الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

ما عذرك غداً بين يدي الله


عناصر المادة
أخذ الدين بقوة وجدية
التخلف عن تنفيذ الأحكام الشرعية بأعذار واهية
داء الأعذار الواهية والموقف الشرعي من أصحابه
لا عذر في التخلف عن الشريعة
أعذار الناس في عدم التمسك بالدين
الأعذار الشرعية المقبولة
الأعذار المقبولة في التخلف عن الواجبات
العذر بالجهل
الأعذار الواهية في عالم الصحوة وشبابها وروادها
معاناة الفتيات التركيات في لبس الحجاب

الحمد لله رب العالمين، أشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحمد لله الذي خلقنا لعبادته وشرع لنا هذه الشريعة وألزمنا بها وقبل منا العذر في الخطأ والنسيان وما استكرهنا عليه، فنحن ليس لنا عذر في رد الشريعة أبدًا، وليس لنا عذر إذا علمنا حكمًا شرعيًا، ليس لنا عذر في عدم تنفيذه إذا كنا نطيق التنفيذ.

أخذ الدين بقوة وجدية

00:00:56

أيها الإخوة: إن هذا الدين الذي أنزله الله فصل، قول فصل وليس بالهزل.

إنه دين قوي ويحتاج إلى قوة للأخذ به: خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ  [الأعراف: 171].

إن هذا الدين لا يمكن أن يقبل عليه المتلاعب ولا الهازل ولا الذي يميع الأمور، إنه يجب أن يحمل وينفذ كما أمر الله .

التخلف عن تنفيذ الأحكام الشرعية بأعذار واهية

00:01:36

وكثير من الناس يتخلفون عن تنفيذ الأحكام الشرعية بأعذار واهية لو نظرت إليها لوجدت أن بعضها أقبح من الذنب الذي تخلفوا عنه الذي فعلوه، وتخلفوا عن الواجب الذي تركوه بعذر هو أقبح من الذنب، هذه الأعذار الواهية التي كثيرًا ما يلبس بها الشيطان على بني البشر فيصرفهم عن تنفيذ ما أمر الله به سبحانه وتعالى ورسوله ﷺ.

فحديثنا إذن، في هذه الليلة عن الأعذار الواهية، عن الأعذار السخيفة التي يحتج بها بعض الناس في ترك تنفيذ الأحكام الشرعية.

داء الأعذار الواهية والموقف الشرعي من أصحابه

00:02:31

هذا داء وبيل ابتلي به كثير من المسلمين، الاحتجاج بأعذار واهية عندما يدعون إلى كتاب الله ورسوله، فعند ذلك يأتونك بما لا طائل تحته وما لا ينفعهم عند الله، والله قد بين لنا في كتابه هذه الطائفة من البشر، فقال عز وجل: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: 94].

قال ابن كثير -رحمه الله-: أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم إذا رجعوا إلى المدينة أنهم يعتذرون إليهم، قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ [التوبة: 94] أي لن نصدقكم  قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ  [التوبة: 94]، أي أعلمنا من أحوالكم، وَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ أي سيظهر أعمالكم للناس في الدنيا ويفضحكم، سيرى الله عملكم ورسوله، سيظهر أعمالكم ويفضحكم بها في الدنيا، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [التوبة: 94] يخبركم بخيرها وشرها ويجزيكم عليه.

وهذه الآيات في المنافقين الذين يعتذرون عن التخلف عن الجهاد بالأعذار الواهية.

ما هو الموقف من أصحاب الأعذار الواهية؟

أن يقال لهم في وجوههم: لا تعتذروا، لا تعتذروا لن نصدق الأعذار ولن نقبله، فلا مجاملات على حساب الدين، ولا يمكن أن نقر إنسانًا على باطل بعذر تافه وبعذر واه؛ لأن هذا الدين ليس من عندنا إنما هو من عند الله، ولا نملك أن نتنازل عن أشياء من هذا الدين، وإنما نقول لمن تخلف وخالف عذرك غير مقبول نصرح بذلك ونقول: إننا ما صدقناك، لن نؤمن لكم، ما في مجاملات، المسألة واضحة، أي واحد يعتذر إليك بعذر سخيف عن حكم شرعي خالفه قل له: عذرك غير مقبول، لن نؤمن لكم، إذا كان عذره واضح أنه مردود فلا.

وكذلك فر أناس من المنافقين والجبناء في معركة الخندق بحجة أن بيوتهم عورة، فقال الله عنهم:  وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا [الأحزاب: 13].

هم يقولون في الظاهر: نحتاج للانسحاب؛ لأن بيوتنا عورة، نخاف عليها السراق.

بيوتنا عورة، ليس دونها ما يحجبها من العدو.

بيوتنا عورة؛ نخشى عليها من الأعداء، ونخاف من الالتفاف الخلفي والمفاجآت، ونريد أن نرجع إلى بيوتنا لنحميها، فقال الله -تعالى-:  وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ العذر باطل، بيوتهم ليست عورة، ليست مكشوفة كما يقولون، بل أعذارهم هي المكشوفة، إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا في الحقيقة مقصدهم الفرار، وليس الديار، مقصدهم الفرار.

فضحهم الله -تعالى-، إن يريدون إلا الهرب من الزحف والتولي.

وقال في عذر من الأعذار السخيفة التي ذكرها بعض المنافقين أيضًا: وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ [التوبة: 49].

قال ابن كثير -رحمه الله-: يقول تعالى: ومن المنافقين من يقول لك: يا محمد ائذن لي في القعود، يعني عن الجهاد ولا تفتني بالخروج معك إلى غزو الروم بسبب الجواري البنات من نساء الروم، قال الله -تعالى-:  ألا في الفتنة سقطوا هو يقول: لا تفتني، والله يقول: ألا في الفتنة سقطوا .

ترك الخروج للجهاد هو الفتنة التي سقطوا فيها، وليست فتنة يريد الهرب منها، وإنما هو سقط في الفتنة فعلًا بهذا العذر السخيف الذي أبداه.

وقد جاء في هذا قصة مشهورة في السيرة أن النبي ﷺ قال ذات يوم للجد بن قيس وكان من المنافقين: هل لك يا جد العام في جلاد بني الأصفر؟ قتال الروم، فقال: يا رسول الله أو تأذن لي ولا تفتني، فوالله لقد عرفت قومي ما رجل أشد عجبًا بالنساء مني وإني أخشى أن رأيت نساء بني الأصفر أن لا أصبر عنهن ؟ فأعرض عنه رسول الله ﷺ، ففي الجد بن قيس نزلت هذه:  وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي  [التوبة: 49] فكانت الفتنة التي وقع فيها تخلفه عن رسول الله ﷺ، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين، لا محيد لهم عنها ولا محيص ولا مهرب.

وإذا كانوا الآن في الدنيا يهربون بهذه الأعذار فيوم القيامة ليس هناك مهرب.

لقد ذهب النبي ﷺ إلى قتال بني الأصفر في تبوك، وكانت تبوك من بلاد الروم وهي من بلاد الشام، وتخلف كثير من المنافقين، وتخلف بعض المسلمين الصادقين بمعصية، وتقصير منهم، فلما رجع النبي ﷺ إلى المدينة بدأت الأعذار تظهر وتقال بين يدي النبي ﷺ، وكعب بن مالك روى القصة، يقول: فلما بلغني أنه ﷺ توجه قافلًا عائدًا حضرني همي وطفقت أتذكر الكذب، وأقول بماذا أخرج من سخطه غدًا، واستعنت على ذلك بكل ذي رأي من أهلي، فلما قيل: إن رسول الله ﷺ قد أظل قادمًا زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله ﷺ قادمًا.

الدرس العظيم يؤخذ من هنا: أن الإنسان إذا أذنب وقصر فلا يزيد إلى ذنبه ذنبًا آخر وهو إبداء الكذب والاعتذار بالكذب، فليعترف بالحق، وليقل: إني عصيت وقصرت؛ لأن بعض الناس يرتكبون المخالفة ثم يضيفون إليها مخالفة أخرى وهي عذر كاذب، فتكون معصيتان، فيقول كعب: زاح عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب فأجمعت صدقه وأصبح رسول الله ﷺ قادمًا، وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين ثم جلس للناس، فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه، إبداء الأعذار والكذب، ويحلفون له، ويضيفون معصية أخرى عذر كاذب، وحلف كاذب، وكانوا بضعة وثمانين رجلًا، فالنبي ﷺ وكل سرائرهم إلى الله، فجئت فلما سلمت عليه تبسم، تبسم المغضب ثم قال: تعال، فجئت أمشي حتى جلست بين يديه، فقال لي: ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟ الدابة التي ستركب عليها للجهاد، فقلت: بلى، اعتراف، هذا هو الصحيح، الإنسان إذا جوبه بالخطأ يعترف، بلى إني والله لو جلست إلى عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أعطيت جدلًا ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك حديث صدق تجد علي فيه في نفسك موجدة وغضبًا، إني لأرجو فيه عفو الله، لا والله ما كان لي من عذر.

هذا هو الموقف الصحيح، هذه الدروس من السيرة، "لا والله ما كان لي من عذر"، هذا هو المطلوب أن نعترف إذا جوبهنا بالخطأ.

من رحمة بنا أن يكون عندنا إخوان يذكروننا.

من رحمة الله بالإنسان المسلم أن يكون لديه إخوة صدق حوله إذا خالف وعصى وأخطأ يذكرونه، ويقولون له: ما حملك على ما صنعت؟ أو يجرم في حق شخص فالشخص يلومه فيعترف.

إذا رزق الإنسان بطانة طيبة يلومونه على المعصية وعلى التقصير هذا خير، فليعترف ولا يراوغ ولا يناور، يعترف بالحق، "والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنك"، فقال رسول الله ﷺ: أما هذا فقد صدق  ما معنى ذلك؟ معنى البقية ما كانوا صادقين، فقم حتى يقضي الله فيك ، فقمت وثار رجال من بني سلمة فاتبعوني، فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله ﷺ بما اعتذر إليه المتخلفون، فقد كان كافيك ذنبك استغفار رسول الله ﷺ لك، فوالله ما زالوا يؤنبوني حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي، ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟ قالوا: نعم، رجلان قالا مثل ما قلت، فقيل لهما مثل ما قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع العمري أو العامري، وهلال بن أمية الواقفي، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا فيهما أسوة، فمضيت على ما كنت عليه واستمريت على الصدق ولم أتراجع فمضيت حين ذكروهما لي [رواه البخاري: 4418، ومسلم: 2769].

وفي البخاري أيضًا: فلما ذكر الذين كذبوا رسول الله ﷺ من المتخلفين واعتذروا بالباطل ذكروا بشر ما ذكر به أحد، قال الله سبحانه: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللّهُ مِنْ أَخْبَارِكُمْ [التوبة: 94] الآية..

وكذلك من المواقف التي ذكرت في القرآن من أناس اقترفوا ذنوبًا عظيمة ثم جاؤوا بأعذار سخيفة واهية، ما قصه الله علينا في كتابه بقوله: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  [التوبة: 65-66] هؤلاء قوم كانوا في جيش الصحابة مع النبي ﷺ فكانوا يستهزؤون بالصحابة، ويقولون: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا، ولا أجبن عند اللقاء" همهم الأكل، وإذا جاء الجد فروا، يهربون جبناء، طعن في الصحابة والنبي ﷺ معهم، طعن بالقراء، فالله قال: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ  لماذا قالوا هذا الكلام؟ لَيَقُولُنَّ ، ما هو العذر؟ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ يعني حديث الركب نقطع به الطريق، تسلية، نوع تسلية، أثناء السفر نحن نتسلى، وقلنا هذا الكلام من باب التسلية  إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ  يعني كلامنا لا نقصد به الجد، حديث الركب نقطع به الطريق، فقال الله : قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ [التوبة: 65- 66]، عذر مكشوف، وغير مقبول، وعذر قبيح، قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 66] قال ابن القيم -رحمه الله- يعلق في كتابه: "إعلام الموقعين": "المستهزئ والهازل يلزمه الطلاق والكفر" يعني إذا أتى بلفظ الطلاق يقع الطلاق، وإذا أتى بلفظ الكفر يقع الكفر، ولو قال: أنا أنكت يعني مزح، أنا أمزح، يقول: نكت في المجلس طرائف، يلزمه الطلاق والكفر وإن كان هازلًا، لأنه قاصد للتكلم باللفظ، لماذا؟ لأنه قصد الكلام، وهزله لا يكون عذرًا له، بخلاف المكره والناسي والمخطئ، فإنه معذور مأمور بما يقوله أو مأذون له فيه، والهازل غير مأذون له في الهزل بكلمة الكفر والعقود، ما هو مأذون له يهزل في عقد زواج أو عقد طلاق، فهو متكلم باللفظ، أي الهازل متكلم باللفظ مريد له ولم يصرفه عن معناه إكراه ولا خطأ ولا نسيان ولا جهل، والهزل لم يجعله الله ورسوله عذرًا صارفًا، بل صاحبه أحق بالعقوبة، ألا ترى أن الله عذر المكره في تكلمه بكلمة الكفر إذا كان قلبه مطمئنًا بالإيمان، ولم يعذر الهازل بل قال: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65-66].

وانظر -يا أخي رحمك الله- إلى العذر القبيح للغاية الذي أتى به قوم موسى بنو إسرائيل لما كانوا معه عندما أمرهم باقتحام الأرض المقدسة والاستيلاء على بيت المقدس ماذا قالوا؟  ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ [المائدة: 21]، قال لهم: ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ  [المائدة: 21].

لاحظوا موسى يقول لهم: كتب الله لكم، يعني يطلعهم بعلم من الله أن هذا مكتوب لهم في القدر، كتب الله لكم، مكتوبة لهم ليست القضية دخول الأرض المقدسة مشكوك فيها أنه يمكن أن ينهزموا ولا يدخلوا أبدًا، لا، ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم، في أكثر من هذا، في أكثر من أن يقول: ترى في القدر أنكم ستدخلونها، قاتلوا، هذه التي كتبها الله لكم، ما هو العذر في عدم الجهاد وعدم القتال وعدم الدخول؟

 إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ [المائدة: 22] قالوا: إن فيها قومًا جبارين، ونسوا قدرة جبار السموات والأرض الذي يذل الجبابرة لأهل طاعته، وكان خوفهم من أولئك الجبارين الذين نواصيهم بيد الله أعظم من خوفهم من الجبار الأعلى سبحانه، وكانوا أي الجبارين أشد رهبة في صدور بني إسرائيل منه، يعني من الله ، ثم صرحوا بالمعصية والامتناع من الطاعة، فقالوا: إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا  [المائدة: 24]، فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ [المائدة: 22] يا سلام يعني من الذي سيترك لكم البلد ويمشي؟! إذا خرجوا نحن ندخل، إذا ما خرجوا لا ندخل، غاية الاستخفاف والإصرار على العصيان والتمهيد للعصيان بقولهم: إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ [المائدة: 22]، والتصريح بعدم الطاعة هذا هو الذي حصل منهم بالرغم من قيام رجلين من الذين يخافون الله أنعم الله عليهما بالرغم من قيامهما بالنصح للقوم لكن لم يكن هناك فائدة، بل زادوا إلى ذلك كلمة قبيحة جدًا  فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24].

قال ابن القيم -رحمه الله- في "إغاثة اللهفان": فسبحانه من عظم حلمه حيث يقابل أمره بمثل هذه المقابلة، ويواجه رسوله بمثل هذا الخطاب وهو يحلم عنهم ولا يعاجلهم بالعقوبة، بل وسعهم حلمه وكرمه وكان أقصى ما عاقبهم به أن رددهم في برية التيه أربعين عامًا يظلل عليهم الغمام، وينزل عليهم المن والسلوى، ولما فني هذا الجيل من أصحاب الأعذار السخيفة أربعين، فني الجيل المتخلف والعاصي والمتمرد ماتوا، وجاء الجيل الذي بعدهم الذي تربى في الصحراء، وصار عندهم شكيمة وقوة، ومات موسى وفي نفسه حسرة من قومه، وظهر بعد ذلك يوشع يقود بني إسرائيل لدخول الأرض المقدسة، الجيل الذي بعده فدخلوا، وكان الله قد كتب أن ذلك الجيل لا يدخل لمعصيته والجيل الذي بعده يدخل.

لا عذر في التخلف عن الشريعة

00:25:39

فالخلاصة أنه لا عذر لنا في التخلف عن الشريعة ألبتة.

لا عذر لنا إطلاقًا في التخلف عن نصرة دين الله.

لا عذر لنا أبدًا في أن نتخاذل عن نصرة شريعة الله.

لابد أن نقوم بهذا الدين تنفيذًا عملًا تطبيقًا ندعو إليه، ونحامي عنه، وننافح عنه.

أما أن نتركه نهبًا للمستهزئين والمنافقين يطعنون فيه كما يشاؤون فنحن غير معذورين على الإطلاق.

والآن ما أكثر الطاعنين في دين الإسلام.

ما أكثر الطاعنين في الأحكام الشرعية.

ما أكثر الطاعنين في الحدود الشرعية، في حد السرقة، في حد الردة، في حد الرجم.

ما أكثر الطاعنين في الحجاب الشرعي.

ما أكثر وما أكثر وما أكثر الطاعنين فيه في مقالاتهم وكلماتهم يطعنون في الدين.

ما هو عذرنا نحن الآن في سكوتنا؟ ما هو عذرنا في عدم الرد؟ ما هو عذرنا في عدم الإنكار؟ ألم يقل سعد بن الربيع من الأنصار لما وجد جريحًا في نهاية عمره يقول لما قيل له: إن النبي ﷺ يقرئك السلام ويقول: كيف تجدك؟ فوجد في آخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة برمح وضربة بسيف ورمية بسهم، يقول المرسل فقلت: يا سعد إن رسول الله ﷺ يقرأ عليك السلام، ويقول لك أخبرني كيف تجدك؟ فقال: وعلى رسول الله ﷺ السلام، قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة، وقل لقومي الأنصار: لا عذر لكم عند الله إن خلص إلى رسول الله ﷺ وفيكم عين تطرف، وفاضت نفسه من وقته.

هذه القصة مشهورة في السيرة وإن قال ابن عبد البر وغيره: لم يجد لها إسنادًا معتمدًا، مشهورة عند أهل السير.

وذكر ابن حجر -رحمه الله- أنه يوجد في بعض الأحاديث الصحيحة ما يشهد لبعض ما فيها.

إذن، يقول: "لا عذر لكم إن خلص إلى رسول الله ﷺ وفيكم عين تطرف".

فنحن الآن يخلص إلى ديننا وعقيدتنا وإيماننا ونحن نسكت، لا يمكن، لا بد أن نقوم لله بالإنكار بإقامة الحجة بالرد بالتبيين، أما أن يكتب من يكتب ويقع من يقع في الشريعة ونحن نسكت هذه جريمة، ما العذر؟ ما هو العذر في السكوت؟

أعذار الناس في عدم التمسك بالدين

00:28:49

وتأمل -يا أخي المسلم- أعذار الناس في عدم التمسك بالدين، إن قلت له: يا أخي أنت الآن بعيد عن الدين، فيه تفلت عندك، لا تطبق الأحكام الشرعية، كثير من الشريعة أنت معرض عنها، عندك مخالفات، عندك معاصٍ كثيرة، ما هي الأعذار التي تجدها من القوم؟

الوقت صعب، ما جاءت الهداية بعد، كل الناس هكذا، لا أستطيع إذا تمسكت بالدين كما تقول، ماذا يقول عني الناس؟

هل هذه الأعذار مقبولة عند الله؟

كتب معاوية إلى عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها-: "اكتبي إلي كتابًا توصيني فيه، ولا تكثري علي، فكتبت عائشة -رضي الله عنها- إلى معاوية: سلام عليك. أما بعد: فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤونة الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس  والسلام عليك" [رواه الترمذي: 2414].

الذين يتركون الالتزام بالدين أو بأحكام من الدين لأجل كلام الناس سيسخط الله عليهم ويسخط عليهم الناس كما جاء ذلك في الحديث.

خذ هذه الشعائر -يا أخي- الشعائر الإسلامية وانظر الأعذار التي يتفوه بها الناس، إن قلت مثلًا لشخص: لماذا تترك الملاهي في البيت الدش مثلًا هذه الشاشات الخبيثة لما يعرض عليها؟ لماذا تتركها في بيتك؟ لماذا لا تخرج هذه الأجهزة من البيت؟ ماذا يقول لك؟

غلبنا النساء، ضغط الأولاد، ضغط المجتمع، إذا ما وضعتها عندي سيذهبون يتفرجون عند غيري، وهكذا أعذار سخيفة، وصار ما عند الناس في هذه الأمور في الاحتجاج والرد أشياء لا يقبلها الله، مهما زوق ونمق لو مشت عليك في الدنيا أنت يا أيها الناصح ما تمشي عند الله  ولا تقبل.

تقول: يا أخي اللحية مثلًا سنة محمد بن عبد اللهﷺ أمر بها في أوامر كثيرة، أعفوا اللحى ،  أرخوا اللحى ، أرجوا اللحى   وفروا اللحى  خالفوا المشركين ؟

يقول : ما هي الأعذار؟

شكلها ما هو مرة، ما تطلع كاملة، وجهي مليان حبوب، الحلق يسبب لي حساسية.

هذا ينفع عند الله؟

تقول لواحد: لماذا لا توقظ ولدك لصلاة الفجر؟ ولدك أكثر من سبع وأكثر من عشر؟

ما أخذ كفايته من النوم، حرام، حرام، مسكين، صغير عنده مدرسة.

الحرام هو تركه وليس الحرام هو إيقاظه.

تقول امرأة ناصحة لأم عندها بنات يافعات: حجاب البنت فيه تقصير مهمل.

ما هي الأعذار؟

البنت صغيرة، لا زالت صغيرة، إذا بلغت أمرناها بالحجاب.

 ما شاء الله وكأنها إذا أمرت ستلبي وتنفذ خبرها.

فلماذا إذن؟ قالت عائشة عن البنت: إذا بلغت سبعًا أو تسعًا فهي امرأة" وتؤمر تسعًا فهي امرأة، "إذا بلغت البنت تسعًا فهي امرأة" وتؤمر بالحجاب؟

ولماذا نعود الأولاد على الصلاة مبكرًا؟

حتى إذا بلغوا كانوا قد تعودوا أصلًا.

فهذه أعذار سخيفة في ترك أمرهم أولادهم وبناتهم ذكورًا وإناثًا بالأحكام الشرعية، وكذلك عدم إلزامهم بالأحكام الشرعية هذه الأعذار.

يا أخت هذا الحجاب الذي تلبسينه منقوش.

تقول: هذا الموجود في السوق، فيه فتحة، شفاف، لو بحثوا وجدوا، ولو ما وجدوا هناك عشرون إجراء يتخذ لإصلاحه، فإذا كان شفافًا تخيط عليه بطانة، وإذا كان فيه فتحة تخيط الفتحة، لكن لا يريدون التنفيذ، نفوس مستعصية فيها معاصٍ مستعصية، وعندما تقابل من الناصحين والناصحات هذا الجواب، ولذلك دائمًا نقول: الأعذار هذه التي تبدونها تأملوا فيها هل تنفع عند الله؟ أي واحد عنده أي منكر، أي خطأ هو مصر عليه مرتكب له، يناقش نفسه في العذر الذي يبديه هل هذا ينفعه عند الله أم لا؟ فقط، ما هو لازم يقول لك العذر، لكن المهم أن يفكر هو هل العذر هذا ينفعه عند الله؟ وبعض الناس يعتذر بالقضاء والقدر، وبعض الناس يعتذر بالشيطان، والله عز وجل قال: وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43] فأضاف تزيين الدنيا والمعاصي إلى الشيطان وليس له هو، الله  لا يأمر بالفحشاء ولا يدعو الناس إلى الفحشاء، وقال: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ  من الذين زين؟ شُرَكَآؤُهُمْ [الأنعام: 137] فإضافة التزيين إلى الشيطان تسببًا وإلا فإنهم هم الذين أرادوه واختاروه.

قال ابن القيم -رحمه الله-: والمقصود أن الاحتجاج بالقدر مناف للتوبة وليس هو من الاعتذار في شيء، والعبد إذا أذنب فقال: يا رب هذا قضاؤك وأنت قدرته علي وأنت حكمت علي وأنت كتبت علي، يقول الله وأنت عملت وأنت كسبت وأنت أردت واجتهدت وأنا أعقابك عليه، وإذا قال العبد: يا رب أنا ظلمت وأنا أخطأت وأنا اعتديت وأنا فعلت، يقول الله : وأنا قدرت عليك وقضيت عليك وكتبت وأنا أغفر لك، ولذلك الاعتذار اعتذاران: اعتذار ينافي الاعتراف فذلك مناف للتوبة، واعتذار يقرر الاعتراف فذلك من تمام التوبة.

الاعتذار اعتذاران: اعتذار ينافي الاعتراف، ما يعترف بالذنب، ما يقول: أذنبت، يقول: كتبت علي وقدرت علي، وهكذا يقول لك العاصي: هذا قدره ومكتوب علي، مكتوب علي قدره، فهذا ليس باعتذار تائب، هذا اعتذار ينافي الاعتراف، وهؤلاء الذين يعتذرون بالشيطان، الشيطان زين وسول نعم، لكن من الذي استجاب لتزيينه وتسويله؟ من الذي استجاب؟ من الذي تبعه؟ لأملأن جهنم منك وممن تبعك، فهم الذين اتبعوه.

واحد شاب طايش أخذ السيارة وأسرع في الحواري، وفي الشوارع يفحط، ويذهب يمينًا وشمالًا، والمرور من ورائه، وهو يهرب، وهذا يلاحقه ويقطع الإشارات وهذا خلفه، دوخ المرور إلى أن وصل إلى مكان مسدود ووقف، وغصبًا عنه ألقي القبض عليه، أول ما خرج العسكري من السيارة، قال الشاب: طلع الشيطان، قال: تعال الشيطان أنت، كل شيء حطيتوه على الشيطان، هذا عامي من المرور يقول القصة هذه، فكيف إذا العبد العاصي يقول لله يوم القيامة: الشيطان، هذا ينفع؟ هذا عذر مقبول؟

ألم يقل الله -تعالى-: يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ  [غافر: 52]؟

المعذرة هناك يوم القيامة  يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ  [الطارق: 9-18].

ما هو العذر الذي ستبديه؟

هنا إذن النقاش الذي نناقش فيه أنفسنا ونحاسب فيه أنفسنا، أي معصية أو تقصير منك سائل نفسك: ما هو عذري عند الله؟

الأعذار الشرعية المقبولة

00:39:15

يوجد أعذار مقبولة؟

نعم.

يوجد أعذار مقبولة، حتى نكون منصفين، ويكون طرح الموضوع كاملًا من هذه الجهة يوجد أعذار مقبولة، يقول أنس : أن النبي ﷺ كان في غزاة، فقال: إن أقوامًا بالمدينة خلفنا ما سلكنا شعبًا ولا واديًا إلا وهم معنا فيه حبسهم العذر مع ذلك يؤجرون وتمشي لهم حسنات [رواه البخاري: 2839].

وهذا معنى قول الله -تعالى- على التفسير الراجح: وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ  [التوبة: 90].

يقول ابن كثير -رحمه الله-: ثم بين تعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاؤوا رسول الله ﷺ يعتذرون إليه، ويبينون له ما هم فيه من الضعف، وعدم القدرة على الخروج، وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة، وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ  يعني أهل العذر.

قال ابن كثير -رحمه الله-: وهذا القول هو الأظهر في معنى الآية، يعني أهل الأعذار الصحيحة بأي قرينة؟ ما هو الدليل على أن هؤلاء أصحاب عذر صحيح؟

 وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة: 90] فالأعراب كان منهم  مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا [التوبة: 98]، ومنهم من يتخذ  مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ [التوبة: 99].

وعن ابن أبي مليكة أن ابن عباس تلا قول الله -تعالى-: إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ  [النساء: 98] قال: "كنت أنا وأمي ممن عذر الله" ذكر الله عذرهم وسامحهم وعفا عنهم بسبب ضعفهم وعدم قدرتهم على تطبيق حكم الشرع وهو الهجرة، نساء وأطفال كيف يهاجرون؟ صغار "كنت أنا وأمي ممن عذر الله"[رواه البخاري: 1357].

وكذلك كان الصحابة الذي عنده عذر يبديه حتى لا يبقى متهمًا، إذا كان عنده عذر صحيح يبديه، ولا يساء به الظن، وهذه قاعدة الاستبراء للعرض، الإنسان إذا ظن به ظن سيئ أو خشي أن يظن به ظن سوء يبدي عذره، على رسلكما إنها صفية [رواه البخاري: 3281] يبدي عذره.

عن المغيرة بن شعبة قال: "أكلت ثومًا فأتيت مصلى النبي ﷺ وقد سبقت بركعة فلما دخلت المسجد وجد النبي ﷺ ريح الثوم، فلما قضى رسول الله ﷺ صلاته قال:  من أكل من هذه الشجرة فلا يقربنا حتى يذهب ريحها ، فلما قضيت الصلاة جئت إلى رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله والله لتعطيني يدك، قال: فأدخلت يده في كم قميصي، الفتحة التي في صدري، فإذا أنا معصوب الصدر، فقال ﷺ: إن لك عذرًا [رواه أبو داود: 3826، وصححه الألباني].

قال في شرح الحديث: كان من عادته إذا جاع أحدهم أن يشد جوفه بعصابة وربما جعل تحتها حجرًا، وهذا الفقير إذا ما وجد إلا الثوم ماذا يصنع؟ مضطر جائع أكل.

الأعذار المقبولة في التخلف عن الواجبات

00:43:42

وكذلك فإن من الأعذار المقبولة في التخلف عن الواجبات مثل ما ذكر العلماء التخلف عن صلاة الجماعة، وهناك حديث يقرأه بعض الناس فلا يحسن فهمه، عن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ قال: «من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس، فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، فقد أدرك العصر [رواه البخاري: 579].

ما حكم أن يأتي واحد ينتظر إلى قبيل طلوع الشمس بقليل فيصلي ركعة وتطلع الشمس في الثانية ويذهب واحد في صلاة العصر وينتظر إلى قرب غروب الشمس فيقوم يصلي العصر وبعد ركعة تغرب الشمس، ما هو الحكم؟

لا يجوز.

طيب الحديث يقول: ((أدرك)) قال الترمذي -رحمه الله- انظر إلى فائدة قراءة شروح الحديث، تعليق أهل العلم على الحديث، هذا الحديث متعلق بأهل الأعذار، يقول الترمذي رحمه الله: "وبه يقول أصحابنا والشافعي وأحمد وإسحاق، ومعنى هذا الحديث عندهم لصاحب العذر مثل الرجل الذي ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ ويذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها" [سنن الترمذي: 1/237] فيلحق له ركعة، هذا لأهل الأعذار.

فهناك إذن أعذار صحيحة تبيح التخلف مثلًا عن صلاة الجمعة أو في صلاة الجماعة، والنبي ﷺ لما قال: من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر [رواه ابن ماجه: 793، وصححه الألباني] العذر هذا قد يكون مرضًا مقعدًا عن الذهاب إلى الصلاة.

قال ابن المنذر -رحمه الله-: لا أعلم خلافًا بين أهل العلم أن للمريض أن يتخلف عن الجماعات من أجل المرض، والمرض سبب شرعي للتخلف إذًا.

والنبي ﷺ في مرضه قعد في البيت، وماذا قال؟ مروا أبا بكر فليصل بالناس  [رواه البخاري: 664، ومسلم: 418].

إذن، هذا عذر، ولكن ليس كل مرض يكون عذرًا، وإنما هو المرض المقعد الذي لا يستطيع به الإنسان أن يذهب للمسجد وتحصل عليه مشقة عظيمة لو ذهب، وتحصل عليه مشقة عظيمة لو ذهب.

كذلك المطر الشديد والريح الشديدة، عواصف هوجاء هبت هذا عذر، كما قال الصحابي: "إني كرهت أن أخرجكم فتمشوا في الطين والدحض" إذا صارت المسألة فعلًا مثل بعض الأحيان إذا نزل المطر صار المسجد محاصرًا بالمياه، والناس لا يصلون إليه إلا بمشقة كبيرة يخوضون في طين، وقد يزلقون، لكن بعض الأماكن لا، المطر خفيف.

فإذن، إذا وجد العذر الشرعي جاز التخلف.

وكذلك الخوف سواء كان خوفًا على نفسه من سلطان أو عدو أو سبع أو ظالم أو كخوف على مال أو مثل أن يسرق منزله والسراق يحومون أو يحترق.

وكذلك الخوف على مريض عنده في البيت لو ما قام عليه المريض قد يصيبه أذى عظيم، يحتاج أن يكون بجانبه من يلازمه.

وكذلك حضور الطعام دون تلاعب، حضر الطعام ووضع، وليس أن يأتي بالطعام ويأمر به وقت الإقامة، وإنما أتي بالطعام حضر فيبدأ به قبل الصلاة.

وكذلك مدافعة الأخبثين، البول والغائط، إذا حضره البول والغائط ولو كان يعلم أن الصلاة ستفوته يذهب إلى الخلاء ويقضي حاجته، ولو فاتت صلاة الجماعة.

لكن هذا ليس عذرًا للموسوسين، فإن بعض الموسوسين يقضون ساعة ساعتين في المرحاض، يضيعون الصلوات، هؤلاء ليسوا معذورين، يطيعون الشيطان ويتخلفون عن بيت الرحمن.

وكذلك فإن كل عذر شرعي يعذر الإنسان به في ترك واجب لا يأثم على ذلك إن ترك.

العذر بالجهل

00:49:11

وأما العذر بالجهل فإن هذه المسألة ليس الناس فيها سواء، فمنهم من يعذر بجهله لأنه لا يستطيع أن يتعلم، وجد في مكان ما في أحد يعلم، لا مصدر علم ولا كتاب ولا شريط ولا إمام ولا خطيب عنده فقه أو علم، مثل من نشأ في البادية، أو نشأ في مكان بعيد، أو مسلم حديث العهد بالإسلام في مكان أو في بلد ليس فيه مركز إسلامي ولا مكان يتعلم منه.

وانظر الآن كيف ظهر من الوسائل العصرية ما يسقط عذر بعض الناس الذين يعتذرون بالجهل من وجود مثل هذه الشبكة العنكبوتية، الآن لو واحد أسلم حديثًا في بلد، ما في ولا مسلم ولا مركز إسلامي، عنده هذه الشبكة، يستطيع أن يتعلم فيها دين الله.

فإذن، المسألة هذه مسألة نسبية، وتتغير بتغير الأحوال والأزمان والمخترعات والإمكانات والهواتف وغيرها الذي يمكن أن يزيل بها الإنسان الجهل، فليس كل من ادعى الجهل يقبل منه ذلك.

من قواعد الشريعة العامة أن الجاهل معذور، لكن معذور متى؟

إذا لم يقدر على التعلم.

والشريعة تعذر الجاهل كما تعذر الناسي، كما عذر النبي ﷺ المسيء في صلاته بجهله بوجوب الطمأنينة فلم يأمره بإعادة ما مضى من الصلوات الماضية القديمة، لكن أمره بإعادة هذه الصلاة، لماذا؟

لأن وقتها حاضر، والصلوات التي مضت وقتها ذهب.

وكذلك لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة مع أن المستحاضة لا تترك الصلاة، المستحاضة التي ينزل عليها دم، الاستحاضة وليس دم الحيض، دم الفساد هذا دم العرق، لا تترك المستحاضة الصلاة لأجله، بل تتوضأ لكل صلاة وتصلي ويستحب لها أن تغتسل، ويجوز لها أن تجمع الصلاتين، ولم يأمرها النبي ﷺ بإعادة الصلاة وإعادة الصيام.

وعذر عدي بن حاتم بأكله في رمضان حين تبين له الخيطان اللذان جعلهما تحت وسادته ولم يأمره بالإعادة.

وعذر أبا ذر بجهله بوجوب الصلاة إذا عدم الماء فأمره بالتيمم ولم يأمره بالإعادة.

وعذر الذين تمعكوا في التراب كتمعك الدابة لما سمعوا فرض التيمم ولم يأمرهم بالإعادة.

وعذر معاوية بن الحكم في كلامه في الصلاة عامدًا لجهله بالتحريم.

وعذر أهل قباء بصلاتهم إلى بيت المقدس بعد نسخ الاستقبال لجهلهم بالناسخ ولم يأمرهم بالإعادة كما ذكر ابن القيم -رحمه الله- الأمثلة في "إعلام الموقعين".

والله  عذر الذي أخطأ من شدة الفرح لما وجد راحلته في أرض مهلكة بعد ما يئس منها فقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، ولم يجعله بذلك كافرًا، لأنه أخطأ بهذا من شدة الفرح.

فهناك حالات فعلًا يعذر فيها الناس، من جهل، من إكراه، من نسيان، من شدة فرح ، من كلام يقوله في استغلاق، أو يؤخذ في موقف فيكون معذورًا بكلمة تخرج منه لا يكون معذورًا في غيرها في حال حضور ذهنه وعقله.

الأعذار الواهية في عالم الصحوة وشبابها وروادها

00:53:17

وبعد أن ذكرنا أمورًا تتعلق في قضية العذر في المنافقين والعصاة لننتقل إلى شيء من الكلام عن الأعذار الواهية في عالم الصحوة وشبابها وروادها.

إن عددًا من الذين وردوا حياض هذا الدين ونهلوا منه والتزموا شيئًا ما بأحكامه أو فترة من الزمن يصيبهم بعض الفتور والكلل والملل، ويصيبهم بعض بوادر الانتكاس، فترى ذلك واضحًا في أعذارهم التي يقولونها عندما يدعون إلى مناسبات مختلفة فيها طاعات، ولابد أن نقف شيئًا ما عند هذه الأعذار، بعض الشباب قد يدعون إلى حلق تحفيظ القرآن الكريم، إلى حلقات ودروس علمية مثلًا، دروس إيمانية تعال بنا نؤمن ساعة، فتجد أن بعض هؤلاء يبدي لك من الأعذار للتملص من الارتباط الطيب وحضور المناسبات الطيبة ما هو سخيف وغير مقبول على الإطلاق.

فبعض الطلاب مثلًا يتعذر بالواجبات والمذاكرة ولا يريد حلقًا ولا دروسًا ولا ندوات طيبة أو جلسات إيمانية بحجة الدراسة والواجبات، وهل الدراسة والواجبات تأخذ كل الوقت؟

لا، بالتأكيد، لكن التملص، التهرب.

بعضهم يعتذر مثلًا بعدم الارتياح للموجودين فيقول: بيني وبين بعض الموجودين بعض الأشياء ولو فلان ما حضر أنا أحضر -سبحان الله-.

هذه طريقة المشركين "أقم هؤلاء الأعبد ونحن نجلس معك"، وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ [الأنعام: 52]، كيف تطردهم؟

 وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 114].

أطرد فلاناً لأجل فلان.

ينبغي أن نعلو فوق هذه التفاهات، وأن تكون اهتماماتنا وتوجهاتنا موافقة للشرع وليس للأهواء، يعني بعض الناس لأجل الأهواء ما يحضر يتخلف؛ لأن بينه وبين فلان مشكلة، يتخلف عن خير عظيم جدًا، يحرم من خير عظيم بمثل هذا.

وبعضهم يقول: ما عندكم برامج ترفيهية كافية، كله جد، وكله حفظ، وكله دروس، وكله كتب ومحاضرات، أعطونا ألعاباً، أعطونا تسليات، ومع الأسف إن هذا من الانحدار الذي تعاني منه الصحوة في هذا الوقت، الآن يهولك فعلًا في التسجيلات الاكتساح الهائل لأشرطة الأناشيد في رفوفها، مما ينبئ عن توجه في الحقيقة خطير لاستبدال الأشياء الطيبة والنافعة، وأن يحل بدلًا من ذلك ترهات وألحان قريبة جدًا جدًا من ألحان الأغاني، بل إن بعض الذين ينشدون فيها قد يكون نشأ على مثل هذه الأغاني وحفظ هذه الألحان، بل لا تستبعد أنهم يتعلمونها تعلمًا ولو أن الجيران ما سمعوا الكلمات لا يشكون أن هذه أغنية حتى يأتي الواحد ويقول لهم عرضًا أو قصدًا أن هذه أناشيد إسلامية، ومن الذي قال عنها أنها إسلامية إذا كانت بهذه الطريقة التي فيها مؤثرات صوتية مثل الأصوات التي تخرج من الآلات الموسيقية؟

افرض أننا استعملنا مكبرات الصوت، جلسنا نضرب عليها ونصدر أصوات مثل الطبل، العبرة بالنتيجة أو العبرة بالآلة؟

افرض أننا استعملنا الصدى والمؤثرات الصوتية في الكمبيوتر وغيره ليولد أصواتًا مثل الألحان ومثل الموسيقى مثل الأصوات الموسيقية، هل نحن وصلت بنا الغفلة والسذاجة لدرجة أننا نمرر هذه الأشياء لأنها ما صدرت من آلات وترية.

وإذا صدرت من آلات حديثة جدًا وإلكترونية، العبرة بالنتيجة إذا كانت النتيجة هي ألحان الأغاني وهي أصوات اللحن هذا الذي يكون في الموسيقى.

إذن، هي القضية هي هي، ولماذا التلبيس نلبس الحق بالباطل؟

على أن واحدا هنا ذكر لي أنه رأى في أحد الاستديوهات أحيانًا تسجل فيها بعض هذه الأناشيد.

فإذن، ميل بعض الأشخاص إلى التفلت والتملص بحجة عدم وجود أشياء ترفيهية هو في الحقيقة من عدم أخذهم للدين بقوة، ومن عدم جديتهم في تحمل مسؤولية هذا الدين، وكأن نفوسهم ضاقت عن أخذه بالقوة التي أمر الله بها، فصاروا ينزلون إلى هذه المستويات.

وبعض الشباب مثلًا في بعض الأنشطة الطلابية أو التوعيات الإسلامية أو غيرها يحتج بأن العدد كثير داخل النشاط، وأنه لا يريد أن يدخل في هذه الزحمة.

طيب خير وبركة إذا كثروا، الحمد لله، تريدهم قلة؟

وبعضهم يقول: فيه ناس جدد ما أعرفهم، أنا ما أحب أدخل في شيء فيه ناس ما أعرفهم.

طيب وما هي وظيفة التعارف في الإسلام، والشيء الذي جاءت به الشريعة بين الإخوان في الإخوة في الله التي من أركانها التعارف والتداخل مع الإخوان في الله، إذا كان لازم نجيب لك ناس قدامى من الذين يمشون معك طيلة الوقت في كل السنوات وكل الأنشطة حتى تقتنع وتمشي ولا تريد أي واحد جديد؟

إذن، بعض الناس يريدون أمورًا مفصلة على أهوائهم حتى يحضرون، وهذه كارثة.

وبعض هؤلاء يحتجون بالارتباطات الاجتماعية والأهلية، وقد يكون بعض هذا صحيح، وفي كلامهم شيء من الحق، لكنهم يبالغون فيه، ولو كان عنده شيء يحبه ويهواه لوجد أعذارًا كثيرة يتملص من هذه الارتباطات كما يقول، ويذهب لما يهوى، لكن لأنه ليس هواه مع الحق، وهو يذهب إلى الناحية الأخرى.

وبعض الناس يحتجون بالعمل يقول: الدوام طويل وشاق، ما في وقت أحضر درسًا، ولا درس في الأسبوع معقول!

طيب عندك وقت تذهب إلى مطعم وتجلس فيه ساعة تأكل، يقول: يجد وقتاً، يجد وقتاً أن يذهب فيه للمطاعم ساعة أو أكثر، لكن ما يجد ساعة في الأسبوع يحضر بها درسًا، لماذا؟ محتجًا بارتباطات العمل وظروف العمل.

ثم نحن هل نريد الدين أن يقدم لنا بطريقة سهلة جدًا لا نتعب في تحصيل العلم؟

إذن، كيف نتعلم العلم الشرعي؟

التعلم يحتاج إلى مشقة، يحتاج إلى جهد، يحتاج إلى بذل، يحتاج إلى معاناة.

هؤلاء العلماء كيف صاروا علماء، الناس كيف حصلوا العلم، أهل العلم كيف حصلوه، أما قالوا: لا ينال العلم براحة الجسد، وأنت تبغانا نفصل لك موعداً لا يتعارض مع العمل، ولا ما بعد العمل، ولا مع الأوقات التي فيها إنهاك بعد العمل، وإذًا متى سنحصل لك وقتًا، ثم تقول في آخر الأسبوع : أنا مع أهلي، وفي وسط الأسبوع : أنا مع عملي، إذًا متى ستتعلم؟

وبعض الناس يعتذر بأعذار مبهمة، فيقول: عندي ظروف، وهذه من أشد ما أهلك الشباب، عندي ظروف، ما هي هذه الظروف؟

إذا عندك ظروف يا أخي ضع عليها طوابع وخلصنا منها، عنده ظروف ثم يرفض أن يفصح لك عن هذه الظروف، ولو ناقشته بالحسنى ودعوته باللطف واللين لا فائدة، يصر على أن عنده ظروف، أعذار مبهمة.

وبعضهم يتخلف، وصار عندي طارئ، ثم أنت لا تدري ترى ما هو هذا الطارئ؟ قد تكون مكالمة هاتفية جاءت فراح معها.

وبعض الناس من مداخل الشيطان عليهم إذا تأخر ربع ساعة قال : خلاص ما في وقت اذهب الحق ما تبقى، كعب بن مالك تمنى أن يكون خرج، ولو بعد يوم، ولو بعد يومين، وليتني فعلت، قال كعب: وليتني فعلت ولا لحق، يلحق ما يمكن اللحوق به، لو فاتك ربع الدرس نصف الدرس، الشيطان يخذل بعض الناس، مثلًا يريد يحضر الدرس بعد المغرب أو بعد العشاء تأخر لأي سبب أو تكاسل، ثم صار عنده يقظة في الضمير فجاءه واعظ الخير، طبعًا الملك يحرك أيضًا، الملك هو الذي يلقي بواعث الخير في نفوس العباد ويبثها ويحمس الحضور، فيأتي وازع الخير من الملك، وازع الخير يبعثه في نفسه، قم اذهب تحرك أدرك، خلاص راح ربع الوقت، وينظر إلى الساعة، راح ثلث ساعة، ليلحق ما يمكن اللحوق به.

وبعض الناس قد يعتذر بعدم تيسر المواصلات، وأقول مرة أخرى : لو كان موعدًا يهواه كان دبر المواصلات، لما صارت على الدرس وصارت على شيء من أعمال الخير جاءت الأعذار.

وبعضهم يقول: المدرس الخصوصي يأتينا في هذا الوقت، طيب المدرس الخصوصي أنت تعطيه فلوساً تتحكم فيه يجي على كيفك، لماذا المدرس الخصوصي لا يأتي إلا وقت الدرس؟ لكن أعذار سخيفة، وبعضهم يحتج بأنه نام، راحت عليه نومة، ممكن واحد أول مرة يقبل راحت عليه نومة، ثاني مرة راحت عليه نومة، لكن كل درس تروح عليه نومة، سبحان الذي أنزل النوم في وقت الدرس.

وبعض الناس يقول وهذا حقيقة من العجب: ما أشعر بالفائدة من الدرس، الحين الدرس فيه آيات، فيه أحاديث، فيه فقه، قد يكون درس تجويد، قد يكون درس حديث، قد يكون درس فقه، قد يكون درس عقيدة، قد يكون درس تفسير.

ماذا يقال؟ ينقل من كتب العلماء، يقول : ما أشعر بالفائدة، ما شاء الله وما هي الفائدة إذاً؟ أليست آيات وأحاديث وكلام العلماء؟ هذه هي الفائدة، فقوله: لا أشعر بالفائدة هو أحد أمرين : إما أنه مصاب بغرور وعجب بحيث أنه لا يعجبه العجب ولا يرضى بهذا المستوى المهلهل في نظره؟ وليت أن عنده دروسًا قوية أخرى يحضرها إذًا لقلنا نعم ولماذا يضيع وقته في المستوى الهابط ويترك المستوى الصاعد؟ فليحضر الأعلى ويترك الأدنى ولا يضيع وقته في هذا، لكن لا عنده ثقيل ولا عنده خفيف، ما عنده إلا أعذار إبليس، ولذلك بعض منها كلمات لا أشعر بالفائدة هي مردها للعذر وقد يكون مردها إلى الإصرار على عدم الفائدة، ولذلك كان المنافقون إذا جلسوا عند النبي ﷺ ثم خرجوا ماذا يقولون للصحابة؟ ماذا قال آنفًا؟ أيش كان ما كان فيتغاضون ويتعامون.

قد يكون بعض هؤلاء الشباب من يقولون: الدرس مكرر، هذا كلام سمعناه من قبل.

طيب القرآن ما فيه أشياء مكررة؟ الأحاديث ما فيها أشياء مكررة؟ العالم يسمع الحديث ثلاثين مرة ويتظاهر بأنه لم يسمعه من قبل.

ثم المسألة تدبر وتأمل وليس فقط معلومات جديدة، اسمعني في هذه النقطة، المسألة مسألة تدبر وتأمل وفهم وليست مسألة معلومات جديدة دائمًا، فلذلك نقول : لابد أن نعتني بالفهم، والإنسان كيف يرزق التأمل؟

لما يتلو الحديث على نفسه أو يتلى عليه أكثر من مرة، لأن التأمل والتدبر نتيجة متابعة النظر والفكر في هذا الشيء.

وبعض الإخوان يقولون في الأعذار: الزوجة والأبناء، زوجاتنا وأبناؤنا.

الله قال: إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَّكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن: 14]، وقال: الولد مجهلة  أيش معنى مجهلة؟ يعني يصد أباه عن تعلم العلم الشرعي فيشغل أباه، فأنت تعتذر؛ لأن الولد أو الزوجة منعاك من الطلب ولا تحضر ولا درساً.

المفترض أن تعمل لهم درسًا، وأنت لك درس، ولا تفوت الخير لا على نفسك ولا على أهلك.

ثم إن بعض الناس أيضًا قد يعتذرون بأعذار أخرى مثلًا أن له أصحاب يريد أن يكون معهم، وليت هؤلاء الأصحاب في خير أو في شيء طيب نافع، لا، فهو يريد أن يكون معهم، ولذلك يشق عليه أن يتركهم لأجل حضور هذا الدرس أو هذه المناسبة الطيبة.

والشاهد، إذا دعينا إلى شيء يحي القلب، إلى ذكر، إلى موعظة، إلى حلقة علم، لابد أن نجيب، استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، إذا دعيت إلى شيء يحيي قلبك أجب ولا تتملص وتعتذر باعتذارات تافهة، وفي الجانب المقابل ينبغي على المربين والدعاة إلى الله أن يكونوا حكماء في معالجة هذه القضايا فيقبل العذر الصحيح، الرسول ﷺ قبل الأعذار الصحيحة، والله قبل الأعذار الصحيحة، وعذر المعذورين فعلًا ولا داعي للتضييق على الناس وإيقاعهم في الحرج أو تكذيبهم أو اتهامهم بأنهم يراوغون، قد يكون ما يقولونه فعلًا صحيح.

ثم ينبغي السعي أيضًا في ترتيب بعض الأشياء؛ لأن الاعتذارات أحيانًا بسبب مصادمات، يقول : اصطدم معي حضور الدرس مع رغبة الأهل، اصطدم معي الدرس مع الاعتناء بالإخوان الصغار، اصطدم الدرس معي بتلبية أغراض وأشياء للبيت، فالمسألة يعلم الشاب كيف ينسق؟ أو كيف يرتب أموره؟ وكيف ينظم هذا بحيث لا تتعارض؟

ثم الشاب أيضًا الصالح، والإنسان الطيب، إذا كان قصده حسنًا، وعنده همة، وعنده رغبة حقيقية، سيقنع والديه، سيقنع أهله، وسينجح في تأخير أشياء، وترتيب أشياء، وتقديم أشياء، لكي يصل إلى مبتغاه في حضور مناسبات الخير.

ثم لو وجدنا شخصاً عنده إعراض عن بعض وحضور في بعض نقبله، إذا لم يكن يفسد ويؤدي إلى تثبيط غيره، ومع الوقت يتعود الناس، لم يتعودوا على أن يجلسوا في الدروس ساعة أو ساعتين، والدروس متوالية، والدروس علمية، لماذا الآن الناس يجلسون عند المسلسلات والتلفزيونات ساعتين، ثلاثة؛ لأنها كلها فكاهات وأغاني، ما فيها شيء من جهة الثقل وتعب الذهن، وأحداث مثيرة، وأشياء بوليسية، وأشياء مغرية سهلة، لكن تعال اقرأ، تعال إلى درس تفسير، قرآن، أو شرح أحاديث؟ يقول: ما أستطيع أواصل فترة طويلة، لماذا؟

لثقل الوحي، لكنه يسير على من يسره الله عليه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ [القمر: 17] يعني مذتكر يتذكر ويعتبر ويتأمل.

هذا بعض من الكلام الذي أحببت أن أقوله في هذا الموضوع.

معاناة الفتيات التركيات في لبس الحجاب

01:14:00

وأختم بمسألة لعلها تكون من باب الموعظة للذين يتخلفون عن تنفيذ الأحكام الشرعية، يجب أن نتذكر نعمة الله علينا بوجود بيئة تستطيع فيها أن تطبق كثيرًا من أحكام الشريعة.

وهذه النعمة لا نحس بها إلا إذا تأملنا في أحوال إخواننا الذين يعيشون في أماكن لا يستطيعون فيها أن يطبقوا كثيرًا من أحكام الشريعة.

ولذلك إثم النساء اللاتي يستطعن تطبيق الحجاب في وسط لا يوجد فيه ضغوط، بل ربما في إلزام مثل مدارس البنات عندنا إلزام بالحجاب الكامل.

تأمل إثم الفتاة التي توجد اليوم في مدرسة من مدارس هنا، وعندها أوامر الالتزام بالحجاب الكامل، ثم لا تنفذ، بينما أخواتها المسلمات في بلاد الترك لا يستطعن وضع قماشة على الرأس، أيش عذر هذه؟ هذه التي تجلس هنا ما عذرها؟ التي هناك عندها مشكلات كثيرة.

ودعوني أقرأ عليكم هذا الخبر الحديث: مأساة الطالبات المحجبات في تركيا لا تنتهي، ففي بداية العام الدراسي تكررت المسألة نفسها في عدم السماح للطالبات المحجبات بالدخول إلى الجامعة، ولابد من كشف رؤوسهن، ولم يزل الظلم الواقع عليهن بل أكده القانون، وسلكت الطالبات المحجبات سبلًا عدة أهمها:

أولًا: فضل قسم منهن ترك الدراسة في الجامعة مع أن بعضهن كن على وشك التخرج.

ثانيًا: بعض الطالبات اللواتي كن في الصفوف الأخيرة وعلى وشك التخرج اضطررن لكشف رؤوسهن في الجامعة فقط، طبعًا هذا خبر، الآن لا نتكلم عن الحكم الشرعي، ولا هذه معذورة ولا هذه ما هي معذورة، لأن الحكم يجب أن ينفذ، وإذا لم يكن هناك اضطرار فاجلس في البيت ما في اضطرار.

على أية حال: نحن ما نناقش الحكم الشرعي فقط، أقول لكم المعاناة التي تعانيها الفتاة المسلمة هناك، وبعض الطالبات كن في الصفوف الأخيرة واضطررن لكشف رؤوسهن في الجامعة فقط لأن الأحوال الاقتصادية لأسرهن لم تكن تسمح لهن لترك الدراسة، وبعض الطالبات قمن بوضع باروكة على رؤوسهن في أثناء الدوام بالجامعة.

الفئة الأخيرة من الطالبات اضطررن لمراجعة الجامعات في الدول الأخرى لتكملة دراستهن مع تحمل جميع الصعوبات والمشكلات التي تحف هذه المراجعة، ومأساة الهجرة كان عينًا للأم المحمرة من البكاء وهي تودع في مطار اسطنبول ابنتها الوحيدة الطالبة في كلية طب الأسنان وهي طالبة محجبة لم تستطع كشف رأسها ومخالفة أوامر خالقها ولكنها لا تريد بعد هذا المشوار الطويل ترك الدراسة فبحثت حتى وجدت جامعة تقبلها في أذربيجان وقالت الأم بصوت باك وهي تشير إلى طابور الطالبات المحجبات الواقفات في انتظار إنهاء معاملة السفر أمام موظفي المطار لم تستطع هؤلاء الطالبات إنهاء دراستهن هنا، سيذهبن ليكملن في الخارج لقد حلمت ابنتي على الدوام بأن تكون طبيبة أسنان، وأما البنت فقد اختلطت في قلبها مشاعر مختلفة من الحزن والأسى والترقب، أما الحزن فلأنها تترك بيتها وعائلتها للمرة الأولى وتذهب إلى ديار الغربة وتبتعد عن وطنها وأهلها وصديقاتها، ومشاعر الترقب لأنها ستجد حياة جديدة ومحيط وبيئة جديدين وتقول الطالبة خديجة جوابًا على سؤال : هل سترجعين إلى البلد بعد التخرج؟ تقول : طبعًا سأرجع، من المؤكد أنني سأرجع إن شاء الله، وعندما سألناها : ماذا ستفعلين إذا رجعت ولم تتغير الأمور؟

تجمدت نظرتها ولم تجد جوابًا، من يشاهد طابور الطالبات المحجبات من مختلف الكليات في الطب والهندسة والكمبيوتر والهندسة الإلكترونية لا يملك إلا الأسف على حالهن في ذلك البلد، والحزن عليهن وعلى أسرهن، ومعظمهن من اللاتي درسن من اللاتي يردن الدراسة لا يستطعن إكمال الدراسة في الخارج بسبب التكاليف الباهظة، ومعظم العائلات من ذوي الدخل المتوسط لا تستطيع تحمل هذه التكاليف، وحسب بعض الأرقام ذهبت عشرون طالبة إلى النمسا، وطالبتان إلى ألمانيا، وثلاث إلى إيرلندا، وخمسة وعشرين إلى المجر، وعشر إلى هولندا، وأربعين إلى أذربيجان، هؤلاء اللاتي وفقن لأخذ موافقة أهلهن في هذا وعندهن قدرة مالية، وهناك الآلاف اضطررن لترك الدراسة.

وكذلك فإن المشكلات التي ستكون بعدها لا تعد، فالحصول على قبول في الجامعة أخرى ليس عملية سهلة، وتعلم اللغة الأجنبية للبلد الآخر ليس عملية سهلة وضياع سنوات عدة من الدراسة في حالة عدم قبول ما تمت دراسته في السابق ليست عملية سهلة.

ثم المشكلة المالية، فإن بعض النفقات الدراسة في الجامعة تصل إلى خمس وعشرين ألف دولار، وإذا أضفنا إلى ذلك تكاليف المعيشة، ومع من ستسكن هناك في بلاد الغربة، ثم إذا عادت والقانون يمنعها من دخول الدوائر الرسمية بالحجاب فأين ستعمل؟ وماذا استفادت من الشهادة؟

هذه حال نساء مسلمات عليهن هذه الضغوط الرهيبة.

فما هو عذر طالباتنا الموجودات في المدارس والكليات اللاتي يحسرن الحجاب تلبس المشقوق تلبس الشفاف وتلبس الضيق وإذا خرجت من المدرسة كأنها خرجت من السجن؟ وظهرت الآن ظاهرة سيئة جدًا تحتاج إلى إنكار ووقوف حاسم وهي أن بعض الطالبات إذا خرجن من الثانوية أو المتوسطة إلى الشوارع والبقالات شالت الغطاء، وفي السيارة مع السائق شالت الغطاء، والغطاء لا تضعه إلا إذا جاءت عند باب المدرسة كارثة كبيرة، أين الآباء؟ أين الإخوان؟ أين أولياء الأمور في البيوت القائمون على بناتهم وأخواتهم هذه المصيبة؟

ولذلك نتقي الله ، ونرجع إلى الإسلام، وندع هذه الترهات وتزيين الشيطان، ولنأخذ بأحكام الشريعة.

ونسأل الله أن يلهمنا رشدنا، ويقينا شر أنفسنا، إنه سميع مجيب قريب.