الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أهمية الرفق في حياة المسلم


عناصر المادة
مقدمة
صفة الرفق عند النبي -صلى الله عليه وسلم-
جوانب وصور من خُلُق الرفق في حياتنا
الرفق مع الأصدقاء والإخوان
الرفق في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوة الناس
الرفق في تعليم الناس أمور دينهم
الرفق في تحمل مسؤولية المسلمين
الرفق في الإمامة بالناس
الرفق مع الزوجة والأولاد في البيت
الرفق بالحيوانات والعجماوات

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إخواني في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فهذا موضوع أخلاقي عظيم من الأخلاق الفاضلة التي حث عليها الإسلام حثاً شديداً كما سيتبين معنا إن شاء الله في طيات الآيات والأحاديث.

مقدمة

00:00:39

 وهذا الموضوع -موضوع الرفق- يدخل في أعمال كثيرة من الأعمال التي يقوم بها الإنسان المسلم، ولعلكم تتبينون معي -إن شاء الله تعالى- بحوله وقوته دخول هذا الخلق العظيم في مواضيع شتى من الأشياء التي يؤديها المسلم يومياً، بل إنه يدخل في أبواب عظيمة من أبواب الإسلام.
والرفق -أيها الإخوة- كما يعرفه علماؤنا يقولون: الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل واللطف وحسن الصنيع، الرفق هو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل واللطف وحسن الصنيع، وضده العنف والحدة، وضد الرفق العنف والحدة.

صفة الرفق عند النبي -صلى الله عليه وسلم-

00:01:48

 والرفق نعمة عظيمة من نعم الله ، من أعطاه الله إياها فقد فاز بخير عظيم في الدنيا والآخرة، ولذلك امتنّ الله على رسوله ﷺ بأنه رفق ولان لإخوانه المسلمين، فجمعهم الله  على رسوله بهذا الرفق وبهذا اللين، فقال : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159]. قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي لو كنت سيئ الكلام، قاسي القلب عليهم، لانفضوا عنك وتركوك، ولكن الله جمعهم عليك، وألان جانبك لهم تأليفاً لقلوبهم" [تفسير ابن كثير: 2/130].
فالدرس الأول من هذه الآية أنك إذا سألت ما هو الشيء الذي يجمع قلوب الناس وأنفسهم في مجتمع واحد على رجل واحد تكون كلمتهم واحدة ويداً واحدة؟ إنه الرفق واللين الذي قال الله تعالى عنه: فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وإذا سألت عن سبب تفرق القلوب الذي ينتج عنه تفرق الأجسام والتنافر الذي يحصل بين أفراد المجتمع، فاعلم يا أخي المسلم بأن العنف والحدّة والغلظة التي هي ضد الرفق، ولذلك قال : وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران: 159].
ولذلك كان وصف رسول الله ﷺ في القرآن قول الله : لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة: 128].
فهو إذن بالمؤمنين رءوف رحيم، أما صفة رسول الله ﷺ في الكتب المتقدمة من قبلنا، فهو ما رواه البخاري رحمه الله تعالى بإسناد صحيح إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أن هذه الآية التي في القرآن: يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا  [الأحزاب: 45]. قال: في التوراة مقابل هذه الآية في التوارة: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، فيفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غُلفاً" [رواه البخاري: 4838].
فالشاهد من صفة رسول الله ﷺ في التوراة قوله: "ليس بفظ ولا غليظ، ولا سخاب في الأسواق"، فالرسول ﷺ ليس فظاً، ولا غليظاً، وهذه الصفة في الرسولﷺ هي التي جمعت عليه الصحابة، وفتحت له قلوب الناس، فكانوا معه يداً واحدة، يأتمرون أمرهم على قلب رجل واحد رسول الله ﷺ، فيجب على كل رجل يريد أن يؤلف الناس على الإسلام أن يلين لهم ويرفق بهم، وهذا الخلق العظيم من الأخلاق التي يحبها الله ، فلذلك روى الإمام مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله ﷺ قال: إن الله يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف [رواه مسلم: 2593].


قال ابن حجر -رحمه الله- في كتاب الأدب من صحيح البخاري شارحاً هذا الحديث: "يعني أن الرفق يتأتى معه من الأمور ما لا يتأتى مع ضده، تأتيك بالرفق أشياء، وتنفتح لك مغاليق أمور لا تنفتح لك بغير الرفق مطلقاً". [فتح الباري لابن حجر:10/449]. ولذلك قال الشاعر:

من يستعن بالرفق في أمره *** قد يخرج الحية من جحرها

[الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 1/209].
أشياء كثيرة قد تبدو مستحيلة في ظاهرها، وفي بداية الأمر صعبة جداً، تُنال بالرفق، الرفق هو الذي يأتيك بها؛ لأن الله كتب أنه يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، يعطي عليه أشياء صعبة بدونه ومستحيلة يعطيها بالرفق، أما بالعنف، فلا يأتي شيء البتة، ولا تستفيد مطلقاً، وتظل الأمور منغلقة عليك، والقول الثاني في هذا الحديث كما يقول ابن حجر -رحمه الله-: "وقيل المراد يثيب على الرفق ما لا يثيب على غيره"[فتح الباري لابن حجر:10/449].
يعني يعطي ثواباً على الرفق ما لا يعطي على شيء آخر.
ولذلك يقول مبيناً الأثر السلبي والدرجة الواطئة التي يكون عليها الرجل العنيد الذي حُرم الرفق بقوله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام أحمد والترمذي عن أبي الدرداء مرفوعاً: من أُعطي حظه من الرفق فقد أُعطي حظه من الخير، ومن حُرم حظه من الرفق فقد حُرم حظه من الخير [رواه الترمذي: 2013، وأحمد: 25259، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6055].  لا رفق يعني لا يوجد خير، هكذا بهذه البساطة.
ويقول ﷺفي الحديث الصحيح الآخر: من يُحرم الرفق يحرم الخير كله [رواه ابو داود: 4809، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6606]. كل الخير.


قال النووي -رحمه الله-: "يعني يُحرم كل الخير الناشئ والناتج من الرفق" [شرح النووي على مسلم: 16/145].
غلظ القلب ليس بفظ ولا غليظ، غلظ القلب كما قال العلماء: هو عبارة عن تجهّم الوجه، وقلة الانفعال في الرغائب، نفس الواحد لا تنفعل في الأعمال الخيرة، وقلة الإشفاق والرحمة، ومن ذلك قول الشاعر:

يُبكى علينا ولا نبكي على أحدٍ *** لنحن أغلظ أكباداً من الإبل

[عيون الأخبار: 2/209].

جوانب وصور من خُلُق الرفق في حياتنا

00:09:58

 فالذي ما عنده رفق، ولا عنده هذا اللين، لن يبكي على المحرومين من خلق الله مطلقاً.
والرفق -أيها الإخوة- له جوانب عديدة وتطبيقات كثيرة، ويدخل في أبواب عظيمة، فمن هذه الأبواب:
أولاً: تربية النفس، وأخذ الدين، كيف يدخل الرفق في تربية النفس، وفي أخذ الدين؟ يقول رسول الله ﷺ: إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق  حديث حسن، رواه الإمام أحمد والنسائي مرفوعاً في صحيح الجامع. [رواه أحمد: 13052، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 2246].
ومعنى: أوغلوا فيه برفق  قال ابن الأثير -رحمه الله- في كتابه النهاية: "يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه" [النهاية في غريب الحديث والأثر: 5/209]. لأن بعض الناس ربما يفهم أن معنى سر برفق يعني خذ قليلاً من الدين، برفق!، هكذا يفهم بعض الناس، ومعنى هذا أنك ما تبلغ الغاية العظمى لنفسك في الدين، إذا فهمت هذا المفهوم الخاطئ.
ولذلك يقول ابن الأثير -رحمه الله-: "يريد سر فيه برفق، وابلغ الغاية القصوى منه". أنت حدد أن القمة هي الهدف، لا تقل: أنا سأبقى عند السفل، حدد أنك ستصل إلى القمة، لكن كيف تصل؟ تصل برفق، لكن هذا لا يعني أن تضع في حسبانك أنك ستبقى في أسفل الجبل، لا، ويقول: بالرفق لا على سبيل التهافت والخرق، ولا تحمل على نفسك وتكلفها ما لا تطيق، فتعجز وتترك الدين والعمل، والمقصود من الحديث سر برفق، ولا تحمّل نفسك ما لا تطيق؛ لأنك إذا حمّلت نفسك في البداية تكليفات عظيمة، ماذا سيحدث؟ ستعجز بعد فترة قليلة من الزمن؛ لأنك ما تستطيع أن تمشي فجأة بدون تدرج، تمشي مشياً سريعاً في الدين، نصوم يوماً ونفطر يوماً، نقوم جميعاً أكثر الليل، نفعل كذا، نقرأ خمس ساعات في اليوم، في البداية لو أنك اتخذت هذا المنهج وهذا الأسلوب بدون تدرج، فإنك ستعجز، وستنقطع عن الدين وعن العمل، وهذا حال كثير من الجهلة الذين يهجمون على الدين هجوماً يريدون أن يتعلموا الدين ويطبقوه في أيام، تكون النتيجة انقلاباً مفاجئاً بعد فترة قصيرة من الزمن، ويقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح، هذه الأحاديث التربوية على جانب عظيم من الأهمية، وانظروا إلى مدى دخول الرفق في هذه الجوانب، يقول ﷺ في الحديث الذي يرويه الإمام أحمد والحاكم عن بريدة وهو حديث صحيح في صحيح الجامع: عليكم هدياً قاصداً، فإنه من يشادّ هذا الدين يغلبه [رواه احمد: 22963، والحاكم في المستدرك: 1176، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 4086]. الذي يشاد الدين يغلبه الدين، كيف؟ وما معنى: عليكم هدياً قاصداً  قال المناوي -رحمه الله- في فيض القدير: "أي طريقاً معتدلاً غير شاق، الزموا القصد في العمل، وهو استقامة الطريق، والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير" [فيض القدير: 4/353] .


هذا كلام مهم، لا غلو فيه ولا تقصير؛ لأن بعض الناس يقول: أنا آخذ من الدين بسيطة، يعني: أقع في محرمات لا بأس، ما أضغط على نفسي، ليس هذا المقصود من الحديث، المقصود من الحديث: أنك تسير في طريق لا غلو فيه، ولا تقصير، فالغلو مثلما كان يفعل الخوارج مثلاً أو مثلما جاء الثلاثة إلى أبيات الرسول ﷺ، وقال واحد: أنا أقوم الليل ولا أنام، واحد قال: أنا أصوم ولا أفطر طول الدهر، واحد قال: وأنا لا أتزوج النساء، هذا غلو, [رواه البخاري: 5063، ومسلم: 3217]. لكن ليس من الغلو أن تلتزم بسنن الرسول ﷺفي مظهرك وملبسك، وليس من الغلو أن تؤدي صلاة الجماعة في المسجد حتى صلاة الفجر، هذا ليس من الغلو، والأمثلة كثيرة يظنها الناس غلو وليست بغلو، وإنما أوتوا من جهلهم بالدين وغفلتهم وسطحيتهم في فهم الدين، والأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير، هذا هو معنى قول رسول الله ﷺ:  عليكم هدياً قاصداً  ما معنى: أنك إذا شاددت الدين، يغلبك؟ يعني أي من يقاومه ويقاويه، ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته، يؤدي بها ذلك إلى التقصير في العمل، وترك الواجبات، النفس هذه أيها الإخوة ليست آلة، وإنما هي لها حدود وطاقات، فإذا أنت من البداية من غير ترويض وتدرج هجمت وأخذت أشياء كثيرة جداً من النوافل وألزمت بها نفسك ستتعب، ما يمكن أنك تواصل في نفس المستوى، فسينقطع بك الطريق، وتسقط في هاوية الانحراف والنكوص على عقبيك والعياذ بالله، فإذن، الرفق في أخذ الدين مهم، ومن الشواهد الصحيحة من أحاديث الرسول ﷺ ما يلي: قال ﷺ في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أحمد وأبو داود عن عائشة مرفوعاً: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل [رواه ابو داود: 1238، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 1228].  وإن قل  لا يعني أن ينزل إلى درجة المحرمات، أو يعني تترك الواجبات، لا، أنت ملتزم بالواجبات، ومنته عن المحرمات، لكنك ما تأخذ من نوافل الأمور أشياء أكثر من التي تطيقها نفسك بغير تدرج: اكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل 
فحتى لا تصبح المسألة حماس واندفاعية مؤقتة تنتهي بعد فترة قصيرة من الزمن، لا بد من الرفق في أخذ الدين، هذا جانب يدخل فيه أيضاً الرفق في طلب العلم، بعض الناس يريدون أن يطلبوا العلم يتحمسون، يتحمس من كلمة يسمعها، أو خطبة، أو شريط، أو يفكر في نفسه، فيرى أنه مقصر جداً في طلب العلم، فماذا يفعل؟ يذهب ويشتري هذه المجلدات الضخمة التي ليس عنده قدرة على فهمها والقراءة فيها، ويقول: أنا سأقرأ اليوم خمس ساعات، وسبع ساعات، لابد أن أجلس، وأجلس، وأجلس، وأجاهد نفسي حتى، من البداية هكذا لا يصلح، لا بد أن ترفق بنفسك، فتأخذ الكتب بالتدرج، الأسهل فالأصعب فالأصعب، وهكذا، تأخذ الأشياء الواضحة في المعنى المبسّطة في الأسلوب، ثم بعد ذلك ترتقي في قراءتك وفهمك حتى تصل إلى المستوى الذي تقرأ فيه أصعب الكتب، وهذا لا يعني تثبيط وتخاذل، لا، وإنما يعني سلوك الطريق الصحيح، والنهج السوي المتوسط في مثل هذه الأمور.

الرفق مع الأصدقاء والإخوان

00:18:31

 النوع الآخر الذي يدخل فيه الرفق: الرفق مع الإخوان، الإنسان منا له أصدقاء وله زملاء وله إخوان في الله، أناس كثيرون له علاقة بهم، هؤلاء الناس لا بد أن يرفق بهم، لا بد أن يكون رفيقاً معهم، ماذا قال الله -عز وجل- لرسوله ﷺ؟ : وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الشعراء: 215].
اخفض جناحك: كن ليناً هيناً رفيقاً بهم متواضعاً لهم سلساً معهم، لذلك إذا دققت في الأسباب التي تؤدي إلى الشقاق وبذر بذور أو التي تؤدي إلى انفصام عرى الأخوة بين كثير من المسلمين، لو دققت فيها لوجدتها في طرف من الأطراف، أو في كلا الطرفين، لوجدت الأمر حدّة في الطبع، وصعوبة في التعامل، وخشونة في الألفاظ، وغلظة، وعزة على المسلمين، بدلاً من أن يكون الأمر: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ  [المائدة: 54]. انقلب الأمر عند كثير من المسلمين اليوم -للأسف- إلى أن يكونوا أذلة على الكافرين، أعزة على إخوانهم المؤمنين، فكثيراً ما يجد الأخ بينه وبين أخيه وحشة وتنافر، لو دقق في التفكير لوجد السبب يعود إلى هذه العوامل التي ذكرناها التي يسببها فقدان الرفق، انعدام الرفق هو الذي يسبب هذه الوحشة وهذا التقاطع وهذا التنافر، لا بد من قبول أعذار الناس، والمساهلة معهم كما قال علماء السلف، لا بد من اللين مع الإخوان في المعاملة، ولا بد من خفض الجناح، كان رسول الله ﷺ كما ورد في الحديث الصحيح الذي يرويه الإمام أبو داود والحاكم عن جابر -رضي الله عنه- مرفوعاً: "كان رسول الله ﷺ يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، ويدعو لهم" [رواه أبو داود: 2639، والحاكم: 2541، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2120].  
انظروا إلى لين الرسول ﷺ ورفقه بإخوانه، كانوا في الجيش في السفر إذا تقدموا إذا مشى الناس كان الرسول يتخلف إلى الوراء، ما يجلس دائماً في المقدمة يتخلف إلى الوراء، فيرى من هو الضعيف، من هو المسكين العاجز، من هو الذي ما عنده دابة تحمله، فيحمله الرسول ﷺ، من هو الذي يحتاج إلى مساعدة وإعانة، فيعينه الرسول ﷺ بالعمل والدعاء؛ لأنه قال في الحديث: "كان يتخلف في المسير، فيزجي الضعيف، ويردف، يردف وراءه إخوانه المسلمين يعينه يردفه وراءه على دابته رفقاً بهم وبحالتهم، ويدعو لهم  في صحيح الجامع.

الرفق في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

00:22:01

 وكذلك يدخل الرفق دخولاً أساسياً في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، نحن الآن نستعرض استعراضاً بعض الجوانب التي يدخل فيها الرفق، ولا نريد أن نفصل في جانب معين؛ لأنه قد يكون هذا الجانب يصلح أن يكون موضوعاً مستقلاً بذاته، الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من القواعد التي وضعها علماؤنا؛ قاعدة عظيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: "لا بد للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يكون عالماً فيما يأمر، عالماً فيما ينهى، رفيقاً فيما يأمر، رفيقاً فيما ينهى".
[مجموع الفتاوى: 28/137].
عالم فيما يأمر عالم فيما ينهى، الشرط الثاني: رفيقاً فيما يأمر، رفيقاً فيما ينهى، بعض الناس قد يكون عندهم علم أن هذا معروف، وأن هذا منكر، لكن ما عنده رفق في الدعوة، ما عنده رفق في الأسلوب، فيه أسلوب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذلك ترى نتيجة جهود هذا الرجل عشوائية ساقطة فاشلة، لا أحد يستجيب له، ولا يصغي إليه، بل إن النتيجة هي الإعراض وصدود الناس الذين يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ما هو السبب؟ افتقاد هذا الخلق الإسلامي العظيم، خُلُق الرفق في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، انظروا معي إلى هذه الحادثة التي لو صارت بشكل آخر، لو صارت الحادثة كما صارت في بدايتها، كيف ستكون النتيجة؟ ولكن تدخل من الرسول ﷺ عدّل الأمور، وقلب الموازين والنتائج حتى انتهت العملية بسلام على أفضل ما يكون.
روى البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن أبي هريرة قال: "قام أعرابي فبال في المسجد، جريمة عظيمة جداً، واحد يقوم ويبول في المسجد، مكان العبادة وأطهر مكان، يأتي ويبول في المسجد، الصحابة استغربوا انبهروا من هذا التصرف، ماذا حصل؟ ما هي ردة الفعل؟ فتناوله الناس.
وفي رواية للبخاري أيضاً: فثار الناس ليقعوا فيه، قاموا الناس عليه، فقال لهم النبي ﷺ، الآن الرجل يبول، فقال لهم النبي ﷺ تدخل: دعوه لا تزرموه  يعني: لا تقطعوا عليه بوله، قد ينحبس البول فيتضرر الرجل، أو يهرب فتنتشر النجاسة في بقعة أوسع من المسجد، فلما قضى الأعرابي بوله وانتهى، قال النبي ﷺ: أهريقوا على بوله سجلاً ، بمعنى دلواً وزناً ومعنى، سجلاً من ماء، فإنما بُعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين  رواه البخاري -رحمه الله- في كتاب الوضوء، باب صب الماء على البول في المسجد. [رواه البخاري: 220]. لو أن الصحابة، لو أن الأمور صارت بالشكل الذي بدأ به الصحابة، كيف كانت النتيجة ستكون؟ أولاً: الوحشة في نفس الأعرابي، وربما يرفض الإسلام، وربما كان قادماً ليسلم يمكن ترك الإسلام لما يرى من المعاملة، وأيضاً انتشار البول، وقد يتضرر هو صحياً، أشياء كثيرة، ما دام الأمر حدث وانتهى، فلا بد من درء أعلى المفسدتين في ارتكاب أدناهما، فلذلك الرسول ﷺأوقفهم، وجاءت الروايات بعد ذلك أن هذا الأعرابي قال: "اللهم ارحمني ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً" [رواه البخاري: 6010]. لأن هذا هو التصرف الذي رآه من الرجل العظيم الرسول ﷺ، فلا بد من الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا بد من اللين، ولذلك قال الله تعالى لموسى وهارون عندما أرسلهما إلى فرعون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا [طه: 44]. لماذا قولاً ليناً؟  لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى   فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى  بعث أعظم داعيتين في زمانهما إلى أسوء مخلوق في زمانه فرعون، وقال لهما: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا  [طه: 44]. فما بالكم اليوم بإخواننا المسلمين الذين يخطئون كيف نوجههم ونرشدهم؟ إذا كان أعظم داعية أرسل إلى أسوأ مخلوق فقيل له: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا  فكيف يجب أن يكون موقفنا نحن؟ فقد يرى بعض الناس منكراً، فيثورون بعنف بلا حكمة، لو أنهم تريثوا في الأمر وألانوا القول لكان خيراً لهم، ومن الأمور التي يدخل فيها الرفق أيضاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه إذا كان النهي عن المنكر يحصل بدون عنف وغلظة وهي ضد الرفق، فلا داعي لها عندئذ، ومما يشهد لهذا المعنى ما رواه البخاري -رحمه الله تعالى- عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: "دخل رهط من اليهود على رسول الله ﷺ فقالوا: السام عليك -يعني: الموت- فعائشة تقول: ففهمتها، عائشة كانت فطنة وذكية، قالت: ففهمتها، فقلت: وعليكم السام واللعنة، إخوان القردة والخنازير، وعليكم السام أنتم عليكم السام واللعنة إخوان القردة والخنازير، قالت: "فقال رسول الله ﷺ: مهلاً يا عائشة، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله [رواه البخاري: 6024].


لاحظ ، أين أتى بالأمر بالرفق،  فإن الله يحب الرفق في الأمر كله  فقلت: "يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ فقال رسول الله ﷺ: فقد قلت وعليكم أنا سمعتُ ما قالوا وفهمته أيضاً، ولكن قلت: وعليكم  وبما أننا يستجاب لنا فيهم، ولا يستجاب لهم فينا، فدعاؤنا عليهم مستجاب، ودعاؤهم علينا غير مستجاب، فهم قالوا: الموت عليك، فأنا قلت: وعليكم، فدعاء من الذي يستجاب؟ دعاء الرسول ﷺ، ودعاء المؤمن على هذا الرجل اليهودي أو النصراني، أو الكافر الذي يقول له: السام عليكم، فما دام حصل المقصود، ورد كيد اليهود في نحورهم، بقول الرسول ﷺ: وعليكم  قالوا: السام عليك، قال: وعليكم  دعاؤهم غير مستجاب، كأنهم ما قالوا شيء، ودعاؤه ﷺ هو المستجاب، فما دام أن الغلظة عليهم؛ لأننا الآن مأمورين بالغلظة على اليهود والكفار، ما نعاملهم المعاملة الحسنة، لكن هذا لا يعني يا إخواني أن نطلق السباب والشتائم عليهم بغير داعي، لما حصل المقصود بالدعاء عليهم بالموت، والرد عليهم، حصل بقول الرسول ﷺ: وعليكم  فلماذا قول: وعليكم السام واللعنة إخوان القردة والخنازير؟
يقول ابن حجر -رحمه الله-: "والذي يظهر أن النبي ﷺ أراد ألا يتعود لسانها بالفحش، أو أنكر عليها الإفراط في السب" [فتح الباري لابن حجر: 11/43].

رفق النبي -صلى الله عليه وسلم- في دعوة الناس

00:30:39

 والرفق يدخل كذلك في دعوة الناس إلى الإسلام وتعليمهم إياه، وتربيتهم عليه، يدخل الرفق دخولاً أساسياً متشعباً في مسألة دعوة الناس إلى الإسلام، وتعليمهم إياه، وتربيتهم عليه، أما الرفق في دعوة الناس إلى الإسلام، فله أمثلة كثيرة في السيرة النبوية كثيرة جداً، كيف الرسول ﷺ كان يقول للوليد: أتسمع يا أبا الوليد؟ أتجلس فتسمع؟ وكان يقول لثمامة:  ما عندك يا ثمامة؟  وكان يقول لفلان: ألا أدلك على أمر خير من هذا؟ [رواه البخاري: 2422، ومسلم: 1764].
كان الرسول ﷺ يتلطف في أسلوب الدعوة، كان ليناً في دعوة الناس إلى الإسلام، ولذلك فتح الله له برفقه فتح الله له مغاليق قلوب زعماء من أهل الشرك والكفر والإلحاد، فتح الله قلوبهم للرسول ﷺ، وألان له نفوسهم كما يلين الحديد، ألينت له نفوسهم بسبب السلاح الفتاك الذي استعمله وهو الرفق، الرفق السلاح الفعّال الذي استعمله الرسول ﷺ في الدعوة، فأسلم ثمامة، وأسلم غيره من الكفرة الذين كانوا زعماء في الضلال والشرك، وصاروا قادات في الإسلام وقدوات في الدين بعد ذلك، كان السبب هو أسلوب الرفق المستخدم في دعوتهم إلى الإسلام.

الرفق في تعليم الناس أمور دينهم

00:32:21

 وأما استخدام الرفق في تعليم الناس، فأمثلته كثيرة أيضاً، ومنها: ما رواه مسلم وغيره في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ، هذا الرجل معاوية بن الحكم أتى من البادية، وكان قبل ذلك موجود لكنه خرج في عمل له في البادية، فكان الكلام في الصلاة مباح، كان بعض الصحابة يقول لأخيه يقول: هذه الآيات التي يقرأها الآن الرسولﷺ في أي سورة؟ ومتى نزلت؟ كان الكلام مباحاً في الصلاة، ثم نزل قول الله : وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة: 238]. فحرم الكلام، هذا الرجل جاء من البادية ما عرف بأن الكلام في الصلاة قد صار محرماً، فهو يصلي دخل جاء من البادية دخل مع الناس، قال: "بينا أنا أصلي مع رسول الله ﷺ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، يعني تصرف بشكل على ما يعلم، على ما كان يعلم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثكل أمياه، يعني: وافقد أمي إياي فإني هلكتُ، رأى الناس ينظرون إليه، فقال: واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ انظر كيف يكون عند انعدام الرفق؟ الأمور تسوء أكثر، الآن الرجل قال في الأول: يرحمك الله، هذا الرجل يستحيل تعليمه، كيف يتعلم في الصلاة؟ لا يمكن أن يعلموه، فالصحابة رموه بأبصارهم فزاد الأمر سوءاً، وتكلم الرجل زيادة، قال: واثكل أمياه، مالكم تنظرون إلي؟ ماذا فعلت؟ والصحابة أيضاً لا يستطيعون أن يتكلموا، فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، زيادة في التنبيه، قال في الشرح: "فلما رأيتهم يصمتونني" يعني: غضبت وتغيرت، ولكني سكت، فلما صلى رسول الله ﷺ، لما انتهى من الصلاة، فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده –لاحظ- لا قبله ولا بعده، قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه أبداً، فو الله ما نهرني، ولا ضربني، ولا شتمني، ثم قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن [رواه مسلم: 537]. أو كما قال رسول الله ﷺ هذا من كلام معاوية، ربما ما كان يحفظ الحديث بالضبط، ولذلك قال: "أو كما قال رسول اللهﷺ"، وهذا هو الطريق الصحيح عندما يروي الإنسان حديثاً ليس متأكداً من ألفاظه. ووقع في رواية لأبي داود: "فما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله ﷺ".
لاحظ هذه العبارة: ما رأيت معلماً قط أرفق من رسول الله ﷺ، فلاحظ كيف أدى الرفق في التعليم الهدف المطلوب، الكلام حصل في الصلاة وانتهينا، الآن لا نستطيع أن نرجع الزمن ونعدل الأمور، فإذن الحل: أن نصبر على هذا الرجل حتى تتاح الفرصة المناسبة لتكليمه وتعليمه، وعند ذلك ينتهي الإشكال.
وكذلك كان الرسول ﷺ رفيقاً بمن يعلمهم، كيف؟ كان الناس يأتون الرسول ﷺ من شتى الأماكن يأتون إليه ليتعلمون، يأتون إلى المدينة يسافرون إلى المدينة لطلب العلم، فيجلسون عند الرسول ﷺ، هؤلاء الناس الذين يأتون عندهم أهل يشتاقون إليهم، فماذا كان يفعل الرسول ﷺ بهؤلاء الناس الذين يأتون ليتعلمون؟ انظر كيف كان يرفق بهم من كلام هؤلاء الرجال، روى البخاري -رحمه الله تعالى- عن مالك بن الحويرث، قال: "أتينا إلى النبي ﷺ ونحن شببة متقاربون، شببة يعني: جمع شاب شببة تجمع على شببة، متقاربون -يعني في السن-، مالك بن الحويرث جاء مع إخوانه شباب حديثي عهد، أسنانهم متقاربة، أعمارهم متقاربة، فأقمنا عنده عشرين يوماً وليلة، أقمنا عنده عشرين يوماً وليلة نتعلم، وكان رحيماً رفيقاً، وكان يقول مالك بن الحويرث: "وكان ﷺ رحيماً رفيقاً، كيف كان رحيماً رفيقاً؟ كيف تجلى رفقه ﷺ؟ قال مالك: "فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا، هؤلاء الصحابة جاءوا لكن اشتاقوا إلى أهاليهم تركوا أهاليهم بعيدين، اشتاقوا إلى أهلهم، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، استوحشوا قليلاً، وتغيرت نفسياتهم نوعاً ما بسبب ابتعادهم وحنينهم، الغريب يحن إلى أهله، فلما رأى شوقنا إلى أهالينا، قال: ارجعوا فكونوا فيهم، وعلّموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم [رواه البخاري: 628].


قال: ليؤمكم أكبركم ولم يقل: ليؤمكم أقرأكم؛ لأن هؤلاء الناس لما جاءوا جاءوا مع بعض، وتعلموا مع بعض، معناها أنهم حفظوا سوياً، فكان علمهم متقارباً، وهجرتهم واحدة، فانتقل الأمر إلى كبر السن، فقال: وليؤمكم أكبركم  وإلا فالأصل أن الناس يؤمهم أقرؤهم، هذه مسألة فقهية لا بأس من ذكرها للفائدة، الآن تنازع العلماء هل يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله يعني أحفظهم للكتاب وأجودهم قراءة، أم يؤمهم أفقههم في الدين؟ فقال بعض العلماء: يؤمهم الأفقه، إذا تساووا في الفقه ينظر في الحفظ، وقال بعضهم: يؤم الأحفظ مطلقاً، والقول الوسط الذي جمع فيه ابن حجر -رحمه الله- بين القولين، قال: "يؤم الأحفظ بشرط أن يكون عنده من الفقه ما يقيم به صلاته" ويعرف كيف يتصرف إذا صار هناك خطأ في الصلاة، أحكام سجود السهو، ترك الواجب إلى آخره، الإمام والمأموم والائتمام إذا فقه هذه الأمور فعند ذلك يؤم الأحفظ، وإذا ما كان فقيهاً فيؤم الأفقه، قال ابن حجر: "باتفاق العلماء"، قال: فإذا حضرت الصلاة، فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمكم أكبركم .
فإذن، كان رسول اللهﷺ يرفق بمن يعلم، فكان إذا شعر بأنهم قد حنوا إلى أهليهم، فكان يسمح لهم بالذهاب، بل هو يأمرهم بالذهاب، يقول: ارجعوا إلى أهليكم  والرجوع إلى الأهل ليس شر وانقطاع عن الخير، لا، بل فيه خير عظيم أيضاً، كيف ذلك؟ بأن ينشر الإنسان فيهم الدعوة، وينشر فيهم العلم، ويعلمهم ما تعلم من الخير، فرجوع الإنسان إلى موطنه من بلد العالم فيه خير ونفع عظيم.

الرفق في تحمل مسؤولية المسلمين

00:41:12

 ثم نأتي على مسألة أخرى تحمل المسئولية، تحمل مسئولية نفر من المسلمين، لا بد فيه من الرفق، ويؤكد عليه تأكيداً شديداً في هذا الجانب بالذات، لأن الذي يتولى أمور المسلمين إذا ما كان رفيقاً بهم، فإن الفساد والفوضى ستعم، والظلم سينتشر، فيقول الرسول ﷺ في الحديث الذي روته عائشة -رضي الله عنها-، قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول في بيتها: اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به [رواه مسلم: 1828].
لاحظ العبارة: ومن ولي من أمر أمتي شيئاً  ما يشترط بذلك أن يكون الخليفة، لا، يمكن أن يكون أدنى منه بكثير، من ولي ولو أمر رجل واحد، من ولي أمر رجل واحد من المسلمين، يجب عليه أن يرفق به لهذا الحديث، فما بالك بالذي يلي أمر اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة، أو مجموعة من البشر، فالمدير في مدرسته، والمدير في دائرته، وكل صاحب سلطان وولاية، وكل صاحب أسرة يجب أن يرفق بمن تحت يديه، وبمن هو مسئول عنه، وإلا فإن الله سيشقق عليه يوم القيامة، وفي الدنيا أيضاً، فالدعاء عام: من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به  وهذا الدعاء من رسول الله -ﷺ دعاء مستجاب.


ويؤكدﷺ هذا المعنى بقوله في الحديث الذي رواه الإمام أحمد ومسلم عن عائد بن عمر -رضي الله عنه- أنه ﷺقال: إن شر الرعاء الحطمة [رواه مسلم: 1830].
الراعي الذي يرعى الغنم أو البقر إما أن يكون رحيماً بها، فيذهب بها إلى موارد الماء والعشب، ويريحها، ويعطيها فترة النوم والراحة، وإما أن يكون يحطمها فيشق عليها، ويشد عليها، ويمنعها الأكل والماء والكلأ والعشب، هذا الرجل الذي يحطم هذا القطيع الذي يرعاه هو من شر الناس، إن شر الرعاء الحطمة  من شر الرعاة الراعي الذي يحطم قطيعه، قال العلماء في شرح الحديث: "هذا مثل لطيف ضربه رسول الله ﷺ للراعي والرعية، فشر الناس الذي إذا تولى أمر رعية من المسلمين، جعل يحطمهم كما يحطم ذلك الراعي الغنم، وخيرهم الذي يرفق بهم ويلين معهم، ويسد خلّتهم.

أرقني أن لا خليل أداعبه ***
فو الله لولا الله أني أراقبه *** لحرّك من هذا السرير جوانبه

 
 تقول هذه المرأة وهي زوجة لرجل ذهب في الجهاد، لولا مخافة الله لحصل أمراً آخر، فعمر رفيق بالرعية، مباشرة جمع النساء، فسأل: كم تستطيع المرأة أن تصبر على زوجها؟ فقلن له: أربعة أشهر، فقال: إذن، ما أحد من الجنود يتغيب عن زوجته أكثر من أربعة أشهر، فكان يعمل مناوبات يذهب الناس ويعودون ويذهبون ويعودون؛ حتى تبقى العلاقة بين الزوج وزوجته، فكان رفيقاً برعيته، وهكذا يجب أن يكون كل من تولى مسئولية، أو أمراً من أمور المسلمين أن يكون رفيقاً بهم، فبعض الناس تجدهم يشدون على من تحت أيديهم من المسلمين، ويهلكونهم بالأعمال، وهذا فيه خطر عظيم، فيسبب العصيان ويسبب التمرد، ويسبب الوحشة في النفس والكراهية حتى على مستوى الصغير في البيت تجد الأولاد يكرهون الأب إذا كان شديداً عليهم، والزوجة تكره زوجها إذا كان شديداً عليها، وقد يتمرد الأولاد ويعصون الأب بسبب ماذا؟ بسبب فقدان الرفق، فإذن، هذا هو مدار التعامل، ومدار استقامة الأمور.

الرفق في الإمامة بالناس

00:46:43

 ومن جوانب الرفق كذلك الرفق في الإمامة بالناس، الرفق في الإمامة بالناس، بعض الأئمة يصلون بالناس، فيطيلون الصلاة جداً، وينهكون قوى الناس الذين يصلون وراءهم، وهذا الحديث يوضح هذا الأمر، عن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري قال: جاء رجل إلى النبي ﷺ، فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان، الإمام هذا، أتأخر عن صلاة الصبح مما يطيل بنا، من شدة تطويله في الصلاة، يقول الراوي: فما رأيت النبي ﷺ غضب في موعظة قط أشد مما غضب يومئذ، ما غضب في موعظة مثل ما غضب يومئذ فقال: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة  [رواه البخاري: 7159، ومسلم: 466]. فلا بد من الرفق بالمأمومين، وهذا الإمام الذي تولى أمر الناس الذين وراءه لا بد أن يرفق بهم، ولا يطيل بهم، ولكن هنا نقطة لا بد من توضيحها، وإن كانت ليست في صلب الموضوع، ومعنى: فليوجز الآن الرسول ﷺ يقول: يا أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز  هل معنى يوجز أن يقرأ  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1]، إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1]، قل هو الله أحد، إنا أعطيناك الكوثر، قل هو الله أحد، إنا أعطيناك الكوثر في الصلوات، هذا هو الإيجاز المطلوب؟ هل هذا هو معنى الحديث؟ المعنى كما ذكر العلماء يعني -انتبه لهذا المعنى-: "ليقتصر على ما ثبت في السنة لا يزيد عليها مع إتمام الأركان والسنن، إتمام الأركان والسنن والاقتصار على ما ثبت في السنة، فلو أن إنساناً من الناس صلى الجمعة، فقرأ بالناس سورة المنافقين وسورة الجمعة، فاستغرق في الصلاة في القراءة مثلاً ربع ساعة مثلاً، هل يعتبر هذا الرجل مطولاً على من وراءه، وأنه شق عليهم، وأنه نفرهم؟ لا ؛ لأن الرسول ﷺ لما صلّى بالناس الجمعة قرأ بهم في الركعة الأولى الجمعة وسورة المنافقين، وقرأ أيضاً سبّح والغاشية، كان ينوّع، ويقرأ مثلاً ق والرحمن أحياناً، فإذن، من قرأ بالسنة هذا هو معنى قول الرسول ﷺ: فليوجز  لكن ليس معناه أن يقرأ والعصر، وإنا أعطيناك الكوثر، وقل هو الله أحد، لا.

الرفق مع الزوجة والأولاد في البيت

00:49:48

 كذلك من جوانب الرفق أو من الجوانب التي يدخل فيها الرفق أيضاً الرفق في البيت، الرفق في البيت بشكل عام ومع الزوجة والأولاد بشكل خاص، وهذه نقطة اجتماعية حساسة وخطيرة، ولا بد من الانتباه إليها، يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: ما أُعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم الطبراني عن ابن عمر. صحيح الجامع. [رواه الطبراني في الكبير: 13261، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 5541].
وقال ﷺ: إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق [رواه أحمد: 24427، وصححه محققه الأرنؤوط]. قال شراح الحديث: "يعني أدخل عليهم الرفق بحيث يرفق بعضهم ببعض، فيرفق الزوج بالزوجة، ويرفق الرجل بأبيه وأمه، ويرفق الأب والأم بالولد، ويرفق الإخوة بعضهم ببعض، أدخل عليهم الرفق، وهم يرفقون بجيرانهم، وهكذا وعامة البيوت التي تفوح منها روائح المشاكل والخلافات والنعرات والشتات والفرقة، إذا تأملتَ فيها أيضاً لوجدت السبب أنه ليس هناك رفق في علاقة أفراد البيت بعضهم ببعض.
فإذا أتيتَ معي إلى مسألة الرفق بالزوجة فالرسول ﷺ يقول في الحديث الصحيح:استوصوا بالنساء خيراً، فإن المرأة خُلقت من ضِلَع أو ضِلْع -كلاهما صحيح-، وإن أعوج ما في الضلع أو ما في الضلع أعلاه هذا الضلع إذا نظرت إليه لوجدت أعوج ما فيه أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء  متفق عليه. وفي رواية لمسلم:فإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها
الشاهد: استوصوا بالنساء خيراً  ارفقوا بهن، وقال ﷺ في الحديث الصحيح الذي يرويه الترمذي: فإنما هن عوان عندكم [رواه الترمذي: 1163، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 7880].
معنى عوان يعني: أسيرات، أسيرات في البيت، هي لا حول لها ولا قوة، هذا هو الغالب من أوضاع النساء، فلما صارت المرأة مسكينة لا حول لها ولا قوة، والأمر بيد الرجل، ولا بد من استئذانه، فكان لا بد من أن يرفق بها الرجل، وأن يشفق عليها، وأن يرحمها، وأن يستوصي بها خيراً.


ومرة اشتكى الصحابة الرسول ﷺ تمرُّد النساء، فأذن لهم بالضرب عند الحاجة، لما أذن بالضرب، هؤلاء الرجال أخذوا الرخصة مباشرة كل واحد أمسك زوجته ونزل بها ضرباً، فيقول الراوي: "فجاء النساء إلى أبيات الرسول ﷺ يشتكين، وهذا من فوائد التعدد، هذا من فوائد كثرة زوجات الرسول ﷺ، اختص ﷺ بأنه تزوج أكثر من أربع، هذه خاصية له من دون الأمة، فإن سأل سائل عن السبب، فهناك أسباب كثيرة منها متعلق بهذا الحديث، أن زوجات الرسول ﷺ كثرتهن تؤدي إلى سهولة نقل أوضاع المجتمع إلى الرسول ﷺ لكي يعلق عليها ويعقب، فكان المتنفس لنساء المجتمع أن يأتين إلى زوجات الرسول ﷺ ويخبرنهن بما يردنه، وهؤلاء ينقلن بدورهن إلى رسول الله ﷺ، والمرأة التي جاءت تسأل عن الدم ، كن نساء الرسول ﷺ الواسطة بين المرأة وبين الرسول ﷺ وهذه المرأة السائلة، فيقول لما رفع الأمر إليه،ولقد أطاف بآل بيت محمد نساء يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم [رواه أبو داود: 2146، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1863]. ولقد أطاف بآل بيت محمد نساء يشكون أزواجهن من الضرب ليس أولئك بخياركم، ليس أولئك الرجال بخياركم، ليس أولئك الرجال بخياركم، والمرأة فيها حساسية ليست في الرجل، وفيها ثقة ليست في الرجل، فلا بد من الاستيصاء بالنساء خيراً، وكثير من الرجال يستعملون العنف بشكل عجيب مع الزوجات، فمنهم من يضرب زوجته ومنهم من يضرب في الوجه، وقد نهى الرسول ﷺ عن الضرب في الوجه، حتى لو كانت مخطئة وتريد أن تعزرها بعد أن وعظتها بالكلام وهجرتها في المضجع، ووصلت إلى الضرب، نعم فإنك تضرب، ما تضرب على الوجه، تضرب على الكتف، تضرب على العقب، تضرب على الظهر، تضرب على الرجل في مكان لا يؤذي، أما الضرب على الوجه الذي قد يكسر سناً، أو يفقأ عيناً، أو يفقد السمع، هذا الضرب حتى لو كنت مصيباً لا يجوز لك أن تضرب على الوجه، وبعض الرجال يمسكون التسلسل بالمقلوب، ما يبدأ بالموعظة الحسنة، ثم بالهجر في المضجع، ثم الضرب، يبدأ أول شيء بالضرب على طول، ليس هذا الإسلام، ولا هذه تعاليم الإسلام، ولا هذه المعاملة الزوجية الصحيحة، نسمع أحياناً أخباراً كثيرة عجيبة عن فعل بعض الرجال بزوجاتهم، يفعلون والله بهن أفعالاً لا ترضي الله -عز وجل- مطلقاً، وتعجب أحياناً لرجل ظاهره الصدق والالتزام كيف يتعامل مع زوجته، ألواناً من التعامل لا تخطر ببال، بل قد يصل الأمر ببعضهم إلى أن يستعمل العنف حتى في جماع زوجته حتى تكرهه، يقول: أنا أريد أتزوج زوجة أخرى، الحل: أكون معها عنيفاً حتى تكرهني، وتقول: اذهب واكفنا من شرك، اذهب تزوج، ليس هذا هو الطريق إلى تطبيق سنة التعدد.
هناك بعض الناس يعاملون زوجاتهم بهذه النفسية، وهذه القضية خطيرة جداً، ومخالفة صريحة واضحة لحديث الرسول ﷺ، أين الاستيصاء بالنساء؟ وأين قول الرسول ﷺ: ليس أولئك بخياركم ؟ [رواه أبو داود: 2146، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 1863]. ليس أولئك الرجال بخياركم.
وهذا الموضوع البسط فيه وارد جداً من واقع معاملات الناس اليوم، الغالب أن الرجل ليس هو المظلوم، قليل جداً أن المرأة تقوم على الزوج وتضربه وتسكته وتطرده من البيت، هذا الذي يحصل بالعكس، الذي يحصل أن الرجل هو الذي يفرض عضلاته ويستخدم قوته، ويضرب زوجته ضرباً مبرحاً، ويوقع عليها شتى أنواع الإهانة والسب والشتم، أحياناً الذي هو قد يكون أشد من الضرب بعدة مراحل، فيهينها ويحقرها، ويذكر معايبها، ولا يترك شاردة ولا واردة إلا ويقع فيها، فلا بد أيها الإخوة من تطبيق الإسلام، ما هو فقط خارج البيت وأمام الناس في المساجد، ومع الزملاء والأصدقاء وفي حلقات العلم، لا، لا بد من تطبيق الإسلام في البيوت، وإلا فماذا نستفيد إذا كان بيت الواحد منا مهلهلاً مشتتاً مبعثراً، ليس هناك فيه أواصر الرحمة بين الزوج وزوجته، وبعد ذلك ليسوا أولئك بخياركم حتى ولو كانوا أعلم وأفقه وأكثر نشاطاً في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، إذا أردت أن تصبح إنساناً ملتزماً فعلاً بالإسلام، وجاداً في الالتزام بالإسلام فعليك أن ترفق بأهل بيتك، والرسول ﷺ في حادثة في طريق سفر أمر بالرفق بالنساء، فكان الرسول ﷺ في سفر، وكان معه بعض نسائه، فماذا حصل؟ كن النساء يركبن الإبل، وكان هناك حاد يحدو هذه الإبل غلام أسود حسن الصوت يقال له: أنجشة، هذا الحديث الصحيح الذي يرويه البخاري -رحمه الله تعال- ، وكان معه غلام أسود يقال له: أنجشة يحدو بهن، يصدر الأصوات التي تحدي الإبل، وعليها نساء الرسول ﷺ، ومعهن أم سليم امرأة أخرى، فقال النبي ﷺ:رويدك يا أنجشة، ارفق بالقوارير قال أبو قلابة من رواة الحديث: "المقصود بالقوارير يعني النساء". رواه البخاري في كتاب الأدب في صحيحه. [رواه البخاري: 6149، ومسلم: 2323].


قال العلماء في شرح الحديث: "كنّى عن النساء بالقوارير لرقتهن وضعفهن عن الحركة، والنساء شُبّهن بالقوارير في الرقة وضعف البُنية، وقيل: إذا أسرعت الإبل لم يؤمن على النساء السقوط".
يقول الرسولﷺ لأنجشة:يا أنجشة، رفقاً بالقوارير[رواه البخاري: 6149، ومسلم: 2323].
أقل من الحداء قليلاً؛ حتى لا تسرع الإبل زيادة بفعل الحداء، وهذه المرأة رقيقة، ولا تتحمل سرعة الإبل، وقد لا تتشبث بالبعير وتستوي عليه استواء كاملاً، فتسقط لأنها ضعيفة، قد لا تستطيع أن تتشبث به تشبثاً قوياً، فكأن الرسول ﷺ يقول لأنجشة يقول: ارفق بهذه الإبل في المسير كأن على ظهورها قوارير، كيف لو كان على ظهور الإبل قوارير هل تسرع فيها؟ لا، لأن القوارير تتكسر، فلذلك ارفق بالقوارير.
وقيل يدخل في المعنى أيضاً كان حسن الصوت بالحداء، هذا أنجشة، فقيل: أن الرسول ﷺ كره أن تسمع النساء الحداء، فشبه ضعف عزائمهن، وسرعة تأثير الصوت فيهن بالقوارير في سرعة الكسر إليها.
الرسول ﷺ كان يخشى من الفتنة، وكان يسد كل طريق فيه فتنة، فكان يخشى أن هذا الرجل اللي صوته جميل، يخشى أن النساء يفتن بصوته، فيأتي في قلوبهن أشياء لا يرضاها الله تعالى، فقال له: رفقاً بالقوارير  وبعض العلماء جمع بين المعنيين، ومنهم القرطبي -رحمه الله- في مسلم، فقال: "شبههن بالقوارير لسرعة تأثرهن وعدم تجلدهن، فخاف عليهن من حتف السير بسرعة السقوط، أو التألم من كثرة الحركة والاضطراب الناشئ من السرعة، أو خاف عليهن الفتنة من سماع النشيد، فلهذا قال الرسول ﷺ:رفقاً بالقوارير[فتح الباري لابن حجر: 10/545].
الخلاصة: أنه يجب علينا أن نرفق بنسائنا، يرفق الإنسان بزوجته وأمه وأخته وابنته، يرفق بهن.
وأما بالنسبة للرفق بالأولاد، فقد كان ﷺ يرفق بالصبيان كثيراً، فورد في صحيح الجامع من رواية أبي داود الطيالسي عن أنس أنه كان رحيماً بالعيال.


وورد أيضاً في الحديث المتفق عليه عن أنس أنه ﷺ كان يزور الأنصار، ويسلّم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم" [رواه النسائي في الكبرى: 8291، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1278].
رواية أنس أن الرسول ﷺ كان يزور الأنصار، ويسلّم على صبيانهم، ويمسح رءوسهم، فقد كان ﷺأيضاً رفيقاً بمن؟ بالصبيان بالأولاد، ولذلك كان يركب أمامه على ظهره والحسن والحسين، وكان يطيل السجود حتى ينزل الولد من على ظهر الرسول ﷺ، كان رفيقاً بهم، ومرة كان يخطب ترك الخطبة لأجل أنه رأى الحسن والحسين يمشيان يتعثران في مشيتهما، فخشي عليهما فنزل وقطع الخطبة، قطع الخطبة ونزل وأخذهما وضمّهما إليه" [رواه الترمذي: 3774، وصححه الألباني في المشكاة: 6168].
هذا هو الحنان والرفق، والرجل هذا الأعرابي البدوي الذي جاء إلى الرسول ﷺ قال: "إنكم تقبّلون صبيانكم، أنا عندي عشرة من الولد ما قبّلتهم، ولا واحد منهم ما قبلتّه، فقال ﷺ:وما أملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك، ماذا تريد أن أعمل لك إذا نزع الله الرحمة من قلبك[رواه ابن ماجه: 3665، وابن حبان: 5595، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2263].
فالشاهد هنا: أن بعض الناس لا يرأفون بأولادهم، ويشتدون عليهم بالضرب والعقوبة، وتحدث لذلك مآسٍ كثيرة، وبعض الأخبار التي نسمعها، تعبت جداً من هذه المعاملة، وتقف مندهشاً وتقول: أي أب وأي أم اللذين يفعلان بأولادهما هذه الأفعال؟ ولقد سمعت من ولد أن أباه كان إذا أراد أن يضربه أخذ سلكاً كهربائياً، سلكاً من هذا النحاس الغليظ، وبدأ يضربه، وإذا ما وجد الأم هي التي تأتي له بهذا السلك، وإذا أراد الولد أن يأكل ما يأكل معه، يأكلون بعدما ينتهون، يقول: تعال أنت نجس ما يصلح تأكل معنا، بعد ما تخلص تعال، وأن أباه مرة في الشتاء القارس طرده إلى سطح البيت لينام في عشة للحمام، وأغلق عليه من غير غطاء، هذه الألوان، وهذا الجمود والتحجر وغلظة القلب إلى ماذا يؤدي؟ يمكن أن يؤدي ببساطة كما حدث أن هذا الولد يشك أن هذا أبوه وأمه الحقيقيون، يقول: ليس معقولاً عندما يرى تعامل بقية الآباء والأمهات مع أولادهم، يقول: ما هو معقول يكون هذا أبي وهذه أمي ما هو معقول، لماذا هذه المعاملة؟ وهذا يرسخ في قلبه حقداً وضغينة على الأب والأم، ولا تستبعد بعد ذلك أن يكبر هذا الولد فينزل بأبيه العاجز وأمه الضعيفة الكبيرة ألوان العقوبات من باب رد الصاع صاعين عندما يكبر، وسيهرب من البيت بأي وسيلة، وسيحصل التمرد، وأقل الأمور أن ينشأ الولد محطم النفسية في حالة من الشقاء والتعاسة لا يعلم بها إلا الله، لن يقوى مستقبلاً على مواجهة أي صعوبة في حياته، فأيها الأخوة رفقاً رفقاً بالأولاد والصبيان، وبعض النساء والرجال قد يرفق بأولاده لكن لا يرفق بأولاد الجيران، ولد الجيران ضرب ولدي تعال أمسكه بالشارع وأضربه بالنعال أمام الناس ضرباً مبرحاً حتى يسقط مغشياً عليه، وهكذا الحوادث كثيرة، لكن أين هذا أين هذا من قول الراوي: كان رسول اللهﷺ رحيماً بالعيال، يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويسمح رءوسهم؟


كذلك الرفق لا بد أن يكون أيضاً في المعيشة، يرفق الإنسان بمعيشته، بعض الناس يبذرون أموالهم في المأكولات واللبس وفرش البيت وغير ذلك، فلا بد أن يكون الإنسان رفيقاً في هذه الأشياء، ولذلك ورد في بعض الآثار عن سالم بن أبي الجعد أن رجلاً صعد إلى أبي الدرداء وهو في غرفة له، وهو يلتقط حباً منثوراً، انتفل الحب على الأرض، ما جاء بالمكنسة وقش هذا ورماه، جلس يلتقط هذا الحب، فقال أبو الدرداء: إن من فقه الرجل رفقه في معيشته، هذا الحديث روي مرفوعاً، لكنه ضعيف وهو موقوف محتمل للتحسين، قال أبو الدرداء: إن من فقه الرجل رفقه في معيشته، يعني: لا يتكلف ويزهد ويتبسط في الحياة، بعض الناس عندهم تعقيد، ولذلك يعيش في شقاء، لأنه ما يمكن كيف ينزل هذه الموضة والموديل في السوق دون أن يقتنيه، فيجلس ويتابع ويشقى لاهث النفس، وهو يجري وراء هذه الأشياء يجمع، ليست هكذا ليس هذا هو الرفق في المعيشة الذي قاله أبو الدرداء: إن من فقه الرجل رفقه في معيشته، من فقهه.

الرفق بالحيوانات والعجماوات

01:11:15

  
وكذلك أيضاً من أنواع الرفق أو نختم به الحقيقة؛ لأن الموضوع قد طال: الرفق بالحيوانات، حتى الجمادات، الرفق بالحيوانات أدلته كثيرة، وهذا الأدب العظيم الذي سبق الإسلام إليه الكفار، سبق الغربيين بمئات وآلاف السنوات، بمئات السنوات سبق الإسلام إليه بمئات السنين، وبعض الكفرة اليوم يتعالون على المسلمين الجهلة، ويقولون: انظروا إلى ما عندنا من المحاسن، نحن عندنا جمعيات رفق بالحيوان، ونفعل ونفعل، تعال معي يا أخي المسلم لأستعرض معك بعض الأحاديث التي تنسف ما زعمه هؤلاء، وترد هذا الجهل المتأصل في نفوس بعض المسلمين المخدوعين بما عند الغرب، روى أبو داود رحمه الله بإسناد صحيح عن عبد الله بن جعفر قال: "دخل رسول الله ﷺ حائطاً لرجل من الأنصار، يعني بستاناً ، فإذا جمل في البستان، فلما رأى النبي ﷺ الجمل لما رأى النبي ﷺ وهذا من المعجرات حنّ وذرفت عيناه، حنّ الجمل وذرفت عيناه، فأتاه النبي ﷺ، فمسح سراته إلى سنامه، يعني: مسح ظهره إلى سنامه، وذفراه، يعني: أصل أذنه، مسح أصل أذني البعير، فسكن البعير، لمسح الرسول ﷺ عليه، شوف الرفق، فقال:من رب هذا الجمل؟ يعني: من صاحب هذا الجمل؟ رب بمعنى صاحب، لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: لي يا رسول الله، فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه [رواه أبو داود: 2549، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2269]. 
يعني: تتعبه وتكده، هذه من المعجزات، اشتكى الجمل إلى الرسول ﷺفعل صاحبه.
ولذلك يقول الرسول ﷺ بمعنى الحديث اتقوا الله في هذه البهيمة العجماء، التي لا تنطق، ما عندها مقدرة على أن تشتكي، وهناك أناس اختصاصهم وهوايتهم تعذيب الحيوانات، ولذلك "لعن رسول اللهﷺ من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً يُرمى" [رواه مسلم: 1958].


يعني: واحد يضع دجاجة ويتسلى عليها في الرمي، أو يضع أرنباً ويتسلى عليه، وهكذا، وهذه المرأة التي حبست الهرة حتى ماتت فدخلت بسببها النار، وامرأة أخرى من البغايا من الزناة من بني إسرائيل زانية رحمت كلباً، فنزلت في بئر، فملأت خفها ماء، فسقت كلباً قد عطش، فأدخلها الله الجنة بهذا الفعل، وكذلك عن ابن عباس أن رسول الله ﷺ مر على رجل واضع رجله على صفحة شاة، على رقبة شاة، وهو يحد شفرته وهي تلحظ إليه ببصرها، تأمل الموقف، الرجل هذا واضح سدح الشاة وجلس وضع رجله على صفحة العنق، وجلس يحد الشفرة سكين أمام البهيمة، والبهيمة تلحظ إليها ببصرها، هكذا يقول الراوي، فقال:أفلا قبل هذا؟ يعني: أفلا حددتَ الشفرة قبل هذا؟  أتريد أن تميتها موتتين  يقول الرسول ﷺ للرجل: أتريد أن تميتها موتتين [رواه الطبراني في الكبير: 11916، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1090]. 
وعن عبد الله قال: "كنا مع رسول الله ﷺ في سفر فانطلق لحاجة، يقضي حاجته، فرأينا حمرة، طائراً صغيراً لونه أحمر معها فرخان، ولدان لها صغيران فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة، فجعلت تفرش، يعني: ترفرف بجناحيها وتقترب من الأرض وهي تبحث وتتحسس على هذين الفرخين، فجاء النبي ﷺ فقال:من فجع هذه بولدها؟ ردوا ولدها عليها [رواه أبو داود: 2675، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 25].
انظر إلى رفق الرسول ﷺ، هذه الأحاديث كلها صحيحة وموجودة في سلسلة الأحاديث الصحيحة المجلد الأول.
إذن، هذه بعض الجوانب التي يدخل فيها الرفق، فتأمل معي عظم هذا الخلق العظيم، وشموليته، ودخوله في نواحي كثيرة من الحياة.


وختاماً لا بد أن نؤكد على نقطة مهمة قد ينقلب الرفق أحياناً إلى ذُل ومهانة، أحياناً بعض الناس يخطئون في المكان الذي يرفق به، يعني: الموقف الذي يستخدم فيه الرفق يكون خطأ، المفروض ما يستخدم الرفق في هذا الجانب في هذا الموقف، فينقلب الرفق في حقه إلى ذل ومهانة، فلا بد من التوسط في الأمور، ولذلك قال بعض السلف: "لا تكن رطباً فتُعصر، ولا يابساً فتُكسر" [مجمع الأمثال للنيسابوري: 2/259].
وقال بعضهم: "لا تكن حلواً فتُبلع، ولا مراً فتُلفظ"[البصائر والذخائر: 5/222]. تُلفظ إلى الخارج.
الرسول ﷺ هل كان يرفق في كل المواقف؟ لما قتل أسامة بن زيد الرجل الذي قال لا إله إلا الله، رفع أسامة سيفه على رجل من الكفار قتل في المسلمين في إحدى المعارك خلقاً كثيراً، فلما رفع السيف عليه، قال الكافر: لا إله إلا الله، فأسامة قال: بعد ماذا؟ قتلت كل الناس وبعدين تقول لا إله إلا الله، وقتله، فلما رفع الأمر إلى رسول الله ﷺوعرف القصة، ما وقف هنا موقف الرفق، وإنما وقف موقف الشدة الشديدة جداً، وجلس يوبخ أسامة بن زيد، ويقول له: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله [رواه البخاري: 4269]. أو قال له: ماذا تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟  حتى يقول أسامة: فتمنيت أني كنت أسلمت يومئذ أو لم أكن أسلمت إلا يومئذ"، يعني: تمنيت أني كنت كافراً عندما قتلت الرجل وأسلمت بعد ما قتلته، من شدة اللوم الذي شعر به، لماذا ما وقف الرسول ﷺهنا موقف الرفق؟ لأنه ليس موقفاً مناسباً، أنت تنتهك أمامك حرمات الله، تقف موقف الرفق واللين مع الناس، وتأتي تبتسم وتضحك وهم ينتهكون حرمات الله أمامك ويستهزئون بالدين، ويسبون الرسول والقرآن والرب والعياذ بالله تعالى، فإذن، كل شيء له حدود، وكل شيء له موقف معين يتخذ فيه، فهناك فرق بين الرفق والتساهل غير الشرعي، وتمييع الأمور، لا يعني الأمر بالرفق ونخلي الناس على راحتهم، والله حتى لو زوجتي ارتكبت محرماً، أو الولد ينظر إلى محرم، أن أكون رفيقاً به بمعنى أني ألين معه لا آمر بالمعروف ولا أنهى عن المنكر، لا، وفرق بين أن يكون الرفق وسيلة إلى تحصيل المقصود، وبين أن يكون الرفق هو الهدف، المهم أن نصل إلى اللين حتى لو كان الوضع لا يسمح، المهم اللين، لا، الرفق يجب أن يكون وسيلة يحقق المقصود، فإذا كان المقصود الشرعي ما يتحقق بالرفق، يتحقق بالشدة والغلظة ، فلا يجوز استخدام الرفق في هذه الحالة، ولا يعني الرفق الذلة للكفار، والذلة للذين يستهزئون بالمسلمين بالسنن التي يطبقونها والذين يسبون الله عدواً، لا، هؤلاء ليس لهم الرفق، إذا دعوا إلى الله وبين لهم الحكم ووعظوا وأصروا، فليس لهم إلا الغلظة يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73]. هذا التنبيه المهم جداً حتى لا تنقلب الأمور، وحتى لا تخرج عن إطارها الصحيح.
وفقنا الله وإياكم لأن نسلك طريق الرفق، ونسأله أن ينمي هذا الخلق العظيم في أنفسنا، ويجعله لنا سبيلاً ومنهجاً ومسلكاً، وأستغفر الله لي ولكم.
يمكن أن نجيب على سؤالين أو ثلاثة:
يقول: هل هناك تقسيمات في علماء الدين مثل ما عند اليهود والنصارى، وهل هذه الألقاب لها أصل في الإسلام، ولماذا تطلق بعض الألفاظ على بعض العلماء؟
أيها الإخوة ليس هناك شيء اسمه رجال دين في الإسلام؛ لأن المسلمين كلهم يجب أن يكونوا رجال دين، ورجال الدين، هذه الاصطلاحات والتسميات وردت إلينا من النصارى هم الذين ابتدعوا رجال الدين؛ لأن عندهم الدين مختص بالرجال، وبقية المجتمع بلا دين، وقت الحاجة يذهب إلى الكنيسة، ولذلك قال بعض مفكريهم: إن الناس في انجلترا يعبدون بنك انجلترا ستة أيام في الأسبوع، ثم يتوجهون يوم الأحد إلى الكنيسة، في السابع إلى الكنيسة، هذه هي حالهم فعلاًـ، يعبدون البنك المركزي ستة أيام في الأسبوع، ثم يتوجهون في اليوم السابع إلى الكنيسة.


يقول: كيف أفرق بين المداهنة في إنكار المنكر، بين الرفق في إنكار المنكر والمداهنة في الدين؟
ببساطة إذا كان تصرفك سيكون على حساب أن يفهم الناس الإسلام فهماً خاطئاً تجي عند منكر، واحد يعمل منكراً تقوم أنت تسكت وتداهن وتقول: لعله فعله كذا ولعله فعله كذا، وتجلس تتلمس الأعذار السخيفة للرجل هذا، فالناس ماذا يفهمون؟ يفهمون أن هذه العملية ما فيها شيء، يفهمون أنك أنت ما عندك موقف ولا عندك جرأة وثبات، وإنك لأن هذا الرجل عزيز عليك أو لأن هذا الرجل مثلاً مديرك، فأنت جالس تلف الأمور وجالس تدافع عنه بالباطل، هذه المداهنة، أما الرفق أنك تتخذ اللين في أسلوب العرض في الدعوة بدون التخلي عن مبدأ واحد من مبادئ الدعوة، المبادئ هي هي باقية ما تغيرت، لكن الأسلوب اللين بدل ما أرفع صوتي وأهدد وأتوعد أجي باللين، هذا هو الفرق باختصار بين المداهنة وبين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بين الرفق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ما حكم الصلاة خلف الإمام المبتدع الجاهل في بدعته؟
 الصلاة خلف الإمام قد يكون الإمام فاسقاً، فعند ذلك يحاول الناس أن يغيروه، لكن إلى أن يتغير تجوز الصلاة وراءه ، لا تترك صلاة الجماعة في المسجد؛ لأن الإمام فاسق، قد يكون الإمام مبتدع، البدع تنقسم إلى قسمين: بدعة كفرية، يعني تخرج من الملة مثل بدعة الذين يقولون: أن الأولياء يعلمون ما في الغيب، وأن الأولياء يصرفون أمور الكون، أو بدعة الذين يشركون بالله ويطوفون بالقبور ويطلبون إلى آخره، هؤلاء الناس المشركون لا تجوز الصلاة وراءهم مطلقاً، بل تعمل جماعة أخرى ويصلى إذا ما استطاعوا تغيير الإمام، وإذا كانت البدعة غير كفرية فتكره الصلاة وراء هذا الرجل ولابد من تغييره؛ لأن البدعة خطيرة، بل عدها العلماء من أكبر الكبائر، أكبر بعد الإشراك بالله البدعة وبعدين قتل النفس، لكن لو جهلنا عقيدة إمام معين، جينا دخلنا المسجد لقينا إمام يصلي والله ما نعرف عقيدة الرجل، هل هذا من أهل السنة والجماعة أو رجل مبتدع، فلم يكلفنا الإسلام بالتنقيب عن قلوب الناس، نقول: تعال أنت يا فلان قبل أن تصلي بنا لا بد أن نختبرك تعال، أين الله؟ وما هي عقيدتك في الأسماء والصفات؟ وما هو معتقدك في توحيد الألوهية وكذا؟ وفصّل لنا في كلام الله هل هو كذا أو كذا، ونظل نختبر وماهي عقيدتك في الولاء والبراء؟ ما كلفنا الإسلام بهذا، نمسك الذي نختبره قبل الصلاة أو ما تصلي فينا، لا، إذا كان ظاهره الصلاح والاستقامة ظاهره يكفي حتى يثبت أنه على بدعة فعند ذلك نتخذ الموقف، لكن ما دام ما ثبت لنا فنحن ما كلفنا بالتفتيش والتنقيب وأن نمتحن الناس، هذه خلاصة كلام ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
نكتفي بهذا.
وأسأل الله  لي ولكم الإخلاص في القول والعمل، وأن يجمعنا وإياكم على طاعته.
وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.