الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

اعمل شيئاً للإسلام


عناصر المادة
حرص الصحابة على تعلم العلم للعمل به
الحرص على التقوى والصبر
الحرص على أن يكون المسلم مفتاحاً للخير
توجيه الطاقات في أعمال الخير المختلفة
حاجة المسلمين إلى متخصصين وخبراء في جوانب مختلفة
تفاوت الناس في الأعمال المقربة إلى الله
التواصي على العمل للإسلام
التخلص من آثار الجاهلية وشوائبها

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

وبعد:

فمن الأمور المتعلقة -بما تكلمنا عنه في الدرس الماضي- من العمل للإسلام: أن يقوم كل واحد منا باستدراك النقص الحاصل في شخصيته، وأن يتصف بالصفات المهمة التي تساعده على أداء المهمة، وأن يقوم لله بالواجب.

ولا شك أن في شخصياتنا نقصاً كثيراً، وهناك صفات مفتقدة أو ضعيفة في بعض الأشخاص، ونريد أن نتعرف على بعض هذه الصفات التي لا بد لنا أن نأخذ بها أنفسنا وأن نكملها فيها وأن نقويها، ونزيد منها حتى تكون هذه الشخصيات أي شخصياتنا قادرة على القيام بالواجب والوفاء بالمستحق عليها.

إن مما نجد فيه ضعفاً في شخصياتنا: مسألة التعلم للتنفيذ، والسؤال لأجل التطبيق.

وإذا تأملنا في أصحاب النبي ﷺ وجدنا أن أسئلتهم دالة على أنهم يريدون فعلاً أن يتعلموا للتنفيذ، وأن يتلقوا لكي يعملوا العلم والعمل.

حرص الصحابة على تعلم العلم للعمل به

00:02:28

فانظر معي -يا أخي- في هذه الأحاديث التي جاءت في أسئلة الصحابة -رضوان الله عليهم- مما وجهوه إلى النبي ﷺ في مناسبات مختلفة لكي نتيقن ويتضح لدينا فعلاً أن القوم كانت عندهم الهمة للعمل ليس فقط للتعلم:

عن أبي بكر أنه قال لرسول الله ﷺ: "علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟" [رواه البخاري: 834].

وعن أبي برزة قال: قلت لرسول الله ﷺ: يا رسول الله إني لا أدري عسى أن تمضي وأبقى بعدك، فزودني شيئا ينفعني الله به؟" [رواه مسلم: 2618].

وعن عبد الله بن مسعود قال: "قلت يا نبي الله أي الأعمال أقرب إلى الجنة؟" [رواه مسلم: 85].

وقال أبو ذر قلت: يا رسول الله أي الأعمال أفضل؟ قال: الإيمان بالله والجهاد في سبيله، قال: قلت: أي الرقاب أفضل؟ قال: أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمناً، قلت: فإن لم أفعل؟ قال: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق، قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ قال: تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك  [رواه مسلم: 84].

وأتاه رجل فقال: يا رسول الله كيف أقول حين أسأل ربي؟ قال:  قل: اللهم اغفر لي، وارحمني، وعافني، وارزقني  ويجمع أصابعه إلا الإبهام، فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك [رواه مسلم: 2697].

وعن عائشة: أنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أدعو؟ [رواه ابن ماجه: 3850، وأحمد: 25384، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

كلها أسئلة تدل على أن القوم يريدون العمل، أن يتعلموا ليعملوا.

وعن أبي برزة قال: قلت: يا نبي الله علمني شيئا أنتفع به؟ قال: اعزل الأذى عن طريق المسلمين  [رواه مسلم: 2618].

وجاء أعرابي إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله علمني عمل يدخلني الجنة؟ فقال:  لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة  أتيت بمسألة عريضة وواسعة في هذا السؤال القصير  أعتق النسمة، وفك الرقبة  [رواه أحمد: 18647، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

وعن أبي جري الهجيمي قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله إنا قوم من أهل البادية فعلمنا شيئا ينفعنا الله -تبارك وتعالى- به؟ قال: لا تحقرن من المعروف شيئاً  [رواه أحمد: 20633 وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].

وهكذا أراد رضي الله تعالى عنه أن يتخلص من صفات غير مرضية موجودة في شخصيته نتيجة كونه عاش في البادية، ويدل على ذلك رواية أخرى أنه قال: يا رسول الله إني من أهل البادية وفي جفاؤهم؟ معناه الواحد كان يعلم ماذا يوجد في شخصيته من السلبيات والنقص والأمور غير المرضية، قال: يا رسول الله إني من أهل البادية وفي جفاؤهم فأوصني؟ أوصاه وقال له:  ولا تسبن أحداً  فما سببت بعده أحداً ولا شاة ولا بعيراً [رواه أحمد: 20635، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"].

ونحن نتلمس الصدق في السؤال من هذا الرجل كبير السن الذي روى قصته ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه جاء إلى النبي ﷺ يقول: يا نبي الله إني شيخ كبير عليل يشق علي القيام، أي في رمضان، فأمرني بليلة لعل الله يوفقني فيها لليلة القدر؟ قال: عليك بالسابعة [رواه الإمام أحمد: 2149، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط البخاري"].

وعن عبد الله بن عمرو قال: أتيت رسول الله ﷺ فقلت يا رسول الله مرني بصيام؟ قال: صم يوماً ولك أجر تسعة  قلت: يا رسول الله إني أجد قوة فزدني؟ قال: صم يومين ولك أجر ثمانية  الحديث، حتى قال: فما زال يحط لي حتى قال: إن أفضل الصوم صوم أخي داود أو نبي الله داود صم يوماً وأفطر يوماً فقال عبد الله لما ضعف: ليتني كنت قنعت بما أمرني به النبي ﷺ [رواه أحمد: 6877، وقال محققو المسند: "رجاله ثقات رجال الشيخين"].

معنى ذلك أنه استمر على العمل وكره أن يغير شيئاً فارق عليه الرسول ﷺ، وإذا لم يستطع أن يصوم يوماً ويفطر يوماً في آخر عمره تعب استراح ثلاثة أيام ثم صام ثلاثة أيام متوالية؛ لأنه كره أن يغير شيئاً فارق عليه رسول الله ﷺ.

هذه المجموعة من القصص والأحاديث تدل بجلاء على أن القوم كانوا يريدون العمل.

وهذه من أهم الصفات التي يجب أن نتمتع بها وأن نحرص عليها: التلقي للتنفيذ والعمل بالعلم.

وأن الإنسان إذا سأل ليس سؤاله مجادلة ولا مماراة ولا لإظهار النفس، وإنما ليعمل.

أسئلتهم تدل على أنهم كانوا يريدون العمل.

الحرص على التقوى والصبر

00:09:26

ثانيا: ينبغي أن نلزم أهل التقوى والصبر وهم أهل الإمامة في الدين، ولأنه من يتق ويصبر فإنه ممن يقتدى به وهؤلاء هم أهل التثبيت، الذين يقتدى بهم، فيثبت من حولهم.

وكانت صحبة الصحابة للنبي ﷺ وصحبة التابعين للصحابة، وصحبة تلاميذ العلماء للعلماء، وصحبة كل متعلم للخير للداعية الذي يعلمه، كان هذا من أهم عوامل الإنتاج الذي تحدثنا عنه.

والسبب في ذلك: أن العوامل التي تضعف كثيرة، وهناك في هذه الحياة أمور متعددة من المهلكات والأشياء التي تسبب الزيغ، وإذا لم يكن الإنسان مصاحباً لأهل الثبات زلت قدمه، له أصحابه يدعونه إلى الهدى ائتنا هؤلاء في غاية الأهمية.

ولنضرب مثلاً مما حصل في تاريخ المسلمين بعد وفاة النبي ﷺ: ارتد أكثر العرب ولم يبق إلا أهل المدينة ومكة والطائف، ارتد أكثر العرب، كان هناك في بعض المناطق أناس ثبتوا بسبب وجود أفراد، وأحياناً شخص واحد كان معهم فثبتوا بثباته.

وهذا مما يدل على أهمية الالتفات حول أصحاب الإيمان القوي، أهل القدوة، فلما ارتدت العرب كان بنو عبد القيس ممن أسلم مما عصمه الله به رجل يقال له: الجارود بن المعلى، وكان ممن هاجر إلى رسول الله ﷺ، فلما مات عليه الصلاة والسلام وارتدت العرب جمعهم، لاحظ هذا الجارود لما صارت الأزمة جمعهم، وفي الأزمات تظهر الشخصيات ويظهر الرجال على حقائقهم، لا يظهر الكثيرون في أوقات السلم وأوقات الدعة والهدوء، لكن عندما تحدث الملمات والمصائب، وتكون الأحداث العظيمة تظهر الشخصيات، ماذا فعل الجارود بن المعلى؟ جمعهم، فقال: يا معشر عبد القيس إني سائلكم عن أمر فأخبروني إن علمتموه ولا تجيبوني إن لم تعلموه، فقالوا: سل، قال: أتعلمون أنه كان لله أنبياء قبل محمد؟ قالوا: نعم، قال: تعلمونه أم ترونه؟ رأيتم الأنبياء أو بالعلم؟ قالوا: نعلمه، قال: فما فعلوا؟ قالوا: ماتوا، الأنبياء من قبل ماتوا، قال: فإن محمداً ﷺ مات كما ماتوا، وإني أشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فقالوا: ونحن أيضاً نشهد ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنت أفضلنا وسيدنا، وثبتوا على إسلامهم. هذه النتيجة، وتركوا بقية الناس فيما هم فيه، وبعث الصديق العلاء بن الحضرمي فلما دنا من البحرين جاء إليه ثمامة بن أثال في محفل كبير، وجاء كل أمراء تلك النواحي فانضاف إلى جيش علاء بن الحضرمي فأكرمهم العلاء، ورحب بهم، وأحسن إليهم، فحصل تجميع للقوى الإسلامية ببعثة العلاء بن الحضرمي إلى هؤلاء؛ لأنهم قوم بنو عبد القيس ثبتوا، وارتد من حولهم، فتركوا هؤلاء، وبقوا على دينهم ينتظرون الأوامر من الخليفة، فلما أرسل الخليفة العلاء بن الحضرمي قائداً لهم وأميراً بدأ هؤلاء الثابتون يفيئون إليه، فجاء بنو عبد القيس، وجاء ثمامة بن أثال ومن معه، وهكذا.. ثم صار بعد ذلك جيش فتح عظيم.

الحرص على أن يكون المسلم مفتاحاً للخير

00:15:16

ثالثاً: ممن نفتقده ويكون ضعيفاً فينا في كثير من الأحيان: أن نكون مفاتيح للخير: إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه [رواه ابن ماجه: 237، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1332].

المفتاح آلة فتح الباب، وجمعها مفاتيح ومفاتح، والمغلاق ما يغلق به، وجمعه مغاليق ومغالق.

إذا قدر الله -تعالى- أن يكون بعض الناس مفاتيح للخير أجرى الله على أيديهم فتح أبواب الخير.

ولما قال: ((مفاتيح)) يعني أن هناك أبواب، تعدد المفاتيح يستلزم تعدد الأبواب، والخير شيء واحد له أبواب كثيرة؛ كالعلم، والدعوة، وأعمال البر، والجهاد، وغير ذلك من الأبواب.

فيه ناس، الله يختصهم ويختارهم فيجعلهم مفاتيح للخير، هنيئاً لهم، لماذا؟

يضع الله في أيديهم مفاتيح الخير فيفتحونها للناس.

ولما قال: ((جعل الله)) "جعل" فعل متعد يأخذ مفعول به.

((جعل الله مفاتيح الخير على يديه)) عدي الفعل بحرف جر: ((على)) ((على يديه)) وتعدية الجعل ب ((على)) لتضمنه معنى الوضع، يعني أن الله وضع مفاتيح الخير في أيديهم، فهم يفتحون الأبواب للناس.

فليس كل الناس أصحاب مبادرات، من الناس من ينتظر الذي يدله ويرشده إلى أي مكان يتجه، وماذا يفعل.

هناك أناس ينتظرون، الناس طبائع وأنواع، فهناك أناس قادة في الخير يفتحون أبواب الخير للآخرين، ويدلونهم، ويرفعون اللواء فيتجه إليهم الناس، ويقولون: اذهبوا هنا، افعلوا كذا، ونحو ذلك.

 فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه فوضعها في أيديهم، فجعلهم سبب الخير والأجر للآخرين؛ لأنهم يوجهون الناس: افعلوا كذا، يدلون على الخير؛ لأنهم يستثمرون الطاقات في منفعة الإسلام والمسلمين، ولذلك فإنهم ينالون مثل أجر العاملين.

ولذلك قال: ((فطوبى))، وهذه كلمة مدح.

((طوبى)) من الطيب.

والويل الهلاك للفريق الآخر.

وذلك لماذا مدحهم؟

وذلك لأن الأولى يشارك العاملين بالخير في الأجر، فكل شيء يعمله هؤلاء الذين يرشدون ويعلمون ويوجهون، فللموجه والمرشد والدال على الخير مثل أجورهم.

فنحن نحتاج أن يكون فينا عدد كبير من مفاتيح الخير، بل لابد كل واحد فينا أن يحرص أن يكون هو مفتاحاً للخير، يدل الناس على الخير.

ولما كان -كما جاء في شرح هذا الحديث- كما ذكر العلماء في الشرح: أن الخير له أبواب متعددة فإن هؤلاء القادة في الخير الذين يقودون غيرهم، وهؤلاء المرشدون الذين يرشدون غيرهم، وهؤلاء الموجهون الذين يوجهون غيرهم، وهؤلاء الدالون الذين يدلون غيرهم، هؤلاء إتقانهم في الأمور يتنوع وتخصصاتهم في الخير تتنوع، فمثل الخير كالجامعة فيها كليات وتخصصات، ولذلك قال الإمام مالك كلمة مهمة كما روى ذلك الذهبي في "سير أعلام النبلاء": أن عبد الله العمري العابد كتب إلى مالك يحضه على الانفراد والعمل، يقول: يا مالك أنت تجلس وتعلم الناس وتختلط بالناس، لكن أينك من الاعتزال والعبادة؟ تفرغ للعبادة، فكتب إليه مالك: إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم"، لاحظ الكلام هذا كلام مهم جداً، كلام واقعي تطبيقي عملي، وله أهمية لما سنذكره بعد قليل "فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد"، وهكذا.. يقول مالك: "فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه" [سير أعلام النبلاء: 8/114].

يقول: أنا أشعر أن الله سخرني للتعليم، أبدع في هذا المجال، "وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه"، ما أظن الخير الذي أنا عليه أقل من الخير الذي أنت عليه، لا أظن، "وأرجو أن يكون كلانا على خير وبر".

المفهوم هذا الذي ذكره الإمام مالك مهم جداً اليوم لماذا؟

لأنه -يا إخوان- الأبواب التي يحتاجها المسلمون كثيرة ومتعددة ومتنوعة، ولا أظن مر على البشرية وقت كان فيه مجالات وتخصصات مثل هذا الوقت، وبالتالي فإن بعض الإخوان وبعض الدعاة وبعض الخيرين والأفاضل يمكن يفتح له مثلاً في باب معين، الأعمال الإغاثية يبدع فيه، واحد يبدع في التعليم، واحد يبدع في الأمور المتعلقة بالعبادات، فهو يحب الصيام وقيام الليل ويكثر منه أكثر وقته فيه، ولذته فيه، وأكثر ما يصرف من وقته فيه.

وآخر فتح له في الدعوة، إذا تعرف على واحد بسرعة نقله إلى المسجد، وصار من المصلين، تعرف على واحد بسرعة انتشله من عالم الرذيلة إلى عالم الفضيلة بإذن ربه، تعرف على واحد بسرعة سلك به في طريق الأخيار، وجعله من ضمن رفقة طيبة.

الناس طاقات، مواهب.

والتخصص هذا مهم الآن، المسلمون يحتاجون إلى أشياء كثيرة، إذا قلت في عالم الكمبيوتر يحتاجون إلى طاقات كثيرة، في عالم الترجمة يحتاجون إلى طاقات كثيرة، في إعداد القوى العسكرية لمواجهة الكفار يحتاجون إلى طاقات كبيرة، في عالم التأليف يحتاجون إلى طاقات كثيرة، في حلقات العلم والإشراف عليها يحتاجون إلى طاقات كثيرة.

نفس العلم أيضاً أنواع، في واحد يبدع في القراءات والتجويد، وواحد يبدع في الفقه، وواحد يبدع في الحديث وواحد يبدع في التفسير، وهكذا..

هناك أشخاص قد يبدعون في تربية طلاب المدرسة الابتدائية الصغار، وهناك أشخاص لا يطيقون التعامل مع الصغار، ولا يعرفون أن يتعاملوا إلا مع الكبار في الجامعة فيتوجهون للدعوة مع الكبار.

هناك أشخاص يجيدون جمع التبرعات وليسوا بلصوص ولا جهلة يصرفون الأموال في غير ما جمعت له، ويقول للتجار: طبق خيري لصالح الأيتام والأرامل، أخذ البضائع، باعوها، جاء واحد قال: عندنا مسجد؟ قال: خذ نصف المال لك، من الجهل، خلافاً لنية المتبرع.

هناك أشخاص جعلهم الله ذوي أصوات حسنة فيؤمون بالصلاة.

هناك أشخاص عندهم جرأة في الإلقاء فيخطبون بالناس.

وهكذا حتى في أبواب العلوم الدنيوية التي يحتاجها المسلمون في الطب والهندسة أنواع، وفي علوم الصناعات، وهذه كثيرة جداً، ولذلك من رأى أنه وجه في شيء معين ولاحظ أن هذا يقربه إلى الله فليستزد منه، وليكمل طريقه فيه.

وذكر ابن تيمية -رحمه الله- كلاماً في أفضل الأعمال، وكذلك ابن القيم أن ما يقربك إلى الله أكثر من أعمال الخير أكثر منه، قد يكون الذي يقربك إلى الله أكثر الصيام والصلاة، أي النوافل انشغل فيها، قد يكون الذي يقربك إلى الله أكثر التعليم، تحس أن التعليم هذا باب فتح لك فيه، وأنك كلما علمت أكثر كلما ازددت قرباً إلى الله، عندك إتقان وأساليب تعليمية، وناس عندهم إتقان أساليب دعوية، وناس عندهم إتقان أساليب تربوية، تجيب له ناس متدنين جاهزين، تقول له: خذ علمهم وربيهم، لو تقول له: انطلق إلى العصاة ادعهم يقول: لا أحسن هذا، أنا إذا دخلت مع العصاة أضيع ولا أقاوم.

وآخر فتح له في الدعوة، لو جلس مع العصاة التموا عليه واجتمعوا له، جاذبية، الله -عز وجل- رزقه الجاذبية.

فإذاً، كونوا مفاتيح للخير على التخصصات هذه كما تدل على جمع كلمة: "مفتاح مفاتيح" لأن الخير أبواب -كما قلنا- والمسلمون يحتاجون إلى تخصصات، هذه مسألة مهمة جداً.

كم نحتاج اليوم إلى طاقات إعلامية إسلامية، في الإعلام، كتابة المقالات، التحقيقات الصحفية، البرامج الإذاعية، الأشياء التلفزيونية الإسلامية، الأفلام التي توجه لطبقات المجتمع من الصغار وغيرهم مما خلق الله في الكون أو في آيات الله، ونحو ذلك، أشياء كثيرة جداً.

عرض قضايا المسلمين هذا جانب مهم.

التصدي للمنافقين الذين يكتبون اليوم في تحرير المرأة، ويكتبون في الطعن في الشريعة، والطعن في أحكام شرعية، كتعدد الزوجات والربا والاختلاط، وإلخ..، يطعنون في الأحكام الشرعية، من يتصدى لهم؟

فهناك ناس قلمهم سيال، أسلوبهم الأدبي رائع، طريقتهم في تسلسل الأفكار في الكلام ممتازة.

إذاً، ممكن يكون هذا الباب الذي فتح له فيه.

في واحد عمله في التجارة، باذل يتصدق ما هو يكنز المال، يعمل في التجارة ليعطي، يده في الخير تسيل، والخير يجري على يديه في الصدقات، إن قلت: طباعة كتب، بناء مساجد، حتى هذه أقراص الكمبيوتر هذه الليزرية يمكن يأتي وقت توزعها كما نوزع المطويات والأشرطة الآن.

يمكن يأتي وقت يعم أجهزة الكمبيوتر في البيوت، فبدل ما توزع مطوية فيها أربع وجوه توزع سي دي قرص ليزر، يمكن يحتوي على آلاف الورقات، وعلى أكثر من مائة ساعة مسموعة، بدل ما توزع مائة شريط توزع سي دي واحد تكلفته ريالان ونصف، قيمة شريط، توزعه في مائة محاضرة، وهذا حقيقي.

من الناس من فتح له في أبواب الدعوة الإلكترونية.

من الناس من رزق قوة في مناظرة الكفار من النصارى وغيرهم، فيجادلهم ويحاجهم ويفحمهم.

إذاً، هذه القضية مهمة جداً أن تكون موجودة الآن.

توجيه الطاقات في أعمال الخير المختلفة

00:31:08

ويتبع هذه النقطة نقطة رابعة وهي: توجيه الطاقات في أعمال الخير المختلفة، وهذه التوجيه ليس كل واحد يحسنه، وحتى يكتشف الإنسان ما ينفع فيه ويتقنه قد يحتاج إلى وقت وأن يستمر فترة يختبر نفسه في ميادين مختلفة.

لاحظ معي يختبر نفسه في ميادين مختلفة، لقد أجاد النبي ﷺ توجيه أصحابه: عن عائشة -رضي الله عنها - أن رسول الله ﷺ قال: ((اهجوا قريشاً)) الآن هناك مهمة إسلامية كبيرة وهي: هجاء قريش لا بد من تنفيذ المهمة، النبي ﷺ يطلب الآن مهمة إعلامية ما هي؟

هجوم إعلامي على قريش، تكثيف الهجمات الإعلامية، حملات إعلامية على قريش، فقال: ((اهجوا قريشاً)) ترى هذا مما يؤكد على أهمية الاهتمام بالإعلام الإسلامي، هذا الحديث:  اهجوا قريشاً، فإنه أشد عليها من رشق بالنبل  [رواه مسلم: 2490]  مطلوب شن حملة إعلامية على كفار قريش.

هذه مهمة، من الذي يتصدى لها؟

الذي يجيد شن الحملات الإعلامية بالشعر على كفار قريش؛ لأنه كان تأثير القصائد الشعرية مثل تأثير القنوات الفضائية، بدل ما تسلط هذه الموجات تسلط هذه الأبيات، بالنسبة للعرب في ذلك الوقت أثر القصائد، الأبيات الشرعية، أثر عظيم جداً، ممكن يصعد بناس من تحت إلى فوق وينزل ناس من فوق إلى تحت، تأثير إعلامي هو هكذا، فمن الذي سيدخل في العملية؟

المتخصصين، ما نادى أبو بكر وعمر.

لاحظ معي: القضية توجيه الطاقات هذه مسألة مهمة، هذه استراتيجية عظيمة يحتاجها المسلمون اليوم، لم يأت بأبي بن كعب وهو أعلم الناس بالقراءة، ولم يأت بمعاذ بن جبل أعلم الناس بالحلال والحرام، ولم يأت بعمر بن الخطاب وهو الشديد في أمر الله، ولم يأت بعثمان أشد الناس حياء، ولا بأبي عبيدة أكثر الأمة أمانة، إلخ..

المجال ما هو الآن؟ هذا مجال إعلامي، ما هو الأداة الإعلامية في ذلك الوقت؟

الشعر.

إذا أردت أن تشن حملة إعلامية: الشعر.

أرسل إلى من؟ إلى ابن رواحة، عبد الله بن رواحة، عبد الله بن رواحة أقل فضلاً من  أبي بكر ومن عمر ومن أبي ومن معاذ، لكن عبد الله بن رواحة متخصص في الشعر، رجل شاعر يقول الشعر، فهجاهم فلم يرض، يعني ما كفى، ما فعل عبد الله بن رواحة، لا زال يحتاج إلى زيادة فأرسل إلى كعب بن مالك، كعب بن مالك شاعر مجيد أيضاً، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه، هذا السلاح الذي سيشن به المعركة الإعلامية، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: "والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم" استعداد كامل لتنفيذ المهمة، أدلع لسانه، أخرج لسانه وحركه، جعل يحرك اللسان هذا، مستعداً للنزال مثل ما يخرج المقاتل سيفه مستعداً للمبارزة، فجعل يحركه، فقال: "والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم" وهو الذي قال عنه ﷺ: إنه أشد عليها من رشق بالنبل، الرشق بالنبل يحدث جراحات وقتل، لكن الجانب الإعلامي مهم جداً، وأهم من رشق النبل، ولذلك أمر عليه الصلاة والسلام بالبدء في شن الحملات الإعلامية على قريش انتصاراً للدين، وتحطيماً للأعداء، رفعاً لشأن المسلمين والإسلام، وإهانة لأمر الكفر والكفار.

الآن حسان محتمس يريد أن يعمل هل هذا كل شيء؟

لا، فقال رسول الله ﷺ:  لا تعجل، فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً [رواه مسلم: 2490] أنت إذا هجوتهم أنا واحد منهم، فلا بد من الدقة في تنفيذ المهمة، نحتاج إلى خبير آخر.

لاحظ، كيف النبيﷺ كان يجمع الخبراء ويوجه الطاقات، ويدعو بالتنفيذ المهمة واحد وراء واحد، ما  كفى ابن رواحة، ما كفى كعب بن مالك، حسان بن ثابت حتى يأتي بالمهمة لا بد من دخول خبير آخر في الموضوع لكن المرة هذه ليس خبيراً بالشعر لكن خبيراً بالأنساب، حتى إذا تكلم حسان بالشعر يتجنب أن يقع في شيء يؤذي النبي ﷺ، يحتاج إلى خبير أنساب، هات خبير أنساب، من هو؟

أبو بكر الصديق  فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها [رواه مسلم: 2490] قائد النبي ﷺ قائد يعرف جنوده جيداً، ويعرف ماذا يتقن كل واحد فيهم، وهذه المسألة مهمة جداً في النكاح، يا ليت قومي يعلمون أن معرفة طاقات  الأشخاص مهمة في توجيههم، فهذا ماذا يجيد، وهذا ماذا يجيد.

حاجة المسلمين إلى متخصصين وخبراء في جوانب مختلفة

00:38:09

ثم مهم -يا إخوان- أن يوجد في المسلمين خبراء، لازم يوجد في المسلمين خبراء حتى إذا جاءت مهمة نقول: نحتاج إلى واحد يرد على هؤلاء المفتونين بعلم الجينات ، وعلم الوراثة، والذين يقولون اليوم أنهم سيخلقون أشخاصاً بمواصفات كما يشتهون، يريدون أن يخلقوا أشخاصاً بمواصفات كما يشتهون، والبشرية الآن تجبرت، تغطرست الآن، نشروا الخريطة الجينية، وظنوا أنهم الآن قادرون أن يعملوا المخلوق الذي يريدونه، يريدون أقوى رجل في العالم، يريدون أن يعملوا مثله على الهندسة الوراثية، وأذكى واحد في الذكاء وأقوى واحد في العضلات بالقوة العضلية، وما في أمراض وراثية، ولا في علل كذا، هم يتبجحون الآن يقولون سيفعلون ذلك، وذكر وإلا أنثى على كيفك، يزعمون، ويمكن يطلع في الأخير مخلوق نصفه قرد! ونصفه كلب!

الرد على هؤلاء يحتاج إلى من؟

أليس يحتاج إلى من علماء في الهندسة الوراثية لكشف تغطرس هؤلاء بالعلم الذي وصلوا إليه، وقالوا: نحن نخلق على كيفنا، ورحنا في أشياء مصادمة لتوحيد الربوبية.

بل الذي يتمعن الآن في بوكيمون هذا الذي ما بقي الآن شيء في السوق إلا وهو مطبوع عليه، الشعار هذا والرسمة، تأثر الغربيون والشرقيون والكفرة في تصميم هذه الأشياء بالغطرسة الناشئة عن تقدم علمي، فقالوا: إنه اجتمع مجموعة خلقوا هذا المخلوق، وفيه صفات قوة كبيرة، ثم حذروه من التمرد عليهم فتمرد عليهم، فقتلهم، ثم ارتفع فبنى بيتاً فوق، صار منه يدير أحوال الأرض والعالم السفلي، يعني هي الفكرة العرش والعالم كفر، وأن هذا له القوة العظيمة، وإلخ..؛ لأنهم اجتمعوا، نفس فكرة الهندسة الوراثية، وعلم الجينات.

المهم في العملية أننا نحتاج إلى متخصصين وخبراء في جوانب مختلفة، إما لعمل شيء ينفع المسلمين، أو للرد على الكفار، النبي ﷺ يأتي بحسان بن ثابت خبير في الشعر، وأبي بكر الصديق خبير في الأنساب، لا بد من عمل لقاء بين خبير الشعر وخبير الأنساب، قال: ((لا تعجل فأن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسباً، حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع، فقال: يا رسول الله قد لخص لي نسبك؟ هذا الاجتماع الثنائي حصل، ونفذت المهمة، وأبو بكر علم حسان بن ثابت المطلوب، لخص لي نسبك، الآن القدرة الشعرية ستتجلى في هجاء قريش من غير أن يضر ذلك النبي ﷺ قال: "والذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين"، قالت عائشة: فسمعت رسول الله ﷺ يقول لحسان:  إن روح القدس لا يزال يؤيدك  يعني هذا ملك كريم جبريل مع حسان، الملائكة تؤيد المؤمنين كما أيدتهم في القتال، وقاتلت مع المؤمنين، وتثبت الذين آمنوا هذه من وظائف الملائكة، الملائكة جبريل مع حسان، قال: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن الله ورسوله  وقالت عائشة: سمعت رسول الله ﷺ يقول: "هجاهم حسان فشفى واشتفى" [رواه مسلم: 2490].

نفذ المهمة وشن الحملة الإعلامية، وأنكى في الكفار، وأغاظهم وأوهنهم بهذه الأبيات.

ومما قاله حسان:

هجوت محمداً فأجبت عنه .............................

يا أيها الكافر، هذا الآن رد، وهو لا يصلح للمسلمين أن يتلقوا حملات بدون رد، وهجوم من غير صد، لا بد أن يكون هناك رد؛ لأن الرد علامة القوة والحيوية في هذه الأمة، ولذلك لما يكتب هؤلاء المجرمون والمنافقون مقالات لا بد من علامات صحة الأمة أن يكون هناك من يرد، لا بد من الرد، ما نسكت، فيقول حسان:

هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

 أنا لا أنتظر مثل الشعراء الآن مالاً في الدنيا، أجرنا على الله.

هجوت محمداً براً حنيفاً رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

وكان قد قال:

ثكلت بنيتي إن لم تروها تثير النقع من كنف كداء
يبارينا الأعنة مصعدات على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتم عنا اعتمرنا وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبداً يقول الحق ليس به خفاء
وقال الله قد يسرت جنداً هم الأنصار عرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا وروح القدس ليس له كفاء

[رواه مسلم: 2490]

تفاوت الناس في الأعمال المقربة إلى الله

00:45:24

وكنا نتحدث عن التفاوت الذي يكون بين الناس في الأعمال وتوجيه الطاقات بناءً على هذا التفاوت لخدمة الدين، وقلنا: إن الواحد إذا وجد في نفسه ميل، شغف، انطلاقة في مجال خير معين يواصل في هذا إن كان يقربه إلى الله، وما يعمله حق، قال ابن القيم -رحمه الله-: من الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة، أي النوافل وإلا الفرائض على الجميع، فمتى قصر في ورده منها أو مضى عليه وقت وهو غير مشغول به أو مستعد له أظلم عليه وقته، وضاق صدره، ومن الناس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي؛ كقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، وإغاثة اللهفات، وأنواع الصدقات، قد فتح له في هذا، وسلك منه طريقاً إلى ربه، ومن الناس من يكون طريقه الصوم فهو متى أفطر تغير قلبه، وساءت حاله، ما صام اثنين وخميس ولا اختل شيء من أيام البيض نقص إيمانه، وساءت حاله، ومن الناس من يكون طريقه تلاوة القرآن، وهي الغالب على أوقاته، وهي أعظم ورده، ومنهم من يكون طريقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قد فتح له فيه ونفذ منه إلى ربه، ومنهم من يكون طريقه الذي نفذ فيه الحج والاعتمار، دائماً حاج ومعتمر، ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر، يعني هذا الرجل أكثر عباداته تدبر تفكر، أشياء قلبية، فهو يتأمل، ويذكر ربه، ويتدبر في عيوب نفسه، وهكذا..

وحفظ الأوقات أن تذهب ضائعة.

ومنهم السالك إلى الله في كل واد الواصل إليه من كل طريق، فهو جعل وظائف عبوديته قبلة قلبه، ونصب عينيه، يؤمها أين كانت، ويسير معها حيث سارت، قد ضرب مع كل فريق بسهم، وأهل العلم له سهم، وأهل العبادة له سهم، والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر له سهم، وهكذا..

فأين كانت العبودية وجدته هناك، إن كان علم وجدته مع أهله، أو جهاد وجدته في صف المجاهدين، أو صلاة وجدته في القانتين، أو ذكر وجدته في الذاكرين، أو إحسان وجدته في زمرة المحسنين، أو محبة ومراقبة وإنابة إلى الله وجدته في زمرة المحبين المنيبين، يدين بدين العبودية أنى استقلت ركائبها، ويتوجه إليها حيث استقرت مضاربها.

لو قيل: ما تريد من الأعمال لقال: أريد أن أنفذ أوامر ربي حيث كانت، وأين كانت، جالبة ما جلبت، مقتضية ما اقتضت، جمعتني أو فرقتني، ليس لي مراد إلا تنفيذها، والقيام بأدائها، مراقباً له فيها، عاكفاً عليه بالروح والقلب والبدن والسر، قد سلمت إليه المبيع، يعني إلى الله، قد سلمت إليه المبيع، السلع، منتظراً منه تسليم الثمن: إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، فهذا هو العبد السالك إلى ربه، النافذ إليه حقيقة، ويتصل به قلبه، ويتعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه [ينظر: طريق الهجرتين، لابن القيم، ص: 179].

وفي موضع آخر يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في "الفتاوى الكبرى" في الصحابة في قضية التنوع عنهم: كَمَا ثَبَتَ عَنْهُمْ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُرَجِّعُ فِي الْأَذَانِ؛ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُرَجِّعْ فِيهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُوتِرُ الْإِقَامَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يَشْفَعُهَا، وَكِلَاهُمَا ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّﷺ، فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهَا أَرْجَحَ مِنْ الْآخَرِ، فَمَنْ فَعَلَ الْمَرْجُوحَ فَقَدْ فَعَلَ جَائِزًا، وَقَدْ يَكُونُ فِعْلُ الْمَرْجُوحِ أَرْجَحَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ، كَمَا يَكُونُ تَرْكُ الرَّاجِحِ أَرْجَحَ أَحْيَانًا لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَهَذَا وَاقِعٌ فِي عَامَّةِ الْأَعْمَالِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ فِي جِنْسِهِ أَفْضَلُ، قَدْ يَكُونُ فِي مَوَاطِنَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ مِنْهُ" ثم بدأ يضرب أمثلة "كَمَا أَنَّ جِنْسَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الْقِرَاءَةِ، وَجِنْسُ الْقِرَاءَةِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الذِّكْرِ، وَجِنْسُ الذِّكْرِ أَفْضَلُ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ، ثُمَّ الصَّلَاةُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَالْعَصْرِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا" [الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: 2/357].

لو واحد قال: هل الصلاة أفضل أم الذكر؟

نقول: الصلاة.

بعد العصر وبعد الفجر لو واحد قال: أريد أن أصلي لأن الصلاة أفضل ماذا نقول له؟

نقول: الصلاة أفضل بالعموم لكن في الموضع هذا بالذات الصلاة ليست أفضل، لاعتبار معين؛ لأن الشارع نهى عن الصلاة في هذين الوقتين.

"وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ، وَكَذَلِكَ الْقِرَاءَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَالذِّكْرُ هُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهَا"

فلو قال قائل: أيهما أفضل القرآن أو الأذكار؟ ما الأفضل أقرأ: {قل هو الله أحد} أو أقول: "اللهم اغفر لي واهدني وعافني وارزقني"؟

بالجملة: {قل هو الله أحد} أفضل؛ لأنه كلام الله، وهذا دعاء، لكن في السجود والركوع قراءة القرآن ليست أفضل، هذا موضع انحناء وذل وخضوع لا يناسبه أن يقرأ فيه كلام الله؛ لأنه موضع انحناء وذل وخضوع، وكلام الله عزيز، فلا ينبغي أن يقرأ القرآن في الركوع والسجود، الدعاء هنا أفضل بالذات في المكان هذا، وهكذا..

"وَقَدْ يَكُونُ الْعَمَلُ الْمَفْضُولُ أَفْضَلَ بِحَسَبِ حَالِ الشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ؛ لِكَوْنِهِ عَاجِزًا عَنْ الْأَفْضَلِ".

هذا سبب، قد نقول: لهذا الإنسان الجهاد أفضل من جمع التبرعات، لكن هذا فلان الفلاني عنده عاهة جسدية تمنعه من الجهاد، فالجهاد ليس في حقه أفضل؛ لأن هذا لو راح دخل في المعركة يقتل ويؤسر من أول هجوم للعدو؛ لأنه إنسان غير قادر..

إذاً، قد يكون  العمل المفضول أفضل بحسب حال الشخص المعين لكونه عاجزاً عن الأفضل، أو سبب آخر غير العجز يجعل العمل المفضول أفضل بالنسبة لفلان الفلاني، قال: "أَوْ لِكَوْنِ مَحَبَّتِهِ وَرَغْبَتِهِ وَاهْتِمَامِهِ وَانْتِفَاعِهِ بِالْمَفْضُولِ أَكْثَرَ، فَيَكُونُ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ لِمَا يُقْتَرَنُ بِهِ مِنْ مَزِيدِ عَمَلِهِ وَحُبِّهِ وَإِرَادَتِهِ وَانْتِفَاعِهِ، كَمَا أَنَّ الْمَرِيضَ يَنْتَفِعُ بِالدَّوَاءِ الَّذِي يَشْتَهِيهِ مَا لَا يَنْتَفِعُ بِمَا لَا يَشْتَهِيهِ، وَإِنْ كَانَ جِنْسُ ذَلِكَ أَفْضَلَ".

أيهما أفضل اللحم أو الحلبة؟

اللحم.

الحلبة رائحتها كريهة، لكن في بعض الأحيان بالنسبة للمريض الحلبة أفضل له من اللحم وأنفس وأجود لماذا؟

لأنه ينتفع بها أكثر.

"وَمِنْ هَذَا الْبَابِ صَارَ الذِّكْرُ لِبَعْضِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ خَيْرًا مِنْ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ لِبَعْضِهِمْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ خَيْرًا مِنْ الصَّلَاةِ، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ" لماذا؟ "لِكَمَالِ انْتِفَاعِهِ بِهِ، لَا لِأَنَّهُ فِي جِنْسِهِ أَفْضَلُ.

وَهَذَا الْبَابُ بَابُ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْأَعْمَالِ عَلَى بَعْضٍ إنْ لَمْ يُعْرَفْ فِيهِ التَّفْضِيلُ، وَأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا وَقَعَ فِيهَا اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ".

قال شيخ الإسلام: "فَنَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَهْدِيَنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا" [الفتاوى الكبرى، لابن تيمية: 2/357].

التواصي على العمل للإسلام

00:56:05

خامساً: مما نحتاج إليه للإنتاج والعمل: التواصي.

التواصي -أيها الإخوة- من الأمور المهمة التي تحث الإنسان أن يبقى حياً منتجاً عاملاً للإسلام، وهذا التواصي يحتاج إلى اشتراك أكثر من طرف لا يمكن أن الإنسان يتواصى مع نفسه لا بد أن يتواصى مع غيره، عن طريف أبي تميمة، قال: "شهدت صفوان وجندباً وأصحابه وهو يوصيهم، فقالوا: هل سمعت من رسول الله ﷺ شيئاً؟ قال سمعته يقول: من سمّع سمّع الله به يوم القيامة  قال:  ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة فقالوا: أوصنا؟ فقال:  إن أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاع ألا يأكل إلا طيباً فليفعل ومن استطاع ألا يحال بينه وبين الجنة بملء كفيه من دم أهراقه فليفعل فقلت لأبي عبد الله: من يقول سمعت رسول الله ﷺ جندب؟ قال: نعم جندب [رواه البخاري: 7152].

فإذاً مسألة التواصي، وبالذات أحياناً، كان السلف يجتمعون مجموعة، يتواصون فيما بينهم، يطلبون الوصية من واحد، فيوصيهم عنده سفر، في مجلس علم، قبل بداية المعركة، في الجهاد في سبيل الله، وهكذا..

خذ هذا مثلاً في الحديث الصحيح الذي جاء عن عبادة بن الوليد بن عبادة قال: حدثني أبي الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دخلت على عبادة، أي الصحابي عبادة بن الصامت، وهو مريض أتخايل فيه الموت، فقلت: يا أبتاه أوصني واجتهد لي؟ قال: أجلسوني، قال: يا بني إنك لن تطعم طعم الإيمان ولن تبلغ حقيقة العلم بالله -تبارك وتعالى- حتى تؤمن بالقدر خيره وشره، قلت: يا أبتاه فكيف لي أن أعلم ما خير القدر وشره؟ قال: تعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك، يا بني إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن أول ما خلق الله -تبارك وتعالى- القلم ثم قال له: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة، يا بني إن مت ولست على ذلك دخلت النار)) [رواه الإمام أحمد: 22705، وقال محققو المسند: "حديث صحيح، وهذا إسناد حسن"].

أبو هريرة طلب من النبي ﷺ فأوصاه بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة الضحى ولا ينام إلا وقد أوتر؛ لأنه إذا نام ما استيقظ قبل الفجر.

وهكذا استوصى رجل النبي ﷺ، فأوصاه بعدم الغضب، قال: ففكرت فإذا هو يجمع الشر كله [رواه أحمد: 23171، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح"].

وكذلك إننا نحتاج لكي ننتج أن نكون غير مختلفين ولا متفرقين، ولا يكن هم الواحد منا أن يبرز هو، بل المهم أن تنفذ المهمة، ولذلك فإن الإخلاص لله غاية الأعمال ورأس المال، ولا ينجو الإنسان إلا به، ولذلك فلا بد من أن يلين الإنسان لأخيه المسلم كما أخبر النبي ﷺ في صفات المؤمن هين لين طيع، إذا أنيخ على صخرة استناخ، إذا قيد انقاد، لمن؟ لإخوانه المسلمين.

وهكذا يحصل الإنتاج عندما يتم التآلف.

وقد يوجد في وسط ما شخصيات قوية ذات قدرات فائقة لكنها لا توفق، والسبب؟

أنهم تضاربت أعمالهم بعدم اتفاقهم وائتلافهم، ولذلك امتن الله على المؤمنين بأن قال لنبيه ﷺ:  وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ  [الأنفال: 63].

إذاً تأليف القلوب الذي يحدث به اجتماع على وحدة وحركة متجانسة تفي بالمطلوب، ولهذا نجح أصحاب النبي ﷺ فكانوا على قلب رجل واحد.

نعم، يحصل بينهم خلاف لكن سرعان ما يزول، لا يطول.

وكذلك يأتمرون بأمر من ولي عليهم فنجحوا.

التخلص من آثار الجاهلية وشوائبها

01:02:05

ومن الأمور المهمة أيضاً أن نتخلص من آثار الجاهلية وشوائبها؛ لأن هذه مثبطات ومعوقات دون العمل، والإنسان لا يخلو من شوائب حصلت، ترسبات في شخصيته عبر الوقت، لما كان في بيته مع أهله في الشارع في المدرسة مع رفاق في مرحلة المراهقة، قراءات قرأها، أشياء تأثر فيها، القنوات الفضائية الآن ترسب ترسبات رهيبة في جذور النفوس، التخلص من آثار الجاهلية هذا شيء صعب، الإنسان قد يكون أحياناً منزوع الغيرة بسبب هذه الأشياء، وإذا قلت له: يحدث فيك غيرة بعد أن لم تكن أو ضعيفة، وكذلك أن يستمرئ الذل في ناس من الترسبات التي صارت في شخصياتهم أنهم تعودوا على الهوان استمرءوا الذل.

فيه ناس صار عندهم عقد نفسية جعلتهم سلبيين جداً -كما قلنا- لو أخطأ الإمام ما قالوا: سبحان الله، يجلس بعد الركعة الثالثة ويتشهد في صلاة العصر ويمشي نصف المسجد، ثم واحد يقول: ترى أظنك صليت ثلاثاً، ولا واحد ما قال: سبحان الله في المسجد كله، منتهى السلبية، بعدما راح نصف المسجد، طلعوا.

منتهى السلبية موجودة بسبب تراكمات نفسية، ولذلك كثير منهم لا ينتج في الحقيقة، لا يعمل.

فإذا كانت الترسبات الجاهلية هذه قد تكون معاصٍ وانحرافات عقدية، قد تكون شركيات، بدعاً، وقد تكون عقد نفسية، قد تكون أخلاق مرذولة، شهوات منفلتة، من كثرة ما رأى وسمع وغاص في أوحال المعاصي والرذائل، ودخل أماكن فيها فحش وفجور، وشاف أفلام وصور، وسمع أغاني كلها عن الغرام والحب والعشق والتعلق، وعلى المحبوب والمحبوبة، صارت شخصياتهم فيها استعداد للانحراف سريع، ترسبات عبر السنوات، هذا يسمع الأغاني لهؤلاء المطربين والملحنين، يسمع لهم فعل السم في الجسد، كيف يتخلص منها؟

ترسبات من خلال المؤثرات ما يسمع ويقرأ ويرى، ترسبت أشياء في نفسه.

الإنتاج لا يتحقق إلا بعد التخلص من هذه الترسبات وإلا فإنها ترديه وتعديه، حيث كان ومن حيث بدأ، وإذا ما أراد أن ينطلق ليعمل قعدت به وأعاقته، عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال: رأيت عليه برداً وعلى غلامه برداً، أبو ذر وعبده نفس اللباس، نفس الشيء، فقلت له: لو أخذت هذا فلبسته كانت حلة، يعني إذا لبست قطعتين صارت لباساً كاملاً عليك، وأعطيت لعبدك هذا ثوباً آخر ، قال: كان بيني وبين رجل كلام، الآن أبو ذر يبرر له لماذا ألبس عبده قطعة، وهو لبس قطعة وعامله بالمثل سواء، قال: كان بيني وبين رجل كلام وكانت أمه أعجمية فنلت منه فذكرني إلى النبي ﷺ فقال لي:  أساببت فلاناً؟ قلت: نعم، قال:  أفنلت من أمه؟  قلت: نعم، اعتراف، قال:  إنك امرؤ فيك جاهلية قلت: على حين ساعتي هذه من كبر السن؟ قال: نعم على حال ساعتك من الكبر  كأن أبا ذر تعجب كيف خفيت عليه هذه وهو كبير في السن الآن وقع في هذا المطب والمنزلق؟ كيف خفيت عليه؟ فقال ﷺ: هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن جعل الله أخاه تحت يده فليطعمه مما يأكل ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه من العمل ما يغلبه، فإن كلفه ما يغلبه فليعنه عليه [رواه البخاري: 6050].

وفي رواية لمسلم: قال: إنه كان بيني وبين رجل من إخواني كلام وكانت أمه أعجمية فعيرته بأمه، فشكاني إلى النبي ﷺ فلقيني النبي ﷺ فقال:  يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية  قلت: يا رسول الله من سب الرجال، سبوا أباه وأمه، قال:  يا أبا ذر إنك امرؤ فيك جاهلية، هم إخوانكم جعلهم الله تحت أيديكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم  [رواه البخاري: 30، ومسلم: 1661].

وهكذا إذاً كان يقول فيك خصلة من خصال الجاهلية.

ولعل هذا قبل أن يعرف أبو ذر تحريمه، ولذلك تعجب كيف خفي عليه.

وينبغي تنقية النفس من الأخلاق الرديئة حتى لو بعد مدة من الزمن.

كذلك ينبغي أن يكون لدينا من الفطنة ما نستعمله.

ولا شك أن هذه مواهب، ولكن الإيمان يولد الفطنة والدربة والخبرة، والاستمرار في المراس يجعل عند الإنسان هذه الحاسة، وهذا الأمر مهم جداً في المواقف الحرجة، ولذلك كان حذيفة فطن جداً لما دخل بين الكفار وقال الرسول ﷺ:  ائتني بخبر القوم؟  أبو سفيان في معسكر المشركين وحذيفة دخل وسطهم في الظلام، أبو سفيان انتبه إلى خطة ممكن يقوم بها خصمه وهي أن يدس جاسوساً في الليل وسطهم، فقال أبو سفيان: لينظر كل من رجل من بجانبه، فإني أخشى أن محمدا أرسل إلينا أحداً، حذيفة ما انتظر بفطنته ما انتظر أن الذي بجانبه يسأله، ويقول: من أنت؟ هو مباشرة مسك الذي جنبه قال: من أنت؟ قال: فلان، فذاك اطمأن أن هذا ما دام أنه سأل فأكيد أنه من القوم، فطنة.

الفطنة أحياناً تكون مهمة جداً في الرد على الخصوم.

وهذا كان موضوع محاضرة مهمة جداً سبقت بعنوان: "جهاد الحجة والبيان".

ولنأخذ قصة لم تذكر في تلك المحاضرة: سأل رجل إياساً عن النبيذ، النبيذ طبعاً يسكر، فقال: هو حرام.

إياس قاضٍ مسلم ذكي، فطن، جاء الرجل هذا من مثيري الشبهات قال: النبيذ ما حكمه؟ قال: حرام، قال: فأخبرني عن الماء؟ بدأ الرجل يعدد عليه مكونات النبيذ، قال: فأخبرني عن الماء ما حكمه؟ قال: حلال، قال: فالكسور التي تستعمل في التخمير هذا، قال: حلال يعني في الأصل، قال: فالتمر أو العنب؟ قال: حلال، قال: فما باله إذا اجتمع حرم، وكل واحد فيها حلال فقط لما جمعناها صارت حراماً؟ قال إياس: أرأيت لو رميتك بهذه الحفنة من التراب أتوجعك؟ قال: لا، قال: فهذه الحفنة من التبن إذا رميتك بها توجعك؟ قال: لا، قال: فهذه الغرفة من الماء إذا رميتك بها توجعك؟ قال: لا توجعني شيئاً، قال: أفرأيت إن خلطت هذا بهذا وهذا بهذا حتى صار طيناً ثم تركته حتى استحجر تحجر ثم رميتك أيوجعك؟ قال: إي والله وتقتلني، قال: فكذلك تلك الأشياء إذا اجتمعت.

وينبغي كذلك -أيها الإخوة- أن يكون معنا دائماً وأبداً: العلم الشرعي الذي يضبط أحوالنا، ويجعلنا لا ننساق في اتجاهات أو أشياء مخالفة لما أنزل الله، فنكون من الذين ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

وهذا تجده في عدد من الأشخاص أنهم يريدون أن يعملوا وينتجوا لكن على غير هدى، فقد ينتجون إلينا أشياء فيها محظورات شرعية، قد ينتجون إلينا أشياء فيها محرمات.

وإذا استعرضت بعض الإنتاجات المرئية والمسموعة في بعض التسجيلات أو المحلات التي تسمى نفسها إسلامية ستجد أن بعض الأشياء محرمة فعلاً، لكن بسبب جهلهم أو اتباع للهوى وعدم الاستفتاء أنتجوها وهي في الحقيقة لا يجوز سماعها ولا رؤيتها، وبعضها منشورة على أنها إسلامية، فيها بنات كبيرات في السن، وبعضها فيها طبل، وبعضها فيها ألحان أغاني ولو كان بدون آلات موسيقية، لبس عليهم بسبب الجهل.

فإذا وجد الإخلاص والعلم والقدرات الموجهة حصلت نتائج باهرة.

فنسأل الله أن يجعلنا من العاملين لدينه، والناشرين لدعوته في العالمين، وأن يجعلنا ممن حسن عملهم ومن المقبولين عنده سبحانه وتعالى.