الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
الغيب لا يعلمه إلا الله
فالمستقبل غيب لا يعلمه إلا الله: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59].
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل: 65].
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34].
وهذا الغيب قد يطلع الله على بعضه من يشاء : عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن: 26- 27].
وقد ذكر لنا ربنا في كتابه، ونبينا ﷺ في سنته مما أوحى إليه ربنا بعض أنباء الغيب، فصار عندنا أمور من الغيب علمناها بإخبار الله لنا، وصار ما يحدث في المستقبل بالنسبة لنا ثلاثة أمور:
أولاً: شيء معلوم وقوعه يقيناً؛ كالدجال، والدابة، وخروج يأجوج ومأجوج، وأشراط الساعة الصغرى والكبرى التي ذكرت لنا، فإنه غيب مستقبلي معلوم لنا يقيناً بإخبار الله ورسوله.
ثانياً: شيء يتوقع حصوله بالقرائن والمؤشرات، وهذا ظن، قد يقع وقد لا يقع، وهو محل دراسة استشراف المستقبل.
وثالثاً: أمور مفاجئة قد لا تكون لها مؤشرات ولا قرائن، تحدث فجأة، فلابد من الثبات عند وقوعها اعتماداً على الإيمان بالله -سبحانه-.
وعلى ما أعد العبد به نفسه لمواجهتها من خلال الارتباط بالله -سبحانه- عقيدة وعملاً.
طرق استشراف المستقبل
وهذا المستقبل فيه أحداث كثيرة، ومفاجآت متعددة.
إن هذا الغيب المستقبلي، وهذه الأشياء التي يتوقع حدوثها، أو تفاجئنا لابد أن نهيئ أنفسنا لها.
والإنسان مجبول على التطلع للمستقبل ومعرفته، ومتشوق إلى معرفة ما يكون فيه، ولذلك تحسر زهير في شعره، فقال:
وأعلم ما في اليوم والأمس قبلهم | ولكنني عن علم ما في غد عمي |
السحر والكهانة
وقد حاولت البشرية أن تعرف ما في الغيب عن طرق باطلة كثيرة؛ كالسحر والكهانة والعرافة والتنجيم والخط بالرمل وقراءة الكف والنظر في الفنجان وحساب الجُمَّل ومتابعة الأبراج، وكتب خرافية ألفوها في هذا؛ كالجفر المنسوب كذباً لجعفر الصادق، وبعض الكتب التي تتحدث عن الملاحم، ونحوها مما هو مبني على إسرائيليات أو أحاديث مكذوبة وموضوعة، هذه مصادر لا تسمن ولا تغني.
الأخبار اليقينية الصادقة
وأما الطرق لاستشراف المستقبل ومحاولة معرفة ما يكون فيه، فإننا قد سبق أن قلنا: أن منه ما يكون قطعياً يقينياً بالخبر الصادق، وقد أُخبرنا عن هذا بأمثلة؛ كرفع العلم، وفشو الجهل، وظهور الزنا، واستحلال الخمر والمعازف، وكثرة القتل، والاستخفاف بالقتل، وخروج المسيح الدجال، ونزول المسيح المهدي، ووقوع الملاحم الكبرى بيننا وبين النصارى من جهة، وبيننا وبين اليهود من جهة، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "كل ما جاء عن النبي ﷺ بإسناد جيد أقررنا به" [الروح، لابن القيم، ص: 57].
التوقعات المبنية على السنن الإلهية
وكذلك من الأشياء التي تكون في الغيب: توقعات، الأشياء التي تكون في المستقبل توقعات، ممكن تكون مبنية على سنن إلهية، سنن إلهية وربانية تتكرر؛ كسنة الابتلاء، وسنة الله في المترفين، وسنة الله في الظالمين، وسنة الله في أعداء الدين، وسنة المدافعة التي أخبرنا الله عنها.
الرؤى والأحلام
ومن الطرق كذلك: الرؤى والأحلام، وقد أخبرنا النبي ﷺ عن الرؤيا الصالحة بأنها جزء من النبوة، وبأنها من المبشرات، قال: الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له [رواه الترمذي: 2275، وأحمد: 22767، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
ومن الناس من جعل هذه الرؤى ملاذه، وجعلها تخديراً يستسلم به، وهروباً من الواقع، وتخاذلاً عن العمل، وقعوداً عن السعي والبذل.
ولا بد من معرفة الضوابط الشرعية في الرؤى والأحلام.
فمثلاً: لا نجزم أن هذه رؤيا فقد تكون حديث نفس أو أضغاث أحلام.
وثانياً: لا يجوز الجزم بتفسير معين فيها؛ لأن تفسير الرؤى ظن.
ثالثاً: لا يجوز الكلام فيها بغير علم بتفسيرها، لأنه كالفتوى.
ورابعاً: لا يبنى عليها مواقف وتصرفات.
وخامساً: لا يؤخذ منها أحكام.
وسادساً: هي مبشرات ومثبتات، وعلى أحسن الأحوال قرائن وليست بأدلة، فهي بشائر تبعث الأمل ويتفاءل بها، ويستعد بها المرء لأمور قد تحدث له في المستقبل.
الفراسة والإلهام
وكذلك من الطرق: الفراسة والإلهام، قال ابن حجر: "وأما الفراسة فنسلمها لكن لا نجعل شهادة القلب حجة لأنا لا نتحقق كونها من الله أو من غيره" [فتح الباري: 12/388] فهذه التي تلقى في القلب فراسة، لكن لا نستطيع أن نجعلها دليلاً يعتمد عليه.
قال ابن القيم -رحمه الله-: "وللفراسة سببان: أحدهما: جودة ذهن المتفرس، وحدة قلبه، وحسن فطنته.
والثاني: ظهور العلامات والأدلة على المتفرس فيه. فإذا اجتمع السببان لم تكد تخطئ للعبد فراسة ... ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أموراً عجيبة" [مدارج السالكين: 2/457 - 458] فهو أخبر بأشياء، لكن لما أخبر بها، هل كان يجوز الجزم بأنها ستقع؟
الجواب: لا، لكن بعض ما أخبر به كان صحيحاً، فقد أخبر الناس بأن التتار سيتحركون ويقصدون الشام، وأن الدائرة والهزيمة عليهم، والظفر للمسلمين.
ولما طلب إلى الديار المصرية وأريد قتله اجتمع أصحابه لوداعه، وقالوا: قد تواترت الكتب بأن القوم عاملون على قتلك، فقال: والله لا يصلون إلى ذلك أبداً، هذه فراسته، ما ألقي في قلبه، لم يكن من الممكن الجزم لحظة إخباره بها أنها ستقع، هذا ما وقع في نفسه، ولكن وجد أصحابه بعض ما أخبر به قد وقعت، توقعاته صدقت، لكن عند الإخبار لا يمكن الجزم أنها ستحصل، فقالوا له: أفتحبس؟ قال: نعم، ويطول حبسي، ثم أخرج وأتكلم بالسنة على رؤوس الناس.
فقد يكون لبعض الناس فراسة وحدس قوي، ولكن لا نستطيع لو أخبرنا بهذا الجزم عند الإخبار أنه سيقع كما يخبر، وهكذا إذاً الفراسة والرؤى.
ولنضرب مثلاً على رؤيا من الرؤى: أخبر بعضهم قال: رأيت جماعة من الصالحين ثار عليهم بعير هائج فخافوا فقام إليه بعضهم فنحره، فقال معبر: هذه أمة كفر وعدو يثور على المسلمين، هائج، يخبط، يطغى، يضرب، يظلم، ثم تكون نهايته على يد بعض المسلمين، وأن ذلك يكون يوم النحر في الحج.
هذه الرؤيا مثلاً هل نستطيع أن نجزم بأن هذا التفسير صحيح؟
لا، الله أعلم.
هل هذه نهاية على يد المسلمين فعلاً؟
الله أعلم.
هل هذا سيكون يوم نحر أو في غير يوم النحر؟
الله أعلم.
هل هذا سيكون يوم النحر في هذه السنة أو السنة التي بعدها أو التي بعدها أو بعد عشرين سنة؟
الله أعلم.
إذاً، كل ما يخبر به من تفسير الرؤى والأحلام ظن.
وإذا كان أبو بكر الصديق -الذي هو أبو بكر الصديق- لما فسر رؤيا قال النبي ﷺ له: "أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً" [رواه البخاري: 7046، ومسلم: 2269] فكيف بغيره ممن هو أقل منزلة منه بكثير في العلم والإيمان.
أيها الإخوة: نحن إذاً في قضية الغيب نوقن بأنه لا يعلمها إلا الله، لكن هناك مؤشرات في بعض الأحداث، هناك قرائن ممكن يستوحى من خلالها يُفهم يتوقع بعض الأشياء.
والمسلم ذكي فطن حكيم يأخذ الحكمة ويتعامل مع الواقع، بناءً على نور الكتاب والسنة.
الإعداد النفسي والمعنوي لأحداث المستقبل
نريد أن نتحدث في موضوع: إعداد النفوس لأحداث المستقبل.
نحن نعلم أن المستقبل مليء بالأحداث، وكلما قام في الواقع أفعال وأعمال وأحداث وأمور كبار وجب على المسلم أن يستعد لها.
هناك نذر، العاصفة إذا جاءت لها نذر.
أرى خلل الرماد وميض جمر | وأخشى أن يكون لها ضرام |
فإن النار بالعودين تذكى | وإن الحرب مبدأها كلام |
وهذه الأشياء التي نراها في الواقع كحشد الكفار قوتهم مثلاً، دليل على ماذا؟
على إمكان وقوع أذى وشر وحرب على المسلمين.
فماذا يوجب هذا بالنسبة لنا؟
استعداداً نفسياً ومعنوياً ومادياً لهذه الأشياء المرتقبة والمتوقعة.
ولنذكر بعض الأصول الشرعية المتعلقة بموضوع إعداد النفوس لما يستقبل، أو الاستعداد للأحداث المستقبلة.
فعلى سبيل المثال:
أولاً: قصة يوسف لما عبر الرؤيا بأنه سيكون هناك سبع رخاء ثم سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن، ثم عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون.
ما ذنبنا على هذا الخبر؟ أخبرهم بخبر مما علمه الله إياه في تأويل الرؤى أنه سيكون هناك.
إذاً، ما هو التصرف عندما علم بذلك؟ هل ناموا؟
كلا، قال: فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ [يوسف: 47].
إذاً، تدبير محكم.
فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ [يوسف: 47] هذا يخزن لمواجهة أحداث المستقبل من القحط.
ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ [يوسف: 48- 49]، فكان في ذلك الخبر وما بعده تهيئة.
ثانيا: هيأ الله نبيه ﷺ لرحلة المعراج -وهو حدث ضخم جداً- بغسل قلبه بماء زمزم، وكان الشق شقين: في صباه مرة عند حليمة السعدية؛ كما في صحيح مسلم.
والثاني: ليلة الإسراء والمعراج؛ كما في البخاري.
قال ابن حجر: "الشق الأول: كان لاستعداده لنزع العلقة التي قيل له عندها: هذا حظ الشيطان منك. والشق الثاني: كان لاستعداده للتلقي الحاصل له في تلك الليلة" [فتح الباري: 1/460].
مثال ثالث: أخبر ورقة بن نوفل النبي ﷺ عن سنة إلهية ستحدث له كما حدثت للأنبياء من قبله ليستعد ﷺ نفسياً لها، قال: يا ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك" يا ليتني كنت شاباً لأقوم معك بالمواجهة، إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: أو مخرجي هم؟ قال: نعم، هل ورقة قال ذلك عن وحي؟ لا، لكن قالها عن سنة ربانية في الأنبياء، قال: "نعم، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي" [رواه البخاري: 3، ومسلم: 160] إلا عاداه قومه.
إذاً، توقع من الآن يا محمد ﷺ مواجهة لابد، هذه سنة في الأنبياء، سنة ما يأتي رجل بمثل ما جئت به إلا عودي، جئت مخالفاً لقومك في عبادتهم ودينهم وملتهم، توقع الأذى إذاً.
رابعاً: تهيئة الرسول ﷺأصحابه للهجرة، قال: إني أريت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين وهما الحرتان فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان بأرض الحبشة إلى المدينة [رواه البخاري: 3871].
مثال خامس: تهيئة النبي ﷺ أصحابه لتوقع البلاء ونزوله والتعامل معه إذا حدث، قال حذيفة: "كنا مع رسول الله ﷺ فقال: أحصوا لي كم يلفظ الإسلام؟ فقلنا: يا رسول الله أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة؟ قال: إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا ، قال: فابتلينا، فعلاً حصل ما أخبر به، إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا ، قال: فابتلينا، حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً" [رواه مسلم: 149].
فهذا الإخبار منه ﷺ قيل: في أحد، وقيل: في حفر الخندق.
وقال حذيفة: "ابتلينا، ولعل ذلك كما كان في عهد بعض أمراء الظلم كما أشار إليه ابن حجر -رحمه الله-، مثل الحجاج وربما يصلي بالناس في غير الوقت الشرعي.
ابتلوا الصحابة حتى جعل الواحد لا يصلي إلا سراً؛ لأنه لو صلى في الوقت علناً لأخذه وبطش به الحجاج وغيره.
سادساً: أعد النبي ﷺ الأنصار لمستقبل فيه سيلقون أثرة، لن تكون الإمارة فيهم، ولا الخلافة فيهم، ولا القيادة لهم، فقال للأنصار: إنكم ستلقون بعدي أثرة هذا شيء يخبرهم به، بماذا سيستعدون لذلك؟ قال: فاصبروا حتى تلقوني وموعدكم الحوض [رواه البخاري: 3793].
كان تهيئة النبي ﷺ أصحابه لأمور عامة لهم جميعاً، أخبرهم مثلاً أن الدنيا ستفتح عليهم، وحذرهم من الافتتان بالدنيا، وأعد بعضهم نفسياً كالأنصار.
وفرادى؛ كذلك كما حصل لعبد الله بن عمرو قال له رسول الله ﷺ: يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس؟ .
أمر بعض أصحابه أن يستعدوا لأيام عصيبة، قالوا: وكيف بنا يا رسول الله ماذا نفعل إذا جاء هذا؟ قال: تأخذون ما تعرفون الحق الواضح تأخذه تعمل به، وتذرون ما تنكرون، الذي لا تعرفونه من أمر دينكم فلا تلتفتوا إليه، قال: وتقبلون على أمر خاصتكم هذه المجموعة المؤمنة الصافية النقية تلتزمون بها وتكونون معها، هؤلاء أهل العلم والإيمان، هؤلاء طريقهم هو الصحيح، ودربهم هو السعيد، قال: وتقبلون على أمر خاصتكم، وتذرون أمر عامتكم [رواه أبو داود: 4342، ]؛ لأن العامة ممكن يكونون على ضلال، بل كثيراً ما يكونون على ضلال، ما عليك من العامة، انظر الخاصة اتبعهم.
وأعد أبا ذر نفسياً، وهذا مثال آخر، فقال أبو ذر : ركب رسول الله ﷺ حماراً وأردفني خلفه، وقال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ ترى هذا إعداد نفسي يا إخوان، الآن المربي النبي ﷺ يعد أصحابه: كيف بك إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((تعفف)) [رواه أحمد: 21325، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"] لا تسأل الناس ولا تمد يدك إليهم، ((اصبر)) اصبر على ألم الجوع، ((تعفف)) قال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد إما بسبب قحط أو طاعون أو وباء، أو غير ذلك، حتى يكون البيت بالعبد البيت القبر، والعبد معروف.
ومعنى ذلك: أن الناس يشتغلون بدفن موتاهم حتى لا يوجد فيهم من يحفر قبراً لميت، أو يدفن إلا إذا أعطي عبداً أو وصيفاً، فيقال: خذ العبد كاملاً هذا لك لكن احفر لنا قبراً من كثرة الموتى، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: اصبر، قال: يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء حجارة الزيت محل بالمدينة في الحرة، حصل أنه جاءها بعض الظلمة بجيش واستباح مدينة رسول الله ﷺ، واستحر القتل بأهلها حتى غرقت حجارة الزيت في الدماء، وعاث فيها ثلاثة أيام، وقيل: خمسة، مسلم بن عقبة المري يا أبا ذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضاً حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: اقعد في بيتك، وأغلق عليك بابك قال: فإن لم أترك؟ قال: فأت من أنت منهم فكن فيهم يعني الزم أهلك وعشيرتك، أو الزم خليفة المسلمين الذي بايعته، قال: فآخذ سلاحي، قال: إذاً تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك" [رواه أحمد: 21325، وصححه الألباني].
-طبعاً- هذا خاص بالقتال قتال الفتنة بين المسلمين، يتخذ سيفاً من خشب، يمتنع عن القتال، إذا دخل عليه واحد قتله يبوء بإثمه وإثمه ويذهب هذا شهيداً.
في غير قتال المسلمين إذا ثار عليه واحد يدافع عن نفسه، وسنأتي على هذا إن شاء الله.
النبي ﷺ في مثال آخر أعد معاذ بن جبل قبل أن يرسله في رحلة دعوية إلى اليمن، أعده نفسياً، زوده بمعلومات مهمة، قال ﷺ: إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله.. [رواه مسلم: 19] الحديث.
إذاً، هؤلاء أهل كتاب عندهم حجج، عندهم أشياء معلومات سابقة، عندهم كلام ليسوا خاليين ينبغي أن تستعد يا معاذ، تستعد بالحجة المناظرة المواجهة الدعوة المداخل، تعرف كيف تتناقش هؤلاء القوم.
كانت هناك بعض الأخبار أيضاً للاختبار، أخبار عن أشياء مستقبلية للاختبار، فمثلاً: قال الله -تعالى-: قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا [الفتح: 16].
وقد ذكر المفسرون في هؤلاء القوم أولي البأس الشديد، قيل: هم هوازن، قيل: ثقيف، قيل: بنو حنيفة، قيل: فارس والروم، وقيل: رجال أولي بأس شديد من غير تعيين فرقة محددة، الله -عز وجل- قال لهؤلاء الذين تخلفوا عن الحديبية ستحدث مواجهة مع قوم أولي بأس شديد، والمفترض الثبات والقتال لهؤلاء، وعدم التخلف، فكان هذا الخبر اختباراً وامتحاناً.
وقد يكون الخبر أحياناً بشرى لطمأنة القلوب: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ [الفتح: 27] اطمأنت قلوب المؤمنين بهذه الآيات بعدما رجعوا من شروط صلح الحديبية التي ظنوها هزيمة لهم، وليست في مصلحتهم، رجعوا وفي نفوسهم ما فيها.
وقد تكون هذه الأخبار تثبيتاً لأفئدة المؤمنين واستعداداً تهيئة نفسية لجهاد يكون في المستقبل، هل كان في مكة جهاد؟ لا، ماذا كان في مكة؟ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء: 77] لماذا؟ لأن القلة المؤمنة غير مهيأة للمواجهة.
العربي من طبيعته أن فيه أنفة وحمية، وإذا واحد ضربه كفاً يمكن يقوم عليه بالسيف يقطع رأسه.
لما أسلم أوائل الصحابة قامت قريش بتعذيبهم، ففوجئت قريش بنوعية غريبة من العرب ما عهدوها، ضربوهم ما قاموا عليهم بالسيف، جوعوهم سجنوهم سبوهم شتموهم عذبوهم ما رفعوا عليهم السلاح، هذا ما هو من طبع العربي، العربي فيه أنفة، وإذا واحد فعل له شيئاً فعل له شيئين، فاستغربت قريش، ما طبيعة هؤلاء الذين يضبطون أنفسهم؟
وبالرغم من الاستفزاز، لقد مارست قريش على الصحابة استفزازاً عظيماً جدا في مكة، مع ذلك ما رفعوا السلاح، لماذا؟ لأنه لم يكن من المصلحة رفع السلاح، و قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ [النساء: 77].
وهذا من الانضباط العجيب الذي ينبغي أن يتمتع به المؤمنون عندما لا يكون من المصلحة رفع السلاح.
لكن فيه آيات في مكة كانت تنزل تشير إلى جهاد سيحدث، مثلاً: سورة القمر مكية فيها آية: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر: 45].
إذاً، فيه جمع سيتجمع ويهزمون، وكيف يهزمون بغير قتال؟
سورة ص فيها آية جُندٌ مَّا.. لاحظ الإشارات هذه جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ [ص: 11]، قبل سنوات في تهيئة.
إذاً، عملية التهيئة النفسية للمواجهة هذه من أسس النصر، وقيام مواجهة قبل وقتها من أسباب الهزيمة.
وهكذا كان ما حصل يوم بدر ويوم الأحزاب، وكان تأنيس النبي ﷺ والصحابة قبل اللقاء بمدة، عثمان بن عفان رجل حيي جداً، لم يكن ربما يتخيل أنه سيصبح يوماً خليفة على المسلمين، وأنه سيكون في فتنة وثوار يقومون عليه ويريدونه على التنازل على الخلافة، ما هو الموقف الصحيح أن يتنازل أو لا يتنازل؟ عثمان ما تنازل بقي إلى النهاية ما تنازل عن الخلافة، لماذا؟
لأنه كان هناك إعداد نفسي بخبر من الصادق المصدوق لعثمان رواه الترمذي عن عائشة قال رسول الله ﷺ: يا عثمان إن ولاك الله هذه الأمر يوماً فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه ثلاث مرات [رواه ابن ماجه: 112].
وبناءً على ذلك تصرف عثمان بناءً على الخبر المسبق، فيه تهيئة نفسية حصلت قبل سنوات، يمكن قبل عشرات السنين.
وقال النبي ﷺ للصحابة: والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم [رواه البخاري: 3158، ومسلم: 2961].
نحن طبعاً بعد عصر الصحابة وفي آخر الزمان، هل جاءتنا أخبار تهيئنا لأشياء؟
طبعاً، على سبيل المثال: قال رسول الله ﷺ: يوشك الفرات أن يحسر عن كنز من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
فالآن نحن عندنا خبر يقيني قطعي من الوحي أن جبل الفرات سيحسر، ينحسر عن جبل من ذهب، سماه: جبلاً لكثرته، ثم نهى عن أخذ شيء منه، لماذا؟ لما سيحصل من الفتنة والاقتتال عنده، حتى يموت من المائة تسعة وتسعون، تسعة وتسعون في المائة من المتقاتلين على كنز الفرات سيموتون، ويقول كل واحد منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو وأفوز بالذهب، قال: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً هذه تهيئة نفسية، هذه معلومات يبنى عليها في المستقبل، وهذه فائدة العلم: تهيئك نفسياً للموقف الصحيح:
أولاً: تعلم ماذا سيحدث؟
وثانياً: ما هو الموقف إذا حدث هذا الشيء؟
حذيفة تخصص بالسؤال عن الأشياء السيئة المتوقعات السيئة، فيه أشياء خير تقع وأشياء شر، حذيفة كان يسأل كثيراً عن الشر إذا صار الشر ماذا نفعل؟
قال: كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن فيه غبش وخلط، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر يقولون أشياء صحيحة وأشياء خاطئة، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم هؤلاء قادة الأحزاب الجاهلية، وقادة النظريات الجاهلية، نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: فاعتزل تلك الفرق كلها يعني الضالة، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك الوفاء للدين، الثبات على الدين، البقاء على الدين حتى آخر قطرة من الدم.
عبد الله بن مسعود قال له رسول الله ﷺ ذات يوم: كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها؟ قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ الآن يقول: كيف بكم؟ هذه تهيئة نفسية، كيف بكم إذا جاء كذا وحصل كذا؟ ماذا تأمرنا أن نفعل؟ قال: صل الصلاة لميقاتها، واجعل صلاتك معهم سبحة [حديث صحيح رواه أبو داود: 432].
ليس يا ابن أم عبد طاعة لمن عصى الله قالها ثلاثاً حديث صحيح [رواه أحمد: 3790، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
إذاً، إذا أجبرت على الصلاة معهم في غير الوقت أنت صل وحدك في الوقت، واجعل صلاتك معهم بنية النافلة، لكن لا يجوز لك أن تؤخر الصلاة عن وقتها.
عائشة في موقف آخر لما أقبلت بلغت مياه بني عامر، لما خرجت إلى موقعة الجمل، وكان المفترض ألا تخرج، نبحت الكلاب، لما جاءت على مكان يقال له: ماء الحوأب، موضع في الطريق، ماء الحوأب، نبحت الكلاب، قالت عائشة: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظن إلا أنني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون، فيصلح الله ذات بينهم، قالت: إن رسول الله ﷺ قال لنا ذات يوم: كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟ [رواه أحمد: 24254، وقال محققو المسند: " إسناده صحيح"] قال: واحدة من زوجاتي ستنبح عليها كلاب في ذلك الموضع، إشارة إلى أنها ينبغي أن لا تذهب، لكن ما زالوا بها حتى أقنعوها بمواصلة الطريق، وحصل ما حصل.
النبي ﷺ حذرنا وأعطانا علامات في قضية فتنة الدجال، وقال: سأصفه لكم وصفاً لم يصفه إياه نبي قبلي [رواه ابن ماجه: 4077].
وصفه لنا وصفاً دقيقاً جداً كأننا نراه، وصف لنا هيئته وشكله ووجهه وعينه، وماذا في عينه من العور، والعين الثانية من العيب، واحدة ممسوحة، والثانية كأنها عنبة طافية، وصف لنا الجلدة الزائدة الموجودة فيه، ومكتوب بين عينيه: كافر، يقرأها الأمي والكاتب، كان وصفاً دقيقاً، وقال: يا عباد الله فاثبتوا [رواه مسلم: 2937].
وهيأنا نفسياً لمحنة الدجال، أعطانا أوصاف كثيرة في محنة الدجال، وأعطانا إجراءات لمواجهة فتنة الدجال، وكل هذا تهيئة نفسية للأحداث التي ستأتي.
وقال لنا في ضمن الإجراءات والأفعال والتي نتخذها لمواجهة فتنة الدجال: من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن الرجال ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه [رواه أبو داود: 4319، وأحمد: 19968، وهو صحيح] مما يبعث به من الشبهات.
وفي رواية أخرى: قال: فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف [رواه مسلم: 2937].
وأخبرنا أن الناس يفرون من الدجال إلى الجبال.
وأخبرنا بأشياء كثيرة.
لكن الشاب الذي يخرج من أهل المدينة من خيرة أهل الأرض يومئذ لمواجهة الدجال، لما الدجال يقطعه نصفين ويباعد بينهما، ثم يركبه مرة أخرى بأمر الله، يقول له الدجال كأنه يقول: هل الآن آمنت بي؟ يقول: "ما ازددت فيك إلا يقيناً، أنت الدجال الذي حدثنا، أنت الكذاب الذي حدثنا عنه رسول الله -ﷺ".
وهذه أهمية العلم في مواجهة هذه الفتن.
وقال النبي ﷺ: ليأتين على الناس زمان يكون عليهم أمراء سفهاء يقدمون شرار الناس، ويظهرون بخيارهم، ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها، فمن أدرك منكم فلا يكونن عرفياً ولا شرطياً ولا جابياً ولا خازناً قال الهيثمي: "رواه أبو يعلى: 1115، ورجاله رجال الصحيح خلا عبد الرحمن بن مسعود وهو ثقة"].
النبي ﷺ قال لأبي ذر: إذا بلغ البناء يعني بالمدنية سلعاً فارتحل إلى الشام لما بلغ البناء سلعاً ذهب أبو ذر إلى الشام.
أخبر عبد الله بن حوالة، عبد الله بن حوالة حوالي في بلاد غامد معروفة، قال لعبد الله بن حوالة، قال له رسول الله ﷺ: سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مجندة، جند بالشام، وجند باليمن، وجند بالعراق، قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله، إن أدركت ذلك، قال: عليك بالشام، فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إن أبيتم فعليكم بيمنكم، واسقوا من غدركم جمع غدير وهو الحوض، فإن الله توكل لي بالشام وأهله حديث صحيح [رواه أبو داود: 2483، وأحمد: 17005].
اختلف مفسرو الحديث: هل هذه الأجناد الثلاثة مجتمعة أو متفرقة؟ يعني فرق، هل هي على شيء واحد، أو أنهم مختلفون؟ وقال له الصحابي: خر لي؟ اذهب إلى أي مكان؟ فقال: عليكم بالشام ومعروف ما سيكون عليه الأمر آخر الزمان بالشام عندما يكون نزول المسيح بالشام وقتال الدجال بالشام، وقتل اليهود بالشام، ونهاية أمر المؤمنين إلى الشام، وحصار المؤمنين في طور سيناء من يأجوج ومأجوج، ثم خروجهم بعد ذلك، هذه مرج دابق بالشام التي سيكون فيها الحرب العظيمة بين المسلمين والنصارى وهزيمة النصارى أمام المسلمين، هذه في نهاية الزمان عقر دار المؤمنين بالشام، لكن هو كان يعد، يخبره عن أشياء، وعبد الله بن حوالة يسأله ماذا أفعل إذا حصل هذا.
هذه شواهد شرعية على إعداد المؤمن لأحداث المستقبل فردياً وجماعياً.
إن قضية النظر إلى المستقبل أيها الإخوة مسألة مهمة وتتشوق إليها النفوس، لكن لا يعلم الغيب إلا الله.
هناك استثناءات أخبار معينة علمناها يقيناً بالوحي من الكتاب والسنة.
هناك أشياء يمكن أن يتوقعها الإنسان ويبقى توقع، يعني إذا جاءك واحد قال: أنا أتوقع أن يحدث كذا وكذا وكذا، لحظة الكلام حتى لو جاب قرائن وشواهد، قال: وعندي شواهد وعندي تحليلات عندي إشارات أن هذا سيحدث، أو قال واحد: ستحدث حرب وأنني أتوقع ذلك وقريباً، ولماذا؟
هناك حشد للقوات، وهناك .. وهناك.
يبقى هذا توقع، الجزم به غيب لا يعلمه إلا الله، لكن إذا الإنسان توقع الشيء، ووجدت المؤشرات والشواهد والقرائن عليه، هل سيبقى أعمى وقاعد ونائم. أو أنه سيستعد لذلك على الأقل نفسياً؟ وهذه مسألة مهمة.
والتوقعات أيضاً ممكن تكون مبنية على دراسات تحليلية واستقصاءات، مثل ما توقع الآن نضوب المياه في مكان معين، فيه إجراءات مثلاً.
توقع مثلاً مجيء عاصفة، إذا الآن حصل في الأرصاد الجوية بناءً على صور الأقمار الصناعية، ومؤشرات معينة توقعوا عاصفة، ماذا يفعل الناس؟
يحذرون الناس قبلها ليأخذوا أهبتهم.
توقعوا ثوران بركان، منطقة معروفة بالزلازل، كيف تبنى المساكن فيها؟ إذا تغير طبيعة بنيان المساكن، فيه إجراءات تتخذ لتوقعات المستقبل، فيه توقعات رجم بالغيب -كما قلنا- قراءة الفنجان والكف، هذه لا يبنى عليها ولا شيء، لأنه أصلاً ليست قرائن ولا أدلة، رجم بالغيب، ما فيها أي شيء موثوق يمكن الأخذ به.
لكن دراسة استشراف المستقبل الإعداد والتخطيط بناءً على ذلك، هذا من الحكمة، وقد غفل عنه المسلمون، وقد سبق الغرب إليه بالدراسات المستقبلية وسموه: علم المستقبل، وخصصوا له جامعات ومراكز وأندية، وهناك معاهد خاصة له كمعهد هملر، ومعهد هدسن، والجمعية الدولية لدراسات المستقبل، ولهم مؤتمرات ونظريات ودوريات ونشرات ومجلات، هذه يستفيدون منها كثيراً، ويدرسون قضايا متعددة حتى بعضها يتعلق بالمعادن والمياه وعن زيادة عدد السكان، أشياء كثيرة، وكما ضربنا أمثلة بالتغيرات الجوية والتصحر، وزيادة حرارة الأرض.
بعض هذه الدراسات تبنى عليها أشياء في اتخاذ احتياطات.
ونحن المسلمين أولى بالحكمة من غيرنا، ونحن عندنا أشياء ليست عند غيرنا، وينبغي أن نكون سباقين، نحن نملك نصوصاً تخبر بأمور الغيب لا يملكونها، وأنا أضرب لكم مثالاً واحداً على التخبط الذي يعيشه شخص ليس عنده قرآن وسنة، وشخص عنده قرآن وسنة في مجال البحث العلمي وموضوع في الفلك.
الآن الكفار يدرسون فيما يدرسون وينفقون أموالاً طائلة في قضية بناء مساكن على القمر والمريخ، سكن البشر على كواكب أخرى، ينفقون أموالاً لأنهم يظنون ربما يكون فعلاً فيه مجال خصب للسكن والمعيشة والاستثمار في الكواكب الأخرى.
لو أنت مسلم ترأس معهد الفضاء، أو معهد دراسة الكواكب، هل يمكن أن تستثمر مالاً في هذا الجانب؟
الجواب: لا، لماذا؟
لأن عندك قول الله -تعالى-: وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ [الأعراف: 24] فهم العلماء منها: أنه ما في كوكب آخر ممكن نستقر عليه غير الأرض، معروفة محسومة المسألة.
فأي إنفاق مال للدراسة على إمكانية أن نسكن على كوكب آخر ستذهب هباءً منثوراً؛ لأنها مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ [طه: 55]، وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة: 36] حتى يرث الله الأرض ومن عليها وتقوم الساعة.
إذاً، لاحظ كيف الذي يملك نصوص الوحي ممكن يوفر أموالاً، والذي لا يملك نصوص الوحي تضيع عليه أموال طائلة وأوقات وجهود ودراسات كلها ما لها داعي؛ لأنها إضاعة أموال في شيء لا يمكن، لا يمكن السكن والاستقرار على الكواكب الأخرى.
نحن عندنا ثروة لا تقدر بثمن، فنملك نصوصاً تخبر بأمور الغيب لا يملكونها، ونملك سنناً إلهية نعرفها لا يعرفونها وقد يعرفون بعضها وقد يستقرؤون كتابنا وسنة نبينا لمعرفتها، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا [فاطر: 43].
ونملك من أصحاب العقول والفراسة الإيمانية من المسلمين الصادقين من يمكن أن يفهم من القرائن والمؤشرات أشياء كثيرة تساعد المسلمين على الاحتياط للمستقبل.
ثم نشترك مع الكفار في قضية الأبحاث في الدراسات الأخرى.
فنحن في الحقيقة مؤهلين للاحتياط للمستقبل أكثر منهم، وعندنا أشياء ليست عندهم، لكننا قاعدون، لا نأخذ بأسباب القوة، وهذه من أسباب القوة.
بدأت الأمة الإسلامية تستيقظ وبدأت الأمم الكافرة تئن تحت مطارق الحضارة المادية وتتهاوى تحت آثار الرذيلة والظلم، وبدأ الغربيون يقرون بانهيار حضارتهم، وأنها آهلة للزوال والسقوط ودقوا نواقيس الخطر.
من الأشياء المستقبلية التي عندنا ضدهم أن الإسلام سينتشر رغماً عنهم، مهما حشدوا، مهما فعلوا، مهما خططوا، مهما حاربوا، مهما بغوا وطغوا، مهما جففوا منابع، مهما استأصلوا، مهما قتلوا، الإسلام قادم، نحن نوقن بهذا يقيناً؛ لأن النبي ﷺ قال: ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين [رواه أحمد: 16957، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح على شرط مسلم"].
إذاً، يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ [الصف: 8]، لابد أن تحصل.
عندنا أخبار من الغيب أن مدينة "روما" ستفتح بعد أن فتحت "القسطنطينية".
عندنا أخبار بنزول عيسى وقتال اليهود وهزيمة النصارى.
قواعد في كيفية التعامل مع الأخبار
لكن لا بد أن نعرف كيف نتعامل مع هذه الأخبار؟
التعامل بين الشرع والقدر
أولاً: بين الشرع والقدر، فقد يميل الإنسان إلى أشياء تعفيه عن العمل خاصة عند وجود المحن، وعند وجود المغريات، فترى العجز والفتور وضعف الهمة، فنحن لا يمكن بناءً على أننا نؤمن بنزول المسيح ابن مريم وخروج المهدي أن نترك قتال الكفار وجهاد الكفار والدعوة إلى الله، والبذل لهذا الدين، فلو واحد قال: أصلاً سينزل ابن مريم وسيظهر المهدي وسينتصر المسلمون، اقعدوا لا داعي للعمل، هذا الرجل من أين ضلاله؟ من أين أتي؟
لا يفهم التعامل بين الشرع والقدر.
كون فيه قدر سيأتي لا يعني أن لا تقوم بما طلب الشرع منك أن تقوم به.
يجب عليك أن تقوم بما طلب به منك الشرع أن تعمله.
أيها الإخوة: إننا يجب علينا مع علمنا بأن المستقبل للإسلام والدين منصور، وأن العاقبة للمتقين، لكن يجب أن نعمل ليتحقق النصر على أيدينا لكي نكون نحن المشاركين بحصول وعد الله.
إن وعد الله عندما يحصل لا يحصل بملائكة تنزل فتقاتل بدون وجود مؤمنين يعملون أو يقاتلون، فيه مؤمنون يعملون ويقاتلون، والله ينزل ملائكته لتؤيدهم.
إنه لا تحصل هناك خوارق تسبب انتصار المسلمين دون أن يعمل المسلمون شيئاً، إنهم يعملون ثم الله يجري لهم كرامات، ممكن تحصل لهم كرامات.
مخالطة الناس والصبر أذاهم
ثانياً: الأصل والاستثناء:
الأصل أن الإسلام على سبيل المثال، كيف التعامل مع الأشياء التي تكون في الأحداث المستقبلية؟ الإسلام دين الجماعة، والناس مدنيون بطبعهم.
والأصل أن المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم.
الأصل أنك تجاهد وأنك تتعلم العلم مع إخوانك، وأنك تختلط بالناس، وأنك تنصح وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعو إلى الله وتمارس دورك في نشر الدين ومحاربة الشر والفساد والجهاد في سبيل الله، لكن فيه حالة يكون فيها الخروج للجبل والعزلة بعيداً وأخذ قطيع غنم واعتزال الناس هو المتعين عليك، لكن متى يكون هذا؟
عندما لا يكون هناك مجال للدعوة أبداً، ولا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إطلاقاً، ولا الجهاد في سبيل الله، ولا التقاء مع إخوانك المسلمين، ولا... هنا إذا كان بقاؤك وسط الناس سيفسدك ولا بد، هنا تخرج تذهب تعتزل، اعتزل في هذه الحالة.
فالخطأ يحدث عندما يأتي بعض الناس يطبق أحاديث العزلة في الوقت الذي يمكن فيه الخلطة والقيام بأمر الدين، فيحدث هناك تقصير شديد منهم.
الخطأ في تطبيق أحاديث الفتن على الواقع
ثالثاً: الخطأ في تطبيق أحاديث الفتن على الواقع، فبعض الناس مثلاً إذا صار أي حدث قال: هذا هو الحديث الفلاني، هذا هو تفسير النص الفلاني، مع أن هناك فوارق، يعني إذا دققت في النص وشرح العلماء للنص والواقع الذي حدث ستجد هناك فروقاً، كما فهم بعضهم من حديث: تصالحون الروم صلحاً آمناً، فتغزون أنتم وإياهم عدواً من ورائكم [رواه أبو داود: 2767] وذهب وطبق هذا الحديث على حدث وقع قبل أكثر من عشر سنين، فصار هذا ضلالاً مبيناً.
أين هذا الحديث من الواقع؟
فبسبب الجهل والتعجل والجرأة يعمد بعض الناس إلى أخذ النصوص، يقول: هذا الحدث هو هذا النص، وليس ذلك لأهل الجهل، إنما هو لأهل العلم.
أحاديث الفتن ما ذكرت لنا إلا لنستفيد منها، والذين يقولون: لا تطبق أحاديث الفتن على الواقع مخطئون، لأن النبي ﷺ ما ذكرها إلا لفائدة، لكن كيف يتم التطبيق؟ هنا المشكلة، من الذي يطبق؟ من الذي يقول هذا الحدث هو المقصود بهذا الحديث؟ من الذي يقول هذا؟
أهل العلم، وليس أهل الجهل، ولا أهل الغرور الذين يظنون أنفسهم طلبة علم، وهم من أهل الجهل.
العلم بالحدث وكيفية التعامل معه
رابعاً: بين العلم بالحدث وكيفية التعامل مع الحدث:
إن العلم بالحدث أنه سيقع، ومعرفة كيف يتعامل الإنسان معه شيء آخر، فكثير من الناس يتوقعون وقوع أشياء، لكن عقولهم تبقى عاجزة عن معرفة الطريقة الصحيحة في التعامل مع هذه الأحداث، ولذلك لا يستفيدون كثيراً.
ينبغي أن يكون لهذا العلم بالأحداث المتوقعة أو المجزوم بها بالنص أثر في تحركاتنا وتصرفاتنا وأفعالنا، وأن لا تكون مجرد ترف عقلي أو تحصيل ذهني، وإنما يكون فيها عمل، مثلاً: خذ فتنة الدجال، إذا علمت بها هناك احتياطات شرعية، يعني أن ينأ الناس عن الدجال إلى الجبال، فلينأ عن الدجال يعني يبتعد عنه.
إذا فوجئ بالدجال يقرأ عليه فواتح سورة الكهف.
هذا كيفية التعامل مع الحدث.
لما قال لعثمان: إن أرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله [رواه ابن ماجه: 112] هو يعرف عثمان أنه ممكن يعرف من الحديث أنه سيولى الخلافة، لكن إذا حدث هذا ماذا يفعل؟
هذا هو الجواب.
إذا صار قتال بين المسلمين قامت قبائل وتحاربت مع بعضها، لا في راية إسلامية، ولا جهاد، ولا شيء، سلب ونهب، وصار قتال عام بين المسلمين، أو كما حدث مثلاً قتال على الملك، هؤلاء يؤيدون هذا، وهؤلاء يؤيدون هذا، وليس هناك راية إسلامية، وليس هناك خليفة للمسلمين ينصر، قتال جاهلي، قتال أعمى، على الملك، ما هي النصيحة؟
قال: ((كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل، واتخذ سيفاً من خشب، والزم البيت ولا تخرج للناس، فيه إجراءات، هذه إجراءات.
ولذلك قالت عديسة بنت أهبان بن صيفي الغفاري: جاء علي بن أبي طالب إلى أبي فدعاه إلى الخروج معه، فقال له أبي: إن خليلي وابن عمك عهد إلي إذا اختلف الناس أن اتخذ سيفاً من خشب، فقد اتخذته، فإن شئت خرجت به معك، قالت: فتركه [رواه الترمذي: 2203، وهو حديث صحيح].
طبعاً المراد باتخاذ سيف من خشب، يعني الامتناع عن المشاركة في القتال.
طبعاً هذا قتال الجاهلية الذي يكون بين المسلمين القتال الأعمى.
أما قتال الكفار وجهادهم فهو شيء آخر وشأن عظيم وباب من أبواب الجنة ونصرة الله ورسوله، والثمن المقدم: إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ [التوبة: 111].
لكن لو واحد سأل: كيف قتال الفتنة وإني أدافع عن نفسي؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب: "الاستقامة": "تواتر عنه من أنه أمر بالإمساك عن القتال في الفتنة، وأمر فيها بأن يلحق الإنسان بإبله وبقره وغنمه".
وكذلك قال: "وطلب المظلوم حقه من الله، ولم يأذن للمظلوم المبغي عليه بقتال الباغي في مثل هذه الصور التي يكون القتال فيها فتنة، كما أذن بدفع الصائل بالقتال حيث قال: من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، فإن قتال اللصوص ليس قتال فتنة" انظر إلى كلام شيخ الإسلام هذا العالم، قال: "فإن قتال اللصوص ليس قتال فتنة إذ الناس كلهم أعوان على ذلك" إلى آخر كلامه -رحمه الله-[الاستقامة: 1/34، وما بعدها].
ففي فرق إذاً أن يخرج عليك واحد يسلب مالك ويريد أن يهتك عرضك ويقتلك فتدفع عن نفسك، هذا قتال شرعي، وبين أن الناس يتهارجون ويتقاتلون في راية عمياء فتدخل فيهم وتقاتل مع الناس، وتقول: أنا من قبيلة كذا وقبيلة كذا، وصار قتال قبلي جاهلي.
فرق بين هذا وهذا.
أما الإعداد لأحداث المستقبل فإنه رفع الجاهزية للفرد والأمة لتكون على مستوى الأحداث، وذلك بإعداد نفسي معنوي وجسمي مادي حتى يكون المسلمون على مستوى المواجهة.
إن قضية الإعداد المادي أمامنا أحداث كثيرة الله أعلم بها، ومؤشرات على حروب عظيمة طويلة وأسلحة فتاكة وبغي وظلم وتجبر وتكبر في الأرض.
إنها آلة الغرب الحمقاء التي تريد أن ترمي بها بلاد المسلمين.
وسائل الاستعداد لأحداث المستقبل (بشكل إجمالي)
فما هي الأمور التي ينبغي علي المسلمين أن يستعدوا بها لأحداث المستقبل؟
الإعداد الإيماني العقدي
الإعداد الإيماني العقدي.
أن نربي أنفسنا وأبناءنا على الإيمان بالله ورسوله والولاء لدينه وعباده المؤمنين، والبراء من الكافرين، وأن نرسخ في النفوس كره الكفار ووجوب جهادهم: كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة: 4].
والكفار مهما عملوا فعداوتهم لا تنقطع، فإن نطقت ألسنتهم بالموادعة فإن قلوبهم تأبى إلا الغدر كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ [التوبة: 8] لا نقصد الإسلام! يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ ، الإسلام دين عظيم! يرضونكم بأفواههم: الصيام عبادة جميلة! وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ .
العلم بأن الكفار أعداء المسلمين
فمن الاستعداد لذلك: أن يعلم المسلم أنهم أعداؤه مهما طال الزمن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ * بَلِ اللّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران: 149 - 150].
وجميع الكفار أعداء لنا لا يجوز الاعتماد عليهم، ولا الركون إليهم: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 113].
وقد حذرنا من موالاتهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة: 113].
وكذلك فقد أمرنا بالاستعداد لحربهم، وقد كان في كتاب الله من الآيات ما تحمل المؤمنين على إعداد العدة والاستعداد لمواجهة هؤلاء، وقد قال الله لنا: وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60].
إحياء روح الجهاد لدى المسلمين
وكذلك فإن إحياء روح الجهاد في المسلمين من الأمور المهمة في الاستعداد لأحداث المستقبل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا [النــور: 55].
لقد غزا الصليبيون بلاد المسلمين في القرن الخامس، وحصل نزال ومواقعات، وكان المسلمون في ضعف وتفرق، وقال "ابن الأثير" المؤرخ يصف حال المسلمين: (لولا اختلاف المسلمين لما استطاع الفرنج -خذلهم الله- أن يملكوا ما ملكوه من بلاد المسلمين واتفق لهم، يعني من المصادفات التي حصلت اللي كانت في مصلحة الإفرنج النصارى، اشتغال عساكر الإسلام وملوكه بقتال بعضهم بعضاً، وقد تفرقت حينئذ بالمسلمين الآراء واختلفت الأهواء وتمزقت الأموال) الكامل لابن الأثير في حوادث سنة أربعمائة وسبعة وتسعين.
وهكذا حصل في الأندلس، وهكذا حصل في أماكن أخرى، أن تفرق المسلمين هو السبب في تسلط الأعداء عليهم، وهكذا..
فلابد إذاً من إشاعة أمر وحدة المسلمين والتقائهم، والاستعداد لمواجهة الكفار وملاقاتهم، والنبي ﷺ قال: من علم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى [رواه مسلم: 1919].
وقال: ألا إن القوة الرمي [رواه مسلم: 1917].
وقال: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير [رواه مسلم: 2664].
ولنعلم بأن قوة الإيمان أهم وأولى من قوة البدن والسلاح، وهذه تكون بتغذية النفس المؤمنة بالعبادات التي تقوي الإيمان.
وكذلك فإن هذا الاستعداد لملاقاة الكفار، وأن يكون الإنسان على ذكر من هذا الأمر وهو الغزو مهم، ولذلك قال: من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق [رواه مسلم: 1910] يموت على أمر من الجاهلية، فلابد أن تحدث نفسك بالغزو.
إن تحديث النفس بالغزو إعداد لأحداث المستقبل، حدث نفسك، إنه أمر مهم جداً أشارت إليه النصوص الشرعية.
وكذلك فـ من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء ولو مات على فراشه [رواه مسلم: 1909]، و الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة [رواه البخاري: 2852، ومسلم: 1873].
وأيضاً فلابد من نفض الغبار، وترك كل ما يخذل ويثبط عن القيام بالفريضة العظيمة سنام الإسلام، وقد قال النبي ﷺ: إذا تبايعتم بالعينة الحيلة على الربا، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم [رواه أبو داود:3462].
وكذلك فإنه إذا نزلت بالمسلمين النازلة، واحتل العدو بلادهم فلابد من القيام لمنازلتهم.
وفي قضية الصليبيين لما جاؤوا إلى بلاد الشام في القرن الخامس الهجري كان وضع المسلمين حرجاً جداً في تفرق وضعف، ولكن بدأت أولى تلك المحاولات على أيدي المخلصين في التصدي لهؤلاء، وكانت طوائف من المسلمين تخرج تشن حرب العصابات على هؤلاء الكفار، ولذلك لم ينعموا بالأمن والاستقرار في بلاد الشام، ولم يصف المقام لهم، وقام مودود وغيره من شجعان المسلمين بتكوين تلك البدايات لهذه الفرق الإسلامية التي أقضت مضاجع الصليبيين.
وقضى السلاجقة في عام أربعمائة وأربعة وتسعين للهجرة على حملة صليبية جاءت من غرب أوروبا لدعم إخوانهم في بيت المقدس.
وفي عام أربعمائة وسبعة وتسعين استطاع السلاجقة إبادة الجيش الصليبي في الرها بعد معركة جرت بينهم، وأخذ بعض الأمراء الصليبيين في الأسر.
وفي عام خمسمائة وثلاثة عشر استطاع السلاجقة المسلمون تدمير الجيش الصليبي في أنطاكيا وقتلوا قائده روجر في المعركة، وقتل من الصليبيين خمسة عشر ألفاً، ولم ينج منهم إلا القليل وسمي المكان بساحة الدم.
وفي عام خمسمائة وثمانية عشر سار بلدوين الثاني لاستخلاص أمراء الصليبيين من الأسر فهزم جيشه وأخذ هو أسيراً، وضم إلى بقية الأمراء الأسارى من النصارى.
وفي عام خمسمائة وتسعة وعشرين بدأ العمل الجاد لجهاد الصليبيين بقيادة عماد الدين زنكي -رحمه الله-، أكمل المشوار بعده ابنه نور الدين الشهير، ثم صلاح الدين الأيوبي.
وهكذا طهرت كثير من بلاد المسلمين من النصارى الصليبيين، واستنقذت مدن الشام وسواحله وحصونه وقلاعه منهم، وكان طردهم من آخر معقل لهم في عكة على أيدي المماليك المسلمين.
إذاً، حدثت الفاجعة، وحدثت المصيبة، وكانت جللاً عامة، لكن نهضت الأمة، وقامت شيئاً فشيئاً تدريجياً كما يتبين لنا من تسلسل هذه التواريخ، كيف استطاعوا في النهاية طرد الأعداء، ولكن المهم أن الأعداء لم يكونوا في هذا الوقت ينعمون بقرارة عين، ولا شعور بأمن؛ لأن هؤلاء الفدائيين المسلمين كانوا لهم بالمرصاد، وكانوا يغيرون على قوافلهم وإمداداتهم لهؤلاء الصليبيين، ولذلك ما كانوا أبداً يشعرون بأمن وطمأنينة في بلاد المسلمين المحتلة.
الإيمان بالقضاء والقدر
ومن الأمور المهمة في إعداد النفس بالإيمان: الإيمان بالقضاء والقدر: قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا [التوبة: 51].
وأن يعلم الإنسان بأن الأجل مكتوب: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [العنكبوت: 57] لا تقل: لو أعطيناه أبرة ما مات! ولو أخذناه للطوارئ ما مات! ولو حصل... الأجل المكتوب سيحصل: قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ [آل عمران: 154] لأحدث الله سبباً يجعلهم يخرجون من بيوتهم من أسرتهم إلى المكان الذي أراد الله أن يموتوا فيه بسبب أو بآخر، لا بد أن يحدث.
وأن الرزق مكتوب بيد الله -سبحانه-، وأن التولي عن فرائض الله خشيةً على المال وعلى الدنيا نفاق.
وأنه ليس هناك شر محض، وكل ما تراه أنت شر، ليس شراً من جميع الوجوه، مهما حصل من الجرائم، ومهما حصل من الاعتداءات والبغي والظلم والاحتلال والقمع والقتل، فإن فيه خيراً بوجه من الوجوه، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران: 140].
الأمة ممكن ما تستيقظ إلا بما يحدثه أعداؤها فيها من الصدمات: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11] هذا من الإعداد.
معرفة سنن الله ، ومعرفة مآل الطاغين وعاقبة الظالمين، ولابد أن يزولوا، ولو أقسمت بالله العظيم أن دولة الكفر ستنهزم ستنهزم، ولم تكن حانثاً، لأن الله يمهل ولا يهمل، وأن الله أخبر بأنه سيأخذ الظالمين ولابد، وأنه سيزيلهم ولابد، لكن هناك سنن: وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140] تارة للمسلمين، وتارة للكفار، تارة تكون الغلبة لهؤلاء، وتارة لهؤلاء، وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [آل عمران: 140]، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 141].
وهو له الحكمة البالغة: وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253].
التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب
من الاستعداد الإيمانية: التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، والتعلق بالله وحده، لا بالشرق ولا بالغرب، والثقة بنصر الله ، والعمل بحديث: احفظ الله يحفظك [رواه الترمذي: 2516، وأحمد: 2669، وقال محققو المسند: "إسناده قوي"].
فلو قال: فلو جاء ما جاء من الشرور والكوارث، كيف احفظ نفسي؟ كيف أحفظ أولادي؟ كيف احفظ بيتي؟
نقول: احفظ الله يحفظك ، والله يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج: 38].
ثم أن تموت وربك راض عنك خيراً لك من أن تموت متولياً يوم الزحف.
وقضية مهمة جداً إذا جاء البأس، جاءت الشدة، جاءت الحرب، جاءت النكبة، فقال الله -تعالى-: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام: 43] ما هو التضرع؟ دعاء مع إلحاح وإظهار الافتقار، فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام: 43].
لماذا شرع قنوت النوازل؟ قنوت النوازل لماذا شرع؟
عند البأساء وعند الشدة.
هكذا إذاً تضرعوا.
وإحسان الظن بالله.
الذين يقولون: إن الكفار سيدومون، وإن قوتهم ستستمر، وإنه لا نصر لنا، وإن...، هؤلاء يسيئون الظن بالله، الله أرحم وأكرم من أن يجعل العزة للكفار والاستمرار لغلبتهم دائماً، لا يمكن وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [آل عمران: 140].
فيه سنة، سنة المدافعة، المداولة والمدافعة: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ [البقرة: 251].
فلابد من ضرب هؤلاء بهؤلاء، ودفع هؤلاء بهؤلاء، ولو ما حدث ذلك ستزول المساجد من الأرض كلها.
التفاؤل والاستبشار
ولابد من التفاؤل والاستبشار، والنبي ﷺ قال: بشروا [رواه البخاري: 69، ومسلم: 1734] بشروا.
وإن ذكر فقط عيوب الأمة من دون ذكر الأشياء الطيبة الموجودة فيها والإيجابيات هذا ظلم، وإعطاء نظرة غير صحيحة عن الواقع، مهما كثر الشر في الأمة ففيها خير "أمتي كالغيث".
وكذلك معرفة طبيعة الصراع، ومن هو المستهدف؟ من هو المستفيد؟ ومعرفة قدرات المسلمين وواقع المسلمين، وهل هم مهيئون للمواجهة، هذه قضية مهمة؛ لأن إعلان المواجهة في غير توقيتها خطأ عظيم يمكن أن يردي، وقد عرفنا ماذا كان موقف المسلمين الشرعي في مكة.
وكذلك فإن المسلمين إذا دُخل عليهم من أقطارها فلابد أن يقوموا، وقوتهم التي تنهض تدريجياً مع الاستعانة بالله كفيلة لطرد هؤلاء الغزاة ولو بعد حين.
الثبات وقت المحن، والتثبت في نقل الأخبار، وأن يلزم الإنسان جماعة المسلمين والصالحين، ويواصل العلاقة مع العلماء الناصحين، وطلبة العلم العاملين، وأن يكون مستشيراً متأنياً تاركاً للارتجالية والاستعجال والتهور والاندفاع.
عدم التنازع والاختلاف
وكذلك ألا يحصل التنازع والاختلاف، وإذا حدث نسعى في رأب الصدع بين أهل السنة، قال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال: 46].
والكفار هم المتفرقون: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى [الحشر: 14].
وكذلك فإن الكفار يسرهم أن يكون المسلمون متفرقين، فينبغي أن نكربهم وأن نحزنهم باجتماعنا، وعدم تفرقنا.
لما وقع الخلاف بين علي ومعاوية -رضي الله عنهما- طمع ملك الروم في المسلمين، وأعد جيشاً كبيراً، وصار يقترب شيئاً فشيئاً من بلاد المسلمين وحدود المسلمين، فكتب إليه معاوية يقول: "والله لئن لم تنته وترجع إلى بلادك يا لعين لأصطلحن أنا وابن عمي عليك، ولأخرجنك من جميع بلادك، ولأضيقن عليك الأرض بما رحبت.
فعند ذلك خاف ملك الروم وانكف، وبعث يطلب الهدنة" [البداية والنهاية، لابن كثير: 8/127].
تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية
فلابد من تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية، هذا كله احتياطات للمستقبل، ولابد من العمل بها، والتوازن وضبط الانفعالات، والبحث عن المخارج الشرعية، وكذلك العقيدة السليمة التي نحيا عليها ونموت عليها، وأن يكون الإنسان مهتماً بصحته وبدنه ونشاطه بعيداً عن الترف والاستغراق في الشهوات: "اخشوشنوا وتمعددوا".
وهكذا يكون المسلمون على أهبة وعلى قوة.
رفع المعنويات في أوقات الشدة
ثم القوة المعنوية مهمة جداً، لا بد أن نشيع أننا الأعلى وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ [آل عمران: 139] هذه الآية قيلت للمسلمين متى؟ في وقت كان فيهم سبعون قتيلاً، في وقت حصل فيه مصيبة عظيمة عليهم، ومع ذلك الله قال لهم: وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ .
إذاً، الدرس العظيم -يا إخوان-: رفع المعنويات في أوقات الشدة.
وكذلك قال تعالى: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران: 173] هذا شيء يحطم المعنويات فَزَادَهُمْ إِيمَاناً ارتفعت المعنويات وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ .
لما بلغت القلوب الحناجر، واجتمع الأحزاب، برد شديد، وقوة قد أتوا بها من جميع الجهات: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب: 22].
فالرجوع إلى هذا الدين، والتمسك به أعظم أسباب النصر، وهذه فرصتنا للدعوة إلى الله عندما يكون الناس في وجل وتهيب وتخوف من المستقبل، أو تحدث لهم مصيبة وكارثة يكونون أقبل للدعوة من غيرها من الأوقات، ولذلك فإننا لابد أن ننشط في هذا الأمر بحشد المسلمين لصالح الإسلام.
وكذلك فإن العلم بأنه مهما طال الليل واشتد الظلام فلابد له من نهاية، قال النبي ﷺ: ولكنكم تستعجلون [رواه البخاري: 3612].
فلا ينبغي للمسلمين الاستعجال، وإنما أن يعملوا لموعود الله وتحصيله، وينظروا إلى الجنة التي أعدها الله لهم: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ [البقرة: 218].
إنهم ينبغي عليهم أن يحتسبوا الألم الذي يجدونه عند خروجهم في سبيل الله: وَلاَ تَهِنُواْ فِي ابْتِغَاء الْقَوْمِ إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ لكن الفرق، قال تعالى: وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ [النساء: 104].
إن عمير بن الحمام الأنصاري قدم لنا النموذج على أن تطلع المؤمن إلى الجنة هو الذي يجعله مقداماً لا يهاب في القتال في سبيل الله، فقال: "لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة!" [رواه مسلم: 1901].
وهكذا قال أنس بن النضر لسعد بن معاذ: "يا سعد بن معاذ الجنة ورب النضر إني أجد ريحها من دون أحد"، ولذلك قاتل قتالاً عجيباً بوجود ثمانين طعنة ورمية وضربة في جسده يدل على أن الرجل قاتل وهو مطعون، ولم يكف عن القتال من أول سهم جاءه وانغرز فيه، ولا من أول ضربه وقعت في جسده، استمر، ولذلك تخرق جسده، ما عرفته أخته إلا من بنانه، شامة كانت فيه [رواه البخاري: 2805].
أما الوجه معالم الجسد كلها راحت.
وهكذا يعلم المسلمون بأنه لا يمكن أن يركنوا إلى أعداء الله، وأن هؤلاء يريدون إخراجنا من قريتنا، أو أن نعود في ملتهم، ولذلك قال الله: وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ [البقرة: 190]، وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ [البقرة: 191]، وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه [الأنفال: 39].
لابد أن نحقق التوحيد، وأن نخلص لرب العالمين، وهذه واحدة مهمة.
وسائل الاستعداد لأحداث المستقبل (بشكل مفصل)
ولنبدأ بذكر بعض الأمور مرقمة بعد العرض الإجمالي:
تحقيق التوحيد والإخلاص لله
أولاً: تحقيق التوحيد والإخلاص لله : مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [التغابن: 11]. إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49] بقدر.
قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا [التوبة: 51].
وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ [الأنعام: 3] .
كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ [الرحمن: 29].
إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحـج: 38].
الاعتصام بالكتاب والسنة
ثانياً: الاعتصام بالكتاب والسنة: وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا [آل عمران: 38].
تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله، وسنتي [رواه أبو داود: 1905].
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "وطريق النجاة من الفتن هو التمسك بكتاب الله وسنة رسول الله ﷺ كما روي ذلك عن علي مرفوعاً: ((تكون فتن)) قيل: ما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: ((كتاب الله))" [مجموع فتاوى ابن باز: 6/ 83].
ولما وقع من أمر عثمان ما كان وتكلم الناس في أمر الفتنة أتيت أبي بن كعب، يقول أحد التابعين فقلت: "أبا المنذر ما المخرج؟ قال: كتاب الله" [المستدرك على الصحيحين للحاكم: 3/343].
العبادة والعمل الصالح
ثالثاً: العبادة والعمل الصالح، قال رسول الله ﷺ: العبادة في الهرج كهجرة إلي [رواه مسلم: 2948]، فمهما اضطربت الأمور واختلت فإن صلتك بالله وعبادتك له في تلك الحال دليل على قوة الإيمان في قلبك؛ لأنه مهما كان الخوف، ومهما كانت قعقعة السلاح فوق الرؤوس لم تشغلك عن الطاعة والعبادة، هذا يعني قوة الإيمان.
العبادة في الهرج، في المرج، اختلاط الأمور في الحرب، أن تبقى تتذكر صلاتك وذكرك ودعاءك وتلاوتك للقرآن، هذا دليل على قوة الإيمان.
التضرع والاستغفار والتوبة والدعاء
رابعاً: التضرع إلى الله، والاستغفار والتوبة والتسبيح والدعاء: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 43].
قال العلماء: ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة.
ولما أُدخل أحد السلف السجن قعد يصوم، فقال له ابن أخته: ما لك؟ قال: ألم يقل الله: فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا [الأنعام: 43] فإن الله ما دام أحدث لي امتحان، فسأحدث له عبادة.
وهكذا تكون مواجهة الفتن والمحن بالعبادات.
التزود بالعلم الشرعي
خامساً: التزود بالعلم الشرعي، يجب أن لا نكون نحن الذين تنطبق علينا أشراط الساعة: قلة العلم، بل نحن نرفع العلم، وننشر العلم، ونشهر العلم، ونخرج العلماء، ونربي العلماء، ونعد العلماء، ونلتف حول العلماء الصادقين المخلصين العاملين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إذا انقطع عن الناس نور النبوة وقعوا في ظلمة الفتن وحدثت البدع والفجور ووقع الشر بينهم" [مجموع الفتاوى: 17/310].
قال الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: "فكل أنواع الفتن لا سبيل للتخلص منها والنجاة منها إلا بالتفقه في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، ومعرفة منهج سلف الأمة من الصحابة ومن سلك سبيلهم من أئمة الإسلام ودعاة الهدى"[مجموع فتاوى ابن باز 6/ 83]
الرجوع إلى أهل العلم العاملين الصادقين
سادساً: الالتجاء بعد الله إلى أهل العلم المثبتين العاملين الصادقين الذين جربوا في الفتن فثبتوا وصبروا، ما غيروا ولا بدلوا، هؤلاء هم المطلوبون، هؤلاء الذين بقوا على المنهج الصحيح، هؤلاء الذين لم يحرفهم ترغيب وترغيب ما بدلوا ولا غيروا.
أما الذي ينتقل من التحدي إلى الانبطاح في أحضان الأعداء، ينتقل من التحدي إلى الاستسلام لهم، وإقامة الجسور معهم بزعمه، الذي ينتقل من اتباع الدليل إلى التساهل في الفتاوى وما يعلن، هذا أي خير وأي رجاء فيه؟
ولا يمكن لمثل هذا أن يكون ملجأً بعد الله، قال علي بن المديني: أعز الله الدين بالصديق يوم الردة، وبأحمد يوم المحنة" [غذاء الألباب: 1/ 301] هؤلاء الرجال الذين يلجأ إليهم.
بشير بن عمرو قال: شيعنا ابن مسعود حين خرج، ودعناه، فنزل في طريق القادسية، فدخل بستان فقضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه، ثم خرج وإن لحيته ليقطر منها الماء، فقلنا له: اعهد إلينا فإن الناس قد وقعوا في الفتن، ولا ندري هل نلقاك أم لا؟
انظر كيف لجأوا إلى عبد الله بن مسعود بعد الله، قال: "اتقوا الله واصبروا حتى يستريح بر أو يستراح من فاجر، وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمة محمد على ضلالة" [مصنف ابن أبي شيبة: 7/457].
لما أبو موسى الأشعري دخل مسجداً ووجد بعض أهل البدع متحلقين حلق حلق، رجع إلى ابن مسعود الأرسخ علماً ليستشيره ماذا يفعل؟
ابن القيم يقول عن شيخ الإسلام ابن تيمية: "وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله" [ الوابل الصيب، ص: 48].
فسبحان الذي أوجد في الأمة هؤلاء الأوتاد وهؤلاء العلماء وهؤلاء الرجال الذين يثبتون الناس.
لزوم جماعة المسلمين
سابعاً: لزوم جماعة المسلمين؛ كما دل عليه حديث حذيفة.
والجماعة ليست بالكثرة، ولكن من كان على الحق وإن كان وحده؛ كما قال ابن مسعود: "لو أن فقيهاً" يعني عالما بالكتاب والسنة "على رأس جبل لكان هو الجماعة" الْجَمَاعَةَ" [شرح السنة، للبغوي: /279].
وقال ابن مسعود: "الجماعة ما وافق الحق ولو كنت وحدك" [شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1/ 122].
تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية
ثامناً: تحقيق مبدأ الأخوة الإسلامية، وذلك بالولاء للمؤمنين، وعدم إعانة الكافرين عليهم، ولا مظاهرة المشركين ضد المسلمين.
وكذلك فلا بد أن يكون من الأخوة: إعانة المسلم للمسلم، لا يسلمه، لا يخذله، لا يظلمه، وهكذا يكون له نصيراً ومعيناً.
القيام بأمور المسلمين عند الشدة
تاسعاً: القيام بأمور المسلمين عند الشدة؛ إغاثة وإسعافاً للمصاب، واهتماماً بالضعيف، وإردافاً للعاجز، وتضحية وبذلاً.
وهكذا تقديم ما يمكن من الإسعاف للكبار والصغار والنساء.
وهكذا ترى شباب المسلمين إذا نزل في بلد منهم مصيبة فزعوا حتى أداروا المنشآت من أجل راحة الناس. وكذلك فإن العمل لخدمة الناس مهم ومطلوب جداً لأجل التثبيت، فترى الزلزال إذا وقع في بلد من بلاد المسلمين رأيت أهل الإسلام الصادقين هم الذين يفزعون للإسعاف والمساعدة والانتشال والإطعام والإغاثة ونصب الخيام والإيواء، ونحو ذلك، هذا عمل أهل الدين.
التسلح بالأخلاق الفاضلة عند الفتن
عاشراً: التسلح بالأخلاق المهمة عند الفتن، ومنها: التأني، والرفق، وعدم العجلة، والحلم: ما كان الرفق في شيء إلا زانه [رواه مسلم: 2594].
وكذلك: الصبر، وهو مهم جداً: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة: 155].
إن من ورائكم أيام الصبر هذه تهيئة نفسية لنا، قال ﷺ: الصابر فيه مثل القابض على الجمر، للعامل فيهم مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟ قال: أجر خمسين منكم [رواه أبو داود: 4341، وابن ماجه: 4014، وهو في السلسلة الصحيحة: 494].
فاصبر فإنك في النوازل رائد | والدرب نعلم شائك وطويل |
فالصبر روضات لأبناء الهدى | ولجنة الرحمن تلك سبيل |
قل: رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا [البقرة: 250].
صبراً آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة.
اصبروا، فإنه لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه [رواه البخاري: 7068].
وهكذا إذا كان الكفار مدحهم عمرو بن العاص قال في الكفار: "إن فيهم لخصال أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة" هذا عمرو بن العاص يصف الروم النصارى، يقول: "أحلم الناس عند فتنة" يعني لو وقع فيهم حرب وفتنة، فإن يبقى عندهم تفكير سليم، عقول تفكر.
الثانية: "وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة" يعني إذا وقعت عليهم حرب، انظر إلى الحرب العالمية الأولى والثانية قاموا عمروا بلادهم، هكذا.
الثالثة: "وأوشكهم كرة بعد فرة" [رواه مسلم: 2898] المسلمون أولى بهم منها، ولم يقصد عمرو مدح أهل الصليب، وإنما قصد الثناء على هذه الخصال، بعض الكفار قد توجد فيه خصلة، لكنه يستعملها في المعصية، ونحن نريد أن نكون أولى بهم منها في الطاعة.
الرابعة: العدل والإنصاف في الأمر كله، وهكذا لا ينبغي أن يكون عندنا أي نوع من الظلم للآخرين، وإنما العدل في الأمور.
إن العدل مهم في أوقات المحنة.
الثقة بنصر الله، وأن المستقبل للإسلام
والحادي عشر: الثقة بنصر الله، وأن المستقبل للإسلام، بشروا ولا تنفروا [رواه مسلم: 1732]، ولينصرن الله من ينصره، والعاقبة للمتقين: بشر هذه الأمة بالسناء، والرفعة، والنصر، والتمكين في الأرض [رواه أحمد: 21222، وقال محققو المسند: "إسناده حسن"].
فأعلنوا هذه البشائر بين الناس.
وفي الهجرة يقول: أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ [التوبة: 26].
في بدر النبي ﷺ وضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا وهاهنا، قال: هذا مصرع فلان حدد المكان الذي يقتل فيه أبو جهل، هذا مصرع فلان حدد مكان موت أمية بن خلف، هذا مصرع فلان قال الراوي: فما ماط أحدهم عن موضع يد رسول الله ﷺ الحديث [رواه مسلم: 1779].
في غزوة أحد، في غزوة الأحزاب، ما هو شعار المسلمين؟
حم لا ينصرون [رواه أبو داود: 2597، والترمذي: 1682، وأحمد: 23204، وقال الألباني: "إسناده صحيح، وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي"] تفاؤل بأن الكفار لا ينصرون.
غزوة حنين النبي ﷺ لما رأى شاءهم وضعنهم ونعمهم اجتمعوا، قال: تلك غنيمة المسلمين غداً إن شاء الله [رواه أبو داود: 2501، وقال الألباني: "إسناده صحيح" كما في صحيح أبي داود: 2259] هذا هو التفاؤل.
ثم -أيها الإخوة- عندنا من عدالة قضيتنا وبغي وظلم أعدائنا ما يجعلنا نعلم بأن المستقبل لأهل الإسلام.
إن هناك أحداثاً ضخاماً تحدث وقد يكون فيها مصائب على المسلمين وويلات وذهاب أموال وأنفس وزرع، لكن فيها كشف للمنافقين، ووضوح السبيل، وافتضاح العدو، وكذلك إيقاف زحف عولمته وكره المسلمين له وظهور الفتاوى المحررة، وهكذا انكشاف العدو مكسب؛ لأن الله قال: وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ [الأنعام: 55].
وفي هذه الويلات: استنفار طاقات الأمة لمواجهة هؤلاء وتوعية وسعي وبذل وظهور لجهود المخلصين، وسعي لوحدة رأيهم وصفهم.
عدم استعجال النتائج ورؤية ثمرة الجهود
والثاني عشر: عدم استعجال النتائج ورؤية ثمرة الجهود، فإن القضية بأمر الله: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد: 11].
لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ [الروم: 4] يأتي بالنصر متى شاء -.
وكذلك نظر في عواقب الأمور، وحذر من الإشاعات، وبعد عن مواطن الفتن، وحذر من تسلل الأعداء في الصف، وحذر من النفاق وأهله.
التعوذ بالله من الفتن
وأخيراً: التعوذ بالله من الفتن؛ كما أن النبي ﷺ كان يتعوذ منها، ويقول: وإن أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون [رواه الترمذي: 3233، وقال الألباني: "صحيح لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 408] يستغيث برحمة الله .
فنسأل الله أن يجعلنا من المستعدين لملاقاته سبحانه: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ .
ولا ننس هذه الملاقاة والاستعداد لها: فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ [آل عمران: 185].
يا راقد الليل مسروراً بأوله | إن الحوادث قد يطرقن أسحارا |
أفنى القرون التي كانت منعمة | كر الجديدين إقبالاً وإدبارا |
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك | قد كان في الدهر نفاعاً وضرارا |
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها | يمسي ويصبح في دنياه سفارا |
هلا تركت من الدنيا معانقة | حتى تعانق في الفردوس أبكارا |
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها | فينبغي لك أن لا تأمن النارا |
[إحياء علوم الدين: 3/208]
اللهم انصر الإسلام وأهله يا رب العالمين، واجعلنا في بلادنا آمنين مطمئنين.
اللهم من أراد بلاد المسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره.
اللهم اجعلنا من أنصار دينك وحزبك المفلحين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد.