الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي المتقين، وأشهد أن محمداً رسول الله -صلى الله عليه- وعلى آله وصحبه أجمعين.
بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأُمة، وكشف الله به الغُمّة، وجاهد في الله حق جهاده.
أيها الإخوة: سنتحدث في هذه الليلة إن شاء الله عن عبادة عظيمة من العبادات، وموضوع مهم من المهمات وهو: حِلق العلم، في شيء من فضلها وآدابها وشروطها، ونظرة نقدية لواقع حِلق العلم التي يجلس فيها بعض الناس وبعض الشباب، بل وبعض النساء أيضاً لنتعرف على شيء من الآداب، وفي ذات الوقت الآفات التي تحيط بهذه القضية.
فضل طلب العلم والحرص عليه
أما بالنسبة للعلم، فإن طلب العلم من أجل العبادات وأفضل القُربات، وهو حياة القلوب ونور الأبصار، به يُطاع الله ويُعبد، وبه يُحمد الرب ويوحّد، وبه تُوصل الأرحام، ويعرف الحلال من الحرام، فتعلّمه حسنة، ودراسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة، وهو الأنس في الوحدة، والصاحب في الغربة، والدليل في الظلمة، والسنان على الأعداء، وأهل العلم في المنازل العالية، قال الله تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ [المجادلة: 11]. وفضل العالم على العابد كفضل النبي ﷺ على أدناكم كما خاطب بذلك أصحابه، ولم يأمر الله نبيه أن يطلب الزيادة من شيء إلا من العلم، فقال: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا [طه: 114]. وهو دليل على توفيق الله للعبد، قال ﷺ: من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين [رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037].
وفي حكمه جاء حديثه ﷺ: طلب العلم فريضة على كل مسلم [رواه ابن ماجة: 224، والطبراني في الصغير: 4096، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 3914]. ونافلة العلم أفضل من نافلة العبادة، كما ورد في الحديث الصحيح: فضل العلم أحب إليّ من فضل العبادة [رواه الحاكم في المستدرك: 314، والبزار: 2969، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 4214]. والملائكة ترضى عن طالبه لقوله ﷺ: وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع [رواه أحمد: 18089، والترمذي: 3641، وبن ماجه: 223، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6297]. وكل وسيلة مشروعة لتحصيله فهي طريق مؤدية إلى الجنة لقوله ﷺ: من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة [رواه أحمد: 21715، وأبو داود: 3641، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6297]. وحِلق العلم من أعظم الوسائل والأسباب الموصلة إلى العلم، ولذلك فإن هذا السبيل وهو حلق العلم من أعظم السبل المؤدية إلى الجنة، ولذلك كان حرياً بنا أن نتفطن لهذه القضية، وهي الاهتمام بحلق العلم؛ لأنها السبيل العظيم الموصل إلى الجنة، وقد وردت أحاديث في فضل حِلق العلم عظيمة.
وحِلَق الذّكر أيضاً، منها ما هو مقيد بالمسجد، ومنها ما هو مطلق، فمن الأشياء المقيدة بالمسجد حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده [رواه مسلم: 2699].
وفي إتيان المساجد لتعلم القرآن، قال ﷺ: أيّكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بُطحان، أو إلى العقيق، فيأتي منه بناقتين كوماوين زهراوين في غير إثم ولا قطع رحم، فلأن يغدو أحدكم إلى المسجد، فيتعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله خير له من ناقتين، وثلاث خير له من ثلاث، وأربع خير له من أربع، ومن أعدادهن من الإبل [رواه أحمد: 17408، وقال الأرناؤوط: "إسناده صحيح على شرط الشيخين"].
وهذا دليل عظيم على استحباب إتيان المساجد لحلق الذكر.
أما غير المساجد، فقد قال ﷺ في الحديث الصحيح: لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده [رواه مسلم: 2700].
وفي رواية لابن حبان: ما جلس قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة وذكرهم الله فيمن عنده [رواه ابن حبان: 855، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5608].
وبعض العلماء الذين شرحوا حديث: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله ذكروا تنبيهاً، ومنهم النووي الذي قال: "التقييد بالمسجد غالبي، فلا يُعمل بمفهومه" يعني: ليس الأجر هذا حتى الذي ورد في بيت من بيوت الله ليس خاصاً بالمسجد، وإنما حتى الحلق التي تكون في البيوت والمجالس وأي مكان آخر غير المسجد فيها أجر عظيم أيضاً، لكن بيت الله تعالى مظنّة الخشوع ومظنّة البركة أكثر، وإلا فليست حِلق العلم المعقودة في البيوت مثلاً خالية من الأجر الوارد في هذا الحديث، ولذلك قال: "التقييد بالمسجد غالبي فلا يُعمل بمفهومه" [شرح النووي على مسلم: 17/22].
أما بالنسبة لذكر الله الوارد في الحديث، فقد قال ابن حجر -رحمه الله-: "ويُطلق ذكر الله ويُراد به المواظبة على العمل بما أوجبه أو ندب إليه، كتلاوة القرآن وقراءة الحديث، ومدارسة العلم، والمناظرة فيه من جملة ما يدخل"، وقال: "قراءة الحديث ومدارسة العلم والمناظرة فيه من جملة ما يدخل في مسمى ذكر الله ، وإن كان ذكر الله بالمعاني الأخرى أيضاً أقرب إلى مسمى ذكر الله من قضية مدارسة أو ذكر الأسانيد ونحو ذلك" [فتح الباري لابن حجر: 11/212].
وقال ﷺ فيما رواه عنه سهل بن الحنظلية: ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم وذكره الألباني -رحمه الله- في صحيح الجامع [رواه أحمد: 12453، والبيهقي في الشعب: 683، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5507].
إذن، هذه الأحاديث الدالة على فضل حِلق الذكر عموماً، وحِلق العلم تدخل في حلق الذكر، وينبغي أن يوسّع عن موضوع حِلق الذكر حتى لا يُظن فقط أنها فقه وحديث وتفسير ونحو ذلك، وإنما لو كان فيها الطلب من الله والدعاء، وكذلك ذكر نعمة الله أنهم جلسوا يذكرون نعمة الله عليهم، لكانت من حِلق الذكر التي فيها هذا الأجر العظيم، وقد ذكر النبي ﷺ عن رجل حضر حلقة علم رأى فُرجة جلس فيها أن الله آواه، وثانٍ جلس خلفهم واستحيا، أن الله قد استحيا منه" فإذن، هذا يدل على فضل من حضر حِلق الذكر، والصحابة جلسوا يقولون: "نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنّ به علينا" [رواه مسلم: 2701].
فإذن، تذكُّر الأشياء وتذكُّر نعمة الله تعالى، وتحديث البعض للبعض الآخر بنعمة الهداية، هذا يعتبر من مجالس الذكر، ولو ما قرءوا فيه إسناداً ولا متناً، فلا يقتصر مفهومنا لحلق الذكر على قضية قراءة المتون فقط، لا، المسألة أعظم من ذلك، لو جلس جماعة يتواصون بالحق ويتواصون بالصبر، يتكلمون في مسألة الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسبُل إعزاز الدين، ويناقشون كيفيات إعزاز الدين, والسُّبل الموصلة إلى تبليغ الدعوة، وكيف يحققون ذلك، لكان هذا من حِلق الذكر، ولو جلس جماعة حتى لو لم يكونوا من أهل العلم، ولا من المبدعين في العلم، ولا من حفّاظ العلم، جلسوا جماعة يذكرون نعم الله عليهم، وهذا ممكن يتكلم فيه بعض العامة من الناس كلاماً جميلاً، يذكر نعم الله عليه، ويقارن حال المهتدين بحال الزائغين، ويبين فضل الله على المهتدين، هذه حلقة ذكر فيها أجر عظيم.
إذن، نحن يمكن أن نحوِّل كثيراً من مجالسنا، سواء كانت مجالس عائلية، مجالس كلام في العمل أحياناً، مجالس مع الأصدقاء، ما قبل العشاء، ما بعد الغداء، في الوليمة، نحوّلها إلى حلقة ذكر، وفيها أجر عظيم.
فإذن، لاحظ الآن أن ذكر الله كلمة عامة يدخل فيها: العلم ومسائل العلم، والحديث والتفسير، والفقه والعقيدة، ويدخل فيها كل شيء فيه ذكر فضل الله، ونعم الله، وهداية الله تعالى، وكذلك الدعوة إلى الله.
إذن، مجالس الذكر مفهوم أو مفهومها كبير وواسع، وينبغي أن يُحقق، وإن كانت الكتب التي تتحدث عن حِلق العلم تقتصر على ما يُفهم منه فقط، قضية المتون والشروح والأحاديث والإملاء والأسانيد، وغير ذلك، لكن المسألة أوسع من هذا بكثير، والصحابة هذا كان حالهم، يذكرون منّة الله تعالى عليهم.
ولا شك أن حِلق العلم من الأمور التي ينبغي الاهتمام بها لقلّة العلم في هذا الزمان وفشو الجهل، فهي من ذكر الله تعالى، ولما كانت حلق العلم هذه قد اعتورها ما اعتورها من التقصير والآفات، فلعلنا نتحدث عن بعض ما يتعلق بحلق العلم من الشروط والآداب، وما كان عليه الأمر في عهد السلف، ونناقش بعض عيوبنا في حلق العلم أو حلق الذكر، لنتوصل إلى سبل لتصحيح الواقع، ونحث أنفسنا على الاهتمام بهذه العبادة العظيمة، وهي حلق العلم وحلق الذكر.
حرص السلف واهتمامهم بمشايخهم
كان السلف رحمهم الله يهتمون بقضية الشيخ، ويتوسمون الخير في المشايخ، ويحرصون على حضور من يظهر لهم الخير فيه، فهذا أبو إدريس الخولاني -رحمه الله- قال: "دخلتُ مسجد حمص فجلست إلى حلقة فيها اثنان وثلاثون رجلاً من أصحاب النبي ﷺ، يقول الرجل منهم: سمعت رسول الله ﷺ، فيحدّث، ثم يقول الآخر: "سمعتُ رسول الله ﷺ، فيحدّث، وفيهم رجل أدعج براق الثنايا، فإذا شكّوا في شيء ردوه إليه، ورضوا بما قال، فلم أجلس قبله ولا بعده مجلساً مثله، فتفرّق القوم وما أعرف اسم رجل منهم، فبتُّ بليلة لم أبت بمثلها، وقلت: أنا رجل أطلب العلم، وجلست إلى أصحاب رسول الله ﷺ لم أعرف اسم رجل منهم ولا منزله، فلما أصبحتُ غدوتُ إلى المسجد، فإذا أنا بالرجل الذي كانوا إذا شكوا في شيء ردوه إليه يركع إلى بعض اسطوانات المسجد يصلي، فجلستُ إلى جانبه، فلما انصرف قلت: "يا عبد الله، والله إني لأحبك لله، فأخذ بحبوتي حتى أدناني منه، ثم قال: إنك لتحبني لله؟ قال: قلت: إي والله، إني لأحبك لله، قال: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن المتحابِّين بجلال الله في ظل الله وظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله فقمتُ من عنده. الحديث، أو بقية القصة. [رواه أحمد: 22783، وقال محققه الأرناؤوط: حديث صحيح]
وقد حصل أيضاً في رواية أخرى من كلامه -رحمه الله- أنه سمع رجلاً من الصحابة يقول عن النبي ﷺ فيما يروي عن ربه : حقّت محبتي للذين يتحابون فيّ، وحقت محبتي للذين يتباذلون فيّ، وحقت محبتي للذين يتزاورون فيّ قلت: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عبادة بن الصامت، قلت: من الرجل؟ قال: معاذ بن جبل". [رواه أحمد: 22783، وصححه محققه الأرناؤوط: 22782، وابن عساكر في تاريخ دمشق: 58/426].
ومعاذ بن جبل الذي أعجب ذلك الرجل هيأته وسمته ، وهو الذي كان مرجعهم، وهو أعلم الأمة بالحلال والحرام، بالفقه بعد النبي ﷺ، يتقدم العلماء يوم القيامة برمية حجر، رأى أبو إدريس من سمته وهيأته ما حببّه فيه وجلس إليه، ويمكن معرفة العالم الثقة أو المعلّم الثقة، أو طالب العلم الثقة من خلال السؤال والتفرُّس، وكانوا يبحثون عن الحلق التي يظهر فيها حسن السمت في طلابها، وهذه كانت ميزة من ميزات حلق العلم والذكر في عهد السلف؛ أن الإنسان يميز من الجالسين حالاً عجيبة.
يقول عبد الله بن محمد بن عبيد في مِسْعر بن كدام وهو من كبار علماء السلف:
من كان ملتمساً جليساً صالحاً | فليأتِ حلْقة مِسْعر بن كدامِ |
فيها السكينةُ والوقارُ وأهلُها | أهلُ العفافِ وعِليةُ الأقوامِ |
[حلية الأولياء: 7/219].
فيتميزون إذن بالعفة، والمجلس نفسه فيه سكينة ووقار، ليس مجلس لغط ولا هرج ومرج، وإنما مجلس خشوع وسكينة ويقول أبو حازم -رحمه الله- وهو من جلاّس زيد بن أسلم في حلقته، يقول: "لقد رأيتنا في مجلس زيد بن أسلم أربعين حبراً فقهاء، أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا، فما رُئي منا متماريان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما قط"، إذن، كان الجالسون في الحلق من الذين يتخلّقون بالأخلاق الحسنة، وليس فقط حفاّظ، أو عندهم نبوغ في الفهم، لا، حتى قضية الأخلاق والآداب، هذا يقول: "أدنى خصلة فينا: التواسي بما في أيدينا" يواسي بعضنا بعضا، الذي عنده سعة يعطي الذي ضاقت حاله، هذه أقل خصلة فينا، فما بالك بما هو أعظم؟ وفي ذات الوقت لا يوجد مراء في المجلس، لا نقاشات فارغة، ما رُئي منا متماريان ولا متنازعان في حديث لا ينفعهما أبداً قط لا يوجد، ولذلك حصلت الاستفادة والبركة، لكن عندما يجلس بعض الناس أو بعض الشباب في حلق، ويكون همهم الجدال والنقاش حتى لو لم يكن مفيداً، وأن يظهر كل واحد نفسه وصحة رأيه وفساد رأي الآخر ونحو ذلك من الكلام، وينتصر كل إنسان لنفسه، ويريد إبراز مواهبه في النقاش، عندما تكون الأغراض مشبوهة، والنوايا مشوبة بمثل هذه الترهات، لا تحصل البركة في المجلس ولا الفائدة، ولذلك قال: "ما رُئي منا متماريان ولا متنازعان"، فكانوا يسمعون العلم فيستفيدون، لا يوجد مراء، ولا شيء يضيّع الأوقات.
وقد روى أبو سعيد -رضي الله عنه-، قال: "كنت في حلْقة من الأنصار، وإن بعضنا ليستتر ببعض من العُري وقارئ لنا يقرأ علينا"، وفي هذا أنهم كانوا يلتمسون حلق الفقراء، وقارئ يقرأ علينا، إذن، كان من طريقتهم في الحلق أن قارئاً يقرأ وهم يستمعون، فلو أن ناساً اجتمعوا ما عندهم علم، ولا حفظ متون ولا شيء اجتمعوا حلقة، قالوا: يا فلان، أنت أندانا صوتاً، وأجودنا تجويداً، افتح المصحف واقرأ علينا، فتح المصحف وقرأ عليهم، هذه حلقة ذكر كاملة، تحفُّها الملائكة، تغشاها الرحمة والسكينة، ولو ما فُعل فيها إلا قراءة القرآن، "كنت في حلقة من الأنصار، وإن بعضنا ليستتر ببعض من العُري، وقارئ لنا يقرأ علينا، فنحن نسمع إلى كتاب الله " [رواه أحمد: 11604، وحسنه محققه الأرناؤوط]. وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- إذا أرادوا سماع القرآن، أمروا أحدهم أن يقرأ والبقية يستمعون.
إذن، حلقة الذكر ليست قضية صعبة، قضية سهلة جداً، بعد ما عرفنا الآن فضل حلق الذكر، تكوين حلقة ذكر، وعمل حلقة ذكر، وإنشاء حلقة ذكر، قضية سهلة جداً، المسألة لا تحتاج أكثر من همّة جلوس، وسماع لواحد من الناس الذين يجلسون يقرأ قرآناً، ويحصل بذلك الأجر العظيم، ولا يشترط أن يكون فيهم طالب علم أو عالم، يكفي يجلس مجموعة، واحد يقرأ القرآن وهم يستمعون بإنصات وخشوع لتحصيل هذا الأجر العظيم، فإذا عرفنا يا إخوان أن المسألة سهلة، فلماذا لا نطبقها؟ هب أن بعضنا من الجالسين ليس عنده علم، ولا صاحب علم، ولا درس على مشايخ، ولا حفظ متوناً، ولا مسائل فقهية، ولا درس مذهباً فقهياً، جمع أهل بيته، قرأ هو، أو قرأ أهله، أو قرأ أحد أولاده سورة من القرآن، هذه حلقة ذكر، ونحن نريد إحياء هذه القضية في البيوت والمجالس والمساجد وجميع المحلات، من مصلحتنا إحياء هذه القضية حتى في زمن الجهل الذي نعيش فيه، عندك ربع ساعة في مصلّى العمل، بنات عندهم وقت في مصلى الكلية، نساء، طلاب عندهم وقت في مصلى الجامعة، المسألة سهلة جداً، إنشاء حلقة ذكر سهل جداً، وهذه قضية لها أثر كبير على النفوس، هذا نوع تربية إيمانية، وباب عظيم من أبواب الأجر ينبغي أن لا يفوت أبداً، لقد كان عند السلف خشوع في حلقهم، ولم تكن مجالس جدال ومراء وكلام يقسّي القلوب، يقول نصر بن عاصم الليثي: "أتيت اليشكري في رهط من بني ليث، فقال: قدمتُ الكوفة فدخلت المسجد، فإذا فيه حلقة كأنما قُطعت رءوسهم من خفض الرءوس والخشوع والصمت كأنما قُطعت رءوسهم، يستمعون إلى حديث رجل، فقمت عليهم، فقلت: من هذا؟ قيل: حذيفة بن اليمان، فدنوتُ منه فسمعته يقول: "كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر، الحديث المعروف.
[هذه القصة رواها أبو داود: 4246، وحسّنها الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: 5932].
إذن، يلزم سكينة في المجلس الذي يُقرأ فيه حديث النبي ﷺ.
وعندما يقول الله تعالى في كتابه العزيز: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2]. فإننا ونحن بعده ولم ندركه حياً -عليه الصلاة والسلام- نستطيع أن نطبّق القضية بحيث نسمع حديثه يُقرأ في مجلس بدون أن يكون منا رفع صوت، فإذا لم يكن بين أظهرنا حياً بجسده لنحترمه في عدم رفع صوتنا فوق صوته، فلا أقلّ من أن نسكت وننصت عندما يُقرأ حديثه.
أهل الحديث هم أهل الرسول | وإن لم يصحبوا نفسه أنفاسه صحبوا |
فهذه أنفاسه التي بلغت إلينا، وحديثه ينبغي أن يُسمع باحترام وتوقير وإجلال.
لقد كانت الحلق تزيد الإيمان، ويحصل فيها من الخشوع ما يحصل، ويكون ذلك أحياناً بكلمة يسيرة، ولا يشترط أن تكون موعظة طويلة، يقول محمد بن واسع: "كنتُ في حلقة فيها الحسن ومطرِّف وفلان وفلان، فتكلم سعيد بن أبي الحسن، حتى إذا قضى كلامه دعا، فقال في دعائه: اللهم ارض عنا ثلاثاً، فقال مطرِّف: اللهم إن لم ترض عنا، فاعفُ عنا، قال: فأبكاهم مطرِّف بهذه الكلمة" [مصنف ابن أبي شيبة: 7/178].
ومن شروط الشيخ في الحلقة: التواضع، وكان بعض العلماء لا يرضى بأن يُقام له إذا دخل المجلس، ولا أن يُقبّل رأسه ولا يده، وإنما إذا تكامل الحضور، جاء إلى مكانه في الحلقة والدرس وجلس وتحدّث، وإذا انتهى قام ودخل بيته.
من الأشياء التي ينبغي عملها: تشجيع الطلاب المخلصين في الحلقة.
مرّ عبد الله بن مسعود بحلقة فيها علقمة والأسود ومسروق وأصحابهم، هؤلاء من أنجب تلاميذ عبد الله بن مسعود، علقمة والأسود ومسروق، فوقف عليهم، فقال: "بأبي وأمي العلماء برَوح الله ائتلفتم، وكتاب الله تلوتم، ومسجد الله عمرتم، ورحمة الله انتظرتم، أحبكم الله، وأحبّ من أحبكم" [حلية الأولياء: 2/99].
سؤال الشيخ عن طلابه وتفقده لأحوالهم
وتفقُّد الطلاب في الحلقة أمر مهم، فقد روى قُرّة بن إياس أن رجلاً كان يأتي النبي ﷺ ومعه ابن له، فقال النبي ﷺ: ((تحبه؟)) قال: نعم يا رسول الله، ففقده النبي ﷺ يوماً، فقده زمناً، فقده لا يأتي للدرس والحلقة، فقال: ما فعل فلان ابن فلان؟ قالوا: يا رسول الله، بنيه ذاك الذي رأيته معه مات، فأتاه النبي ﷺ، فعزّاه عليه، ثم قال: ألا تحب أن لا تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته ينتظرك أو أن يكون عندك حياً قال: لا بل لا آتي إلى باب من أبواب الجنة إلا وأجده قد فتحه سبقني يفتحه لي، قال: فذلك لك قالوا: يا رسول الله أله خاصة؟ قال: ((بل لكلكم)) الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وكذلك النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائز. [رواه أحمد: 15595، والنسائي في السنن الكبرى: 2009، وصححه الألباني في أحكام الجنائز: 1/162].
كرم الشيخ مع طلابه وأهل حلْقته
وكرم الشيخ مع أهل حلْقته كان من مزايا علماء السلف -رحمهم الله-، قال المزني: "ما رأيت رجلاً أكرم من الشافعي، خرجت معه ليلة عيد من المسجد وأنا أذاكره في مسألة حتى أتيت باب داره، فأتاه غلام بكيس، فقال: مولاي يقرئك السلام، ويقول لك: خذ هذا الكيس، فأخذه منه وأدخله في كمِّه فأتاه رجل من الحلقة من الطلاب، فقال: يا أبا عبد الله ولدت امرأتي الساعة ولا شيء عندي، نفقة الحلاق، وأُجرة المولدة، والعقيقة، ونحو ذلك، فدفع إليه الكيس وصعد وليس معه شيء. [مرقاة المفاتيح: 1/23]
وكان من عادتهم الإنفاق على الطلاب المحتاجين، وخصوصاً من طلاب الدرس، قال أبو يوسف -رحمه الله-: "كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقلُّ رثّ المنزل، فجاء أبي يوماً وأنا عند أبي حنيفة، فانصرفتُ معه، فقال: "يا بُنيّ أنت محتاج إلى المعاش -يعني اعمل- فذهب ليعمل، قال: ففقدني أبو حنيفة وسأل عني، فلما أتيته بعد تأخيري عنه، قال: ما خلّفك؟ قلت: الشغل بالمعاش وطاعة والدي، فلما أردت الانصراف أومأ إلي، فجلستُ، فلما قام الناس دفع إلي صُرّة، وقال: استعن بهذه والزم الحلْقة، وإذا فقدتَ هذه فأعلمني، فإذا فيها مائة درهم، فجلستُ مجلسه حتى بلغتُ حاجتي وفتح الله لي، فكان ما حصل من علم أبي يوسف رحمه الله تعالى" [وفيات الأعيان: 6/380].
كانت الحلقات على عهد السلف فيها تنظيم حسن وترتيب جيد، سواء كان توزيع الدروس على الأيام، ابن مسعود كان يحدِّث كل خميس، ابن عباس يأتيه أهل التفسير يقومون، يأتي أهل الحديث يقومون، حتى أهل الشعر يأتون ويذاكرونه أبيات العرب، قال الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي الدرداء: "وقيل الذين في حلْقة إقراء أبي الدرداء كانوا أزيد من ألف رجل، ولكل عشرة منهم ملقّن" يعني: ألف واحد، لكن كانوا مجموعات، عشرة عشرة عشرة، "وكان أبو الدرداء يطوف عليهم قائماً، فإذا أحكم الرجل منهم" ضبط التلاوة وقرأ القرآن على هذا الملقّن وحفظ "تحول إلى أبي الدرداء يعرض عليه" [سير أعلام النبلاء: 2/353]. فإذن، هذا الشيخ الكبير بعدما ينتهي الطلاب من الدورات، الذي ينتهي منهم يأتي للشيخ الكبير، فيعرض عليه ما تعلّمه.
وقال الذهبي أيضاً في السير عن مكحول قال: "كانت حلْقة من أصحاب النبي ﷺ يدرسون جميعاً، فإذا بلغوا سجدة بعثوا إلى أبي إدريس الخولاني، فيقرأها ثم يسجد، فيسجد أهل المدارس، وقال يزيد بن عبيدة: "إنه رأى أبا إدريس في زمن عبد الملك بن مروان، وإن حِلَق المسجد بدمشق يقرءون القرآن يدرسون جميعاً، وأبو إدريس جالس إلى بعض العُمَد، فكلما مرت حلْقة بآية سجدة، بعثوا إليه يقرأ بها وأنصتوا له سجد بهم جميعاً" [سير أعلام النبلاء: 4/274].
توقير الصغار للكبار وإجلالهم
من الآداب التي كانت موجودة في حِلق السلف أن الصغار وأحداث السن لا يتكلمون أبداً قبل الكبار، لا يوجد استعجال، ولا تعالم ولا تسرُّع ولا قلّة أدب، ليس منا من لم يوقّر كبيرنا [رواه أحمد: 6937، وقال محققه الأرنوؤط: صحيح]. يقول واحد منهم: "كان إذا تكلم الحدث عندنا في الحلقة أيسنا من خيره" [حلية الأولياء: 8/28].
عرفنا أنه لا فيه خير، كيف يتكلم بحضرة الكبار والعلماء والشيوخ ومن سبقه؟ فإذن، يوجد أدب جم، وكانت التربية لطلاب الحلقة حاصلة.
يقول عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: "دخلت دمشق على كتبة الحديث، فمررت بحلْقة قاسم الجوعي، فرأيت نفراً جلوساً حوله وهو يتكلم عليهم، فهالني منظره، فتقدّمت إليه، فسمعته يقول: "اغتنموا من زمانكم خمساً: إن حضرتم لم تُعرفوا، وإن غبتم لم تُفتقدوا، وإن شهدتم لم تُشاوروا، وإن قلتم شيئاً لم يُقبل قولكم، وإن عملتم شيئاً لم تُعطوا به، أوصيكم بخمس أيضاً: إن ظلمتم لم تظلموا، وإن مُدحتم لم تفرحوا، وإن ذُممتم لم تجزعوا، وإن كذّبتم فلا تغضبوا، وإن خانوكم فلا تخونوا، فقلت: هذه فائدتي من دمشق" [تاريخ دمشق لابن عساكر: 49/120].
يكفي هذا عن كل الطرق والأسانيد.
فكان هناك تربية على الإخلاص، تواصي، الشيخ يوصي التلاميذ بأن لا يبرزوا يبتغوا حب الرئاسة، وأن يتطلّع إليهم الناس، ويقول: أخملوا ذكركم، ولو حضرتم وما عُرفتم أحسن.
وكان الطلاب يؤمرون بالإخلاص، وعظ الحسن يوماً في مجلسه، فتنفّس رجل، فقال الحسن: "إن كان لله شهرتَ نفسك، وإن كان لغير الله فقد هلكت" [تلبيس إبليس: 227].
وقال عبد الكريم بن رُشَيد: "كنت في حلقة الحسن، فجعل رجل يبكي وارتفع صوته، فقال الحسن: "إن الشيطان ليبكي هذا الآن" [صفة الصفوة: 1/439]. يعني: إن كنت تريد إن خشعت حضرك البكاء اكتم بكاءك، ولا تجعله ظاهراً يلتفت إليك الناس بهذا الصوت المرتفع.
وكان من سماتهم وعظ أصحاب الحلقة، فعن الأعمش قال: "كان ابن مسعود جالساً بعد الصبح في حلقة، فقال: أنشد الله قاطع رحم لما قام عنا، فإنا نريد أن ندعو ربنا، وإن أبواب السماء مرْتَجة دون قاطع رحم" [رواه الطبراني في الكبير: 8793، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح إلا أن الأعمش لم يدرك زمن ابن مسعود].
فهو يعظ إذن، أي واحد جالس الآن معه في المجلس يقول: الذي قاطع رحم لا يجلس معنا؛ لأننا نريد دعاء مستجاباً، والدعاء لا يُجاب بقاطع الرحم، ومرتجة أي: مغلقة.
وقد جاء ذلك أيضاً عن مثل هذا عن أبي هريرة أنه قال: "أُحرِّج على كل قاطع رحم إلا قام من عندنا، فلم يقم أحد إلا شاب من أقصى الحلقة، فذهب إلى عمّته؛ لأنه كان قد صارمها منذ سنين فصالحها، فقالت له عمته: ما جاء بك يا ابن أخي، المجيء غريب، قال: إني جلست إلى أبي هريرة، فقال: أُحرّج على كل قاطع رحم إلا قام من عندنا، فقالت له عمته: ارجع إلى أبي هريرة واسأله لم ذلك؟ فرجع فأخبره، فأخبره بمثل ما تقدم عن ابن مسعود " [رواه البخاري في الأدب المفرد: 61، والبيهقي في الشعب: 7595، وضعفه الألباني في ضعيف الأدب المفرد: 61].
إذن، مجالس العلم كان فيها مواعظ، كان فيها تذكير، مثل قضية صلة الرحم هذه، تذكير الطلاب بالواجبات الشرعية، وليس فقط حشو معلومات ويذهب، لقد تغيرت الأمور كثيراً عما كان عليه الأمر في عهد السلف، فقد كان هناك تربية على الإخلاص، تذكير بالواجبات، تواصي بالحق، غير قضية المعلومات.
صارت الآن الحلق أجودها التي فيها معلومات، والباقي فيها كثير من الهذر وضياع الوقت.
ليست القضية يا إخوان تكثير المعلومات فقط، ينبغي أن يكون في هذه الحلق إيمانيات، مواعظ، ذكر لله تواصي، تذكير وعظ، هذه قضايا مهمة جداً ينبغي أن تكون في الحلق، لا يصح أن تكون الحلق جافة ليس فيها إلا عبارات تحتاج إلى تفكيك فقط، هذا هو، لا، إن المسألة التي تبنى عليها الأعمال وتصلح الأحوال، أن يكون ذلك مقترناً أيضاً بذكر الله والوعظ، وكان كلام المشايخ من إخلاصهم لا يتأثر بمجيء فلان من الناس كائناً من كان، وكانت أسرار الحلقة تُحفظ، وإذا خولف ذلك حصل التذكير والتنبيه، وهذه فيها قصة فيها عبرة، يقول سعيد بن أبي مروان: "كنت جالساً إلى جنب الحسن، إذ دخل علينا الحجاج من بعض أبواب المسجد ومعه الحرس، فدخل المسجد على برذونه، فجعل يلتفت في المسجد، فلم ير حلْقة أحفل من حلقة الحسن، فتوجه نحوها حتى بلغ قريباً منها، ثم ثنى وركه، فنزل ومشى نحو الحسن، فلما رآه الحسن متوجهاً إليه تجافى له عن ناحية مجلسه، قال سعيد: وتجافيتُ له أيضاً عن ناحية مجلسي، حتى صار بيني وبين الحسن فُرجة ومجلس للحجاج، فجاء الحجاج حتى جلس بيني وبينه، والحسن يتكلم بكلام له يتكلم به في كل يوم، فما قطع الحسن كلامه، قال سعيد: فقلت في نفسي: لأبلونّ الحسن اليوم ولأنظرنه، هل يحمل الحسن جلوسُ الحجاج إليه أن يزيد في كلامه ويتقرّب إليه، أو يحمل الحسنَ هيبةُ الحجاج أن ينقص من كلامه؟ فتكلم الحسن كلاماً واحداً نحواً مما كان يتكلم به في كل يوم، حتى انتهى إلى آخر كلامه، فلما فرغ الحسن من كلامه وهو غير مكترث به، رفع الحجاج يده فضرب على منكب الحسن، ثم قال: صدق الشيخ وبرّ، فعليكم بهذه المجالس وأشباهها فاتخذوها حِلَقاً وعادة"، هذا عبد الله بن أُبي بعد صلاة الجمعة كان يقوم ويذكر الناس، "فإنه بلغني عن رسول الله ﷺ أن مجالس الذكر رياض الجنة، ولولا ما حملناه من أمر الناس والمسئوليات العظام، والجرائم العظام، ولولا ما حملناه من أمر الناس ما غلبتمونا على هذه المجالس لمعرفتنا بفضلها، ثم افتر الحجاج فتكلم حتى عجب الحسن ومن حضر من بلاغته، فلما فرَغ طفق فقام، فجاء رجل من أهل الشام إلى مجلس الحسن حين قام الحجاج، فقال: عبادَ الله المسلمين، ألا تعجبون أني رجل شيخ كبير وأغزو، فأكلّف فرساً وبغلاً وفسطاطاً، وأن لي ثلاثمائة درهم من العطاء، ولي سبع بنات من العيال، فشكا من حاله حتى رق الحسن له، ولما فرغ الرجل رفع الحسن رأسه، فقال: ما لهم قاتلهم الله اتخذوا عباد الله خَوَلاً، ومال الله دولاً، وقتلوا الناس على الدينار والدرهم، فإذا غزا عدو الله غزا في الفساطيط الهبابة وعلى البغال السباقة، وإذا أغزا أخاه أغزاه طاوياً راجلاً، فما فتر الحسن حتى ذكرهم بأقبح العيب وأشده، فقام رجل من أهل الشام كان جالساً إلى الحسن، فسعى به إلى الحجاج، وشاية، وحكا له كلامه، فلم يلبث الحسن أن أتته رُسُل الحجاج، فقالوا: أجب الأمير، فقام الحسن، وأشفقنا عليه من شدة كلامه الذي تكلم به، فلم يلبث الحسن أن رجع إلى مجلسه وهو يبتسم، وقلما رأيته فاغراً فاه يضحك، إنما كان يتبسّم، فأقبل حتى قعد في مجلسه، فعظّم الأمانة، وقال: إنما تجالسون بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا إلى شرارة من نار، ثم قال الحسن: "إني أتيت هذا الرجل، فقال: أقصر عليك من لسانك تحرّض علينا الناس، فأقصر عليك من لسانك، قال: فدفعه الله عني" [إحياء علوم الدين: 3/329]. كان فقد الشيخ يعني أمراً كبيراً وفراغاً عظيماً يحدث إذا مات الشيخ والعالم صاحب الحلقة.
قال الربيع: "كنا جلوساً في حلقة الشافعي بعد موته بيسير، فوقف علينا أعرابي فسلّم، ثم قال لنا: أين قمر هذه الحلقة وشمسُها؟ فقلنا: توفي رحمه الله، فبكى بكاء شديداً، ثم قال: رحمه الله وغفر له، فقد كان يفتح ببيانه منغلق الحجّة، ويسدّ على خصمه واضح المحجّة، ويغسل من العار وجوهاً مسوّدة، ويوسِّع بالرأي أبواباً منسدّة، ثم انصرف".
وكان الشيخ يعين من طلابه من يلي الحلقة من بعده، وقد دخل على الشافعي في مرض موته الربيع والبويطي والمزني ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: فنظر إلينا الشافعي ساعة، فأطال يتفرَّس في وجوههم، وكان الشافعي من أشهر الناس في الفراسة، ينظر إلى الشخص فيعرف أشياء من أحواله خفية بفراسته، قال: أما أنت يا أبا يعقوب، فستموت في حديد، يعني البويطي، ستحدث لك قضية تقيّد بالأصفاد، وتموت في الأصفاد، وكان البويطي من الثابتين في فتنة خلق القرآن ورُبط وقُيّد ومات في القيد، وأما أنت يا مُزني، فسيكون لك بمصر هنّات وهنّات، ولتدركن زماناً تكون أقيس أهل ذلك الزمان، وأما أنت يا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، فسترجع إلى مذهب أبيك، يعني إلى مذهب مالك، وكان قد تحوّل إلى مذهب الشافعي، ثم -فعلاً- بعد ما مات الشافعي حصلت له قضية واختلاف بينه وبين بعض الناس، رجع إلى مذهب مالك، "وأما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب، قم يا أبا يعقوب فتسلّم الحلْقة، قال الربيع: فكان كما قال، ما رأيت أفطن من الشافعي، سمى رجالاً ممن يصحبه، فوصف كل واحد منهم بصفة ما أخطأ" [وفيات الأعيان: 2/291]. فالشافعي عيّن إذن من يلي الحلقة من بعده.
وكانت الحلقة أحياناً يتعاقب عليها العلماء بالوراثة كأنها وراثة، فقال أحمد بن محمد الشافعي: "كانت الحلقة في الفتيا بـمكة في المسجد الحرام لابن عباس، وبعد ابن عباس لما مات عطاء بن أبي رباح، وبعد عطاء عبد الملك بن عبد العزيز بن جُريج، وبعد ابن جُريج مسلم بن خالد الزّنجي، وبعد مسلم سعيد بن سالم القدّاح، وبعد سعيد محمد بن إدريس الشافعي وهو شاب، حلقة مكانها معروف في المسجد يتتابع عليها العلماء، إذا مات خلفه آخر، والثاني، والثالث وهكذا" [تاريخ دمشق لابن عساكر: 40/387].
ولم يكونوا يغترون بكثرة الطلاب، من الأشياء المهمة عدم الاغترار بكثرة الطلاب الفاسق والمنحرف، فقد جاء في كتاب: "عجائب الآثار" عن شيخ كان يتفقه ومتفنناً في المسائل، ولكنه كان شاعراً ماجناً خليعاً، ومع ذلك كانت حلقة درسه تزيد على الثلاثمائة، هذا الكلام في القرون المتأخرة عام ألف ومائة وشيء، لكن الشاهد منه أنه ينبغي أن يُنتبه لحلق أهل السنة وتُميّز من حِلق أهل البدعة، وحِلق أهل العلم تُمّيز من حِلق أهل الجهل، وحِلق المبتدعة لا تغرنا ولو كان فيها من كان من الأعداد وهذا واضح، أن ترى في الصوفية مثلاً بعض مشايخ الصوفية ربما حضرت مجالسهم الآلاف آلاف، وإذا كانت الحلقة الآن أكثر ما يكون فيها آلاف، فإن هناك حلقاً تعقد في استديوهات يحضرها الملايين، فلا يغرنك الكثرة ولو كانت كاثرة، فالعبرة بسلامة الدين، ومنهج صاحب الدرس والحلقة، سواء كان في مسجد، أو في مؤتمر، أو في قناة فضائية، ليست العبرة بكثرة السامعين له، والمتناقلين لأخباره، هذا واحد يقول: كان شاعراً ماجناً خليعاً يحضر عنده ثلاثمائة واحد.
إفساد حِلَق الكذابين والمدلِّسين
وكان من هدي السلف: إفساد حِلق المبتدعة والكذابين، من ضمن القصص اللطيفة أو الطريفة قصة صارت للأعمش -رحمه الله-، دخل الأعمش جامع البصرة، فرأى قاصاً يقُصّ، وهؤلاء القُصّاص كانوا يكذبون لأجل تخويف الناس، يفترون الأحاديث على النبي ﷺ ويختلقون الأحاديث على الرواة، ما سمعوها منهم.
دخل الأعمش جامع البصرة، فرأى قاصاً يقُصّ، ويقول: حدّثنا الأعمش، هذا القاص ما يدري من هو الأعمش، وجالس في الحلقة يقول: حدّثنا الأعمش، فقام الأعمش فمشى إلى وسط الحلقة وجلس، وجعل ينتف شعر إبطه، فقال القاص: يا شيخ ألا تستحي، فقال: لم؟ أنا في سُنّة وأنت في كذب، أنا الأعمش وما حدّثتك" [إحياء علوم الدين: 1/34].
وكذلك كان شأنهم في طرد الضالين والمفسدين من الحلقة تعزيراً وفضحاً ودرءاً لفتنتهم وشرهم، فقال الذهبي -رحمه الله- في السير: "واصل بن عطاء البليغ الأفوه، وهو وعمرو بن عبيد رأس الاعتزال، مذهب المعتزلة، طرده الحسن عن مجلسه لما قال: الفاسق لا مؤمن ولا كافر" [سير أعلام النبلاء: 5/464]. هذا قول المعتزلة، فانضم إليه عمرو، أي: ابن عبيد، واعتزلا حلقة الحسن، فسموا بالمعتزلة، فإذن، الحسن طرد واصل بن عطاء من الحلقة؛ لأنه مفسد، فأي واحد مفسد في الحلقة يُطرد، مبتدع يُطرد تعزيراً وتوبيخاً وردعاً لأمثاله، وتحذيراً للآخرين من شره، وإيقافاً لفساده، لا بد أن يُتعامل معه بالحزم.
كانت تلك لمحات عن وضع الحلق في عهد السلف.
وقد ذكر العلماء آداباً للحِلَق، فقالوا: ينبغي لمن يأتي الحلْقة أن يصلح هيئته ويأخذ أُهبته، حتى أنهم قالوا: يتعاهد نفسه ويتجمّل للحاضرين، ويغتسل، ويمشط شعره ولحيته، ويصلح عمامته وثوبه، ويتبخّر، ويتطّيب، ويبتدئ بالسواك، ويلبس من الثياب البيض، ويستعمل الطيب، وينظر في المرآة قبل أن يأتي، يهيئ نفسه لإخوانه وللحاضرين وللدرس، ولمجلس الذكر الذي تحفُّه الملائكة، ويأتي مقتصداً في مشيته، ويبدأ من يلقاهم بالسلام، ويعمُّ بالسلام كافة الحاضرين، لا يخص شخصاً معيناً بالسلام، وإذا كان في مسجد ودخله، فإنه يصلي ركعتين قبل جلوسه، ويجلس متربعاً متخشعاً، وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ رآه شخصٌ قاعداً القُرفصاء فقال: "أُرعدت من الفرق"، يعني من الهيبة لهيئة النبي ﷺ.
وكذلك يستعمل لطيف الخطاب في الكلام، ويحسن خلقه مع أصحابه وأهل حلْقته؛ لأن النبي ﷺ إذا قال: خالق الناس بخُلق حسن [رواه أحمد: 21354، والترمذي: 1987، وحسنّه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 97]. هؤلاء أولى الناس أن يحسن الإنسان خُلُقه معهم، ولذلك كانوا يحاولون كظْم الغيظ، ومنع الغضب، والتلطف في الكلام، وتُعيّن الأيام للدروس، هذا مما ذكروه في آداب الحلق، وإذا عيّن لهم يوماً ووعدهم فيه، فلا ينبغي إخلاف موعده إلا بأمر يُعذر فيه، من مرض ونحوه.
وكذلك كانوا يفضّلون عقد المجالس في المساجد، لكن لو لم يحصل عقدوها في البيوت، وقد عقد النبي ﷺ للنساء مجلساً في بيت، وقال: موعدكن بيت فلانة.
لكل أناس نحو سوق مقاصد | وسوق ذوي تقوى القلوب مساجدُ |
مثابة ذكراهم عشياً وبكرة | وللعابدين الله فيها معابدُ |
فطوبى لهم يوم الجزاء إذا جزوا | ونودوا بأن طبتم وطاب المواعدُ |
يجعل اتجاهه إلى القبلة ما أمكن، لكن شكل المجلس يأخذ الحلقة المستديرة، ولذلك فإن أصحاب كتب اللغة قد قالوا في تعريف الحلقة: القوم مجتمعون مستديرين، وكذلك إذا مسّ شيئاً فيه ذكر الله، فإنه يكون على طهارة، وكان بعض المحدِّثين يستفتح بسورة من القرآن، ويرفع صوته، أي الشارح، ليسمع الناس، ولا يرفع أكثر مما يُسمع الحاضرين؛ لأنه قد يشوش على أناس آخرين في المسجد يقرءون القرآن مثلاً، فهو صوته لأهل الحلقة فقط، ولا بأس أن يجلس على مكان مرتفع إذا كثر الناس، ويفتتح بـبسم الله الرحمن الرحيم، ولا ينسى الشهادة والصلاة على النبي ﷺ، ويترحّم على شيخه ويدعو له، وكذلك كانوا يفعلون؛ لأنه يبتدئ أول شيء بالسند في الحديث باسم شيخه، وكذلك إذا مر بذكر الصحابي قال: رضي الله عنه، ثم يمر بذكر النبي ﷺ، فيصلّي على النبي ﷺ، ولا يروي ما لا تحتمله عقول العوام، وينتقي للحاضرين ما يفيدهم، من معرفة الأحكام الشرعية، والعبادات والمعاملات، وحق الله تعالى، ونحو ذلك، ويفِّسر الألفاظ الغريبة الغامضة إذا مر بها، وما لا يعرفه يسكت عنه، وكذلك فإنه لا يمل الحاضرين ولا يضجرهم، ولا بأس بأن يختم المجلس بالحكايات الطريفة والنوادر إذا لاحظ شيئاً من الملل، حتى أن بعضهم كان يقول: الحكايات حبوب تُصطاد بها القلوب، مثلما الطير ترمي له حب تصيده، بعض الأحيان الحكايات حبوب تصاد بها القلوب، ولا بأس أن يجعل شيئاً من الأشعار في المجلس، وقد كان ابن عباس -رضي الله تعالى عنهما- يجعل ذلك في مجلسه، فيها فوائد وبالذات إذا كانت من أشعار العرب؛ لأن أصلاً معاني الكلمات في القرآن والسنة على كلام العرب على لسان العرب، فتعرف الكلمة من معناها في سياق بيت من الشعر قاله العرب الأوائل ونحو ذلك، ولا ينسى كفارة المجلس إذا قام من المجلس، وهذه من الأشياء التي يفرط فيها الكثيرون، كان هناك أدب في الدخول، وحتى أن بعضهم هذا من جهة الشيخ، ومن جهة التلاميذ تقدمت آداب ومن ذلك أنه يقدم الأكبر عند الدخول؛ لأن النبي ﷺ أوصى بالكبير، وقال الخطيب البغدادي -رحمه الله-: تقديم الأكابر في الدخول، تقديم الأكابر فإذا اجتمع مجموعة عند الباب يُقدّم الأكبر سناًّ، وقال مرة واحد منهم للكبير: تقدم، فقال: تقدم أنت فإنك أفقهنا وأعلمنا وأفضلنا، فإذا كان الأفقه والأعلم والأفضل قدّموه، وإن كانوا متقاربين، يدخل أولاً الأكبر بالسن، وكذلك يمشي على البساط حافياً حتى لا يلوِّث المجلس، وكذلك يجلس حيث ينتهي به المجلس، ولا يقيم أحداً من مجلسه ولا يجلس وسط الحلقة، ولا يجلس بين اثنين إلا بإذنهما، وإذا قام من مجلسه ورجع إليه، فهو أحق به، ويعظّم المحّدث أو العالم أو طالب العلم أو الذي يعلمه في هذه الحلقة، ويكون له من الشاكرين.
ملاحظات مهمة في الحلق والدروس
من الأشياء التي نريد أن ننبّه عليها ببعض الملاحظات، في موضوع الحلق والدروس، بعد أن ذكرنا حال الحلق في عهد السلف، وذكرنا بعض الآداب المتعلقة بالحلق مما ذكره أهل العلم في كتب الآداب، من هذه الملاحظات ما يتعلق بالشيخ، ومنه ما يتعلق بالتلاميذ، ومنه ما يتعلق بمنهج الدرس، ومنه ما يتعلق بوقته وتنظيمه، فينبغي لمن تولى درساً يعلم فيه خصوصاً في وقت قلّ فيه العلماء، مجالس العلماء قليلة جداً، فيصبح الواحد أحياناً محتاجاً أنه هو الذي يقوم بعملية التعليم، وليس يعلم ما لا يعلم أو ما لا يفقه، يعلم ما يعلم، لكن ينظر له على أنه شيخ، هب أن مدرساً للتربية الدينية أو التربية الإسلامية في فصل وحوله الطلاب، ينظرون إليه على أنه شيخ، وهذا مجلس علم، والأولاد إذا عقد لهم أبوهم درساً في البيت، ينظرون إليه كأنه شيخ معلّم، بل إن كثيراً من الصغار يظنون أن بعض الذين يمسكون الدروس مشايخ، ويعاملونهم على أنهم مشايخ، ويعتقدون فيهم ذلك، فالإنسان إذا اضطر أن يتبوأ مكاناً مثل هذا ليعلم ما يحسنه وليس ما لا يحسنه، ليعلم ما يحسنه، فهو يعرف أحياناً أنه أقل مستوى من أن يدرّس، لكن قعد للحاجة ، ولولا الحاجة ما صحّ له أن يقعد، فإذا قلنا هذا مدرّس يدرّس طلابنا، أو هذا طالب في الجامعة عقد مجلس علم لطلاب؛ لأنه قد يكون عنده شيء من القراءة أو الإلمام أكثر منهم، فينبغي أن يعرف حق الآخرين ويعرف حجم نفسه حتى لا يتقمص شخصية من لا يصح له أن يتقمصها، ثم يعامل الآخرين بناء على ذلك، ولذلك في كثير من الأحيان نضطر بسبب عدم وجود العلماء الكافين، وطلبة العلم الكافين، خصوصاً في مناطق قد لا يكون فيها كليات شرعية، ليس فيها متخصصين شرعيين مثلاً، وهذا كثير في البلدان، نحن ما ننظر الآن فقط إلى هذه الجزيرة التي فيها بالنسبة لغيرها علماء كثُر بالنسبة، أو حتى إذا قسمت على عدد الناس، كم واحد لكل مفتي؟ يعني: كل واحد يحسن الإفتاء، كم شخصاً من الناس بالنسبة له كذا ألف، فوق طاقته، فكيف ببقية البلدان التي لو أن الإنسان أحياناً فيها، وخصوصاً الجاليات الذين يعيشون في الخارج، يبحثُ عن شيخ يفتيه وعالم أو صاحب علم يسأله، فلا يجد أبداً إطلاقاً، من الفتنة أن يحتاج الإنسان إلى معرفة حكم شرعي أو مسألة فلا يجد من يسأله، وحتى أحياناً في الأماكن التي يوجد فيها علماء يصعب الوصول إليهم؛ لأنه يقول: الهاتف مشغول، أو الشيخ لا يرد، أو أنه غير موجود في بيته ونحو ذلك، إذن، نحن لا بد نتعلم الدين، طيب ما هي أولى الطرق؟ أن ندرسه على العلماء، ما فيها نقاش أبداً، ما فيها نقاش مطلقاً، الدرس على العالم، هذه مفروغ منها، فإن لم يوجد نعطل الدروس ما ندرس شيء أبداً؟ لا، طالب علم جيد يقوم هو بالتدريس، ما وجدنا طالب علم،
هناك طرق فردية مثل واحد يمسك أشرطة العلماء ويمسك الكتاب أو المتن المشروح يسمع كأنه في الدرس، ويلخص، ويكتب، وينقل على حاشية الكتاب، وهذه من أعظم طرق تعويض فقد العلماء أو قلة العلماء، الله -عز وجل- لما قدّر علينا أن نكون في آخر الزمان حيث يقبض العلم، وبدأ قبض العلم وموت العلماء، فإنه عوّضنا بأمور من المخترعات الحديثة ما نستطيع به أن ندرك شيئاً مما فات، ولو أن أجر دروس الحلقة لا يعدله أجر سماع الشريط، بالتأكيد دروس الحلقة، نحن بدأنا الحديث بفضل الحلق - حلق الذكر- حتى نؤكد على أنه لا يعدلها شيء من الدراسات الفردية، أو سماع الأشرطة، لا زالت الحلقة في البركة والأجر أكبر، حتى فهم الإنسان إذا جلس عند العالم أكبر من فهمه عندما يسمع الشريط، لكن إذا ما وجد ماذا نفعل؟ نعطّل التدريس، نعطِّل تعلُّم الدين؟ أبداً، هناك طرق فردية ومن أعظمها كما قلت: سماع أشرطة العلماء، وتلخيص ذلك، أو كتابة الشرح شرح الشيخ على حاشية المتن أو الكتاب الذي يشرحه، أي كتاب؛ مثل الأربعين النووية، متن الواسطية، متن في كتاب في السيرة النبوية، متن فقهي، زاد المستقنع، عمدة الأحكام، كشف الشبهات، الأصول الثلاثة، البيقونية إلى آخره، أي متن من المتون، غالباً تجد له شروحاً للعلماء موجودة مسجّلة، تأخذ الأشرطة وتفتح الكتاب، تسمي بالله، تسمع وتركِّز، فيها ميزات أنك تعيد الشريط، لو كنت مع الشيخ ما استطيع تقول: أعد، تعيد الشريط حتى تفهم وهكذا، يبقى إشكالات تدون حتى ترحل في سبيل حلها إلى عالم في مكة، في المدينة، في الرياض، في القصيم، ترحل، أو إذا جاء إلى المنطقة التي أنت فيها تلقاه فتعرض عليه ما لقيتَ من الإشكالات، فأنت تعوّض كثيراً عما فات، وهذه الأشياء الفردية يعتورها أمور من قلة الهمة والضعف، وإن بعض الناس يقولون: إن الطريقة التي تذكرها من سماع الأشرطة والكتابة على الحواشي هذه بالنسبة لنا صعبة، ما عندنا صبر وطاقة، حيث أنه يوجد هناك ما يعتور هذا، نقول درِّب نفسك وعوِّد نفسك، وجاهد نفسك، والصبر، وهذا الذي أوصل العلماء إلى ما وصلوا إليه، أنهم صبروا وصابروا، وفي حالة وجود ضعف الهمة هذه، وعدم كفاية الأشرطة، والرغبة في الأجر؛ لأن الحلق نفسها ما يعوّضها شيء، لا بد تعقد الحلق؛ ولأن فيها جوانب أخرى غير قضية المعلومات والشرح الواضح، وفك المتن، وعبارات المتن، قضية حف الملائكة والأجنحة بأجنحتها، ونزول الرحمة والسكينة، هذا ما نريد أن نفوته؛ لأن في الحلق فوائد تربوية عظيمة، من قضية إحياء منهج السلف في طلب العلم، ولو ما كنا قادرين على إحيائه 100%، لأن أهل العلم قلّة، فإن عقد الحلق مهم جداً جداً، لازم كل واحد يكون له على الأقل حلقة أسبوعياً، وإلا هذا إنسان لا يعيش في عالم التربية الإسلامية وعلى العلم كما ينبغي، إذا ما عندك حلقة في الأسبوع أنا أظن أن هذه مشكلة على الأقل.
والنووي -رحمه الله- كان عنده اثنا عشر درساً في اليوم، ونحن ما نقول هذا يشتغل في أرامكو من الصباح إلى الليل لا اثنا عشر درساً ولا شيء، نقول: لا بد من درس في الأسبوع لابد، قد يقول: ما وجدنا علماء، عرضنا على بعض طلبة العلم اعتذروا بالانشغالات، ماذا نفعل؟ ثم نحن عندنا أيضاً أمور من الأجر نريدها، نريد حلقة لأجل الأجر، وكما قلت: حتى لو واحد قرأ القرآن وجلس الباقون يستمعون، حتى لو جلسوا يتذكرون نعم الله عليهم لأجل الأجر، إذن، لا بد من وجود حلق، ما في شيء واحد يعيش بدون حِلق لا تفكر فيه، لا بد من وجود حِلق ولو مع واحد، تعال بنا نؤمن ساعة، ما وجدنا عالماً أو طالب علم، سنبحث عن أمثل الموجودين لعله يقوم بالشرح، فإذا لم يستطع، فنحن سنتعاون على دراسة كتاب أو قراءة كتاب مجتمعين، وفهم الخطأ في فهم الجماعة أقل من الخطأ في فهم الواحد، أنا ممكن أقرأ وحدي وأخطئ في الفهم، فسأعقد حلقة ودرساً مع أصحاب لي نقرأ، إذا الخطأ صار خطأ في الفهم سيكون أقل، وحصلنا بركة الاجتماع وبركة الحلقة وأجر الحلقة، وأحيينا منهج السلف على حسب استطاعتنا في قضية التدريس بالحلق لا بد هذه، طلعوا العالم نزلوا، قالوا: تدريس بالإنترنت، نقول: الحلق لا بد منها تربوياً لا بد منها وبركة وأجر لازم حلق، لا تفكر بتربية من غير حلق، هذه قاعدة ومسلمات لا يمكن التغاضي عنها، إذا نحن مجموعة من الشباب أو الشابات، أو الكبار، أو الصغار سنعقد حلقة، نستشير من أهل العلم من يدلنا على كتب نقرأها، قالوا: كتاب الشيخ ابن سعدي في التفسير سهل، قالوا: مختصر المباركفوري لابن كثير المطبوع حديثاً جيد، قالوا: تفسير السمعاني، وهذا تفسير أنا كنت مرة ذكرته وأخطأت في قصدي، كنت أريد أن أذكر تفسيراً فذكرت تفسيراً آخر، فأعيد التصحيح الآن نصحت مرة بتفسير وهو تفسير جيد ذكرت تفسير البغوي، لكنني كنت أريد تفسيراً آخر وهو تفسير السمعاني -رحمه الله-، تفسير السمعاني مختصر وجيد خالٍ من الأسانيد تقريباً، والأقوال الكثيرة، ورجل من العلماء الكبار، وإن كان لا يعرف عند أكثر الناس، خُدم من ناحية أنه حُقّق تحقيقاً طيباً، تفسير السمعاني، ماذا نقرأ في الحديث؟ قالوا:خذوا الأربعين النووية بشرحها، خذوا بهجة قلوب الأبرار للشيخ ابن سعدي في شرح مائة حديث ، خذوا كذا، طيب ماذا نقرأ في الفقه؟ قالوا: خذوا كتاب الملخص الفقهي للشيخ صالح الفوزان، ماذا نقرأ في السيرة؟ قالوا: خذوا كتاب السيرة النبوية للعمري أو لغيره، فعقدنا حلقة، إذن لنقرأ في هذه الكتب، وأي إشكال يُدوّن، ممنوع الإفتاء والتأليف كما يقولون، وأن يقول الإنسان كلاماً من عنده يقول: أظنه ربما بلا علم، أظنه يمكن، إما أن يكون عندك شيء مؤكد أو أسكت، هذا علم، هذا دين.
بالإضافة إلى ذلك المجلس ينبغي أن يكون فيه إيمانيات ومواعظ وتذكير وتواص بالحق، وليس فقط معلومات، وهذه قضية أؤكد عليها كثيراً جداً، يجب أن تكون الحلق حلق الذكر والعلم ليست فقط معلومات، لا بد يكون فيها شيء من الوعظ ومرققات القلوب، ملينّات القلوب، لابد، تذكير بتقوى الله، مر معنا أمثلة بما سبق، ومن واقع الصحابة الذين هم أعلم الأمة ما كانت مجالسهم معلومات ومتون فقط فيها معلومات وفيها أشياء أخرى ثمينة جداً، قد تكون أثمن من بعض المعلومات وهي قضية الموعظة تذكر نعم الله، سؤال الله الجنة والاستعاذة من النار، وكل ما يتعلق بالأذكار إلى آخره، لنقل الآن: عقدنا هذا المجلس من ناس متقاربين وأقران، وحتى لا تكون فوضى، قلنا: أنت يا فلان تدير هذه الحلقة، أو قام واحد من أمثلهم قد يكون هناك فارق بسيط بينه وبين غيره في العلم، لكن يوجد فارق تولى العمل، إمام مسجد قارئ، أو شخص عنده اهتمام بالعلم، قد يكون تخصصه من التخصصات الدنيوية، لكن عنده اهتمام بالعلم أكثر من الآخرين، لا يصلح أن يعامل الآخرين كأنه شيخ كبير وهؤلاء طلاب صغار؛ لأن فارق السن أصلاً حتى فارق العلم ليس كذلك، إذن لا بد أن يحسن المعاملة، وقد يطلب من شخص ما تحضير موضوع ما قبل إلقائه، إن العلماء الكبار يا إخوان كانوا يحضرون، الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله- كان وهو يدرس في كلية الشريعة أو المعهد العالي، كان يحرص على التحضير، وإذا انشغل جداً يأتي ويعترف ويقول: اليوم أنا ما حضَّرت نقرأ، اقرأ يا فلان، إذا كان ليس عنده تحضير نقرأ، اقرأ يا فلان.
من الأشياء التي تقلل جدوى بعض الدروس والحلق ألا يحضر هذا الشيخ، أو هذا الشخص المسئول عن التحضير، أو يتخلّف عن الحضور، ومن المساوئ أنه يجد نفسه مضطراً للكلام في أشياء لا يحسنها فيتكلم؛ لأنه وضع بمكانة شيخ، من المساوئ أن ينقد الحاضرين نقداً مستمراً أو يقسو عليهم، مما يسبب النفور، أو يجامل البعض بالسكوت على أخطائه، ويمرر أشياء ويحابي ناس دون ناس، أو تكون الأمور منفلتة في حلقته ودرسه، فلا يهتم بتحفيظهم، وإذا واحد ما حفظ قال: طيب وأنت طيب وكذا، ثم لا يهتم بالحاضرين لا بالحفظ ولا بالتحضير ولا بالقراءة المسبقة، ثم أحياناً قد لا يعدل بينهم في المحاسبة على التقصير ونحو ذلك أو الغياب مما يوغر صدور بعضهم على بعض، وأحياناً لا يكون هناك أيضاً توازن في مسألة العرض، فيتوسع في أشياء أقل أهمية على حساب أشياء أكثر أهمية، تأخذ فقرة أكثر من حقها، وتُهضم الفقرة الأهم أو الفقرة الأخرى، عدم الالتزام بالوقت المخصص للفقرة مثلاً، ضعف جانب القدوة من هذا الإنسان في قضية الحفظ من المساوئ والعورات الكبيرة، ثم إن الحاضرين في الغالب يريدون الاقتداء، يريدون ينظرون للشخص أحياناً على أنه شيخ، ولو لم يكن هكذا ويقلّدون، فينبغي أن يحسب لهذا الأمر حسابه، وإذا كانت القضية مدارسة جماعية كما قلنا وليس أحد منهم بأفضل من الآخرين في العلم، إذن، لا داعي لأن يتصدر إنسان علمياً المجلس، وليس هو بأهل لذلك التصدر، نعم هو قد يقال: لا بد أن يكون هناك مقرر للدرس، كما كانوا يسمونه، مقرر الدرس، فيبدؤه ويختمه وينتقل من كتاب إلى آخر، صحيح حتى لا تصير فوضى، لكن هذا لا يفتي ولا يتعدى، وكذلك فإنه لا بد من استثمار النصوص والقصص التي تمر استثماراً تربوياً مفيداً، وتضييع مثل هذه الفرص يفوت جانباً مهماً جداً ينبغي الاعتناء به، ولذلك كل ما وجد الإنسان مدخلاً لموعظة في درس من الدروس العلمية، أو تذكير بأدب أو خلق، أو واجب اجتماعي قد قصر فيه الحاضرون أو منتشر بينهم، ينتهز الفرصة ويغتنمها للتأكيد عليه، ثم إن بعض المقدمات قد تأخذ وقتاً طويلاً تؤذي الفائدة من بقية المواضيع، فينبغي أن لا يكون هذا ديدناً أن تُجعل المقدّمات مضرة بالعلم الذي ينبغي أن يدرس أو يؤخذ.
ثم إنه ينبغي على حاضري الدرس أن يهتموا به من عدة جوانب:
أولاً: الإخلاص لله تعالى، وهذه قضية القضايا وأصل الأصول ومسألة المسائل.
ثانياً: احتساب الأجر في الحضور، وقد مر معنا أشياء استفتحنا بها عمداً؛ لأجل بيان خطر وعظم ومكانة هذه القضية حلق العلم والدروس
ثالثاً: الانضباط في الحضور، وعدم التغيب وعدم التأخر، ومما أفسد كثيراً من الدروس يأتي كثير من عدد من الخيرين يقولون: لا بد أن نجلس نعمل درساً نقرأ في كتاب، طيب متى؟ يوم كذا، متى؟ بعد الوقت الفلاني، هذا يغيب مرة، هذا يتأخر مرة فسد الدرس، فأشد ما يفسد الدروس الغياب والتأخر، ولذلك يضطر بعض الناس إلى عمل غرامات، لماذا؟ هل نحن أطفال؟ أو نحن ناس إلى هذه الدرجة القضية غير مهمة عندنا؟ وبعض الناس يدفعون دفعاً إلى الحضور، واحد يقول: مروا علي وذكروني إذا كنت فارغاً أتيت، نحن الآن لماذا عقدنا الدرس أصلاً أليس للأجر والفائدة؟ ثم هذا يقول: عندي ظروف خاصة، هذا يقول: أهلي يحتاجوني في كذا، هذا يقول: دورة، هذا يقول: تأخرنا في الدوام تعبان اليوم، هذا يقول: جاءني ضيف، ونحو ذلك من الأعذار، بعضها صحيح ولكن بعضها زائف، وقد بينت هذه القضية في درس عن الأعذار المتهافتة أو السخيفة.
وكذلك لا بد من الالتزام بالأوقات، احترام المواعيد، وجود تجانس ما أمكن بين الحاضرين، تقارب مستوى الفهم، حتى لا يكون هذا يريد الإعادة كذا مرة وهذا فهمها من أول مرة، تفريغ النفس من الشواغل ذهنياً حتى تفهم، الاستعداد المسبق لا لكثرة التعليقات وبالذات غير المفيدة، وكثرة الأسئلة دون داع، مع أن السؤال مهم إذا وجد من يعطي جواباً، لا لكثرة المقاطعة أثناء الإلقاء، تترك التعليقات إلى نهاية كلام المصنِّف أو العالم أو صاحب الكتاب أو شرح الموضوع، جعل وقت معين لفقرات الدرس من الأمور المهمة، يُقدّم عرض للموضوع على الإضافات والتعليقات، ولا يصح أن نجعل أحياناً التعليقات من الأشياء العقلية المجردة عن العلم التي تسيء إلى توقيت القضية، وكذلك من الآفات أن يحضر الناس فيهم نوم ونعاس، وقد ساءني وآلمني واحد يحكي لي واقع حلقة علم لواحد من العلماء الكبار الموجودين، يقول: رحت بعد الفجر وجدتُ درس الشيخ على شهرة الشيخ خمسة عشر شخصاً، اثنان نائمين، واحد وراء العمود شخيره واصل إلى المجموعة، وآخر جاءه اتصال ذهب يكلّم،الشيخ قد يكون ضريراً، وهذه الجوالات تعمل وتشتغل كل واحد طالع في شاشة الجوال، أي حلقة علم هذه؟ ولذلك أول إجراء إقفال جميع الأجهزة، حتى يكون هناك فائدة من الدرس، على الأقل الأجراس يا أخي إذا ما أردت أن تقفل الأجهزة، إذا ما احترمنا الدرس لا يكون مفيداً إطلاقاً، وكذلك أن يكون هناك حد أدنى يطالب به الجميع، وتنويع وسائل المنفعة، قراءة وسماع ومناقشة، وإذا كان ليس على مستوى الترجيح لا يرجِّح بين الأقوال الفقهية، يعرض الأقوال فقط، أو يقول: وفلان يفتي بكذا من العلماء، كثمرة عملية التقليد يقلِّد، ولا يرجِّح وليس بأهل للترجيح، ثم إن بعض الأشخاص قد يقرأ الموضوع قراءة مملّة، فلا يستوعب الحاضرون المقصود، ولذلك كان العلماء يهتمون بقضية القارئ والمملي المستملي والمبلّغ؛ أن يكون صيتّاً، حسن القراءة، جيداً في اللغة، ونحو ذلك، يقرأ المتن ثم الشرح ويراعى الفقرات الموجودة، أين بدايتها وأين نهايتها.
وكذلك لا بد من مراعاة أيضاً عدد الناس الذين يمكن أن يستوعبوا هذا الموضوع، قد يكون درس في المسجد يحضره آلاف، وقد يكون درس في مجلس، لو حضره كثيرون ما وصل الصوت أصلاً.
وكذلك فإن مراعاة شيء من الراحة أثناء فقرات الدرس طيب ومهم، وعندما قالوا في الدراسات الحديثة: أن حصة الجامعة ما تتعدى خمسين دقيقة في الجامعات، ثم يأخذ بعدها راحة خمس دقائق، ثم حصة أخرى وهكذا، هذه من مراعاة قضية التركيز والذهن الذي يتشتت، وبعض الناس قد يسيئون للدرس بعمل ضيافات كبيرة قد تأخذ وقتاً طويلاً وتشتت الذهن، ولذلك الضيافة تجعل في الاستراحة، أما واحد يعظ أو يذكر شيئاً في تفسير كتاب الله، وهذا يقول: صب لي، وهذا يقول: لا ما أريد منه، وهذا يقول: ضع نعناعاً، هذا يقول: ما عندكم زنجبيل؟ فلذلك لا بد من مراعاة هذه القضايا، اجعل فترة راحة، شربة ماء لا بأس، لكن أن يجعل الموضوع الأساسي هو العشاء والأكل والضيافة ثم هذا الدرس ربع ساعة شيء يسير، فهذه كارثة، ثم يعذر بعضهم بعضاً في الأعذار الصحيحة، ويتواصى بعضهم مع بعض في الأعذار الزائفة، ويحمِّس بعضهم بعضاً على الحضور وعلى الانضباط في هذه الدروس.
لعلنا نكتفي بهذا المقدار، وهناك تكملة للموضوع لعلها تكون إن شاء الله في الدرس القادم، هذا الدرس هو آخر الدروس قبل الإجازة إجازة الحج، وسيكون هناك إن شاء الله ذكر لأحكام بعض الأحكام المتعلقة بالحج وأحكام الأضحية، وعشر ذي الحجة في خطب الجمعة بمشيئة الله.
ونعاود الدرس في الأربعاء بعد فتح المدارس، أول أربعاء إن شاء الله بعد فتح المدارس، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم لكل خير، وأن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.
وصلى الله على نبينا محمد.