السبت 13 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 14 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

حتى يزداد الاقتناع بالإسلام


عناصر المادة
ثمرات معرفة العلة من الأمر الشرعي
عدم معرفة الحكمة لا يعني عدم التسليم
زيادة الإيمان بالله من خلال التفكر في أحكامه
ابتلاء الله العباد للتمحيص والتمييز
الرحمة والحكمة في قضاء الله وحكمه
الحدود الشرعية صمام أمان للمجتمع من الانحطاط
حكم الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
حِكم الله في القضاء والقدر

الحمد لله الذ خلق كل شيء وقدّره فأحسن تقديره، وكلّفنا بالإيمان بخيره وشره بخير هذا القضاء والقدر وشره، وجعل ذلك حُجة على العالمين، وأرسل إليهم رسوله محمداً ﷺ بشيراً ونذيراً.

ثمرات معرفة العلة من الأمر الشرعي

00:00:40

وإن معرفة الحكمة من الأمر الشرعي والنهي الشرعي، أو القدر الإلهي، مما يزيد الإيمان وتطمئن به القلوب، لا سيما في زمن كثر فيه الشك والارتياب، وتعالت فيه أصوات النفاق تشكك المسلمين في دينهم وعقيدتهم، فكان تلمس الحكمة الإلهية من وراء الأوامر والنواهي، وهذه الأقدار إنها تجلّي الغشاوات عن الأبصار.

وكذلك فإنها تزيد إيمان المؤمن، ولكنها لا تفيد من في قلبه مرض، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ  [سورة الحج: 46]. قال ابن القيم -رحمه الله- في الحكمة من السلام: "وقد بان لك أن من محاسن الإسلام وكماله، فإذا كان هذا في فرع من فروع الإسلام، وهو التحية التي يعرفها الخاص والعام، فما ظنك بسائر محاسن الإسلام، وجلالته، وعظمته وبهجته، التي شهدت بها العقول"، ثم قال -رحمه الله- في مسألة تتبع الحكم من وراء الأحكام الشرعية، وتلمس الحكم في الأوامر والنواهي، وجمع هذا، قال: "وعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده، فيساعدُ على تعليق كتاب يتضمن ذكر بعض محاسن الشريعة، وما فيها من الحكم البالغة، والأسرار الباهرة التي هي من أكمل الشواهد على كمال علم الرب تعالى، وحكمته، ورحمته وبره بعباده، وما اشتملت عليه من بيان مصالح الدارين والإرشاد لهما"[بدائع الفوائد: 2/179].

فلو قال قائل: كل الأوامر في القرآن والسنة، كل الأحكام التي جاءت مدارها على ماذا؟ مصالح الداريين، الدار الأولى: الدنيا والدار الأخرى: الآخرة.

فإذن لو قال قائل: ما المصلحة من الصلاة؟ وما هي الحكمة من الزكاة؟ وما هي الحكمة من الحج؟ وماهي الحكمة من الحدود الشرعية؟ وما هي الحكمة من كل أحكام المواريث هذه؟ وما هي الحكمة من هذه الضوابط التي جاءت في البيوع وأحكام النكاح؟ وماهي الحكمة أصلاً حتى في إخباره عن أفعال الملائكة؟، وماذا تعمل الملائكة؟ ما هي الحكمة من وراء كل هذه الأحكام؟

نقول باختصار: تحصيل مصالح الداريين الدنيا والآخرة، ودرء المفاسد، ومصلحة الدنيا: السعادة والأمن، والطمأنينة ورغد العيش إلى آخره، ومصلحة الآخرة: دخول الجنة، أن يكون في ظل العرش، أن يكون حسابه يسيراً، والمفاسد في الدنيا: الشقاء، والنكد والأمراض والتعاسة، والعقوبات النازلة، وأنواع العذابات التي تكون في الدنيا، ومفاسد الآخرة: دخول النار وغضب الجبار، وشد الحساب وهكذا من المفاسد الموجودة في الآخرة.

فإذاً كل مصالح الأحكام ، كل الأحكام التي جاءت دائرة على مصالح الداريين، تحصيلاً ودرء مفاسد الداريين، قال: وبيان مفاسد الداريين والنهي عنها، وأنه سبحانه لم يرحمهم بالدنيا برحمة، ولم يحسن إليهم إحساناً أعظم من الإحسان إليهم بهذا الدين القيم، اشكروا نعمة ربكم عليكم، ليس فقط شكر النعمة: السيارات والبيوت والكهرباء، والأكل والشرب، أعظم النعم: نعمة الدين، أن عرّفنا نفسه، وعرّفنا كيف نعبده، هذه أعظم نعمة: نعمة الدين، فكثير من الناس يغيب عنهم شكر نعمة الدين، فإذا جاءت له النعمة، جاء له ولد، ترقية في وظيفة، جاء له ربح في تجارة، شكر وحمد، لكن هل خطر في باله أن يحمد الله على الشرع الذي نزّله، والدين الذي شرعه، وأنه عرفنا نفسه بأسمائه وصفاته، وأنه عرفنا اركان الإيمان، فعرفنا من أخبار أنبيائه، واليوم الآخر، أخبار الملائكة، وهكذا.

قال ابن القيم: "ولهذا لم يذكر الله في القرآن لفظة المنّ عليهم -يعني على المؤمنين- إلا في سياق ذكرها يعني: ذكر الشريعة، كقوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ  [سورة آل عمران: 164]. وقال تعالى أيضاً: بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ  [سورة الحجرات: 17]. قال: "فهذا محض الإحسان إليهم، والرأفة بهم، وهدايتهم إلى ما به صلاح دينهم وآخرتهم، لا أنها محض التكليف والامتحان الخالي عن العواقب الحميدة".

فإذن، الشرع من ورائه حكماً باهرة ليس عبثاً ولا سدى، أعظم من منزلة حاجة العباد إلى هذا، أعظم من حاجتهم إلى الأكل والشرب والجماع وطلب الولد، وغير ذلك من الأسباب، قال: "فلذلك نصب الصراط المستقيم وسيلة وطريقة إلى الفوز الأكبر والسعادة، ولا سبيل إلى الوصول إليه إلا من هذه الطريق، كما لا سبيل إلى دخول الجنة إلا بالعبور على الصراط" [بدائع الفوائد: 2/179]. لا يوجد طريق للجنة إلا أن يمر على الصراط؟ كل العباد الذين سيدخلون الجنة سيمرون على الصراط المضروب على النار، حتماً مقضياً، لزاماً، وكذلك لا طريق لتحصيل سعادة الدارين إلا باتباع هذا الصراط، هذا هو صراط الله، الصراط المستقيم، الدين القويم، فالشريعة هي حياة القلوب، وبهجة النفوس، ولذة الأرواح.

عدم معرفة الحكمة لا يعني عدم التسليم

00:07:41

هذه الشريعة التي أنزلها الله على محمد ﷺ مليئة بالحكم، هذه الشريعة ما فيها حكم إلا ولله فيها حكمة، عرفناها أو جهلناها، ومن أسمائه تعالى: الحكيم، فلا يخلِ شيئاً من حكمة، لا حكم، ولا علاقة، لا حدث لا قضاء، لا قدر، فكل ما خلقه وشرعه وقدّره وقضاه لحكمة بالغة.

فمن الأحكام ما ذكر لنا حكمته أو شيئاً من حكمته، قال: إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ  [سورة المائدة: 91].

فلو قال قائل: ما الحكمة من تحريم الخمر؟ نقول: حتى لا تصير عداوة وبغضاء بيننا، وحتى لا يصدّنا هذا عن ذكر الله وعن الصلاة، وهناك أحكام تظهر حكمتها للبشر إذا تأملوا واستنبطوا ذلك، فهناك شيء منصوص عليه، وهناك شيء يظهر بالتأمل والاستنباط، وهذا يعرفه العلماء، وهناك شيء أحياناً يتوصل إليه علماء الدنيا، فمثلاً: الحكمة من تحريم لحم الخنزير، بعض الحكمة نجد البشر في أبحاثهم يتوصلون إلى أضرار لهذا اللحم الخبيث.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وعلى هذا فكلما فعله علمنا أن له فيه حكمة" يعني: كل أفعال الله تعالى له فيها حكمة، "وهذا يكفينا من حيث الجملة، وإن لم نعرف التفصيل" [مجموع الفتاوى: 6/128].

لو قال قائل: أنا ما تبين لي الحكمة أن صلاة المغرب ثلاث ركعات، أنا ما تبين لي الحكمة أن صلاة الفجر ركعتان، ما تبين لي الحكمة أن صلاة الظهر أربع، نقول: قد لا يتبين لك، وقد يطوى علمها عنا، لكننا نوقن أن هناك حكمة من وراء ذلك، وإن لم نعرفها، قال: "فنحن نعلم أنه حكيم فيما يفعله ويأمر به، وعدم علمنا بالحكمة في بعض الجزئيات لا يقدح فيما علمناه من أصل حكمته". فنحن إذاً نوقن أن له حكم وإن لم نعرفها.

طرح الموضوع يأتي بحقيقة في وقت فيه عدوان على أحكام الشريعة، على الحجاب، على الاختلاط، على أحكام كثيرة، المطلوب منا حتى يزيد تمسكنا بالأحكام نتأمل ما هي الحكم الموجودة فيها حتى نتمسك فيها أكثر وندافع عنها أكثر، كذلك يأتي الكلام على الموضوع - مثلاً - في وقت مذابح الشام وبورما، وكثير من الناس عندهم مصيبة في هذه القضية، يعني: حتى لو ما تكلموا، لكن من الداخل يقول: لماذا المذابح؟  لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ  [سورة الأنبياء: 23]. وهناك لله حكمة بالغة، وقد لا تتبين لنا، فالشاهد أن إثارة موضوع الحكمة الإلهية الآن في خضم الهجوم على أحكام الشريعة والتشكيك فيها، وفي خضم الأحداث المؤلمة التي تمر بنا يكتسب هذا الموضوع أهمية بالغة، وبعداً خطيراً.

بعض الناس قد يخطئ في فهم الحكمة، فيظن الحكمة شيئاً آخر غير الذي أراده الله، وهنا تكمن أهمية العلم الشرعي التي تحمي من المنزلقات، وكذلك أهمية الإيمان والاستسلام للأوامر والنواهي.

إبليس عندما عصى وسئل: لماذا عصى؟ هو أعطى سبباً، ما قال: مزاج فقط، لا، هو فلسفها، وفبركها، وطلع نتيجة قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ  [سورة ص: 76]. فهو قدّم سبباً، إبليس قدم سبباً، وهذا أول ذنب عُصي الله به، وسببه: الكبر والحسد، كبر إبليس، ظن أن عنصر النار أحسن من عنصر الطين، وليه السجود لآدم من كل الملائكة، وهو كان مع الملائكة لما صدر الأمر الإلهي، لماذا؟ ثم جاء في نفسه السبب،  أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ  [سورة ص: 76]. فقاس قياساً فاسداً، فأول من اتهم الله في حكمته إبليس؛ لأن معصية إبليس وكلام إبليس يدل على أنه ما في حكمة بالأمر بالسجود لآدم، بل إنه عكس الحكمة، المفروض يكون السجود لإبليس وليس لآدم!، أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ أنا أولى بالسجود لي من آدم، فرد ذلك بقياس فاسد.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وأما شبهته الداحضة وهي أن أصله وعنصره النار، وأصل آدم وعنصره التراب، ورتبّ على ذلك أنه خير من آدم، ثم رتبّ على هاتين المقدمتين، أنه لا يحسن منه الخضوع لمن دونه بظن إبليس".[بدائع الفوائد: 4/139].

وهذا فاسد من عدة وجوه، ولو أردنا الرد على إبليس قلنا لكم: يا جماعة اشحذوا أذهانكم، ردوا على إبليس، ماذا سنقول؟ ردوا على إبليس، قال: أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ [سورة ص: 76].

ورفض السجود، والرد على كلام إبليس: أننا سنقول: إنه يجب طاعة الله تعالى في كل حال، وأن لله حكمة في هذا الأمر ولو خفية، وأنه قد يظن الظان أن الحكمة كذا، وهي بالعكس تماماً، وأن دعوى إبليس في حد ذاتها دعوى كاذبة؛ لأننا لو قارنا بين الطين والنار، وحتى لو نزلنا إلى مستوى في النقاش لنناقش شبهة إبليس فسنقول: لا بالعكس الطين أحسن من النار، النار من طبعها الفساد، وإتلاف الأشياء وإحراقها، بخلاف التراب، فإنه لا يفسد مثل النار.

ثانياً: أن النار في طبعها الخفة والطيش والحدّة، والتراب من طبعه الرزانة والسكون والثبات.

ثالثاً: أن التراب يتكون منه أرزاق الحيوان مما ينبت منه ويخرج، ولباس العباد، وزينة البعاد، وما يخرج من هذا التراب من المعادن التي أودعها الله في الأرض، ومعايش الناس، أما النار فلا يتكون منها مثل ما يتكون من التراب، فالتراب أنفع للناس من النار بلا شك ولا ريب، والناس قد يعيشون من غير نار، ربما، ولكن لا يعيشون من غير تراب، فمن أين سيكون نباتهم، ومأكلهم، وعلف دوابهم، وهكذا بنيان بيوتهم، فأيهما أنفع: التراب أم النار؟

هب أننا لم نعرف بالمقارنة والنظر أيهما، لكن كون الله لما أمر بالسجود، هذا الأمر فيه حكمة، فيه حكمة بالغة، وفيه ابتلاء، وهناك ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم، وهناك إبليس يعصي الله، وهذا يتبين في الواقع، الصحابة هل كانوا يسألون عن الحكمة من الأحكام والأشياء؟ نعم، فلا مانع مبدئياً من السؤال عن الحكمة، لا مانع أن يقول الواحد: ما هي الحكمة من وراء الزواج، ما هي الحكمة من وراء الصيام؟ ما هي الحكمة من وراء قطع يد السارق؟ لا مانع أن تسأل، لكن لو لم تعثر على جواب، أو لو لم تقتنع بالجواب، هل هذا سيؤثر في تطبيقك للأوامر والنواهي أم لا؟ هذا هو الكلام، هل سيخلخل إيمانك؟ هذا هو الكلام.

فإذن، لا مانع أن نسأل عن حكم من الأحكام، وحكم الوقائع والأحداث؟ لا مانع أن يأتي واحد يقول: ما الحكمة من هذه المذابح القائمة؟ ما هي الحكم الإلهية في هذا؟، لكن سواء عرف الجواب أو ما عرف الجواب، أو اقتنع بالجواب، أو ما اقتنع بالجواب، لا بد أن يكون مؤمناً بأن لله حكمة في هذا الأمر الذي يدور.

هذا ليس أمراً عبثياً، بعض الناس إذا رأى ذبح الأطفال ما يتحمل، إيمانه ما يتحمل، ليست العواطف لا تتحمل، لا، العواطف، يقول الواحد: أنا ما أستطيع أن أفتح اليوتيوب، ما أستطيع أرى ولا أريد أن أرى نشرات الأخبار، أنا بصراحة أول ما يطلع مشهد مذبحة أنا أغض بصري وأصرف بصري، هو ليس خطأ، النفوس التي ما تتحمل الرؤية لا ترى، النبي -عليه الصلاة والسلام- حاول أن يمنع صفية من النظر إلى حمزة، قال: أدركوا المرأة قبل أن ترى، صفية تنظر إلى أخيها بهذا الوضع، فهذا ليس خطأ، ولكن المشكلة أن بعض الناس إذا رأى المذابح يتزلزل إيمانه، يتشكك في أفعال الله، يبدأ يقول: لماذا يحدث هذا؟ أليس حراماً، هؤلاء مساكين؟ نحن نعرف أنه حرام، لكن إذا قصد أنه حرام أن يقع هذا، مصيبة؛ لأنه معناها أنه اتهام الله بالظلم للعباد.

الموضوع حساس ومهم جداً، إذن، لا مانع من الاستفهام والإرشاد والحوار، أما التشكك والحيرة، أو الاستهزاء كما يفعل بعض المنافقين يسألون عن حكم الأحكام استهزاء؛ ما حكمة قطع يد السارق؟ ويضحك، ما حكمة رجم الزاني المحصن؟ يسخر، فسؤاله ليس سؤال استرشاد، أو استبصار، أو سؤاله سؤال المشكك، المستهزئ، عن ابن أبي مليكة أن عائشة كانت لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلا راجعت فيه حتى تعرفه، إذا ما في مانع واحد يسأل للمعرفة ويزيد إيمانه، وأن النبي ﷺ قال مرة من المرات:  من حُوسب عذّب 

قالت عائشة: "فقلت: أوليس يقول الله تعالى:  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [سورة الإنشقاق: 8]. هي سمعت عبارة: من حُوسب عُذِّب  فعندها معرفة بالنصوص، تحفظ من القرآن ما تحفظ، قالت: أوليس يقول الله تعالى:  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا  [سورة الإنشقاق: 8] يعني: هل هناك تعارض؟

قال ﷺ:  إنما ذلك العرض  [رواه البخاري: 103].

يعني: الحساب اليسير هو عرض العمل على الله، فسمى عرض عمل المؤمن على ربه، سماه: حساباً يسيراً، فالعرض اسمه حساب يسير، لكن لو حصل نقاش؛ هذا العمل لم عملته؟ وهذا كذا، انتهى ذهب في مصيبة.

لو وقفت المسألة على عرض العمل على الله هذا الحساب اليسير، يجوز، يعني: ينجو، لكن لو نوقش بأعماله انتهى، من حوسب عُذّب، فإذن، بيّن النبي ﷺ هنا أن من حوسب عُذّب، هذا موقف غير موقف العرض الذي سماه حساباً يسيراً،  فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [سورة الإنشقاق: 8]. يعني: فقط العرض على الله، لكن لا توجد مناقشة، السعيد الذي سينجو، من يُعرض عمله على الله بدون نقاش، أما لو نوقش هلك، قاعدة: "من حوسب عُذِّب"، المشكلة بعض الناس الذين عندهم استهانات بالأعمال، والذين عندهم مصائب، عندهم كبائر، عندهم كفريات، عندهم اعتداء على أموال الأمة، وعلى الأموال العامة، تصور واحد يُحاسب على مليارات، يوقف بين يدي الله وهذا الريال، وهذا وأين أنفقته، وهذا من أين؟ وهذا، كذا، وهذا...، هنا تصور عظم هذا المشهد وخطورة هذا المشهد، إذن، قد ترد استشكالات، لا مانع أن يسأل الواحد عنها أهل العلم.

عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال ﷺ:  إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل فإذن، وضع سُترة مثل مؤخّرة الرحل في طولها وارتفاعها كافية جداً، وتبعد عنه أذى الشيطان، وتمنع المار من المرور بين يديه، أخشع في الصلاة، قال:  فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود  فإذن، لو كان بين يديه مثل مؤخرة الرحل، لا يضره لو مر من وراء السترة المرأة البالغ الحائض، كذلك لو مر من الدواب الكلب الأسود والحمار، قلت: "يا أبا ذر مال بال الكلب الأسود من الكلب  الأحمر من الكلب الأصفر؟ لماذا الكلب الأسود هذا هو الذي يقع الصلاة؟ قال: "يا ابن أخي سألت رسول الله ﷺ كما سألتني، ورد عندي نفس الاستشكال لماذا الكلب الأسود؟ فسألت النبي ﷺ فقال: الكلب الأسود شيطان  [رواه مسلم: 510].

فإذن، إذا كان الكلب الأحمر والكلب الأصفر، والكلب الأبيض هذا هو كلب حقيقي، كلبٌ، حيوان من البهائم المعروفة، لكن الكلب الأسود شيطان، ولذلك كان يقطع الصلاة، هل يشترط في كل ما يقطع الصلاة أن يكون مذموماً بحد ذاته؟ لا، فإن المرأة ليست مذمومة بحد ذاتها، ولكن مرورها بين يديّ المصلّي يقطع الصلاة، وبالتالي لا يجوز لها أن تمر، ويجب أن يمنع المرور، وهو عليه أن يمنع أي مار أصلاً بينه وبين سترته، حتى لو كان رجلاً عليه أن يمنعه، لكن لو مر الرجل بالقوة بالسهو بالسرعة، ما يقطع الصلاة، ولو مرت المرأة البالغ قطعت الصلاة.

لو قال قائل: ما الحكمة؟ لماذا المرأة؟

بعض الناس قد يخرج بنتائج يقول: المرأة قد تذكّر الرجل بأشياء، لكن ما صحتها؟ الله أعلم، ما نستطيع نجزم بشيء لا يكون منصوصاً عليه، أو معروفاً بالاستقراء، أو معروفاً بالقياس الصحيح، فمع سؤال الصحابة عن الأشياء ما كانوا يتركون مجالاً للشك أبداً ، وينفّذون الأوامر حتى لو ما ظهر لهم منها الحكمة، فحجر نقبّله: الأسود، وحجر نرجمه: الجمرات، وبيت حجر، حجارة نطوف بها: الكعبة، وحجارة عبارة عن جبلين نسعى بينهما: الصفا والمروة، ومكان نقف فيه عرفة، وآخر نبيت فيه مزدلفة، فهذا كله امتثال محض دون ظهور العلل والحكم، ولو قال قائل: لم هذا الجبل؟ لم هذا الموقف؟ لم هذا المكان؟

وقد عبّر عمر عن هذا المعنى بقوله: "والله لقد علمت أنك حجر، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبّلك ما قبّلتك" [رواه مسلم: 1270].

فلو قال قائل: هذه الأحكام الموجودة في الشريعة، هذه الأوامر والنواهي، ما المقصود منها؟

هناك مقاصد إجمالية، لو قال قائل: ما هي الحكمة؟ نقول: هناك حكم إجمالية، وهناك حكم تفصيلية، فأحياناً نجد حكمة أمر أو نهي معين، منع الاختلاف بين المسلمين، لماذا:  لا يبع أحدكم على بيع أخيه ؟ ما الحكمة؟ لماذا: لا يخطب أحدكم على خطبة أخيه ؟ [رواه أحمد: 8225، وابن حبان: 4966، والبيهقي في الشعب: 10638، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 7587].   الحكمة: حتى لا يؤدي ذلك إلى العداوات، ونهى عن الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، ما الحكمة؟ لماذا لا يجوز للواحد أن يتزوج امرأة وعمتها معها؟ ما يجوز يجمع بين امرأة وخالتها؟ حتى لا يؤدي إلى قطع الرحم؛ لأن الضرائر يكون بينهن ما يكون، فتغضب منها وتزعل عليه، فعندما تكون معها عمتها تهجر عمتها، يقع بينها وبينها شيء، ما يقع بين الضرائر، فيه أشياء واضحة، وتفصيلية، تقول: ما الحكمة من وراء الحكم الفلاني؟  إنما جُعل الاستئذان من أجل البصر [رواه البخاري: 6241، ومسلم: 2156]. لماذا لازم تستأذن قبل دخولك على واحد، أو على بيت شخص؟ حتى لا يقع بصرك على ما يكرهه من العورات إلى آخره، فأحياناً يكون هذا منصوص عليه في النص، أن الحكمة من وراءه كذا، وتجد هذا ، تجده مثلاً مسبوق بلام التعليل، أو كي، كي، لام، لأجل، لعل ليست للترجي، وإنما التي تغير العلّة، فإذن، هناك علامات لُغوية في اللغة تبين ما هي العلل من وراء الأحكام مذكورة في بعض النصوص، وهناك أشياء يستنبطها العلماء، هناك حكم عامة من وراء الأحكام، وهناك حكم خاصة لكل حكم له حكمة خاصة، أو أكثر من حكمة، لكن لو جئنا للحكم العامة، هذه الشريعة ما الحكمة من ورائها؟ لماذا جاءت كل هذه الأحكام؟ أولاً: تحصيل مصالح الدارين، وهذه عرفناها.

 ثانياً: تعبيد الناس لربهم، البشر من غير أوامر ونواهي وتكليفات كيف تظهر عبوديتهم؟ كيف يظهر انقياد فلان لله، وذلة فلان لله، وطواعية فلان لله، إذا ما كان هناك أحكام يؤمرون بالالتزام بها من أوامر ونواهي ؟

فإذن، ظهور العبودية حكمة عظيمة من وراء الأحكام، الكلام هذا مهم في النقاشات على الشبكة، وفي القنوات، هناك نقاشات كثيرة، وهناك كثير يسألون: ما الحكمة من كذا؟ وما الحكمة؟ فعندما تقول: هذا الحكم ابتلاء من الله لينظر هل تطيع أو تعصي؟ هل ترضى أو ستعترض؟ هذه حكمة مهمة جداً، ومن أوائل ما ينبغي أن يتبادر إذا ناقشك واحد، تقول له: أول شيء ما دام ثبت في القرآن والسنة الحكمة من ورائها أنه يبتليني ويبتليك، هل سنطيع أم سنعصي؟ هل سنرضى أم سنعترض؟ هذه من أوائل الأشياء.

قال الشاطبي -رحمه الله-: "إن مقصود العبادات الخضوع لله، والتوجه إليه، والتذلل بين يديه، والانقياد تحت حكمه، وعمارة قلبه بذكره حتى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضراً مع الله، ومراقباً له، غير غافل عنه".

لو قال قائل: ما الحكمة من وراء الصلوات؟ ما الحكمة من وراء تلاوة القرآن؟ ما الحكمة من وراء الأذكار؟ ما الحكمة من وراء الأدعية؟ فتقول: وعمارة قلبه بذكره حتى يكون العبد بقلبه وجوارحه حاضراً مع الله، ومراقباً له، غير غافل عنه، وأن يكون ساعياً في مرضاته، وما يقرب إليه على حسب طاقته. [الموافقات: 2/383].

فلو قال قائل: انظر -يا أخي- الصلوات موزعة هكذا؛ في الصبح صلاة، وفي الظهر صلاة، والعصر صلاة، وإذا غربت الشمس صلاة، وإذا اشتدت ظلمة الليل، وفحمة العشاء صلاة، وقيام الليل، هناك نوافل، لماذا؟ فنقول: انظر كيف موزعة، أذكار الصباح والمساء موزعة، أذكار الأحوال إذا رأى مبتلى، إذا دخل المسجد، إذا دخل البيت، هذه أحوال، إذا سقط،، بسم الله، الأذكار الثابتة، لو واحد سقط، جُرح ووخز، ألم مفاجئ، بسم الله، ما هي الحكمة، انظر كيف وزعها على الأوقات، ووزعها على الأحوال؛ حتى تكون دائماً مرتبطاً به.

من الحكمة في الأحكام استسلام العبد لربه، ولماذا سمي إسلاماً؟ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة البقرة: 131]. بعد التعبيد لله،  وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات: 56].

في قضية الاستسلام وهذه من لوازم العبودية أصلاً.

قال الشاطبي -رحمه الله-: "إن أحكام الشريعة تشتمل على مصلحة كلية في الجملة، وعلى مصلحة جزئية في كل مسألة على الخصوص، أما الجزئية فما يعرب عنها كل دليل لحكم في خاصته، وأما الكلية فهي أن يكون كل مكلّف تحت قانون معين، من تكاليف الشرع في جميع حركاته، وأقواله، واعتقاداته" [الموافقات: 3/123].

فإذا جئت إلى الشهوة أنت محكوم بأحكام النكاح مثلاً، تحريم الزنا، تحريم الفواحش، إلى آخره..

إذا جئت على قضية الأكل والشرب، أنت محكوم، هناك عندك محرمات ما يجوز أنك تتعداها، ولا تأكل وتشرب لحم خنزير، خمر، إذا جئت على قضية اللباس أنت محكوم، الحرير للرجال، إذا جئت على قضية البيع والشراء لا تبع ما ليس عندك؛ منع الجهالة والغرر والميسر والمقامرة والربا، هناك أشياء معينة تدور عليها منهيات البيوع، والباقي كله حلال، هناك أشياء معينة محرمة في الأكل والشرب، والباقي كله حلال.

فلو قال قائل: هذه التكاليف ما الحكمة منها؟ نقول: الحكمة أن تكون محكوماً بالشرع في كل حياتك، فإذا أردت أن تلبس، هناك أحكام، وإذا أردت أن تنكح، هناك أحكام، وإذا أردت تبيع وتشتري، هناك أحكام، وإذا أردت أن تحارب، هناك أحكام، حتى النوم هناك أحكام، حتى الموت هناك أحكام، قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ [سورة الأنعام: 162]. الفرائض حتى بعد الموت فيه أحكام.

بعض الناس يقول: ما الفكرة من الموضوع؟ نقول: الفكرة ببساطة أن تكون محكوماً بشرعه، دائراً مع حكمه، مستجيباً لأمره، متعبّداً بالتنفيذ والطاعة والبُعد عما حرم، ومتصلاً به، وقلبك عامر بذكره، هذه واضحة، من الشرع، وهذه قلّ من يشرحها للكفار عن دعوتهم، وقلّ من يشرحها لمن أسلم حديثاً، مع أن هذه لبُّ الموضوع، لب الموضوع: أن تشرح له إذا أسلم، لماذا هذه الأحكام كلها، تشرح له المقاصد الأساسية من وراء التكليف والأحكام، ثم نلاحظ أن هناك حِكَماً أخرى من وراء الأحكام، إشباع رغبات الشخص أو الفرد بالحلال، النفس فيها حاجة ماسة للتعرف على ربها، وبدون أن تتعرف على ربها فإنها في شقاء.

اليوم وزير المالية الياباني وجد مشنوقاً، أخفق في تحقيق أرباح شركة، صارت خسائر، شنق نفسه، النفس إذا ما تعرفت على الله وعلى أسمائه وصفاته، تعيش في نكد، النفس إذا ما رفعت يديها تطلب منه، إذا ما لهج لسانها بذكره، إذا ما توجهت إليه بقلبها وجوارحها فهي في شقاء، فالعبادات لو قال واحد: من الحكم تحقيق تلبية رغبة النفس بحيث تطمئن النفس، فالنفوس عندها طموحات مادية.

قالو: الله أمرك أن تسير في الأرض وتسلك، تمشي في مناكبها وتأكل من رزقه، فتح لك المجال، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ [البقرة: 275]. فتح لك المجال، اذهب بع واشتر واربح، نفسك تريد هذا حقق لك الطموحات، تلبية الشهوة ، التلذذ، فتح لك باب التلذذ بالنساء، وللنساء التلذذ بالرجال، بهذا الزواج والحكم العظيم، الميثاق الغليظ، وهكذا في سائر الحاجات.

زيادة الإيمان بالله من خلال التفكر في أحكامه

00:35:29

من الحكم العظيمة: زيادة الإيمان بأن الرب خبير وعليم وحكيم ، ولذلك عندما تتعرف في حكمته في شرعه، فأنت تتعرف على علمه، تتعرف على المزيد من خبرته، الله خبير، ومن صفاته الخبرة، تتعرف على المزيد من إحاطته،  اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ  [سورة الطلاق: 12]. يعني: سبع أراضٍ،  يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [سورة الطلاق: 12]. حتى هذه لله فيها حكم، علّمكم نبيكم كل شيء حتى قضاء الحاجة، قضاء الحاجة ربما فيها سبعون ما بين حكم وأدب، لا يمس ذكره بيمينه، ويستنجي بالشمال، ولا يكشف ثيابه حتى يدنو من الأرض، وإذا أراد الخلاء يسمي، ويستعيذ بالخبث والخبائث، ويقول بعد الخروج: غفرانك،، إذا استجمر ثلاثاً أو خمساً، كل حكم وأدب جاءت في هذا، حتى أن بعض الناس يندهش لله حكم في هذا الموضوع، فليعرف العباد إحاطة الله، وخبرة الله، وعلم الله، وحكمة الله، يعرف شمولية شرعه، ودقة شرعه وإتقان شرعه، وبالتالي يحبوه، ويعبدوه مقتنعين بشرعه، قائمين بحقه، فينبغي لمن آمن بالله تعالى أن يسلم له في أفعاله، ويعلم أنه حكيم ومالك، وأن لا يعبث، الله لا يعبث هذه قاعدة مسلمة، الله لا يعبث، لا يقع شيء في الكون عبثاً لا يقع، فإن خفيت على العبد حكمة فعل حكم الله، نسب الجهل إلى نفسه، أنا ما دريتُ، أنا ما تبينتُ، أنا ما عرفتُ، أنا ما اكتشفت، فإذا طالبه عقله بحكمة الفعل قال: ما بانت لي، ويسلّم لمالكه".[صيد الخاطر: 478].

ابتلاء الله العباد للتمحيص والتمييز

00:28:23

من الحكم أيضاً في الشريعة: ابتلاء العباد ليظهر من يتقي فيكافأ بالجنة، ويظهر من يتمرد فيجازى بالنار، فلماذا خلقت الجنة والنار؟ خلق الجنة والنار مبنية على الحكمة في الأوامر والنواهي؛ لأن من أطاع له جزاء ومن عصى فله جزاء، هذا الابتلاء بالأحكام ابتلاء في معانٍ بليغة، أحياناً يأتي للواحد شيء حرام سهل جداً، مثال:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ [سورة المائدة: 94]. ليس فقط بالرمح تمسكه باليد، يأتيك أرنب جاهز مجهز مقشر، لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ [سورة المائدة: 94]. يعني: لو حملت على الغزال لظفرت به، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً [سورة الأعراف: 163]. فالحرام قد يأتي مغرياً، لماذا؟

 ورجل دعته امرأة  لا بحث ولا تحرّش، ولا ذهب يبحث عن أرقام، جاءت، دعته امرأة ذات منصب وجمال  [رواه البخاري: 660، ومسلم: 1031]. هي جاءت دعته، قال تعالى: تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة: 94]. لو واحد قال: لماذا أحياناً نجد الحرام جاهزاً مجهزاً؟ لماذا نجد الحرام سهلاً ومتناول اليد؟ الجواب: اللام هذه لام التعليل، يعني: الحكمة مذكورة فيها، لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ  [سورة المائدة: 94].

انظر هذا الجواب: لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ [سورة المائدة: 94]. انتهى.

قال ابن جرير في تفسيره: "كي يعلم أهل طاعة الله والإيمان به، -وهو يعلم من قبل، لكن معنى ليظهر علمه في الواقع، ليعلم الله، هو يعلم من قبل، لكن ليظهر علمه لنا، ليظهر المعلوم-، والمنتهين إلى وجوبه ونهيه ومن الذي يخاف الله فيتقي ما نهاه عنه، ويجتنبه خوف عقابه" [تفسير الطبري: 10/584].

الرحمة والحكمة في قضاء الله وحكمه

00:40:53

من الحكم أيضاً: حماية المخاليق من المضرات؛ لأن الله لا يمكن أن يريد من وراء تحريم أشياء إعناتٍ ومشقة، مجرد المشقة والتضييق علينا، ومن ظن هذا فهو سيء الظن بالله، ما يفقه، الذي يظن أن الله حرّم علينا تعذيباً لنا، وتشديداً علينا، وإعنات وتضييق، لا، هات حكماً، مثلاً: تحريم شرب الخمر تضييق علينا أو لمصلحتنا، ونفي المضرة عنا؟ تحريم الزنا تضيق علينا أو لمصلحتنا ومنفعتنا، وبعد المضرة عنا؟ وهكذا، قال تعالى: مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ  [سورة النساء: 147]. ما يريد الله أن يفعل عليكم من حرج، الله ما يريد الحرج، لما منع منع لمصلحتنا نحن.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "ومن هذا الباب ما يبتلي به عباده من المصائب، ويأمرهم به من المكاره، وينهاهم عنه من الشهوات، هي طرق يوصلهم بها إلى سعادتهم في العاجل، والآجل، وقد حُفّت الجنة بالمكاره، وحُفّت النار بالشهوات، وقد قال ﷺ:  إن الله لا يقضي للمؤمن قضاءً إلا كان خيراً له [شفاء العليل:  34].

هذا ليس خاصاً بالقضاء -يعني: الحوادث- حتى الأحكام؛ لأن لله قضاء حكم، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [سورة الإسراء: 23]. ولذلك حديث: إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن [رواه أحمد: 18939، وقال محققه الأنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم]. هذا يدخل فيه كل قضاء، وهناك حكم مفصلة، كما قلنا، شيء واجب لماذا أوجبه؟ شيء حرام لماذا حرّمه؟ شيء مستحب لماذا استحبه؟ شيء مكروه لماذا كرهه؟ البحث في هذا الموضوع مهم أيضاً؛ لأن النفوس المنحرفة تعاكس أحكامه وقضاءه، بحكم من عندها كما فعل إبليس، كأن يأتي بعض الناس يقول: الصيام هذا خطأ، لماذا؟ يقول: هناك تقليل إنتاجية، أنا إنتاج مصنعي في رمضان أقل من إنتاج مصنعي في شعبان، أنا إنتاج شركتي في صفر أكثر من الإنتاج في رمضان، والكلام مبدئياً صحيح في الغالب، من جهة الواقع، لكن خلق الله السموات والأرض لزيادة إنتاج المصانع والشركات؟ انظر إذا خلقنا الله وخلق السموات والأرض لتزيد الشركات، نعم الصيام يصبح خطأ، لكن إذا كان خلق الله السموات والأرض، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ  [سورة الذاريات: 56].

تصبح القضية قضية أخرى، ضحّى بجزء من الإنتاج؛ لكي يعبد الناس ربهم، وإلا فنحن نعرف أن الانتاج في رمضان ليس كالإنتاج في غيره، نعرف، أنا ما أتكلم عن التسيّب الموجود عند البطالة المقنّعة، ناس على مكاتب كأنها تشتغل وهي ما تشتغل، نحن ما نتكلم على تضييع الأعمال، نتكلم على الصيام وأنه يضعف، ولماذا قال للشاب: إذا ما استطاع الزواج:  فعليه بالصوم فإنه له وجاء ؟ [رواه البخاري: 1905، ومسلم: 1400]. لأن الصوم يضعف.

ولماذا شرع لنا الإفطار في رمضان في الجهاد؟ يقوّينا على القتال؟ لأن الصوم يضعف، هذه معروفة، لكن إذا كان عندك -يا أيها المناقش- أن الصيام خطأ؛ لأنه يقلّل الإنتاج، إذا كان عندك أن الله خلق السموات والأرض ليزيد الإنتاج فهذه تصوراتك، إذا كان عندك أن الله خلق السموات والأرض لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]. وأن البشر عليهم أن يضحوا بجزء من دنياهم لأجل آخرتهم، وأن هذا من ضمن الابتلاء، ومن ضمن العبودية، ومن ضمن تكليفهم إذن ترضى، إذا كنت مسلماً حقيقياً، الزكاة تقلل من مالك، إذن، القضية: الشرع كله جاء لتزيد أموالنا دائماً!، تزيد بأعداد ليس بالبركة، الشيوعي الملحد ما يعترف بالبركة، يقول: أنا عليّ رصيد ألف صار تسع مائة وخمسة وسبعين، نقص، فإذن، لماذا خلقنا؟ ولماذا تعبّدنا؟ ولماذا فرض علينا؟ فالذين منعوا الصيام؛ لأنه يقلل من الإنتاج كما فعله الهالك ذو رقيبة في اسمه، هذا ناتج عن أنه يرى بتصوره المنحرف أن أهم شيء في الحياة أن يزيد الإنتاج، علماً أن الصيام فيه فوائد دنيوية في الصحة، فوائد دنيوية: أن الأغنياء يحسون بالفقراء ويتصدقون عليهم، فيه فوائد دنيوية ليس فقط أخروية، وإذا ألغينا وجبة من الثلاث وجعلناها وجبتين، صارت إفطاراً وسحوراً، بدلاً من إفطار وغداء وعشاء، نحن المفروض نرد عليه زاد وقت مراجعة الموظفين؛ لأنه لا يوجد وقت غداء، وبعد ذلك أي صيام مفيد؛ لأنه أيضاً يمنع من التدخين، والتدخين ضار بالصحة، فصار هناك تحسُّن في الصيام، وهذه فائدة دنيوية، لكن ما الحكمة الأساسية من الصيام؟  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [سورة البقرة: 183]. هذه هي المصلحة العظيمة.

إذا جئنا إلى الحجاب، يطعن الآن بعض المنافقين في الحجاب، والحجاب يخفي زينة المرأة، وهذه نعمة، وهذه كذا، ولماذا تكتمها؟ ولماذا تغطيها؟ ولماذا كذا؟ ولماذا؟ الحجاب حكمه بليغة، وأسراره عظيمة، ومصالحه باهرة، وحتى لو جئت للنواحي الدنيوية، إذا ما تكلمنا الآن في قضية أنه لا حجاب ستثور الشهوات، وإذا ثارت الشهوات تقع الفواحش، وإذا وقعت الفواحش جاءت الأمراض الجنسية وأولاد الحرام والفضائح، أضرار الزنا معروفة، لكن من جهة أخرى الحجاب، لو جئت وبحثت مع نفس هؤلاء الكفرة يقولون: الميلانوما الخبيثة التي تصيب بعض النساء في مقتبل العمر راجعة إلى ارتداء الأزياء القصيرة، وتعريض الأجساد لأشعة الشمس، وخاصة فوق البنفسجية، ولذلك بعض أطباء الجلدية -الكفار- الذين بحثوا في هذه الأبحاث لو جئت وقلت له: الشرع فرض على المرأة إذا طلعت تتحجب، كذا، هو قد يفهم من خلال قضية الأضرار الناتجة عن بعض أنواع السرطانات الجلدية، وبعض أنواع هذه الأنواع الجلدية والسرطانية هو قد يفهم لماذا الشريعة أتت بالحجاب، وأن جلد المرأة لو بقي معرضاً للشمس وتطلع دائماً بهذا الشكل تصيبها أمراض، لكن نحن ما نحصر فائدة الحجاب في هذا، ولو اكتشفنا لن نبدأ!، إذا عرضنا حكم الحجاب، نقول: الوقاية من الميلانوما هذه فائدة على الماشي، يعني: هذا شيء من الحكم.

لأن الكلام في الحكم يحتاج إلى فقه، أنت عندما تعرض حكمة الشريعة مهم جداً أن تعرض الحكم العامة التي سبق ذكرها، لما تأتي على الحكم الخاصة تُعرض الحكم الأخروية الكبيرة، ثم الحكم الصغار، أو الفوائد التي تأتي ضمناً، لا بد أن تأخذ الحجم الصحيح؛ لأن بعض الناس يركز في عرض الإسلام على المنافع الدنيوية للإسلام، لا يا أخي، فهّم الكافر المنافع الأخروية، فهّمه قضية العبودية والذل لله، فهّمه قضية الطاعة والامتثال، فهّمه قضية الابتلاء والأحكام ماذا يُنبني عليها، وفي مسألة حجاب المرأة:  ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ [سورة الأحزاب: 59].

يعني: في قضية أنها لا تؤذى وأن الحجاب يبعد عنها الأذى.

وعندما نعرف قضية أن الأرقام تتزايد في قضية التحرّش الجنسي، والجيش الأمريكي، والجامعات الغربية، والأماكن المختلطة بالشركات، لا يوجد حجاب، وهناك اختلاط، ماذا تتوقع؟ لا حجاب واختلاط، ما هو المتوقع؟

فإذن، قضية الاعتداء والتحرُّش إلى آخره كله حاصل، وضع النار بجانب البنزين، وإياك أن تعتدي، تعتدي على حرية الآخرين، وإياك أن تلمسها بغير رضاها، وإياك، أنت وضعتهم جنب بعض، أنت عندما تقنن الاختلاط، وتقرر الاختلاط، وتفرض الاختلاط، أنت في الحقيقة تفسد المجتمع، لكن -سبحان الله- أعداء الإسلام يعرفون أنه لا يمكن ركوب المسلمين إلا بجعلهم في أوحال الرذيلة والشهوات، فلذلك تقنين الاختلاط هذا واضح جداً، الخطة منه انهيار المجتمع، وأن الناس هؤلاء يصبحون كالبهائم يجرون وراء شهواتهم، واحد يظهر حوله من يمين ومن شمال امرأة ما تبعد عنه، نصف متر بينه وبينها، وهناك خلوة في العيادة، وهناك سكرتيرة للمدير، ماذا بقي؟ ماذا تنتظر بعد ذلك؟ لذلك إجراءات الشريعة كلها تصبح في حكم الضائعة إذا صار هذا الكلام تضيع، قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ  [النور: 30]. تضيع، قضية الحجاب تضيع، قضية تحريم الزنا تضيع، تصبح الأشياء قضية إغراء وتشجيع، وفواحش، وليس كلهم سيقع؟ لكن تزيد نسبة الوقوع، لا أحد يجادل فيها، ستزيد نسبة الوقوع قطعاً، وسينحدر المجتمع قطعاً.

الحدود الشرعية صمام أمان للمجتمع من الانحطاط

00:52:37

لو جئنا إلى قضية الحدود الشرعية مثلاً، المنافقون يقولون: ما هذه الحدود؟ وحشية، تريدنا نعيش ربع المجتمع مقطوع الأيدي، وربعه مجلودين، ربعه مقتولين، وربعه...؟ هذا الكلام هو أشبه بالاستهزاء والسخرية، وإلا فنحن نعرف أنه حتى في وقت النبي ﷺ والخلفاء الراشدين، عندما طُبِّقت الشريعة بحذافيرها، سؤال: هل الصحابة في عهد النبي ﷺ أو التابعين في عهد الصحابة كان ربع المجتمع أيديهم مقطعة؟ ربع المجتمع مجلودين، ربع المجتمع مقتولين، ربع المجتمع تصلب أيديهم وأرجلهم من خلاف ونُفوا؟ كم حادثة رجم حدثت على عهد النبي ﷺ؟ واحدة أو ثنتين، هذا الجواب يقال لهم: لماذا تتكلم نظرياً، تعال عملياً، انزل معي للعهد النبوي، انظر معي للعهد النبوي ماذا حصل؟ فإذن، الحماية والوقاية من وراء هذه الحدود للمجتمع في حفظ ضروراته الخمس مهمة جداً، لو واحد قال: ما الحكمة من هذه الحدود؟ أريد أعرف الرجم والجلد والقطع، ما الحكمة؟ نقول له: هناك خمس ضرورات ما يمكن أن تستقيم الدنيا ولا حياة الإنسان في الدنيا، ولا يكون سعيداً في الآخرة إلا بها، حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العرض، حفظ العقل، حفظ المال؟ هكذا رتبها العلماء.

حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العرض، انظر حفظ العرض عند العلماء قبل حفظ العقل، وحفظ العقل قبل حفظ المال، المال آخر واحد، ولكنه من الضرورات الخمس، فالآن هات أيّ حد، حد الزنا لحفظ العرض، حد السرقة القطع لحفظ المال، حد السُّكر لحفظ العقل، حد القصاص لحفظ النفس، حد الردّة لحفظ الدين، هات، هذه أحكام ليست لعباً، هذه ليست عبثاً، هذه أحكام لحفظ الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة بدونها، وهذا ما يلزم الكفار التسليم به، وهذا ما يرفضه الكافر، نقول: ما رأيك، أنت غير مسلم، ما هي الأشياء التي لازم تُحفظ حتى يكون الناس سعداء في حياتهم؟ فهو قد يستنبطها معك ويقر بها، فتقول: كيف ستُحفظ هذه الضرورات الخمس؟ عندما يأتي واحد فلسفي يقول: لحم الخنزير حُرِّم كان من قبل؛ لأن الخنزير كان يأكل الأوساخ، الآن هناك المزارع الأوروبية يعطون أكلاً نظيفاً للخنازير، فلذلك ما فيها شيء! هناك ناس عندهم فلسفة، قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ  [سورة الأنعام: 145]. هنا: رجس لازم نقف، حتى لو بحثوا من النواحي الطبية ولا بأس أن يلم الواحد ويقرأ بعض الأبحاث في أضرار الخنزير حتى التي كتبها الكفار، حتى من بين اللحوم الحيوانية تعتبر مادة الكولسترول الدهنية أسوأ ما هو موجود في الخنزير على الإطلاق، أما قرحة المعدة والحكة والحساسية، والالتهابات الرئوية ولدودة الشريطة، ودودة الرئة، إلى آخره، في الخنزير بشكل واضح جداً، حتى قالوا أن الدودة الشريطية في الخنزير يصل طولها من اثنين إلى ثلاثة متر، وفيها بويضات في جسم الإنسان تولد إلى آخره.

وغير أشياء ما تظهر في المختبرات، مثلاً: أن هذا يذهب الغَيرة، هذه ما تظهر في المختبرات، أن أكل لحم الخنزير يقلل أو يذهب الغيرة، كذلك مثلاً: قضية إتيان النساء في المحيض، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [سورة البقرة: 222]. ما الحكمة في تحريم إتيان الحائض؟ نقول: هذا ابتلاء ليتعبد الله به الرجل والمرأة، وأنه لا يكون عند الشهوة أعمى، لا، يكون مستبصراً، ما يقع عليها وهي حائض، ولا تسمح له وهي حائض، ولا في الدورة، عندما تدخل في الموضوع ترى الأبحاث الطبية إذا حدث جماع في الحيض فإن الحيوانات المنوية تدخل إلى الأوعية الدموية من خلال المكان النازف في جدار الرحم، فإذا دخلت الحيوانات المنوية إلى دم المرأة في هذا المكان، يقوم جهاز المناعة بإفراز مضادات تؤدي إلى الإجهاض في المستقبل، إذا حملت تجهض والتهابات، وانتقال أمراض وفيروسات وبكتيريا، وتحطيم النفسية للمرأة، هذا فيه تحطيم لنفسية المرأة.

وهكذا نجد أن هناك حكماً بليغة في قضية تحريم الإتيان في الحيض، وحتى لو أتيت إلى دقائق الأمور وقلت: أن الشرع جاء بغسل بول الجارية دون الغلام ولماذا؟ فستجد أن هناك تعليلاً عند العلماء أن الصبي يكثر حمله، وبالتالي يشق التحرز من بوله، والنفوس تهفو إليه أكثر، ولكنك تجد أيضاً في كلام الأطباء أن في الوضع التشريحي والفرق بين تركيبة بول الأنثى وبول الذكر أن هنالك فرقاً.

وإذا جئنا إلى قضية الغناء، ولماذا تحريم الغناء والموسيقى؟ سنجد أنها تلهي عن ذكر الله، وأن القرآن لا يجتمع مع الغناء، وأن هذه المعازف وجد لها تأثير على الأعصاب، وأن "الدسيبلز" هذه وحدة قياس الضجيج في الأذن، وجدوا أن هناك تأثيراً خطيراً على طبلة الأذن من وراء الهافي مكل والبلاك متل، وغيرها من أنواع الموسيقى الصاخبة الموجودة الشائعة الآن.

حكم الشريعة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

00:00:00

وإذا جئنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما وراء ذلك من الحكم العظيمة في صيانة المجتمع والمحافظة عليه بدل ما تغرق سفينة المجتمع كلها، والمحافظة على شعائر الدين، وإشاعة معاني الخير، وتوفير البيئة الصالحة للتربية، والجو الطيب للناس، والحراسة للأعراض والضروريات الخمس، وهكذا نجد الشريعة حافلة بأحكام كثيرة فيها حكم عظيمة، فتقول الصلاة من الحكم، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ [سورة العنكبوت: 45]. الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [سورة التوبة: 103]. الحج:  لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ [سورة الحـج: 27] فيه منافع دينية ومنافع دنيوية، والقصاص،  وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ  [البقرة: 179]. لو لم يكن هناك قصاص كان الحياة تضررت تضرراً عظيماً، الوضوء بعدما ذكر  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [سورة المائدة: 6]. قال بعد ذلك: وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ  [سورة المائدة: 6]. فتبين أنه بالوضوء يريد أن يطهرنا الطهارة الحسية والطهارة المعنوية؛ لأن الذنوب تخرج مع الوضوء.

كذلك لما حرّم الله على الصحابة اقتحام مكة في الحديبية، ماذا قال في الحكمة من وراء ذلك السبب؟  وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ [سورة الفتح: 25]. الظاهر أنهم مع الكفار ما يستطيعون الهجرة، لكنهم في المؤمنين حقيقة في الباطن، لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ [سورة الفتح: 25] تقتلوهم فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ [سورة الفتح: 25]. يصبح عليكم خزي، تُعيّرون بهذا، قتلوا إخوانهم، فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ  [سورة الفتح: 25].

لماذا عقد الله -عز وجل- لنبيه على زينب، وزينب زوجة زيد، وزيد كان متبناه في الجاهلية من أول؟ لماذا؟ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ [سورة الأحزاب: 37]. عندما ترى: "كي واللام" انتبه، ترى هنا فيه حكم،  لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا  [سورة الأحزاب: 37].

الفيء، حددت الشريعة مصارف الفيء ليست كمصارف الغنائم، لماذا؟ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ [سورة الحشر: 7].

لا يكون المال محصوراً في طبقة ثرية في المجتمع، لا، يصير متداول بين الجميع وليس فقط متداول بين الأغنياء، كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ [سورة الحشر: 7]. هذه مقاصد الشريعة، هذه حكم.

الجهاد، أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا [سورة الحج: 39]. هناك دفع للظلم من الحكم في الجهاد، لماذا منع قتل المنافقين؟ دعه لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، التطويل في الصلاة ممنوع: لأن: فيكم منفّرين  [رواه البخاري: 702، ومسلم: 466]. فيصير في تنفير عن العبادة، و: إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس من أجل..  لاحظ:  من أجل  هذه وراءها، من أجل أن ذلك يحزنه [رواه البخاري: 6290، ومسلم: 2184].

لماذا ما يقتحم الإنسان إذا جاء من السفر بالليل ويخبر أهله قبل أن يدخل البيت؟ لكي: تمتشط الشعثة، وتستحد المغيبّة  [رواه البخاري: 5079، ومسلم: 715]. هذه الذي غاب زوجها، ربما لها شعر لا بد أن تأخذه، ولها انتكاش في رأسها تمتشط لإذهابه؛ حتى لا يقع منها على منظر كريه، ولا رائحة كريهة، فتنفر نفسه منها وقد جاء مشتاقاً إليها!.

إذن، هذه الشريعة والله العظيم كلها خير، وكلها بركة، وحِكم عظيمة جداً.

حِكم الله في القضاء والقدر

01:03:57

هذا قسم؛ الذي هو الأحكام، لكن الأحداث -القضاء والقدر- كيف الحكم في القضاء والقدر؟

عندما نجد قول الله في رد موسى لأم موسى، قال: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [سورة القصص: 13]. 

قضاء الله في هزيمة أُحد أو خسائر أُحد، مصيبة، أحد ماذا وراءها؟ مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ  [سورة آل عمران: 179]. وليمحص الله، إذن، هناك تمييز وهناك تمحيص.

في الشق الآخر من الموضوع، وهو قضية الأقدار، وهذه الأحداث وراءها حكم أيضاً بالغة، حكم بالغة وعظيمة جداً أنه كل حدث يقع في الأرض، كل وقائع الدنيا التي نعيشها، سواء كانت مصائب، وحروب هزائم، خسائر، وفي المقابل انتصارات وأرباح، إلى آخره، وحدوث رخاء كل ذلك لحكم، حكم بالغة.

فليس فقط أحكامه التشريعية، بل حتى قضاءه وقدره فيه حكم بالغة كالابتلاء، وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ [سورة البقرة: 155]. لماذا؟ ليبتلي صبرنا، لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا [سورة آل عمران: 186].

لماذا؟ ليعلم من يصبر، من يثبت على دينه، من يتراجع، وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً  [الأنبياء: 35]. وهكذا الشدائد،  وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ [سورة الفجر: 16]. ضيّق عليه رزقه، مديون مطالب، هناك حكمة من وراء ذلك، الله قد يستخرج عبوديات بالابتلاء لا تُستخرج بدون الابتلاء، الله قد يدفع عُجباً ويدفع غروراً، ويعالج نفس العبد المنحرفة بأنواع من الابتلاءات، لولا الابتلاءات كان طغى وبغى وفجر، الله يبتلي الشعوب أحياناً بالطواغيت والفراعنة، لماذا؟  وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ [سورة البقرة: 49]. وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ  [سورة محمد: 31].

ولذلك لو قال قائل الآن: هذا الذي يحدث في الشام وبورما؟ نقول: يا أخي، والله الذي لا إله إلا هو إن وراءه حكم عظيمة، مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [سورة آل عمران: 179].

يا أخي ما أسهل على الله أن يهزم هؤلاء، ما أسهل على الله أن يدمّرهم، ما أسهل على الله   أن يأخذهم،  وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ [سورة محمد: 4].

يا جماعة، لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ [محمد: 4]. في قضية المواجهة بين الحق والباطل، والإيمان والطغيان، والكفر والإسلام، هذه أحداث تُظهر معادن الرجال، هذه أشياء تُظهر الذي يقدّم للدين، من الذي يتقاعس، هذه ابتلاءات يظهر الله على من يصبر على فقد أولاده وماله وبيته، هذه أشياء تبيّن من الذي يحمل السلاح بطراً وأشراً، ومن الذي يحمل السلاح جهاداً ودفاعاً، هذه التي تبين من الذي يبذل ماله ومن الذي لا يبذل ماله، هذه أشياء يستخرج الله بها من النفوس ما في الإيمان أو الكفر، ما فيها من النفاق أو ما فيها من حقائق الدين، هذه أشياء يتميز بها الخبيث من الطيب، هذه أشياء الله يصطفي بها شهداء، ولولا المذابح ما صاروا شهداء، لولا المذابح ما كانوا شهداء، هذه أمور يظهر الله فيها حقيقة هؤلاء الناس، يعرفنا كفرهم، يعرفنا شركهم، يعرفنا ظلمهم، يعرفنا بغيهم، وقد كان كثير من الناس عن حقائقهم في غفلة، كان كثير من الناس عن واقع هؤلاء الباطنية في غفلة، وحتى يظهر للمسلمين أن العز كيف يكون بالجهاد في سبيل الله، ودفع أعداء الله، وما معنى قول الله: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ [سورة البقرة: 251]. وهنا تظهر قضية المدافعة، وإذا كانت الأمم مقصرّة في هذه الفريضة تستعد لها، وتقوم تدافع ، إذا كان الناس المسلمون في ركود، كانوا في خنوع، كانوا في ذل، يكون هناك عز، نعم فيه تضحية، فيه قتلى، فيه جرحى، فيه بيوت مهدمة، هناك خسائر عظيمة، لكن خرج ناس من الطغيان، خرج ناس من الذل، خرج ناس من الخوف والرعب، صاروا أعزّة، بعضهم على الأقل، ثم لا يمكن أن يزول طغيان وفرعنة كهذه إلا بالتضحيات، الطغيان هذا هو الكفر، وحكم الكفر بسهولة يزول بدون مقابل، ثم يظهر حال الساكتين، وحال الصامتين، وحال المتقاعسين هؤلاء، والله ينتقم منهم، والله يجازيهم على تقاعسهم، والله -عز وجل- يعاقبهم يوم القيامة،

كذلك يظهر حال أهل الإسلام في تقديمهم وبذلهم، عالم تؤوي ناساً في بيوتهم، يسكن في المطبخ ويضع هؤلاء في غرفة نومه هذا ماذا؟ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ [سورة الحشر: 9].  وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ  [سورة الحشر: 9]. ينكشف، وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [سورة الأنعام: 55].  لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ  [سورة الأنفال: 42].كل الناس تموت، لكن دع هذا يموت على حق واضح، والآخر يهلك على باطل واضح.

 لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ [سورة الأنفال: 42]. ويتبين للناس، هناك انخداعات خُدعوا بها من أشياء ووعود تظهر، الكفر ملّة واحدة، والحكم الإلهية من طول المحن وطول الابتلاءات شيءٌ عظيم، لكن في النهاية يقود إلى نصر مبين، ويقود إلى عز ظاهر، وتقود هذه المحن وهذه الابتلاءات إلى الرجوع إلى الله، وهناك ناس اهتدوا لولا المحنة ما اهتدوا، وتابوا لولا الابتلاء ما تابوا، وحتى إذا أخذ الله الظالمين في النهاية يأخذهم وقد استحقوا الأخذ بجرمهم، وظلمهم، وأيضاً هناك أشياء في الصدور، قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ [سورة التوبة: 14-15]. وهناك أولاد للمسلمين صغار، قدّر الله وقضى أن يكونوا في كفالة إبراهيم وسارة، وليس في كفالة آباءهم وأمهاتهم، فيقال لمن أصيب في ولده في مثل هذه المحن في الشام وغيرها: أيسرُّك أن يكون ولدك عندك أنت وأمه، ماذا ستعمل له أنت؟ تبحث له عن مدرسة خاصة، أو عن رعاية طبية، أو عن ملابس عيد، أو عن أكل جيد، ستكون أكثر رعاية للأولاد من إبراهيم وسارة، وقد جاءت في الأحاديث والنصوص أن هؤلاء أطفال المسلمين في الجنة. [رواه الحاكم في مستدركه: 1418، وابن حبان في صحيحه: 7446 وابن أبي شيبة في مصنفه: 12052، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 1023].

يقولون: ذبحوا، نقول: ذهبوا إلى الجنة، ما رأيك؟ انظر حادثة الخضر؛ ما الحكمة من خرق السفينة؟ خرق السفينة هذا منكر، فساد، إن كان سيأخذها الملك غصباً، لماذا ذبح الولد؟ الولد صغير فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [سورة الكهف: 80-81]. سبحان الله.

هناك حكم باهرة عظيمة، الأطفال الذين ذبُحوا في الحولة أو في غيرها، ذهبوا إلى الجنة، أطفال المسلمين في الجنة بإجماع أهل السنة، وفي كفالة إبراهيم وسارة، حتى والده ووالدته مهما بذلا لن يكونوا أحسن من إبراهيم وسارة، يكشف الله تعالى النفاق ويظهره، وكان قد عشعش وفرّخ وفاض، يكشف الله الطائفة المنصورة ويظهرهم، وينصرهم ويعزهم، فيكون لهم فرحة عظيمة في الدنيا، وعز، ويكون للمسلمين لجوء إلى الله ودعاء وقنوت، والله الذي لا إله هو لن يكون لو لم تقع المحنة، لكن هناك تضرُّع إلى الله ؛ بسبب المحنة، وهناك طاعات لا تحدث لولا المحنة، وهناك تعبُّدات لا تقوم بنفس الدرجة لو لم تقع المحنة،  العبادة في الهرج كهجرة إلي [رواه مسلم: 2948]. فلتستيقظ الأمة من رقادها، تحدث هذه الأحداث العظيمة، حتى ترجع إلى الله، وإلا تصير القضية كلها انشغال بالدنيا، وهو لعب ولهو وزينة، وتفاخر وتكاثر، يتربى جيل في المحنة ليس كمثل الجيل الذي يتربى في الخنوع، ولا مثل الجيل الذي يتربى في الترف، هناك جيل جديد يُصنع، يصنع الله جيلاً جديداً في المحنة.

لا يمكن أن ينشأ أبداً مهما عملنا، لا يمكن أن ينشأ في أجواء الخنوع ولا في بيئة الترف، ما يمكن ، الإخوة الإسلامية هذه والتشابك الذي يحصل، وتقارب المسلمين من بعض وتلاحم المسلمين مع بعض، ودعاء المسلمين لبعض، ومعاونة المسلمين...، هذه أشياء عظيمة، حكم باهرة، بالغة، تجد -سبحان الله-، كشف شيوخ الضلال، وشيوخ الإباء، الاستسلام من يستسلم لله، ومن الذي يعترض على أحكام الله، ومن جملة الكلام موضوعنا، عندما قلنا: الحكمة، هناك ناس يعترضون يقولون: لماذا مذابح؟ لماذا حرام؛ لأنهم يعترضون على الله في فعله، يعترضون على الله في قضائه وقدره، فمن الحكم في الأحداث: أنه يظهر من يعترض على الله، ومن المستسلم لأمر الله، من الذي عنده فقه في الحكمة، ومن الذي عنده جهل، فنسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يعلّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علّمنا، وصلى الله على نبينا محمد.

  • rose

    السلام عليكم ، جزاكم الله خيرا. وجدت البارحة هذا الموقع،فاحببته. أحببت طريقة الا لقاء, تشجع على الا ستماع الى نقطة النهاية. اتمنى ان تكون ترجمة الى لغات اخرى لاستفادة العامة ،او للتبليغ لمن لا يعرف لغتنا. بارك الله فيكم.

  • أنا مستسلم

    درس رائع و مفيد جدا!! اللهم احفظ الشيخ المنجد و جازيه خيرا عن هذه المحاظرة!!