الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
الحمد لله الذي أنزل علينا الكتاب، وأرسل إلينا الرسول محمداً ﷺ، فعلّمنا وأحسن تعليمنا، وفقّهنا في أمور ديننا، وهو القائل ﷺ: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين [رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037].
حاجة المسلم الضرورية للفقه في الدين
وإن الفقه في الدين من الأمور العظمية، ومعرفة الأحكام الشرعية من الواجبات الكبيرة، والناس يحتاجون إلى معرفة الأحكام في كثير من الأمور، وخصوصاً الأمور المتكررة، التي تكون الحاجة إليها قائمة باستمرار، وحديثنا في هذه الليلة ودرسنا عن موضوع علمي فقهي شرعي، وهو موضوع له لذّة، وفيه إعمال للعقل والفكر، موضوع نحتاج إليه جميعاً؛ لأننا نعايشه، ونتعرض لكثير من المواقف التي توجب علينا معرفة الأحكام المتعلقة بهذا الموضوع، لو سأل سائل فقال: هل يجوز لي أن أدخل على زوجة عمي أو زوجة خالي؟ أو هل يجوز لي أن أرى خالة زوجتي؟ أو عمة زوجتي؟ وتسأل امرأة فتقول: هل يجوز لي أن أرى عم زوجي، أو خال زوجي مثلاً، وأكشف عليه؟ فإن كثيراً من الناس يتحيرون ويضطربون، ولا يدرون ما هي الأحكام الشرعية المتعلقة بهذا الموضوع، ألا وهو موضوع المحرّمات، ونحن بصدد معرفة معنى آية عظيمة من كتاب الله -سبحانه وتعالى-، وسنناقش وإياكم معنى هذه الآية، وما اشتملت عليه من الأحكام، ثم يكون هناك أسئلة موجهة إليكم، متعلقة بما ذكرناه من الأحكام، وبعض هذه الأسئلة تحتاج إلى تفكير، إذ أنها ليست أسئلة مباشرة، ولكن سيتبين من خلال النقاش كثيراً من الأحكام التي ربما كان بعض الإخوة عنها في بعد، وعدم اطلاع وتبصُّر.
قال الله في سورة النساء، وقبل أن نقول الآية أقول في نهاية الحديث عن هذه الآية والأسئلة سيكون هناك إجابات عن أسئلتكم الذي طُرحت في المحاضرة السابقة، إذ أنني أحتفظ بجميع الأسئلة الواردة إلي في جميع المحاضرات التي سبق أن حصلت، وأستفيد من هذه الأسئلة، وبعض هذه الأسئلة ربما يكون داخلاً في بعض المحاضرات، بل ربما يكون هو عنواناً لبعض المحاضرات، وإذا كان هناك وقت لنجيب على أسئلة أخرى ترد في هذه المحاضرة، سنفعل ذلك إن شاء الله.
قال الله : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 23].
هذه الآية فيها إشارة، ولعلكم تحتاجون لكتابة بعض النقاط حتى تستحضروا الأجوبة عن بعض الأسئلة التي ستلقى عليكم فيما بعد، هذه الآية فيها إشارة إلى نوعين من المحرمات: محرمات إلى الأبد، ومحرمات إلى أمد، تحريم مؤبّد، وتحريم مؤقت، وهذه الآية فيها إشارة إلى محرّمات بالنسب، ومحرمات بسبب.
من المحرمات بالنسب مثل الأمهات، والأخوات، والمحرمات بسبب إما أن يكون السبب هو الرضاع، أو المصاهرة، فالرضاع مثل الأخت من الرضاع، والمصاهرة مثل أم الزوجة مثلاً.
وهذه الآية أيضاً فيها بيان ما هو تحريم عين؛ كالأم، والأخت، وتحريم جمع؛ كالجمع بين الأختين، ولذلك هذه الآية تضمنت فقهاً عظيماً، وربما يقرؤها الواحد منا في ختمه للقرآن، ولا يلم بمعانيها، ونحن نتعرض كما ذكرنا يومياً إلى مواقف من الأقارب، لا يعلم كثيراً من الناس ما هو الموقف حيال هؤلاء من الناس الذين بينك وبينهم صلات نسبية أو سببية، فلعلك أيها الأخ المسلم ستستفيد فائدة كبيرة إن شاء الله من وراء معرفة هذا الموضوع.
قال الله : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وهذه الآية تتضمن سبعة أنواع من المحارم بالنسب، وسبع بالسبب، سواء كان السبب رضاع أو مصاهرة.
السبع المحرمات من النسب في الآية
فأما المحرمات السبع بالنسب، والنسب هو الرحم، فهن سبع إلى الأبد محرمات إلى الأبد، لا يجوز لك أن تتزوج بهن ولا في يوم من الأيام.
الأمهات
وأولى هؤلاء هن الأمهات، قال الله : حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ والأم هي كل أنثى لها عليك ولادة، من جهة الأم أو من جهة الأب، كل من انتسبت إليها بولادة، كل من انتسبت إليها بولادة فهي أم، فأمك التي ولدتك هي أم ولا شك، وإن علت، فأم أمك داخلة في التحريم الجدة، وأم أبيك داخلة أيضاً في التحريم، وأم أم الأم، أم الجدة، داخلة في التحريم أم الأم، أم أمك، أم أم أمك، وأم أم أبيك، وجدتا أبيك، أم أمه، وأم أبيه، وجدات جداتك، وجدات أجدادك، وإن علون وارثات أو غير وارثات، هن كلهن محرمات وأمهات، لعموم قوله تعالى: وَأُمَّهَاتُكُمُ فأبهموا ما أبهم القرآن، فلم يحدد القرآن أي طبقة من الأمهات، وإنما قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ، فإذن، أمك محرمة عليك، وأم أمك محرمة، وأم أبيك محرمة، وأم أم أمك محرمة، وأم أم أبيك محرمة، وهكذا يتفرعن علواً، كلهن أمهات محرمات.
البنات
والنوع الثاني، أو القسم الثاني: البنات، والبنت اسم لكل أنثى لك عليها ولادة، انتسبت إليك بولادة، سواء كانت بنتك المباشرة من صلبك، أو من جهة ابنك، أو من جهة بنتك، فعلى ذلك بنت الابن محرمة أم لا؟ بنت الابن محرمة، بنت البنت، الحفيدة محرّمة، وبنت بنت ابنك محرّمة، وبنت بنت بنتك محرّمة، وإن نزلن، كلهن بنات محرمات، فحفيدتك، وحفيدة حفيدتك، وحفيدة حفيدة حفيدتك لو أدركتها فهي محرمة عليك، لعموم قوله تعالى: وبناتكم .
الأخوات
ثالثاً: الأخوات، والأخت هي كل أنثى جاورتك أو شاركتك في أصليك، وأصلاك: الأب والأم، أو في أحدهما، فتشمل أختك الشقيقة، الأخت الشقيقة جاورتك في الأصلين؛ لأنها أختك من أبيك وأمك، وأختك من أبيك محرّمة، وأختك من أمك محرّمة كذلك، ولا تفريع هنا، لا تفريع، فإذن، الأخت الشقيقة، أختك من الأم، أختك من الأب هؤلاء كلهن أخوات محرّمات.
العمات
رابعاً: العمّات، والعمة أخت أبيك من الجهات الثلاث، سواء كانت أخت أبيك الشقيقة، أو أخت أبيك من أبيه، أو أخت أبيك من أمه، هؤلاء كلهن عمات محرمات، ما قولكم في أخت الجد؟ محرمة، أخت الجد محرمة، هي عمة وعمة كبيرة، فعمة جدك مثل عمتك، وعمة أبيك مثل عمتك، كلهن محرمات، وما رأيكم إن كان الجد قريباً أو بعيداً، هل يفرق في الحكم؟ كلا، فما قولك في عمة الأم، هل هي محرمة عليك أم لا؟ عمة الأم محرمة، وعمة الأم هي أخت جدك لأمك، يعني أخت أبي أمك، أخت أبي أمك هي عمتك لأمك، فهي داخلة في العمات المحرمات لعموم قوله تعالى: وَعَمَّاتُكُمْ [النساء: 23].
الخالات
الخامس: الخالات والخالات هن أخوات أمك من الجهات الثلاث، سواء كانت أختها الشقيقة، فهي خالة، وأختها لأبيها خالة، وأختها لأمها خالة، فماذا تقول الآن في أخت جدتك؟ هل هي خالة؟ نعم، تكشف عليها؟ نعم، وإن علت الجدات، فكل أخت لجدة فهي لجدتك من جهة أمك، فهي خالة محرّمة، فكما أن كل جدة أم، فكذلك كل أخت لجدة هي خالة محرمة، فما قولك في خالة الأب؟ محرمة، من هي خالة أبيك؟ أخت أم أبيك، يعني أخت جدتك لأبيك، هذه خالة محرّمة.
بنات الأخ
النوع السادس: بنات الأخ، بنت الأخ هي اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة مباشرة، أو من جهة أمها، أو من جهة أبيها، فمثلاً بنت أخيك الشقيق محرّمة، بنت أخيك من الأب محرمة، بنت أخيك من الأم، محرّمة، وإن نزلن، فمثلاً: بنت ابن أخيك، أخوك عنده ولد، والولد هذا عنده بنت محرّمة عليك، وبنت بنت أخيك محرّمة عليك، نعم، وإن نزلن، لعموم قوله تعالى: وَبَنَاتُ الْأَخِ [النساء: 23].
بنات الأخت
وكذلك سابعاً وأخيراً من أنواع المحرمات بالنسب تحريماً مؤبداً: بنات الأخت، وبنت الأخت هي كل امرأة انتسبت إلى أختك بولادة، كل امرأة انتسبت إلى أختك بولادة فهي بنت أخت محرّمة، فبنت أختك الشقيقة محرّمة، وبنت أختك من أبيك محرّمة، وبنت أختك من أمك محرّمة، وبنت بنت أختك محرّمة، وبنت ابن أختك محرّمة، وإن نزلن كلهن محرّمات لعموم قوله تعالى: وَبَنَاتُ الْأُخْتِ [النساء: 23].
المحرمات بسبب الرضاعة في الآية
الأمهات من الرضاعة
ثم قال الله : وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ انتقل الآن من التحريم بالنسب إلى التحريم بالسبب وهو، ما هو السبب؟ الرضاع، الرضاع وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: 23]. فالمرأة التي أرضعتك هي أم لك، مثل: أمك من جهة التحريم، فالتي أرضعتك تكشف عليها مثل أمك، هل لها حكم بر الأم؟ الأم بالرضاع تُبر في الأحكام مثل الأم بالنسب؟ الجواب: لا، فليست مثلها في البر، فالأم التي أرضعت ليست مثل الأم التي حملت وولدت ورعت، فلا شك أن هذه الأم التي ولدت منزلتها أعلى بكثير من الأم التي أرضعت فقط، أُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ما رأيك بأم أمك التي أرضعتك؟ أرضعتك امرأة ولها أم، أمها هذه محرّمة عليك وإن علون.
الأخوات من الرضاعة
من القسم الذي يليه: الأخوات من الرضاعة المذكور في الآية: الأخوات من الرضاعة، من هي أختك من الرضاعة؟ التي أرضعتها أمك، أيضاً أختك بالرضاعة تشمل المرأة التي أرضعتها أمك، وكذلك التي رضعت أنت من أمها.
فإذن، الأخوات من الرضاعة تشمل: المرأة التي أرضعتها أمك، والمرأة التي أرضعتك أمها، وكذلك بنات زوج المرضعة، بنات زوج المرضعة، يعني لو أنك رضعت من امرأة، هذه المرأة در لبنها بسبب الزوج، هذا ما علاقتك به؟ أبوك من الرضاعة، صاحب اللبن، الذي درّ اللبن بسببه، هذا الرجل الذي هو أبوك من الرضاعة متزوج من زوجة أخرى غير التي أرضعتك، وعنده منها بنت، فما هي هذه البنت؟ أختك بالرضاعة، وكذلك أخواتك بالرضاع كذلك، يعني اشتركت أنت وأنثى بالرضاع من امرأة خارجية، فلا شك أنها تكون أختاً لك من الرضاع.
يعني لو أرضعتك امرأة الجيران، وأرضعت أنثى أخرى من العمارة التي تسكنون فيها، فإن هذه البنت التي رضعت أنت وإياها من هذه الجارة هي أختك من الرضاع، وهذه المرأة التي أرضعت لا هي أمك، ولا هي أمها، لكن ما دام اشتركت أنت وهذه الفتاة وهذه البنت بالرضاع من امرأة أياً كانت أمها أمك جارة من الجيران، فإنك تكون بذلك أخاً لها من الرضاع، والآن قولوا لي: متى يكون الشخص له أب من الرضاعة، وليس له أم من الرضاعة؟ متى يكون الشخص له أب بالرضاع، وليس له أم بالرضاع؟ إذا كان رجل له زوجتان، رضعت من إحداهما رضعتين مثلاً، ومن الأخرى ثلاث رضعات، فصار المجموع خمس رضعات من لبن رجل واحد، من لبن درّ بسبب رجل واحد، من هو الرجل؟ يكون لك أبوك من الرضاع، وإحدى زوجتيه ماذا تكون لك؟ لا شيء، والزوجة الأخرى لا شيء، تكشف على زوجتيه؟ لا؛ لأنها ما صارت أم بالرضاع؛ لأن الرضاع لا بد أن يكون خمس رضعات فأكثر في خلال السنتين الأوليين، فإذا كان الرضاع خمس رضعات فأكثر في خلال السنتين الأوليين، صار رضاعاً له أحكام، جرت أحكام الرضاع، فإذن، في هذه الحالة يكون لك أب من الرضاع، ولا يكون لك أم من الرضاع.
نأتي الآن إلى تكملة موضوع الرضاع الذي لم يُنص عليه في الآية، لكن نُص عليه في الحديث، وهي قوله ﷺ: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [رواه البخاري: 2645]. يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، إذا أرضعتك امرأة ماذا تصبح لك؟ أمك بالرضاع، وأمها جدتك بالرضاع، وأختها خالتك بالرضاع، وبناتها أخواتك بالرضاع، وبنات ابنها بنات أخيك من الرضاع، وبنات بنتها بنات أختك من الرضاع، كلهن محرّمات عليك، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ولذلك المرضعة تنزّل منزلة الأم، وكل امرأة حرُمت من النسب حرُم مثلها من الرضاع، كالعمة، والخالة، والبنت، وبنت الأخ، وبنت الأخت، وهكذا يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .
زوج المرضعة صاحب اللبن، يكون لك أبوك من الرضاع، وأخوه عمك من الرضاع، وأخته عمتك من الرضاع، وأبوه جدك من الرضاع، وأبو الأب أبو جدك من الرضاع، وهكذا إن علوا، وأم صاحب اللبن جدتك بالرضاع، وأم أمه كذلك وإن علون، وأولاد صاحب اللبن، ولو من امرأة أخرى غير التي أرضعتك أخواتك من الرضاع، بنات صاحب اللبن ولو من امرأة أخرى غير التي أرضعك، أخواتك بالرضاع، وما رأيك بصاحب اللبن إذا كان له ابن، وهذا الابن له بنت، فماذا تكون؟ بنت أخيك من الرضاع، فإذن، أولاد صاحب اللبن ولو من امرأة أخرى إخوة وأخوات من الرضاعة، وأولادهم أبناء وبنات وأولادهم يكونوا لك أبناء وبنات أخ وأخت من الرضاع.
المحرمات بالمصاهرة
ثم ننتقل إلى صنف آخر مذكور في الآية، وهو سبب آخر غير الرضاع يسبب التحريم، ألا وهو المصاهرة.
المصاهرة هو أنك تتزوج امرأة من عائلة فتنشأ علاقة مصاهرة، فتكون أم الزوجة محرمة عليك، بالمصاهرة، قال الله : وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ فمن تزوج امرأة حرُم عليه كل أم لها، من النسب أو من الرضاع، قريبة أو بعيدة، بمجرد العقد على الراجح، فلو أنك عقدتَ على امرأة، أمها محرمة عليك ولو ما دخلت عليها، بمجرد ما عقدت على امرأة حرُمت عليك أمها، لو طلقت هذه الزوجة، فهل تبقى أمها محرمة عليك؟ نعم.
زوجتك لها أم أرضعتها تحرم عليك، وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ جدة زوجتك تحرم عليك.
ثم قال الله : وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ [النساء: 23]. إذا تزوجت امرأة وعندها بنات من رجل سابق، تزوجت امرأة وعندها بنات من رجل سابق، هل يحرُمن عليك؟ إذا دخلت بها، إذا دخلت بامرأة، عقدت ودخلت بامرأة لها بنات من غيرك، بنات سابقات من غيرك يحرمن عليك، وهؤلاء البنات يسمين بـالربائب، هذه الربيبة تحرم عليك إذا دخلت بأمها، فكل بنت لزوجتك من نسب أو رضاع، قريبة أو بعيدة، وارثة أو غير وارثة، إذا دخلت بأمها حرمت عليك، سواء كانت في حجرك أو لم تكن في حجرك.
نأتي الآن لسؤال: تزوجت امرأة وعندها بنت أرضعتها، فهل تحرم عليك؟ نعم، تحرم عليك.
تزوجت امرأة وعندها بنت، لكن ليست مقيمة عندك في حجرك تربيها، ما زالت موجودة في بيت آخر، تحرُم عليك إذا دخلت بأمها؟ نعم، إذن، ماذا تقولون في قول الله : وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ ما هو مفهوم هذه الآية: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مفهوم الآية: إذا ما كانت في حجرك فلا تحرم عليك، لكن هل يُعمل بهذا المفهوم؟ لا، لماذا؟ لأن هذا القيد: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ هذا خرج مخرج الغالب ولم يخرج مخرج الشرط، يعني غالباً إذا تزوجت امرأة وعندها بنات أنك ستضم بناتها معك فيكون في حجرك، فإذن، هذا خرج مخرج الغالب، وليس شرطاً، ولذلك لا يُعمل بمفهومها؛ ولأن ما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه كما يقول الأصوليون، هذه قاعدة أصولية، ما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه، وهذه الآية قد خرجت مخرج الغالب وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ فالخلاصة: سواء كانت بنت زوجتك في حجرك أو ما كانت في حجرك فهي محرّمة عليك إذا دخلت بأمها، ثم قال الله : وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [النساء: 23]. والحليلة هي الزوجة، فزوجات الأبناء محرّمات على الأب، زوجة ابنك محرّمة عليك، زوجة حفيدك محرّمة، وإن نزلن، وإن نزلوا، قوله: الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ [النساء: 23]. أخرج الولد المتبنى على عادة الجاهلية، وقيده بالولد بالصلب، كم نوعاً ذُكر من التحريم بالمصاهرة في الآية، الآية بالمصاهرة؟ أم الزوجة، بنت الزوجة إذا دخلت بالزوجة، وزوجة الابن.
بقي واحدة من المحرّمات بالصهر ما ذُكرت في الآية، وهي: زوجة الأب، فزوجة الأب في الآية التي قبلها، في هذه الآية ما ذكرت زوجة الأب، لكن ذُكرت فيما قبلها، ولذلك بعد هذه الآية: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 24]. يعني: كل امرأة محصنة عفيفة لا يجوز لك أنك تكشف عليها، إلا إذا تزوجتها بعقد صحيح، فزوجة الأب من المحرّمات، وزوجة الجد، جدك عنده زوجتان، واحدة منهن جدتك والثانية زوجة أخرى، هي محرّمة عليك، فزوجة جدك محرّمة عليك أيضاً، والدليل على تحريم زوجة الأب: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 22].
هذا الدليل على تحريم زوجة الأب، فزوجات الآباء محرّمات على الأبناء؛ تكرمة للآباء، وإعظاماً للآباء، واحتراماً للآباء أن يطأها ابنه من بعده، ولذلك الرسول ﷺ لما وصله خبر أن رجلاً قد نكح امرأة أبيه أرسل مسلماً ليقيم عليه الحد وهو القتل" [رواه أبو داود: 4457، والنسائي في الكبرى: 5465، والحاكم: 8056، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 4457]. فمن تزوّج بزوجة أبيه ودخل بها وهو عالم يُقتل.
نعيد الأربعة: أم الزوجة، وبنت الزوجة من غيرك إذا دخلت بالزوجة، وزوجة الابن، وزوجة الأب، هؤلاء كلهن محرمات بالمصاهرة.
نأتي الآن إلى قوله : وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء: 23]. فنكون هنا قد دخلنا في القسم الثاني من أقسام التحريم وهو تحريم الجمع، هناك تحريم عين؛ أخت، أم بعينها، وهناك تحريم جمع، فهي ليست محرمة بعينها هي محرمة، لكن لما جمعت صارت محرمة، وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ [النساء: 23]. فتحرم إلى أمد مؤقت أخت زوجتك، هل تحرم عليك أخت زوجتك من الرضاع، أم يجوز أن تجمع بين زوجتك وأختها من الرضاع؟ تحرم، لا يجوز أن تجمع بين زوجتك وأختها، لا من الرضاع ولا من النسب، وقد أضيف إلى هذا الحكم في الآية حكم ورد في الحديث الصحيح، وهو تحريم الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، فلا يجوز الجمع بين المرأة وعمتها، ولا المرأة وخالتها، ما رأيكم في الجمع بين المرأة وعمة أبيها؟ حرام، وإن علون، ما رأيكم في الجمع بين المرأة وخالة أمها؟ حرام، وإن علون، وهكذا، فإذا طلّق المرأة وانتهت العدّة، أو ماتت الزوجة مثلاً، فهل يجوز له أن يتزوج بأختها من الرضاع، أو من النسب أو بخالتها، أو بعمة الزوجة الميتة؟ نعم، هل يجوز للرجل أن يعقد، رجل طلّق امرأته، فلما طلّق امرأته ودخلت المرأة في العدة، أراد أن يعقد على أختها، فهل يجوز، أو لا يجوز؟ لا يجوز، لماذا؟ الجواب هنا: لأنه قد يراجعها، فكيف يراجعها في العدّة ويعقد على أختها، وقد يراجع الأولى، فلا يجوز أن يعقد على أختها إلا بعد انتهاء العدة، كما أنه لا يجوز للرجل أن يعقد على خامسة وقد طلق الرابعة، والرابعة لا تزال في العدة، اختلف بعض أهل العلم في مسألة الطلقة إذا كانت الطلقة بائن، فهل يجوز أن يتزوج؟ أو لابد تنتهي عدة الطلقة البائن، والأحوط أن يتنظر حتى تنتهي عدة الطلقة البائن، فلذلك لا يجوز أن يتزوج أخت زوجته المعتدة من الطلاق، فإذا كانت الزوجة تعتد من طلاق فلا يعقد على أختها، ولا على عمتها، ولا خالتها، لو قال شخص: هل هناك قاعدة تبين لنا من هن النساء اللاتي يحرم عليك أن تجمع بينهن؟
عرفنا الآن ما يجوز أن تجمع بين المرأة وأختها، والمرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، فهل يجوز مثلاً أن تجمع بين بنتي عمك؟ من يعرف الجواب؟ يجوز أن تجمع بين بنتي عمك إذا ما كانوا أختين، فلو كان عندك عمان، كل واحد له بنت، فهل يجوز أن تتزوج الثنتين، وتجمع بينهما، نعم يجوز، وهناك قاعدة لطيفة ذكرها بعض أهل العلم وهي أنه "يجوز الجمع بين امرأتين لو كانت إحداهما ذكراً لجاز له أن يتزوج بالأخرى"، يجوز الجمع بين أي امرأتين لو تصورنا إحداهما ذكراً لجاز له أن يتزوج بالأخرى، فالآن بنتا العم لو كانت إحداهما ذكراً يجوز يتزوج بالأخرى؟ نعم.
بنتا خال؟ نعم.
ما رأيكم الآن في الجمع بين المرأة وبنت أخيها؟ لا يجوز؛ لأنه لو كان هذا واحد منهم رجل لما جاز له أن يتزوج ببنت أخته أو بنت أخيه، ولذلك فإنه لا يجوز الجمع بين المرأة وابنة أخيها، أو ابنة أختها.
انتهينا من بيان أو المذكورات في هذه الآية، وهي قول الله في محكم تنزيله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا [النساء: 23]. وبذلك تبين لكم من هم المحارم.
وننتقل الآن إلى الأسئلة حيث سنعرف الآن مدى الاستيعاب الذي حصل من خلال هذا الدرس.
أسئلة متعلقة بالآية
السؤال يقول: أمك أرضعت امرأة فهل تحرم عليك أمها؟ ولماذا؟
أنت لك علاقة بالبنت رضعت من أمك، هذه أختك من الرضاع، لكن أمها ليس لك بها علاقة فلذلك ماذا تكون؟ فأم أختك بالرضاع، إذا رضعت من أمك، ليست محرمة عليك.
السؤال الثاني: أرضعت أمك ذكراً، فهل تحرم عليك أمه أم لا؟
لا تحرم؛ لأنه ليس لك علاقة بأمه، هو أخوك من الرضاع؛ لأنه رضع من أمك، لكن أمه ما لك علاقة بها، نعم.
السؤال الثالث: أرضعت زوجتك ولداً، فهل تحرم عليك أخته الشقيقة أم لا؟
لا؛ لأنها ما لها علاقة.
السؤال الرابع يقول: أرضعتك امرأة فهل تحرم على أبيك؟
ليس لها علاقة بأبيك، لها علاقة بك أنت، هي أمك من الرضاع، لكن ليس لها علاقة، فهل أبوك يكشف على أمك من الرضاع؟
لا.
السؤال الخامس: أرضعتك امرأة فهل تحرم بنتها على أبيك؟
لا تحرم، إذا كانت المرضعة ما تحرم على أبيك فمن باب أولى بنت المرضعة ما تحرم على أبيك.
السؤال السادس يقول: أرضعتك امرأة، فهل تحرم على أخيك؟
لا تحرم؛ لأنها أرضعتك أنت، ولم ترضع أخاك، ولذلك ليس لها علاقة بأخيك، فأخوك ما يكشف عليها، أنت تكشف عليها أمك من الرضاع، لكن أخوك ما له علاقة بها.
السؤال السابع: أم زوجتك بالرضاع، هل تحرم عليك؟
نعم تحرم عليك.
السؤال الذي يليه يقول: هل يجوز لك الزواج بابنة زوجة ابنك من غيره؟
يعني: ولدك تزوج بامرأة عندها بنت من غيره، فمن هي هذه البنت؟ ربيبة ولدك، يجوز تتزوج ربيبة ولدك أو لا؟ نعم؛ لأنها ما لها علاقة بك، هل يجوز لولدك أن يتزوجها؟ ويجوز لأبيه.
نعيد المسألة: ربيبة الولد ليست بحرام على أبيه، ربيبة الولد حرام على الولد، لكن ليست حراماً على أبيه، ولذلك سنجعل هذا سؤال منفصل حتى يتبين أكثر، هل يجوز لك الزواج من ربيبة أبيك، أبوك تزوج امرأة وعندها بنت من غيره، فهل يجوز لك أن تتزوج من ربيبة أبيك أم لا؟ يجوز، لأنه ليس لها علاقة، لكنها حرام على أبيك، هي ربيبته، لكنها ليست حراماً عليك أنت.
السؤال الذي يليه يقول: هل يجوز لك أن تتزوج من أم زوجة أبيك؟
أبوك تزوج زوجة، والزوجة هذه لها أم، هل يجوز أنت ولده أن تتزوج بأم زوجة أبيك؟
فلنحلل المسألة: أم زوجة أبيك حرام على أبيك، فهل هي حرام عليك أم لا، هذا هو الآن صار هذا هو السؤال، يجوز لك أن تتزوج بأم زوجة أبيك؛ لأنها حرام على أبيك وليست حراماً عليك، لكن من الذي يفعل ذلك؟ من الذي سيتزوج بأم زوجة أبيه؟ أقول: لو أبوك تزوج واحدة عمرها ثلاثون سنة، أمها عمرها خمسون سنة، فأنت تريد تتزوج أم زوجة أبيك، فهو من ناحية الجواز: يجوز، لكن من ناحية: أن يحصل أو لا، هذا راجع إليك.
السؤال الذي يليه: هل يجوز لك التزوج من أم زوجة ابنك؟
ابنك متزوج وعنده حماة، فهل يجوز لك أن تتزوج من حماة ولدك؟
يجوز لك أن تتزوج من أم زوجة ابنك، هذه معقولة من ناحية الواقع.
وهنا سيأتي السؤال الذي يوضح ما سبق: لو تزوج رجل امرأة، فهل يجوز أن يتزوج ابنه بنتها، فيكون الأب أخذ الأم، والابن أخذ البنت؟
نعم يجوز؛ لأنها ربيبة أبيه، صحيح، ولذلك لا تحرم عليه، فسواء الابن تزوج الأم وأبوه تزوج بنتها أو الأب تزوج الأم وابنه تزوج بنتها، كل ذلك جائز.
السؤال الذي يليه: زوجة ولدك بالرضاع، هل تحرم عليك أم لا؟
زوجة ولدك بالرضاع، عندك ولد رضع من لبنك، ليس ولدك من صلبك، لكن رضع من لبنك، من لبن أنت السبب فيه، وهذا الولد تزوج، ثم مات أو طلّق إلى آخره، أو تزوجها، ثم أرادت أن تكشف عليك، فهل تسمح لها تدخل عليك، أو لا تسمح لها تدخل عليك، عندك ولد بالرضاع الولد الذي بالرضاع تزوج، زوجته تكشف عليك أو لا تكشف؟ هذا السؤال: تكشف عليك أو لا تكشف؟
الجواب: أنها تكشف عليك؛ لأنها محرمة، يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب [رواه البخاري: 2645].
وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ [النساء: 23].
زوجة أبيك من الرضاع، يعني شخص متزوج ثنتين، إحداهما أرضعتك، والأخرى مات عنها، مات وترك ثنتين، واحدة أرضعتك والثانية ما أرضعتك، هل يجوز لك أن تتزوج بالتي لم ترضعك أم لا؟
هل يجوز لك أن تتزوج بزوجة أبيك من الرضاع؟
لا يجوز أن تتزوج زوجة أبيك من الرضاع؛ لأنها حرام عليك، فإذن، تكشف عليها، فزوجة أبيك من الرضاع مثل زوجة أبيك.
الذي يليه: عمة الزوجة محرّم لك أو لا؟ عمة زوجتك تكشف عليها؟ لا، خالة زوجتك تكشف عليها؟ لا، زوجتك تكشف على خالك؟ لا، زوجتك تكشف على عمك؟ لا، وهذا من المصائب التي وقعت في هذا الزمان؛ أن الناس صار الزوج يترك زوجته تكشف على عمه وعلى خاله، مع أنه ما بينها وبينه علاقة نسب ولا سبب رضاع ولا مصاهرة ولا شيء، فهو أجنبي عنها، لو مات الزوج يجوز لعمه أن يتزوج الزوجة، ولكن مع الأسف صار الرجل يكشف على عمة زوجته وخالة زوجته، يقول: هذه مثل عمتي، ما هي مثل عمتك، ويقول خالة زوجتي مثل خالتي، خطأ ليست مثل خالتك، وكذلك زوجتك لا تكشف على عمك ولا على خالك، ولا يقوم مقام خالها ولا مقام عمها وإن دجل الدجالون وكذب المكذبون المفترون، فإنها محرمة.
سؤال يقول: عقدتَ على امرأة ولم تدخل بها، وهذه المرأة لها بنت، ورغبتَ في البنت، فطلّقت الأم من أجل أن تتزوج البنت، فهل يجوز لك، أو لا يجوز؟ أنت الآن تزوجت امرأة ولها بنت من رجل آخر، فلما علمت بالبنت ودينها وجمالها وصغر سنها بالنسبة لأمها، قلت: أنا لا أريد أمها، سآخذ البنت، فأنا الآن ما دخلت بالأم، فأطلق هذه الأم، وأتزوج بنتها، فهل يجوز، أو لا يجوز؟
نعم، ما دخل عليها، ما دخل على الأم، يتزوج بنتها، أكيد.
فإذن، لو أنه عقد على امرأة لها بنت، مجرد العقد، ثم قيل له: يا فلان، ماذا تريد بهذه؟ عندها بنت تراها دينة وجميلة وأصغر من أمها بطبيعة الحال، طلق هذه الأم وتزوج البنت، فالجواب: يجوز لكن إذا رضيت أمها.
هذا السؤال سنهدي عليه كتاب، السؤال يقول: متى يقول الشخص: أختي من النسب تزوجت أخي من النسب، متى يقول الشخص: أخي تزوج أختي، ومن النسب وليس بالرضاع؟
أخت من أم، وأخ من أب، صحيح، فلذلك يأخذ الجائزة.
فإذا كان عندك أخ من أب وأخت من أم، الأخ من الأب أخوك من النسب، والأخت التي من أم أختك من النسب، لكن هل بينهما علاقة؟ أخوك من أبيك، هل له علاقة بأختك من أمك نسب أو رضاع أو ... ما لا يوجد في الأحوال العادية بدون ما نفترض دخول أي شيء آخر من رضاع أو مصاهرة...، ففي هذه الحالة تقول: أخي -يعني من أبي- تزوّج أختي من أمي ويجوز ذلك.
ما هي الحالة التي يكون فيها الإنسان خالاً وعماً في نفس الوقت؟
إذا حصلت هذه الحالة فعند ذلك يكون الشخص خالاً وعماً في نفس الوقت؟
إذا تزوّج أخوه من أبيه بأخته من أمه، فأنجبا ولداً، ففي هذه الحالة أخوه من أبيه تزوج أخته من أمه فأنجبا.
لنفترض أن رجلاً اسمه: محمد، له أخ من أمه اسمه: عبد الله، وله أخت من أبيه اسمها: فاطمة، عبد الله تزوج فاطمة، فإذن، عبد الله وفاطمة أنجبا ولداً، ولنقل: اسمه سعيد، محمد ماذا يكون لسعيد؟ خالاً وعماً في نفس الوقت، فيكون خالاً؛ لأنه أخو أمه، ويكون عماً: لأنه أخو أبيه، فيكون خالاً وعماً في نفس الوقت، أظن بهذا نكون قد أتينا على معظم الأحكام المتعلقة بالمحارم، ونرجو أن تكون حصلت الفائدة في هذا الدرس من هذا الموضوع.
الإجابة عن الأسئلة
وننتقل الآن للإجابة على أسئلتكم.
يقول السؤال: هل من الضروري أن يكون المربّي متزوّجاً؟
الجواب: لا يشترط ذلك، ولكن لا شك أن الزواج من أسباب العفّة، فإذا كان الرجل لا يشعر بالعفّة إلا بالزواج، فلا بد أن يتزوج، إذ كيف يشتغل بالتربية وهو يكون واقعاً في المعاصي، ولا نقول أنه لا يمكن، يمكن أن يشتغل وهو عنده معاصٍ، لكن ليكون كاملاً في تربيته ينبغي أن يكون عفيفاً.
يقول: كيف نفرّق بين القدوة والرياء؟
يعني: إنسان قام يعمل عملاً من الأعمال الصالحة ليُقتدى به، كيف نفرّق بينه وبين أن يكون الشخص مرائياً؟
الجواب: يكون ذلك بالنية، فإذا كان الشخص نوى أنه بعمله يهتدي به الآخرون ويقلّدونه فيه فإنه يكون قدوة، وأما إذا قام رياء، ليس من أجل أن ينشط الآخرون ويعملوا بعمله، رياء، فإنه يكون مرائياً، ولذلك النية هي التي تفصل بينهما.
يقول: هناك مخططات لإفساد وسلب الهوية الإسلامية من نفوس الشباب؛ خصوصاً في هذه المنطقة عن طريق القنوات الخليعة التي بدأت تصل تباعاً، فما هي النصيحة في هذا؟
نقول: أيها الإخوة، نعم، هناك حملات صليبية جديدة، ولكنها من نوع مختلف عن الحملات الصليبية القديمة، وقد وصلت هذه الحملات الصليبية الأمريكية والإنجليزية والفرنسية في طريقها إلى الوصول في أول السنة القادمة في مطلع يناير القادم لتبث إلينا السموم بأنواعها، سواء كان ذلك هدماً في العقيدة، ودعوة إلى التبشير، وإدخال التشويش على عقيدة المسلمين، وتخريب الأخلاق بالمناظر الخليعة، والدعوة إلى الأشياء الهدّامة.
لقد حدّثني أحد الإخوة قال في أحد البرامج -برامج قناة السي إن إن- في أحد الفقرات يقول: بعض الذين يقابلون يهود مشهورين، يقابل رجلاً وزوجته، والرجل هذا لا يشبع زوجته جنسياً، فيقول: ما هو الحل الذي أنت تعمله الآن؟ قال: أنا آتي برجل آخر لزوجتي ، وأتركه معها في الفراش لكي يقوم بإشباعها، قال: وأنت؟ قال: أنا أصورهم بالفيديو وأنبسط، كأني أنا كنت في هذا، وهذا البرنامج يعرض على الهواء مباشرة، ثم تأتي المكالمات من أنحاء العالم، ليقول فلان: أنا أؤيد، أو يقول فلان: وأنا أيضاً أؤيد واحداً لزوجتي، وذاك يقول: أنا مستعد أقوم بدور كذا وكذا، فانظروا -أيها الإخوة-إلى أي درجة وصلت حياة هؤلاء البهائم، ثم هذا على مرأى ومسمع من أبناء وبنات المسلمين، هذه دعوى واضحة وصريحة للانحلال، هذا مثال واحد مما وصل إلى علمنا والله أعلم بالأمثلة الكثيرة الموجودة في مثل هذه الأشياء، ناهيك عما في دعاياتهم من الإباحية وعما يعملونه من الترويج لأماكن الفسق والدعارة الموجودة في العالم، وإذا جلست تتذكر وتذكر ما هي المحرمات والمنكرات الموجودة في هذا البث المباشر لطال بك الكلام، ولذلك فإنني أهيب بكل عاقل ألا يترك هذا الجهاز في بيته أبداً، وألا يفتحه لأقربائه؛ لأنك -يا أخي- أنت مسئول عنهم أمام الله وإذا كنا من زمان كان الواحد يقول: مراقبة الجهاز، يمكن نعمل عليه مراقبة إذا كان فيه فقرات جيدة وإذا كان ... لكن الآن لا يمكن تستطيع، لا يمكن أنك تستطيع تعمل هذه المراقبة وأنت تضحك على نفسك، تضحك على نفسك فعلاً، وما سيأتي فهو أعظم، وهذا الخطر قد نُبّه عليه ونبّه عليه أهل العلم والفضل، ولكن الآن ما هي الاستجابة سواء من جهة إزالة هذه الأشياء من البيوت، أو من جهة تحذير الناس عنها، وهذا أمر خطير جداً، وهذه مسئولية في رقابنا جميعاً، كل واحد في رقبته مسئولية التبليغ، هذا غزو من نوع جديد، غزو من نوع لا يمكن التحكم فيه، كيف يتحكم فيه؟ وكثير من المخلصين يقولون: لا حول ولا قوة إلا بالله وفقط، والشيطان قد يزين لبعض الناس يقول: انظر إليها من باب: نصح الناس، انظر على البرامج حتى تنصح الناس، ثم هو نفسه هذا الشاب قد يكون ملتزماً بالإسلام وقد يكون داعية، هو نفسه يتأثر من هذه البرامج وهذه المناظر، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
هذه المسألة علاجها توعية، مع الأسف الأمة الإسلامية الآن ما عندها قناة تبث منها، ألا توجد قناة إسلامية في العالم تبث برامج تلفزيونية كاملة على مدار الساعة تغطي أهل الكرة الأرضية ببرامج إسلامية؟ حتى الآن لا يوجد، وأهل الكفر ملة ملة، ودولة دولة، ينشرون باطلهم وإلحادهم، والمسلمون في نوم عميق يغطون، ما فكروا حتى في إيجاد قناة تبث هذه الأشياء الإسلامية إلى أهل الأرض، ما وجد مع الأسف حتى الآن، هذه الكثرة الكاثرة من أبناء الأمة الإسلامية، لم يستطيعوا إلى الآن إقامة حتى لو قناة واحدة تبث إلى العالم شرح الإسلام، وأحكام الإسلام، ومحاسن دين الإسلام، والدعوة إلى الإسلام أبداً، وإنما يعمل أعداء الإسلام في المقابلات وأنواع البرامج، وليت المسلمين يقومون بشيء من الجهد الواجب عليهم في نشر الدعوة إلى الله في طريق خالٍ من المنكرات والشبهات.
يقول السؤال: يوجد عندنا بعض الإخوان الملتزمين في منهج الزواج إذا أراد شخص يتزوج يستفسر عن منهجه؛ هل هو طالب علم؟ هل هو من أهل الخروج؟ هل هو من أهل الجهاد؟ هل هو من كذا؟
يقول ﷺ: من أتاكم ترضون دينه وخُلُقه فزوّجوه [رواه الترمذي: 1084، وحسنه الألباني في المشكاة: 3090].
فإذن، مسألة الاستفسار هي من أجل معرفة دين الرجل وخُلُق الرجل، هذا هو الذي يجب أن يؤكّد عليه، أما تفريق الناس شيعاً وأحزاباً فليس من ملة الإسلام، وكون الرجل مجتهداً باجتهاد معين صحيح وسائغ، يعني مثلاً واحد يركز على التربية، وآخر يركز على الجهاد، وآخر يركز على الدعوة في أقطار الأرض بشكل صحيح موافق للسنة، مع الأخذ بعين الاعتبار بالأشياء الأخرى؛ لأنه كيف يكون داعية وهو جاهل؟ كيف يكون مجاهداً وهو جاهل؟ فإذا كان آخذاً بالأشياء الأخرى، فإنه في هذه الحالة على خير وعلى صواب، قد يكون رجلاً مهتماً بمسائل تتعلق باقتصاد المسلمين، يقدم فيها دراسات وأبحاث، ويكون هو ومن معه بعض المنشآت أو الشركات البعيدة عن الحرام؛ لكي يستثمر الناس فيها أموالهم، فهو على خير وعلى دين، فإذن، هذا الرجل إذا كان ذا خُلُق واستقامة يُزوّج مهما كان نشاطه، فإذا كان النشاط مشروعاً، ويركز عليه؛ لأن له إبداع فيه، وعنده استقامة في دينه، وليس عنده بدع، ولا منكرات، ولا صاحب أهواء، وخُلُقه سوي يُزّوج.
يقول: هل نحن المسلمين سنقاتل اليهود بقيادة عيسى بن مريم أو المهدي أو أنه سيكون هناك قائد مسلم؟
ليس هناك في الأحاديث -بحسب ما أعلم- ما يشترط أن يكون كل قتال لليهود بقيادة المهدي أو عيسى، بل ربما يكون هناك قتال لليهود بغير قيادة المهدي أو عيسى، ونسأل الله أن يعجل ذلك قريباً.
يقول: أنا سأضرب لك مثلاً بما يحصل الآن في هذه الأيام؛ مجموعة من الناس أرادوا أن يبيعوا بيتاً، وهذا البيت وقف، وهؤلاء الناس يساومون على هذا البيت، ولا يوجد في هذا البلد من يحكمهم من المسلمين.
صار هذا الآن مثل اللغز، يقول: مجموعة من الناس أرادوا أن يبيعوا بيتاً، وهذا البيت وقف لله تعالى، ليس لأحد حق التصرف فيه، وهؤلاء يساومون عليه أعداء الله، ولا يوجد في هذا البيت من يحكمه بشريعة الله.
هذه -أيها الإخوة- أوان غربة الإسلام، ولكن الله رحيم بعباده، ولا يمكن أن يتركنا هملاً، ولا أن يتركنا بغير نصر ونحن نتخذ أسباب النصر، لا يمكن، الله رحيم بعباده كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21]. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69]. والله يقول: مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج: 15]. فإذن، لا يجوز للمسلم أن يجزم بأن الله لن ينصر المسلمين مهما عملوا، ويقول: هذا النصر في الآخرة فقط، وإنما كتب على المسلمين الذل والخزي في الدنيا والابتلاءات الدائمة، لا، لقد حكمنا معظم أقطار المعمورة المشهورة قرابة ألف سنة، فالآن لما تغلب إخوان القردة والخنازير من اليهود والنصارى وغيرهم على الأرض الآن في هذا الزمان نسينا الحقبة الماضية، كم حكم المسلمون الأقطار المشهورة في الأرض، كم حكم المسلمون العالم المعمور الحي الحيوي، الأجزاء الحيوية من العالم التي حكمها المسلمون كانت هي مقر الحضارات والنبوغ العلمي والتقدم والسعادة التي حصلت بتطبيق الشريعة، كم حكم المسلمون العالم سابقاً؟ كثير جداً، مئات السنوات، من أجل الآن مائة أو مائتين، متى سقطت الخلافة؟ قريباً، ما سقطت منذ زمن بعيد جداً، الخلافة العثمانية التي كانت جيوشها على أبواب فيينا، وقريباً من روما وغيرها، ما سقطت منذ فترة بعيدة جداً، سقطت منذ فترة قريبة، فإذن، لقد كان أجدادنا لا زالوا يحكمون العالم، فمن أجل مائة أو مائتي سنة من الوقت يسقط في أيدينا وننسى تاريخنا، وننسى أننا كنا أمة تهيمن على سائر الأمم، وتُخشى ويُحسب حسابها من أجل مائة أو مائتي سنة مضت؟ أفكر في تاريخ الدول المعاصرة من الدول الكافرة التي قامت، كيف قامت؟ ومتى قامت؟ وكم حكمت؟ البرتغاليون حكموا واستعمروا، أين هم الآن؟ دولة شبه متخلّفة في أشياء كثيرة، أسبانيا كانت تحكم، والله يقول: وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140]. هذا قدر الله، يرفع ناس ويخفض ناس، كل يوم هو في شأن، فإذن لا يمكن أن تستمر الهيمنة لأمة معينة وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140]. هذه سنة الله في خلقه، هذه سنة الله في خلقه، وسنة الله في عباده.
فإذن، لا شك أنه سيكون هناك ظهور للإسلام كما بشرت بذلك النصوص.
ونسأل الله أن يجعل فرج المسلمين قريباً.
يقول: إنني أحس بنفسي أنها كالشمعة تحرق نفسها وتنير لغيرها، فأقوم بالدعوة إلى الله، ولكن أهمل تربية نفسي، فماذا أفعل؟
لقد أخبر ﷺ عن رجل هذا حاله، الذي يعلم الناس، مثل الذي يعلم الناس وينسى نفسه كالشمعة تحرق نفسها وتضيء للآخرين.
فإذن، ينبغي على الداعية إلى الله أن يهتم بنفسه، لا يجعل كل الوقت للآخرين، إن لنفسك عليك حقاً [رواه الترمذي: 2413، والحاكم في المستدرك: 6900، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي: 2413].
فمن أين تدعو، تدعو لأي شيء وأنت لا تتعلم المنهج؟ وتربي الناس على أي شيء وليس عندك علم؟ وكيف تكون مؤثراً وقلبك خاوٍ من الإيمانيات الناتجة عن العبادات؛ لأنه ليس عندك وقت تعبد الله فيه.
كيف: ((إن لنفسك عليك حقاً)) في تربيتها ودعوة نفسك للالتزام بالأحكام الشرعية والقيام بالعبادات والتعلم، حتى تستطيع أن تمارس الأدوار الأخرى، فلا بد أن يكون هناك توازن؛ لأن بعض الناس يقول: أنا أعتزل الناس عشرين سنة أقرأ وأقرأ وأعبد الله حتى أتقوّى، ثم أخرج إلى الناس، نقول: ما عندك وقت، يمكن تموت قبل هذا، فلا بد أن يكون عندك نصيب دائم من طلب العلم، ومن الدعوة إلى الله، ومن القيام بالعبادات من تربية الآخرين، عمليات مزدوجة وعمليات آنية مع بعض تقوم في وقت واحد، يمكن للإنسان يهتم ببعض الجوانب أحياناً في وقت معين مثلاً يذهب إلى مكة في العشر الأواخر يقوم بالعمرة ويعتكف، فهو الآن بعيد عن الناس من أجل الاعتكاف، هذا طيب ما في إشكال ما اعتكف الدهر أو اعتكف سنين وترك الأمة وترك المجتمع في المستنقع، وإنما هو يعطي نفسه محطات، هناك محطات يتزود بها من الوقود الإيماني والعلمي، قد يتفرغ أحياناً لطلب العلم مثلاً في إجازة من الإجازات، يأخذ له أسبوعاً مثلاً يرحل إلى أحد العلماء يجلس عنده، ولكنه لم ينس المجتمع ولم ينس أهله ولا أقرباءه ولا جيرانه ولا جماعة مسجده وأهل حيه ولا طلابه ولا قرناءه وزملاءه في الوظيفة والدراسة، بل إنه على اتصال، وإن انقطع أيام من أجل اعتكاف أو رحلة لعالم فهو لا زال يزاول عمله بعدها مباشرة، وهو في يومه يعبد الله ويقرأ ويدعو ويربّي، ورسول الله ﷺ قدوتنا كان قائداً للدولة وزوجاً وكان أباً حنوناً، تذرف عينيه من الدمع على ولده إبراهيم لما مات، وكان معلّماً ويشاهد رجلاً يقول في الصلاة: ما شأنكم تنظرون إلي؟ فيعلمه فيكون أحسن معلّم، لم يُر مثل تعلميه قط، وقائداً عسكرياً يخوض غمار الحروب، ورجلاً محنكاً سياسياً في صلح الحديبية وفي غيرها وفي كتابته للأقوام الأخرى ولكسرى ولهرقل، يكتب إليهم الرسائل يدعوهم إلى الله، ويخطط للدعوة ويرسل ناساً إلى الحبشة، ويرسل ناساً من الذين أسلموا في مكة إلى قبائلهم، يعيدهم إلى قبائلهم ﷺ، ومع ذلك يلاطف الصغير، يقول: يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟ [رواه البخاري: 6129، ومسلم: 2150]. ويرحم الكبير، ولما جاء أبو قحافة وقد علاه الشيب، أراد ﷺ أن يوقرّه وأمر بتغيير شيبه، حتى يكون على وضع أحسن وأمثل، وكان قدوة ﷺ، وكان إماماً في المسجد ويخطب الجمعة بالناس.
فإذن، المسلم يقتفي أثر نبيه محمد ﷺ، وأغلب الانحرافات عند الشباب تنشأ من نزاعات مثل هذا، يقول: أنا أبغى أطلب العلم، ما لي علاقة بالناس، أو أنا داعية نذرت نفسي للدعوة ما عندي وقت أدعو، ومن هنا تنشأ الانحرافات من هذه النزعات.
يقول: لا شك أن الدعاة والعلماء هم قادة هذه الأمة، وعليهم مسئولية عظيمة، ولا شك أن ما أصاب هذه الأمة حالياً بسبب بعدها عن الله ، وانعدم التربية بين أفرادها، وفي هذه الأيام تحدث أمور عظيمة تذهب عز هذه الأمة، فلا بد من تبيين هذا للناس واستغلال الفرص، ولا شك في ذلك، وكل واحد منا عليه واجب في هذا الأمر.
يقول: ما رأيك في قضية التحزُّب الدعوي؛ لأنها قد أصبحت تشكل مشكلة في أوساط الدعاة إلى الله -سبحانه وتعالى-؟
نعم أيها الإخوة، هذا حق وصدق وظاهرة -مع الأسف- موجودة، ومن أسباب تخلف المسلمين: تفرقهم شيعاً وأحزاباً حتى في مجال الدعوة إلى الله، لو أنهم تخصصوا في تخصصات، وكل مجموعة منهم تعمل دون أن تصادم الأخرى؛ لأن في ميدان الدعوة إلى الله متسّع للجميع، مهما رميت دعاة في الساحة، فالساحة تستوعب، مهما ألقيت جماعات للدعوة إلى الله في الساحة، فالساحة تستوعب، لكن مع ذلك يحصل -مع الأسف- أن يتصادم بعض هؤلاء مع بعضهم، فماذا نفعل؟
أولاً: لا بد من تنظيم الأعمال، لا بأس أن تتخصص مجموعة من الناس للأيتام، بعض الناس لنشر العلم، بعض الناس للدعوة في القرى والهجر، بعض الناس للتركيز على القطاعات النسائية، بعض الناس للدعوة في أوساط المتعلّمين والمثقفين والعسكريين والموظفين وغيرهم، وبعض الناس يتفرغون للتأليف والنشر.
فإذن، مجالات العمل الإسلامي كثيرة جداً جداً متسعة، فبدلاً من التصادم التنسيق، وإذا رأيت غيرك في مجال يعمل، أنا لو رأيت داعية يدعو إلى الله يدعو شخصاً وهو على منهج صحيح وهذا هو المهم أن يكون على منهج صحيح، وأنت أتيت للدعوة ادع غيره، هناك في الساحة من غيره من الأشخاص الكثر الذين يحتاجون إلى هداية، يحتاجون إلى أن يدخلوا في عالم الالتزام بالإسلام كثيرون، فلماذا يتقاتلون على رجل واحد؟ وفي المجتمع كثُر من الرجال الذين يحتاجون إلى دعوة إلى الله ، وهذا الذي يبلغ العجب بالمرء المسلم وهو ينظر على مثل هذه الظواهر، ولذلك فينبغي -أيها الإخوة- أن يكون هناك حكمة ووعي، وأعداء الإسلام إذا كانوا اتحدوا على حرب الإسلام، فما أولى بأمة الإسلام وأهل الإسلام ودعاة الإسلام أن يتحدوا لمواجهة هذه الهجمة التي تشتد يوماً بعد يوم، وسبحان الله لا يشتد الشر إلا ويزيد الخير، انظر الآن ما كان هناك بث مباشر في الستينات، لكن عندما صار الآن هناك بث مباشر صار هناك في الأمة يزداد عدد الواعين وعدد المستقيمين والملتزمين، وتزداد طرق الدعوة إلى الله، تنشر الأشياء والكتب، تنشر المحاضرات القيمة النافعة، وتصل إلى أناس ما كانت تصل إليهم بنفس السهولة والسرعة من قبل، وهذا يؤكد وجود الخير في الأمة، وأنه مهما طغى أعداء الإسلام وحاولوا، فإن الخير مزروع في هذه لا يمكن استئصاله، وجذوره ضاربة لا يمكن إزالتها.
يقول: لا أسألك سؤالاً، لكن أطلب منك ومن الحاضرين أن يدعو لي دعوة أن يرزقني الله طفلاً ينير حياتي الزوجية، فنسأل الله بأسمائه الحسنى أن يرزق أخانا طفلاً، وأن يجعله ولداً صالحاً تقر به عينه، آمين.
يقول: إنني أحب كل ما يقربني إلى الله من عبادات وقراءة القرآن وأداء الصدقة والزكاة والصوم وغير ذلك، لكن أتكاسل عن صلاة الفجر أحياناً، وقراءة القرآن، القرآن أهجره طويلاً، كل ذلك يحدث وقلبي يؤنّبني ويتقطع حسرات وتسمعني إذا تُليت بعض الآيات أخرج زفرات من أعماق قلبي قليل الحفظ سريع النسيان، أرشد وأنقذ بحل سريع.
الجواب: معرفة المرض -أيها الإخوة- نصف العلاج، وكثير من قساة القلوب لا يعرفون أنهم قساة القلوب، ولا يسلّمون ولا يقولون نحن نحتاج إلى تربية إيمانية ونحتاج إلى اهتمام بالعبادات، وإنما يظنون أنهم في حالة صحية جيدة، ولذلك فهم لا يتورعون عن أكل الحرام أو الوقوع في الشبهات، أو النظر إلى امرأة أجنبية، ونحو ذلك.
فنقول: أول شيء، الله قد فتح؛ مسألة التربية الإيمانية متركبة من عدة أشياء أول شيء فيه تنوع في العبادات، فما هو فقط صيام نفل، فيه صلوات، فيه صيام، فيه صدقة، حج وعمرة، اعتكاف، سجدة الشكر وغيرها، وحتى الصلوات متنوعة، فيه سنن رواتب وفيه قيام الليل، وفيه صلاة التوبة، فيه صلاة الضحى، فإذاً العبادات نفسها متنوعة، فنوع في العبادات، حتى لا تمل نفسك من عبادة معينة.
ثانياً: انتبه من تحوّل العبادات إلى عادات، بعض الشباب لا يعرفون معنى التشهد والتحيات، يقرأ التحيات لله في الصلاة، ولا يعرف معناها من كثرة ما يرددها، تحوّلت التحيات إلى عادة، ولم تعد عبادة لها معنى وتُستشعر، تأمل عندما تقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، يقول ﷺ في الذي يقولها: أصاب كل عبد صالح بين السماء والأرض [رواه أحمد: 4101، وقال محققه الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
تصور لو أنك كل ما تقول التحيات في ذهنك أنت مستحضر في قلبك أنك إذا قلت: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أنك تصيب بدعوتك هذه كل عبد صالح بين السماء والأرض من الملائكة وغيرهم، كل عبد صالح بين السماء والأرض تصيبه بدعوتك، فإذن، لا بد من تنويع العبادات، لا بد من الإخلاص في العبادات، لا بد من تحاشي تحول العبادات إلى عادات، حتى تشعر بلذة وطعم هذه العبادة، ثم ينبغي مع ذلك أن تحافظ على الاقتصاد، أو تحافظ على ما أخبر به ﷺ: خير الأعمال أدومها وإن قل، أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل [رواه البخاري: 6464، ومسلم: 783]. فعليك بالقليل الدائم أفضل من الكثير المفاجئ المنقطع الذي تصعد به فجأة ثم تهوي وتتركه نهائياً بعد حين.
نسأل الله أن يفقّهنا وإياكم في دينه، وأن يرزقنا وإياكم اتباع سنة نبيه محمد ﷺ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين