السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الاستشارة في حياة المسلم 1


عناصر المادة
أهمية الحديث عن الاستشارة
نقاط الاستشارة
تعريف الاستشارة
الأدلة على الاستشارة
فوائد الاستشارة
مجالات الاستشارة
صفات المستشار
من الذي يستشير؟
كيفية الاستشارة
هل يستشير بعد معرفة الصواب؟

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة: أحييكم، وأقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وأحمد الله أن جمعني وإياكم في هذا المكان حمدا على هذه النعمة، وهي: نعمة التقاء الأخ بإخوانه في الله للتذاكر والتناصح، ونسأل الله أن يكون مجلسنا هذا مجلس خير، وأن يجعلنا من المقبولين عنده إنه سميع مجيب.

حديثي إليكم عن موضوع بعنوان: "الاستشارة في حياة المسلم".

أهمية الحديث عن الاستشارة

00:01:13

وأهمية هذا الموضوع -أيها الإخوة- في عدة نقاط منها: أن هذا أدب إسلامي عظيم حصل فيه نوع من التفريط بين المسلمين، وهذا الأدب يعكس جوانب من عظمة هذا الدين في ترابط أفراد المجتمع الواحد المجتمع الإسلامي.

وهو كذلك مهم في ضبط الأمور ومنع الفوضى التي قد تحصل نتيجة لبعض الآراء التي لا تكون ضمن الطريق الصحيح. وكذلك تمنع حدوث كثير من الكوارث الفكرية وغيرها نتيجة بعض الآراء الشاذة التي لا تخلو منها بعض أذهان الناس.

نقاط الاستشارة

00:02:24

وسيكون حديثي مركزاً حول نقاط، وهي ما هي الاستشارة؟ يعني تعريف الاستشارة، لماذا نستشير؟ أقصد أهمية الاستشارة، أين نستشير؟ يعني ما هي مجالات الاستشارة؟ من نستشير؟ ما هي صفات المستشار؟ من الذي يستشير؟ وكيف نستشير؟ ومتى نستشير؟ وأخيراً: ما هي موانع الاستشارة.

تعريف الاستشارة

00:03:02

أما بالنسبة للتعريف، فالاستشارة مأخوذة من قول العرب: "شرت الدابة وشورتها" إذا علمت خبرها بجري أو غيره.

وشرت الدابة إذا امتحنتها فعرفت هيأتها في سيرها.

وشرت العسل إذا أخذته من مواضع النحل.

وهذا يبين لك الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الذي نقصده في حديثنا، فكونك تشور الدابة، يعني تختبرها، وكونك تشور العسل يعني تريد الصفاء والنقاء في العسل بأخذه من مواطنه الأصلية.

ومعنى قولهم: شاورت فلانا، أي أظهرت ما عندي وما عنده.

وهذه السين والتاء في بداية الكلمة: "الاستشارة" هي للطلب، يعني طلب المشورة من الآخرين.

الأدلة على الاستشارة

00:04:08

وأما الأدلة على هذا؛ فمنها: قول الله : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ  [آل عمران: 159].

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "لا غنى لولي الأمر عن المشاورة فإن الله تعالى أمر بها نبيه ﷺ فقال: وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ .

وقد قيل: إن الله أمر بها نبيه لتأليف قلوب أصحابه، هذا واحد، وليقتدي به من بعده، هذا الثاني، وليستخرج به منهم الرأي فيما لم ينزل فيه وحي من أمر الحروب والأمور الجزئية، قال النووي -رحمه الله-: إذا أمر الله بها النبي ﷺ مع أنه أكمل الخلق فما الظن بغيره.

وقد مدح الله –سبحانه- من عمل بها في جميع أموره، قال تعالى: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [الشورى: 38].

وهذا من الثناء على المؤمنين وكانت العرب قديماً كان ساداتهم إذا لم يشاورا في الأمر شق عليهم، فأمر الله -تعالى- نبيه ﷺ أن يشاورهم في الأمر فإن ذلك أعطف لهم عليه وأذهب لأضغانهم وأطيب لنفوسهم، فإذا شاورهم عرفوا إكرامه لهم.

وأما الآيات التي أثنى الله فيها على المؤمنين ومن ضمن الصفات التي مدحهم بها: قضية المشورة، فقول الله : وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ * وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  [الشورى: 36 - 38].

وقال ابن القيم -رحمه الله- في الزاد مبيناً هديه ﷺ في هذا الجانب قال: واستشار رسول الله ﷺ في أحد أصحابه، أيخرج إليهم يعني إلى الكفار أم يمكث في المدينة، وفي معرض سياقه لغزوة الخندق، قال: فلما سمع رسول الله ﷺ بمسيرهم إليه استشار الصحابة فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر خندق يحول بين العدو والمدينة فأمر رسول الله ﷺ فبادر إليه المسلمون، وعمل بنفسه فيه.

وكذلك في غزوة الحديبية كان من ضمن الدروس التي استنبطها ابن القيم -رحمه الله- في هذه الغزوة استشارة الإمام لأصحابه.

وأصحاب رسول الله ﷺ عمدوا إلى تطبيق هذه السنة والالتزام بهذا الأدب الإسلامي العظيم فتجد أن أبا بكر الصديق قد شاور الصحابة في أمور المرتدين وتسيير البعوث والجيوش وغيرها.

وكذا عمر بن الخطاب كان له مجلس مشورة خاصة، وكان في هذا المجلس الشباب والشيوخ كما سنبين بعد قليل.

ومن الأمثلة على استشارة عمر : ما ورد في صحيح الإمام مسلم لما خرج إلى الشام لقيه أهل الأجناد أبو عبيدة وأصحابه فأخبروه أن الوباء الطاعون قد وقع في الشام قال ابن عباس: فقال عمر: ادع لي المهاجرين الأولين؟ فدعوتهم فاستشارهم، وأخبرهم أن الوباء قد وقع في الشام، إلى آخر الحديث الذي فيه قصة عبد الرحمن بن عوف المعروفة [رواه البخاري: 5729 ومسلم: 2219].

وأنت -يا أخي- إذا أردت أن تستدل أو تعرف مدى أهمية أمر من الأمور عند السلف أو عند علماء المسلمين فإنك من الأشياء التي تستدل بها على هذا هل عقد المصنفون مثل أهل الحديث مثلا في كتبهم أبوابا خاصة لهذا الأمر أم لا؟ هل أفردوه بأبواب أو كتب في مصنفاتهم؟

فإذا كانوا قد أفردوا هذا الأمر فهذا دال على أهميته؛ لأنه لو لم يكن مهماً جداً لما أفردوه ولجعلوه ضمن شيء من الأبواب أو جعلوه شيئا جزئياً في داخل المصنف.

ولكن أن ترى الإمام البخاري مثلاً يخصص أبواباً في كتابه للمشورة، ويقول في أحدها: "وكان الأئمة يستشيرون الأمناء" [صحيح البخاري: 9/113].

وترى أبا داود -رحمه الله- يقول في سننه: "باب في المشورة" [سنن أبي داود: 4/333].

وترى الترمذي -رحمه الله- يقول أيضاً في سننه: "باب ما جاء في المشورة" [سنن الترمذي: 4/213].

وغير هؤلاء تراهم قد عقدوا أبواباً خاصة فإنك لا بد أن تستدل بذلك على أن لهذا الأمر أهمية، ولذلك أفردوا له هذه الأبواب والكتب في مصنفاتهم.

فوائد الاستشارة

00:09:41

والسؤال الآن لماذا نستشير؟ ما هي أهمية الاستشارة؟

أولًا: اتباع الأثر، نحن المسلمون نتبع ونقتفي آثار من مضى: "عليكم بأمر العتيق".

ونحن أيضاً ننفذ ما أمرنا الله به ورسوله ﷺ، فإذا قال الله لرسوله:  وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ  [آل عمران: 159].

وكان رسول الله ﷺ قدوة لنا فماذا يعني؟ يعني أن نقتدي به ﷺ في المشورة.

وإذا كان الله أثنى على المؤمنين بقوله: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ  [الشورى: 38]، ونحن من ضمن المؤمنين.

فإذاً لا بد أن نطبق هذه المسألة.

أضف إلى ذلك أن هذا التطبيق فيه أجر التنفيذ لهذا الأمر الوارد.

وإذا تشبهنا بالمؤمنين وبخصالهم فنحن سنكون منهم إن شاء الله.

والفائدة الثانية بالإضافة إلى التطبيق والأجر الحاصل: استنباط الصواب، فإن من أعز الأشياء أن تهتدي إلى الأمر الصحيح، من أعز الأشياء أن تهتدي إلى الحق، أن تهتدي إلى الصواب، أنت ماذا تريد وعما تبحث ألست تبحث عن الصواب في الأمر الذي أنت تحتار فيه والذي تريد أن تقدم عليه؟

عن الحسن قال: "والله ما استشار قوم إلا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثم تلا: وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ  [الشورى: 38].

وينبغي أن تكثر -أيها الأخ المسلم- من استشارة ذوي الألباب لا سيما في الأمر الجليل، فقلما يضل عن الجماعة رأي أو يذهب عنهم صواب؛ لأن إرسال الخواطر الثاقبة وإجالة الأفكار الصادقة، هذا هو الذي يجعلك تصل إلى الصواب.

ومن أكثر المشورة لم يعدم الصواب، والخطأ إلى الجماعة أبعد من الخطأ إلى الفرد.

الفرد احتمال أن يخطئ أكثر من أن تخطئ جماعة من الناس.

والفائدة الثالثة: اكتساب الرأي، الإنسان إذا شاور وحاور وتناقش وطلب الأمر وقلبه على وجوهه فإن هذه المناقشة مع الآخرين تكسبه رأياً، توسع مداركه، تجعله يعرف من أين تؤتى الأمور، ما هي طريقة تفكير فلان وفلان وفلان، ويعرف أن فكره قد انصرف إلى جانب معين، وأن هناك جوانب أخرى فتتوسع مداركه، يكتسب طرقاً في التفكير لم يكن ليهتدي إليها لولا الاستشارة.

وقال بعض الحكماء: نصف رأيك مع أخيك، فشاوره ليكمل لك الرأي.

خليلي ليس الرأي في صدر واحد أشيرا علي بالذي ترياني

 ومن حق العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذ الواحد ربما زل، والعقل الفرد ربما ضل، ولكن عندما تجتمع العقول تصل إلى المأمول.

وروي عن بعض السلف: الرأي الفرد كالخيط السحيل، الخط الرقيق الذي سرعان ما ينقطع، والرأيان كالخيطين المبرمين أقوى قليلاً، لكن ما زال، والثلاثة مرار وهو الحبل المفتول، لا يكاد ينتقض.

والمستشير الحازم يزداد برأي الوزراء الحزمة كما يزداد البحر بمواده من الأنهار.

ورابعاً: من فوائد الاستشارة: أنك تتحصن من الوقوع في الخطأ والزلل باستشارتك، قال حكيم لابنه: "شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء، وأنت تأخذه مجاناً".

الله أكبر على هذه الحكمة، الآن الشاب في مقتبل عمره تجاربه محدودة وقليلة، وحتى يكتسب التجارب فإنه يحتاج  إلى وقت وإلى جهد، وربما يقع في أخطاء كثيرة حتى يصل في النهاية إلى الرأي الحكيم، وإلى الصواب في أمر من الأمور، عندما يذهب إلى شيخ ومجرب وإنسان قد عركته الحياة فإنه يأخذ من هذا الشيخ الخلاصة التي توصل إليها هذا الشيخ، الشيخ هذا يكون قد توصل إلى الحكمة والتجربة، الخلاصة، الصواب، دفع كثيراً من الجهد والوقت حتى وصل إليه بالغلاء، وأنت تأتي وتأخذه بالمجان، فانظر إلى عظم هذه الاستشارة وعلو موقعها.

والخامس من فوائد الاستشارة: أنها حرز من الملامة، الآن لو واحد فعل أمراً من الأمور ثم تبين له أن هذا الأمر خطأ وظهرت النتائج عكسية ونتائج سيئة، وفشل، ماذا سيقول له الناس؟ لماذا ما شاورت؟ أنت مخطئ، أنت، أنت، وتوجه إليه سهام الانتقاد من كل جانب، ويلام، لكن عندما يكون هذا الشخص قد استشار مجموعة من الناس الحكماء والخبراء ثم يخطئ وتكون النتيجة عكسية هل سيلومه الناس؟

لا يلوموه؛ لأنه استشار، لو لاموه يقول لهم: أنا سألت فلاناً وفلاناً وفلاناً، هم الذين أشاروا علي بهذا الأمر، كلهم يسكتون، لكن لو ما شاور أحداً سيظل معرضاً للنقد من كل جانب.

الفائدة السادسة: أنها نجاة من الندامة، لو الواحد الآن فعل أمراً دون أن يستشير ثم فشل هذا الأمر فسيشعر بالندم ولوم النفس وتوبيخ نفسه له، وهي تقول له: لو أنك سألت كان ما حصل هذا، لو أنك استشرت كان ما وصلت إلى هذه النتيجة المخيبة للأمل، فيشعر بالندم لكن عندما يستشير حتى لو أخطأ فيقول في نفسه: هذا أمر خارج عن إرادتي، أنا استشرت، أخذت بالأسباب ثم أخطأت، والحمد لله هذا ما هو رأيي فقط، حتى أنه ينجو من لوم نفسه، وعندما يستشير الإنسان ويخطئ، على فرض أنه أخطأ فإنه يعلم أن هذا الأمر هو قضاء وقدر، لكن لم يخطئ في الخطوات التي وصلت إلى هذه النتيجة، فيعلم أن الأمر لم يكن بوسعه أن يفعل شيئاً، استشار حصل خطأ، فلا يلوم نفسه.

سابعاً من فوائد الاستشارة: ألفة القلوب، أنت الآن لما تستشير واحد واثنين وثلاثة، عندما تذهب إليهم تقول: يا أخي أشر علي في هذه القضية؟ يا أخ فلان أشر علي؟ يا أيها الوالد أشر علي؟ يا أيها الأستاذ أشر علي؟ يا أيها الأخ الصديق؟ الجار؟

الناس ماذا ينظرون إليك وماذا يكون الانطباع في نفوسهم وأنت تستشيرهم بماذا سيشعرون؟

سيشعرون لك بتقدير ومحبة، ويقولون: فلان ما استشارنا إلا لأنه يعتقد أننا أصحاب رأي، وأننا أمناء، والله فلان يطلعنا على قضاياه وعلى أشيائه، فلان ليس بمنعزل عنا، فلان متداخل معنا، فلان يثق فينا وإلا لما استشارنا، هذه تقرب ما بين القلوب، وتربط ما بين الناس، وهذه فيها تقدير للأطراف المستشارة أنك تقدره وتضعه في موضع أنك تستشيره، ولذلك يقول عبد الملك بن مروان: لأن أخطأ وقد استشرت أحب إلي من أن أصيب وقد استبددت برأيي.

ومن فوائدها كذلك ختاماً: أن القائد المسلم والمربي المسلم والداعية إلى الله والذي يقود الناس يكون تواقاً لمعرفة الحق، وما فيه من المصلحة، ويلح بنفسه على جنوده لإظهار ما عندهم من الحجج والأدلة والآراء، ويسعمها ويقلب وجهات نظرهم طمعاً إلى الوصول إلى ما فيه الصالح العام، وعندما يفشل ويحدث فشل يكون الفشل موزعاً على جميع الجند، وعلى الناس الذين استشيروا، فلا يشعر الإنسان أنه يتحمل الخطأ لوحده.

وكذلك فإنه يصل إلى مدى نضجهم ويعرف مستوى تفكيرهم، وعمق آرائهم، ويميز بالاستشارة كيف يشير فلان، كيف يفكر فلان، فيعرف من النوابغ من الناس الذين يعيش بينهم، ويكتشف الطاقات والمواهب فيهم، وهذا من الأمور المهمة لمن كان يريد أن يسوس الناس بالهدي الصحيح؛ لأن هناك أناس يسوسون الناس لكن بغض النظر عما يكون في أفكارهم من الآراء، لا يعرف من هو الناضج؟ من هو الذكي؟ من هو واسع الأفق؟ من هو الشخص صاحب الرأي الصحيح والمشورة الطيبة، ممن هو ليس كذلك؟ لا يعرف، بسبب أنه لا يستشير، أو قلما يستشير.

متى تكتشف أن فلاناً هذا إنسان فعلاً يؤخذ برأيه؟

عندما تستشير فيشير عليك برأيه فتعرف رجاحة عقله من خلال رأيه.

مجالات الاستشارة

00:21:06

ما هي مجالات الاستشارة؟ في أي شيء نستشير؟

الاستشارة قد يقول إنسان: في كل أمر مهم، وهذا صحيح، والرسول ﷺ لما صعد إلى السماء في حديث المعراج في صحيح البخاري، لما فرض على رسول الله ﷺ خمسون صلاة في كل يوم وليلة، قال له موسى: إن أمتك لا تستطيع ذلك فارجع فليخفف عنك ربهم عنهم، فالتفت النبي ﷺ إلى جبريل كأنه يستشيره، هذه رواية البخاري كأنه يستشيره في ذلك، فأشار إليه جبريل: أن نعم إن شئت، فعلى به إلى الجبار فقال وهو مكانه يا رب خفف عنا، إلى آخر الحديث [رواه البخاري: 7517، ومسلم: 162].

فأنت ترى هنا أن محمداً ﷺ قد استشار جبريل في أمر عظيم، الآن قضية الصلوات تفرض على الأمة إلى آخر الزمان.

وترى ذلك في مجال المعارك وهي من المجالات الهامة جداً والتي يترتب عليها مصائر، يترتب عليها منعطفات تغييرية أحياناً في حياة المجتمع كله، فمثلاً في مسند أحمد وصحيح مسلم عن أنس بن مالك : أن رسول الله ﷺ شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان في معركة بدر، قال: فتكلم أبو بكر فأعرض عنه، ثم تكلم عمر فأعرض عنه، فقال سعد بن عبادة: إيانا يريد رسول الله ﷺ؟ ما رد أبا بكر ورد عمر وهما بهذه المنزلة إلا أنه يعنينا نحن الأنصار، فهمها، فقام وقال: والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحار لأخضناها. هذا لفظ مسلم [رواه مسلم: 1779].

فالرسول ﷺ كان يريد أن يستوثق أن الأنصار سيدافعون ويحاربون خارج المدينة، وأنهم على استعداد للخروج، وأن وعيهم قد بلغ أن يخرجوا ويقاتلوا الكفار خارج المدينة.

وكلما عظم الأمر كان أهم، كلما كانت الاستشارة فيه أبلغ وأعظم وأهم، ولذلك لما تنظر مثلاً في حادثة مقتل عمر  وتولية عثمان بن عفان الخلافة، لما صار الأمر، لما عهد عمر إلى الستة، وعهد ثلاثة من الستة إلى الثلاثة الآخرين تنازلوا لهم عن الأمر، فصار الأمر في النهاية إلى عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهم أجمعين-.

عبد الرحمن بن عوف قال: إذا رضيتما بمن أختاره فأنا أتنازل وأختار واحدا منكم، فقالوا: رضينا، فالآن عبد الرحمن بن عوف صار في موقف عظيم وجليل جدا، القضية فيها اختيار خلافة للمسلمين من أهم القضايا، فالآن عبد الرحمن بن عوف ما اتخذ قراراً فردياً، قال: والله فلان أفضل، صار يشاور المهاجرين ويشاور الأنصار ويشاور الناس، ويدخلون عليه ويطلبهم ويستشيرهم وفي المسجد، وكلما لقي أحداً من أهل الرأي يستشيره، حتى يقول عبد الرحمن بن عوف: مرت علي ثلاثة ليال ما أكتحل فيها بنوم إلا شيئا يسيراً جداً، ولذلك قال المسور: فما رأيت مثل عبد الرحمن والله ما ترك أحداً من المهاجرين والأنصار ولا ذوي غيرهم من ذوي الرأي إلا استشارهم تلك الليلة.

ما ترك واحداً من المهاجرين والأنصار وأهل الرأي إلا استشارهم تلك الليلة، قضية خطيرة، اختيار الخليفة.

ومن المجالات أيضاً: الاستشارة في القضايا العلمية وقضايا الأحكام الإنسان تمر به أحياناً أشياء لا يدري عنها لا يدري ما هو الحكم لا بد أن يستشير، عن المغيرة بن شعبة عن عمر : أنه استشارهم في إملاص المرأة، فقال المغيرة: قضى النبي ﷺ بالغرة عبد أو أمة" [رواه البخاري: 6905].

هذا في صحيح البخاري، عمر استشار الصحابة في المرأة إذا ضربت على بطنها فسقط الجنين ومات فما هي الدية؟ استشارهم فجاء له المغيرة بالحكم الذي سمعه من الرسول ﷺ  وقال عمر: أيكم سمع من النبي ﷺ فيه شيئاً؟ فانظر إلى الراوي وهو يقول عن عمر: أنه استشارهم في إملاص المرأة.

فإذاً، الآن الناس يحتاجون إلى استشارة أهل العلم يحتاجون إلى أخذ الأحكام ومعرفة الأحكام في الأمور والمسائل، والرسول ﷺ لما أمر بتخيير نسائه بين أن يبقين معه على ما عنده أو يسرحهن يمتعهن ويسرحهن سراحاً جميلاً، عن عائشة قالت: أتاني رسول الله ﷺ فقال: إني سأعرض عليك أمراً فلا عليك ألا تعجلي فيه حتى تشاوري أبويك، فقالت: وما هذا الأمر؟ قالت: فتلا علي:  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا [الأحزاب: 28 - 29] قالت عائشة: فقلت: وفي أي ذلك تأمرني أن أشاور أبوي، بل أريد الله ورسوله والدار الآخرة. هذه رواية البخاري [رواه البخاري: 4785 ، ومسلم: 1475].

وكذلك يستشير الإنسان في قضايا الزواج، ومن هذه الشواهد على هذه المسألة ما رواه الإمام أحمد رحمه الله في مسنده وهو حديث صحيح عن أبي برزة الأسلمي أن رسول الله ﷺ قال لرجل من الأنصار: زوجني ابنتك؟ فقال: وكرامة رسول الله ﷺ ونعم عيني، فقال: إني لست أريدها لنفسي؟ قال: فلمن يا رسول الله؟ قال: لجليبيب، قال: فقال: يا رسول الله أشاور أمها فأتى أمها، فقال لها إلى آخر الحديث.

وفي النهاية كانت البنت عاقلة قالت: هل ستظنون أنكم ستأتونني بأفضل مما عرض رسول الله ﷺ؟ فأقنعتهم بأن يزوجوها لذلك الرجل لجليبيب الذي قتل شهيداً.

فأنت ترى أن الأب لم يستبد برأيه، وأنه شاور الأم، الأم أم البنت لها دور في الموضوع، لا بد أن تشاور.

ومن الأمثلة على الاستشارة في مجال الجهاد: الحديث الحسن عن معاوية بن جاهمة: أنه جاء إلى رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله أردت الغزو وجئت أستشيرك؟ هذه مسألة مهمة نحتاج إليها الآن جداً، أردت الغزو وجئت أستشيرك، هذا الحديث فيه فقه مهم، فقال رسول الله ﷺ: هل لك من أم؟ قال: نعم، فقال: الزمها فإن الجنة عند رجلها، الزمها فإن الجنة عند رجلها، ثم الثانية ثم الثالثة في مقاعد شتى كمثل هذا القول، والرسول ﷺ يشير عليه بنفس الرأي.

ومن الأمور -المكملة للنقطة التي سبق أن ذكرناها قبل هذه في موضوع استشارة النساء في الزواج- استشارة نفس البنت التي تريد أن تتزوج، معرفة رأي البنت أمر مهم جداً، بعض أولياء الأمور في هذه الأيام لا يضربون له أي حساب، قال ابن عمر لعمر بن الخطاب : أخطب عليّ ابنة صالح ، فقال عمر: إن له يتامى ولم يكن ليؤثرنا عليهم؟ فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب، عمر رفض، قال: هذا لن يؤثرنا على اليتامى الذين عنده، فانطلق عبد الله إلى عمه زيد بن الخطاب ليخطب فانطلق زيد إلى صالح فقال: إن عبد الله بن عمر أرسلني إليك يخطب ابنتك، فقال صالح: لي يتامى ولم أكن لأترب لحمي وأرفع لحمكم، أشهدكم أني قد أنكحتها فلاناً، اتخذ القرار فجأة في نفس المجلس، وكان هوى أمها أم البنت هواها إلى عبد الله بن عمر، فأتت رسول الله ﷺ فقالت: يا نبي خطب عبد الله بن عمر ابنتي فأنكحها أبوها يتيماً في جحره ولم يؤامرها؟ ما استشارها ولا استأذنها، فأرسل رسول الله ﷺ إلى صالح، فقال: أنكحت ابنتك ولم تؤامرها؟ ثم قال ﷺ : أشيروا على النساء في أنفسهن  لاحظ الكلمة  أشيروا على النساء في أنفسهن  فقال: إن البكر تستحي يا رسول الله؟ قال: الثيب تعرب عن نفسها بلسانها والبكر رضاها صماتها  حديث صحيح، السلسلة الصحيحة.

وقد وقعت لابن عمر قصة مشابهة أخرى، ولكن بنتيجة مختلفة، وهي أيضاً قصة حسنة قال ابن عمر: توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خويلة بنت حكيم بن أمية، وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون، قال عبد الله: وهما خالايا، من هما خالا عبد الله بن عمر؟ عثمان بن مظعون، وقدامة بن مظعون، فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها، ودخل المغيرة بن شعبة الصحابي الآخر إلى أمها إلى أم البنت، ولعله لم يكن يدري بموضوع خطبة عمر والله أعلم فأرغبها في المال، فحطت إليه، الأم رغبت في المغيرة، ولي البنت زوجها لعبد الله بن عمر، وحطت الجارية إلى هوى أمها، البنت طبعاً في الغالب وراء الأم، فصار الخصام، صار خلاف، فارتفع أمرهما إلى رسول الله ﷺ فقال قدامة بن مظعون: يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إليّ فزوجتها ابن عمتها عبد الله بن عمر، فلم أقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة، ولكنها امرأة، وإنما حطت إلى هوى أمها، فقال رسول الله ﷺ: هي يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها قال عبد الله بن عمر: فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها، فزوجوها المغيرة بن شعبة. أخرجه الإمام أحمد والدارقطني وهو حديث صحيح.

هذه نماذج من السيرة وحياة الصحابة -رضي الله عنه- تبين بعض مجالات الاستشارة، ونحن هنا نبين ونضيف أيضاً قضايا أخرى نذكرها بشكل عام: الاستشارة في طلب العلم، أمر مهم جداً، لا بد الإنسان يستشير ماذا يقرأ؟ ماذا يسمع؟ كيف يطلب العلم؟ كيف يبتدئ؟ من هم الثقات من العلماء ليجلس إليهم، ويستشير هؤلاء العلماء في بداية الطلب؟ وبعد كل كتاب ماذا يقرأ؟ وأي فن يبدأ به؟ وما هي الفنون المهمة؟ وهكذا.. هذه أشياء أهل العلم يشيرون بها لما عندهم من الخبرة في هذا المجال.

بعض الشباب يضع لنفسه برنامجاً في طلب العلم، يقول: أنا أريد أن أقرأ هذا الكتاب ثم هذا الكتاب وينتقل، وهكذا.. وأريد أن أنهي هذا الكتاب في أسبوع، فيبدأ متحمساً من هذا البرنامج الذي وضعه لنفسه، وقد لا يعرف هو طاقات نفسه ولا العلوم المهمة، الفنون التي يبدأ بها، وقد يبدأ في حفظ متون وغيرها أهم منها ليبدأ بها.

وإنني أعتب عتباً خاصاً على بعض الشباب الذين يبدؤون بحفظ المتون وهم لا يحفظون إلا نزراً يسيراً من كتاب الله، يجب أن تسير الأمور مع بعضها البعض، احفظ المتون وأهم متن كتاب الله لا أحفظ منه شيئا، أحاديث الرسول ﷺ الأربعين النووية لا أحفظ منها شيئاً، هذه من المصيبة.

فلا بد أن نحفظ باستشارة أهل العلم بشكل متواز لنحقق الأهداف التي نحتاج إليها في طلبنا للعلم.

أحياناً الواحد يخطر له خاطرة في آية أو حديث، يعني تمر به آية فيستنبط بعقله حكماً منها يحصل هذا، أحياناً يقول واحد : -سبحان الله- هذه الآية كأنها تومئ إلى الحكم الفلاني، كأن فيها حكم كذا، أو هذا الحديث، ولكن لا يفعل إجراء آخر، ويستمر الزمن وهو لم يتأكد من صحة استنباطه هو، بعد فترة ربما سنة أو سنوات واحد يسأله عن هذه المسألة، هذا ترى يحدث أحيانا يسأله عن المسألة هذه هو ما عنده أقوال العلماء مطلقاً فيها، فبماذا سيجيبه في الغالب؟ بنفس الاستنباط الذي استنبطه شخصياً هو ولم يعرضه على أهل العلم، وعلق بذهنه منذ ذلك الزمن.

لو أنه استشار أهل العلم وقال: يا أيها الشيخ يا أيها العالم خطر في بالي أن هذه الآية يؤخذ منها كذا، هل هذا الاستنباط صحيح؟ هل له وجه؟ هل قال به أحد من العلماء؟

السفر في طلب العلم، يستشير الإنسان في السفر في طلب العلم إلى من يسافر مثلاً، ومن المشايخ الذين يحرص على لقياهم.

وغالباً ما تجد أن الشيخ أو العالم سيقول لك: إذا ذهبت إلى بلدة كذا وكذا فإن فيها الشيخ فلان فاذهب إليه، زره، استفد منه في الجانب الفلاني، تراه ضليعاً في هذا الجانب، اسأله وهكذا.. وهذه عادة العلماء منذ زمن بعيد، عادة علمائنا أنهم يشيرون على طلبتهم إذا أرادوا أن يسافروا في طلب العلم عن المشايخ في البلدان المختلفة، لما تجمع عندهم من الأخبار، ويقول: اسأل فلاناً، اسأل فلاناً، اذهب إلى فلان، فلان من أهل السنة احرص على لقياه، وهكذا..

تقديم الأولويات في طلب العلم، نبدأ بأي شيء؟ ثم بعده بماذا؟ أحياناً تتزاحم الأشياء عند الشخص، لا يعرف يبدأ بالتفسير أو يبدأ بالحديث أم يبدأ بالفقه، وهكذا.. فتتزاحم الأمور، من الذي يقرر لك بماذا تبدأ؟

من الأشياء التي يستشار فيها قضايا خطيرة: تغيير المنكر، كيف نغير المنكر الفلاني؟ ما هي الطريقة السليمة لتغيير هذا المنكر التي لا تؤدي إلى مضاعفات، ولا تؤدي إلى حصول منكر أكبر من هذا المنكر الذي نريد أن نغيره أو تؤدي إلى فوات معروف أكبر من هذا المنكر الذي نريد أن نغيره؟

الاستشارة في طرائق الدعوة إلى الله، بمن نبدأ من الناس؟ كيف نبدأ معهم؟ كيف ندعوهم؟ كيف نفتح معهم المواضيع المختلفة؟ ما هي المواضيع المناسبة للعامة والشباب والكبار والجيران وأهل الحي وطلبة المدارس والعمال والموظفين، وغيرهم؟ بماذا نبدأ مع هؤلاء؟ ما هو التوقيت المناسب لطرح المفهوم الفلاني؟ هل يصلح أن نطرحه الآن؟ هل هؤلاء يفهمون ما سنقوله لهم؟ حدثوا الناس على قدر عقولهم حدث الناس بما يفهمون، هل سيفهمون؟ أم أن هذا المفهوم من السابق لأوانه أن يطرح مثلاً.

كيفية الاستفادة من الوقت، أحياناً الواحد يقول: يا أخي كيف أستفيد من وقتي؟ أنا عندي وقت من بعد الدراسة إلى الساعة الفلانية، ما أدري ماذا أفعل به؟ هلا تشير علي بشيء أفعله لتغطية هذا الوقت؟

مصادقة الأصحاب والإخوان بمن تشير علي أصاحب؟ أصادق من؟ أمشي مع أي أناس؟ أشر علي من هم الناس الذين أمشي معهم؟ أماشيهم؟ أصادقهم؟ أتعاون معهم على الخير؟ أتعاون معهم على البر والتقوى؟ من هم هؤلاء الأشخاص؟ وهكذا..

تجريح وتعديل الأشخاص، من القضايا المهمة التي ينبغي أن يستشار فيها، ماذا أقول عن فلان؟ سئلت عن فلان ماذا أقول عنه؟ ماذا تعرف عن فلان؟ ما مدى ثقة فلان؟ ما مدى ضعف فلان؟ وهكذا..

ولذلك -كما سنذكر- فيما بعد يجب أن يكون المستشار ليس بصاحب هوى؛ لأن بعض الشباب وبعض الناس قد يستشير صاحباً له أو عظيماً عنده في نفسه: ما رأيك في فلان ثم يقبل التجريح الذي يأتي منه أو التعديل الذي يكون نابعاً من هوى في نفس المشير.

قضايا الزواج لا بد الواحد يستشير في قضايا الزواج، أريد أن أتزوج من بنت فلان ما رأيكم؟ يا فلان أنت تعرف هذا البيت ما رأيك في تلك البنت؟ اسأل لي أهل البيت عندكم هل يعرفونها؟ ما مدى صلاحيتها لأن أتزوجها؟

حتى قضايا الفسخ والطلاق أيضاً، الإنسان يحتاج أن يسأل فيها لأنها مسألة صعبة، ليس من السهل أن تطلق امرأة ربما لا بد أن تستشير الناس الخاصة الذين يعرفون أمورك ، وعندهم خلفية عن أحوال هذه المرأة أو هذا البيت الذي نشأت فيه ، هل هذه المرأة يحصل منها كذا وكذا؟ أنا تضايقت جداً، بلغ الأمر أوجه عندي، هل أطلقها؟ هل أصبر عليها؟ هل أعطيها فرصة؟ إذا طلقتها هل يا ترى سأجد أحسن منها أم أنني لن أجد، فلا بد أن أصبر عليها؟

بعض الناس يستخدمون الطلاق في لحظة غضب، يطلق أو يتسرع، يحصل تصرف من المرأة أو أكثر تزداد المسألة عنده ويباشر الطلاق مباشرة، وهذا من الأخطاء.

كذلك من مجالات الاستشارة: مشاكل الأسرة، تحصل خلافات في البيت، تحصل انشقاقات في الأسرة، مشاكل بين الأب والأم، بين الأب والأولاد بين الأم والأولاد، وهكذا.. فيحتار الإنسان ماذا يفعل، وماذا يكون موقفه.

يقول: لو وقفت مع أبي ستغضب أمي، ولو وقفت مع أمي سيغضب عمي، وهكذا..

فيحتار ماذا يفعل، فلا بد أن يلجأ لأهل الخبرة في الجوانب الاجتماعية، ويسألهم عن الأسلوب الصحيح في التعامل مع هذه المشاكل.

بعض الأوضاع في البيت، تغيير منكرات في البيوت، ما هي وسائل الإصلاح في البيت؟ كيف نغير وضع البيت؟ حتى الأشياء الدنيوية، الإنسان يريد أن يشتري سيارة قد لا يكون في بداية الأمر عنده خبرة بأنواع السيارات، وما هو النوع المناسب له الذي يفي بحاجياته.

التخصص الدراسي، كثير من الطلبة الذين يتخرجون من المرحلة الثانوية قد لا يدركون ما هو التخصص المناسب بالنسبة لهم، وما هو التخصص الذي يمكن أن يبدعوا فيه، ما هو التخصص الذي للمسلمين فيه حاجة، فقد يدخل تخصصاً ثم يفشل فيه وينتقل إلى تخصص آخر ويفشل فيه ويضيع جزءاً طويلاً من عمره في تخصصات، لو أنه استشار أهل الخبرة من البداية لما حصل له هذا التشتت.

الوظيفة، إذا واحد عنده أكثر من مجال للعمل يعمل في أي مكان؟ ويتوظف في أي مكان؟ هذا أيضاً من الأمور المهمة أن يستشير فيها، حتى في هيئة الإنسان في منظره، إذا كان يخرج إلى العامة يظهر أمامهم، يستشير تفادياً للشذوذ الذي قد يحصل في بعض الآراء.

صفات المستشار

00:45:45

من نستشير؟ ما هي صفات المستشار؟

هذه نقطة حساسة؛ لأننا قد نتفق على أهمية الاستشارة، لا بد نستشير، لا بد تسأل لكن لما نأتي إلى التطبيق وأريد أن أذهب الآن وأستشير هنا تبرز مشكلة، طيب من هم الناس؟ من هو؟ هل أنتقي واحداً من الشارع وأسأله أو من المسجد أسأله يعني إلى من أتجه؟

هذا سؤال مهم جداً.

وهذا تترتب عليه النتيجة، بعض الناس يسأل بطانته المقربين إليه ولو كانوا أجهل منه، وأسوأ منه حالاً، ولذلك نقول:

 أولاً: لا بد أن تصلح بطانتك، حتى إذا استشرتهم أشاروا عليك بالرأي السديد الذي يرضي الله .

وثانياً: ما الفائدة من جاهل يستشير جاهلاً آخر؟ فلا بد من إحسان الاستشارة، ورسول الله ﷺ كان في ناس من أصحابه لهم ميزات معينة كان يستشيرهم ويأخذ مشورتهم.

وعمر كان لديه مجموعة من المستشارين، وكان فيهم الشباب والشيوخ، ولذلك بعض السلف كان يقول: يا معشر الشباب لا تحقروا أنفسكم، فإن مشورة عمر كان فيهم شباب حدثاء السن، وهؤلاء عند عمر كانت لهم مواقف جميلة فمنها: أن عم الحر بن قيس، ويدعى عيينة بن حصن قال لابن أخيه: يا ابن أخي هل لك وجه عند هذا الأمير؟ يقصد عمر فتستأذن لي عليه، قال: سأستأذن لك عليه، قال ابن عباس: فاستأذن لعيينة، فلما دخل عيينة -وهو فيه من البداوة- قال: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل وما تحكم بيننا بالعدل؟ فغضب عمر حتى هم بأن يقع به، فقال الحر وهو من المستشارين عند عمر: يا أمير المؤمنين إن الله تعالى قال لنبيه ﷺ : خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199]، وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان واقفاً عند كتاب الله.

انظر كيف تنفع الاستشارة، كيف ينفع المشير دائماً بالخير، يأمر بالرأي السديد وينصح بالشيء الصحيح.

فمن خصال المشير: أن يكون صاحب دين وتقى، فإن صاحب الدين يكون أميناً في إعطاء الرأي، ويكون مأمون السريرة موفق العزيمة.

واستشارة الناس الذين لا خير فيهم ولا دين فيهم كثيراً ما يكون وبالاً على المستشير، آراؤهم وبال على المستشير.

وانظر على سبيل المثال النكبات التي أصيبت بها جيوش المسلمين في العصر الحاضر، كل الهزائم التي مني بها المسلمون في هذا الزمان كانت بسبب استشارة الكفرة والمنافقين، الذين لا يوثق بهم أبداً من أعداء الله، الذين جعلوا يستشارون، فصارت مشورتهم وبالاً على المسلمين؛ لأن المنافق عدو الله، ما هو الخير من وراء استشارته؟

وإذا أردت مثالاً من القديم فما هو السبب في تخريب بغداد ودخولها؟  

مستشار الخليفة يومئذ ابن العلقمي الخائن الرافضي، لما كان مثل ابن العلقمي الخائن هو المستشار صار هناك الخراب، وحل الخراب في بلاد المسلمين، وهكذا في يومنا هذا تحصل النكبات والنكسات بسبب وجود أولئك الخبثاء الذين يشيرون بالخطأ عمداً، نكاية، وتقع النكبات نتيجة أخذ آرائهم.

وورد حديث ضعيف وهو: لا تستضيئوا بنار المشركين، استنبط منه الحسن البصري -رحمه الله- استنباطاً، يقول: أي لا تأخذوا بآراء المشركين، لا تستشيروهم في أموركم، ولا تأخذوا بآرائهم؛ لأن آراءهم مثل النار، يعني لا تستضيئوا بنار المشركين لا تأخذوا من آرائهم، وإن كان المعنى الأقرب للحديث هو ابتعدوا عن المشركين لا تساكنوهم ولا تخالطوهم، والحديث -كما ذكرنا- فيه ضعف، ولكن لا مانع أن يستشار الكافر أحياناً إذا كان موثوقاً به، مثل مقاول رأى مهندساً كافراً، لكن تبين له أن هذا المهندس لا يخون، يعني ثقة في الرأي في إنشاء مصنع مثلاً، هو ينبغي أن ينتبه لأن هؤلاء الكفرة لا خير فيهم، قد يكون فيهم خبث، وقد يكون في استشارتهم دمار عليه، وعلى العمل الذي يريد إنشاءه، ولكن لو وثق به مثل عبد الله بن أريقط المشرك، الرسول ﷺ استعان به في الطريق، كان إنساناً مأموناً، قد يكون كافراً لكن فيه أمانة، لكن ما هو الغالب على الكفار؟

الغالب عليهم أنهم أعداء للدين وأنهم يريدون الشر بالمسلمين وأن آراءهم وبال على المسلمين وليست لصالح المسلمين. وكذلك ينبغي أن يكون المستشار عاقلاً مجرباً معروفاً بكثرة التجارب: "استرشدوا العاقل ترشدوا ولا تعصوه فتندموا".

وقال عبد الله بن الحسن لابنه محمد: احذر مشاورة الجاهل وإن كان ناصحاً، كما تحذر عداوة العاقل إذا كان عدواً فإنه يوشك أن يورطك بمشاورته.

و"قبيلة عبس" كانوا معروفين بكثرة الصواب حتى أن واحداً سأل رجلاً من قبيلة عبس قال: ما أكثر صوابكم؟ قال: نحن ألف رجل وفينا واحد حازم، رجل حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم.

وقال بعض الحكماء: التجارب ليس لها غاية، والعاقل منها في زيادة.

وقال بعض الحكماء: من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول.

وقال أبو الأسود الدؤلي -رحمه الله-:

وما كل ذي لب بمؤتيك نصحه ولا كل مؤت نصحه بلبيب
ولكن إذا ما استجمع عند صاحب فحق له من طاعة بنصيب

هنا تبرز قضية وهي: هل هناك إنسان معين يصلح أن نستشيره في جميع الأشياء؟ أم أن هناك أناس نستشيرهم في أشياء لا نستشيرهم في أشياء أخرى؟

الحقيقة: أن هذا هو الأخير الأقرب للصواب، فإنه ينبغي أن يستشار كل إنسان في مجال تخصصه.

إذا عندك الآن مشكلة أو عندك قضية شرعية ما تعرف حكمها تسأل من؟

تستشير العلماء.

وإذا كان عندك مشكلة في تخصص دراسي تستشير من؟

أهل الخبرة بالدراسة، بالتخصصات.

إذا كان عندك مشكلة وظيفية في الوظائف، ما تدري تروح تذهب لأي وظيفة، أو لأي مكان تستشير من؟

الخبراء بهذا.

إذاً ليس بالضرورة أن يوجد شخص واحد يفهم في كل الأمور.

بعض الناس يظن أنه إذا استشار فلاناً في شيء وما استشاره في شيء آخر فإن هذا إزراء عليه، يعني يقول: والله هذا الرجل موثوق لو ما استشرته في كل القضايا معناها كأني أزري به، ولكن ليس الأمر كذلك.

فبعض الناس يفهمون بالأدوات الكهربائية، وبعض الناس لا يفهمون بها، وإن كان هؤلاء الذين لا يفهمون بالأدوات الكهربائية قد يكونون أعلم بعلوم الشريعة من غيرهم.

فإذاً نستشير كلاً في مجال تخصصه.

وينبغي للمستشار أن يكون عنده علم بالشريعة، ويتضمن أحوال الناس، وعلم الزمان وعلم المكان، وعلم الترجيح كما ذكر المناوي رحمه الله في شرح حديث: ((المستشار مؤتمن)) فما يصلح لمكان قد لا يصلح لمكان آخر، وما يصلح لزمان قد لا يصلح لزمان آخر.

وأحياناً تتزاحم الأمور فلا بد أن يكون المستشار عنده عقل راجح يرجح لك به أي الأمور تقدمها الآن عندما تتزاحم الأشياء.

والخصلة الثالثة: أن يكون ناصحاً ودوداً، فإن النصح والمودة يصدقان الفكرة ويمحصان الرأي.

والخصلة الرابعة: أن يكون سليم الفكر من الهموم والغموم، فلو تريد تستشير واحدً، وهو الآن مغموم، وفكره مشغول بأشياء، فهل تتوقع أن يعطيك استشارة صحيحة؟

هذه من الحكم تؤخذ حتى من الكفار، كان كسرى إذا دهمه أمر بعث إلى مرازبته، الناس الأمراء الكبار، أهل الرأي، فاستشارهم فإن قصروا في الرأي، ما أعطوه الرأي الصحيح ضرب قهارمته وهم القائمون على الأموال، أمناء الخزائن، لماذا؟

لأنهم لم يعطوهم أرزاقهم، وكان يقول لهم: أبطأتم بأرزاقهم فأخطأوا في آرائهم.

لو أعطيتموهم الأشياء التي يحتاجونها كان ما جلس مهموماً يفكر من أين يسترزق، فانشغل همه بتحصيل المال والرزق فصارت آراؤه ليست سديدة.

ولذلك يقال: مر حارثة بن زيد بالأحنف بن قيس فقال: لولا أنك عجلان لشاورتك في بعض الأمر، فقال: يا حارثة أجل، كانوا لا يشاورون الجائع حتى يشبع، والعطشان حتى ينقع، والأسير حتى يطلق، والمضل حتى يجد، والراغب حتى يمنح.

وقيل: لا تشاور صاحب حاجة يريد قضاءها، ولا جائعاً ولا حاقن بول.

وقالوا: لا رأي لحاقن ولا لحازق.

ومن هو الحازق؟

الذي ضغطه الخف، يعني حذاؤه ضيق فهو يؤلمه، فطيلة ما هو جالس ويمشي وذهنه مشغول بضيق الحذاء، ولذلك هذا لا يصلح لأن يستشار، لأنه الآن ذهنه مشغول بالحذاء.

والحاقب هو الذي يجد رزا في بطنه، مثل الغازات أو الألم أو شيء من هذا القبيل، فالآن هذا الذي في بطنه هذا الشيء ما هو الآن وقته ليعطيك الرأي، الآن ذهنه مشغول بشيء آخر.

وكذلك أن يكون المستشار ليس له هوى أو عرض شخصي يتابعه، فإن هذا الشخص لو كان عاقلاً، لو كان ذكياً، لو كان خبيراً لكن صاحب هوى فإنه سيشير عليك بالرأي الذي يهواه هو، وهذا شيء خطير جداً، لو واحد يحب شيئاً معيناً ويميل إليه، وجئت أنت واستشرته قلت له: أشر علي في هذا أو هذا؟ فإذا كان عنده ميل شخصي وهوى إلى أمر من الأمور قال لك: خذ هذا الطريق، اعمل هذا الشيء، لماذا؟ لأنه يهواه، لا لأنه صواب.

لو رجل عنده أخت فيها عيوب لكن الآن همه في أخته يريد أن تتزوج بأي وسيلة، وجاءك واستشارك، قال أريدك أن تبحث لي عن فتاة؟ فماذا سيقول لك؟

سيقول: طلبك عندي، فلانة، مع أن فيها عيوب لكن لأن الآن عنده هوى، عنده غرض شخصي.

مثل صاحب الدكان يكون عنده بعض السلع وعند جاره سلع أفضل منها وتستشيره تقول: ما رأيك آخذ هذا أو أبحث عن نوع آخر؟

هو صاحب غرض الآن يقول: هذه نوعية ممتازة، خذ منها، هذه نقطة مهمة جداً، يجب أن يكون المستشار ليس صاحب هوى ولا صاحب غرض شخصي.

ولذلك أحياناً بعض الناس يذهب يستشير صاحب هوى ويشير عليه بما يهواه، ويقول: الحمد لله استشرت.

نقول: لا، تعال أين استشرت؟ أنت الآن استشرت واحداً عنده ميول معينة فأشار عليك بما يهواه وبما يميل إليه، فاستشارتك ناقصة في الحقيقة.

وبعض الأحيان يكون معرفة حال المستشير مهم للمستشار، فلا بد أن تسأل الشخص الذي يعرف حالتك أكثر من غيرك.

بعض الناس أحياناً يتخطون أشخاصاً قريبين منهم مع أن عندهم عقل راجح وعندهم بصيرة وأهل للاستشارة، فيتخطون القريبين ويذهب إلى واحد بعيد لا يعرف حال المستشير هذا، ويقول له: أشر علي، ماذا تنصحني في حالتي هذه؟ ويعرض له مشكلة خاصة تتعلق بواقعه الشخصي وقد يخفي شيئاً من خلفيتها، والمستشار لا يدري عن الخلفية؛ لأنه ليس محتكاً ولا قريباً من المستشير، فيشير عليه برأيه، فيقول هذا: الحمد لله أنا استشرت، فنقول: لا، أنت استشرت الآن شخصاً ليس عنده خبرة بحالك وتخطيت أناساً آخرين لهم معرفة بحالك، من الممكن أن تستشيرهم، لكن تخاف أن يقولوا لك: لا تفعل أو افعل وأنت لا تهوى هذا الشيء، وفي نفس الوقت تريد أن تستشير لكن تريد الجواب شيئاً آخر فتذهب إلى واحد بعيد ولو كان شيخا كبيراً وعظيماً، وتقول له: ما  رأيك في المشكلة الفلانية؟ وتخفي عنه أشياء، ولا تعرض له خلفية القضية، وتقول: أشر علي؟ فلما يشير عليك بالذي تهواه، الحمد لله تقول: أنا استشرت.

غير صحيح.

وقد يستشير الواحد أناساً يرتاح إليهم عاطفياً لا لأنهم أهل بصيرة ولا لأنهم أهل تجربة ولا لأنهم أهل دين، ولكن لأنه يستريح، يقول: يتقارب معه نفسياً فتجد أنه يستشيره في أموره أحياناً الخاصة والخطيرة، مع أن هذا المستشار يمكن أدنى منه منزلة لكن لأنه يرتاح إليه عاطفياً ونفسياً فتجده يستشيره في أشياء كثيرة من أموره الأولى أن يستشير فيها أناسا آخرين وما هي المنفعة من استشارة شخص تميل إليه عاطفياً وليس عنده خبرة في المشورة؟

المستشار يجب أن يستشعر المسؤولية عندما يستشار، لما واحد يسأل الآن عن قضية يجب أن يشعر بأنه الآن استؤمن على شيء، ولذلك قيل: المشاورة راحة لك وتعب على غيرك.

أنت الآن تقول: أشر علي، كلمة أشر علي لكن هو الآن تحمل مسؤولية عظيمة.

ولذلك ليتق الله كل مستشار فيما يستشار فيه، ويعلم أنها أمانة، ويعلم بأن رسول الله ﷺ قد قال:  المستشار مؤتمن  مؤتمن على ما استشير فيه، المستشار مؤتمن، القضية أمانة: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ [الأحزاب: 72]،  إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا  [النساء: 58].

فمن جعل أخاه مستشاراً واستشاره فقد جعله في منزله يجب عليه أن يكون أميناً وهو يشير، وألا يشير بالسر، أحياناً في قضية خاصة لا تريد خبرها يتسرب لأحد فتستشير إنساناً، من أمانة المستشار ألا يسرب هذه القضية إلى أناس آخرين، إلا إذا كان هناك مفسدة عظيمة تنشأ أو مصلحة كبيرة جداً تفوت أكبر من مفسدة هذا؛ لأنك أنت الآن تستودع عنده سرك، أحياناً تكون القضية خاصة جداً، تستودعه عند هذا المستشار.

ومما ورد في هذا قال البخاري -رحمه الله- في الأدب المفرد، باب المستشار مؤتمن، عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ لأبي الهيثم: هل لك خادم؟ قال: لا، قال: فإذا أتاني سبي فائتنا، فأتي النبي ﷺ برأسين ليس معهما ثالث، فأتاه أبو الهيثم حسب الاتفاق، قال النبي ﷺ: اختر واحداً من هذين الرجلين تأخذه خادماً، فقال الرجل الصحابي وكان فطناً: بل أنت اختر لي يا رسول الله، فقال النبي ﷺ لما سمع الرجل يقول: أنت اختر لي يا رسول الله قال:  المستشار مؤتمن خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به خيراً. حديث صحيح رواه البخاري في الأدب المفرد والترمذي وغيرهما.

لما الرجل حمل الرسول ﷺ أمانة الاستشارة الرسول ﷺ صار عنده موقف آخر، قال:  المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي  شف كيف الرسول ﷺ انتقل إلى تفكير صارت المسألة أمانة.

ومن يشير على أخيه المسلم برأي ليس صواباً وهو يعلم أنه ليس بصواب ورد فيه وعيد في حديث صحيح قال النبي ﷺ:  من تقول علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه .

وفي رواية: فقد أشار عليه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه، ومن أفتى بفتيا بغير ثبت فإثمه على من أفتاه)).

فالذي يشير على أخيه بشيء وهو يعلم أن الصواب غير هذا فهذه خيانة، وهذه فيها أثم عظيم.

و  من غشنا فليس منا  كما قال عليه الصلاة والسلام.

ومن الأشياء من النوادر في هذا من الأمور العجيبة: أن واحداً من الحكام استشار شخصاً قال: ما رأيك نولي فلاناً القضاء؟ قال: فلان هذا الشخص موثوق نعم الرأي أنك توليه القضاء، هذا الشخص الذي يراد أن يتولى القضاء جاء إلى المستشار الذي استشاره الحاكم، فقال له: يا فلان عرض علي الحاكم أن أتولى القضاء فما رأيك؟ قال: اللهم لا، لا أشير عليك أن تتولى القضاء، القضاء فيه فتنة، وفيه مسؤولية، فالحاكم لما سمع استعجب، فقال: تعال الآن استشيرك فيه تقول: نعم، ولما هذا فلان يستشيرك تقول: لا، ما هذا؟ فقال: أيها الأمير استشرتني فاجتهدت لك رأيي ونصحت، واستشارني فاجتهدت له رأيي ونصحته، أنا بالأمانة، ما هو الآن أنت لك غرض فيه أنا أقول له: لما يستشيرك يقول: إيه نعم؛ لأنك أنت تريده.

من الأخطاء: بعض الناس أحياناً يشيرون ولا يطلب منهم الرأي، فهذا يعتبر نوع من التدخل إلا إذا كانت المسألة تتطلب أن يبدي رأيه الآن؛ لأن هناك مشكلة ستحدث، لكن في بعض الناس يدسون أنوفهم في كل شيء، يعني يبدي دائماً رأيه كل شيء لازم يطلع فيه رأي مع أن التدخل قد لا يكون مناسباً أو يشير وهو ليس بأهل، فالمفروض إذا جاء واحد يستشيرك وأنت ليس عندك خبرة في هذا الشيء، فماذا تفعل؟

تقول له: والله يا أخي أرجو المعذرة أنا ما عندي خبرة، أنا ما أستطيع أشير عليك، لا تسألني أنا ما عندي لك شيء، اذهب إلى فلان إلى فلان، أو اذهب إلى غيري، إذا تريد أن تكون أميناً، لكن بعض الناس لا يصدق أن يأتي أحد يستشيره وإلا يطلع له الرأي حتى ولو كان الرأي فاشلاً، أو غير مبني على شيء من العلم أو الخبرة.

وكثير من الأحيان إذا كان المستشار غير أهل للمشورة، وجاءه إنسان واستشاره قد يكون رأيه يزيد الأمور تعقيداً، في بعض الحالات يقول له واحد: أنا عندي مشكلة مع أهلي كذا كذا كذا، فيجيء ذاك يقول: أنا أشير عليك أنك تتركهم أسبوعاً وتنام خارج البيت، ترى والله تؤدبهم مضبوط أو يقول: ترى زوجتي كذا وكذا، يقول: والله أنا رأيي أنك تطلقها.

طبعاً في بعض الحالات الاستشارة عندما تكون خاطئة تؤدي إلى نتائج عكسية، ولذلك لا بد من انتقاء المستشار.

ولا ينبغي للإنسان أن يتبرع برأيه كما قال الشاعر:

فلا تمنحن الرأي من ليس أهله فلا أنت محمود ولا الرأي نافع

 أحياناً بعض الناس يتدخل ويعطي رأياً، إذا كان الذين أعطاهم الرأي ليسوا بأهل فقد يقول واحد منهم: ما  لك دخل الحين ما  دخلك أنت في الموضوع؟

فيكون رأيه وبالاً عليه، فلذلك الواحد يعطي الرأي المناسب في الوقت المناسب.

وعندما يسأل الشخص ويعطي الرأي يكون الرأي أثقل من إذا أعطاه ابتداء كذا يعني من نفسه.

من الأخطاء في قضية المستشار: أن بعض الناس يعتقدون أن استشارة النساء من النكبات والمصائب، ويستدلون على ذلك بأحاديث: ((شاورهن وخالفوهن)) هذا حديث مشهور عند بعض العوام، يقول حديث الرسول يقول: ((شاورهن وخالفوهن)) مع أن هذا الحديث لا أصل له مرفوعاً طبعاً، ومعناه خطأ.

وكذلك ما يروى عن عمر: "خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة" أيضاً إسناده ضعيف ولا يثبت، والحديث الموضوع الآخر طاعة المرأة ندامة؛ لأن النساء صحيح أنهن أقل عقلاً، لكن بعض النساء قد تأتي برأي لا يأتي به أكابر الرجال، تقول لي: هات مثالاً؟

أقول لك: في حادثة الحديبية لما الرسول ﷺ أمر الناس أن يحلقوا وأن ينحروا بعد أن عقد الاتفاقية مع قريش الصلح، من الغم ماذا فعل الصحابة؟ ما نفذوا الأمر، من الذي حل المشكلة؟

أم سلمة، دخل الرسول ﷺ مكروباً، يعني كيف أمر الصحابة وما نفذوا شيء عظيم، قالت أم سلمة يا رسول الله: أنت احلق رأسك أمامهم وانحر هديك وهم سيتابعونك، وفعلاً خرج الرسول ﷺ وأخذ رأي أم سلمة، ونفذه، فحلق الصحابة رؤوسهم ونحروا هديهم.

من الذي أشار، أتى بهذا الرأي، هذا لحل الإشكال العظيم؟

أم سلمة امرأة، لكن ليست أي امرأة.

وهذا يبين لنا أن النساء لسن محتقرات الرأي في الإسلام، ولكن لا يعني الأمر هذا أن الرجل يفلت الزمام للنساء المرأة ولزوجته، أو هذا بحيث أنها دائماً هي التي تشير وهو الذي ينفذ، فلا إفراط ولا تفريط، لكن احتقار وإهانة، واحد رجل كان دائماً يشاور زوجته ويخالفها يقول لها: ما رأيك في كذا؟ يخالفها، تضايقت منه جداً، في يوم من الأيام شاورها في شيء فعل العكس تماماً، قالت له: أيش هذا؟ وثارت فيه، قال: هذا أفعله ديانة لحديث: ((شاورهن وخالفوهن)) أنا إنسان أنفذ الأحاديث، لماذا تلوموني؟ فلما ذهبت وسألت تبين أن الحديث ليس بثابت وأنه لا أصل له مرفوعاً.

فهذه قضية اجتماعية، شرخ في البيت بسبب هذا الحديث الضعيف أو الموضوع.

من الذي يستشير؟

01:14:15

من الذي يستشير؟

العادة أن الصغير هو الذي يستشير من هو أكبر منه، أو من كان أقل علماً يستشير من هو أعلم منه، وهكذا..

لكن لا يمنع أحياناً أن الكبير يستشير من هو أصغر منه، عمر خليفة لكن كان يستشير الناس وفيهم ابن عباس، وابن عباس صغير السن، كان عمر يجمع في مشورته هذا من ذكائه ، وحسن إدارته للأمور ، كان يجمع في مجلس مشورته بين الشباب الذين أسنانهم حديثة، شباب في مقتبل العمر، وبين شيوخ كبار في مجلس واحد، يبتغي حدة تفكير الشباب وخبرة وحكمة الشيوخ.

أحياناً ذهن الشاب ينقدح على أشياء لا ينقدح بها ذهن الكبير؛ لأن الشاب حاد الذهن، متوقد فيه حيوية ونشاط يمكن يأتي برأي لا يستطيع بعض الشيوخ أن يأتوا به، وبنفس الوقت بعض الشباب قد يطرحوا آراء متهورة، وآراء اندفاعية بسبب الاندفاعية التي توجد في طبيعتهم، فلا بد أن يوجد هناك شيوخ يقيدون هذه الاندفاعية، ويوجهون هذا الإقدام الشديد بخبرتهم وحكمتهم.

وكذلك إذا كان هناك مجموعة تريد رأياً معيناً يكفي واحد فيهم يستشير أو اثنين يأتوا بالخبر اليقين ما في داعي كل المجموعة تذهب وتستشير فواحد يستشير وهو أمر يخصهم مثلاً واحد يثقون به يأتي لهم بالرأي.

استشارة الوالدين مهمة، لماذا؟

استشارة الوالدين بالذات لأن الاستشارة فيها تقدير -كما ذكرنا- فالإنسان الطيب دائماً يحرص على استشارة والديه حتى لو أنه تبين له الأمر وعرف أن مصلحته كذا، لكن من باب تأليف القلوب، إلا إذا علم أن الوالدين قد يأمرانه بأمر ليس هو الحق مخالف للحق، فقد يكون عدم أخذ رأيهما أحسن، حتى لا تظهر مخالفتهما بشكل واضح، لكن إذا الواحد لا يعرف، أو أنه يعلم أن والديه لن يشيرا عليه بأمر باطل طبعاً، فطيب يحرص على أخذ آراءهم دائماً.

وكذلك النساء عليهن استشارة الرجال؛ لأن الرجال أكمل عقلاً، وأقوم في الأمور، النساء قد يحتجن إلى أشياء في طلب العلم أو في الدعوة إلى الله، وقد تأتي أحياناً بين النساء أفكار فيها نوع من الخروج عن المألوف، أو الخروج عما يمكن أن يقبله الناس، أحياناً قد يأتي عند النساء أشياء تطرح بقوة في مجالات معينة لا يمكن أن يقبلها الناس، وليست من المعروف، بل قد تسبب مشاكل في المجتمع، فلذلك لابد أن يكون هناك نوع من الرجوع من قبل النساء إلى الرجال.

كيفية الاستشارة

01:17:37

لو سأل إنسان وقال: كيف نستشير؟ هل أستشير واحداً أو أستشير جماعة؟ هل أجمعهم وأستشيرهم وإلا أستشير كل واحد بمفرده؟ ما هي كيفية الاستشارة؟

نحن نثق ونعلم ونوقن بأن الإسلام سبق الغرب في مفهوم القيادة الاستشارية أو الإدارة الاستشارية، وأن خلفاءنا وعلماءنا من القديم كانوا يطبقون هذا المفهوم.

وليس الغرب الآن هو الذي اكتشف هذا ودونت في كتب الإدارة الحديثة، هذه القضية قديمة.

الاستشارة لها منازل منها ما يدخل فيه الرهط، ومنها ما يستعان فيه بقوم، ومنها ما يستغنى فيه برأي واحد، لا توجد قاعدة معينة أنك تسأل جماعة كثر أو قلة أو واحد، حسب الحالة.

بعض علمائنا ناقشوا قضية استشارة الجماعة أم استشارة الفرد، فبعضهم قال: الأولى أنك تجمع الناس المستشارين وتستشيرهم، لماذا؟ قالوا: لأن هذه فيها إجالة فكر ومناقشة الأشياء وتنقيحها، وإذا واحد طرح رأياً يعارض من قبل الناس الذين عندهم آراء أخرى، ويرى الجميع أخطاء الرأي، إيجابيات وسلبيات، وتقع مناظرة وتنتهي بتنقيح، يعني فيها نوع من التنقيح سيتناقشون ويتناقشون، حتى يظهر الرأي الصحيح.

بعضهم قال: لا، الأولى أنك تستشير كل واحد بمفرده، لماذا؟

قال: لأنك لو طرحت على الجماعة، وقلت: أستشيركم في كذا، كل واحد سيرمي المسؤولية على الآخر يسكت ويقول: فلان الآن سيأتي بالرأي، فلان سيأتي بالرأي، فلان سيأتي بالرأي، فلا يحدث هناك انقداح قوي للأذهان، لكن لو استشرت كل واحد لوحده فعندما تسأله يحس بالمسؤولية فيعطيك الرأي بعد تفكير وتمحيص يشغل عقله، لكن لو جمعتهم يمكن يصير فيه تواكل.

والحقيقة: أن المسألة ليس لها جواب معين، يعني لا هو دائماً استشارة كل واحد لوحده صح، ولا هو دائماً استشارة المجموعة هو الصواب.

بعض الأحيان يكون الاجتماع أبلغ وأحسن.

وبعض الأحيان يكون استشارة كل واحد على حدة أفضل.

نأخذ مثالاً من السيرة: حادثة واحدة حصل فيها نوعين من الاستشارة، الفردية، والجماعية: حادثة الإفك، الرسول ﷺ لما تكلم المنافقون ونشروا الفتنة والبلبلة، ماذا فعل الرسول ﷺ؟ صعد إلى المنبر وخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه، وقال:  ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي، ما علمت على أهلي من سوء قط، ما  علمت عليهم من سوء قط استشارة جماعية لماذا؟ لأن الرسول ﷺ الآن يريد أن يتخذ موقفاً جماعياً من المنافقين  ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي والمنافقون هؤلاء موجودون في المجموعة في الأنصار.

فإذاً، لا بد من أخذ رأي جماعي، ويجتمع الناس على رأي؛ لأن الآن المسألة تعم الجميع.

لكن لما جاء عليه الصلاة والسلام ليستشير في أمر عائشة ماذا فعل؟

استشار شخصين.

من هما؟

علي بن أبي طالب.

والثاني: أسامة بن زيد، استشار أسامة حب رسول الله ﷺ وابن حبه، واستشار علي بن أبي طالب وهو صهر قريب جداً من البيت، هل من المصلحة أن الرسول ﷺ يقف على المنبر ويقول: يا أيها الناس أشيروا في براءة زوجتي، ما رأيكم زوجتي بريئة؟

طبعاً ليس بمناسب ولذلك أخذ علياً وسأله، وأخذ أسامة وسأله، لكن عندما صارت المسألة موقفاً من المنافقين وشيئاً عاماً يعم الجميع صعد على المنبر واستشار.

فإذاً عندما يكون الأمر متعلقاً بالجميع فتكون الاستشارة جماعية، عندما يتعلق الأمر بشيء خاص أو يكون فيه حساسية معينة، وليس من المعقول أن يجمع الناس ويؤخذ رأيهم في شيء من هذا.

لو واحد تزوج امرأة هل يجمع كل أصحابه ويقول: ما رأيكم في زواجي من فلانة؟

لا، طبعاً، وإنما سيذهب إلى واحد بالسر بينه وبينه فيشير عليه، وهكذا..

هل يستشير بعد معرفة الصواب؟

01:23:17

الإنسان إذا عرف الصواب وتوصل إلى نتيجة، هل لا يزال يستشير ويستشير أم ينفذ الاستشارة؟

الجواب: موجود في قوله فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159].

وفي البخاري لما الرسول ﷺ شاور الناس في أحد أشار عليه المتحمسون بالخروج أم البقاء في المدينة؟ بالخروج.

فلبس ﷺ لأمته فلما أشار عليه الآخرون بالبقاء ماذا قال عليه الصلاة والسلام ؟

 لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن ينزعها لماذا؟ لأنه خلاص استشرنا أخذنا الرأي هذا خلاص ينفذ.

أما قضية والله استشرنا واعتمدنا الرأي، وراجعنا فتصير المسألة فيها ضعف، صارت القضية مهزوزة، والله واحد يتبنى رأياً وبعدين يخالف، وليس هناك وضوح تام والله أن البقاء في المدينة 100% هو الأصلح؛ بدليل أن المسلمين انتصروا في البداية، يعني لو نفذت الأوامر كما ينغي لاكتمل الانتصار .

وكذلك إذا تبين للإنسان وجه الحق في شيء استشار وعرف وجه الحق فلا يسمع كلام أي إنسان بعد ذلك، أبو بكر الصديق لما عزم على قتال المرتدين، قال عمر: كيف تقاتل قوماً قالوا: لا إله إلا الله، وقد قال الرسول ﷺ: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوا لا إله إلا الله عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله، فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين ما جمع رسول الله ﷺ ثم تابعه عمر. هذه رواية البخاري.

فلم يلتفت أبو بكر إلى مشورة إذ كان عنده حكم رسول الله ﷺ في الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة.

فإذاً أبو بكر لما عرف الحق ما قبل مشورة أحد، خلاص هذا هو الحق توصل إليه.

ونحن الآن يقع بعضنا في إشكال وهو الواحد قد يستشير في أمر لكن ما يتبين حتى مع الاستشارة وما يتبين له وجه الصواب، ولا يدري ما هو الحق، ماذا يفعل؟

تضاربت الآراء كل واحد اشار عليه برأي معين ماذا يفعل؟

قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوي: "وإذا استشارهم فإن له بعضهم ما يجب اتباعه من كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ أو إجماع المسلمين فعليه اتباع ذلك ولا طاعة لأحد في خلاف ذلك، وإن كان عظيماً في الدين والدنيا، وإن كان أمراً تنازع فيه المسلمون فينبغي أن يستخرج من كل منهم رأيه ووجه رأيه، استند الرأي على ماذا ؟ فأي الآراء كان أشبه بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ عمل به.

يقول: أنت فلان ما رأيك؟ يقول كذا، ما دليلك؟ كذا كذا.

أنت ما هو رأيك؟ كذا، ما هو دليلك؟ كذا، ثم ينظر هذا الرجل أيها أقرب إلى الكتاب والسنة، وأشبه بنصوص الكتاب والسنة فيعمل به.

لو إنسان ليس عنده خبرة أو عمل ولا يستطيع أن يعرف ما هو الأشبه بالكتاب والسنة فماذا يفعل؟

يقول شيخ الإسلام -رحمه الله-: ومتى أمكن في الحوادث المشكلة معرفة ما دل عليه الكتاب والسنة كان هو الواجب وإن لم يكن ذلك، هذه مسألتنا الآن، لضيق الوقت، يعني واحد ما عنده وقت الآن ينقح الآراء ويقضي وقتاً طويلاً، أو عجز الطالب، عرف أقوال ثلاثة من العلماء متضاربة، وليس عنده قدرة على الترجيح، أو تكافأت الأدلة، ما يستطيع يرجح، أو غير ذلك، فماذا يفعل؟

يقلد الأعلم.