعته، أين عزة المسلم الذي يرى أن هذه القوانين الغربية تتهاوى وتسقط وتثبت فشلها يوماً بعد يوم.
إن الشريعة أيها الإخوة مفخرة للمسلمين، مفخرة، ولا يمكن إنقاذ العالم من الظلم إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية.
إن تهمة الجمود قد ألصقها هؤلاء بفقهاء المسلمين والسلف الصالح، قالوا: هؤلاء – أي السلف الصالح- نصيون حرفيون، انظر للسب للسلف، يقولون: السلف نصيون حرفيون، أهل نصوص، جامدون، ونحن نريد أن نحرر هذا الجمود، وأن نطلق الحرية للاجتهاد ومناسبة الواقع، ولذلك قال واحد منهم: ضعوا من المواد ما يبدوا لكم أنه يوافق الزمان والمكان، أي العصر الحاضر، وأنا لا يعوزني بعد ذلك أن آتيكم بنص من المذاهب يطابق ما وضعتم. فإذن تحت الضغط يحدث التراجع.
ولما عاب بعضهم على الإسلام أنه يعادي ما يسمونه بالفنون الجميلة، كالموسيقى ونحت التماثيل، والتصاوير، والرقص، وغير ذلك، قام هؤلاء المنهزمون منا يقولون: كلا، بل إن الإسلام يحتضن هذه الفنون، ويشجع عليها، ويحض عليها، وأنه يقر الرقص والموسيقى والتصوير والغناء ونحت التماثيل.
من الذي سماها فنون جميلة؟ أليس أولئك الكفرة، أليست عندنا فنوناً قبيحة، أليس النبي ﷺ قال: كل مصور في النار[رواه مسلم2110]، أليس يقال لمن صنع تمثالاً من ذوات الأرواح يضاهئون خلق الله يقال لهم يوم القيامة: احيوا ما خلقتم. أليس النبي ﷺ قد أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ولا كلب[رواه النسائي4281]من صور ذوات الأرواح، لا يجوز إلا ما اتخذ للحاجة كالإثباتات وتتبع المجرمين وغير ذلك من الحاجات والضرورات، وأما التزيين فلا يجوز بذلك أبداً.
وكذلك رقص النساء أمام الرجال، ومخاصرتهم، وكذلك الموسيقى التي حرمها الإسلام؛ لما تسبب من الإدمان والصد عن ذكر الله، لا تجتمع الألحان مع قراءة القرآن في جوف عبد، لا يمكن.
أيها الإخوة: إن هذه الانهزاميات تدلنا بوضوح على مقدار ما وصل إليه القوم من الانحراف، مما يوجب على أبناء المسلمين أن يكونوا في غاية الوعي لمثل هذه الدسائس.
وقال بعضهم يوصي الدعاة إلى الله، وصية عجيبة للغاية، صاحب كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث: وأوصي الدعاة الذين يذهبون إلى كوريا أن لا يفتوا بتحريم لحم الكلاب فالقوم يأكلونه وليس لدينا نص يفيد الحرمة، ولا نريد أن نضع عوائق أمام كلمة التوحيد.
سبحان الله "ليس لدينا نص يفيد الحرمة" أولئك يأكلون الميتة أليس كذلك؟ ويأكلون الخنزير أليس كذلك؟ إذن لا نفتي بتحريم الخنزير حتى لا نضع عائقاً أمام كلمة التوحيد، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِسورة المائدة3، والنبي ﷺ قطع بتحريم ذوات الأنياب، وذوات المخالب، والكلب من أي قسم؟ ما بال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً.
فرق أن يؤجل الداعية الإخبار بالحكم، يؤجله ويبدأ بالأساسيات، يبدأ بالأمور العقدية، لكن أن يفتي بإباحة لحم الكلاب تطميناً لأولئك القوم؛ لأنهم يستلذون به ويحبونه، واعجباً أيها الإخوة، نعم نحن لو دعونا بوذياً يأكل الكلاب ما نبدأ معه بتحريم لحم الكلاب، نبدأ معه بلا إله إلا الله، نبدأ معه بكلمة التوحيد والدعوة للإسلام، عندنا ستة في أركان الإيمان ندعوه إليها، وخمسة في أركان الإسلام ندعوه إليها، وبعد ذلك إذا استوى دينه وإيمانه أخبرناه بتحريم الميتة والخنزير والخمر ولحم الكلب وغيرها، أما أن نفتيه بإباحة ذلك، إن ذلك ضلال مبين، إن ذلك تحريف للكلم عن مواضعه.
ويقول هذا المنهزم أيضاً: إننا لسنا مكلفين بنقل تقاليد عبس وذبيان إلى أمريكا وأستراليا، إننا مكلفون بنقل الإسلام فحسب، وإذا ارتضوا أن تكون المرأة حاكمة أو قاضيةً أو وزيرة فلهم ما شاؤوا.
إذا كانوا كفار فليس دون الكفر شيء فليفعلوا ما شاؤوا، كما قال الله تعالى: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْسورة فصلت40، مهدداً وموعداً متوعداً، لكن أن نقول نحن: يجوز في شرعنا، نقول: اطمئنوا يا دعاة مساواة المرأة بالرجل، اطمئنوا، يجوز في شرعنا أن تتولى المرأة الولاية العامة، ونخالف النص الصحيح الذي رواه البخاري عن ابن عمر عن النبي ﷺ لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[رواه البخاري4425]، أن نخالف ذلك وما جرى عليه عمل الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم أئمة المسلمين وعلماؤهم بعدم ذلك وعدم جوازه، ونقول: يجوز ذلك انهزاماً أمام الكفرة! لماذا أيها الإخوة؟ من أجل عيون الكفرة نتنازل عن شرعنا، أيهما أغلى عندنا شريعتنا أم الكفرة؟ واحد من اثنين، أيهما أغلى عندنا، هذه هي القضية الخطيرة، أيهما تقدم؟ ما هي الأولويات لديك، لماذا هذا التمييع؟ أمن أجل عيونهم عيون الكفرة نميع ديننا؟
وقال واحد من القوم: لولا حكاية القرآن لآيات الله التي أيد بها موسى وعيسى عليهما السلام لكان إقبال أحرار الإفرنج عليه – يعني على الإسلام- أكثر، واهتداؤهم به أسرع وأعم. ماذا يقصد؟ معجزات القرآن، المعجزات النبوية، عصا موسى، وماذا؟ وما قيض الله لعيسى من المعجزات في شفاء المريض وإحياء الميت بإذن الله.. إلى آخره، قال: هذه عوائق لو لم تكن موجودة في القرآن كان الكفار أسلموا أسرع، سبحان الله، من أجل حفنة من هؤلاء الإفرنج تصل الانهزامية بنا إلى حد أن نتمنى أن الله لم يذكرها في القرآن؟
تباهي الغربيين بما لديهم
أيها الإخوة: القضية خطيرة جداً، ولما قام هؤلاء الغربيون يتباهون بما لديهم من الأنظمة كالديمقراطية والاشتراكية قام هؤلاء المنهزمون يقولون: عندنا في الإسلام نفس الشيء، الشورى، الديمقراطية هي هي الشورى، سبحان الله، مولود مشوه ولد من رحم الغرب الكافر الديمقراطية أو الاشتراكية، ما ولد من رحم الغرب الكافر يساوي ما أنزله الله الحكيم العليم الخبير من فوق سبع سماوات في هذا القرآن الحكيم، في هذا القرآن الكريم المجيد على النبي محمد ﷺ، هذا يساوي هذا؟ وهذا تطبيقه هو هذا؟ عجباً!! كيف تستوي هذه الأمور؟ أين الشورى التي فيها أهل الحل والعقد والعلم والعقل من تلك الديمقراطية التي ينتخب فيها الخمار والسكار والحشاش والزاني والمعتوه والبليد والسفيه أصوات متساوية مع العاقل والعالم عندهم، أي عقل لديهم في هذا؟ ثم أي عقل لدى هؤلاء الذين يقولون: إن الإسلام أخوة في الدين واشتراكية في الدنيا، ويقولون: اشتراكية الإسلام، وقال بعضهم في كتابه يدافع عن الإسلام بزعمه: إن أبا ذر كان اشتراكياً، وإنه استقى نزعته الاشتراكية عن الرسول ﷺ، هذا هو الافتراء والله، هذا هو الافتراء أيها الإخوة، وهكذا يريدون أن يقولوا: إن المبادئ الغربية موجودة في الإسلام. نعم إن الإسلام قد أقر ما كان في الجاهلية من الخير، وحلف الفضول لما كان مضمونه رفع الظلم عن المظلوم أقره النبي ﷺ، وأخبر بعد البعثة أنه سر بحضوره، لكن أن نأخذ كل ما فصله القوم وما انتقوه وما اختاروه ونقول موجود عندنا لنطمئن الغربيين؟ سبحانك هذا بهتان عظيم.
صفات أصحاب التمييع
وبالجملة أيها الإخوة يتصف هؤلاء بصفات واضحة، الله ذكر لنا صفات المنافقين في القرآن لنحذرهم، ونحن لا بد أن نذكر صفات هؤلاء لنحذرهم: تقديس العقل، وتقدم العقل على النقل، الطعن في السلف الصالح وأنهم حرفيون ونصيون، ولا يراعون الواقع، التأثر بالضغوط والانهزامية واللين مع أعداء الله، والشدة على أولياء الله، التعالم، تحريف القرآن بما يخدم أهواءهم، رد ما شاؤوا من الأحاديث النبوية، ضرب العقل بالنقل، تتبع زلات العلماء وسقطاتهم، تمجيد الفرق الضالة، هدم الحواجز بين المسلمين ومن خالفهم، التلاعب بالمصطلحات والكذب والتحايل، والتعجل في إصدار الأحكام والفتوى بغير علم، هذه سماتهم.
نسأل الله أن يعز دينه، نسأل الله أن يعلي كلمة الدين وأن ينصر من نصر الدين، وأن يخذل من خذل المسلمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحكام الحج والأضحية
عباد الله: إن موسم الحج قد اقترب ويجب على كل مسلم قادر بالغ قد استوفى الشروط أن يحج بيت الله الحرام، وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَسورة آل عمران97، وقال النبي ﷺ: عجلوا الخروج إلى مكة فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له من مرض أو حاجة[رواه البيهقي8695]، ولا يجب على الإنسان المسلم أن يستدين للحج، فإذا تمكن منه حج وإذا لم يتمكن أجله حتى يستطيعه، وكذلك كل معذور من مريض وامرأة مرضع أو حامل وغيرها من أهل الأعذار لهم أن يؤجلوا ذلك حتى يزول العذر، وإذا حج الإنسان على نفقته أو على نفقة غيره فإن حجه مجزئ ولا حرج عليه، ومن وجب عليه الحج وأمكنه أن يفعله لا بد أن يبادر إليه فوراً ولا يجوز التأخير، وبعض الناس يتوهمون أنه إذا حج ولم يضحى عنه فإن حجه ناقص وهذا لا صحة له، وبعضهم يربط بين الحج وقضاء صيام رمضان، وهذا الربط غير صحيح أيضاً، وإذا كان الإنسان مطالباً بدين قدَّم قضاء الدين على الحج ولا حرج عليه في ذلك، فإذا سمح له صاحب الحق وأجله وأخره لما بعد الحج فعل ذلك وكتب الدين في وصية وذهب للحج، وأما أهل البلدان من غير الحجاج فإنهم سيشاركون الحجاج في بعض الأحكام أجراً لهم ومواساةً لهم في أحكام الحج، فقد قال النبي ﷺ: من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي[رواه مسلم1977]، إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئاً، فهذا يدل على النهي، وظاهره التحريم عن أخذ شيء من الشعر، والأظفار، والبشرة لكل من أراد الأضحية ابتداءً من أول ليلة الواحد من ذي الحجة، فإذا عرفنا دخول ذي الحجة فمن تلك الليلة يمتنع المسلم عن هذه الأشياء إذا كان عنده أضحية أو نواها، وكذلك فإن أهل الإنسان من الزوجة والأولاد لا يجب عليهم الالتزام بهذا الحكم، وإنما الذي يلتزم هو الذي بذل الثمن، وهو الذي نوى وأراد الأضحية سواءً ذبحها بنفسه، أو وكل غيره، وتوكيله لغيره لا يخرجه عن هذا الحكم، وعلى أية حال فإن الأضحية صحيحة ولو خالف، ولكن المخالفة فيها إثم، ينبغي للمسلم أن يتورع عنه، ويجب عليه ذلك.
وكل من صار له حاجة في أخذ شيء من الظفر كما لو انكسر، أو احتاج لحلاقة شعر لجرح أو غيره فلا بأس به، ولما كان المضحي مشابهاً للمحرم بفعل بعض أحكام النسك وهو الذبح، فالهدي للحاج، والأضحية للمسلم في البلد شاركه في بعض أحكام محظورات الإحرام، وأما بالنسبة لهذه الأضاحي فإن استسمانها واستحسانها من شعائر الدين، وسنأتي على ذلك في الخطبة القادمة بإذن الله تعالى، أو التي بعدها في هذه المسألة.
وأما شهر ذي القعدة فإذا لم نعلم انقضاءه بدخول ذي الحجة أكملناه ثلاثين يوماً، وامتنعنا بعده لمن أراد أن يضحي.
وكذلك فإن الذين يشتركون بأضحية عن ميتهم مثلاً يلزمهم ذلك الحكم، والمضحي يجوز له الطيب والجماع، ولبس المخيط وغير ذلك، وإنما الذي يحظر عليهم الأخذ من الشعر والأظفار والبشرة فقط، ولعلها تكون فرصة لاتباع السنة وللمداومة عليها في إطلاق اللحية وغيرها.
أيها الإخوة: إن الحاج ليس عليه أضحية، وإنما عليه الهدي إذا كان متمتعاً أو قارناً وبناء عليه فإن الحاج إذا كان له هدي وليس له أضحية فإنه لا يلزمه هذا الحكم من أول ذي الحجة، بل إنه يمتنع عن الأخذ من الشعر والأظفار وغيرها إذا أهل بالإحرام، وأما من ترك أضحية في البلد، وأراد أن يذهب للحج ويهدي هناك فيلزمه ذلك الحكم من أول الشهر حينئذ.
نسأل الله أن يرزقنا فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين إنه سميع مجيب قريب، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر من نصر الدين، اللهم انصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، اللهم ارفع الظلم عن المستضعفين من المسلمين، اللهم إنا نسألك العون لهم يا أرحم الراحمين، اللهم إنا نسألك الأمن في البلاد، والنجاة يوم المعاد، اللهم ثبت علينا الأمن والإيمان، من أراد بلدنا هذا بسوء فاجعل كيده في نحره، اللهم إنا نسألك أن تغفر لنا ذنوبنا، وتكفر عنا سيئاتنا، اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.