الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي خلقنا من نفس واحدة وجعل منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء.
مقدمة
أيتها المسلمات، أيتها النسوة والفتيات، السلام عليكن ورحمة الله وبركاته، وبعد: فهذه فرصة طيبة أن نلتقي من وراء حجاب كما أمر الله ومع العدد الثاني من مجلة المرأة المسلمة، الذي سيكون بمقالاته موضوع هذا الدرس إن شاء الله، ومقالات هذه المجلة عن قبس من كتاب الله تعالى، وستسمعين فيه إلى شيء من مشكاة النبوة، وبعض حال الصحابيات والتابعيات، وتستمعين فيها كذلك إلى زاوية عن التوحيد وضده الشرك، وكذلك عن الصلاة وبرّ الوالدين والحجاب، وتوبة الممثلات، وفتاوى إسلامية، وكذلك هناك ركن للكلام فيه عن بعض ما تنفق النساء فيه أموالهن، ومقارنة هذا بشيء من أحوال المسلمين؛ لنعرف التقصير والخلل، ثم ركن آخر يتعلق بالحياة الزوجية وعمل المرأة، وأخيرًا شيء من الألغاز الفقهية والنوادر، وأرجو من الله أن تنتفعي بما ستسمعي، وأن يكون هذا حُجة لنا لا حُجة علينا، قال الله : إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران : 35].
امرأة عمران وهي أم مريم -عليها السلام-، قيل: إنها كانت امرأة لا تحمل، فاشتهت الولد فدعت الله أن يهبها ولداً، فاستجاب الله دعاءها فحملت من زوجها الرجل الصالح، فلما تحققت الحمل نذرته أن يكون محرراً يعني خالصاً مفرغاً للعبادة ولخدمة بيت المقدس، وكانت هذه من أنواع العبادات عند بني إسرائيل، فقالت: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [آل عمران : 35]. إنك تسمع دعائي وتعلم نيتي، ولم تكن تعلم ما في بطنها هل هو ذكر أم أنثى؟ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران: 36]. ليس مثلها في القوة والجلد في العبادة والخدمة في المسجد ثم قالت: وإني سميتها مريم، وهذا فيه دليل على جواز التسمية يوم الولادة كما هو ظاهر، وبذلك ثبتت السنة عن النبي ﷺ فإنه قال: وُلد لي الليلة ولد سميته باسم أبي إبراهيم [رواه مسلم: 2315].
وكذلك سمّى النبي ﷺ أخاً لأنس بن مالك، أتى به إليه حنّكه وسماه عبد الله في أول يوم من حياته، وقد ثبت أيضاً تسمية المولود في اليوم السابع، فكلاهما سنة، قالت أم مريم: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36]. عوّذتها بالله من شر الشيطان، وعوّذت ذريتها وهو ولدها عيسى لما يقتصر الدعاء على البنت، وإنما كان أيضاً لذريتها، فاستجاب الله دعاءها، ولذلك فإن مريم وابنها لم يمسهما الشيطان عند الولادة، فإن النبي ﷺ قد أخبر أنه ما من مولود يولد إلا مسّه الشيطان، حين يولد فيستهل صارخاً من مسه إياه إلا مريم وابنها، ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم: وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [آل عمران: 36]. فكل بني آدم عندما يولد يطعن الشيطان في جنبه حين تلده أمه فيصرخ إلا عيسى بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب فلم تصب الطعنة عيسى وهذا من فوائد الدعاء أيتها المرأة المسلمة، الدعاء لما في البطن، وكان من آثار هذا الدعاء ما حكاه الله عندما قال: فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا [آل عمران: 37]. من دعاء أمها تقبلها نذيرة منذورة وأنبتها نباتاً حسناً، فجعل شكلها شكلاً مليحاً ومنظراً بهيجاً، وقرنها بالصالحين من عباده تتعلم منهم الخير والعلم والدين، ولذلك كفّلها زكريا، جعله كافلاً لها، قيل: إنه كان زوج أختها، وقيل: كان زوج خالتها وقد جاء في الحديث الصحيح: "أن يحيى وعيسى هما ابنا خالة" [رواه البخاري: 3887]. ويحيى ولد زكريا، وقد اقترع بنو إسرائيل من الذي يكفلها، فخرجت القرعة على زكريا ، فتربّت هذه البنت في حجر هذا النبي الكريم وفي بيته وتحت نظره ورعايته، والمرأة عندما تنبت في المنبت الحسن تكون عاقبتها إلى خير، ولذلك كانت مريم -عليها السلام- مجتهدة في العبادة، والله قد كافأها على اجتهادها فجعل لها كرامات، وهذا من عاجل البشرى في الدنيا، كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران: 37]. قال العلماء: كان من كرامتها أنه كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف" [تفسير الطبري: 5/354].
وهذا من أدلة كرامات الأولياء.
ولما كان يسألها: من أين هذا؟ ويقول: قَالَ يَامَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران: 37].
فنسبت النعمة إلى المنعم ، ثم قال: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران: 37].
وهكذا ينبغي أن يكون حال المؤمن متواضعاً، ينسب النعمة إلى ربه لا إلى نفسه ولا إلى جهده.
وكان أيضاً مما حصل لمريم أن الله قد اصطفاها على نساء العالمين في ذلك الوقت، وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَامَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ [آل عمران: 42]. وهذا الاصطفاء له ما يقابله من التكليف والنصَب في العبادة، ولذلك قال الله: يَامَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ [آل عمران: 43].
هذا حال المرأة المسلمة وما ينبغي أن يكون عليه الحال في العبادة، فإنها بين قنوت وسجود وركوع، المرأة المسلمة تشتغل بالعبادة وتملأ وقتها بالعبادة، وقد جاء في الحديث الصحيح: أنه قد كمُل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربعة، مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ﷺ وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام [رواه البخاري: 3411، ومسلم: 2431].
ولما صارت هذه المرأة من أولياء الله وكانت لا تزال تتقرب إليه بالنوافل، فإن الله قد جعل منها نبياً يخرج من بطنها من أولي العزم من الرسل دون زوج كرامة أيضاً من الله ، فحملته في بطنها، وكانت بداية القصة أن مريم -عليها السلام- يوماً من الأيام انتبذت من أهلها مكاناً شرقياً لحاجة، ذهبت شرق بيت المقدس، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا حتى لا يراها الرجال، وهذا حال المرأة المسلمة تتحفظ من الرجال، وإذا أرادت أن تكون في مكان تنتبه لأمر الرجال ومرورهم، وتعتني بالحجاب، سواء الملتصق بالجسم، كالعباءة والخمار أو المنفصل عن الجسم، كالجدار والحاجز ونحوه، فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا وهو جبريل ، فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا [مريم: 17]. فماذا تظنين أن يكون حال المرأة التقية النقية العفيفة عندما تفاجأ برجل أجنبي يقف أمامها؟ إنها ضعيفة، والرجل قوي، ولذلك فإنها تذّكره بالله وتعتصم بالله وهذا أول ما فعلته مريم لما رأت أمامها رجلاً أجنبياً معها في خلوتها، قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا [مريم: 18]. إن كنت تخاف الله فإنني أستعيذ بالرحمن منك، ذكّرته بالله ، وهنا يسارع جبريل إلى طمأنتها ويقول لها: إنه ملك وإنه ليس بشر، إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا لا ينطبق عليه ما ينطبق على البشر من الأحكام، ويبشّرها بالغلام الزكي، وتستغرب المرأة العفيفة كيف يكون لها غلام ولم يمسها بشر ولم تك بغياً، فإن الولد يكون من النكاح أو من البغاء من الزنا، ولكن الله على كل شيء قدير، قال: قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا [مريم: 21].
فنفخ جبريل في جيب درعها فتحة الرقبة من الثوب فنزلت النفخة إلى الأسفل فولجت الرحم فحملت بإذن الله ، ولما حملت انتبذت بهذا الجنين مكانا قصياً عن قومها، فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ وألجأها إليه، احتبست عن قومها مبتعدة، فهي تعلم ماذا سيقال عنها، وتتوقع، ولما صار المخاض وضربها قالت: يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 23]. تمنت الموت؛ لأنها تعلم ماذا سيقال عنها؟ ولكنها لم تقتل نفسها كما تفعل بعض النساء إذا وقعت في مصيبة أو ورطة كبيرة تناولت حبوباً فابتعلت زجاجة الدواء، أو طعنت نفسها بشيء، أو ألقت بنفسها من مكان عال، يقول النبي ﷺ: من تحسى سُمّاً فقتل نفسه فسمُّه يتحساه في نار جهنم خالداً مخلّدا فيها أبداً، ومن طعن نفسه بحديدة فحديدته يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلّداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلّداً فيها أبداً [رواه البخاري: 5778، ومسلم: 109].
هذه عقوبة المرأة المنتحرة والرجل المنتحر الذي قتل نفسه، وأذهب هذا الجسد الذي خلقه الله واستودعه أمانة عنده، وإنما تمنّت مريم -عليها السلام- الموت؛ لما عرفت بماذا ستُبتلى وتُمتحن بهذا المولود، وأن الناس لن يصدقوها، وسيقولون بعدما كانت عابدة ناسكة صارت عاهرة زانية فقالت: يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم: 23]. لم أك شيئاً، ولكن ولدها ناداها من تحتها وقيل جبريل: أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: 24، 25]. نهراً صغيراً للشرب من ماء عذب، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ سبحان الله، كيف تهزُّ المرأة الضعيفة في حال النفاس وهي أضعف ما تكون، جذعاً قوياً كجذع شجرة النخلة، ولكن الله يعلّم عباده الأخذ بالأسباب، وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا [مريم: 25]. وهو أنفع شيء للنُفساء كما ذكر أهل العلم الرطب، فكلي من هذا الرطب واشربي من هذا السري وقري عينا، فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا [مريم: 26]. صوماً أي: عن الكلام، فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا [مريم: 26]. فإن ولدها هو الذي سيتولى الدفاع عنها، وهو الذي يعارك بنفسه، وذهبت مريم -عليها السلام- لتبقى قصتها للمرأة المسلمة من بعدها مثالاً يُحتذى وقُدوة في الصلاح والعبادة، وملء الوقت بطاعة الله والصبر على قضاء الله تعالى، ما أحظى المرأة المسلمة أن تقتدي بمريم -عليها السلام-؛ خصوصاً في هذا الجو المشحون بالشهوات المملوء بها في هذا الزمان، ما أحوج الفتاة المسلمة للاقتداء بمريم في عفِّتها وعبادتها وسط هذه الملهيات الموجودة في هذا الزمان.
صور من عبادة الصحابيات والتابعيات
ولننتقل الآن إلى الصفحة التالية مع بعض الصحابيات والتابعيات في عبادتهن لله -عز وجل- وصدقتهن، وأمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر، قال القاسم بن محمد -رحمه الله تعالى- وهو ابن أخت عائشة، فعائشة خالته: "كنت إذا غدوت أبدأ ببيت عائشة إذا خرجت من بيتي إلى السوق أو إلى مصلحة أبدأ ببيت عائشة أُسلّم عليها، فغدوت يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور: 27]. تصلي وتتفكر في قوله تعالى عن أهل الجنة: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ [الطور: 27]. وتدعو وتبكي، تدعو أن تكون من هؤلاء، وتبكي وتدعو ألا تكون من أهل النار، وترددها، فقمت حتى مللت القيام، يقول القاسم بن محمد: "ينتظر وخالته تصلّي، قال: فذهبت إلى السوق لحاجتي، ثم رجعت فإذا هي قائمة كما هي، تصلي وتبكي، رحمها الله تعالى" [صفة الصفوة: 1/31]. وكذلك كانت النساء ممن بعدها، فهذه امرأة الحبيب أبي محمد الفارسي، كانت توقظ زوجها بالليل وتقول: قم يا حبيب فإن الطريق بعيد وزادنا قليل، وقوافل الصالحين قد سارت من بين أيدينا ونحن قد بقينا، تطبّق حديث النبي ﷺ: رحم الله رجلاً قام من الليل فصلّى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلّي فأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء هكذا كان وقت المرأة المسلمة مملوءاً بالعبادة والطاعة، لم تكن تجلس أمام التلفاز ساعات، أو تتحدّث بالهاتف كل الأوقات، أو تقرأ المجلة التي لا تثقل الميزان بحسنات، أو تسير بالأسواق لقتل الأوقات، أو تجلس على مائدة لتأكل من لحوم البشر وتقتات بالغيبة، فما أحراك لملء وقتك بطاعة الله بدلاً من هذا الذي يحدث الآن من اللهو المحرّم الذي يصد عن طاعة الله وعن ذكره، أما حال المرأة المسلمة في النفقة والصدقة والحنان على الولد فاسمعي إلى هذه القصة المؤثرة:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "دخلت امرأة معها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة، فأعطيتها إياها" هذه زوجة النبي ﷺ قائد الأمة لا يوجد في بيته ﷺ إلا تمرة واحدة، هذا حاله ﷺ في الزهد، وكان بإمكانه أن يكون له مال الدنيا، وأن يكون ملكاً نبياً، لكنه اختار أن يكون عبداً رسولاً، "ودعا الله أن يجعل رزقهم قوتاً" قالت عائشة: "فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة فأعطيتها إياها إيثاراً فقسمتها بين ابنتيها، وهنا تؤثر الأم بدورها ابنتيها ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي ﷺ علينا فأخبرته فقال: من ابتُلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار
وفي رواية أيضاً للبخاري: "جاءت مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، ويحتمل أن تكون هذه المرأة غير الأولى فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها، أرادت البنتين أيضاً أخذ التمرة الباقية، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأني فذكرت الذي صنعت لرسول الله ﷺ فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار وصدق النبي ﷺ: اتقوا النار ولو بشق تمرة هذا حال المرأة الحانية على أولادها، ليست بالتي تلقيهم إلى الخدم أو تتركهم وتمشي إلى حفلاتها وسهراتها وقد يجوع ويصرخ وليس عنده أحد، كانت المرأة المسلمة في حنانها على أطفالها وإيثارها عظيمة حقاً، لو قارنا الحال بحال الأمهات اليوم لوجدنا أن الكثير منهن غير قائمات بحقوق أطفالهن كما ينبغي.
المرأة وشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
أما بالنسبة للمرأة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن الحال عظيم في نساء السلف، إن الجرأة على الظالم والتصريح بالحق والجهر به كان أيضاً من سمات النسوة في ذلك الزمان، دخل الحجاج بن يوسف الثقفي بعد مقتل عبد الله بن الزبير على أسماء بنت أبي بكر أم عبد الله بن الزبير، يقول بكل وقاحة: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ يقول عن ولدها: عدو الله، ويأخذ رأيها فيما صنع بعدو الله، ولدها بزعمه قتله ومثّل به، قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك، أما إن رسول الله ﷺ حدّثنا -تقول أسماء-: إن في ثقيف كذابًا ومبيراً، فأما الكذاب وهو المختار بن عبيد الثقفي الذي ادعى النبوة وحورب وقُتل، فرأيناه، وأما المبير، -ومعنى المبير أي المهلك الذي يكثر القتل- وأما المبير فلا إخالك إلا إياه" أنت هو المبير، هكذا قالتها بجرأة في وجه الظالم.
قال: فقام عنها ولم يراجعها وهو الذي كان إذا انتُقد أو طعن أحد فيه أمامه نزل رأسه عن جسده.
نفيسة بنت الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، فإن الناس قد اشتكوا لها مرة عن ظلم أحمد بن طولون وكان حاكما جائراً قبل أن يعدل، قبل أن يهديه الله، فقالت لهم: متى يركب؟ متى الوقت الذي يمر فيه بالطريق؟ قالوا: في غد، فكتبت رقعة وقد مضت بها في طريقه ووقفت، فلما مر موكبه قالت: يا أحمد بن طولون، فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها، فإذا فيها: ملكتم فأسرتم، وقدرتم فقهرتم، وخوّلتم ففسقتم، وردت إليكم الأرزاق فقطعتم، هذا وقد علمتم أن سهام الأسحار -يعني: دعاء المظلوم بالليل قبل الفجر- أن سهام الأسحار نافذة غير مخطئة، لاسيما من قلوب أوجعتموها، وأكباد جوّعتموها، وأجساد عرّيتموها، فمحال أن يموت المظلوم ويبقى الظالم، اعملوا ما شئتم فإنا صابرون، وجوروا فإنا بالله مستجيرون، واظلموا فإنا إلى الله متظلّمون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. فتأثر الرجل جداً بكلامها، وعدل لوقته من تلك الساعة التي وقعت فيها هذه الموعظة من قلبه كل موقع، رجع إلى العدل، وآب إلى الله .
هذا مثال على الجرأة في وجه أهل الباطل، مهما كانت المرأة ضعيفة فإنها في مواقف الحق لا بد أن تصلب وأن تثبت فرحمة الله على نساء ذاك الزمان ونسأل الله الهداية لنساء هذا الزمان.
تساهل المرأة المسلمة في الذهاب للسحرة والعرافين
ولننتقل الآن إلى الصفحة التالية عن موضوع يتعلق بالشرك وهو ضد التوحيد، ألا وهو الذهاب إلى العرافين والكهان مما شاع عند النساء في هذا الزمان، الذهاب إلى العرافين والكهانة، فأنت ترين بعض النساء، إذا حصل لها مرض نفسي أو أحسّت بشيء ذهبت مباشرة إلى دجالة أو دجال، وإذا أرادت أن تعرف من الذي سحرها بزعمها أو تعرف الشيء المفقود، أو تعرف هل الزوج الذي يتقدم لابنتها في مصلحة البنت، أم لا؟ ذهبت إلى عراف أو عرافة لتسأل وتستطلع الخبر بزعمها لمعرفة ما سيحدث، وقد قال النبي ﷺ في الذي يذهب إلى الكاهن فيصدقه إنه قد كفر بما أنزل على محمد" لأنه لا يعلم الغيب إلا الله، فإذا ذهبت إلى كاهن لتسأل وتصدق بكلامه فإنها كافرة بالله العظيم خارجة عن التوحيد واقعة في الشرك الأكبر وإذا ذهبت إلى عراف لتسأله بغير تصديق أو تأخذ مما عنده من هذه الشعوذات وتقول: أنا أذهب أجرّب وأنا لا أصدّق، ولكن للتجربة، ربما أنتفع فإنها "لا تُقبل لها صلاة أربعين يوماً كما جاء في الحديث" لا بد أن تصلي وإلا كفرت وتصلي وليس لها أجر أربعين يوماً مائتي صلاة، هذا هو عقوبة من يذهب إلى العراف حتى ولو لم يصدقه فاحذري أيتها المرأة المسلمة من الذهاب إلى هؤلاء وانهي غيرك عن الذهاب فإنه شائع ومنتشر في أوساط النساء وهؤلاء كثير منهم محتالون، وبعض المسلمين مع الأسف يذهب إلى الخارج أيضاً وراء السحرة يطالب يذهب إلى الهند أو عمان أو إلى أقصى الدنيا، هذا شخص ذهب إلى الفلبين للقاء أفاك أخبره مقابل عشرة آلاف ريال كذب، قال: سيكون بكرك من الأولاد ذكرا فجاءته أنثى، وآخر ذهب إلى بلد عربي، توجه إلى طبيب مشعوذ عنده سكرتيرة تسجل المعلومات الشخصية كاملة الاسم والعنوان والمهنة ثم تدخل هذه المعلومات إلى هذا الطبيب الدجال خفية ولما يدخل المريض على الطبيب الدجال يذهل ويحتار من المعلومات الصحيحة التي يخبره بها ويبدأ يسلمه مفتاح أسراره لهذا الدجال الذي ينهب أمواله ويبدأ معه رحلة خرافات ودجل وينتهي الموضوع بكما ذهبنا عدنا، وفي بلد عربي آخر هناك شخص مشهور تكلمه بالهاتف، ويعالجك بالهاتف ويعطيك رقم الحساب لإدخال المبلغ المطلوب لحسابه، ويهددك إذا تأخرت، الويل لك والثبور، سيصيبك الأذى إذا لم تدخل النقود في الرصيد، لا يهم أشفيت أم لا؟ وما يحدث الآن من إدخال كثير من النساء لبعض الخادمات اللاتي هن من السحرة والمشعوذات، أو اللاتي يرسلن بشعر المخدومة صاحبة البيت في ظرف بالبريد ليعمل لها السحر، وهكذا تخوّف صاحبة البيت بالسحر وتبتزها وتدفع لها الحلي والأموال، كل ذلك بسبب هذا التفريط في العناية بالتوحيد والوقوع في الشرك.
خطورة التهاون بأمر الصلاة
وننتقل الآن إلى مقال بعنوان: أتتهاونين بالصلاة لأجل هذا؟ حينما يكون لدى بعض النساء زواج لقريب، وخصوصاً إن كان أختاً أو أخاً نلحظ من بعضهن تهاوناً في أداء بعض فروض الصلاة في نفس يوم حفل الزواج، وبخاصة صلاة المغرب والعشاء، وصلاة الفجر في اليوم الذي يليه، وذلك لسببين:
أولًا: الانشغال بالزينة والخوف عليها من الخراب وبخاصة إذا كانت هذه المرأة ستذهب إلى مصففة الشعر الكوافيرة، فهذا يتطلب منها أن تذهب لها منذ الظهر أو العصر وتمكث هناك وقتاً ليس بالقليل فتنشغل وتهمل أداء صلاة العصر، ومن ثم تضع الزينة وتسرح شعرها وتخشى إن هي توضأت أو حتى صلت أن يصيب زينتها شيء من الخراب، خاصة أنها دفعت المبلغ المعلوم وبذلك وقتاً وجهداً فتترك صلاة المغرب وكذا العشاء وقد تكون متزينة بنوع لا يصح معه الوضوء كطلاء الأظفار بالمناكير وهذا من المنكرات الذي يمنع وصول الماء، وهذا قد يترتب عليه أيضاً ترك الفروض في اليوم التالي لحفل العرس حيث تهمل أو تترك مسحه.
والسبب الثاني: الانشغال بالاستعداد لحفل الزواج نفسه والتهيؤ له فيمر الوقت وهي لم تؤد الفروض وقد تنام بعد انتهاء حفل العرس في ساعة متأخرة من الليل، فتترك صلاة الفجر أيضاً، هذه حالة خطيرة جداً موجودة لدى بعض نسائنا تتعلق بركن عظيم من أركان الدين، أعظم ركن بعد الشهادتين وهو عماد الدين التي "من تركها فقد كفر" فإذن، تحذير لهذه المرأة التي هذه حالها من قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون: 4، 5]. المرأة التي تضيع الصلاة عن وقتها لمثل هذه الأشياء وقال الله : فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم: 59]. هذه العذاب في جهنم لأجل تضييع هذه الفريضة، كيف تترك امرأة مسلمة فرض ربها من أجل العناية والمحافظة على زينتها؟ كيف تدع الصلاة وهي لا تضمن إلى متى تعيش وقد تكون هذه الساعة آخر ساعة من عمرها؟ فكيف تكون الخاتمة؟
قصة مؤثرة عن بر الوالدين
ونقلب الصفحة إلى قصة مؤثرة عن بر الوالدين، كم فرطت في هذه الفريضة فتيات هذا الزمان، وصار العصيان للأب وهو يأمر بطاعة الله، أو الأم وهي تنهى ابنتها عن معصية الله، هذه البنت التي غرّها شبابها وجمالها، وأمها وأبوها يستغيثان الله ويلك آمني، ولكنها مصرّة على المعصية واتباع دروب الشر، وربما رفعت صوتها على أمها ونفضت يديها وتأففت في وجه أمها، والله يقول: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا [الإسراء: 23]. فنهى عن القول السيئ، وعن الفعل السيئ، وأمر بالقول الحسن والفعل الحسن، وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَة [الإسراء: 23، 24]. عن الحسن بن علي قال: "بينما أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء وقد رقدت العيون وهدأت الأصوات، إذ سمع أبي رجلاً يهتف بصوت حزين يناجي الله يدعو ويقول:
يا من يجيب دعاء المضطر في الظلمِ | يا كاشف الضر والبلوى مع الألمِ |
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا | أدعو وعينك يا قيوم لم تنمِ |
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي | يا من إليه أشار الخلق في الحرمِ |
إن كان عفوك لا يدرك ذو سرف | فمن يجود على العاصين بالكرمِ |
فقال أبي: يا بُني أما تسمع هذا النادم لذنبه المستقيل لربه، الحقه فلعلك تأتيني به، قال: فخرجت أسعى حول البيت أطلبه فلم أجده حتى انتهيت إلى المقام، فإذا هو قائم يصلي فقلت: أجب ابن عم رسول الله ﷺ فأوجز في صلاته واتبعني، فأتيت أبي فقلت: هذا الرجل يا أبت، قال له أبي: ممن الرجل؟ قال: من العرب، قال: وما اسمك؟ قال: منازل بن لاحق، قال: وما شأنك وما قصتك؟ فقال: وما قصة من أسلمته ذنوبه، وأوبقته عيوبه، فهو مرتطم في بحر الخطايا، فقال له أبي: على ذلك فاشرح لي خبرك، قال له: كنت شاباً على اللهو والطرب لا أفيق عنه وكان لي والد يعظني كثيراً ويقول: يا بني احذر هفوات الشباب وسكراته، فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد، وكان إذا ألح علي بالموعظة ألححت عليه بالضرب، فلما كان يوم من الأيام ألح علي بالموعظة، فأوجعته ضرباً فحلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو عليّ، فخرج مسافراً حتى انتهى إلى بيت الله وتعلّق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:
يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا عرض | المهام من قرب ومن بعدِ |
إني أتيتك يا من لا يخيب من | يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمدِ |
هذا منازل -اسم الولد- لا يرتد عن عققي | فخذ بحقي يا رحمن من ولدي |
وشل منه بحول منك جانبه | يا من تقدّس لم يولد ولم يلدِ |
قال: فو الله ما استتمّ كلامه حتى نزل بي ما ترى، ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس، صار الولد مشلولاً شللاً نصفياً، قال: فأبت ورجعت ولم أزل أترضاه وأخضع له وأسأله العفو عني إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا عليّ، فقال: فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره، حتى إذا صرنا بواد الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة، الناقة التي تحمل أباه، فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات، هذا في الطريق قبل أن يصل إلى البيت الحرام فدفنته هناك وأقبلت آيساً وأعظم ما بي ما ألقاه من التعيير أني لست أعرف إلا بالمأخوذ بعقوق والده.
فقال له أبي: أبشر، فصلّى ركعتين ثم أمره فكشف عن شقه بيده ودعا له مرات يرددهن، فعاد صحيحاً كما كان وقال له: إني لولا أنه قد كان سُبقت إليك من أبيك في الدعاء لك، بحيث دعا عليك لما دعوت لك.
قال الحسن: "وكان أبي يقول لنا: احذروا دعوة الوالدين فإن في دعاهما النماء والانجبار والاستئصال والبوار".
[التوابين لابن قدامة: 144].
عزة المرأة في حجابها
وننتقل إلى ركن يتعلق بالحجاب، هذه الشعيرة الإسلامية العظيمة التي فرضها الله حماية للمرأة وصيانة لها وإكراماً لها ففرطت نساء هذا الزمان إلا من رحم الله في الحجاب، فهذه رفعت وهذه قصّرت، وهذه حسرت، وهذه لبست الشفاف، وتلك لبست المزيّن والمزخرف في الأكمام والرقبة والعباءة عموماً، وهذه جعلته ضيقاً، وهذه جعلت فيه فتحة، وصار الحجاب ملعبة، وهذه تخرج من غير جوارب، وتلك لا تستر كفيها لا في أكمام العباءة ولا بقفاز، وصار الحجاب يشتكي إلى الله من عبث العابثات، هذا الحجاب ينبغي أن نربي عليه البنات من الصغر، من الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس اليوم لا يعودون بناتهم من الصغر على الحجاب، نترك البنت تلبس ما شاءت من الطول والشكل وتقلد الزميلات ما كانت انتماءاتهن واتجاهاتهن، وخلال يوم واحد فجأة إذا بلغت نأمرها بالحجاب ونقول: لقد أصبحت مسؤولة ومحاسبة ويجب عليك الحجاب، هل ستلتزم يا تراها أم أنها ستواصل ما تعودت عليه؟
من الخطأ أن نتركها في السابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة تلبس ما شاءت من اللباس المزري أحياناً حتى أمام بعض الأقارب، لباس سيئ تُلبسه بعض النساء بعض العوائل والأسر لبناتهن في هذه المرحلة، وعائشة تقول: "إن الفتاة إذا بلغت تسعاً صارت امرأة" يعني: لزمها ما يلزم النساء، لا بد أن تتحجب، كما أن الولد يؤمر بالصلاة لسبع وُيضرب عليها لعشر لأجل أن يتعود على الصلاة حتى إذا بلغ كان مصلياً أصلاً، فكذلك الفتاة البنت الصغيرة، لا بد أن تعود على الحجاب حتى إذا بلغت يكون الحجاب أمراً اعتادت لها، ينبغي أن يُعظّم شأن الحجاب وأن يُرفع، وأن يوصي النساء بعضهن بعضاً به، وينكر بعضهن على بعض في التهاون والتفريط به، تكون الوصية به لا كما فعلته مذيعة مع مريضة في المستشفى، لما دخلت عليها وجدتها متحجبة، قالت: هذا زيادة حرص، ما الداعي لهذه الزيادة في الحرص الرجال إذا أتوا سوف يستأذنون؟ ونحن نعلم وأنت تعلمين أنه في كثير من الحالات يدخل بعض الأطباء أو الممرضين وربما بعض المراجعين أو الزائرين وحتى عمال النظافة من الرجال تُفاجأ بهم المرأة المريضة على السرير فهل إذا احتاطت المرأة لدينها يقال لها: زيادة حرص ولا داعي له؟ وإليك هذه المقالة التي كتبتها فتاة تقول عن حوار بينها وبين فتاة أخرى: سألتني ذات يوم ما سر حبك لها وتعلقك الشديد بها؟ فقلت: كيف لا أحبها وهي سر سعادتي ورمز كرامتي؟ فقالت: ماذا تعنين؟ فقلت: سأحكي لك قصة حبي لها والمؤامرة التي نسجت للنيل منها، عندما كنت صغيرة كنت ألمح لمساتها الحانية على من حولي وأرى حمايتها وحسن رعايتها فيتملكني العجب من عزتها وقوتها، فجعلت أرنو إليها بعين الإعجاب وأحلم بشوق إلى مقلتيها السوداوين، ولكن صغر سني كان حائلاً بيني وبينها، ولطالما تجللت رداء حلمي لأسعد بقربها ولو في نيل الأحلام، إنها متواضعة جداً، الكثيرون يحبونها ويجلون قدرها ولما كبرت كان لقائي بها وارتفع في قلبي شأني وتعمق في الفؤاد حبها، ولكن كنت أسمع بين الفينة والأخرى من يهوّن من شأنها ويقلل من قيمتها، فلم أعرهم اهتماماً، بل زدت إصراراً على حبها والتعلق بها، وما ألذ إحساس الحب الذي يغمرني تمشي دوماً، معي لقد تعلمت منها السكينة والوقار وحسن السمت والفخار وأكسبني قربي منها مهابة في القلوب، وفي ذات يوم صائف شديد الحرارة إذا بي أسمع كلاماً يلسع قلبي كلسع السياط، أصوات مزيفة وأضواء خافتة وأيد حاقدة، رأيت تلك الأيدي تريد أن تمتد بكل مكر واحتيال لتخطفها مني إلى البعيد وكادت أن تنتزعها لولا رحمة الله، ولما أدركوا أن حبي لها أكبر مما يتصورون، وتعلقي بها أشد مما كانوا يتوقعون، لما تبين عجزهم عن إبعادها عني بالقوة عدلوا عن أسلوب الصلف والشدة إلى أسلوب المراوغة والخداع، فسلكوا طريق مكر آخر فأغروا بعض السفهاء الذين سعوا بالوشاية بها وتشوية سمعتها الطاهرة النقية فزيفوا الحقائق، ولطخوها بأصباغ الرداءة، ووصفوها بكل زيف وباطل، ولكن أنى لهم ذلك، أنى لهم أن أتخلى عنها ويتخلى عنها محبوها، سيظلون عاجزين مهما دبروا من مكيدة، أتدرون من هي تلك التي بلغ حبها في قلبي هذا المبلغ؟ إنها تاج عفتي ورمز الستر والكرامة، إنها محبوبتي التي لن أتخلى عنها ما حييت في كل أرض وتحت كل سماء، إنها عباءتي الحبيبة.
عبر وعظات في توبات الممثلات
وإذا قلبنا صفحة المجلة التالية يطالعنا مقال بعنوان: "عبر وعظات في توبات الممثلات".
تعالين نقرأ ما كتبته أو ما حكته هالة الصافي لجريدة القبس بعد توبتها إلى الله -عز وجل- بعد عشرين عاماً من الضلال، تقول -وأتعمد قراءة بعض ما كتب وما قال هؤلاء الممثلات للعبرة أيتها المرأة المسلمة وهي عبرة عظيمة- تقول: لقد احترفت العمل الفني منذ حوالي عشرين سنة، عندما كان عمري لا يتجاوز الستة عشر عاماً وبدأت بالرقص، وكانوا يطلقون عليّ ألقابا مختلفة منها: راقصة التلفزيون الأولى، راقصة الفنادق الكبرى، وغير ذلك، ونلت من الشهرة الكثير، ولكني كنت دائماً عندما أنتهي من عملي أعود إلى منزلي، وقد كنت دائماً أرفض الجلسات الخاصة للفنانين، انتبهي إذن ماذا يراد بك يا أيتها الفتاة المسلمة من قضية إدخالك في الفن العفن، وعندما أذهب إلى فراشي كنت أشعر بتأنيب الضمير، كنت أسأل نفسي دائماً: هل هذا العمل حلال أم حرام؟ هل هذه الأموال التي أكسبها حلال أم حرام؟ وسألت بعض المهتمين بالشؤون الدينية، كانت بعض الإجابات تأتيني أنه حرام ولكن سيطرة الشيطان عليّ كانت قوية، ولكن منذ ثلاث سنوات سيطرت عليّ فكرة الاعتزال، خاصة أنني أبدأ أحلم بأحلام مزعجة جداً وأستيقظ من نومي وأنا أصرخ ولا يوقظني إلا قراءة زوجي لبعض الآيات القرآنية، ثم زادت هذه الحالات علي خاصة عندما أكون في طريقي إلى العمل، عندما يجيء وقت الخروج إلى المسرح كنت أشعر بأن قلبي ينقبض، وبداخلي شيء يحاول منعي من مغادرة المنزل، ولكنني كنت أقاوم هذا الشيء الغريب، وعندما أذهب إلى الفندق وأستعد للخروج إلى المسرح ويقوم مقدّم الحفلات بإذاعة اسمي، وتبدأ الفرقة الموسيقية بعزف المقطوعة التي سوف أرقص عليها كان ينتابني نوم عميق مما يضطر الفرقة إلى التوقف، وينتقل بعضهم إلى غرفتي لمعرفة سبب التأخر فيفاجؤون أني أغط في نوم عميق، وكان أعضاء الفرقة يتعجبون من هذا الموقف الغريب، والذي عجزت أن أجد له مبرراً، وكثيراً ما كان هذا الموقف يسبب لي إحراجاً شديداً ولا أستطيع أن أرد على تساؤلات المعجبين حتى عدت ذات يوم من عملي، وكان يوم خميس، وشعرت بانقباض شديد ودقات قلبي ترتفع بسرعة فساءتني، فقمت على الفور واغتسلت وصليت ركعتين استخارة وتوسّلت إلى الله أن يلهمني الصواب، ونمت بعد أن شعرت بكل الاطمئنان، وأثناء نومي رأيت شخصاً يرتدي ملابس بيضاءً تماماً وكان يشدني بقوة، ثم قمت من النوم وقلت لزوجي ودموعي تنساب: لقد قررت اعتزال العمل الفني نهائياً، ثم قمت بعد ذلك بإلغاء كافة العقود التي كنت قد اتفقت عليها وأبرمتها من قبل، ومنذ ذلك الوقت ارتديت الزي الإسلامي الشرعي، وقررت التوبة إلى الله من هذ العمل، وتواصل هالة الصافي حديثها فتقول: وبعد عام كامل من الالتزام قررت السفر إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وزيارة مسجد النبي ﷺ، ولما سئلت ماذا كان شعورك عندما وقفت أمام الكعبة؟ فقالت: لم أشعر سوى بدموعي التي أخذت تنهمر بشدة وأخذت أدعو الله أن يغفر لي ذنوبي وأن يحاسبني برحمته وأخذت أتذكر ما كنت أفعله. هذا جزء من كلام هذه الراقصة التي اعتزلت، وقد اعتزل غيرها كثير ولله الحمد وهن في قمة الفن وفي أوج الشباب والجمال، وهذا الكلام مهم للرد على من طعن فيهن وقال: اعتزلن بعد ما فات عليهن القطار وصرن إلى الشيخوخة وفقدْن الجمال والقدرة على التمثيل والرقص، ونحو ذلك من الكلام الفارغ، ومن أجلّ هؤلاء المعتزلات وأعظمهن أثراً والتي كان لها بعد الله الفضل العظيم في هداية الكثير من الممثلات والفنانات، هذه المرأة هي شمس البارودي التي يجب عليك أن تنظري الآن لها بعين الإعجاب بعدما كانت بعض الفتيات ينظرن إليها بعين الإعجاب وهي تمثل في عالم الفن العفن، الآن تنظرين إليها بعين الإعجاب الإسلامية وليس بعين الإعجاب الجاهلية، شمس البارودي التي صارت الآن تعقد حلق الذكر والدروس، وتقوم بالدعوة إلى الله، تقول: في الماضي كنا نجهل تعاليم الإسلام، كنا نطيع طاعة جهال ونعبد الله عبادة عاصين، كنا نصلي وندعو الله أن ينجح الفلم، ونصوم ونضع المساحيق على وجوهنا، ونقول: إن العمل شيء والعبادة شيء آخر، كان ذلك هو أساس الخطأ، كان الخطأ كل الخطأ أن امرأة جميلة في أجمل زينتها لها ترتدي ملابسها على أحدث موضات باريس، يرى جمالها مخرج ومصور وكل العاملين في الفلم والمشاهدين وهي تقف أمام ممثل أجنبي تقول له كلمات الحب والغرام من خلال قصة حب تخدع بها الناس ثم نقول بعد ذلك في المقابلات: إن الفن رسالة، كيف نعظ الناس بأشياء ونحن نرتكب أصلاً محرمات ومعاص كثيرة؟ إن مجرد السلام باليد حرام؛ لأنه لا يجوز أن أضع يدي في يد رجل أجنبي والنظرة المتأملة في وجه رجل أجنبي حرام، فما بالكم ما يحدث بعد ذلك؟ هذا مقتطف مما قالته لجريدة الأنباء الكويتية في عدد 30/5/1413 لما تبن هؤلاء الفنانات إلى الله ورجعن إليه هل كفّ المجرمون عن الأذى؟ أبداً، بدأت الملاحقة والمطاردة والأذى بجميع أصنافه وأنواعه وكتبت المقالات في المجلات متهمة لهن باتهامات كثيرة وأنزل المجرمون أفلام هؤلاء في دور العرض والسينما محاولة للضغط عليهن أقذر الأفلام لهؤلاء الفنانات التائبات، صارت تعرض محاولة للضغط ولكن من ثبتها الله ثبتت حتى قالوا في ضمن الاتهامات إنه يدفع إليهن مبالغ للحجاب-سبحان الله- المرأة التي تأتيها عشرات الألوف ومئات الألوف في الفن وتجمع الملايين كم المبلغ الذي سيكون دافعاً لها للحجاب إذا كانت القضية قضية مبالغ؟ وقد كتب بعض هؤلاء الفنانات التائبات خطاباً سأقرأه عليكم، خطاباً قوياً ومؤثراً علّ ذلك، يكون واعظاً لمن ترى هذه الأفلام وتستعمل للأغاني وتشاهد الرقصات، تقول هذه الرسالة، رسالة من الفنانات المعتزلات شمس البارودي، مديحة كامل، شهيرة هالة فؤاد، نسرين، هالة الصافي، كميل العربي:
بسم الله الرحمن الرحيم، إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38]. قال الشاعر:
وما من كتب إلا سيفنى | ويبقي الدهر ما كتبت يداه |
فلا تكتب بكفك غير شيء | يسرك في القيامة أن تراه |
وهذان البيتان موجهان إلى الصحفيين الذين كتبوا المقالات لما كانت الحملة الشرسة الموجهة إلينا قد ازدادت شراسة ولما لم يبق عند بعض الصحف والمجلات والكتاب مادة لموضوعاتهم إلا التعرض لنا باختلاق الروايات وافتراء القصص من محض خيالات مريضة ولما كنا نحتسب أجرنا عند الله ونصبر ونترفع عن الرد فقد شجع هذا الموقف البعض فازدادت القصص الملفقة، حتى كان آخرها الادعاء بأننا أخذنا أجراً لطاعة الله وقبضن الملايين من أجل التخلي عن السفور والتبرُّج، ولما منّ الله علينا بالبصيرة علمنا أنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، لقد تركنا الآلاف والملايين لأهلها، وتركنا ما كنا فيه ونحن في أوج الشباب والحمد لله، بل وتركنا الدنيا بزينتها ومتاعها الرخيص الزائل وانشغلنا بعمارة الآخرة، ومنّ الله علينا ما لو علمت به الملوك لحاربتنا عليه بالسيوف، ألا وهو حب الله وطاعته ورضوانه، ولقد أخذنا وعداً بالفعل، ولكنه وعد من رب العالمين بالجنة حيث وعد بها كل عباده الطائعين وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ لقد تاجرنا مع الله أيها السادة، إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة: 111]. ونحن نعلنها صراحة لكل من كتب، ولكل من سيكتب أننا لم ولن نعود إلى ما كنا عليه أبداً بفضل الله، ولو كره المنافقون، وأنه لا أصل لما يكتب على ألسنتهم في الجرائد ونحن نسأل الذين يفترون علينا ما قولكم في الطبيبة والمهندسة والمحامية والطالبة وكافة طوائف المجتمع اللاتي ارتدين الحجاب وعدن إلى الله ممن قبض هؤلاء أيها السادة بقيت المتحجبات ممن قبضن لأجل الحجاب أفيقوا واتقوا الله، فعن قريب تلقونه وتسألون عما كنتم تكتبون، ولن ندعوا لكم إلا بالهداية وأذاقكم الله من طعم طاعته الذي ذقناه، وثبتنا الله على طريقه حتى نلقاه وهو راض عنا والحمد لله الذي هدانا لهذا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. التوقيع: شمس البارودي، مديحة كامل، شهيرة، هالة فؤاد، نسرين، هالة الصافي، كميل العربي، هناء ثروت، أميرة.
إنها شهادة رائعة وبيان بديع ومعان عظيمة تبشّر بخير، ولكن الوقفة الآن مع هذه الفتاة المسلمة أو المرأة التي تتفرج على هذه الأفلام وقد تابت الممثلات فيها إلى الله ولازالت صاحبتنا أو هذه الفتاة تتفرج على الأفلام التي تابت فيها الممثلات إلى الله، ألا يكون هذا موعظة لكِ بترك هذه الفُرجة المحرمة والمرأة التي تتفرجين عليها تابت إلى الله وأنت لم تتوبي بعد؟ التي مثّلت ومارست وجربت ودخلت قبلك رجعت إلى الله، والرجوع بأعداد؛ حتى أن المخرجين تورطوا من الذي سيقوم بأداء الأدوار، فاضطروا إلى الاستعانة بممثلات من الدرجة الثانية أو من الكومبارس لإظهار وجوه جديدة، وإظهار وجوه جديدة؛ لأن العدد قلّ، والله يهدي من يشاء، ولا نستبعد الهداية عن أحد، هذا مثال واضح على أن الله قد يهدي أفسق الفاسقين.
والمطلوب الآن ترك هذه المحرمات واستبدالها بالطاعات وسماع الأشياء الطيبة بدلاً من سماع الأغاني والعكوف على هذه التمثيليات التي فيها هدم للدين، بل ومهاجمة المتدينين كما يحصل في هذه الأيام، وأنت تعلمين ذلك جداً.
فتاوى نسائية وأجوبة
ولننتقل الآن بك إلى ركن الفتاوى في هذه المجلة لنستعرض بعض الأسئلة التي ترد مع الإجابات عليها.
يقول السؤال: إذا كانت المرأة عادتها الشهرية ثمانية أيام أو سبعة، ثم استمر معها الدم أكثر من العادة، ماذا تفعل؟ الجواب: إذا كانت عادة المرأة ستة أيام أو سبعة ثم طالت هذه المدة واستمر الدم فإنها تبقى لا تصلي حتى تطهر متى كان هذا الدم باقياً، فإذا انقطع فإنها تطهر وتغتسل ثم تصلي، وهذا ما لم يجاوز الدم خمسة عشر يوماً فإنه لا حيض بعد خمسة عشر يوماً من الدم، الباقي استحاضة تغتسل وتصلي وتتوضأ لكل صلاة إذا كان الدم لا يزال ينزل بعد خمسة عشر يوماً، والعادة معرضة للتقديم والتأخير والزيادة والنقصان والاتصال والانقطاع، فلذلك لو استمر الدم أكثر من العادة فإنها تمتنع عن الصلاة والصيام حتى ينقطع الدم.
تقول هذه السائلة: عندما أكون حائضاً لا أتنزه من البول بالماء خشية الضرر؟
الجواب: يكفي عن الماء التنزُّه بالمناديل الطاهرة وغيرها من كل جامد طاهر يزيل الأذى ثلاث مرات أو أكثر حتى يزول الأذى، وهذ ليس خاصاً بك وأمثالك، بل هو عام لكل مسلم ومسلمة.
فإذن لو أرادت الحائض أن تتنزه من البول بالاستجمار فلا بأس بذلك.
يقول السؤال: بعض الطالبات مقرر عليهن حفظ جزء من القرآن فأحياناً يأتي موعد الاختبارات مع موعد العادة الشهرية فماذا يفعلن؟ الجواب: يجوز للحائض والنفساء قراءة القرآن في أصح قولي العلماء لعدم ثبوت ما يدل على النهي عن ذلك، لكن بدون مس المصحف، ولهما أن يمسكاه بحائل، كثوب طاهر أو شبهه، كما لو أمسكتيه الآن بالقفاز مثلاً، وهكذا الورقة التي كتب فيها القرآن عند الحاجة إلى ذلك. وهذه فتوى الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ولو أنك قرأت من كتاب التفسير، أخذت تفسيراً فيه آيات وقرأت منها فذلك جائز، وإذا أمسكتيه لا حرج عليك لأنه ليس له حكم القرآن حيث أنه آيات ومعها تفسير كلام آخر، فإذن لا يكون له حكم المصحف.
يقول السؤال: هل تأخذ المرأة من مال زوجها دون إذنه؟
الجواب: يجوز للمرأة ان تأخذ من مال زوجها بغير علمه ما تحتاج إليه هي وأولادها القاصرون بالمعروف من غير إسراف ولا تبذير إذا كان لا يعطيها كفايتها، لما ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان لا يعطيني ما يكفيني ويكفي بنيّ، فقال ﷺ خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك. [رواه البخاري: 5364، بلفظ: خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف].
وورد لسماحة الشيخ أيضاً سؤال: ما الأشياء التي تعملها المحدّة على زوجها والأشياء التي لا تعملها؟ فكان الجواب: (يلزم المحدة على زوجها من الأحكام ما يلي:
أولاً: تلزم بيتها الذي مات زوجها وهي ساكنة فيه لا تخرج منه إلا لحاجة أو ضرورة كمراجعة المستشفى أو شراء حاجة من السوق ليس عندها من يشتري لها .
ثانياً: تجتنب الملابس الجميلة وتلبس ما سواها.
ثالثاً: تجتنب أنواع الطيب ونحوها إلا إذا طهرت من حيضها فلا بأس أن تتبخر بالبخور عند الطهر فقط.
رابعاً: تجتنب الحلي من الذهب والفضة والماس وغير ذلك سواء كان قلائد أو أساور أو خواتم ونحوها.
خامساً: تجتنب الكحل والحناء؛ لأن النبي ﷺ نهى المحدّة عن هذه الأمور كلها.
فعموماً إذن، تجتنب الزينة وتلزم البيت وغير ذلك، يجوز لها أن تفعله بالمعروف فلها أن تغتسل بالماء والصابون والسدر متى شاءت، ولها أن تكلم من شاءت من أقاربها، ولها أن تجلس مع محارمها وتقدم لهم القهوة والطعام، ولها أن تعمل في بيتها وحديقة بيتها وأسطحة البيت ليلاً أو نهاراً جميع الأعمال البيتية كالطبخ والخياطة وكنس البيت وحلب الماشية ونحوها مما تفعله غير المحدّة، ولها المشي في القمر سافرة كغيرها من النساء، ولها طرح الخمار عن رأسها إذا لم يكن عندها غير محرم) فإذن يتبين لك أيتها الفتاة المسلمة أيتها المرأة المسلمة أن كثيراً مما يشاع بين النساء عن ممنوعات المحدة هو من البدع والخرافات، فهذه تقول للمحدّة: لا تمسي الملح، وأخرى تقول: لا تلبسي حذاء في البيت، وأخرى تقول: لا تنظري من الشباك، وأخرى تقول: لا تنظري إلى القمر، وأخرى تقول: لا تنظري في المرآة، وأخرى تقول: لا تصافح امرأة متزوجة، ونحو ذلك من الكلام الفارغ الذي يشيع وينتشر وما أكثره في مسألة الحداد .
ويقول السؤال: ما حكم خروج المرأة إلى السوق بدون إذن زوجها ؟
وأجاب سماحة الشيخ: (الواجب على المرأة ألا تخرج إلى السوق ولا غير السوق إلا بإذن زوجها، ومتى أمكن أن يقضي حاجته هو أو غيره من محارمها أو غيرهم، فهو خير لها من الخروج ومتى دعت الحاجة إلى الخروج بإذن زوجها فالواجب عليها التحفظ مما حرم الله مع الحجاب الكامل لوجهه وغيره لقوله تعالى: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33]).
حكم المراسلة بين الشبان والشابات
يقول السؤال: ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات، علماً أن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟ وأجاب الشيخ عبد الله بن جبرين: (لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه، لما في ذلك من فتنة، وقد يظن المراسل أنه ليس هناك فتنة، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ويغريها به، وقد أمر النبي ﷺ من سمع الدجال أن يبتعد عنه ولو كان مؤمناً، ففي مراسلة الشبان والشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها، وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها غش ولا غرام) أما مراسلة الرجال للرجال والنساء للنساء فليس فيها شيء إلا أن يكون هناك أمر محظور فأقول لكِ: إن مراسلة ما يسمى بورقة التعارف أو صفحة التعارف في بعض المجلات هو نوع من الفسوق والعصيان وتفعله بعض النساء والفتيات اللاتي لا يخفن الله ، وأما الرسائل بين النساء والنساء من المنكرات ما يحدث من كتابة بعض الرسائل التي هي أشبه ما تكون بالرسائل الغرامية، ترسل فتاة لفتاة أخرى معجبة لها أو إلى مدرسة وربما تكتب فيها أشعار من الفسق وتخاطبها كأنها رجل ونحو ذلك من أنواع الشذوذ الموجودة الآن في بعض المدارس وغيرها، أقول: إن هذه الرسائل رسائل الإعجاب المنطوية على غلو واضح جداً نتيجة واضحة لعدم امتلاء القلب من محبة الله فلذلك صار فيها حب لغير الله محبة تعظيم لا تنبغي إلا لله وربما قالت لها: أحبك حب عبادة ونحو ذلك من الكلام الشركي فإذاً انتبهي لهذه المسألة ولا تأخذك العواطف الهوجاء، وعليك بمرافقة الصالحات، وإذا أعجبت بفتاة تعجبين بها لصلاحها لا لشكلها ولا لظرافتها كما يقع بين عدد من الفتيات نسأل الله السلامة.
يقول السؤال ما حكم التجميل بالمواد الغذائية؟
خلاصة فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين أن التجميل بالمواد الغذائية إسراف وأن الله خلق هذه الأشياء للطعام لكن لو احتاجت إليها للعلاج فلا بأس، أما التجميل فإن استعمالها إسراف.
وننتقل الآن بكن إلى قصة هداية بعض المسلمات اللاتي كن كافرات في الماضي.
هذه امرأة أمريكية تسمى تيري ولدت في أسرة مسيحية لأم أمريكية وأب أمريكي، تقول: وكان أبي مسيحياً متعصباً، يكره الإسلام والمسلمين، وكان لا يذكرهم إلا بالسوء ويقول عنهم: إنهم سيئو الأخلاق، وقذرون، ومتخلفون، بالإضافة إلى ما كان ينقله التلفزيون الأمريكي من أخبار الحروب بين المسلمين، وهكذا كان كل شيء حولي يؤكد أن الإسلام سيئ، وأن المسلمين إرهابيون، إلا أنني منذ طفولتي لم أؤمن بالمسيحية، وأكره الذهاب إلى الكنيسة، واضطر للذهاب إليها تنفيذاً لأوامر والدي، ولم أكن أفهم شيئاً مما يقولونه، ولكن كنت أشتغل بصور المسيح التي تملأ الكلام، وكنت أتقزز وأشعر بالقرف عندما يعطونني فطائر قربان يقولون إنها مصنوعة من لحم المسيح، وأشعر بالقرف أيضاً عندما أشرب الكحول التي يقولون إنها مغموسة في دم المسيح، أو فيها دم المسيح، ولم أكن أقتنع بالواسطة بين الإنسان وربه عبر القسيس أو الراهب أو البابا، ولكنني كنت لا أزال على هذا الدين المنحرف حتى بلغت السابعة عشرة من عمري، تعرفت على زميلي في الثانوية، اتفقنا على الزواج، ولما دخل الجامعة صار عنده بحث عند الشرق الأوسط، وأتى بكتاب وكان في هذا الكتاب جزء عن الإسلام باعتباره دين سائد في منطقة الشرق الأوسط، وفي يوم من الأيام أخذت كتابه وفتحته، فانفتح على صفحة تتحدث عن الإسلام، وفوجئت بصوة فتاة محجبة، أحسست كأنها أنا، وأذهلني ذلك، وأخذت أريها لأسرتي وكل معارفي فقالوا: إنها تشبهني تماماً، ودفعني ذلك لقراءة المكتوب تحت الصورة عن الإسلام فإذا بي أجد فيه كل ما أفتقده من عقيدة الإله الواحد ومسؤولية الإنسان عن عمله والصلة المباشرة بالله وأنّا لم نولد على الخطيئة، ولا نحتاج إلى تكفير في هذه المسألة، ولا نحتاج إلى من يحمل عنا خطايانا ويتوسط بيننا وبين الله، فأعجبت بهذا الدين، وبعد ذلك اتجهت إليه ولدراسته، وكان إعلان إسلامي في المركز الإسلامي القريب، وتعلق قلبي ببيت الله الحرام وسافرت إليه، وأسلم معي زوجي وطفت وسعيت، وفي المشاعر المقدسة اغرورقت عيناي بالدموع وهزني التكبير والتلبية واستقر بي الحال بعد ذلك في بلد إسلامي.
وهذه فتاة أمريكية أيضاً كافرة، لكن كان إسلامها عن طريق زميلة لها في الفصل.
تقول هذه الطالبة: لم أفكر في يوم من الأيام أن ألتفت لهذه الطالبة -يعني المسلمة- أو أعيرها شيئاً من اهتمامي، ولكن فيما بعد شغلت تفكيري واستحوذت على جميع اهتمامي، كيف؟ كانت لدينا مادة دراسية المحادثة والمخاطبة وكان من متطلباتها أن تعد كل طالبة حديثاً تختاره لتلقيه على مسمع المعلمة والطالبات، ومقياس التفوق هو مقدرة الطالبة على شد انتباه زميلاتها وتحريك مواطن الأسئلة لديهن، وحينما جاء موعد الإلقاء ألقت طالبتان، ولكن لم لديهما المقدرة التامة على شد الانتباه وحينما جاءت الثالثة استطاعت أن تستحوذ على انتباه الجميع، قالت هذه الفتاة وهي فتاة مسلمة كانت معنا في الفصل: إن من تعاليم ديننا الإسلام فرض شهر الصيام من كل عام، وتحدّثت عن هذا الشهر من حيث فوائده والحكمة منه وبعض أحكامه، وما إن انتهت إلا وانهالت عليها الأسئلة حتى أن الوقت المحدد انتهى فطلبنا من المعلمة المزيد ووافقت واستمررنا في عرض الأسئلة، وكانت تجيب بثقة ممزوجة بالفرح، وانتهى حديثها وبدأت رحلتي معها سألتها عن دينها، فكانت تشرح لي في كل يوم بعض مبادئ الدين وزودتني بأشرطة قرآن، بت أرتاح لها خصوصاً هيأتها فهي مميزة بحجابها، انظري يا أيتها النسوة، يا معشر الفتيات، الحجاب وسيلة للدعوة، فهي مميزة بحجابها، وهكذا الحديث فهو يتم بالجدية والفائدة، واستمرت علاقتي بها فصلاً دراسياً كاملاً، مما دفعني بعد ذلك لاتخاذ أجمل قرار في حياتي وهو إعلان إسلامي في الإجازة السنوية، ورغم أن هذا ترتب عليه طرد أبي لي من البيت، ولكن لم أبالي، لقد حفظت آية كانت تتلوها علي باستمرار تلك الصديقة: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2-3].
المرأة المسلمة وعمل الخير
وننتقل الآن إلى زاوية عن المرأة وأعمال الخير .
المرأة المسلمة تعمل الخير، إن عمل الخير شيء يسري في دمها؛ لأن إسلامها يقودها إلى ذلك، حب الخير وعمل الخير كانت أم سليم بنت ملحان هي وعائشة تنقلان القرب على متونهما ثم تفرغانه في أفواه الصحابة، ثم ترجعان فتملآنها وهكذا في المعركة، عمل خير، وكانت كذلك أم سُليم من أعظم ما عملت من الخير أنها جعلت صداقها إسلام زوجها، وهكذا قامت الصحابيات والتابعيات -رضوان الله عليهن- بإمداد الفقراء والأسر الفقيرة والأيتام، وكلما جاء لإحداهن عطاء من بيت المال تصدقت به في لحظته، حتى كانت الخادمة في البيت تطلب منها أن تبقي شيئاً للبيت، وإحدى النساء المسلمات بلغ من شدة حبها أنها أوقفت دارها التي كانت تسكنها مدرسة، وأوقفت لرواتب التدريس، وخرجت من بيتها إلى موضع آخر ابتنته، وكانت تفتش عن الأيتام فتكسوهم وتطعمهم، ما أجمل عمل الخير، إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء، ما أجمل أن تقوم المرأة مثلاً بمساعدة جارتها إذا صار عندها وليمة، ما أجمل أن تحفظ لها أولادها إذا صار عندها موعد في المستشفى، وما أجمل أن تساعدها في تنظيف بيتها عند غياب زوجها إذا احتاجت إلى ذلك، قال الله تعالى: وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الحج: 77]. من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة [رواه مسلم: 2699].
ما أجمل أن تقوم بعض الطالبات أو المدرسات بجمع التبرعات وإيصالها بأيد أمينة إلى المحتاجين أو جمع الملابس التي استغنى عنها أصحابها لصلاح الفقراء.
وإليكِ قصة غريبة وعجيبة عن جامع من الجوامع "صنكي يدن" صنكي يدن باللغة التركية معناها: كأنني أكلت، هذا هو اسم جامع صغير في منطقة فاتح في اسطنبول، ووراء هذه الاسم الغريب قصة طريفة، وفيها عبرة كبيرة، الذي بنى المسجد اسمه: "خير الدين كججي أفندي" كان هذا الرجل إذا مشى في السوق وتاقت نفسه لشراء فاكهة أو لحم أو حلوى يقول في نفسه: "صنكي يدن" أي كأنني أكلت، ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له، ومضت سنوات وسنوات وهو دائب على هذا الأمر، يكفُّ نفسه عن كل لذائذ الأكل ويكتفي بما يقيم أوده فقط، وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئاً فشيئاً، وبعد سنوات لما فتح ذلك الصندوق استطاع أن يبني به مسجداً صغيراً، ولما كان أهل الحي يعرفون قصة هذا الشخص الورع فقد أطلقوا على الجامع اسم صنكي يدن أي كأنني أكلت وقد نوه الأستاذ سعيد النورسي بهذا السلوك الورع فقال مشيراً إلى هذا الشخص في القصة: كلما نادتك اللذائذ ينبغي الإجابة بكأنني أكلت فالذي جعل هذا دستوراً له، كان بوسعه أن يأكل، مسجد سمي بكأنني أكلت فلم يأكل، وأنا أقول: ما أحوجني إلى كلمة كأنني أكلت، تقول كاتبة المقال: فمتى نسمع من أخواتنا كأنني أكلت، كأنني لبست، يا أيتها المرأة التي تنفقين الأموال الطائلة في الزينة والمكياجات والملابس والموضات، لماذا لا تدخري منها شيئاً وتقولي: كأنني لبست، وتعطيها في صالح الفقراء والمساكين وأعمال الخير والبر.
ثم ننتقل بعد ذلك إلى خبر قد جلبته لنا وكالات الأنباء من أمريكا الجنوبية، يقول هذا الخبر الذي نقلته وكالة الأنباء: بعد شكوى نيو مكسيكو من كثرة التحرشات اللاتي يتعرضن لها عند ركوب مترو الأنفاق، قررت سلطات المدينة تخصيص عربتين في كل قطار للنساء فقط، ومنعاً لأي مشكلات أخرى خصصت السلطات ساحات داخل المحطات لركوب ونزول النساء وسط مراقبة شديدة من الشرطة حيث يتدخل الجنود فوراً عند ظهور أي متطفل ودون مقدمات يقتادونه ويمنعون شره على الفور، ومترو الأنفاق المكسيكي يعد الثالث من نوعه في العالم، من حيث ازدحام الركاب، إذ ينقل يومياً أربعة ملايين ونصف مليون راكب، وهو في ذلك يأتي بعد مترو أنفاق موسكو وطوكيو، هؤلاء كفرة وثنيون في أمريكا الجنوبية توصلوا إلى تخصيص عربات في القطار للنساء، هذه القصة نهديها بدون تحية إلى دعاة الاختلاط في بلاد المسلمين، لعلهم يأخذون العبرة من المكسيك.
الوظيفة والمرأة
والآن إلى موضوع خطير وحساس وهو موضوع الوظيفة والمرأة، تقول كاتبة المقالة: ما عاد خروج بنات بلدي للعمل أمراً غريباً، لقد صار أمراً طبيعياً بل وصار عند البعض أمراً ضرورياً، ولا أبالغ أنه قد غدا جلوس من تجلس منهن في البيت أمراً مستهجناً عند البعض، إني لا أبالغ أبداً مثل هذا الاستهجان تحس به كل خريجة تحاصرها الأسئلة من كل مكان ومن كل قريب وبعيد هل توظفت؟ ماذا ستفعلين في قعودك في البيت؟ قدمي أوراقك هنا، قدميها هناك، استعيني بالوصلة الفلانية، سوف تملين من البيت، لا تضيعين مستقبلك بيدك، إلى آخره، والاستنكار أكبر وأكبر حين تفكر موظفة أو يخطر على بالها أن تستقيل من عملها وإن كان عندها أو تلك من الأعذار ما يجعلها تقدم البيت على العمل، فإن عند المجتمع وعند القريبات والصديقات والأمهات والآباء والأزواج حلولاً وحلولاً لكل مشكلة تقف أمام عمل المرأة المهم أن تعمل المهم الوظيفة، سوف تجد من تفكر في الجلوس في البيت لتؤدي واجبها على أكمل وجه ستجد من ينصحها ويقول: طفلك أمره مدبر ضعيه في حضانة أو عند أمك أو جدتك أو هات شغالة فالأمر ليس صعباً، أما إن كان زوجكِ هو السبب فاعلمي أنه لو كان يحبك لما حبسك في البيت؟ أصري وأصري على البقاء في الوظيفة وتأكدي أن مستقبلك أهم، أما المواصلات أمرها سهل، استخدمي سائقاً، هذا الحصار النفسي وهذا الاستنكار والاستهجان ما هو إلا دليل على أن عمل المرأة خارج بيتها بدأ يأخذ أكثر من أهميته عندنا، فاليوم ما عاد خروج للمرأة للعمل للحاجة، أو لأن المجتمع في حاجة، بل صار موضة، صار شيئاً له ثقله، ولم تصبح القضية مقتصرة مع صاحبات المؤهلات العلمية أو الشهادات الجامعية، صارت المسألة الآن تنافس في البحث عن وظائف، حتى لو كانت صاحبة شهادة ثانوية أو متوسطة، والذين يصطادون في الماء العكر ويريدون أن يفتحوا مجالات العمل للمرأة لأجل الفساد والاختلاط وإفساد المجتمع، سيستغلون مثل هذه الموضة أو الحاجة النفسية التي صار عند بعض النساء فاتقي الله واعلمي أن الله يقول: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] .
نعم، إننا لا نقول: لا تعمل عند الحاجة، أو لا تعمل لسد ثغرة تنفع الإسلام، لكن هذا الخروج العشوائي من البيت، والعمل العشوائي في أي مكان ولو كانت تنفق أكثر من الراتب في الزينة والموضة ولو كان الراتب قليلاً، المهم تعمل، الشعور أن العمل هو التقدم والحضارة، هذا كلام فارغ ينبغي على المرأة أن تكون أكبر عقلاً من أن تفكر بمثل هذا التفكير، وإليك الآن هذه المقالة التي تصور حالة المسكينات: في ظلام الليل وقبل صلاة الفجر بساعة يقف الباص أو الجيمس الذي يقل عدداً من المدرسات عند باب الجيران، فتخرج بنت الجيران تحاول جاهدة أن تطرد النوم من عينيها، لقد استولت الوظيفة على مكان النوم، وتركب هذه المدرسة مع زميلاتها النائمات بين قوسين ليذهبن إلى مدرستهن التي تبعد أضعاف مسافة القصر، وبعد تعب الطريق وعناء السفر الممزوج برشفات النوم المتعب، على ظهر السيارة تنزل هؤلاء المدرسات في المدرسة ولا يخفى كم تحتاج المدرسة من الجهد وكم تستنفذ من الطاقات؛ شرح، متابعة، تصحيح، تركيز، إعداد بيانات مطلوبة، التنقل بين الفصول، الإجابة على الأسئلة، متابعة الأنشطة الثقافية، إلى آخر ذلك، وبعد نهاية اليوم الدراسي تأتي رحلة العودة الهزيلة وقد فرض فيها حظر الكلام، ومنع السؤال والجواب وصودرت فيها حتى النكتة والبسمة؛ لأنه ليس هذا وقتها، فالجميع تعبان ومصدّع وزهقان في حالة استسلام تام للطريق الطويل، وبعد صلاة العصر تقريباً تعود المدرسة إلى منزلها ويحق لك أن تتصوري كم من المشاغل التي تنتظرها في البيت وتوزع عقلها وجسدها ما بين الأعمال المنزلية وحقوق الزوج وأشياء لا يمكن تأجيلها إلى نهاية الأسبوع وارتباطات عائلية لا مفر منها والتزامات، ثم تحضير الدروس، دروس الغد القريب، وهكذا فأي حياة تعيشها مثل هذه المرأة؟.
عادت سيئة في مناسباتنا
وننتقل الآن إلى بعض العادات السيئة الموجودة عندنا وهي ما صار يحدث الآن في الزواجات وحفلات الزفاف، تقليد الكفار صار أمراً طبيعياً أو صار أمراً مألوفاً، متابعة الصرعات الجديدة صار شيئاً عادياً ولو كان على حساب الدين ولو كان في معاصٍ ومنكرات، المهم مجاراة المجتمع، المهم أنهم سيقولون عن حفلنا كذا وكذا، المهم أن يخرج الحفل بصورة تعجب الحاضرات ولو كان فيه ما فيه من المحرمات، الزفة تصل إلى المنصة وبعدما تجلس تشغل آلة تعمل فقاعات كفقاعات الصابون تصل إلى آخر الصالة ابتسامة العروس بعرض وجهها تنبئ عن حياء منزوع، أين الغيرة؟ أين الحمية؟ حتى أقربائها وأين الحمية والغيرة عندما يدخل الرجل عليها ليجلس بجانبها وتؤخذ الصور وسط النساء الحاضرات؟ وأين غيرة محارم هؤلاء الحاضرات؟ وتتلخص المسألة أيضاً بإطفاء الأنوار في الصالة، توجيه الأنوار الكاشفة على العروس فقط وإطلاق أنواع البخور وتشغيل الموسيقى وأغنية خاصة بالعروسين يتم الاتفاق بها مع مطرب معين عليها مقابل مبلغ من المال يختلف باختلاف شهرة المطرب، وهذا الشريط الغنائي يتم تسجيله وتوزيعه على جميع الحاضرات فيه اسم العروسين، وحتى صارت المسألة أيضاً إطفاء الأنوار بعدما كانت تلبس الفستان الأبيض، فإذا أطفئت الأنور غيرت فستانها في تلك الصالة والعياذ بالله، وهكذا تُلعن المرأة التي تضع ثيابها في غير بيت زوجها، قلة الحياء وصلت إلى هذا الحد، ثم بعد ذلك إلقاء الفلوس ورميها والنثار المنهي عنه، وهذه راقصة كانت ترقص وبيدها عشرة آلاف ريال، وما إن انتهت إلا وقامت بشقها ورميها على الأرض، وأخرى ملأت سلة بعشرات الريالات ترميها على الحاضرات، إحياء الحفل من قبل مغنيات أكثرهن شهرة، المطربة فلانة تلبس بنطال من الجلد ضيق وتسدل شعرها القصير مقلدة الساقط مايكل جاكسون، وحركاتها فيها تقليد واضح، حتى أن بعض النساء لما دخلن وشاهدهن وضعن حجابهن بسرعة لقد حسبنها رجلاً، وتعلمين أنه ربما تصل الأجرة في الليلة الواحدة عند بعض المترفين أجرة المغنية إلى خمسين ألف ريال، ثوب العروس لا جديد فيه سوى أن قيمته المالية بارتفاع مستمر، ولو أن إحداهن استغنت عن قيمة ثوب زفافها مائة وخمسين ألف ريالاً لكفت إطعام قبيلة من أهل الصومال وكسوتهم، أما ملابس الحاضرات، فالسيماء الرئيسية فيها العري، الملابس العارية هي الموضة والموديل، طعام العشاء يقدم عند الساعة الثانية أو الثالثة فجراً في بعض المحلات، ودائرة في توسع مستمر، وحلويات وموالح ومأكولات من مختلف البلدان، حتى الأكلات الشعبية دخلت، وحتى صارت الكليجة تعمل بأحجام صغيرة لتوزيعها مع القهوة.
أما الموضة الجديدة التي أظنكن ستضحكن منها فهي تقديم طعام الإفطار للحاضرات فعند الساعة الخامسة أو السادسة صباحاً، يتم فتح باب المطعم للحاضرات مرة أخرى لتناول طعام الإفطار، بطاقات الدعوة ما زالت سارية المفعول وإن كان دخل عليها تطور مكلف، بطاقتان واحدة عادية وأخرى فخمة جداً تحمل اسم الزوجين للذكرى، أما التصوير المحرم والأجنبي الذي يدخل ليصور، وانتشرت محلات التصوير النسائية والتصوير الفوتوغرافي يصل إلى ثلاثة آلاف ريال، والفيديو يصل لحدود خمسة آلاف ريال، إذا كان هناك إبداع في كيفية الإخراج، هذا ما يُنفق وهذا ما يُعطى -مع الأسف- ولو أننا نظرنا يا معشر النساء من حولنا إلى حال إخواننا المسلمين المنكوبين، الذين هم أولى وأحوج لعلمنا أن ما تنفقه بعض النساء في مثل هذا أو الموضة التي صارت سارية عند بعض الفتيات، شراء من المترفات، شراء ملابس لألعابها، أو العرائس كما يقولون المصنوعة، تصوري أن هناك في الأسواق في بعض المدن عالم باربي وسوسي وساندي لتشتري منها المرأة المسلمة حقيبة باربي وحذاء ساندي بمبلغ وقدره، وحال إخواننا المسلمين حال كئيب في البوسنة مائة وخمسة عشر معتقل فيها أكثر من مائة وثلاثين ألفا من المسلمين، المسجونون في حالة يرثى لها، عظام برزت من خلف الجلود، نظرات زائغة وفارغة، مسلمون يتم ذبحهم من الوريد إلى الوريد، الصرب يقومون بإخراج المخ من رأس الضحية يقدم حياً لإطعام الكلاب، الضحية وهي حية لإطعام الكلاب الجائعة، تسليط الكلاب على المسلمين في المعتقلات ومات منهم عدد من عض الكلاب، بقْر بطون المسلمات الحوامل وإخراج الجنين وتمزيقه أمام عيني أمه باليدين، نقش الصليب على بطون الصبايا المسلمات، انتهاك الأعراض والاغتصاب بكل إباحية حتى للبنت التي عمرها سبع سنوات، إركاب المسلمات عرايا تماماً والمرور بهن أمام أزواجهن وأمام الرجال المسلمين لإذلالهم، الاعتداء على الفتيات الصغيرات أمام آبائهن وأخواتهن يغتصبون المرأة وبجانبها طفلها يعذبونه بالنار اغتصاب وتعذيب نفسي، وتعذيب الطفل، بل وصل الأمر إلى أخذ جثث المسلمين إلى مصانع أعلاف الحيوانات وهناك تقوم الفرامات والطحانات بفرم الجثث وإضافة مواد كيماوية لتصبح جثث المسلمين غذاءً جاهزاً للحيوانات، وبناتنا وفتياتنا يضيعن الأموال في هذه الأشياء، ألا يوجد خوف من الله؟ ولا يوجد هناك شيء من الحياء؟ فلا حول ولا قوة إلا الله، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل على ما وصلت إليه أحوالنا، نحن نرمي النعمة وهذه حال إخواننا.
آن لك أيتها الفتاة أيتها المرأة أن تتوبي إلى الله وأن ترجعي إليه، وأن تجعلي شيئاً مما تنفقينه في طاعة الله ولحاجات المسلمين .
في بيتنا مشكلة
وننتقل إلى قصة الآن تتعلق بالحياة الزوجية، في بيتنا مشكلة، عندما عقد قراني قبل حوالي السنة انهالت علي تعليمات الصديقات والزميلات وحتى المعارف لم يبخلوا علي بمعارفهم وخبراتهم، فهذه تقول: افعلي كذا، والأخرى تقول: احذري من كذا، والثالثة تتطفل بتوجيهات لا أحتاجها ولا أقبلها، هذا على الرغم من اني أعلنت، لا أريد أي خبرات سابقة فلي شخصيتي المستقلة التي تتيح لي اكتشاف حياتي والتعامل معها بشكل مريح، وكنت أحسب أن الحياة الزوجية مليئة بالمثاليات والمعاملة الرفيعة المستوى، وكنت أحسب أن أي مشكلة تصادفني، وإن حصلت فقد كنت أستبعد حدوث أية مشكلات فالإقناع كفيل بحلها فإما أن يقنعني بالمنطق، أو أن أفعل بالمنطق نفسه، هذا هو كل ما في الأمر، هكذا ظننت، في أول مشكلة صادفتني في حياتي الزوجية أردت استخدام مثالياتي في التغلُّب عليها فلم أنجح فلا أنا أقنعته ولا هو فعل، وعندما وصل النقاش إلى نقطة مغلقة آثرت قطع الحديث غير المجدي وصدقته، وكذلك فعل وحصل أول خصام في حياتي الزوجية التي حسبت أن الخصام لن يطرق بابها وحلّت العلاقة الرسمية في بيتنا مدة يومين، إلى أن تطوع زوجي وحل الخصام بهدية بسيطة، وذكر أنه ما هكذا ينبغي أن تسير حياتنا في أول أيامه، لم تستقر العلاقة الودية التي أريدها على فترة بسيطة عندما رجع الخصام مرة أخرى في مشكلة أخرى، وكما في المرة السابقة، قلت: إن كرامتي لا تسمح لي أن أسترضيه، وأن أتنازل، وأنه ينبغي عليه هو أن يتنازل، وهكذا استمرت المشكلة فترة أخرى وتمنيت أن الزميلات والصديقات اللاتي زودنني بنصائحهن أن يعدن إلى ما كن الآن، وبدأت بالاتصال بمن أثق فيهن لأشاورهن في الأمر، هذا وزوجي لا يعود للبيت إلا في وقت النوم، حتى إنه لا يأكل في المنزل ولا يتحدث ولا يسلم، وزيادة على ذلك فقد كان ينام في الصالون، إلا أنني حدثت نفسي هذا اليوم الأول وغداً أنه سيتنازل ويصالحني وتنتهي المشكلة، مر يومان وثلاثة ولم يتغير شيئاً، بدأت أعصابي تتوتر، وبدأت أحسب حساب خروجه من المنزل، أين يأكل؟ ومع من يتحدث؟ وهكذا تفاقمت المشكلة، وقدمت إلي بعض الآراء، وواحدة تقول: لا تعتذري، والثانية تقول: المسألة مسألة كرامة وأخرى تقول: انشغلي بالقراءة وما عليك منه ورابعة تقول: اذهبي إلى بيت أهلك وهكذا، ولكنني قرأت كلاماً في كتاب مرة من المرات جعلني أغير مسلكي وأستعيذ بالله فعندما طرق الباب أسرعت لارتداء ثيابي وأكملت زينتي، ولما دخل زوجي أمسكت بيديه قائلة حديث النبي ﷺ: نساؤكم في الجنة نساؤكم من أهل الدنيا الودود العهود التي إذا غضب زوجها وضعت يدها في يده وقالت: لا أذوق غمضاً حتى ترضى [رواه النسائي في الكبرى: 9094، والطبراني في الكبير: 118، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 2604].
فها أنا أعود وأعتذر، اندهش زوجي غير مصدّق ومن تلك حدث تغيير كبير في حياتنا والحمد لله، أصدقكم القول: ما فرحتُ بعلاج بقدر ما فرحت بتوجيه نبوي قاله النبي ﷺ وعاهدت نفسي بتطبيق هذه القاعدة كلما غضب زوجي مني أو غضبت منه، وأسأل الله ألا يحدث ذلك بعد فهمي لهذا الحديث الجليل. ونستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته