الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد.
عباد الله، أيها المسلمون:
إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا
إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّاسورة فاطر 6. فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ سورة فاطر 5. ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ سورة البقرة 208. على رأس كل طريق شيطان يدعو إليه، فإيّاك أيها المسلم من دخول سبل الشيطان التي حذرنا الله منها، هو عدوك وعدو أبيك آدم، هذا الشيطان الذي طرده الله من رحمته، وتوعده بالنار خالدًا فيها، فطلب من رب العزة أن يمهله وآخذ العهد على نفسه أن يعمل على إضلال بني آدم، ولما كان الشيطان بهذا الخبث والمكر، شرع الله لنا كل طريق للاستعاذة منه ومن شره، والوقاية منه ومن مكره، وتجنبه، ورد كيده في نحره، على رأس كل طريق شيطان يدعو إليه، فإيّاك أيها المسلم من دخول سبل الشيطان التي حذرنا الله منها، هو عدوك وعدو أبيك آدم، هذا الشيطان الذي طرده الله من رحمته، وتوعده بالنار خالدًا فيها، فطلب من رب العزة أن يمهله وآخذ العهد على نفسه أن يعمل على إضلال بني آدم، ولما كان الشيطان بهذا الخبث والمكر، شرع الله لنا كل طريق للاستعاذة منه ومن شره، والوقاية منه ومن مكره، وتجنبه، ورد كيده في نحره.
ومن أعظم طرق الشيطان ما قاله الله : إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ سورة المائدة 90-91. وكم من المسلمين يقعون اليوم في شرب الخمور، التي هي من أعظم وسائل الشيطان لصد المسلم عن طاعة ربه، وعبادة الله الواحد الأحد، وكذلك أنواع الميسر التي انتشرت بين الناس في بيوعاتهم وشراءاتهم، فلا يزالون يقعون فيها، ويلعبون مختلف الألعاب التي تقوم على فكرة الميسر وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ سورة الأنعام 68. فهناك مجالس لأعوان الشيطان، يزين الشيطان للمسلم أن يقعد فيها، فيحذّر الله من هذا أشد التحذير، وللشيطان سبل كثيرة، لكن ما هي الوسائل التي تقي المسلم كيد إبليس؟ وما هي الأعمال التي يقوم بها فيبتعد بها عن شر هذا العدو؟
الأذان من وسائل طرد الشيطان
إن الشريعة قد جاءت بأمور كثيرة، فمن ذلك: الأذان: إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال –تحول من موضعه- له ضراط حتى لا يسمع صوته، -أي: الآذان- فإذا سكت -يعني: المؤذن- رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته فإذا سكت رجع فوسوس [رواه مسلم 389]. للمصلي، فعليكم عباد الله بالآذان، وإقام الصلاة، ولا تفعلوا كبعض الضعفاء الذين يستحيون إذا صاروا في بر أو موضع فيه أناس يستحيون من التأذين، وهذا شعار الإسلام، وأهل الإسلام، ومطردة للشيطان، ومن ذلك مما شرعه الإسلام لنا قول: "بسم الله" إذا وضع أحدنا ثوبه؛ لأن بسم الله ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم، ومن ذلك: أن المرء المسلم ينبغي أن يخلو بذكر الله، كما قال النبي ﷺ: ما من راكب يخلو في مسيره بالله وذكره إلا ردفه ملك، ولا يخلو بشعر ونحوه -من هذه الأمور المذمومة- إلا ردفه شيطان[رواه الطبراني في الكبير895]. فانظر إلى أصحاب السيارات والمسافرين، كم يحملون معهم من أشرطة الأشعار والأغاني، التي هي من سبل الشيطان؟ يصحبون بها أنفسهم في السفر، بدلًا من أن يصحبوا أنفسهم بذكر الله فيصحبهم الله بسفرهم.
وكذلك إذا قمت من النوم يا عبد الله، فاستنثر ثلاث مرات، فإن الأمر كما قال النبي ﷺ: إذا استيقظ أحدكم من منامه فليستنثر ثلاث مرات، فإن الشيطان يبيت على خياشيمه[رواه مسلم 238]. فاعتني بهذا الاستنشاق والاستنثار، ودع عنك ما يفعله الجهال من وضع الماء على طرف الأنف دون سحبه إلى الداخل، وإذا سمعت نهيق حمار، أو نباح كلب بالليل، فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنهن يرون ما لا ترون، وكذلك استعذ بالله عند قراءة القرآن، كما قال الله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ سورة النحل 98. وعند الغضب: إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم [رواه البخاري 6115]. وعند دخول الخلاء قل: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث [رواه البخاري 142 ومسلم 375]. هؤلاء ذكران الشياطين وإناثهم، وأنت تستعيذ بالله منهم ومن شرهم قبل دخول الخلاء، وكم من المنكرات تكون في دخول الخلاء؟
المعوذتان سبيل الحصن من الشيطان
وكذلك فإن مما شرعه الله للمسلم أن يتعوذ بالمعوذتين: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ سورة الفلق 1. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِسورة الناس 1. يتلوهما بعد كل صلاة ثلاث مرات، وقبل النوم ثلاث مرات، مع السورة العظيمة التي تعدل ثلث القرآن، إن مجموع هذه السور ليحصن المسلم أشد تحصين من الشيطان وشره، من عين، أو سحر، أو كيد، ونحو ذلك.
وهؤلاء ينامون كالجيف، لا يذكرون الله قبل النوم، ولا يتعوذون بالله مما أمر الله به نبيه فقال: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ سورة الفلق 1-2. قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ سورة الناس 1-4. والعوام تعودوا إذا حصل لهم شيء أن يلعنوا إبليس، وأن يسبوا الشيطان، بدلًا من أن يذكروا الله ، وهذا أقل ما فيه أنه يفوت عليهم خيرًا عظيمًا، قال ﷺ: لا تسبوا الشيطان وتعوذوا بالله من شره [رواه أبو طاهر المخلص في كتابه المخلصيات 1572]. أرشدنا إلى أمر أهم، وقال: لا تقل تعس الشيطان، فإنك إذا قلت ذلك تعاظم حتى يكون مثل البيت، ويقول: بقوتي، ولكن قل: بسم الله، فإنك إذا قلت ذلك تصاغر حتى يكون مثل الذباب [رواه أبو داود 4982].
أرشدتنا الشريعة إلى قراءة سورة البقرة في البيت، وقال ﷺ: اقرءوا سورة البقرة في بيوتكم فإن الشيطان لا يدخل بيتًا يقرأ فيه سورة البقرة [رواه الطبراني في الكبير 8643]. فكم من قارئ لسورة البقرة في بيته؟ وإذا مررت بسورة فيها سجدة فاسجد يا عبد الله، فإن سجودك إرغام للشيطان، كما قال النبي ﷺ: إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويلي أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار [رواه مسلم 81]. هكذا يتحسر إبليس، وأنتَ أنت يا أيها الزوج مع زوجته، تجنب الشقاق والفراق تجنب الخصومة إذا كانت ذات دين، فإن هذا من أعظم مداخل إبليس، قال ﷺ: إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم -من الشياطين الصغار- فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته، قال: فيدنيه منه ويقول: نعم أنت [رواه مسلم 2813]. أنت الذي قمت وعملت، أنت الناجح في عملك، وهؤلاء اليوم المغتاظون من الرجال يطلقون ألفاظ الطلاق مرات عديدة متوالية، يؤزهم الشيطان أزاً، لا يفكرون بمستقبل الأولاد، يعميهم الشيطان بالغضب أن يفكروا بمصالح أنفسهم.
رص الصفوف في الصلاة من وسائل محاربة الشيطان
رصوا الصفوف يا عباد الله، فإن رص الصفوف من وسائل محاربة الشيطان، كما قال النبي ﷺ: أقيموا الصفوف، ولا تذروا فرجات للشيطان[رواه أبو داود 666]. أقيموا صفوفكم وتراصوا فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشياطين بين صفوفكم كأنها غنم عفر [رواه أبو داود الطيالسي 2222]. أي: بيضاء ليست بناصعة كأنها غنم عفر بين أظهركم، فإذًا ما حال الذين يتباعدون بينهم وبين جيرانهم في الصف؟ لا يريدون إلزاقًا ولا سدًا للفرجة، هؤلاء من الذين تشتد وسوسة الشيطان عليهم في صلاتهم، فإذا صليت -يا أيها الإمام و يا أيها المنفرد- فاجعل سترة أمامك، فإنها مهمة في دفع الوسواس في الصلاة، قال ﷺ: إذا صلى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يمر الشيطان بينه وبينها[رواه ابن حبان 2372]. وفي رواية: لا يقطع الشيطان عليه صلاته [رواه أبو داود 695]. فإذا جاءك في الصلاة فوسوس لك، وذكرك بموضوعات الدنيا، وأدخلك في أوديتها ومتاهاتها، وأولجك في شعبها، فإن لك من نبيك نصيحة، أتى عثمان بن أبي العاص النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليّ" فقال رسول الله ﷺ: ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا قال ففعلت فأذهبه الله عني" [رواه مسلم 2203]. فإذا كنت تصلي وحدك، أو ليس بجانبك أحد، فإنك تفعل هذا التفل الوارد في الحديث مع الاستعاذة، وإن كان بجانبك أحد فلم تحب أن تؤذ أحداً، فاستعذ بالله من الشيطان أثناء الصلاة، يُذهِب الله عنك كيده ووسوسته، وما سجدتي السهو بهذه المناسبة إلا ترغيمًا للشيطان الذي يوسوس للمصلي، فابن على الاستيقان، على الأقل إذا شككت ولم تعرف ترجيحًا لعدد الركعات التي صليتها، ثم بعد ذلك تسجد سجدتين للسهو ترغم بها أنف الشيطان.
ويا أيها المصلي المتشهد، القارئ للتحيات: لا تنسَ رفع الأصبع أثناء التشهد في الصلاة؛ فإنه أثقل على الشيطان من الحديد، ارفعه وحركه، واجمع بين الرفع والتحريك، دون عبث ولا سرعة شديدة جدًا، ارفعه وحركه واجمع بين الرفع والتحريك؛ فإنه أثقل على الشيطان من الحديد، وإذا تثاءبت في الصلاة فلا يصدر منك الصوت الكريه، فإن الشيطان يضحك منك، وإنما غطِ فاك، ولا تذره يدخل، فإنه يدخل مع التثاؤب ويضحك منك، بل اكتم التثاؤب ما استطعت، ورده، وأغلق الفم، ولا تذرها مضحكة للشيطان، تؤذي عباد الله بصوتك، ومنظرك الكريه، وإذا دخلت بيتك فاذكر اسم الله تعالى حين تدخل، وحين تطعم؛ فإنك إذا فعلت ذلك قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء ها هنا -قال لأعوانه- وإذا دخل فلم يذكر اسم الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإن لم يذكر اسم الله عند مطعمه، قال الشيطان: أدركتم المبيت والعشاء، [رواه مسلم 2018]. ولذلك فإن النبي ﷺ أمسك بيده يد أعرابي وجارية ومعهما يد ثالثة جاء يسعيان إلى الطعام لم يذكرا الله ، معهما يد ثالثة وهي يد الشيطان، كما قال ﷺ: فوالذي نفسي بيده، إن يده مع يدهما في يدي[رواه البيهقي في شعب الإيمان 5444].
وانظر إلى حال المتفرجين المقلدين للكفار في أكلهم، يقطعون اللحم باليمين، ويأكلون بالشوكة باليد الشمال، ويأكل الشيطان معهم؛ فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله، تعودوا عليها حتى إنهم ليفعلونها دون تذكر، والشيطان يستحل الطعام الذي لم يذكر الله عليه، وكذلك فإننا نذكر الله عند كل حالنا؛ طردًا للشيطان، ونحرم الشيطان من اللقمة التي تسقط في الأرض، فنميط الأذى عنها نميط الأذى عنها ونأكلها، ولا ندعها للشيطان، وإذا رأينا الرؤية انزعجنا منها نتفل عن يسارنا ثلاث، ونتعوذ بالله من الشيطان، ولا نخبر بها الناس إذا لعب الشيطان بأحدكم في منامه فلا يحدث به الناس[رواه مسلم 2268]. رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وإياك أيها المسلم والعجلة؛ فإن العجلة من الشيطان، ولا تمش بنعل واحدة؛ فإن الشيطان يمشي بنعل واحدة، ولا تجلس بين الضح والظل؛ فإنه مجلس الشيطان، فإذا وصلتك الشمس فصار بعضك في الظل وبعضك في الشمس، فتحول إما إلى الشمس أو إلى الظل، فإن ذلك مجلس الشيطان.
كيف نعرف هذا إلا بخبر الصادق المصدوق ﷺ، الذي حذرنا ونبهنا وعلمنا كل شيء، الصغيرة والكبيرة، الخمر والميسر والربا -الذي لا يقوم آكله إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس- من هذه الأشياء الكبيرة، وعلى رأسها الشرك بالله، إلى الأشياء الصغيرة جدًا، كالمشي بالنعل الواحدة، وعدم الجلوس بين الضح والظل، فأي دين أعظم من هذا؟، أرشد أتباعه إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم.
نسأل الله العظيم أن يقينا وإيّاكم شر الشيطان وشركه، وأن يعينا على أنفسنا.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي لا إله إلا هو لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا، لا إله إلا الله يفعل ما يشاء، لا إله إلا الله الحي القيوم، لا إله إلا الله مالك الملك، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، أشهد أنه عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وأمينه على وحيه، صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وتابعيه إلى يوم الدين.
أتباع الشيطان وتسلطهم على المسلمين
ومن أعظم أتباع الشيطان: اليهود والنصارى والمشركون، الذين عاثوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، هؤلاء الذين يقتلون إخواننا يوميًا، اليهود والنصارى والمشركون، يقتلون المسلمين في أرض فلسطين، ويقتلونهم اليوم في البوسنة، ويقتلونهم اليوم في الهند، هؤلاء الكفرة المشركون عباد الشيطان الوثنيون، إن هذه الحادثة التي حدثت مؤخرًا من إقدام الهندوس الكفرة، الوثنيون، عبدة الشيطان والأصنام، الذين يعتقدون بالبقرة إلهًا، ويستعد أحدهم ليحرف قطارًا عن مساره من أجل بقرة، عقولهم الوثنية الذين يستحمون في نهر المقدس، ويحرقون المرأة بعد موت زوجها؛ لأنه لا قيمة لها عند ذلك، هذه التقاليد العفنة التي أورثها الشيطان لأولئكم القوم، والذين قاموا اليوم هؤلاء أذناب الشيطان بتحريك من أوليائهم من اليهود والنصارى، بهدم مسجد تاريخي للمسلمين، مسجد البابل في الهند، هؤلاء الذين فعلوا فعلتهم ثم أتبعوها بفعلة أشنع وأقسى، ولكن كثير من الناس عنها غافلون، ألا وهي الإقدام على قتل المسلمين الذين احتجوا في الهند على هدم المسجد، على قتل المسلمين بالرصاص، حتى بلغت الاحصائيات المعلنة نحو من تسعمائة شخص حتى الليلة الماضية، وزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مؤمن بغير حق، وقتل المؤمن أعظم من هدم المسجد، ولكنهم أتبعوا هدم المسجد بقتل نحو من تسعمائة مسلم، هذا ما أعلن وما خفي كان أعظم.
إن قتل المؤمن أشد من هدم المسجد، ولكنهم قتلوا مؤمنين ومسلمين كثر، وأنت يمكن أن تعرف حجم المأساة، صبيحة ذلك اليوم الذي وصلت فيه الأخبار، لو دخلت إلى البقالات والدكاكين التي يوجد بها عمال مسلمون من الهند لوجدت حجم الكارثة على وجوههم، ونحن غافلون، ونحن نوظف الكفرة من الهندوس في الوظائف المختلفة عندنا، يا أصحاب الأعمال، توبوا إلى الله، أما كفاكم أن يقوموا بتقتيل إخوانكم، وهدم مساجدكم؟ ونحن أمة واحدة لا فرق بين شرقيها وغربيها، ثم توظفونهم وتعطونهم الرواتب؛ لكي يدفعوا منها إلى منظماتهم المنحرفة هناك؛ لتقوم بتمويل أعمال الاضطهاد ضد المسلمين، وتقونهم اقتصاديًا بهذه الرواتب والتحويلات الهائلة، حرام عليكم أن تفعلوا ذلك، كيف وقد نهاكم نبيكم أن تبقوهم في جزيرة العرب؟ فاتق الله يا من تستخدم هندوسيًا أو كافرًا وقد أعلنوا الحرب على إخوانك، ثم أنت توظفهم، فلعنة الله على الظالمين، ثم إن هؤلاء الهندوس قد فرحوا حتى وهم بين أظهرنا، ووزعوا الحلويات وهم بين أظهرنا، بعد هدم المسجد وزعوا الحلويات بيننا، أقصد الذين يعيشون بيننا منهم، ويشتغلون عندنا، وزعوا الحلويات فرحًا بهدم المسجد، ويكيدون إخوانهم الهندوس، يا من وضعت المسلمين والكفار في سكن واحد، كيف شعور إخوانك وهؤلاء يكيدون لهم ويغيظونهم الآن بعد هدم المسجد؟ أين رجل الأعمال المسلم، والتاجر المسلم، والمقاول المسلم، وصاحب البيت المسلم، وهو يوظف هؤلاء الكفرة؟ نعم هم تآمروا على أن يجعلوا الوظائف، وعمال الاستقدام، ومكاتب الاستقدام تدفع بهم إلينا، لكن نحن لنا عقول، ولنا وسائل، والمفروض أن نتجه لنصرة دين الله.
قصة من التاريخ في فتح الهند
لقد نوى أمير المؤمنين عمر أن يفتح الهند، وقال النبي ﷺ عصابتان من أمتي أحرزهما الله من النار عصابة تغزو الهند وعصابة تكون مع عيسى ابن مريم عليهما السلام [رواه النسائي 3175]. إذًا هذا الجيش الذي فتح الهند، ووصل إليها، أحرزه الله من الشيطان، وأحرزهما الله من النار، بشارة بفتح الهند، وقد تولى البداية في ذلك محمد بن القاسم رحمه الله تعالى، لما استولى الوثنيون على سفينة فيها نساء للمسلمين، فاستنجدن بالمسلمين، فجرد الجيش وفتحت الأطراف، وخاض المسلمون البحر إليهم، ودخلوا الديبن وهي مدينة كراتشي اليوم، ثم اكتملت الفتوحات الإسلامية، وأشهر من توغل في بلاد الهند من المسلمين محمود بن سبكتكين الغزنوي رحمه الله، الذي انطلق من قاعدته غزنة في أفغانستان ليدخل بلاد الهند فاتحًا منصورًا، مكسرًا أصنامهم، هادمًا لمعابدهم، رافعًا راية التوحيد، عاملًا بين كل ثلاثة أميال مسجد، رتب له إمام ومؤذن، وارتفعت راية التوحيد في بلاد الهند، فقتل الله من ملوكهم خلقًا عظيمًا، قاتلوا المسلمين بالفيلة، ولكن الله نصر عسكر التوحيد، هذا السلطان الذي آثر ما عند الله على أن يعطى من الجواهر واللآلئ والذهب والفضة مقابل أن يترك صنمهم الأعظم، لكنه آثر أن ينادى يا عبد الله هادم الصنم عند الله يوم القيامة، أحسن من أن يقال يا عبد الله يا آخذ اللآلئ والذهب والجوهر والفضة مقابل أن تتركها لهم.
هؤلاء اليوم يريدون القضاء على تاريخ المسلمين في الهند، حتى لو كان هناك مساجد لا يصلى فيها، فهم يريدون هدمها، ولعلهم قد وقتوا ذلك مع هجوم شنيع على عاصمة البوسنة سراييفو؛ لتكون المصائب مجتمعة على المسلمين في وقت واحد، وهذا تخطيط ماكر ولا شك، يريدون إيقاع المصائب المتعددة في وقت واحد بالمسلمين، فيوقّتون هذه الأشياء؛ لنصاب نحن بالإحباط، ونحن مع اعتقادنا ويقيننا أننا أكثر أمة مستهدفة في العالم، نحن الذين نعرف كما اعترف اللورد البريطاني في الهند أيام ما كانت مستعمرة، قال: إننا نرى أن عدونا الأكبر هم المسلمون، إن هؤلاء القوم في قلوبهم عداوة لنا شديدة، فلا بدّ أن نتجه إلى الهندوس، ولذلك في أيام الاستعمار ولّوهم المناصب، وأعطوهم أشياء كثيرة جدًا، حتى آل الحال إلى ما آل إليه الآن، رغم أن الهند كانت قرونًا تحكم من المسلمين.
إن جمع المصائب على المسلمين، وإغراق المسلمين بالأخبار السيئة، والهجمات الشرسة، التي يراد منها إحباط الروح المعنوية، إنها أيها المسلمون خطة ماكرة، ولكننا نحن على ثقة بأن الله سينصر دينه، المهم أن ننصر نحن الله حتى ينصرنا الله، فأما إذا لم ننصر الله، ولا شريعة الله، ولا دين الله، فكيف ينصرنا الله؟ ولذلك فإننا نتوجه إلى الله العلي العظيم مالك الملك الجبار.
اللهم إنا نسألك يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، نسألك بأسمائك الحسنى أن تنصر الإسلام والمسلمين، وتقمع الكفر والكافرين، اللهم أفشل مخططات الكفار، واجعل كيدهم في نحرهم، واجعل دائرة السوء عليهم، اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددًا، ولا تغادر منهم أحدًا، اللهم أنزل عليهم بأسك الذي لا يرد عن القوم الكافرين، واشدد وطأتك عليهم يا قوي إنك على كل شيء قدير، اللهم اجعل بأسهم بينهم، واردد سهامهم في نحورهم، ورد المسلمين إلى الإسلام ردًا جميلاً، اللهم اهد فاسقنا إلى الدين، وثبت المهتدي منا على السنة والحق المبين، اللهم طهر بيوتنا من المنكرات، اللهم أصلح نياتنا، وذرياتنا، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.