الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102.يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًاسورة النساء1.يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًاسورة الأحزاب70-71.
أما بعد:
فضل وشرف العلم
فإن العلم شرف ونور، والعلم زينة المسلم، وواجب عليه في طلبه، وقد أشهد الله تعالى أهل العلم على أعظم حقيقة فقال: شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ سورة آل عمران18، فاستشهدهم على أجل مشهود، وقرن شهادتهم بشهادته، وشهادة الملائكة، والله لا يستشهد إلا العدول، وقد قال النبي ﷺ في الحديث الحسن: يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين [رواه البزار9423]، ونفى الله التسوية بين أهل العلم وغيرهم قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ سورة الزمر9، وأثنى على أهل العلم بأنه جعل كتابه آيات في صدورهم، فقال : وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ سورة العنكبوت48-49، وأهل العلم مرفوعين درجات في الدنيا والآخرة يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ سورة المجادلة11، وفائدة العلم عظيمة، وفضله كبير، والميزة فيه عالية، حتى جعل الله صيد الكلب الجاهل ميتة يحرم أكلها، وأباح صيد الكلب المعلم الذي علمه صاحبه كيف يصيد، ومن أين يمسك، فيسمي الله، ويطلقه فيصيد له فيأكله، ولذلك قال: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ سورة المائدة4، ولا شك أن صاحب العلم الذي يعمل به ويدعو إليه مأجور أجراً عظيماً، فإن النبي ﷺ قال: من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً[رواه مسلم2674]، وأباح النبي ﷺ الحسد وهو الغبطة، في رجل آتاه الله الحكمة، وهي العلم يقضي بها ويعلمها، وقد قال النبيﷺ: فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلمي الناس الخير[رواه الترمذي2685]، وقوله ﷺ: وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء[رواه ابن حبان88] وحتى الحوت فإن العالم يعلم الخلق حقوق كل شيء حتى الحيوانات، ومراعاتها، وما يحل منها، وما يحرم، وكيف يريحها عند الذبح، وبأي شيء ينتفع منها، فهو يعلم الناس من ضمن ما يعلمهم الرحمة والإحسان إلى البهائم والحيوانات، ولذلك صار يستغفر له حتى الحيتان في البحر، وحتى النمل في جحورها، وقال النبي ﷺ: من سلك طريقاً يبتغي فيه علما سلك الله به طريقا إلى الجنة وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر[رواه أبو داود3641] فتأمل يا عبد الله أن تضع الملائكة أجنحتها والله أعلم بأجنحتها بعددها، وعظمها، تضع أجنحتها لطالب العلم تواضعاً له، ورضاً بما يصنع وضعاً حقيقياً لا فيه إنكار، ولا استهزاء، كما يفعل أهل البدعة، قال الطبراني: سمعت أبا يحيى زكريا بن يحيى الساجي قال: كنا نمشي في بعض أزقة البصرة إلى باب بعض المحدثين فأسرعنا المشي لنلحق الدرس، وكان معنا رجل ماجن في دينه، فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة لا تكسروها؛ كالمستهزئ، فما زال من موضعه حتى جفت رجلاه وسقط، فشلّه الله تعالى لاستهزائه بهذا الذي جاء في الحديث، وقال النبي ﷺ وقوله ﷺ: فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب لأن القمر يضيء الآفاق، ويمتد نوره في أقطار العالم، وهذا حال العالم الذي يصل خيره إلى الآفاق والبلدان، وقوله: وإن العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فيأخذونه عنهم وقد قال الله: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ سورة النمل16، وليس المراد وراثة المال، وإنما وراثة العلم والنبوة، وقد تمنى نبي الله ولداً يرثه ويرث من آل يعقوب، ومعنى ذلك يرثه يرث العلم، والفضل، والنبوة منه حتى يستمر خير الأب إذا مات، وقد قال النبي ﷺ: سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته من علّم علماً،أو أجرى نهراً[رواه البزار7289]... الحديث، وخير ما يخلفه الإنسان بعده ثلاث علم ينتفع به من بعده، وقال ﷺ: من يرد الله به خيرا يفقه في الدين[رواه البخاري71]فكان الفقه في الدين هو الخير الذي يريده الله بعبده، وقال ﷺ: ما من خارج خرج من بيته في طلب العلم إلا وضعت له الملائكة أجنحتها رضا بما يصنع[رواه ابن ماجه226] فمن خروجه إلى رجوعه، وهذا حاله مع الملائكة إذن الخروج لطلب العلم، والذهاب والسعي في تحصيله من أسباب دخول الجنة.
عباد الله: طلب العلم من أجل العبادات، وأفضل القربات، وهو حياة القلوب، ونور الأبصار، به يطاع الله ويعبد، وبه يعبد الرب ويوحد، به توصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، تعلمه حسنه، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظلمة، والسنان على الأعداء.
عباد الله: يقول النبي ﷺ: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده[رواه مسلم2700] وهذا حديث يتناول فضل مطلق القعود لذكر الله تعالى، وعلى رأسه تعلم العلوم ولا شك، وأما طلبة العلم في الحلقة فإنهم إذا قاموا قال ﷺ في شأنهم: ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله، لا يريدون بذلك إلا وجهه، إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفورا لكم[رواه أحمد12453] فهذا من الأسباب العظيمة للسعادة لعمر الله أن يجلس في حلق العلم، وأن يقبل عليها، أما التحلق فيها فمشروعيته واضحة في السنة، فقد روى أبو واقد الليثي أن رسول الله ﷺ بينما هو جالس في المسجد والناس معه إذ أقبل ثلاثة نفر، فأقبل اثنان إلى رسول الله ﷺ، وذهب واحد فوقفا على رسول الله ﷺ فأما أحدهما فوجد فرجة في الحلقة فجلس فيها، وأما الآخر فجلس خلفهم، وأما الثالث فأدبر ذاهبا، فلما فرغ رسول الله ﷺ قال: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه الله، وأما الآخر فاستحيا فاستحيا الله منه، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه[رواه البخاري66].
يستفاد منه استحباب التحلق في مجالس الذكر والعلم أن تكون على هيئة الحلقة، وهي أعظم ما يمكن تحمله من الأعداد من الأشكال المختلفة زد على ذلك ما يرى بعضهم بعضاً يرى بعضهم وجوه بعض، ويقبل بعضهم على وجوه بعض، فإذا امتلأت الحلقة جلسوا خلف بعضهم البعض كما دل عليه الحديث، إذن سد الخلل فيها من آدابها، وإذا انتهت يجلس بعضهم خلف بعض ولا يتفرقون، ويتباعدون، وإنما هو الدنو والحضور، والذي يتخلف عن هذه الحلق لحطام الدنيا الفاني، أو الأمور التافهة، أو الكسل، أو النوم، والتراخي، فإنما يحصل حسرة وندامة، فإنما فيها من الأجر إذا فات أين يعوض، والله قال: وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ سورة الكهف28، لا تكن ممن قال النبي ﷺ في شأنه: وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه، وإنما أقبل وتحمل واصبر واجلس وتأدب، وقد ذكر العلماء أنه يمشي إليها حافياً لا يأتيها بنعاله، ويجلس حيث انتهى به المجلس، ولا يقيم رجلاً من المجلس ويجلس هو مكانه، ولا يفرق بين اثنين إلا بإذنهما، ولا يقعد في موضع قام منه غيره وهو يريد العودة إليه؛ لأن الذي ذهب في حاجة يسيرة ورجع أحق بمجلسه كما دلت على ذلك الأحاديث، ويستأذن عند القيام وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُسورة النور62 ويسلم إذا قام، ويوقر المجلس، وينصت فيه، كما قال أبو سعيد في صفة حلقة النبي ﷺ فجلسنا فكأن على رؤوسنا الطير، وكان العلماء يراعون ذلك فيكرهون أن يبرا فيه قلم، أو يضحك فيه أحد، أو يصدر فيه صوت، وكان بعضهم ربما زجرهم بعدم القيام إذا حصل منهم شيء من ذلك، وكذلك فإنه يتأدب مع الشيخ بالغ الأدب في جلسته، واستماعه، وإنصاته، وكذلك يسأل عما أشكل عليه ويحاول الفهم ما أمكنه ذلك رحم الله نساء الأنصار لم يكن الحياء يمنعهن أن يتفقهن في الدين.
ليس العمى طول السؤال وإنما | تمام العمى طول السكوت عن الجهل |
ويكون مؤدباً في السؤال، لا يقاطع في الدرس، ويكون بتواضع، وأن تكون النية الصحيحة هي رائده، فإن النبي ﷺ أخبر أن النار مثوى من يأتي بمثل هذا، ويطلبه لأجل الدنيا.
عباد الله: لا تتوانوا عن الحضور في حلق العلم والسعي إليها، ونوصي طلبة العلم عندما يذهبون ببالغ الأدب، وأن يقرأ بإذن الشيخ، ولا يتعدى على غيره، وأن يحسن السماع، فإن حسن السماع في الحلقة من أهم الأمور إن لم يكن هو أهمها، حتى قال أهل العلم: أول باب من العلم الصمت، والثاني الاستماع، والثالث العمل به، والرابع نشره وتعليمه، أول باب الصمت، والثاني الاستماع، والثالث العمل، والرابع التعليم، وكذلك فإنه ينبغي على طالب العلم أن يراجع قبل الدرس، وأن يراجع بعد الدرس، ويقرأ قبل الدرس، وينصت أثناء الدرس، فإنه إذا فعل ذلك حصل خيراً عظيماً، ويتجنب التشويش في مجالس العلم، والنوم في مجالس العلم، فإن بعض الناس ينعس فينام فيها، وقد قال النبي ﷺ: إذا نعس أحدكم في المسجد فليتحول من مجلسه ذلك إلى غيره[رواه أبو داود1119] فيؤخذ منه أيضاً أن يتحول النعسان من مكانه حتى لا يصيب أهل الدرس بالإحباط.
عباد الله: ينبغي تجنب المجادلة والمراء، وكثرة المقاطعة، والتناجي، والنقاشات الحادة، والإطالة بحرمان الغير، ونحو ذلك من الأمور المهمة، فإن هذه الحلق عبادة، وحضورها عبادة، والاستفادة منها عبادة.
نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا، وأن يزيدنا علما، اللهم زدنا علماً، اللهم زدنا علماً، اللهم زدنا علماً.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور، أحمده وأشكره، وأثني عليه، وهو المستحق للحمد، له الحمد في الأولى والآخرة، أشهد ألا إله إلا هو الحي القيوم، وأشهد أن محمداً رسول الله، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
آداب السفر
عباد الله: لا زلنا نوصي بتقوى الله تعالى في الأسفار، والإعداد لهذه العدة بما يرضي الله تعالى، وأن يكون السفر في طاعة والله، فإن سفر المعصية لا خير فيه، بل هو شر، وأن الإنسان يودع بخير، ويستقبل بخير، وهناك عدد من الإخوان يسافرون من البلد، وينتقلون منه، وبسبب بعض ظروف أعمالهم التي تنتهي يغادروننا، ويرجعون إلى بلدانهم، فالواجب إحسان الوداع، وقد قال النبي ﷺ: حسن العهد من الإيمان[رواه الطبراني في الكبير23]، ومن حسن العهد أن تودع هؤلاء المغادرين الذين جمعتك بهم إقامة في البلد، أو لفهم وإياك سكن من المساكن، أو مجاورة.
أقول أيها المسلمون: حسن العهد من الإيمان، وبعض المقيمين في هذه البلد يغادرونها في نهاية العام، ويرجعون إلى بلدانهم لانتهاء أعمالهم، فينبغي أن يكون وداعنا لهم وداعاً جميلاً، وأن نعرف الفضل لأهله، والحق لأصحابه، وألا ننكر حسن العشرة، وأن لا نقطع الصلة، وإنما يتذكر بعضنا بعضاً بالخير، ويساعد بعضنا بعضاً على الخير، فكونوا خير مسافر، وخير مودع، يرحمكم الله.
أحوال إخواننا في البوسنة
أيها المسلمون يا عباد الله: في هذه الأيام اشتدت وطأت أعداء الله الصرب على إخواننا المسلمين في بلاد البوسنة، ولا شك أنكم سمعتم ما حصل من الأنباء المفجعة من سقوط بلدة سربنتسا، وتشرد أكثر من خمسة وأربعين ألفاً من المسلمين الذين هاموا على وجوههم، لا يدرون أين المقصد، ولم يكن لديهم وقت لحمل متاع، ولا طعام، وإنما تحملوا بأنفسهم، وأهاليهم، واحتشدوا، واحتشروا في هذه المراكب الدنيئة، وأكثرهم تقطعت أحذيتهم سيراً على الأقدام، هاموا على وجوههم في الغابات والجبال، يرجون النجاة والمنجي هو الله .
أيها المسلمون: لقد تبين لإخواننا في بلاد البوسنة شدة المؤامرة من العالم جميعاً عليهم، لقد تبين لهم كيد النصارى بحذافيره ماذا فعلوا لأجلهم، وأي موعد أخلفوه، وبذلك نتبين أن تسليم السلاح خيانة، وأن الاتكال على الكفار والاعتماد عليهم في الحماية سذاجة، وأن الكفار لا ينفعون بشيء، فإن الذين زعموا حمايتهم في بلداتهم هم الذين خانوهم، وسربوا أخبارهم، وكشفوا أسرارهم، ودلوا الصرب على ثغراتهم، وهم الذين يوجهون المدافع الصربية إلى أهدفها، ثم هم الذين منعوا الذخيرة عنهم، والمؤونة حتى مات بعضهم جوعاً، والبلدة لم تدخل إلا بعد ما بدأ أهلها يموتون من الجوع، وسلم جنود الكفر لإخوانهم الصرب المواقع، وفتحوا لهم الثغرات والأماكن التي يدخلون منها، وأزالوا المتاريس عن الطرقات، أفسحوا المجال مرحبين، فاجتمعت الخيانات، وركب بعضها بعضاً، وتظاهر أهل الكفر على إخواننا، لا من يرحمهم، ولا من يقف بجانبهم، وإنما اجتماع على الخيانة، والغدر، واجتماع على أهل الإسلام، ولذلك حذرنا الله منهم، خذوا حذركم، خذوا حذركم، خذوا أسلحتكم، لم يرخص الله في ترك السلاح، ولا في وضعه في صلاة الخوف، خذوا أسلحتكم، خذوا خذركم، وأنهم يميلون علينا ميلة واحدة، وأنهم يجتمعون علينا، إن الكافرين كلهم أجمعين بكل مللهم، إن الكافرين كانوا لكم عدواً مبيناً، هذا يتضح بجلاء مما حصل في بلاد البوسنة، لا أقول يتفرج عليهم العالم، وإنما لأجل ذلك خططوا، وفعلوا ليسوا في موقف المتفرج، يا عباد الله بل هم في موقف المتمالئ المعاون المشارك المتظاهر على إخراج إخواننا من بيوتهم، ظاهروا على إخراجهم، أخرجوهم، وظاهروا على إخراجهم، كما وصف الله، والله الذي لا إله إلا هو إن الآيات لتنطق في هذا الزمن، وإن كتاب الله يحدث ما أخبر به عباده، يحدث ما أخبر الله به في كتابه، ما أخبر عباده حرفاً بحرف، وكلمة بكلمة، يحدث أمامنا لا يتفرجون، ولكن يتظاهرون بعضهم يخرج، وبعضهم يتظاهر على الإخراج، أخرجوكم من دياركم، وظاهروا على إخراجكم، ولا شك أن ما يصيب الواحد منهم يصيبنا نحن إن كان فينا دين وإيمان، يذوب القلب من كمد إن كان في القلب إيمان وإسلام، تأمل تدبر تذكر تصور لو كانوا أهلك، لو كان المشردون أولادك، لو كان المشردون نساؤك، هاموا على وجوههم، لا أكل، ولا شرب، ولا مأوى، ولا ملابس، يتوسلون باللقمة، ويتذرعون بشيء يسد الرمق، ولكن يا عباد الله هل نصل بعد ذلك، إن النتيجة أن الكفر ملة واحدة، وأنهم جميع أعداء لنا.
عباد الله: إنه بالرغم مما حدث من الكارثة فإنه لا يزال هناك بصيص أمل وليست الهزيمة عامة، والحمد لله، وقد دخلوا مكاناً بدأ أهله يموتون من الجوع، ونزعت أسلحتهم، وظهرت الخيانة، أما في جبهات القتال فلا زال إخواننا يواصلون انتصاراتهم، وهؤلاء الصرب دخلوا على العزل المدنيين المساكين.
أيها المسلمون: لقد رأى المجاهدون البسنويون بأعينهم لقد رأوا نصراً من الله تعالى والحمد لله، والمعارك التي تشتد يقتل منها من الصرب في بعض المواقع أكثر مما يقتل من المسلمين، وكذلك فإن جثث الصرب تتعفن بسرعة، وتبقى جثث بعض الشهداء الذين اختارهم الله لا تتغير، وربما لا زالت تنزف بعد أيام من مفارقته للحياة، والمسلم يجثوا على ركبتيه، ويزحف لسحب جثة أخيه المقتول، والصربي يتترس بجثث إخوانه الصرب في المعركة، والمسلمون حريصون على دفن قتلاهم، والصرب في غاية الجبن، وفي بعض الخنادق التي هي فنادق وليست خنادق مما وجده المسلمون فيها من الديكورات، والأسرة، وأنواع الأطعمة المكدسة التي أغنمها الله المسلمين، العجب العجاب الذي يدل على مظاهرة الكفار لإخوانهم بالأموال، وسعيهم لتثبيتهم، والله تعالى من رحمته أنه لا يجعل العذاب عاماً، ولا استئصالاً تاماً، وإنما إذا جعل في موقعة هزيمة جعل في مكان آخر رحمة ونصراً للمسلمين، وقد أخبر الصرب في صحفهم وإذاعاتهم أنهم كانوا يرون أشياء عجيبة، ويطلقون إليها القذائف فلا تغني شيئاً، وأخبر البوسنويون المسلمون أخبر المجاهدون أنهم كانوا يزحفون على الأرض إلى المواقع الصربية والصربي يصوب المدفع إلى السماء ويطلق ولا يطلق إلى الأرض وهو يرى أشياء عجيبة، ونحن لا ندعي لإخواننا أنهم أولياء، أصحاب كرامات، ولكن نقول إن هناك أشياء قد تظاهرت على حدوث أمور عجيبة، من نصر الله تعالى، ولا نبالغ ولا نشك، ولكن نقول الذين فتحوا مواقع في بلاد البوسنة من المسلمين أخبروا بأمور عجيبة حدثت لهم من إلقاء الرعب في قلوب أعدائهم، والرعب سلاح من الله، وتأييد الله تعالى لهم ونصرهم، ولو في أماكن قليلة، لكن يدل على مفهوم مهم أن الأمة لو أخذت بالأسباب، وتوكلت على الله، وانعقدت ألوية الإيمان أن الله ناصرهم، ولا بد وإن كان عدوهم أكثر عدداً وعدة فإن الله ينصر المسلمين، هذا ما حدث في الصور المصغرة مما نقلته الأخبار عن حال المجاهدين المسلمين في البوسنة.
فنسأل الله تعالى أن يجمع شملهم، وأن يرزقهم الفقه، والعلم، والتوحيد، وأن يجعلهم سلماً للمسلمين، حرباً على الكافرين، اللهم طهر بلاد المسلمين من الغاصبين، اللهم دمر الصرب واليهود وسائر المشركين، اللهم دمر الصرب ومن ظاهرهم، اللهم أهلك الصرب ومن شايعهم، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، أحنهم الساعة، أحنهم الساعة، أحنهم الساعة، ندعوك ونحن في هذا المكان لا نملك لإخواننا إلا الدعاء، اللهم تقبل دعاءنا بنصر إخواننا، اللهم اكسح أعداءنا، ورد كيدهم في نحورهم، اللهم إنا نسألك يوماً قريباً تظهر فيه فرجنا عجله عجله يارب العالمين إنك خير مأمول، وأكرم مسؤول اللهم إنا نسألك أن تجعل في قلوب إخواننا الإيمان واليقين، وأن تثبتهم يا رب العالمين، ارزقهم الفوز والنصر يا أكرم الأكرمين، اللهم إنا نسألك أن تجعل في هذا اليوم الكريم نصراً لإخواننا، عجل بنصرهم، وكن معهم، وأمددهم بمدد من عندك، وأنزل عليهم ملائكتك يا رب العالمين اللهم ارفع لواء الجهاد، واحمي هذه الأمة من كل شر وطاغوت، اللهم احفظ بلادنا من كل سوء، وسائر بلاد المسلمين، واجعلها بلاداً آمنة مطمئنة يا رب العالمين، وارزقنا من كل مكان، ومن حيث لا نحتسب، وسع علينا في أرزاقنا، اللهم بارك لنا في أقواتنا، اللهم اجعل رزقنا حلالاً، ومأكلنا حلالاً، ومشربنا حلالاً، وملبسنا حلالاً، وغذنا بالحلال، واستجب دعاءنا يا رب العالمين جنبنا الفواحش والمنكرات ما ظهر منها وما بطن، طهر بيوتنا، وحصن فروجنا، واقض ديوننا، وارحم موتانا، واشف مرضانا، وفك أسرانا، اللهم استر عيوبنا، واجمع كلمتنا على الدين والإيمان يا رب العالمين، إنك أنت أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين.