أيها الإخوة: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، وتحية طيبة في مساء في هذه الليلة، نسأل الله أن يجعلها ليلة خير وبركة.
التربية القائمة على الكتاب والسنة
أيها الإخوة: إن هذه التربية التي ننشدها هي سياج آمن يقي الفرد المسلم الشرور التي تطيح به عن طريق الاستقامة، وتزل بقدمه عن الصراط المستقيم.
هذه التربية التي تخبرنا الأيام والأحداث أنه لا بد منها.
لا بد أن تكون هذه التربية قائمة على منهاج الكتاب والسنة.
تربيتنا على العقيدة الصحيحة.
تربيتنا على العبادة والإخلاص.
تربيتنا على العلم الشرعي.
تربيتنا على الأخلاق الإسلامية.
تربيتنا على المجاهدة والمصابرة، والدعوة إلى الله، والصبر على الأذى في سبيل الله.
ومن هذا المنطلق نتحدث الليلة عن جانب من الجوانب المهمة في التربية: التربية على الأخلاق الإسلامية، الأخلاق المذكورة في الكتاب والسنة، أخلاق الرسول ﷺ، أخلاق الأنبياء والسلف الصالح، أخلاق الصحابة والعلماء والصالحين والمجاهدين.
أزمة الأخلاق السيئة
إن في واقعنا أزمة أخلاق.
وإن كثيرًا من المشكلات الموجودة في المجتمع نتيجة سوء الخلق.
هذه ظاهرة واضحة، فأنت ترى -أيها الأخ المسلم- سوء الخلق يدمر العلاقات الزوجية، ومنهم من لا تذكره زوجته بخير أبدًا، وهو أو غيره لا يشعر بمودة زوجته له على الإطلاق، منهم من تذكره زوجته بعد وفاته بالخير العميم، وتشعر نحوه بشعور مكين من الروابط التي قامت بينه وبينها بهذه الأخلاق الإسلامية، وإنني أوقن أنما جاء امرأة مصعب بن عمير لما تبلغت بوفاة زوجها فلم تتمكن من أن تملك نفسها.
لقد صبرت على خبر موت الأب والأخ، ولكن موت الزوج كان وقعه عليها عظيمًا، ذلك أن مصعب الداعية المجاهد قد ضرب مثلًا عظيمًا في تضحيته وجهاده في الدعوة إلى الله، وضرب مثلًا عظيمًا في خلقه مع زوجته في بيته.
وأكثر المشكلات الزوجية اليوم عائدة إلى سوء الخلق، وأكثر حالات السعادة الزوجية منبعها حسن العشرة، والأخلاق الحسنة.
سوء الخلق مصيبة كبيرة حتى بين المصلين في المساجد، فإنك ترى في بعض التعاملات وبعض الحركات ما ينبئك أن هذه الجموع من المصلين تحتاج إلى تربية عميقة على هذه الأخلاق الفاضلة، لكي يعرف الناس التعامل مع بعضهم حتى داخل أروقة المساجد، بين الطلاب والمدرسين نماذج من سوء الأخلاق، فمن جهة بعض المدرسين تعد وظلم، ومن جهة بعض الطلاب استفزاز وتحدٍ، وقلة أدب، ووقاحة، وبين الموظف والمراجع كثير من سوء الخلق، فتجد هذا يضغط عليه أو يعطيه من الكلام السيئ ما يثير حفيظته، وتجد ذاك يسيء في الخدمة والتعامل، ويرمي المعاملات والأوراق، ويؤخر ويسوف ويظلم ويعذب هذا المراجع، وهكذا..
وكثيرًا ما تسمع في بعض الدوائر والأماكن من أنواع السباب والمشاتمات بين الموظفين والمراجعين ما ينبئك على أن هناك أزمة أخلاق في المجتمع.
بين الجار وجاره كثير من الحالات التي فيها سوء خلق، من أنواع الأذية من الأصوات العالية، أو رمي القاذورات، ونحو ذلك من الإساءات المتعمدة التي تكون بين شخصيات مختلفة من الجيران رجالًا ونساء.
بين سائقي السيارات في الشوارع تلمح هذا النمط من الأخلاق المتدنية التي تعبر عن ظلم وتعدٍ وتحدٍ، وكل منهم يريد أن يكسر أنف الآخر بطريقة سياقته لسيارته، وهكذا سوء الخلق، حتى بين بعض الطلبة المنتسبين للعلم سوء أدب، شيء من سوء الأدب مع العلماء في طريقة الخطاب والسؤال والمناقشة، وهكذا.. أو التهجم والاتهام، ونحو ذلك، وكثير ممن انفض عنهم طلبتهم أتوا من هذا الباب سوء الخلق.
إفساد أعداء الإسلام للأخلاق
وإن مخططات أعداء الإسلام تركز على سوء الخلق وإفساد الأخلاق تركيزًا كبيرًا، سواء كان هؤلاء من اليهود أو الماسونيين أو المبشرين بدين النصرانية وغيرها، هؤلاء مخططاتهم قائمة على نزع الأخلاق كما قال رئيسهم في مؤتمرهم: إن مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله.
وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية.
حث القرآن على الأخلاق الحسنة
ونحن مسلمون، لنا منهاج، ولنا كتاب، ولنا مراجع، لنا أمور نحتكم إليها، ونرجع إليها، الكتاب والسنة.
وإذا تأملت -يا أخي المسلم- كتاب الله لوجدته يذكر هذا الجانب بجلاء، الحث على الخلق الحسن، ويعدد أنماط الأخلاق الحسنة التي ينبغي على المسلم أن يتخلق بها، فأنت تجد في كتاب الله مثلًا: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ [لقمان: 18-19].
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ [الضحى: 9-10].
وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا [الإسراء: 26، 27].
وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا [الإسراء: 29].
ويقول أيضًا في خلق آخر ذميم: وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا [الإسراء: 37].
ومدح الله قومًا، فقال: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63].
هذا من حسن أخلاقهم: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ [المؤمنون: 1 - 3].
وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران: 134].
لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ [النساء: 148].
وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: 22].
فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [الشورى: 40].
جمع الله مكارم الأخلاق في آية واحدة موجهة لرسوله ﷺ: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف: 199].
قال مجاهد: يأخذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تخسيس، مثل قبول الأعذار والعفو والمساهلة، وترك الاستقصاء في البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم، والعرف هو المعروف.
وأعرض عن الجاهلين مثل قول الله: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا [الفرقان: 63].
حث الرسول -صلى الله عليه وسلم- على مكارم الأخلاق بقوله وفعله
وأما رسولنا ﷺ فقد دعا إلى مكارم الأخلاق بقوله وفعله، وكان قدوة حتى أن الله مدحه في كتابه فقال: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ [القلم: 4].
فأكد أنه محمد ﷺ قد تخلق بالأخلاق الحسنة بهذه المؤكدات في الآية: وَإِنَّكَ أكدها بـ "إن"، لـ "على" وأكدها بـ "اللام"، "خلق" هذه النكرة تفيد التفخيم، تفخيم شأنه وحاله وخلقه ﷺ، ثم وصف هذا الخلق بأنه "عظيم" أمر رابع.
وفي الصحيحين عن هشام بن حكيم: أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- عن خلق رسول الله ﷺ، فقالت: كان خلقه القرآن، فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئًا؛ لأن الجواب كان معبرًا ودقيقًا، يعني أن تصرفاته ﷺ كانت ترجمة حية لأوامر الله ونواهيه المذكورة في القرآن.
وعن سبب بعثته يقول ﷺ: إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق [رواه أحمد: 8952، وقال محققو المسند: "صحيح، وهذا إسناد قوي"].
هذه هي الشخصية العظيمة المتصفة بالخلق العظيم، وإنك لعلى خلق عظيم.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "لم يكن رسول الله ﷺ فاحشًا ولا متفحشًا، ولا صخابًا في الأسواق" لم يكن يرفع صوته في مجامع الناس "ولا يجزي بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح"[رواه أحمد: 25417، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].
وقالت: "ما ضرب رسول الله ﷺ- بيده خادما له قط، ولا امرأة، ولا ضرب رسول الله ﷺ بيده شيئاً قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله" [رواه أحمد: 25956، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
وجاء أيضًا في الحديث الصحيح: "ما سئل رسول الله ﷺ شيئًا قط، فقال: لا" [رواه البخاري: 6034، ومسلم: 2311] يعني ما سئل شيئًا من متاع الدنيا المباح، إذا كان ميسوراً أعطى، وإذا كان معسورًا ليس عنده وعد بالخير في المستقبل.
وعن أنس بن مالك قال: "خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي: أف قط، وما قال لي لشيء صنعته: لم صنعته، ولا لشيء تركته: لم تركته، وكان رسول الله ﷺ من أحسن الناس خلقًا، ولا مسست خزًا ولا حريرًا ولا شيئًا كان ألين من كف رسول الله ﷺ، ولا شممت مسكًا قط ولا عطرًا كان أطيب من عرق النبي ﷺ" حديث صحيح [رواه الترمذي: 2015، وقال: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ"].
وعن عمرو بن العاص قال: "كان رسول الله ﷺ يقبل بوجهه وحديثه على أشر القوم يتألفهم بذلك، فكان يقبل بوجهه وحديثه علي حتى ظننت أني خير القوم، فقلت: يا رسول الله أنا خير أو أبو بكر؟ قال: أبو بكر فقلت: يا رسول الله أنا خير أو عمر؟ فقال: عمر ، فقلت: يا رسول الله أنا خير أو عثمان؟ قال: عثمان ، فلما سألت رسول الله ﷺ فصدقني، فلوددت أني لم أكن سألته" حديث صحيح.
وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: "ما حجبني رسول الله ﷺ منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم"[رواه البخاري: 3035، ومسلم: 2475].
وعن أبي هريرة قال: قالوا: يا رسول الله إنك تداعبنا؟ قال: نعم، غير أني لا أقول إلا حقًا .
هذا نبيكم محمد ﷺ في أخلاقه وألفاظه وتعاملاته.
تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم-
أما في تواضعه فكان عجبًا من العجب، عن أنس بن مالك قال: "إن امرأة من الأنصار ومعها صبي جاءت إلى النبي ﷺ، فقالت له: إن لي إليك حاجة؟ فقال: اجلسي في أي طريق المدينة شئت أجلس إليك".
وفي رواية لمسلم: فخلا معها في بعض الطريق حتى فرغت من حاجتها، وليس المقصود أنه اختلى بها طبعًا الخلوة المحرمة وإنما في الطريق، ابتعد شيئًا ما عن الناس حتى لا يسمعوا كلامها، لأنها تريد أن تقول له شيئًا خاصًا.
وعن أنس : "كان النبي ﷺ يدعى إلى خبز الشعير، والإهالة السنخة، ويجيب ﷺ[رواه أبو يعلى: 4015].
والإهالة السنخة هو الدهن المتغير الرائحة من طول المكث، ليس خبيثًا ولا متعفنًا، لكن حصل له تغير في رائحته من طول مكثه، ما كان يستحقر هذه الأشياء، ولو كانت بسيطة، كان يلبي الدعوة: لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت [رواه البخاري: 2568].
جاء أعرابي يومًا يطلب من النبي ﷺ شيئًا فأعطاه ﷺ ثم قال له: أحسنت إليك؟ قال الأعرابي: لا أحسنت ولا أجملت، فغضب المسلمون وقاموا، انظروا إلى التعامل والدعوة والأسلوب، ثم قام ﷺ ودخل منزله فأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئًا، فقال له: أحسنت إليك؟ قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال النبي ﷺ: إنك قلت ما قلت آنفًا وفي نفس أصحابي من ذلك شيء، فإن أحببت فقل بين أيديهم حتى يذهب ما في صدورهم عليك، قال: نعم، فلما كان الغد جاء فقال له النبي ﷺ: إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي أكذلك يقول للأعرابي؟ أمام الناس، قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال رسول الله ﷺ: مثلي ومثل هذا كمثل رجل له ناقة شردت عليه فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا فناداهم صاحبها، فقال لهم الآن لاحظ التطابق بين المثل وهذه القصة المثل والأعرابي، فأتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا فناداهم صاحبها، فقال لهم: خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها منكم وأعلم، فتوجه لها بين يديها فأخذ من قمام الأرض فردها حتى جاءت واستناخت، وشد عليها رحلها واستوى عليها وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار . [رواه: البزار، وأبو الشيخ في (الأمثال)]
وهذا القرآن العظيم فيه دستور للأخلاق، وهذه سنة رسول الله ﷺ فيها ذكر كثير للأخلاق الحسنة، والتحذير من الأخلاق السيئة.
بعض مؤلفات علماء الإسلام في الأخلاق
وعلماؤنا قد اهتموا بهذا الموضوع اهتمامًا كبيرا، ولذلك تجدهم قد أفردوا الأخلاق بمؤلفات مثل كتاب "مكارم الأخلاق" لابن أبي الدنيا، و "مساوئ الأخلاق" للخرائطي، ولا تكاد تجد مصنفًا في الحديث إلا وتجد فيه من أبواب الأدب الأخلاق والبر والصلة، وأفرد البيهقي -رحمه الله- الآداب بكتاب مستقل وغيره.
وألف ابن عبد القوي منظومة الآداب وشرحها السفاريني في كتابه العظيم: "غذاء الألباب شرح منظومة الآداب".
وتجد كتبًا مستقلة في بيان شمائله ﷺ، ككتاب الشمائل المحمدية للترمذي، والشمائل المحمدية لابن كثير، وكتاب أخلاق النبي ﷺ لأبي الشيخ.
وخصص ابن القيم -رحمه الله- جزءًا من كتابه زاد المعاد لبيان أخلاقه ﷺ.
بعض الأحاديث الواردة في الحث على حسن الخلق
وتجد الأحاديث فيها ذكر حسن الخلق والحض عليه والحث، قال ﷺ: البر حسن الخلق [رواه مسلم: 2553].
ما هو البر؟
جماع تعريف البر: البر حسن الخلق.
وقال: اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن [رواه الترمذي: 1987، وأحمد: 21354، وقال محققو المسند: "حسن لغيره"].
وقال: أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم [ أخرجه أحمد 6652، وابن وهب في الجامع546]
وقال: إن الناس لم يعطوا شيئًا خيرًا من خلق حسن . [رواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الجامع 1977]
وقال: عليك بحسن الخلق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده ما تجمل الخلائق بمثلهما [رواه أبو يعلى: 3298].
وقال: ما عمل ابن آدم شيئًا أفضل من الصلاة، وصلاح ذات البين، وخلق حسن .[ أخرجه البخاري في التاريخ الكبير1/63، والبيهقي في شعب الإيمان11091،وابن عساكر في تاريخ دمشق 52/266 وصححه الألباني في صحيح الجامع]
وقال ﷺ: أكمل الناس إيمانًا أحسنهم خلقًا الموطئون أكنافًا [رواه الطبراني في الصغير 605 والأوسط 4422 والبيهقي في الشعب 7983 وأبو نعيم في تاريخ أصبهان ص 217 ]
الكنف هو الجانب، والمقصود أن من يصاحبهم لا يناله منهم أذى الموطئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون، يحبون ويأنسون، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف .
وقال: إن من أحبكم إلي أقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، ، وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة، الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون [رواه الترمذي وحسنه 2018، وصححه الألباني في صحيح الترمذي] المتشدقون الذين يكثرون الكلام من غير احتراز، والمتفيقهون المتكبرون.
وقال: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم [أخرجه أبو داود 4682، والترمذي 1162، وأحمد 2/ 472، وقال المنذري في الترغيب والترهيب 3/358: إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما] وقال: خيركم إسلامًا أحاسنكم أخلاقًا إذا فقهوا [أخرجه أحمد 10068، والبخاري في الأدب المفرد 285، وصححه الألباني في صحيح الجامع]
وقال: خير الناس ذو القلب المخموم، واللسان الصادق ، قيل: ما القلب المخموم؟ قال: هو التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد قيل: فمن على أثره؟ قال: الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة ، قيل: فمن على أثره؟ قال: مؤمن في خلق حسن [ رواه البيهقي في شعب الإيمان 4800، وصححه الألباني في صحيح الجامع]
والله يحب مكارم الأخلاق، ويكره الأخلاق السيئة، قال ﷺ: إن الله -تعالى- جميل يحب الجمال، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها [أخرجه الطبراني في الكبير 6/181وفي الأوسط 3/210، وابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق ص19،والحاكم 1/112، والبيهقي في الكبرى 10/191 وصححه الألباني في صحيح الجامع]
وقال: إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها [أخرجه عبدالرزاق في مصنفه 11/143، والطبراني في الكبير 6/181، والحاكم في المستدرك 1/48، وقال: هذا حديث صحيح الإسنادين جميعًا ولم يخرِّجاه، وسكت عنه الذهبي، والبيهقي في السنن الكبرى 10/191، وصححه الألباني في صحيح الجامع]
وجاءت أحاديثه ﷺ بجملة من الأخلاق الحسنة، انظر إليه واستمع لقوله وهو يقول: صل من قطعك، وأحسن إلى من أساء إليك [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]
يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا [أخرجه البخاري 69 ومسلم 1734]
وإذا غضب أحدكم فليسك [رواه الإمام أحمد المسند 1/329 وصححه الألباني في صحيح الجامع ]
وقال: من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين يزوجه منها ما شاء [أخرجه أبو داود 4777، والترمذي 2493، وابن ماجه 4186 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب]
وقال: من كان سهلًا لينًا حرمه الله على النار [أخرجه هناد في الزهد 2/596، والحاكم 435 وصححه الألباني في صحيح الجامع]
وقال: المؤمنون هينون لينون كالجمل الألف الذلول الذي يقاد بسهولة، إن قيد انقاد، وإذا أنيخ على صخرة استناخ [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة]
وقال: من كف غضبه ستر الله عورته [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 6026 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة]
وقال الرسول ﷺ مبينًا ومؤكد على أخلاق معينة يركز عليها في حديثه: إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة [رواه مسلم 25] وقال: التؤدة في كل شيء خير إلا في عمل الآخرة [رواه أبو داود 4810، وأبو يعلى2/123، والحاكم 1/132، والبيهقي 10/194 وصحَّحه الألباني في صحيح سنن أبي داود]
وقال: التؤدة والاقتصاد والسمت الحسن جزء من أربعة وعشرين جزءًا من النبوة [ أخرجه الترمذي وقال: حسن غريب 2010]
وقال: التأني من الله والعجلة من الشيطان [أخرجه أبو يعلى 4256، والبيهقي في شعب الإيمان 4058 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب]
هذا في خلق التأني يركز عليه.
في أحاديث أخرى يركز على الحياء، فيقول: إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء [رواه ابن ماجه 4181، والطبراني في الأوسط 1758وصححه الألباني في الصحيحة940] استحيوا من الله حق الحياء [رواه التِّرمذي وقال: غريب 2458 وحسَّنه الألباني في صحيح التِّرمذي 2458] يقول لواحد من الصحابة: أوصيك أن تستحي من الله تعالى كما تستحي من الرجل الصالح من قومك [رواه الإمام أحمد في الزهد 46، والبيهقي في شعب الأيمان 6 / 145 وصححه الألباني في الصحيحة 741 ]
وقال: الحياء خير كله [أخرجه مسلم37] الحياء من الإيمان [أخرجه البخاري 24 ومسلم36]
وقال: الحياء لا يأتي إلا بخير [أخرجه البخاري 6117 ومسلم 37]
ويركز على خلق ثالث وهو الرفق، فيقول: إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف [أخرجه البخاري 6927، ومسلم 2593]
وقال: عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه [أخرجه مسلم 2594 ]
وقال: عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش [أخرجه البخاري 6030]
وقال: ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم [أخرجه الطبراني 12/320 وقال الألباني في صحيح الترغيب: حسن صحيح]
وقال: من يحرم الرفق يحرم الخير [أخرجه مسلم 2592]
وهناك أخلاق مذمومة نهى عنها وحذر منها، جاء في الحديث الصحيح: "كان أبغض الخلق إليه الكذب"[رواه البيهقي وغيره عن عائشة -رضي الله عنها-].
وقال ﷺ في ذم خلق آخر: يا عائشة إن شرار الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم [أخرجه البخاري 6054 ومسلم 2591] ليس الدافع لإكرامهم إلا أن الواحد يريد أن يتقي شرهم.
أهمية الأخلاق الحسنة في العلاقات الزوجية
وهذا الخلق له أهمية في الأخلاق الاجتماعية، وفي العلاقات الزوجية، وفي تعاملات الناس، وفي كل شيء، حتى إنه ﷺ قال: ثلاثة يدعون الله -عز وجل- فلا يستجاب لهم: رجل كانت تحته امرأة سيئة الخلق فلم يطلقها [أخرجه الطبري في تفسيره 8544 والطحاوي في شرح مشكل الآثار 2530 وقال الألباني في السلسلة الصحيحة: إسناده ظاهره الصحة]قيل يعني هؤلاء الثلاثة لا يستجاب دعاؤهم في خصومهم، وليس المعنى لا يستجاب دعاؤهم على الإطلاق، وهذا الحديث لا يعني أيضًا أنه إذا كانت المفاسد في الطلاق أكثر أنه يطلق، ولكن المرأة إذا ساء خلقها جدًا فإن المصلحة في تطليقها؛ لأنها نكد.
ولذلك إبراهيم الخليل لما جاء إلى بيت ابنه ولم يكن إسماعيل موجودًا طرق الباب فخرجت زوجته فسألها عن إسماعيل فقالت: خرج، فقال: كيف عيشكم؟ قالت: نحن بشر وضيق، وذمت في عيشها و... هذا لمن؟ لرجل غريب لا تدري من هو، ذمت زوجها وحياتها معه، فعلم أنها امرأة سوء، فقال لها: أن تقول لزوجها إذا رجع أن يغير عتبة بابه، فعلم إسماعيل أن أباه يوصيه بتغيير هذه الزوجة.[أخرجه البخاري 3364]
في المقابل الزوج، من الصفات التي تشترط للموافقة عليه أن يكون حسن الخلق، ولذلك يقول في الحديث الصحيح: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه [أخرجه ابن ماجه 1967 وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه] دينه وخلقه ، فخص الخلق حتى لا يتعب زوجته بعدما يتزوجها.
ماهية الأخلاق الحسنة
أما الأخلاق، فهي سجايا في النفس، وطبائع في النفس.
هذه الأخلاق الحسنة عرفها العلماء، فقالوا: بذل الندى، وكف الأذى، واحتمال الأذية.
وقالوا: بذل الجميل وكف القبيح.
وقالوا: التخلي عن الرذائل، والتحلي بالفضائل.
أركان الأخلاق الحسنة
واعلموا أن حسن الخلق يقوم على أربعة أركان، يعني منشأ الأخلاق الحسنة الفاضلة في هذه الأمور الأربعة.
قال ابن القيم: أولًا: الصبر، ثانيًا: العفة، ثالثًا: الشجاعة، ورابعًا: العدل.
فأما الصبر: فهو حبس النفس، يحبس النفس عن الأخلاق السيئة، ويصابر صاحبه على الأخلاق الحسنة، والعفة تحمل على اجتناب الرذائل والقبائح من الأقوال والأفعال وتمنع من الفحشاء.
وأما الشجاعة فتحمل على عزة النفس وإيثار معالي الأخلاق والشيم، والبذل وكظم الغيظ، ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب [أخرجه البخاري 6114 ومسلم 2609]
وأما العدل فهو يحمل على اعتدال الأخلاق والتوسط بين طرفي الإفراط والتفريط.
وأما الأخلاق السافلة فمجتمعة في أربعة أركان: الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب.
فأما الجهل فيري صاحبه الحسن قبيحًا والقبيح حسنًا لجهله، والظلم يحمل صاحبه على وضع الشيء في غير موضعه، فيغضب في موضع الرضا ويرضى في موضع الغضب، ويجهل في موضع الأناة، ويبخل في موضع البذل، ويحجم في موضع الإقدام، ويقدم في موضع الإحجام، ويلين في موضع الشدة، ويشتد في موضع اللين، ويتواضع في موضع العزة، ويتكبر في موضع التواضع، وهكذا، وأما الشهوة فإنها تحمل على الشح والبخل والجشع والنهم والدناءات كلها.
وأما الغضب فيحمل على الحسد والحقد والعدوان وحب الاعتداء على الآخرين والكبر، وكل صنفين من هذه الأخلاق الرديئة يتكون منه أخلاق إضافية سيئة.
جماع الأخلاق السيئة
وجماع الأخلاق السيئة على أمرين: إفراط النفس في الضعف، وإفراطها في القوة، فيتولد من إفراطها في الضعف المهانة والخسة واللؤم والذل، ويتولد من إفراطها في القوة الظلم والعنف والحدة والطيش، ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر أولاد غية كثيرون، فإن النفس قد تجمع قوة وضعفًا، فيكون أصحابها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قهر، جبان عن القوي جريء على الضعيف، فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضًا كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا، ولذلك كل واحد يكتسب خلق طيب فليتوقع أنه سينتقل إلى خلق آخر.
دقة الفرق بين الخلق المحمود والمذموم
وينبغي أن نتنبه أن الأخلاق مسألة دقيقة، وأحيانًا يكون بين الخلق الذميم والمحمود شعرة واحدة، فالخلق المحمود بين طرفين ذميمين، كل خلق محمود في الغالب بين طرفين ذميمين، فالجود، الكرم، بين طرفين ذميمين ما هما؟ بين البخل والتبذير، الجود، الكرم، خلق محمود بين خلقين مذمومين وهما البخل والتبذير، فإذا أمسك بخيل، وإذا صرف بلا حساب هكذا ضيع الأموال مبذر، والوسط كريم.
والتواضع وسط بين الذل والكبر، فالإنسان إذا تواضع لدرجة أنه صار يصبر على الضيم، أو يرضى بالأشياء السيئة، ولا يعترض على أي شيء، فإنه عند ذلك لا يكون متواضعًا أبدًا، وإذا زاد وتجبر وتكبر نافى التواضع، فالتواضع بين الذل والمهانة من جهة، وبين الكبر والعلو من جهة، فهو وسط بينهما.
والحياء وسط بين الوقاحة، الجرأة من جهة وبين العجز والخور، فبعض الناس يكون جريئًا وقحًا ما عنده حياء، وبعض الناس يظن أن عنده حياء ويستكين لكل شيء فيكون عاجزًا خوارًا يظن أن هذا حياء وهو العجز والخور، وإذا تجرأ وزاد عن الحد دخل في الوقاحة، والحياء رتبة بينهما.
والأناة خلق محمود بين طرفين ذميمين، هما: الاستعجال، والطرف الثاني: التفريط والإضاعة.
بعض الناس أحيانًا يظن نفسه متأنياً لكنه في الحقيقة أنه فرط وأضاع وانتظر حتى راحت عليه الفرصة، وبعض الناس متعجل جدًا ومتسرع.
والأناة وسط بينهما، فهو لا متسرع، ولا أنه ينتظر الفرص حتى يسكت عن الفرص حتى تفوت عليه، فهو يتمهل ويتروى، ولكن يقتنص الأشياء المحمودة، فلا تفوت عليه.
والشجاعة خلق محمود بين طرفين مذمومين الجبن والتهور، ففيه ناس متهورين متسرعين إقدامهم غير محمود، وهناك أناس جبناء، والشجاعة بينهما، والسعيد من عرف كيف يسير.
والقناعة خلق بين الشح والحرص من جهة، وبين الخسة والإضاعة من جهة، بعض الناس يضيق على نفسه وعلى أهله، يظن أنه قنوع، بينما هو يعيش في خسة ويضيع أهله ومن يقوت، وبعض الناس يكون عنده حرص وشح، والقناعة وسط بينهما.
والرحمة وسط بين القسوة والضعف، وبعض الناس يكون قاسي القلب، لا يرحم الله من لا يرحم الناس [أخرجه البخاري (7376) واللفظ له، ومسلم (2319)]، وبعضهم يكون ضعيفًا ذليلًا، ومن ضعفه يظن أنها رحمة وليست برحمة، أنه لا يذبح شاة، ولا يؤدب ولدًا، ولا يقيم حدًا، وهذا رسول الله ﷺ أرحم الناس، ذبح بيده الشريفة ثلاثة وستين ناقة، وأقام الحد، قطع اليد على رجال ونساء سرقوا، ورجم بالحجارة من زنى وهو محصن، ومع ذلك رحيم، وطلاقة الوجه والبشر، بين التعبيس والتقطيب من جهة وتصعير الخد، وبين إذهاب الهيبة وزوال الوقار، فأنت إذا كان قطبت وعبست في وجه كل أحد هذا خلق مذموم، وإذا جلست كل ما شفت واحد في الشارع تضحك له هكذا في كل مكان وكل مجال، فماذا يعني ذلك؟ إذهاب هيبتك وزوال وقارك.
ولذلك الإنسان يحتاج إلى عقل حتى يتخلق بالأخلاق الحسنة، وأحيانًا يزيد الناس في شيء فيصلون إلى المذموم من جهة، أو ينقصون منه فيصلون إلى المذموم من الجهة الأخرى.
وهذه قضايا تلاحظ بالتأمل والتفكير.
هل الأخلاق موروثة أو مكتسبة؟
ونأتي الآن إلى الجزء المهم من الموضوع، أو الجزء الأهم من الناحية العملية، وإلا فإن ما فات هو تقدمة مهمة لهذا الأمر، ما هو؟ كيف نغير أخلاقنا السيئة ونستبدلها بأخلاق حسنة؟ كيف نتخلق بالأخلاق الحسنة؟
للإجابة على هذا السؤال نبدأ بمقدمة: هل الأخلاق مسألة موروثة أو مكتسبة؟ هل الأخلاق تأتي بالوراثة أم يمكن اكتسابها؟
الحقيقة أن الأخلاق موروثة ومكتسبة.
هناك أخلاق موروثة يجبل عليها الإنسان، قد يجبل على خصال حميدة، أو يجبل على خصال غير حميدة، وقد يكون الإنسان أباه حليمًا فيخرج الولد حليمًا، قد يكون الإنسان أباه كريمًا فيخرج الولد كريمًا، قد يكون الأب بخيلاً فيخرج الولد بخيلاً، يطبع على خصلة موروثة فيه في جبلته، ونلاحظ على الأطفال أشياء من هذا، تجد ولداً كلما جاء طفل يطلب منه لعبة أعطاه إياها، يعني يعطي ألعابه للأطفال، وهناك طفل كلما جاء مثيل له يأخذ لعبة ضربه وأخذها منه، ومنعه من أخذها، هذه الأشياء، الطفل هذا كيف جاءته؟ قضية موروثة، ممكن تكون موروثة، ولكن هذه الأشياء الموروثة هل هي قابلة للتغير أم أنها طابع قد ختم به على صاحبها فلا يمكن تغييرها أبدًا؟
الجواب: أن هناك مجال للتغيير في الأخلاق الموروثة، هناك مجال للتغيير، ولذلك أمرنا بالمجاهدة.
الأخلاق المكتسبة أمرها سهل، أسهل من الأخلاق الموروثة في كثير من الأحيان؛ لأنك أنت الآن تتعلم وتتعود وتكتسب.
الأخلاق الموروثة، الطبائع هذه تغييرها أصعب، والإنسان يصعب عليه أن يغالب طبيعته.
ولكننا لا نستسلم لهذه الصعوبة، لأنه هذه قضية قد تكون موروثة إذًا لا نغير، كلا كلا.
فلابد أن نغير، والله لم يكلفنا بمستحيل، وأمرنا بالمجاهدة ولا يكلف بالمستحيل.
إذن، التغيير ممكن.
بعض الأدلة على تقسيم الأخلاق إلى جبلية ومكتسبة
الأخلاق منها ما هو جبلي موروث، ومنها ما هو كسبي يمكن أخذه.
فمثال على الأدلة على أن الأخلاق منها جبلي ما ورد في الحديث الصحيح: إن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم والأناة هذان الخلقان جبل عليهما هذا الرجل، هذا رجل جاهلي أصلًا جبل على هذين الخلقين: الحلم والأناة.
وأما الدليل على أن الأخلاق ممكن تكون مكتسبة فهو حديثه ﷺ: إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم .
وفي حديث آخر: ومن يتصبر يصبره الله فدل ذلك على أن الصبر والحلم خلقان يمكن اكتسابهما إذا تعود الإنسان عليهما.
ما معنى الحلم بالتحلم؟ يعني أن تعود نفسك على الحلم وتراغم نفسك على الحلم، وتحملها على هذا الخلق، بعد فترة يصبح هذا الأمر فيك ملكة وسجية، فتكتسب هذا الخلق.
وأيضًا في دعاء الاستفتاح يقول ﷺ: اللهم اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت معنى ذلك أن الأخلاق ممكن تأتي الأشياء المحمودة يمكن يسأل الله فتأتيه، وأخلاق مذمومة يسأل الله أن يصرفها عنه فتصرف.
فإذن، هذه الأخلاق المكتسبة تنال بالتخلق والتكلف حتى تصير سجية وملكة.
وسائل تغيير الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحسنة
ما هي وسائل تغيير الأخلاق السيئة واكتساب الأخلاق الحسنة؟
إليكم خمسة عشر وسيلة من وسائل اكتساب الأخلاق الحسنة، والتخلص من الأخلاق الذميمة، وهذا مبحث مهم، وهذا هو لب الموضوع، وهذا هو الأمر الذي لا بد من السعي في فهمه وتطبيقه.
العلم والتأمل في الأخلاق الحسنة والأخلاق السيئة
أولًا: العلم والتأمل بما دل عليه القرآن والسنة من الأخلاق الحسنة، وما حذر من الأخلاق السيئة، فأول شيء المسألة العلمية أن تعلم ما هي الأخلاق الحسنة وما هي الأخلاق السيئة، وقد ذكرنا طرفًا من هذا في أول الدرس، ذكرنا أمثلة من الأخلاق الحسنة التي أمر بها القرآن والسنة، وأمثلة من الأخلاق السيئة التي نهى عنها القرآن نهى عنها الله في كتابه ونهى عنها رسول الله ﷺ.
لكن لو الإنسان تدبر، فكر معي مثلًا في هذه الآيات: إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا [المعارج: 19].
وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف: 54] وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا [النساء: 28].
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق: 6-7].
إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ [العاديات: 6] يعني جحود وكفور، فيظهر لك هنا أن الله ذكر أخلاقاً مذمومة في الإنسان، منها العجلة، منها الجدال، منها الطغيان، منها الجحد، ومنها الهلع، وفسره بقوله: إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا [المعارج: 20-21].
إذن، نحن إذا تأملنا في الأخلاق السيئة وتعلمنا الأخلاق السيئة اجتنبناها، وإذا تعلمنا الأخلاق الحسنة شرعنا في اكتسابها.
مجاهدة النفس على التخلص من الأخلاق السيئة
ثانيًا: المجاهدة، من أعظم وسائل تغيير الأخلاق السيئة إن لم تكن هي أهمها على الإطلاق، كيف يكتشف الإنسان أن عنده خلق سيئ؟ إذا حصلت حادثة تغضب، صار شيء أثاره فقال كلمة سيئة، أو أتى بتصرف خطأ يعرف أن عنده خلق غضبي سيئ أو فحش في الكلام، فماذا يفعل في المواقف التي يستثار فيها؟ ينبغي أن يكبت نفسه، ويمسك نفسه، ويصبر عن أن يتكلم بكلمة فحش، أو يأتي بتصرف غير لائق بالمسلم، إذا دعي إلى الإنفاق، النفس تقول له: أحجم، خليها لأولادك، الظروف لا تسمح الآن بالإنفاق، الآن لا بد نوفر، المجاهدة أن يحمل نفسه على الإنفاق، ويرغمها على الإنفاق، ويدفع ويعطي بسخاء، فيزول هذا الشح من نفسه ويحل محله الكرم والسخاء والجود، إذا هو أدمن هذه العادة وهي الإنفاق في سبيل الله ومقاومة النفس، فالمجاهدة ومقاومة النفس هي الأساس، والله وعد خيرًا فقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69].
وكثير من الشباب والناس عمومًا يحاولون ويجاهدون أنفسهم، فواحد يقول لك: أنا إنسان سريع الانفعال، شديد الغضب، وأحاول في نفسي، وأجاهد نفسي، لكنني أفشل أحيانًا، فهذا الفشل شيء مفهوم لأن هذه الجبلة التي عندك في هذا الخلق لا يمكن أن تغيرها بين عشية وضحاها، فهي ستنجح أحيانًا وستفشل أحيانًا، هذا أمر مفهوم واضح، ولذلك فإن اليأس من الفشل في بعض الأحيان لعملية المجاهدة شيء مذموم يحتاج إلى تغيير، ولابد أن يكون الأمل في نفوسنا ونحن نحاول أن نغير أخلاقنا.
الأخذ بالأسباب الشرعية في التخلص من الأخلاق السيئة
ثالثًا: الأخذ بالأسباب الشرعية لإزالة الأخلاق السيئة، وللحمل على الأخلاق الحسنة، مثال: الرسول ﷺ أمرنا بأشياء عند الغضب الغضب شيء مذموم.
ماذا تفعل؟ فيه إرشادات شرعية، فيه أوامر شرعية، أسباب شرعية:
أولًا: أن يسكت، قال: إذا غضب أحدكم فليسكت [أخرجه أحمد 2556 وصححه الألباني في صحيح الجامع] إذًا إذا غضبت إجراء تتخذه وتسكت.
ثانيًا: يتعوذ بالله من الشيطان، كما ورد في حديث المستبين. [أخرجه البخاري 6048 ومسلم2610]
ثالثًا: قال: وإذا كان قائمًا فليقعد [أخرجه أبو داود 4782وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود]
رابعًا: قال أمرنا أن نتوضأ. [أخرجه أبو داود 4784 وأحمد 18014 وقال ابن باز في حاشية بلوغ المرام: إسناده حسن]
فصار عندك أربعة إجراءات شرعية عند الغضب، ما هي؟
أولًا: السكوت.
ثانياً: الاستعاذة بالله من الشيطان.
ثالثاً: تغيير الحالة، فإن كنت قائمًا فلتقعد، وإذا كنت قاعدًا فلتقم؟ لا طبعًا، لأن القيام هذا يشجع على الاعتداء الآن وعلى البطش، وإنما تغير من الحالة إلى الحالة التي هي أدنى منها.
رابعًا: يتوضأ؛ لأن الغضب من حدة حرارة شيطانية فيكسره بالوضوء.
إذا غضبت اعمل الأشياء الأربعة، وشرط وعهد أنك تخلص من الغضب في ذلك الموقف أبدًا، ولذلك من رحمة الله الشريعة جاءت رحمة للعباد ومصلحتنا، والله مصلحتنا في اتباع الشريعة، فإذا غضبت اسكت، انزل، اقعد، اهدأ، توضأ، واستعذ بالله من الشيطان.
هذه إجراءات نبوية وإرشادات ينبغي الأخذ بها.
التدرج في التخلص من الأخلاق السيئة
رابعًا: من وسائل تغيير الأخلاق واستبدالها بأخلاق حسنة: التدرج، بعض الناس يختلفون في مدى استعدادهم للتغيير، الناس عندهم استعداد للتغيير، أسوأ واحد ممكن يتغير، لكن أين لب الموضوع؟ نسبة التغير، فلان ممكن يتغير بسرعة، وفلان يمكن يتغير ببطء، وهذا أمر ملاحظ في التربية، فيه ناس يرتقون بسرعة، وفيه ناس يرتقون ببطء شديد، والإنسان حتى لا يصاب باليأس لا يقال له: أنت اليوم عندك هذه الصفة، أنت جبان، غدًا نريدك شجاعًا، وإلا فأنت فاشل في تربية نفسك، خطأ، هذه سجايا، إذا أنت تريد أن تغير بين عشية وضحاها فأنت تصادم طبيعة النفس، أنت تصادم قضاء الله في الناس، والله من حكمته في خلقه أنه جعل تغيرهم في قضية الأخلاق ليس سريعًا، فإذا أردت التغيير أن يتم بين عشية وضحاها فأنت تصادم هذه الأمور الطبيعية وستفشل، لكن هذا لا يعني أنه إذا كان عندك استعداد للتغيير سريعًا ألا تتغير بسرعة، لكن التدرج في هذه الأمور يختلف الناس فيه سرعة وبطئًا، قال الشاعر:
ومكلف الأشياء فوق طباعها | متطلب في الماء جذوة نار |
هل تجد في الماء شعلة نار؟
ما تجد، فعكس طبائع الأشياء لا يمكن، ولذلك نقول: هذه الفقرة ترك المثاليات، لأن بعض الناس الذين يريدون تغيير الأخلاق السيئة قد يكون عنده مثالية في النظرة فيفشلون، ولذلك نحن نطمح للشيء المثالي، لكن لو ما وصلنا إليه بسرعة لا نيأس.
إشغال النفس بالعبادة
خامسًا: عدم إشغال النفس بتتبع الأخلاق السيئة فقط، بعض الناس يقول: أنا الآن سأفتش عيوبي، عندي بخل وغضب، فحش في القول، جبن، استعجال وتهور، إلى آخره، فهو الآن يريد أن يجتث هذه الأشياء واحدة واحدة، فيشغل نفسه بتتبع الأخلاق السيئة فقط دون أي شيء آخر، وينسى قضية العبادات التي تزكي النفس، فالعبادات لها أثر، لذلك الله عز وجل قال: إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [المعارج: 19-25].
فإذن، الصلاة، والصدقة، وحفظ الفرج، والوفاء بالعهد، وأداء الأمانة، هذه أشياء تعين على التخلص من الأخلاق السيئة.
فبعض الناس أحيانًا ينشغل بالأخلاق السيئة فقط، وينسى أن يشتغل بعبادات وأشياء تعينه على التخلص من الأخلاق السيئة.
مثال هذا نوضحه بمثال ذكره ابن القيم -رحمه الله- وذكر مناقشة مع شيخه ابن تيمية لطيفة، ذكرها في "مدارج السالكين" ضمن النقاش ذكر مثال الشخص الذي ينشغل بالأشياء السيئة فقط، ويغفل عن الأشياء الأخرى وأن يسير إلى الله، يقول: مثله مثل إنسان مسافر في طريق سفر، في أرض فيها حيات وعقارب، فإذا قال: أنا أريد أن أبحث عن كل حية وعقرب وأقتلها حتى لا تنهشني، فإذا انشغل في تتبع الحيات والعقارب فقط، هل سيصل؟ قد لا يصل، وقد يغلب من حية أو عقرب تنهشه فيهلك، لكن ماذا يكون الوضع الصحيح؟ قال: يمشي ويتحاشى الشر، فإن عرض له شيء فليقتله ويواصل المسيرة، يمشي ويتحاشى الشر، فإن عرض له شيء فليقتله، إذا الشيء تصدى لك صار أمامك لا يمكن تمشي اقتله وأكمل المسيرة، فإذًا الاشتغال بالتنبيش في العيوب والأخلاق السيئة فقط، هذا ممكن يستهلك من الإنسان وقتاً طويلاً جدًا، فيذهل عن الدعوة وطلب العلم والعبادة والتربية الإيمانية، وأشياء أخرى تكون مساعدة جدًا في التخلص من الأخلاق السيئة، ولذلك ممكن الواحد يتربى تربية إسلامية بالعبادة فيكتشف أن خلقًا سيئًا قد زال منه دون أن ينشغل أصلًا بتتبع أصل الخلق السيئ، ومحوه وإزالته، لكن لو طلع الخلق السيئ فينبغي عليك أن تجاهد نفسك في تلك اللحظة، والحالة للتخلص منه.
وهذه مسألة دقيقة تحتاج إلى شيء من التأمل والتفكير، ولذلك نحن مطالبون بتزكية النفوس، ليس باجتثاث الأخلاق السيئة، والبحث عنها فقط، وإنما بالعبادات والتعلم، والأشياء الأخرى، وهذا معنى قول الله في وظيفة الرسول ﷺ: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الجمعة: 2].
هب أن داعي الجهاد قد قام ورفعت راية لا إله إلا الله حقًا حقًا، وقام المسلمون يجاهدون، ثق بأن الجهاد إذا حصل سيقضي على كثير من الأخلاق السيئة في نفوسنا، وإن لم نتعنى نحن التنبيش عنها أصلًا والانشغال باجتثاثها من جذورها، ممكن تروح رحلة حج وترجع تغيرت فيك أخلاق سيئة، خلق أو خلقين سيئة خفت أو زالت من رحلة حج، لأن الواحد لما يرى المناسك والناس والزحام، فإنه يصبر على أشياء كثيرة، وقد يزول منه أخلاق سيئة، فتكون رحلة الحج رحلة تربوية، قد استفاد منها إزالة هذه الأخلاق السيئة من نفسه، لكن هذا لا يعني أن الإنسان مثلًا لا يبحث عن أشياء عن آفاته مطلقًا، لا، هذا غلط، ولكن المقصود أن لا ينشغل بذلك عن بقية الوسائل التي تزكي نفسه.
محاسبة النفس على الأخلاق السيئة والتخلص منها
سادسًا: المحاسبة، المحاسبة أمر مهم، والنفس اللوامة التي تلوم نفسها على ما يحصل منها من الأشياء، هذا أمر مهم في التخلص من الأخلاق السيئة، واكتساب الأخلاق الحسنة.
ولابد أن يحاسب الإنسان نفسه أشد من محاسبة الشريك لشريكه كما قال بعض السلف.
والمحاسبة ليست مسألة جداول وأرقام كما يفعله بعض المبتدعة في محاسبة النفس، يأخذون جداول، وهل فعلت كذا؟ هل فعلت؟ ويعطي أرقاماً، ويجمع الأرقام، وإذا حصلت على كذا عدد فأنت بخير، وإذا تحت كذا فأنت.. هذه ليست طريقة السلف في المحاسبة، وليس هو التطبيق الصحيح لقول الله: وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [الحشر: 18].
التعود على محاسبة النفس على المواقف والأخطاء، إذا وقعت في خطأ تعزم على التصحيح في المستقبل وتستفيد من هذا الخطأ للمستقبل، ولنأخذ لكم مثالًا واقعيًا أو مثالًا جيدًا: ابن حزم -رحمه الله- له كتاب جيد، كتاب مختصر ولكن فيه فوائد كثيرة اسمه "الأخلاق والسير في مداواة النفوس" يعني ليس شيئًا كاملًا يمكن يوجد فيه ثغرات، لكنه كتاب مفيد وفيه تأملات عميقة، كتاب الأخلاق والسير.
الآن نأخذ مثالاً: كيف تكون محاسبة النفس في إزالة خلق سيئ؟
العجب خلق سيئ، كيف تناقش نفسك مناقشة تخلصك من العجب؟ كيف تحاسب نفسك محاسبة تخلصك من العجب؟ اسمع معي ماذا يقول؟
يقول: من امتحن بالعجب فليفكر في عيوبه، فإن أعجب بفضائله فليفتش ما فيه من الأخلاق الدنيئة، فإن خفيت عليه عيوبه جملة، ما وجد عيباً حتى يظن أنه لا عيب فيه، فليعلم أن مصيبته إلى الأبد، وأنه أتم الناس نقصًا وأعظمهم عيوبًا وأضعفهم تمييزًا، وضعيف العقل، لأن العاقل هو من ميز عيوب نفسه فغالبها وسعى في قمعها، والأحمق هو الذي يجهل عيوب نفسه، قال: واعلم يقينًا أنه لا يسلم إنسي من نقص حاشا الأنبياء، فمن خفيت عليه عيوب نفسه فقد سقط، ما يمكن يوجد واحد فنيا الآن نحن المجتمعين هنا لا عيب فيه.
مستحيل، وما أدري لسماع عيوب الناس خصلة، يعني: لو أنت فكرت استماع عيوب الناس ما فائدته؟ ما يمكن تجد إلا فائدة واحدة، وهي الاتعاظ بما يسمع المرء منها فيجتنبها ويسعى في إزالة ما فيه منها بحول الله تعالى وقوته، ثم يقول للمعجب: ارجع إلى نفسك، فإذا ميزت عيوبها فقد داويت عجبك، لأنك إذا تفطنت في العيوب وظهرت لك أمامك في لائحة العيوب، فكيف ستعجب بنفسك وقد ظهرت أمام عينيك لائحة عيوبك، ولا تمثل بين نفسك وبين من هو أكثر عيوبًا منك، هذه مسألة مهمة، يعني لا تقل في نفسك: إيه فيه ناس أسوأ مني وأتعس مني وأكثر عيوبًا مني، لا، يقول: إذا فعلت ذلك ستستسهل الرذائل، وتكون مقلدًا لأهل الشر، ثم يقول: فإن أعجبت بعقلك ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك، لو واحد أعجب بعقله كم فكرة سيئة خطرت في باله؟ فكر كم مرة تأمل؟ كم مرة فكرت أنت أن تفعل فاحشة،؟ كم مرة خطر في بالك خاطر سوء؟ كثير، ففكر في كل فكرة سوء تحل بخاطرك وفي أضاليل الأماني الطائفة بك فإنك تعلم نقص عقلك حينئذ، وإلا لو كان عقلك كاملاً ما جاءت فيه هذه الخواطر السيئة، وإن أعجبت بآرائك فتفكر في سقطاتك واحفظها ولا تنسها، كل واحد له سقطات وأخطاء شنيعة في بعض الأحيان، يقول: لا تنس الأخطاء، حسبت حسابات وطلعت حساباتك غلط، ما مررت بحالات أصاب غيرك فكر في هذه الحالات فيزول إعجابك ... فإنك إن فعلت ذلك فأقل أحوالك أن يوازن سقوط رأيك بصوابه فتخرج لا لك ولا عليك، والأغلب أن خطأك أكثر من صوابك، وهكذا كل أحد من الناس بعد النبيين صلوات الله عليهم، وإن أعجبت بعملك إذا صار الإعجاب من جهة العمل، فتفكر في معاصيك، افرض أنك مثلًا شاهدت إنساناً ملهوفاً محتاجاً يستغيث فأعنته، وقدمت له خدمة عظيمة جدًا وقام على رجليه، فقد يدخل في نفسك عجب بالعمل، تقول: أنا اليوم لو مت أنا من أهل الجنة، قد يأتي في بالك عجب بالعمل، فماذا تفعل؟ يقول: تفكر في معاصيك وفي تقصيرك، وفي معاشك ووجوهه، فوالله لتجدن من ذلك ما يغلب على خيرك، ويغطي على حسناتك، فليطل همك حينئذ، وأبدل من العجب تنقصًا لنفسك، وإن أعجبت بعلمك، افرض أن واحداً صار يقرأ ويحفظ وطالب علم ويفهم ويستنبط أشياء ويستنتج ويفهم معنى كلام العلماء ، فاعلم أنه لا خصلة لك فيه، كيف تزيل العجب؟
أن تعتقد أنه موهبة من الله وهبك إياها ربك، فلا تقابلها بما يسخطه، فلعله ينسيك ذلك بعلة يمتحنك بها، تولد عليك نسيان ما علمت وحفظت، ولقد أخبرني عبد الملك بن طريف وهو من أهل العلم والذكاء، واعتدال الأحوال وصحة البحث، أنه كان ذا حظ من الحفظ عظيم، لا يكاد يمر على سمعه شيء يحتاج إلى استعادته، خلاص مرة واحدة ويحفظ، وإنه ركب البحر فمر به فيه هول شديد في البحر شديد جدًا جدًا، أنساه أكثر ما كان يحفظ، وأخل بقوة حفظه إخلالًا شديدًا، يقول ابن حزم: وأنا أصابتني علة فأفقت منها وقد ذهب ما كنت أحفظ إلا ما لا قدر له، فما عاودته إلا بعد أعوام، يعني ما استرجعت المحفوظات هذه بعد ها الهم هذا والكربة أو العلة هذه إلا بعد أعوام، والذي يعجب بعلمه أيضًا لإذهاب العجب من نفسه من الوسائل، ثم تفكر في أن ما خفي عليك وجهلته من أنواع العلوم أكثر بكثير مما تعلم، فالذي أعجبت بنفاذك فيه أكثر مما تعلم منه، فاجعل مكان العجب استنقاصًا لنفسك واستقصارًا لها فهو أولى.
وسيلة أخرى: تفكر فيمن كان أعلم منك، تجدهم كثيرًا، فلتهن نفسك عندئذ وتفكر في إخلالك بعلمك وأنك لا تعمل شيئاً آخر، كم عملت من العلم اللي عندك لو صار عندك عجب، فكر كم في المائة من العلم الذي تعلمته نفذته وطبقته، فيسقط عجبك بالكلية، وإن أعجبت بشجاعتك فتفكر فيمن هو أشجع منك، ثم انظر في تلك النجدة التي منحك الله إياها فيم صرفتها؟ فإن كنت صرفتها في معصية فأنت أحمق، لأنك بذلت نفسك فيما ليس ثمنًا لها، وإن كنت صرفتها في طاعة فقد أفسدته بالعجب، فصرت الآن بين النارين.
ثم تأمل هذه الشجاعة كيف ستزول عنك إذا بلغت من الكبر عتيًا، وصرت من عداد العيال والصبيان في الضعف، وإن أعجبت بجاهك ومنصبك ومكانتك في الشركة والمؤسسة مثلًا فتأمل في مخالفيك وأندادك ونظرائك من الناس الذين لهم وجاهات، وتأمل في خستهم وما وصلتهم إليه وجاهاتهم من معصية الله ؟ ولذلك ابن السماك -رحمه الله- لما جلس يعظ الرشيد مرة دعا بحضرته بقدح فيه ماء ليشربه الرشيد فقال له: يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة صرت في مكان عطشان فيه ولا ماء، بكم كنت ترضى أن تبتاعها؟ كم تعطي من ملكك لتبتاع الشربة؟ فقال الرشيد: بملكي كله يعني أموت لو ما شربت، قال: يا أمير المؤمنين فلو منعت خروجها منك، يعني صار معك مثلًا حصر بول، بكم كنت ترضى أن تفتدي من ذلك؟ قال: بملكي كله، قال: يا أمير المؤمنين أتغتبط بملك لا يساوي بولة ولا شربة ماء، فعلمه التواضع وعدم العجب بالخلافة والملك، وإذا فكر الإنسان في نفسه وطبائعه وتولد الأخلاق، فإنه سيقف على يقين بأن الفضائل هي ما منحه الله للإنسان، وأنه لولا الله لعجز وهلك، ويسأل الله ألا يكله إلى نفسه طرفة عين، يقول: قد تتغير الأخلاق الحميدة بالمرض والفقر والخوف والغضب والهرم، أنت الآن ما تلاحظ أن كبار السن يصير عندهم نوع من الغضب أكثر، حدة أكثر، يعني يثور لأتفه الأسباب؟
تأمل إذن، نعمة عليك، يقول: لقد أصابتني علة شديدة ولدت علي ربوًا في الطحال شديدًا، فولد ذلك علي من الضجر وضيق الخلق وقلة الصبر والنزق أمرًا حاسبت نفسي فيه إذ أنكرت تبدل خلقي واشتد عجبي من مفارقتي لطبعي وصح عندي أن هذا المرض يولد من هذه المفاسد أشياء كثيرة.
فإذن، الإنسان بالتأمل والمحاسبة ومناقشة النفس يمكن أن يزيل أخلاقًا سيئة من نفسه.
سابعًا : من وسائل تغيير الأخلاق التحويل والتوجيه، مثلًا افرض أن واحداً عنده غضب، أو عنده حدة، طمع، فخر، علو، خيلاء، كيف يحول الأخلاق هذه ويوجهها لكي يستثمرها في الأشياء الطيبة؟ بعض الناس من مشاكلهم أو من المشكلات التي يواجهونها في تغيير الأخلاق السيئة أنه يريد أن يجتث الخلق بالكلية فيبغى يصير عنده ما في خيلاء أبدًا، ما في حدة مطلقًا، وقد يعجز ويكون حاله مثل حال أهل البلدة، أهل البلدة تفجر النهر وسال وصار منحدرًا منصبًا إليهم، وهم يعلمون أنه سيغرق زروعهم وثمارهم ومبانيهم بنيانهم وعمرانهم، طائفة قالت ماذا نفعل؟ نبني سدوداً ونجعل هذا السد يوقف الماء المتدفق، لكن هؤلاء الناس ما حسبوا بأنه يمكن أن يكون الماء قويًا جدًا فيهدم السد، وناس أخرون قالوا : أحسن شيء نذهب إلى منبع النهر فنسده ولا نجعل فيه مجالاً لأن يخرج منه الماء وينبع، ولا خلاص إلا بقطعه من ينبوعه، لما ذهبوا ليسدوا ينبوع النهر تعذر عليهم وأبت الطبيعة النهرية إلا الجريان، فكلما سدوه من موضع نبع من موضع آخر، فأشغلهم هذا، منع النهر هذا من النبع، أشغلهم عن الزروع والثمار والعمران التي هم كانوا فيها، فرقة ثالثة رأت ما حل بالأولى من الدمار وبالثانية من ضياع الأعمال فأخذوا في حفر مجاري للنهر في أماكن يتوجه إليها مفيدة، أرض قابلة للزراعة، صاروا يحفرون لهذا النهر مجاري وسواقي وفروعاً، فصار النهر بدل من أن يذهب إلى قريتهم ليدمرها صار يذهب بهذه المجاري إلى أراضٍ زراعية قابلة للزراعة فنبت فيها أشياء كثيرة فانتفعوا ونجوا من المهالك، ما علاقة هذا بموضوعنا؟ علاقته أن بعض الناس أحيانًا يقولون: لابد نجتث الخلق هذا اجتثاثاً، ثم لا يمكنهم ذلك ويفشلون، وقد ينشغلون بأشياء عن القضايا الأخرى من الطاعات، لكن ما رأيكم لو أننا حولنا الحدة مثلًا يعني قطع الشيء بالكلية قضية جبل عليها الإنسان قطعها بالكلية؟ قد يكون مستحيلًا ولا تنقاد له طبيعة النفس، فما هو الحال؟ ما هو الحل؟ يجعل الحدة إذا انتهكت محارم الله، لاحظ معي هذا التحويل، هذا التحويل مهم جدًا، يجعل الحدة إذا انتهكت محارم الله، ويجعل الطمع في الخيرات والمسابقة فيها وتحصيل الثواب، فبدل ما كان طمعه في الدنيا صار طمعه في الآخرة، فالطمع لا زال موجوداً لا يمكن اجتثاثه من النفس، لكن حولناه بدلًا من أن يذهب إلى طمع الدنيا والمهلك صار طمعاً في الأعمال الصالحة، الفخر قد يصعب اجتثاثه من النفس بالكلية، لكن بدلًا أن يكون فخرًا بالجاهلية وفخرًا بالآباء والأجداد وفخرًا بالقبيلة، فليكن فخرًا بالإسلام، أبي الإسلام لا أب لي سواه*** إذا افتخروا بقيس أو تميم، فالفخر ما زال موجوداً في نفسك، لكن حولته إلى فخر بشيء طيب وهو الفخر بالإسلام، ولابد نفخر، وعندنا فخر بأنفسنا لكن بالإسلام، القهر الإنسان أحيانًا يحب أن يرغم أنوف الناس، يحب أن يقهر، يحب أن يكون له العلو والغلبة، فلماذا لا يحول القهر هذا إلى قهر الأعداء وقهر المنافقين وقهر العلمانيين وقهر أعداء الله والرد على اليهود والنصارى والرد على أهل الشبهات فيقهرهم بالحجة فيكون القهر في نفسه ما يمكن اجتثاثه من نفسه، لكن يحوله الآن إلى قهر لأعداء الله، فيصرفه إلى مجرى نافع ومفيد؟ الخيلاء ممكن يكون عندك خيلاء؟ نعم ممكن حول الخيلاء إلى الأشياء الطيبة، مثلًا الخيلاء على أهل الباطل مثل الاختيال في الحرب، الرسول ﷺ أذن بلبس الحرير ومشية الخيلاء في الحرب أذن بها، وقال: هذه مشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن [أخرجه :البخاري في التاريخ الكبير 3 / 154 والطّبراني في الكبير 6508 وأبو نعيم في معرفة الصّحابة 3657 وقال الهيثمي في المجمع 6 / 157: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه.]
وصار الصحابي يخرج يتبختر، لاحظ يتبختر ويتمايل ويلبس الحرير أمام صفوف الأعداء، فإذًا حولنا الخيلاء من شيء سيئ على عباد الله المستضعفين إلى الخيلاء على الأعداء وفي الحرب، فإذًا فيه خيلاء وهكذا، ومن تأمل هذا الباب وجد أن فيه مواءمة وملاءمة لطبيعة النفس واستفادة وتحصيل أرباح وعدم انشغال بأمور هي أقل جدوى، وهذه مسألة مهمة في التربية لا يدركها ولا يتفطن لها إلا من وصل فعلًا إلى قناعة بالطرق السليمة في توجيه الأخلاق وتهذيبها.
عدم الانشغال بالصغائر والترهات
ثامنًا: التصعيد، تحويل تطلعات الشخص من الأشياء الدنيئة إلى الأشياء العالية، ومن الأشياء الصغيرة التافهة إلى كبار الأمور، فمثلًا يقول الله : وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [طـه: 131].
لا تشغل نفسك بالصغائر والترهات وجمع الأموال، والركض وراء الدنيا، ترى هذه أشياء زهرة تبلى، تعرف أنت الزهرة بسرعة تموت وتذبل، هذه فتنة لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طـه: 131] نقله من صعد في نفسه الاهتمام من الأشياء الدنيئة، زهرة الحياة الدنيا، ما متعنا أزواجًا منهم، ورزق ربك خير وأبقى.
ولذلك التربية من الأشياء التي فعلها ﷺ في نفوس أصحابه الدالة على عظم تربيته لهم أنهم كانوا ناساً هممهم تافهة مشغولين في الجاهلية بأي شيء؟ الخمر، النساء، الحروب، دفن البنات، النوادي المنتديات، الكلام الفارغ التافه، ما عندهم هدف، صاروا بعد الإسلام قادة للعالم وفاتحين، قدوات علماء حكماء، يعني الرسول ﷺ نقل الصحابة من اهتمامات دنيئة في الجاهلية إلى معالي الأمور والتطلع نحو قيادة العالم.
وإذا كانت النفوس كبارًا | تعبت في مرادها الأجسام |
أنت إذا كان عندك طموحات وأهداف عليا تسعى لها حسب طموحاتك، بعض الناس يقول: أنا أريد أن أكون مدير الشركة هذه طموحاتي، أنا أريد أن أكون دكتوراً إلى آخره، فتنصرف أعماله في هذا الشيء، لكن إذا وضعوها في طلب العلم، في الجهاد، في الدعوة، اهتدى على يديه خلق، وحفظ آيات وأحاديث بمعانيها وتعلم أحكام وجاهد في الله فأبلى بلاء حسنًا، فيكون قد صعدت في نفسه الاهتمامات والأشياء الدنيئة إلى مستوى عالٍ في الاهتمام بالأمور العظيمة، وهذا الأمر فيه وسائل مثل التشويق، التحديد التحسين، التزيين، والممارسة، انظر مثلًا في قول الله لما حدثت حادثة الإفك، وتكلم في عائشة من تكلم، وكان ممن تكلم غلام لأبي بكر اسمه مسطح بن أثاثة تكلم في عائشة، أبو بكر بعد ما نزل براءة عائشة غضب وقطع النفقة عن مسطح عقابًا له، فنزل قول الله : وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ [النور: 22] فأبو بكر الصديق لما شاف المسألة: ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟ قال: بلى يا رب أنا أحب أن تغفر لي.
انتقلت القضية في نفسه من الانتقام من الشخص إلى شيء أعلى، وهو الحلم والعفو عمن ظلمك، والإحسان إلى من أساء إليك، وهكذا.. ارتفعت المسألة بهذا الأسلوب وهو ألا تحبون أن يغفر الله لكم؟
إبدال الأخلاق السيئة بالحسنة
تاسعًا: الإبدال، انظر إلى كل خلق ذميم وضع بدلًا منه عكسه مثل ما ذكرنا نحن في الشجاعة والتهور، ومثل ما ذكرنا في التسرع والتأني ومثل ما ذكرنا في البخل والكرم ومثل ما ذكرنا إلى آخره، أبدل كل خلق ذميم حاول أن تأخذ عكسه فأبدل الجبن وليصبح مكانه شجاعة والكرم بدل البخل والتواضع بدل الكبر والحياء بدل الجرأة غير المحمودة، وهكذا..
عاشرًا: قراءة سير الصالحين في أخلاقهم، أخلاق الأنبياء، الصحابة، الصالحين، العلماء، لأن هؤلاء قدوة حسنة، وهذا جانب القدوة، فأنت إذا قرأت في أخلاقهم، الآن كل عالم من العلماء إذا نظرت إلى ترجمته تجد مثلًا نسبه، ولادته، نشأته، طلبه للعلم، رحلاته، لابد تجد جانباً اسمه أخلاقه، كل ما جئت إلى واحد من العظماء تجد جانباً من حياته مسطرة أخلاقه، هذه أخلاقه اقرأها، اقرأها فإنها تحملك على التشبه بهؤلاء الكرام، إن التشبه بالكرام فلاح.
ملازمة أصحاب الأخلاق الحسنة
الحادي عشر: ملازمة أصحاب الأخلاق الحسنة من الأحياء والاحتكاك بهم تستفيد.
تخيلوا -يا جماعة- لو وضعنا جبانًا في وسط قوم شجعان ماذا يحدث له؟ لو وضعنا بخيلًا في وسط قوم كرماء ماذا يحدث له؟ يتغير ويتأثر من الوسط وهذا يؤكد لنا أهمية التربية الجماعية، وأن الناس الذين يريدون أن يتربوا داخل بيوتهم دون اختلاط بالطيبين لن يستفيدوا كثيرًا.
التفكير في دوافع الابتعاد عن الخلق السيء
الثاني عشر: تكفير الدوافع لهذا التخلق بالخلق الحسن، والابتعاد عن الخلق السيء، كلما كثرت دوافعك لشيء كلما تحمست له أكثر، فمثلًا بعض الناس يعمل عمل فيه شفقة من باب الرحمة، يعني صار عنده رحمة بالأمر، تفاعل مع الحدث، بعض الناس يعمله من باب الإنسانية في التعامل، بعض الناس يعمل التصرف الطيب، هذا من باب العادة؛ لأنه متعود على هذا الشيء، بعضهم يعمله تقليدًا للآخرين، وبعضهم يعمله ابتغاء الأجر، وابتغاء الجنة، ولتكفير السيئات، ولتعليم الآخرين، يكون قدوة: وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان: 74]، ولتربية نفسه.
إذن، كلما كثرت دوافعك للتخلص من الخلق السيء صار حماسك لهذا أكثر، فكثر الدوافع وتفطن وأنت تعمل كل عمل، حاول التغيير، ما هي دوافعك لهذا؟ لتنال الأجر، ورضا الله والجنة، وتكون قدوة للآخرين، وتربي نفسك على هذا الأمر، وهكذا..
الثالث عشر: التأمل في الحوافز الأخروية، في مصير أصحاب الأخلاق الحسنة، ومصير أصحاب الأخلاق السيئة، بمعنى آخر الترغيب والترهيب، فلما الإنسان مثلًا يقرأ حديثه ﷺ: أثقل شيء في الميزان الخلق الحسن [أخرجه أحمد 27595 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة] إن الله يبغض الفاحش المتفحش البذيء [أخرجه البخاري في الأدب المفرد 464 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة] إن أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا وإن حسن الخلق ليبلغ درجة الصوم والصلاة [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة] إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجة القائم الصائم [أخرجه أبو داود 4798 وأحمد 25013 وصححه الألباني في صحيح الجامع] وفي رواية: القائم بالليل الظامئ بالهواجر [حسنه الألباني في صحيح الجامع] ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة [أخرجه أبو داود 4799 والترمذي 2003 وصححه الألباني في صحيح الجامع]
ماذا تشعر إذا أنت قرأت أحاديث الترغيب هذه؟
بحافز ودافع إلى هذا العمل، فيكون هذا من المعين لك على التخلص من الأخلاق السيئة، مثلًا خذ هذا: أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا -تحت- وبيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه، وبيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه [أخرجه أبو داود 4800 والطبراني 8/117) والبيهقي 21708 وحسنه الألباني في صحيح الترغيب] مثلًا حديث: من كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظًا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضًا يوم القيامة [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 6026 وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة] هذا في الآخرة.
وفي الدنيا من الترغيبات، يقول ﷺ: صلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمرن الديار ويزدن في الأعمار [أخرجه أحمد 25259 وابن حبان في المجروحين 2/243 وصححه الألباني في صحيح الجامع]
فإذن، من باب التكثير والتوسعة عليك في الدنيا أن تحسن الخلق وإذا أردت وسيلة أو من أسباب زيادة العمر فحسن خلقك؛ لأن حسن الخلق من أسباب زيادة العمر.
في المقابل أحاديث الترهيب: البذاء من الجفاء والجفاء في النار [أخرجه ابن ماجه 4184 وأحمد 10519وابن حبان 5704 وحسنه الألباني] البذاء فحش القول والجفاء الغلظة وسوء الخلق، البذاء من الجفاء والجفاء في النار، قالﷺ: وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 6026 وحسنه الألباني في صحيح الجامع]
الدعاء
الرابع عشر: اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق، والأعمال والأهواء والأدواء [أخرجه الترمذي 3591 وابن حبان 960 والطبراني 19/19 وصححه الألباني في صحيح الترمذي] واهدني لصالح الأعمال ... [أخرجه الطبراني 8/236 وابن السني في عمل اليوم والليلة 116 وحسنه الألباني في صحيح الجامع]
جهود المربين في تنمية الأخلاق الحسنة والتخلص من الأخلاق السيئة
الخامس عشر وهي الختام في هذا: جهود المربين.
الماضي هذا كان تربية فردية، هذه الأشياء التي أنت تفعلها لنفسك، هذه تربيتك الفردية.
من وسائل تحسين الأخلاق: التربية الجماعية، جهود المربين الموجهة إلى الشخص.
لا شك أن تغيير الخلق يعتمد على مجهود الشخص الفردي أصلًا، ولكن هناك أيضًا عوامل أخرى خارجية وهي جهود المربين نحو هذا الشخص، فالمربي عليه أن يعطي كل إنسان نفسيته ما يلائمها فتهدأ، انظر مثلًا إلى هذا الجانب التربوي المربي ﷺ ماذا فعل لكي يهدئ النفوس، ويراعي الجوانب، في البخاري عن عمرو بن تغلب أن رسول الله ﷺ أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالًا وترك رجالًا، فبلغه أن الذين ترك عتبوا، الذين ما أعطاهم عتبوا، فحمد الله ثم أثنى عليه، ثم قال: أما بعد: فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي، ولكني أعطي أقوامًا لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقوامًا إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير منهم عمرو بن تغلب ... المربي يقول كلامًا، هذا الكلام له أثر، قال عمرو بن تغلب: "فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله ﷺ حمر النعم".
فأعطى الجزعين مالًا أصلح به نفوسهم، وأعطى عمرو بن تغلب ثناء كان أحب إليه من عطاء المال الكثير.
نفس الموقف حصل بعد حنين، مسلمة الفتح الناس الذين أسلموا الآن، الآن مائة مائة من الإبل يعطيهم مائة مائة من الإبل يتألف قلوبهم، يزيل الحواجز والعداوات بالإعطاء، خذ مائة مائة من الإبل، الأنصار الذين جاهدوا مع الرسول ﷺ خرجوا من المدينة، وتعبوا ما أعطاهم ولا شيء، تكلم بعضهم، قالوا: يعطي قريشًا ولا زالت سيوفنا تقطر من دمائهم، الآن طالعين من فتح مكة، يعطي هؤلاء من غنائم حنين مائة مائة من الإبل، ونحن ما لنا شيء، فلما سمع ﷺ ذلك، بلغته المقولة جمعهم، فسأل: ماذا حصل؟ ماذا قيل؟ قال فقهاؤهم: يا رسول الله أما أولو العلم فينا ما قالوا شيء، وأما بعض أحداثنا صغار الأسنان فقد قالوا هذه الكلمة، فقال الرسول ﷺ كلمته المؤثرة المؤثرة جدًا لدرجة أنهم قد بكوا حتى أخضلوا لحاهم ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسول الله إلى رحالكم ﷺ، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار وأبناء الأنصار [أخرجه أحمد 11730 وصححه الألباني في فقه السيرة] الأنصار طابت أنفسهم فعلًا.
هذه كلمات لكن طابت أنفسهم قالوا: بلى رضينا، رضينا بهذا القسم العظيم.
يذهب الناس بالشاء والبعير، ونحن نرجع بأكبر غنيمة وأعظم شيء معنا في الدنيا رسول الله ﷺ، نرجع به، رضينا برسول الله حظًا وقسمًا ونصيبًا.
فجهود المربين أيضًا من وسائلهم استغلال الحوادث، يعني لو أنت مثلًا رأيت ظلما أمامك حصل، ممكن تربي ولدك أو صديقك أو متبوعك بهذه الحادثة، فتقول: انظر إلى الظلم ماذا جر من العواقب الوخيمة؟ هذا الشخص الذي يتربى معك يكره الظلم؛ لأنك استغللت الحادثة في تفهيمه أن هذا الظلم عاقبته وخيمة، أو رذيلة من الرذائل أو فضيحة من الفضائح أو بالعكس، مثلًا رأيت مشهدًا فيه عدل فلفت نظر من معك إلى هذا المشهد، واستغللت الحدث، والتعليق عليه، ومشاهد الشجاعة أو الجبن.
كذلك من الوسائل: ضرب الأمثال، الرسول ﷺ مثلًا كان يربي الناس على الكرم وعدم البخل والإنفاق وعدم التقتير، وعدم المنع والشح، يقول مثلًا لهم :المنفق مثل واحد عليه درع، وكلما أنفق ازداد هذه حتى صارت صابغة لجميع أعضاء جسمه، ومثل البخيل عليه درع كلما بخل ازدادت الحلقات حبسًا على أجزاء جسده [أخرجه البخاري 2917 ومسلم 1021] فضرب هذا المثل ضرب المثال هذا من عمل المربين.
أو من عملهم أيضًا ضرب بالمثل بأصحاب الأخلاق الفاضلة، ما ترى إلى حديث الرسول ﷺ: ((أرأف أمتي بأمتي أبو بكر، وأصدقهم حياء عثمان)) [أخرجه أبو يعلى5763 والبيهقي 12549 وصححه الألباني في صحيح الجامع ] فهو لفت نظرنا إلى استخدم شخصيات تميزت بأخلاق معينة، حتى يحمسنا نحن الأمة الذين نتربى على أحاديثه بأن تكون عندنا رأفة.
ويكون عندنا حياء بأن نقتدي بأبي بكر في رأفته، وبعثمان في حيائه، وكان يقول: إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا لا يرى من جلده شيء استحياء منه [أخرجه البخاري 3404] يضرب لنا مثلاً من الواقع، شخصية تميزت بالحياء فتتحمس النفوس.
فهكذا تكون جهود المربين إذًا من عوامل تصحيح الأخلاق السيئة واستبدالها بأخلاق حسنة.
وهذا واجبنا جميعًا أن نربي أنفسنا ونربي غيرنا.
الخاتمة
والحقيقة -أيها الإخوة- أن الكلام في موضوع الأخلاق كلاماً طويلاً، ونظرًا لكثرة المشاكل الموجودة في الواقع والعلاقات والإخوة الذين ساءت علاقتهم مع بعضهم، والأزواج والناس والجيران، فالأمر يحتاج إلى تأكيد، ويحتاج إلى زيادة كلام وعرض وإيضاح، ولذلك يحتمل أن يكون هناك درس آخر بعنوان: "شجرة أخلاق المسلم" نذكر فيها، ونعدد الأخلاق الإسلامية، ما هي؟ ما أدلتها وأمثلتها؟
نحن عرضنا الأخلاق وأهميتها، وأدلتها في القرآن والسنة وقدوتنا الرسول ﷺ... واكتساب الأخلاق الحميدة.
فلعلنا نتبع هذا بموضوع آخر ما هي الأخلاق التي يجب أن نتخلق بها نظريًا وعمليًا؟ وكيف نقلت هذه الأخلاق الحسنة إلى الواقع؟ وكيف طبقها الرسول ﷺ، والأنبياء والصحابة والتابعين، وهكذا؟
فنسأل الله أن يهدينا سبلنا، وأن يقينا شر أنفسنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله تعالى أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.