الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَسورة آل عمران102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًسورة النساء1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًسورة الأحزاب 70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار
الأمر بالحجاب صيانة للمرأة
أيها المسلمون: إن مما جاء به هدي كتاب ربنا سبحانه و سبحانه ومما جاء في سنته ﷺ الأمر بحجاب المسلمات؛ صيانة للمرأة المسلمة عن المفاسد والشرور، وربها الذي هو أعلم بها قد فرض عليها الحجاب، وهؤلاء النساء هم بناتنا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وقريباتنا، وجاراتنا، هؤلاء لا بد أن تدخل كل واحدة منهن تحت حديثه ﷺ: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته[رواه البخاري 893]. أنزل الله في كتابه بياناً لنعمةٍ ومنةٍ منه ، وهي قوله: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ سورة الأعراف 26. لباس التقوى هو ما يلبسه المرء المسلم مما يتقي به ربه، فيستر عورته، والله حيي ستير، يحب الحياء والستر، وكان ﷺ يدعو فيقول: اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي[رواه ابن ماجه 3871] . وقد فرض الله الحجاب على نساء المسلمين، وجاءت إشارات إلى أنه كان معروفاً في الأمم من قبلنا، وحتى كتبهم المحرفة التي بقيت إلى هذا الزمان فيها إشارات إلى حجاب المرأة في ذلك الوقت، كما في كتب العهدين القديم والجديد، وكما ورد في الأصحاح الرابع والعشرين، والثامن والثلاثين، من سفر التكوين، والأصحاح الثالث من سفر أشعيا: "إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن، والمباهاة برنين خلاخيلهن، بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل، والضفائر، والحلق، والأساور، والبراقع، والعصائب" وكانت الكنيسة حتى القرون المتوسطة، القرون الوسطى، تخصص جانباً منها للنساء حتى لا يختلطن بالرجال، وكفار العرب في الجاهلية كان من مكارم الأخلاق عندهم كما تذكر أشعارهم ستر المرأة وحجبها، قال الشاعر:
تكسل عن جاراتها فيزرنها | وتعتل من إتيانهن فتعذر |
لأنها كانت تجلس في البيت.
وحجاب الوجه كان معروفاً عند العرب أيضاً، كما حدث أن امرأة النعمان سقط خمارها عن وجهها أمام الناس وهي تسير، فمالت إلى الأرض تلتقطه بيد ويدها الأخرى على وجهها، حتى قال النابغة:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه | فتناولته واتقتنا باليد |
وحرب الفجار قامت بين قريش وهوازن بسبب تعرض شباب من كنانة لامرأة من غمار الناس، راودوها على كشف وجهها، فنادت: يا آل عامر، فجاوبتها سيوف بني عامر، وورد في أشعارهم ذكر القناع، والبرقع، والحجاب، والمرط، والكساء، ونحوها، هذا ما كانت تفعله بعض نساء العرب؛ دلالة على أنه من مكارم الأخلاق عندهم، أما البعض الآخر فكن متبرجات، وصل الأمر بحالهن أنهن كن يطفن بالكعبة عرايا، فقال الله : وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى.
الأدلة من القرآن والسنة على حجاب المرأة
وأدلة حَجب المرأة في القرآن والسنة أكبر من أن تذكر، وأعظم من أن يحاط بها، قال الله : وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى سورة الأحزاب 33. وقال: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّوقال: وَلَا يُبْدِين َزِينَتَهُنَّ سورة النـور31. وقال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: المرأة عورةلم يستثن منها شيئاً ﷺ، وقال: المرأة عورة، هذا هو النص الحكيم المحكم، الجامع للأمور المرأة عورةمن فقه هاتين الكلمتين فقط المرأة عورةلم يحتج بعد ذلك إلى دليل آخر لحجب بدن المرأة كاملاً، وجهها، شعرها، كفيها، قدميها، وسائر بدنها، لو فقه معنى هاتين الكلمتين فقط المرأة عورة[رواه الترمذي 1173] وقد أمر الدين بستر العورات أمر وجوب لا محيد عنه، وقد ورد في تطبيق صحابيات المؤمنين وأمهاتهم ما يدل دلالة قطعية على وجوب تغطية جميع البدن بما فيه الوجه أمام الرجال الأجانب، جاء في صحيح الإمام البخاري في حديث الإفك الطويل المشهور قالت عائشة: وكانوا في سفر في غزوة مع رسول الله ﷺ، نزلت عائشة لتقضي حاجتها وتبحث عن عقد لها، نزلت عائشة لتقضي حاجتها، فأمر رسول الله ﷺ أن يسير الجيش فأخذوا بهودج عائشة ليرفعوه على البعير، قالت عائشة: ولم تكن موجودة داخل الهودج لذهابها، فلما أخذوا برأس البعير فانطلقوا به فرجعت إلى العسكر، وما فيه من داعٍ ولا مجيب، قد انطلق الناس، فتلفعت بجلبابي، ثم اضطجعت في مكاني، إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي ، وكان امرئ يثقل عليه النوم فيستيقظ متأخراً، ولأجل ذلك كان يستفاد منه أنه كان يسير وراء الجيش، يتفقد الأغراض الضائعة فيحملها لأصحابها في الجيش، مر بي صفوان بن المعطل السلمي وكان قد تخلف عن العسكر، أو المعسكر لبعض حاجاته، فلم يبت مع الناس فرأى سوادي، فأقبل حتى وقف عليّ فعرفني حين رآني، وكان قد رآني قبل أن يضرب علينا الحجاب، مرت فترة في حياة رسول الله ﷺ ونساء المؤمنين كان الحجاب غير واجب، من حكمة الله في التجرد بالتشريع، قد رآني قبل أن يضرب الحجاب، فعرفها، فاستيقظت باسترجاعه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، ماذا تقول عائشة؟ مباشرة: فخمرت وجهي بجلبابي، احفظوا هذه العبارة لكي تضعوها سهماً تخرقون به أعين دعاة التحرر والسفور والتبرج، الذين ما فتئوا يشيعون الفاحشة في الذين آمنوا، بجميع الوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية، اجعلوا هذا النص من عائشة سهماً تخرقون به عيونهم، قولوا لهم: إن عائشة قالت في صحيح البخاري: إن صفوان كان قد رآها قبل آية الحجاب، وفي غزوة بني المصطلق في حادثة الإفك، قالت عائشة لما عرفت بوجود صفوان: فخمرت وجهي بجلبابي، دلالة على أنها تفهم تماماً وجوب تغطية وجهها، وكذلك فإنه ﷺ قد أمر الخاطب بالنظر إلى المخطوبة، أسألكم بالله لو كان كشف الوجه جائزاً، فلماذا يأمره بالذهاب والنظر إلى وجهها؟ إذا كان كشف الوجه جائزاً، أفلا ينظر إليها في الشارع، أفلا ينتظرها حتى تخرج من البيت فيسير مقابلاً لها ليرى وجهها؟ فلماذا يقول ﷺ: اذهب فانظر إليها، فإن قلت: يقصد الشعر والذراعين، أقول لك: إنه ﷺ قال: اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً، أي: أن أعينهن -نساء الأنصار- كان فيها شيء من الصغر، فقال: اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً، وأين العينان؟ في الشعر، في الذراعين، في القدمين، في المؤخرة، إن العينين في الوجه، قال: اذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئاً[رواه مسلم 1424]. ولماذا كان بعض الصحابة يختبئ للمرأة التي يريد خطبتها، يختبئ لها حتى يراها وهي غير عالمة، لو كان كشف الوجه جائزاً لماذا يختبئ؟ لماذا يكلف نفسه عناء الاختباء؟ كان يسير في الشارع فينظر إليها، إذن كان الوجه يجب ستره، كذا فهمنا، وكذا عملنا.
وعن المغيرة بن شعبة قال: "أتيت النبي ﷺ فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: اذهب فانظر إليها فإنه أجدر أن يؤدم بينكما فأتيت امرأة من الأنصار فخطبتها إلى أبويها، وأخبرتهما بقول النبي ﷺ، فكأنهما كرها ذلك – أن يطلع هذا الرجل على ابنتهما في البيت – كأنهما كرها ذلك، قال: فسمعت ذلك المرأة وهي في خدرها فقالت: إن كان رسول الله ﷺ أمرك أن تنظر فانظر، -اكشف الغطاء، وانظر إلي- وإلا فأنشدك، -أي غلظت عليه، إن كان لم يأمرك فإني أحرج عليك النظر- قال: فنظرت إليها فتزوجتها، فذكر من موافقتها" [رواه ابن ماجه 1866] . يعني من طوعها لزوجها، وحسن تعاملها معه.
وقال ﷺ: صنفان من أهل النار لم أرهما: نساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا[رواه مسلم 2128].العنوهن فإنهن ملعونات[رواه الحاكم في المستدرك8346]. روايات صحيحة.
كيف تكون المرأة كاسية عارية؟
كيف تكون المرأة كاسية عارية؟ كيف تكون لابسة وفي نفس الوقت غير لابسة؟ يكون ذلك بأحد أمور ثلاثة:
أولاً: إما أن يكون الثوب الذي تلبسه قصيراً لا يستر جميع البدن.
ثانياً: أن يكون شفافاً غير سميك، ولو كان طويلاً، ولو كان كاملاً، لكن يكون غطاء الوجه مثلاً شفافاً لا يستر، فتكون كاسية عارية.
ثالثاً: أن يكون الحجاب ضيقاً غير فضفاض فيجسد جسدها، ويبين تقاسيم بدنها، فتكون كاسية عارية بأحد وسائل ثلاثة: القصر، وعدم شمول البدن، ثانياً: الضيق وعدم الفضفضة، ثالثاً: الرقة وعدم السماكة.
فإذن انظروا اليوم إلى نساء المسلمين خارجات من بيوتهن، في الشوارع، في الأسواق، في السيارات، انظروا إليهن كم بالمائة منهن يدخلن في هذا الحديث: كاسيات عاريات لا يجدن ريح الجنة لا يجدن ريح الجنة يا جماعة، يا أيها الناس: المرأة التي تمشي في الشارع إما زوجة، أو أخت، أو أم، أو بنت، أو جارة، تدخل في مسؤوليتك أنت، أهيب بك أيها المسلم ألا تجعل هذه المرأة محرومة من رؤية الجنة، ووجود ريح الجنة، أهيب بك أن تأخذ عليها فتأمرها بالستر، كان الصحابيات حريصات كل الحرص على ستر العورة، وهذا حديث المرأة السوداء المصروعة فيه دلالة قاطعة على ما نذكر، عن عطاء بن رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما: "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي ﷺ فقالت: إني أصرع وإني أتكشف، فيها عفريت يدخل بها من الجن يصرعها، فيسبب لها انكشاف عورتها، وإني أتكشف، فادع الله لي أن أبرأ من الصرع، فقال ﷺ: إن شئت صبرت ولك الجنة على هذا الصرع، وإن شئتِ دعوت لك، وإن شئت دعوت الله أن يعافيك فلما وازنت المرأة بين الأمرين قالت: أصبر، لكن لا زال في النفس حسيكة، تتكشف، قالت: فإني أتكشف، وفي رواية: إن أخاف الخبيث أن يجردني – الشيطان الذي بداخلها- ابتلاء، فادع الله أن لا أتكشف، أصبر على الصرع، لكن ادع الله أن لا أتكشف، فدعا لها.[رواه البخاري 5652] رواه البخاري.
خير نسائكم الودود الولود المواتيةالتي تطيع زوجها المواسية التي تواسيه إذا اتقين الله، وشر نسائكم المتبرجات المتخيلات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم[رواه البيهقي في السنن الكبرى 13478]. هل رأيت غراباً قدماه حمراوان ومنقاره أحمر؟ إنها فصيلة نادرة جداً من الغربان؛ فإن الغربان سوداء خالصة، وهذا النوع من الغربان نادر، إذن يدخل الجنة من هؤلاء المتبرجات مثل نسبة دخولهن في الجنة كنسبة وجود الغراب الأعصم بين الغربان، وكانت عائشة تستحي، فتقول: "كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله ﷺ وأبي ، وأضع ثوبي، -بعد موتهما تدخل البيت الحجرة التي كانا فيها واضعة ثوبها- وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر فوالله ما دخلته إلا مشدودة عليّ ثيابي؛ حياءً من عمر ". [رواه أحمد 25660] أين عمر؟ تحت الأرض، ولكنها تستحي. حديث صحيح.
أيتها النساء في البيوت، أيتها النساء في بيوتهن: أخاطبكن من هذا المنبر، عائشة تستحي من عمر وعمر تحت الأرض، فلا تدخل الحجرة إلا وثيابها مشدودة عليها، وكثير منكن يخرجن إلى الشوارع والأسواق أمام الناس الذين لا يساوون شيئاً بجانب عمر، وهم أحياء يشاهدنك أنت متبرجة متهتكة سافرة، وإن لبست حجاباً يكون الحجاب مزركشاً، أو مطرزاً، قاتل الله الذين يستوردون هذا النوع من الحجاب، ويبيعونه في الأسواق، وقاتل الله من يشتري لزوجته مثل هذا، وقاتل الله المرأة التي تلبس مثل هذا، وأنتم ترون بأنفسكم الآن أيها الأخوة، هذه الخمر التي يزعمون أنها خمر، مطرزة من جوانب الخمار، مزركشة يلبسنها فوق الرأس مستديرة، يزعمن أنها حجاب، وأصناف أخرى بغير حجاب البتة.
أيها الناس، أيها المسلمون، يا عباد الله: اتقوا الله يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ سورة التحريم 6. عائشة ومن معها كن إذا مر بهن الركبان الرجال، وهن ذاهبات في سفر الحج والعمرة، إذا مر بهن الرجال أسدلت إحداهن جلبابها، خمارها على وجهها، إذا حاذين الرجال في الخط في السير حتى لا يرى الرجل شيئاً من تلك المرأة مطلقاً.
وهذه قصة سجلها التاريخ بمداد الذهب لامرأة اختصمت مع زوجها إلى قاضي الري سنة 286 للهجرة، فادعت على زوجها بصداقٍ قيمته خمسمائة دينار، قالت: ما سلمه لي، فأنكر الرجل، فجاءت المرأة ببينة تشهد لها بالصداق، فقال الشهود: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا، والنظر إلى وجه المرأة من قبل الرجل الأجنبي يباح في حالات للضرورة، كالخطبة، والشهادة في المحكمة، أحياناً يضطر إلى معرفة هل هي هذه المرأة التي تقدمت للمحكمة، هل هي فلانة أم لا، ثالثاً: التطبيب، ورؤية الطبيب لشيء في وجه المرأة، أو جسدها للضرورة، إذا لم يوجد طبيبة مسلمة تعلم مهنتها، وتفهم فيها، فلما صمموا على النظر إلى وجه المرأة، قال الزوج: لا تفعلوا، هي صادقة فيما تدعي، فأقر بما ادعت عليه صيانة لوجه زوجته أن ينظر إليه، ولو حتى الشهود في المحكمة للضرورة، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه، وأنه أقر فقط ليصون وجهها، قالت: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة.
أين ومتى تحتجب المرأة؟
وهذا الحجاب الذي أنزله ربنا حجاب في البيوت أولاً؛ لأنه قال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ فلا تخرج المرأة إلا للحاجة، مكان المرأة في البيت رغماً عن أنف العلمانيين، مكان المرأة في البيت رغماً عن أنف دعاة التحرر والسفور، مكان المرأة في البيت لا تخرج إلا للحاجة، لا يعني للحاجة أي للمقبرة، أو بيت الزوج، كلا، تخرج للحاجة، إذا احتاجت الخروج تخرج، تزور أهلها نعم، تشتري أشياء لا يعرف شراؤها إلا هي نعم تخرج، لكن بالشروط الشرعية، أما أن تصبح المرأة خرّاجة ولاّجة، تخرج كل يوم عدة مرات لحاجة ولغير حاجة تخالف قول الله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وأنتم تعلمون معنى القرار والاستقرار.
والنوع الثاني: الحجاب الثاني حجاب هذا الجلباب والخمار الذي تستر به نفسها يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ سورة الأحزاب 59.
والثالث كما ذكر أهل العلم: حجاب ثالث داخل البيت تستر به المرأة نفسها أمام المحارم، أمام الأخ، والأب، وحتى الأخت، لا تكشف المرأة الشعر، الوجه، العنق، ما فوق موضع القلادة، ما تحت الدملج من العضد، من منتصف العضد إلى الأسفل، والقدمين، أسافل الساقين دون الخلاخيل تكشفه، وفوق ذلك تستره حتى أمام محارمها، فهذا حجاب ثالث داخل البيت.
شروط حجاب المرأة
وذكر علماؤنا شروطاً للحجاب، فالمسألة ليست لعب، والمسألة ليست أي حجاب يشترى في السوق، لا بد
أولاً: أن يكون شاملاً للبدن لا يكشف شيئاً منه أمام الأجانب.
ثانياً: أن يكون سميكاً صفيقاً غير شفاف.
ثالثاً: أن يكون فضفاضاً واسعاً غير ضيق.
وهذه أنواع العبايات التي تلبس الآن، والتي تلتصق بالجسد فهي سوداء ولكن ملتصقة، تعرف منها حجم المرأة وأعضائها، وتميز يديها ووسطها من هذا العباءة التي تلبسها.
رابعاً: أن لا يكون مطيباً ولا مبخراً.
خامساً: أن لا يشبه لباس الرجال، فلا يجوز للطبيبة في المستشفى أن تلبس هذا الصدار الذي يشبه صدار الطبيب، لا بد أن يختلف عنه في تفصيله، حتى لو كانت متحجبة حجاجاً كاملاً.
سادساً: أن لا يشبه لباس الكافرة، أو سابعاً: لا يجوز مشابهة لباس الكافرات، وثامناً: أن لا يكون ثوب شهرة.
وكل الأحاديث التي ترد وفيها شيء يدل على كشف المرأة لوجهها إما أن تكون أحاديث ضعيفة، إما أن تكون أحاديث وقائع لا عموم لها، أشياء فردية لا يمكن تطبيقها، ومجابهة النصوص العامة ونسف النصوص العامة بهذه الأحاديث الخاصة، أو أن تكون الأحاديث فيها ترخيص بالرؤية كالخطبة، والتطبيب، والشهادة، أو أن تكون أحاديث يتطرق إليها الاحتمال فيسقط بها الاستدلال، ونحن مع المحكم من كتاب الله، مع الأدلة القاطعة وَلَا يُبْدِين َزِينَتَهُنَّ وأنتم تعلمون الآن من الواقع حكمة ربنا في فرض الحجاب، نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء، وكم من البيوت تدنست، وكم من الأعراض تلوثت بعدم لباس هذا الحجاب.
أيها الإخوة:
يقضى على المرء في أيام محنته | حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
يقضى على المرء في أيام محنته، وهذه محنة الدين التي يعيشها كثير من المسلمين الآن.
يقضى على المرء في أيام محنته | حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن |
فلا يبالي الرجل مطلقاً وزوجته تسير سافرة بجانبه، ولا يبالي أبداً وهي تختلي بالسائق في السيارة، ولا يبالي نهائياً وهي تخرج من المدرسة وهي كاشفة، وثيابها رقيقة، وقد رفعتها، وسمي الآن بنصف العباءة، نصف عباءة والثياب من أسفل بادية، الثياب ضيقة.
أيها المسلم: عندما تخرج معك زوجتك متزينة إلى السوق والشارع تتزين لمن؟ اسأل نفسك هذا السؤال، تتزين لمن؟ أسألك بالله العظيم إذا خرجت معك زوجتك وهي متبرجة إلى الشارع، متعطرة، متكشفة، رافعة جلبابها، حاسرة لوجهها، والخمار إلى نصف الشعر تتزين لمن؟ لمن تتزين؟ تتزين لك أنت؟ وقد كان حري بها أن تتزين داخل البيت، ما معنى أن تترك الزينة لك داخل البيت، ثم تتزين للناس في الشارع، أين الغيرة؟ أين الغيرة؟
اللهم من علينا بالحياء والستر يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
وأرجو من إخواني أن يتقدموا إلى الأمام.
الخطبة الثانية
أيها الناس كفوا نسائكم عن فتنة الآخرين
ولكن الآن -أيها الإخوة- انخلعت الغيرة من قلوب الكثيرين، صرت تمشي في الطريق فترى التبرج عاماً شاملاً إلا من رحم الله، تقف بإشاراتك عند إشارة المرور، تلتف يميناً وشمالاً لترى رجلاً واضعاً زوجته بجانبه وهي متبرجة في السيارة عند إشارة المرور، هناك في الأسواق -أيها الإخوة- هناك مناظر ما كنا نراها من قبل أبداً، الآن غزت مجتمعنا هذا، فما بالك بغيره في مجتمعات المسلمين، أسألك هل كان التبرج موجود من قبل مثلما هو موجود الآن؟ التستر الذي كان موجوداً أين ذهب؟ كان طبائع كثير من البدو تأبى تماماً تكشف المرأة، ثم قامت المسلسلات البدوية المعروضة بنسف وإزالة جميع أنواع الغيرة الموجودة عند كثير من هؤلاء، وصرت ترى اليوم الموظفة في بعض الشركات التي كان أبوها في يوم من الأيام أو جدها يرفض نهائياً أن يرى منها شيء، تخرج متبرجة بين المكاتب والموظفين، حرام عليكم، حرام عليكم ما أقررتم من الخبث والفساد في بيوتكم، وحرام عليكم ما أقررتم من الشر والفحشاء والسفور في مجتمعاتكم، إن الله سيسألكم عن هؤلاء، وسيعذب كل من قضت حكمته أن يعذبه بمخالفة هذا الأمر.
أيها الناس: أما كفاكم أن يكون التبرج في كثير من نسائكم حتى رضيتم أن تكون هؤلاء المتبرجات فتنة للناس الآخرين، الذين يمشون في الشوارع فيطالعون في وجوه النساء، وينظرون إلى أبدانهن، إن المرأة لو كانت لابسة لباساً كاملاً متحجبة حجاباً تاماً، من الذي يجرؤ على ملاحقتها، أو النظر إليها، وقد يقول هؤلاء المتشبعين بشبهات العلمانيين: إن المرأة إذا كانت متحجبة حجاباً تاماً لفتت الأنظار إليها، لكن إذا صارت متبرجة مثل عموم النساء لم يلتف إليها أحد، كذبوا والله كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًاسورة الكهف 5.
إذا كانت المرأة مستوفية لشروط الحجاب التام بعض الناس ينظرون إليها باستغراب نعم، ولكن سينظرون ويوجهون البصر، ثم يعيدون النظر مرة أخرى، ماذا سيحدث؟ سينقلب إليهم البصر خاسئاً وهو حسير؛ لأنهم ما ظفروا بشيء من هذه المتحجبة؛ لأنها ما أخرجت من بدنها شيء ينظرون إليه، لو نظروا للاستغراب للوهلة الأولى، ماذا سيحدث بعد ذلك؟ سينقلب إليهم بصرهم خاسئاً كليلاً وهو حسير؛ لأنهم ما رأوا شيئاً، ولا ظفروا ببغيتهم، لكن أن تجعلوا نساءكم معارض يشاهدها الغادي والرايح، أين الغيرة على الأقل؟ أين الغيرة أيها المسلمون؟
لمثل هذا يذوب القلب من كمد | إن كان في القلب إسلام وإيمان |
الرد على شبه العلمانيين في الحجاب
يا أيها الناس، يا أيها المسلمون: لا تستمعوا إلى دعاة العلمانيين، إن هؤلاء الذين يروجون المقالات التي تأتي بالشبهات لا تستجيب لهم مطلقاً، وهذا الضال الذي يقول ما يفرح العلمانيين الملحدين، الذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، هذا الضال الذي لا زال يفتأ يذرو على الشريعة ويقول: إن حجاب الوجه ليس موجوداً في المذاهب الأربعة كلها، هذا الضال الجاهل لا تستجيب لدعوته، ولا لكلامه، اقرؤوا كلام أهل العلم إنهم يكتبون وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيّ ِثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ سورة الأعراف 202. يقولون لك في ضمن شبهاتهم: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فلماذا أمرت الشريعة بغض البصر؟ يقولون لك: إذا كانت تغطية الوجه واجبة فعن أي شيء نغض الأبصار؟ ولماذا قال الله: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْسورة النــور 30. نقول لهم: يا دعاة التحرر والسفور، يا أيها الذين لا تخشون الله؛ لأنكم تعلمون أن الوضع وضع فتنة، ولو رجحتم كشف الوجه فهل يجوز أن ترجحوه الآن في هذا الزمان.
افرضوا -أيها الإخوة- افرضوا أن الرأي الآخر القائل بكشف الوجه رأي سديد صحيح، هل يجوز أن يطبق في هذا العصر، في هذا الزمان؟ ألستم تعلمون أن من قواعد الشريعة سد الذرائع، وكل باب يؤدي إلى الفساد يسد حتى لو كان أصله حلال، أنت تعلم أن بيع العنب حلال، لو وجدت واحداً يشتريه منك ليصنع الخمر يجوز أن تبيعه؟ مع أن بيعه في الأصل حلال، نقول: افرض أن كشف الوجه حلال، هذا الزمان يصلح أن تكشف فيه الوجوه، هذا الزمان يصلح أن تبدي فيه المرأة عن زينتها، وأنتم ترون كلاب الشهوات المسعورة تلاحق النساء في كل مكان، هذا وقت يصلح أن يطبق فيه هذا الرأي؟ نقول له: إن المرأة لو كانت متحجبة فإنها قد تتعرض لأحوال ينكشف فيه حجابها، قد تهب الريح عليها في الشارع الشديدة، فينكشف شيء من ساقها، آية غض البصر مفيدة أو لا؟ قد ترفع قدمها لتركب في السيارة فتشاهد أنت شيئاً من القدم، آية الأمر بغض البصر مفيدة أو لا؟ إذا كنت صاعداً في سلم عمارة وفتح ولد الباب فجأة، باب شقة من الشقق فجأة ونساء في الداخل، لا يقصدون، لا يقصدن أن يرى أحد منهن شيئاً، آية الأمر بغض البصر مفيدة أو لا؟
ثم أن الله يعلم أنه بالرغم من الأمر بالحجاب أنه سيبقى هناك أناس لن يستجيبوا للحكم، وسيبقى هناك عصاة لن يستجيبوا للحكم، وسيخرجون بنسائهم إلى الشوارع، الله يعلم هذا أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ سورة الملك 14. فعندما يعلم الله أن هناك من النساء من يرفضن الحكم ويخرجن في الشوارع، أفتكون آية الأمر بغض البصر مفيدة أو لا؟ فإذا أطبق المسلمون كلهم، نساء المسلمات على تغطية الوجه، أليس سيبقى من نساء الكافرات من لم يستجبن للحكم مطلقاً؟ إذن الآية بالأمر بغض البصر مفيدة أو لا؟ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ولكن أكثرهم لا يعقلون، ولكن أكثر الناس بآيات الله يستهزئون.
أيها الإخوة: أقول هذه الخطبة على مشارف شهر رمضان، شهر رمضان له حرمته وقدسيته، نريد أن نصوم شهراً بدون شهوات، ما استطعنا إلى ذلك، نريد أن نصوم شهراً ولا نرى إلا خيراً، وإنني أدعوكم ونفسي للالتزام بهذا الحكم، والشر الناتج عن التبرج كثير، لو جلسنا نشرحه لطال بنا الموقف، أدعوكم ونحن مقدمون على شهر رمضان أن تتوبوا إلى الله جميعاً، ومن كان منكم لم يأخذ على نساء أهل بيته بالحجاب فليأخذ الآن، فإن المعصية في الزمان الفاضل تضاعف، كما أن المعصية في المكان الفاضل تضاعف، وهذا من قواعد الشريعة.
اللهم إنا نسألك أن تحصن فروجنا، وأن تطهر قلوبنا، وأن تستر نساءنا، اللهم إنا نسألك العفاف والتقى والغنى، اللهم لا تدع لنا في هذا اليوم العظيم ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا عيباً إلا سترته، ولا عورة إلا سترتها يا رب العالمين.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.