الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، صلى الله وعليه وعلى آله أجمعين. حياكم الله في روضة من رياض الذّكر إن شاء الله في هذا البيت من بيوت الله.
نسأل الله أن يجمعنا في جنته كما جمعنا في بيته.
حاجتنا إلى ما يحيي القلوب في زمن الفتن
ونتذكر وإياكم الباعثات على الأعمال الصالحات؛ نظراً لكثرة ما في هذا الزمان من المفسدات والمشغلات الملهيات التي تثبّط عن عمل الصالحات، وتشغل عن فعل الحسنات، وتحرف عن الصراط المستقيم، فهي مشغله ملهية تلقي الشبهات، وتحرف عن طريق الاستقامة، وطاعة رب البريات.
والحقيقة -أيها الإخوة- أننا نحتاج في هذا الزمان، زمن كثُرت فيه المعاصي، وانتشرت فيه الفتن والفساد، نحتاج إلى ما يحي القلوب، نحتاج في زمن الإشغال بالملاهي والتراهات إلى ما يعيدنا إلى الصراط المستقيم، إلى ما يدفعنا للأعمال الصاحات، إلى ما يزيد من عزيمتنا، ويدفع هذه النفوس؛ كي تزداد من البر والخير.
النفس البشرية بطبيعتها تحب الخير، والله فطرنا على فطرة سليمة، لكن هناك عوارض، النفس الأمارة بالسوء، الشيطان، شياطين الإنس، رفقة السوء، الصحبة الفاسدة، الجهل، العجز، الفتور، التسويف، أنواع كثيرة من المثبّطات والمقْعدات حتى أن الشيطان تكفّل وتعهّد أن يقعد لابن آدم بكل طرقه، كل طريق خير يقطعه عليه.
إني ابتليتُ بأربع ما سُلّطوا | إلا لشدة شقوتي وعنائي |
إبليس والدنيا ونفسي والهوى | كيف الخلاص وكلهم أعدائي[1] |
الباعثات إلى الأعمال الصالحات من الكتاب والسنة
نريد نظرة شرعية تربوية نفسية واقعية تأملية في الباعث على العمل الصالح، ماهي الأشياء التي تؤزنا إلى العمل الصالح؟ ماهي الأشياء التي تدفعنا؟ حتى نحاول أن نستفيد من هذه البواعث في تنمية حب الخير في نفوسنا، والاندفاع إلى العمل الصالح فهناك أشياء وردت في الكتاب والسنة بهذا الموضوع.
لمة الملك
منها أولاً: لمة الملك.
الله وكل بكل إنسان منا قرينه من الملائكة، وقرينه من الشياطين، قال ﷺ: ما منكم من أحد إلا وقد وكّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم "فأسلم" يعني: هو القرين نفسه، وبالتالي تكون هذه من الخصائص النبوية.
ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وإياي إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فالا يأمرني إلا بخير[2].
وقال بن مسعود : "إن للشياطين لمة ببني آدم، وللملك لمة، فأما لمّة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيبٌ بالحق، وأما لمّة الملك فإيعادٌ بالخير، وتصديق بالحق" يعني هذه اللمّة لها علاقة بقضية العقيدة في القلب.
عندما يقول تصديق بالحق، هذا أمر عقدي قلبي، فإيعادٌ بالخير وتصديقٌ بالحق، فمن وجد ذلك -يعني في نفسه- أنها مندفعة للخير تزداد يقيناً بالله وملائكته وكتبه ورسلة ولقائه وجنته وناره، وجد نفسه مقبلة تريد الخير، وتزداد يقيناً وتصديقاً بأركان الإيمان فليعلم أنه من الله فليحمد الله، ومن وجد الأخرى لو قال قائل: أنا أجد نفسي نافرة من الخير مبتعدة عن الدين، وصراحة عندي شكوك وشبهات، أنا ما أخفي عليكم، وأنا اصارحكم، قد يقول قائل، قال: "ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم قرأ ابن مسعود تصديق كلامة من القرآن الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ [سورة البقرة:268][3]، الحديث رواة الترمذي، وقد روي مرفوعاً وموقوفا عنه، والأرجح وقفه على ابن مسعود .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله: "وهذا الكلام الذي قاله ابن مسعود هو محفوظٌ عنه، وربما رفعه بعضهم إلى رسول الله ﷺ، وهو كلام جامع لأصول ما يكون من العبد من علمٍ وعملٍ من شعورٍ وإرادة"[4].
وقوله في الحديث: إن للشيطان لمّة بابن آدم وللملك لمّة.
اللمة: "الهمة الخطرة تقع في القلب، وأصلها من الإلمام وهو النزول والقرب والإصابة"[5].
المراد بها: ما يقع في القلب بواسطة الشيطان، أو الملك، فلمة الشيطان تسمى: وسوسة، ولمة الملك تسمى: إلهاماً، فالملك والشيطان يتعاقبان باليل والنهار، فمن الناس من يكون ليله أطول من نهاره، وآخر بضده، ومنهم من يكون زمنه نهاراً كله، وآخر بضده، نستعيذ بالله تعالى من شر الشيطان"، هذا كلام ابن القيم في إغاثة اللهفان.
و النهار يعني: نور الطاعات، والليل: هذه ظلمات المعاصي والشبهات.
قوله: فأما لمة الشيطان فإيعادٌ بالشر كالكفر والفسوق والظلم، وتكذيبٌ بالحق الثابت، كالتوحيد والنبوة، والبعث والقيامة والنار والجنة، نحن الآن في زمن ينتشر فيه الإلحاد، نحن الآن في زمن تعشعش فيه الشبهات، نحن في وقت عبث الشيطان فيه بكثير من قلوب الفتيان والفتيات، لابد من إرجاع الأمور إلى مصادرها، هذه من لمة الشيطان، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير كالصلاة، والصيام، وتصديق بالحق، ككتب الله ورسلة.
التصرف الصحيح تجاه لمة الملك:
والتصرف الصحيح في اتجاه لمة الملك: أنك تنبعث معها، أنك تسير معها، أنك تحققها، أنك تتم طريقها إلى النهاية أنك تستجيب لدافع الخير هذا الذي تولد عندك وتتبع الحسنة، وأما لمة الشيطان فالمفروض أنك تقاومها وتجاهدها وتحول بينك وبين الوقوع فيما يعدك به.
وقوله: فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد الله لأن هذه نعمة، إذا وجدت نفسك مندفع للطاعة، إيمانك يزيد، يقينك بهذه الأركان، الإيمان اليقين يرتفع، احمد الله، ومعنى ذلك أن نفسك متقلبة للمات الملك تقبلاً عظيماً، وإذا رأيت العكس احذر الحذر الشديد، لكن نعيد التأكيد على ملاحظة لمة الخير على ملك إذا ما أكملت المشوار معها إذا ما ترجمت إلى عمل في أرض الواقع تصير خاطرة وانتهت، ما حصلت الفائدة المرجوّة، فقدت قيمتها.
وأما التصرف عند لمة الشيطان، قال: ومن وجد الأخرى فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم[6].
ولذلك لو وجد الواحد وساوساً أو وجد شكوكاً، أي شيء، إلحاديات، يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وجد اندفاعاً، نفسه تريد أن يسافر للخارج، أفجر أفسق أعمل علاقات، فليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، معناها: الشيطان الآن شغال معه، هذه اللمة، وإذ توصلت إلى إماتة لمة الشيطان، وأنك ما تجري معها حتى تقع المعصية فهذه نعمة، ولذلك قال ﷺ في وسوسة الشيطان: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة[7].
يعني الحمد لله هذه نعمة أنه ما ظفر منك الشيطان إلا بوسوسة، لكن ما كملت معه، ولا أوقعت المعصية، ولا استجابت لخاطرة الشيطان. صار كيده لك ضعيفاً.
فهذا الحديث يبين أن الخواطر تنقسم إلى ما يُعلم قطعاً أنه داعياً للشر، وإلى ما يُعلم قطعاً أنه داعياً إلى الخير، ذاك وسوسة، وذاك إلهام، وإلى ما يتردد فيه هل هو لمة شيطان أو لمة ملك؛ لأنه قد يعرض الشيطان لمته بصورة خيرية ممكن، قد يسوق بعض الناس إلى الشر من باب عمل صالح، يمكن -مثلاً يشغله- بقيام الليل عن صلاة الفجر فيضيع صلاة الفجر، فعل سنة وضيع واجباً، هذه المسألة التي فيها غموض تحتاج إلى فقه وعلم.
قال بعض الشراح: وحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم هل هو لمة ملك أو لمة شيطان، وأن يمعن النظر بنور البصيرة لا بهوى الطبع، لا تفكر بهوى طبعك، فكر بنور بصيرتك، ونور البصيرة تأتي من العلم، من الإقبال على الله إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ [سورة الأعراف:201].
اشتغل نور البصيرة هنا، واللمة المَلكية نسبة للمَلك؛ لأننا إذا نسبناها للملِك نقول: ملِكية، وإذا نسبناها للملَك نقول: اللمة المَلكية، هذه أحياناً بعض الناس يقول -مثلاً: استيقظ ضميري، كأني حسيت أحداً يناديني يقول: انتبه لا تفعل هذا، كلام حقيقي ليس بالضرورة أن يكون أوهاماً، مثل حديث: ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة ، وعلى باب الصراط داعٍ يقول: أيها الناس ادخلوا الصراط جميعاً ولا تعوجوا، وداعٍ يدعو من فوق الصراط ، فإذا أراد أن يفتح شيئاً من تلك الأبواب قال -هذا الداعي- ويحك لا تفتحه، فإنك إن تفتحه تلجه قال: والصراط الإسلام والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله تعالى وذلك الداعي كتاب الله وفوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم[8].
هذا الحديث الذي فيه: واعظ الله في قلب كل مسلم هذا واحد يقول: استيقظ ضميره، أو أحسستُ أن هناك شيئاً في داخلي يقول لي: انتبه، لا تقدم أحجم هنا، قف، واعظ الله في قلب كل مسلم.
يقول ابن القيم في مدارك السالكين: "فهذا الواعظ في قلوب المؤمنين هو الإلهام الإلهي بواسطة الملائكة"[9].
إذن، هذا الحديث يفسّر لنا لمة الملك ببعد آخر ويقول أن لمة الملك هذه منها: واعظ الله في قلب كل مؤمن.
قال الطيبي: "هو لمة الملك في قلب المؤمن"[10].
قال بعض السلف: "إذا أصبح العبد ابتدره الملك والشيطان كل واحد يريد أن يستلمه من جهة إذا استيقظ مثلاً من النوم فإن ذكر وكبر وحمد الله وهلله طُرد الشيطان وتولاه الملك، وإن افتتح بغير ذلك، أول ما قام من النوم أين الريموت؟ أين المحطات، قنوات، أفلام، أغاني؟ بعض الناس هكذا، أول ما يستيقظ على طول قال: "وإن افتتح بغير ذلك ذهب الملك عنة وتركه للشيطان يتولاه"، قال: "ولايزال الملك من العبد حتى يصير الحكم والطاعة والغلبة له، فتتولاه الملائكة في حياته، وعند موته، وعند بعثه، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لاحظ هذه نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا[11].
ربما مرت علينا ولم ننتبه لها، نحن أولياؤكم، يعني: الملائكة أولياؤه في الحياة الدنيا؛ لأنه سلّم هو للملك، سلّم زمام أموره للمَلك مع الخير، فتولّاه الملك صار يوجهه من علم إلى علم، ومن شيخ إلى شيخ، ومن درس إلى درس، ومن طاعة إلى طاعة، ومن حج إلى صدقةٍ إلى صيام إلى نفقة، إلى رفقة أخيار إلى دعوة، إلى كذا، خلاص استلمه الملك نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا [سورة فصلت:31].
قال: "وإذا تولاه الملك تولاه أنصحُ الخلق، وأنفعهم، وأبرهم، فثبته وعلّمه وقوى جنانه"، بأمر الله، بتوفيق الله بتأييد الله بإرسال الله، بقدر الله ، فأيده الله تعالى إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُوا [سورة الأنفال:12]، فيقول المَلك عند الموت: لا تخف، لا تحزن، وأبشر بالذي يسرك، ويثبته بالقول الثابت أحوج ما يكون إليه في الحياة الدنيا، لأن هناك ناس عند الموت يقوى أن يقول لا إله إلا الله، يذكر الله ويدعو الله عند الموت مع أن لحظة الموت عصيبة وتجعل العقل يطيش، وهناك ناس عند الموت في وادٍ آخر، فإذن الذي يستلمه الملك ماشي مع الملك يثبته بالقول الثابت أحوج ما يكون إليه في الحياة الدنيا، وعند الموت، وفي القبر عند المسألة، فليس أحد أنفع للعبد من صحبة الملك له وهو وليه في يقظته، ومنامه، وحياته، وعند موته، وفي قبره ومؤنسه في وحشته، وصاحبه في خلوته، ومحدّثه في سرة، ويحارب عنه عدوه، ويدافع عنه ويعينه عليه، ويعده بالخير، ويبشره به، ويحثه بالتصديق بالحق، وإذا اشتد قرب العبد من الملك تكلم على لسانه، وألقى على لسانه القول السديد، وإذا بعُد منه، وقرب الشيطان تكلم الشيطان على لسانه، وألقى عليه قول الزور، والفحش حتى يُرى الرجل يتكلم على لسانه، والرجل يتكلم على لسانه الشيطان"[12].
بعض الناس يقول: أنا لا أدري كيف نطقتُ، قد تكون كفراً، قد تكون طلاقا، شيء من الشيطان.
ابتغاء الثواب من الله
ثانياً: من البواعث والدوافع لعمل الصالحات: ابتغاء الثواب من الله.
كلما اطلع الإنسان لعظيم الثواب والأجر والحسنات والمكافأة والعقبى من الله انبعث على العمل الصالح وتحمس.
إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ [سورة التوبة:111].
عبّر بالبيع والشراء لما جُبِلت عليه النفوس من طلب ثمن ما تبذل.
هذه الأجور التي تأتي، كل حرف له عشر حسنات، هذه الأجور حوافز تدفع للقيام بالطاعات، وتهون صعوبة العمل على العبد، وتجعله يتحمل المشقة التي في العمل، قيام، اعتكاف، جهاد، أمر بالمعروف، نهي عن المنكر، حسبة، هذه فيها صبر على أذى، وتهوّن المشقة، وتجعل العبد نشيطاً في أداء العبادة ومتحمساً للعمل.
روى الإمام مالك -رحمه الله- عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أن الطفيل بن أبي بن كعب أخبره أنه كان يأتي عبد الله بن عمر، فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمر عبد الله بن عمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلا سلّم عليه، قال الطفيل: "فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق، فقلت له: وما تصنع بالسوق وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها ولا تجلس في مجالس السوق؟ يعني: لا أنت دلالاً ولا بياعاً ولا شارياً، ليس لك هم في السوق، لماذا تذهب إلى السوق؟ اجلس إلى هاهنا نتحدث، الذي يتلكم الطفيل بن أبي ابن كعب. فقال لي عبد الله بن عمر: "يا أبا بطن -وكان الطفيل ذا بطن وهذا من باب المداعبة- يا أبا بطن إنما نغدو من أجل السلام، نسلّم على من لقينا" إسناده صحيح[13].
وأسواقهم غير أسواقنا الآن، ممكن أسواقهم الواحد يذهب يسلّم، الآن يذهب الواحد يستلم أو يُستلم، الله يرحم الحال، من قبل كان يسلّم الآن يستسلم.
ابن عمر -رضي الله عنهما- من أحرص الناس على المبادرة إلى فعل الخير، ولما سمع أن اتباع الجنازة فيها قيراط، والصلاة فيها قيراط، يعني قيراطان، قال: "والله لقد فرطنا في قراريط كثيرة"[14].
الأجور والحسنات
من البواعث على الأعمال الصالحة: الأجور والحسنات.
من أجل ذلك يا إخواني نجد أن هناك كثيراً من النصوص التي حفلت بذكر مترتبات معينة على الأعمال.
يعني مثلاً: تريد أن ترجع من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه[15] تريد مغفرة كل الذنوب السالفة من الصغائر؟ من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدّث فيها نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه[16].
تريد الستر يوم القيامة من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة [17].
تريد أن تنال محبة الله وجبت محبتي للمتحابين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتزاورين فيّ، والمتباذلين فيّ[18].
تريد كثرة الحسنات، من اتبع جنازة مسلم إيمانا واحتساباً، وكان معه حتى يصلى عليها، ويفرغ من دفنها فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أُحد[19].
تريد تدرك شفاعة محمد بن عبد الله يوم القيامة ﷺ: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلّت له شفاعتي يوم القيامة [20].
تريد مرافقة النبي ﷺ في الجنة كافل اليتيم أنا وهو كهاتين في الجنة، التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء لقلتهم[21].
تريد بيتاً في الجنة، ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة[22] تريد تتخير من الحور العين من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله بين الحور العين ما شاء[23].
تريد رفعة المنزلة: من تواضع لله رفعه[24]، تريد طول العمر وسعة الرزق من سرّه أن يبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره فليصل رحمه[25].
تريد الحراسة من الله؟ من صلى الصبح فهو في ذمة الله[26].
تريد أن تدعو لك الملائكة، من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل: به آمين ولك بمثله[27].
تريد أن الله يصلي عليك. من صلى علي مرة صلى اله عليه عشرا[28].
اللهم صل وسلم على عبدك ونبيك محمد.
تريد السلامة من حر النار، من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله[29].
هذه النجاة من حرّ الموقف عندما تقترب الشمس من رؤوس العباد.
وهناك أعمال تقي الإنسان حر النار، تريد العتق منها بالكلية، من ذبّ عن لحم أخيه بالغيبة كان حقاً على الله إذا غاب ذبّ عنه والغيبة ذرأها عنه، منعها، دافع، كان حقاً على الله أن يعتقه من النار[30].
هناك أعمال نجد لها جزاء من جنسها، تريد طيباً، تريد مسكاً، تريد مسكاً في الآخرة؟ من راح روحة في سبيل الله كان له بمثل ما أصابه من الغبار مسكاً يوم القيامة[31] بشّر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة[32]، إذا كنت تريد مسكاً وإذا كنت تريد نوراً فهذا أيضاً.
وقال علماؤنا: إن الكهرباء الموجودة الآن لا تلغي الفضل الموجود في هذا الحديث"
يعني بشر المشائين في الظلم حتى لو وجدت الكهرباء، لكن إذا كانت هناك ظلمة -يحصل أحياناً- يكون الأجر أكبر، وإذا أردت مضاعفة الأجر: إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [سورة النساء:40]
وجدنا في النصوص أجوراً متنوعة كثيرة، هذه تبعث النفس على العمل الصالح، تحمّسها للعمل الصالح.
ذكر الجنة والنار
من البواعث الجنة والنار، قول الله : تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ [سورة النساء:13، 14].
طالما كانت الجنة باعثة على العمل الصالح؛ لأنها دار الجزاء، بهذه الأعمال، وطالما كانت النار مانعة من العمل الطالح لأنها مخيفة لمن ارتكب هذه الأعمال، مثل ما أن من رضي بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا وجبت له الجنة من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة[33].
كذلك التحريم على النار، حرّم الله النار على كل هين ليّن سهل قريب من النار[34].
طالما كان ذكر الجنة والنار حافزاً للصالحين على النشاط في العبادة، ما رأيت مثل الجنة نام طالبها، ولا مثل النار نام هاربها.
حب الله تعالى
من البواعث على الأعمال الصالحة: وهذا الأمر الذي هو حب الله تعالى.
فمن أحبه اندفع إلى طاعته، والقلوب مجبولة على محبة من أحسن إليها، والله منعم متفضل أحسن إلينا جميعاً، وأعطانا جميعا، أنت عندك العقل والحواس، وعندك أشياء كثيرة جداً من نعم الله، أليس هذا يوجب محبته، وبالتالي الانبعاث إلى طاعته.
التلذذ بالطاعة
خامساً من البواعث: التلذذ بالطاعة.
يعني: طعم العبادة، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [سورة النحل:97].
فلنحيينه حياة طيبة في الدور الثلاث، في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، هذا التلذذ هو السعادة والطمأنينة، وانشراح الصدر والسكينة، وقُرة العين، وصفاء النفس، وسرور القلب بالانغماس بالطاعات، وهذا النعيم أعظم من نعيم ملوك الدنيا، وأباطرة العالم، وأصحاب الأموال، والملذات ومن يعيشون في الدول الغنية، والمتقدمة، والخدمات الصحية، ولذلك أهل الدنيا مساكين خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها.
كان محمد بن أحمد أبو جعفر النسفي عالم الحنفية في زمانه، فقيراً، بات ليلة قلقاً من الفقر الذي عنده، والحاجة، فعرض له فكر في فرع من الفروع كان أشكل عليه، جلس يفكر في مخرج، يزيل يعني: إزالة إشكال، حكم مسألة، جمع بين حديثين، فانفتح له، يعني: بالتأمل انحلت المشكلة ووجد الحكم، وانجمعت النصوص في ذهنه، فقام يعني من الفرح يتحرك ويقول : أين الملوك وأبناء الملوك؟ فسألته امرأته عن خبره عنده في البيت، أيش فيك؟ أيش صار؟ يعني ، مالك، فأعلمها بما حصل، فتعجبت من شأنه رحمه الله.
المحاسبة
من بواعث الأعمال الصالحة أن يحاسب الإنسان نفسه فيجدها مقصرة فيسعى في الاستدراك، إن العبد لايزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته.
دعوة الصالحين الناس إلى أعمال البر والخير
سابعاً: من البواعث على الأعمال الصالحة: أن يبعث عليك أحد الصالحين أو الناس عملاً صالحاً، ويدعوك إليه، يأتيك داعية، يقول: هلُمّ نحج، هلُمّ إلى درس العلم، ما رأيك أن تتصدق؟ ماذا تقول في حفظ وقراءة كذا؟ عندي لك عرض؛ جلسة تدبر قرآنية؟ فيكون من البواعث: أن يعرض علينا الدعاة إلى الله وأهل الخير والمصلحون العروض الخيرية من الأعمال الصالحة، فتنبعث في النفوس، لذلك فأجرهم عظيم عند الله، من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه [35]، وعلى الدعاة أن ينوعوا طرق العرض على الناس، حتى تحدث الاستجابة وينبعث الناس للأعمال الصالحة، فتارة بالأمر المباشر، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ [سورة الحج:77]، اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ [سورة آل عمران: 200] وتارة بالنهي عن الضد، ولا تفرقوا هذا أمر بالاجتماع، ولا تعسّرا أمر باليسير، ولا تنفّرا أمر بالتبشير، ولا تختلفا [36] أمر بالمطاوعة.
وتارة بالتحضيض كقوله: لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [سورة النمل:46].
هناك أمر بالاستغفار وهناك تحضيض، لولا تستغفرون الله وتارة نجده بأسلوب الاستفهام ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له[37].
التذكير بالخير
من البواعث حول هذا: التذكير، وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [سورة الذاريات:55].
إذا أراد الله بعبد خيرا جعل له وزير صدق، يأمره وينهاه عن الشر، إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، ما هو مثل المدرس في الطابور يبغى يسكت، قال لهم: هذا الرفيق الصالح الصديق الصادق مع الإنسان، إن نسي؟ قالوا: ذكره، قال: وإن ذكر من غفلة؟ قالوا: أنساه! يظنونها هكذا مقابل بعض، إن نسي ذكرّه، وإن ذكره أعانه.
التذكير نوعان: تذكير بما لم يُعلم تفصيله، فهو تعليم، وتذكير بما هو معلوم لكن أنت الآن نسيته، ذهبت عنه، راح عن بالك، وإلا أنت معلوم لديك، لكن انشغلت عنه، التهيت عنه، لهو، غفلة، ذهول.
فإذن، هناك تذكير -يا إخوان- بمعنى التعليم المفصل لشيء ممكن ما تعلم تفصيله، وهناك تذكير الذي هو إحياء الشيء في القلب، سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى [سورة الأعلى:10-11]
من ليس له إيمان ولا استعداد لقبول التذكير لا ينفع تذكيره، وهذا مثل الأرض السبخة التي ينزل عليها المطر، ما في فائدة، وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ [سورة يونس:97]
والعبد مهما بلغ من قوة الإيمان يحتاج إلى من يذكّره، مثلاً نبي الله زكريا، قال: قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ [سورة آل عمران: 37]
لما رأى زكريا فاكهة الصيف تأتيها في الشتاء، وفاكهة الشتاء تأتيها في الصيف، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [سورة آل عمران:38] لما رأى العادة الخارقة، قال: أنا اشتعل رأسي شيباً، وهن العظم مني وليس عندي أولاد.
يعني: صحيح مثلي الآن لا ينجب، لكن إذا اخترقت العادة -يعني مع مريم- لم لا تنخرق معي؟ ممكن وهناك أمل، هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [سورة آل عمران:38]، فكان هذا المشهد من مريم، ذكر زكريا، لماذا لا يطلب هو؟ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [سورة آل عمران:38]، كأن الباب صار مفتوحاً.
يعني الآن عندما رأى مشهد كرامات، يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ [سورة آل عمران:37]، صار الرجاء عظيماً فدعا، لحظة رجاء، وأنبياء الله فقهاء، وبالتأكيد ينتهزون لحظات الرجاء؛ لكي يندفعوا بالدعاء، ينتظرون وينتهزون لحظات الرجاء ليندفعوا بالدعاء.
الآن العمليات التذكيرية في واقعنا كثيرة، مثلاً: تذكير صيام الاثنين والخميس في رسالة جوال، تذكير محاضرة علمية، واتس أب، التذكير بدورة، حلقة تحفيظ، ترى هذه من البواعث، هذه من بواعث الأعمال الصالحة، المذكرات.
وفي عالم التقنية الآن مجال عظيم لبعث الناس للأعمال الصالحة، لتذكيرهم، أحياناً يصير التذكير تلقائياً، التذكير يصير يعني هكذا مبرمج إلكترونيا، تلقائياً، وأحيانا يصير يدوياً، يعني: كل مرة، كل مناسبة بمناسبتها، ففي ناس يبرمج، تلقائي، وفي ناس تذكير يعني: كل واحدة بمفردها.
من البواعث على الأعمال الصالحة، الرؤية الصالحة.
مثال: عن عبد الله بن عمر قال: "كان الرجل في حياة النبي ﷺ إذا رأى رؤية قصّها على رسول الله ﷺ، قال ابن عمر: "فتمنيتُ أن أرى رؤية فأقصها على رسول الله ﷺ، وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله ﷺ، ما كان له بيت، ابن عمر بعد ذلك بنى غرفة واحدة، قال: بنيت هذه الحجرة ما أعانني عليه أحد من خلق الله، هو بناها بيده، جاء باللبن وبنى له غرفة سكن فيها، وكان قبل هذا أول ما جاء المهاجرون فقراء، كان ابن عمر صغيراً كان يسكن في المسجد، ثم كبر في المسجد، "وكنت غلاماً شاباً، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله ﷺ، فرأيتُ في النوم كأن ملكين أخذاني فذهبا بي إلى النار، فإذا هي مطوية كطي البئر، وإذا لها قرنان، وإذا فيها أناس قد عرفتهم، فجعلت أقول -يعني في المنام- أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، قال: فلقينا ملك آخر، فقال لي: لم تُرع، فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله ﷺ، فقال: نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل هذا التعقيب على الرؤية، قال سالم بن عبد الله ابن عمر: "فكان بعد -يعني عبد الله، لا ينام من الليل إلا قليلاً"[38].
قال القرطبي معلّقا: "إنما فسر الشارع من رؤيا عبد الله ابن عمر ما هو ممدوح، لأنه عرض على النار، ثم عوفي منها، وقيل له: لا روع عليك، وذلك لصلاحه غير أنه لم يكن يقوم من الليل، فحصل لعبد الله من ذلك -يعني من هذه الرؤيا- تنبيه على أن قيام الليل مما يُعتق به من النار، والدنو منها، فلذلك لم يترك قيام الليل بعد ذلك"[39] وعبدالله كان ينام في المسجد ومن حق المسجد أن يُتعبد فيه، يعني: ما يصير مثل الفندق وهو نائم طول الليل، ينام في المسجد للحاجة، وليس كل الليل، جزء منه قيام، وجزء نوم للحاجة، وجزء قيام للعبادة التي هي أصل وظيفة المسجد، فكانت هذه الرؤيا دافعة لعبد الله بن عمر لكي ينبعث للعمل الصالح.
رؤية أهل النشاط من العُبّاد والسبق في الأعمال الصالحة
عاشراً من البواعث: رؤية أهل النشاط من العباد والسبق في الأعمال الصالحة.
يعني أهل النشاط في العبادة من العباد، والسبق في العمل الصالح، رؤيتهم تبعث على العلم الصالح.
انظر الآن -مثلاً- لو واحد دخل الحرم ليصلي، لكن جعل من وظيفته في الحرم أن يتأمل في أصحاب الصف الأول، يعني: في تبكيرهم إليه وحرصهم عليه، كذا صلاة يحصل، هذا هو نفسه، وما هي أعمالهم بين الصلاتين؟ هذا تكبير، ثم صلاة، ثم الأذكار، والسنن، ثم الطواف، ثم قراءة القرآن، ثم حضور حلقة العلم، ثم يرجع مرة ثانية، وإلى الصلاة التي بعدها، هذا التأمل في أصحاب النشاط في العمل الصالح، وأصحاب العمل الدؤوب، القدوات هؤلاء في الأعمال الصالحة، أصحاب السبق، هذا يبعث على الأعمال الصالحة، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ [سورة المؤمنون:61] إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ [سورة الأنبياء:90]، بل هذا مما يثير التنافس، وإذا دخلنا في عملية إثارة تنافس الأعمال الصالحة في بيئات الشباب والكبار والصغار هذا من العلامات الصحية للبيئة علامة عظيمة، أنه إذا صارت البيئة عبارة تنافسات في الأعمال الصالحة.
أتى فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ، فقالوا: "ذهب أهل الدثور -الدثر المال، ذهب أهل الدثور، الأموال الكثيرة، بالدرجات العلى والنعيم المقيم، فقال: وماذا؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق، ويعتقون ولا نعتق، شيء محزن نحن نغبطهم، نحن ما نحسدهم، نغبطهم، ما نبغضهم ولا نحقد عليهم، لكن عندهم شيء ما عندنا، عندهم شيء مكنهم من أعمال صالحة، ما نستطيع، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون، ويتصدقون، فقال رسول الله ﷺ: أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحدٌ أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين مرة[40].
وهذا فتح عظيم، الآن هذا باب للتعويض، والآن نعوض ما سبقنا، غابوا مدة ورجعوا، فرجع فقراء المهاجرين إلى رسول الله ﷺ فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا ففعلوا مثله، فقال رسول الله ﷺ: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء يعني: أنت قد تنافس ناساً، وتفعل مثلهم، وتتنافس، وتتنافس، بعد ذلك تصل إلى حد لا تستطيع، أحفظ منك، أنت تتنافس معه، بدأ بحفظ القرآن، بدأت حفظ القرآن، حفظ نصف صفحة، صفحة صفحتين، والرجل عنده قدرة ما هي عندك ، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، لكن أنت لن تقف، أنت ستواصل، وربما سبقت السلحفاة أرنباً، لكن إذا صار هو أنعم الله عليه بأشياء وكمل فيها ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وفرحتك بتفوقه حسنات لك، فرحتك بتفوقه تؤجر عليها، لأنك أحببت الخير له، ولم تحسده، هذه الغبطة تؤجر عليها.
ليت لنا مال فلان، أو كان لنا مال فلان لعملنا بعمله، طيب قضية ان الواحد ينبعث للعمل الصالح لما يرى ناساً يعملون، حصلت في قضية مثلا الرجل الذي جاء بصرة كاد كفه تعجز عنها بل قد عجزت، قال الراوي: ثم تتابع الناس، من الذي فتح الباب، من الذي حمّسهم، تشبهوا، هو قدم قدوة، قدم عملا، فتشبهوا به، فقال: من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده، من غير أن ينقص من أجورهم شيء[41].
هناك بعض الشباب أو بعض الناس من عامة المسلمين عندما رأى بعض المسلمين في الشام يصلون فيما تبقى من المسجد المقصوف، هذا مسجد قصفوه وراح نصفه، وجد بعضهم في الصورة، في مقطع في اليوتيوب أنهم يصلون فيما تبقى من المسجد، ما تركوا، قال: هؤلاء إذا كان يصلون في حال القصف وفيما تبقى من المسجد، ونحن جالسين الآن في أمان، ودعاء وطمأنينة، ومساجد مكيفة، وإنارة، وأولئك لا كهرباء ولا تكييف ولا مبنى، ولا أمان ويذهبون للصلاة؟ عيب، والله عيب، فاندفع بعضهم إلى العمل، كان الباعث له على العمل الصالح رؤية ناس أخذوا بالعزيمة، وإلا هل تجب الصلاة وقت القصف؟ صلاة الجماعة تسقط وقت القصف.
وكذلك بعضهم دفع في قراءة القرآن لما وجدهم في خنادق القتال هذه صورهم وهم يقرؤون القرآن، قال: هؤلاء تحت القصف أيضاً في خنادق القتال يقرؤون القرآن ونحن جالسين هنا في الأمان وأنا في المكتب أو في البيت.
النظر إلى العبّاد والتأمل في أحوالهم
هناك من البواعث على الأعمال الصالحة: النظر إلى العباد، قال جعفر بن سليمان: "كنت إذا أحسست من قلبي قسوة أتيتُ محمد بن واسع" وهذا محمد بن واسع نحسبه من أولياء الله الكبار في هذه الأمة، "كنتُ إذا أحسستُ من قلبي قسوة أتيت محمد بن واسع، فنظرت إليه نظرة فكنتُ إذا رأيت وجهه رأيت وجه ثُكلى"[42].
يعني كحال المرأة حديثة العهد بالمصيبة، وهذا من ذكر النار وخشيتهم لله، هو الذي قال: "أخوك من وعظ برؤيته قبل أن يعظك بكلامه"[43].
فهناك أناس أصحاب همة في العمل الصالح من أولياء الله، نعم قليل، الواحد ينبش عنهم، يدور عليهم، لكن إذا نظرت إليه نظرة ما يحتاج يكلمك ولا كلمة، النظرة إلى محمد بن واسع تشحن بطارية العمل الصالح، وإذا قسى قلبه رجع شحن مرة ثانية.
الاعتبار والعظة من حال الآخرين
الحادي عشر من البواعث: الاعتبار والعظة من حال الآخرين؛ لأن القلوب الحية إذا رأت مشاهد فيها عبرة تتعظ وتندفع للعمل الصالح، ليس فقط أنه يتأثر أو يبكي لحظتها، لا، هو يأخذ العبرة وينطلق للعمل.
قال مالك بن دينار: "قدمت من سفرٍ لي، فلما صرت بالجسر قام العشّار، هذا العشّار الذي يأخذ الضرائب، كلما مرت سفينة أوقفها، ما معك؟ حملة، هات، فلما وصلت السفينة قام العشّار فقال: أوقفوا لا يخرجن أحد من السفينة ولا يقوم من مكانه؛ لأنه هناك تفتيش، هو يفتش يأخذ العشر، قال: فأخذت ثوبي فوضعته على عنقي ثم وثبت من السفينة على رصيف الميناء، وإذا أنا على الأرض، فقال لي: ما أخرجك؟ قلت: ليس معي شيء، لماذا أنا أقف أصلاً، تأخذ مني ماذا؟ قلت: "ليس معي شيء، قال: اذهب، فقلت في نفسي: "هكذا أمر الآخرة"[44].
يعني إذا جاء الواحد للحساب خفيف الظهر مشوه على طول، وإذا جاء واحد وأصحاب الجد محبوسون، هذا واحد أصحاب الأموال قد يكونون من الصالحين، كيف الذين عليهم أوزار؟ كيف الذين عندهم أموالاً حراماً؟
الإنسان حين يرى أحوال الآخرين على اختلافها، والمواعظ التي يقدّرها الله، بعض السلف كان إذا رأى فرن الخباز بكى وتذكر النار، رأى أحيانا مشاهد عادية بالنسبة لنا، الموعظة تأتي أحياناً، مثلاً من المشاهد التي تتناقل في الجوالات: منظر واحد يصلي على قدم واحدة الأخرى مقطوعة، وهو قائم على القدم الباقية ويصلي قائماً، علماً أنه في كثير من أصحاب الرجلين يصلون قعوداً، وهذا الذي على رجل واحدة يصلي قائماً، هذه موعظة بحد ذاتها، واحد سمع رجلاً مشلولاً يقول: أتمنى في حياتي ثلاثة أشياء: أن أسجد على الأرض، وأن أمسك المصحف بيدي، وأن أقبّل رأس أمي، يقول: وأنا غير مشلول ماذا عندي من مسارعة في هذه الثلاثة، يسرع إلى الصلاة وتلاوة القرآن وبر الوالدين.
واحد يرى عاملاً مسكيناً يتصدق على واحد متسول، فيقول: الآن هذا العامل كم راتبه حتى يتصدق؟ هذه الموعظة التي أخذها عملياً، قال رجل: لأتصدقنّ بصدقة فخرج بصدقة فوضعها بيد سارق، فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها على يد زانية، فأصبحوا يتحدثون في البلد، تُصدّق الليلة على زانية فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها بيد غني هو ما يدري ما يدري، هو ما يدري أن هذه زانية، وهذا غني، وهذا سارق، فأصبحوا يتحدثون، تصدق على غني، فقال: اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني، فأتي -يعني في المنام، قيل في المنام، فقيل له: أما صدقتك فقد قُبلت، أما صدقتك على سارق لعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني فلعله يعتبر[45]، وهذا موضع الشاهد: وأما الغني فلعله يعتبر أنه جاء واحد أقل منه وتصدق عليه، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله.
الاعتبار بتقلبات الزمان
من البواعث والدوافع للأعمال الصالحة: الاعتبار بتقلبات الزمان، وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ [سورة آل عمران:140]، كان في غنى صار فقيراً، كان في عز ومنصب صار ذليلاً، كان في صحة وشباب صار سقيماً مشلولاً، فهذه الدنيا لا يبقى أحد فيها على حاله، ولا يبقى على حال لها شأن، فكم من رجل كان في عز، لا يدوم نعيمها، لا تُؤمن فجائعها، يبلى جديدها، يسقم صحيحها، يفتقر غنيها، الدنيا بقاؤها قليل، وعزيزها ذليل، وغنيها فقير.
عن محمد بن عبد الرحمن الهاشمي قال: دخلت على أمي في يوم عيد الأضحى، وعندها امرأة برزة في أثواب رثة فقالت لي: أتعرف هذه؟ قلت: لا، قالت: هذه أم جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي، وهذا البرمكي كان أيام هارون قبل أن يبطش بهم، فسلّمت عليها ورحبت بها، وقلت: حدثيني عن بعض أمركم، فقالت: هجم عليّ مثل هذا العيد، أذكر جملة فيها اعتبار وموعظة لمن فكر، هذا كلام المرأة: "هجم علي مثل هذا العيد، وعلى رأسي أربعمائة جارية، ونحرتُ في بيتي ثمان مائة رأس، وأنا أزعم أن ابني جعفر عاق" يعني وفر لي أربع مائة جارية وأتى لي بثمان مائة رأس، أنحرها وأنا أقول: عاق، وقد دفع إلي خمس مائة دينار، وقال: أنفقي هذه في عيدكم، وأنا الآن قد أتيتكم والذي يقنعني جلد شاتين، أجعل أحدهما شعاراً والآخر دثاراً" [46]. أفترش بواحد وأتغطى بثانٍ لو تعطوني جلد شاتين، هذا طموحي.
الآن هذا يبعث الإنسان؛ الذي كان عنده مال يتصدق قبل أن يفتقر، والذي عنده شباب يصوم، يعتكف، قبل أن يقعد، الذي عنده صحة، الذي عنده جاه، الإنسان تدور به الدنيا.
رأيت الدهر دولابا يدور | لا حزنٌ يدوم ولا سرور |
وكم بنت الملوك لها قصوراً | فلم يبقى الملوك ولا القصور |
رأيت الناس أكثرهم سكارى | وكاس الموت بينهم يدور |
كل واحد لا بد أن يشرب من كأس الموت.
يقول محبوب: مررتُ بدار من دور الكوفة فسمعت جارية تغني، ثم مررت بها مرة أخرى بعد مدة فإذا الباب مسدود، وقد علته وحشة، فقلت: ما شأنهم؟ قالوا: مات سيدهم، مات رب الدار، قلت: إني سمعت من داخل هذه الدار جارية تقول: ألا يا دار لا يدخلك حزن ولا، فقالت امرأة من الدار لما سمعته قالت وهي تبكي: يا عبد الله، إن الله يغير، والموت غاية كل مخلوق، فرجعتُ من عندهم باكياً حزيناً.
رؤية المحتضرين عند الموت
من الدوافع والبواعث رؤية المحتضرين عند الموت، وهذه عندما يراه الواحد وقد خارت قواه، وضعفت قوته، وتصاعد كربه، وتغشاه ما تغشى، غشاه، غشى عقله ما غشى، واللسان أبكم، والأطراف ضعيفة، والناس ينادون يا فلان يا فلان، فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ [سورة الواقعة:83-85]. كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [سورة القيامة:26، 27]، لعل الرقية تنفع، وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ [سورة القيامة:29]، فلا حيلة تعمل، ولا طبيب يعمل شيئاً، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [سورة القيامة:30].
هذا أكبر الوعاظ والدوافع إلى الأعمال الصالحة؛ لأن هذا انقطاع عن الدنيا تماماً.
الموت
ومن البواعث على الأعمال الصالحة هذا الموت الذي من تذكره وعرف أن الحياة منقطعة بسببه اندفع إلى العمل الصالح قبل فوات الأوان، فإن هذا الموت لم يترك عزيزاً في عزه، ولا غنياً في غناه ، ولا ساكناً في قصره، ولا مرموقاً في منصبه، بل أخذ الكل.
قال بعض السلف: "من أكثر ذكر الموت أُكرم بثلاثة أشياء: تعجيل التوبة، وقناعة القوت، والنشاط في العبادة، تعجيل التوبة، وقناعة القوت، والنشاط في العبادة، ومن نسي الموت عوقب بثلاثة أشياء: تسويف التوبة، وترك الرضى بالكفاف، والتكاسل في العبادة"[47].
هناك بعض الناس الآن من ضلالهم ما يريدون من الدعاة أن يذكرون الموت أبداً، ولا يذكرون النار أبداً، ولا يذكرون العقوبات الإلهية أبداً، يقول: تذكرون الجنة لا، اذكر -مثلاً- النظافة والتقنية، واذكر الأشياء الإيجابية ، أما أشياء -يسمونها هم السلبية- يعتبرون أن ذكر الموت هذا سلبي، ذكر النار تغمونا حتى تعكروا أمزجتنا، أنت الآن تريد تأمنهم حتى يلقوا خوفاً، فقط تذكر لهم أشياء التي تسر خاطرهم؟ لماذا أكثروا من ذكر هادم اللذات[48] ليتعظ الناس.
بعضهم يقول لك: لا تأتِ بسيرة الموت أبداً، تغمّ الحاضرين!، وهذا اتجاه منحرف، موجود حتى في بعض عوالم الدعوة هناك اتجاهات منحرفة، هناك ناس يريدون هكذا..
إذن: لماذا الله ذكر الله النار في القرآن؟ كان فقط ذكر الجنة، ما تستقيم النفوس إلا بذكرهما؛ لأنه تذكر النار فقط تيأسهم من رحمة الله، وتذكر الجنة فقط يتكلون، ولذلك كان من البواعث والدوافع للأعمال الصالحة زيارة القبور، شهود الجنائز، زوروا القبور فإنها تذكركم بالآخرة[49].
وجاء في الحديث عند أحمد عن البراء بن عازب، بينما نحن مع رسول الله ﷺ إذ أبصر جماعة، فقال: على ما اجتمع عليه هؤلاء؟ قالوا: على قبر يحفرونه، ففزع رسول الله ﷺ، فبدر بين يدي أصحابه مسرعاً حتى انتهى إلى القبر فجثى عليه، فاستقبلته من بين يديه لأنظر ما يصنع، فبكى حتى بلّ الثرى من دموع، ثم أقبل علينا قال: أي إخواني، لمثل اليوم فأعدوا[50].
فينبغي أن تزار ويُتعظ بها، وكذلك لمن شيع الجنازة أن يرجع راغباً في الازدياد من الأعمال الصالحة.
وأما من كان إذا حضر الجنازة يتحدث بأحاديث الدنيا، الآن تجد بعضهم يدخن وجوالات موسيقية في المقبرة!، ماذا بقي؟ إذا كان مقبرة ما عاد فيها تأثير، قال إبراهيم النخعي: "كنا إذا حضرنا الجنازة أو سمعنا بميت عُرف فينا أياماً، يعني التأثير يبقى معنا؛ لأنا قد عرفنا أنه قد نزل به أمر صيره إما إلى الجنة أو إلى النار، وإنكم في جنائزكم تتحدثون بأحاديث الدنيا" قال بعضهم: شهدت عبد الواحد بن زيد في جنازة حوشب، فلما دفن قال: رحمك الله يا أبا بشر، فلقد كنت حذراً ممن مثل هذا اليوم، رحمك الله يا أبا بشر، فلقد كنت من الموت جزعاً، أما والله لئن استطعت لأعملن رحلي بعد مصرعك هذا، ثم شمّر واجتهد"[51] يعني تغير وضعه وصار في عمل الصالحات منطلقاً.
والإنسان إذا تأمل قبور أصحاب السلطان؛ خرج عمر بن عبد العزيز إلى المقبرة فلما نظر إلى القبور بكى، وقال: يا ميمون هذه قبور آبائي من بني أمية كأنهم لم يشاركوا أهل الدنيا في لذاتهم، أما تراهم صرعى، قد حلت المثُلات، ثم بكى"[52] وكان عبد الرحمن بن يزيد خلِاً لعبد الملك بن مروان، فلما دفنه، قال: "أنت عبد الملك الذي كنت تعدني فأرجوك، وتوعدني فأخافك، وليس معك الآن من ملكك إلا ثوبين، وليس لك منه غير أربع أذرع في عرض ذراعين، ثم انكفأ إلى أهله واجتهد في العبادة، حتى صار كأنه شنٌ بال"[53].
التغيرات الكونية
من البواعث في الأعمال الصالحة التغيرات الكونية، مثلا: الخسوف والكسوف، قال: هما آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة وأيضا: تصدقوا[54] أمرهم بالصدقة والاستغفار، والعتق، إذا صار مثل هذا المشهد، الخسوف والكسوف التي تذكّر بالآخرة، أحياناً تصير أعاصير زلازل، براكين، حجارة من السماء كما صار في بعض القرى في روسيا قريباً، أمطرت عليهم حجارة من السماء أكثر من أربع مائة جريح، ونزل الجيش في البلد، من عظم ما جاءهم.
الشاهد: أن هذه من الدوافع رؤية مصائب المسلمين، كذلك كيف؟ عندما نرى الآن مصائب إخواننا في الشام، عندما نرى أحوال أطفالهم، عندما نرى العوائل في الشارع، الناس متفرقون، هذه الأسلحة الفتاكة فعلت بهم، وكيف يرتجف أطفالهم حتى الموت؟ وهذه المرأة مع أولادها في خيمة في الجليد في الشتاء، وهؤلاء في كهف، يصير عند الإنسان دافع للعمل الصالح، صدقة، إيواء، مواساة، إطعام، تفقّد، هذه مصائب المسلمين أيضاً تدفع للأعمال الصالحة، ورغبة الإنسان في إعانة إخوانه.
الرحمة والشفقة
ونستطيع أن نقول أيضا أن من بواعث الأعمال الصالحة: الرحمة والشفقة بأن الله يلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللبن، ويشد قلوب الرجال حتى تكون أشد من الحجارة.
كان بعض السلف، خيثمة بن عبد الرحمن يسر الدراهم، يجهزها في جيبه، فإذا رأى في المسجد واحداً ثيابه متخرقة، رداؤه خَلِق تبعه وأعطاه قوتاً اشتر قميصاً، اشتر رداءً، ما الذي دفعه؟ قضية رؤية المحتاج، الشفقة على المسلم، رحمة المصاب، جاء رجل إلى النبي ﷺ قال: يا رسول الله، إني أذبح الشاة وأنا أرحمها، قال: والشاة إن رحمتها رحمك الله. وحديث: من رحم ولو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة[55] هذا يؤكد سبحان الله ألآن هؤلاء المجرمون يذبحون البشر.
من البواعث للأعمال الصالحة أن يكون عند الإنسان وزير صدق، ما استُخلف خليفة إلا له بطانتان، بطانة تأمره بالخير وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله[56].
البطانة المقربون الذين يفضي إليهم بالأسرار، البطانة مقرب جداً لدرجة أنه يعطى الأسرار، فإذا أراد الله بإنسان خيراً جعل له وزير صدق إن نسي ذكّره، وإن ذكّره أعانه، هذا من أعظم البواعث على الأعمال الصالحة، ولذلك يُندب لكل صاحب جاه، مكانة، غنى، منصب، أحياناً يكون وزيره سكرتيره، أحياناً تجد بعض الناس من أصحاب اليسار والغناء مكان المحسنين لو زرته أو جلست مع السكرتير يفتح الباب للصلاة، إذن، سكرتيره هو وزيره، الصدق، تبعه يأمره بالمعروف، يدخل عليه الخير وليس الشر، المعروف وليس المنكر.
فإذا صار الإنسان عنده وزير، سكرتير معين، من هذا النوع أحسن اختياره، أحسن اختياره نفعه جداً في الباعث إلى العمل الصالح، والدافع إلى عمل الخير.
المشاركة مع الإخوة في الله في الأعمال الصالحات
ومن البواعث إلى العمل الصالح أيضاً: المشاركة من أخ صاحب خير يشاركك في العمل، فإن المشاركة في العمل تعين عليه وتشجع عليه، وقد كان لكثير من العلماء قرين من أقرانه يطلب معه العلم، يحفظ معه القرآن، ونحو ذلك من الأعمال الصالحة، فالمشاركة هذه باعث على العمل الصالح، وكان بعض علمائنا له أخ من إخوانه يسمّع القرآن معه، يراجع القرآن معه، يقرأ هذا وجهاً الثاني يستمع، ثم يقرأ هذا ثمناً وهذا ينظر، ثم يقرأ هذا ثمناً وذاك ينظر، فإذا انتهت الختمة عكس، صار هكذا يبدأ وهذا يسمّع له، الثمن الأول، ثم ذاك يسمع لهذا الثمن الثاني، فيكون كل واحد يسمع للثاني كل القرآن.
الفطرة السليمة
من البواعث: الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هذه الفطرة السليمة، وحصل أن بعض الكفار في مصيبة ومحنة الشام هذه أن بعضهم أسلموا، وبعضهم قاموا بأعمال خيرية، أعمال من البر، والله لا يقبل في الآخرة منهم بدون إسلام، لكن الله لا يظلم أحداً فيعطيهم في الدنيا شهرة، صحة، مالًا، ولداً جاهاً، وهكذا، لكن النتيجة أن استيقاظ الفطرة عند البعض يولّد الدافع للعمل الصالح، وإذا كان الإنسان رزق بهمة عالية وكان عنده إرادة صادقة فإنه والله سينطلق أعني على نفسك بكثرة السجود[57]، من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل[58].
يقول خالد: "ما ليلة يُهدى إلي فيها عروس أنا لها محب، أو أُبشر فيها بغلام أحب من ليلة شديدة الجليد في سرية من المهاجرين أصبّح بها العدو"[59]، هذا من علو همته ، وصدق عزيمته، وقوة إرادته.
وأبو هريرة بلغ من همته في تبليغ السنة أنه تمنّى أن يبقى إلى أن يحدث المسيح ابن مريم، فقد قال يوما: "تروني شيخا كبيراً، قد كاد تلتقي ترقوتاي -هذا العظم الذي في العنق، يعني تلتقي الترقوتين من الكِبر، قال : والله إني لأرجوا أن أتي عيسى بن مريم فأحدّثه عن رسول الله ﷺ فيصدقني، فإن أنا متُ قبل أن ألقاه، ولقيتموه بعدي فاقرءوا عليه مني السلام" رواه أبو عمر الداني في السنن الواردة في الفتن بإسناد حسن.
هذه همّة أبي هريرة أنه حتى من الكبر يقول: عندي أمنية، رجاء "والله إني لأرجو أن آتي عيسى ابن مريم فأحدثه عن رسول الله ﷺ، لكن إذا أنا متُ قبل أن ألقاه فاقرءوا عليه مني السلام".
وتمنّى صلاح الدين الأيوبي فتح الأرض كلها، قال يوماً للقاضي ابن شداد: "أنا أحكي لك شيئا في نفسي، أنه متى يسّر الله تعالى فتح بقية الساحل -يعني استرداده من الصليبيين- قسمت البلاد وأوصيت وودعت، وركبت هذا البحر إلى جزائره واتبعتهم فيه حتى لا أبقي على وجه الأرض من يكفر بالله، أو أموت"[60].
هذه الهمة، هذه الهمة، لو خلصنا الساحل سأدخل في البحر، وإلى الجزر.
هل ممكن تكون المعاصي أحياناً باعثة على العمل الصالح؟
نعم، إذا تاب وحسُنت التوبة، وأحس بالتقصير، وعرف قدر الجرم، وخاف ممن عصاه، وأراد الاستدراك، انبعث للعمل الصالح، ولذلك تجد بعض العصاة إذا تابوا توبة نصوحاً تغيرت حالهم مندفعين، وهذا ليس مما يعمل، يأتي واحد يقول: دعني أفرط في السيئات حتى يصير عندي باعث، يمكن يموت، وهو غارق في المعاصي! لكن هذا الباعث يأتي مع التوبة.
مواسم الخير
من البواعث على الأعمال الصالحة: مواسم الخير.
تجد الناس في رمضان ينشطون، عشر ذي الحجة ينشطون، مثلاً الأشهر الحرم، هذه المواسم منّة من الله حتى يصير هناك بواعث على الأعمال الصالحة؛ لأن الناس إذا سمعوا إذا كان أول ليلة من رمضان صُفّدت الشياطين ومردة الجن، وغُلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب، ونادى منادٍ يا باغي الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، ولله في كل ليلة عتقاء[61].
هذا باعث عظيم هنا، مواسم الخير، وأحيانا يدفع إلى العمل الصالح منافع الدنيوية للأعمال الصالحة، نحن نذكرها إتماماً للموضوع لكن لا يصلح أن تكون هذه هي الدافع والباعث الأصلي، هذه تأتي تبعاً لا أصلاً، فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا [سورة نوح:10 -12].
هذا رغّب فيها قوم كفار، لكن لا يصح الواحد يأتي يقول: أنا لا أريد أن أستغفر ونيتي بالاستغفار فقط هذا!، لا هذا يأتي تبعاً، هي من عمل عملاً، الذي يعمل الصالحات يحييه إلى حياة طيبة، ويستغفر ويجيك، لكنها ليست أصلاً بل هذه من عاجل البشرى، هذه تأتي تبعاً.
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ [سورة الأعراف:96]، هذه تأتي تبعاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [سورة الطلاق:3]، لكن من رحمة الله أنه كمل لنا الفوائد الأخروية للحسنات بفوائد دنيوية، ما حرمنا، ما قال: ليس لكم إلا في الآخرة فقط، لا، حتى في الدنيا هناك منافع، هناك منافع معنوية، ومادية، ونفسية، وقلبية، كله، حتى العلاقات: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا [سورة مريم:96]، قالوا: محبة في قلوب أوليائه.
الرزق يأتي، مثل: من قتل قتيلاً فله سلبه[62] هو ما ذهب يجاهد في سبيل الله للغنائم فقط، لكن الله عجل لهم أشياء أعطاهم، والذي يصلي الصبح في ذمة الله، يحفظ بسبب ذلك، أنت تقول: أعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء، لتحفظ لكن لتأخذ الأجر على ذكر الله وتوسُّلك إليه بقراءة هذه، وأنك تستعيذ بكلماته التامات، هذه تؤجر عليها، أنت تؤجر على الدعاء، وعلى التوسل بها، قبل قضية أنك تقرأها لتحفظ، تقرأها لتؤجر وتُحفظ من الشرور والآفات، وهذا الذي يقال فيه: داووا مرضاكم بالصدقات لو أن إنساناً مرض فتصدق، هو ربما يجعل نيته الثواب في اليوم الآخر، والشفاء تبعاً.
يقول الحافظ أبو طاهر السِّلَفي: "سمعت أبا الحسن علي بن أبي بكر أحمد بن علي الكاتب بدمشق يقول: سمعت أبا بكر الخبازي بن النيسابوري يقول: "مرضت مرضا خطراً فرآني جار لي صالح، فقال: استعمل قول رسول الله ﷺ: داووا مرضاكم بالصدقات[63]، وكان الوقت ضيقاً، فاشتريتُ بطيخاً كثيراً، واجتمع جماعة من الفقراء والصبيان، فأكلوا ورفعوا أيديهم إلى الله ودعوا لي بالشفاء، فو الله ما أصبحتُ إلا وأنا في كل عافية من الله -تبارك وتعالى.
فإذن، يكون الباعث الأصلي الأقوى الأساسي على الصدقة: اليوم الآخر، رجاء ما عند الله، والعافية والصحة والشفاء من المرض التالي، التبع، الثاني وليس الأول، وهذه مهمة.
قال الشاطبي -رحمه الله: "إذا غلب قصد الدنيا على قصد العبادة كان الحكم للغالب"[64].
أنا أذهب لصلاة الفجر لأجل غاز الأوزون، وأصلي لرياضة الجسد، وأصوم حمية للمعدة، وأتصدق لأجل أن أداوي المرض، ليس هذا، هذا تبع، وليس هو الأصل، هذه منافع دنيوية للعبادة.
من رحمة الله أن جعل لنا منافع دنيوية للعبادات، أنت تحج تريد تتاجر، الآن كل روحتك الحج لأجل المال؟ لا، أنت ذهبت الحج لكي تخرج من ذنوبك كيوم ولدتك أمك، لكن يأتي معها: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [سورة البقرة: 198]، وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [سورة القصص: 77].
ولذلك قال العلماء: إذا كان الأغلب على نيته التعبد فهو بخير، لكن إذا كانت الأغلب نية الدنيا، وإنما لكل امرى ما نوى[65].
بواعث سيئة على أعمال صالحة
هناك بواعث سيئة على أعمال صالحة، مثل: الرياء، وهذه تُذكر للتنبيه عليها، وإلا ليست من مقصود الموضوع الأساسي، وهؤلاء أول من تُسعّر بهم النار يوم القيامة.
نسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يوفقنا للخيرات، اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من المحسنين، وأن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم اجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا وتقبل دعاءنا يا رب العالمين، ربنا اغفر لنا ولوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، اللهم عجّل فرج هذه الأمة، اللهم اكشف هذه الغمة، اللهم انصر المستضعفين، واحم حوزة دين، وأعز الإسلام والمسلمين، يا رب العالمين، والحمد لله أولا وآخراً وظاهرا وباطنا.
- ^ التذكرة للقرطبي: (880).
- ^ رواه مسلم: (2814).
- ^ رواه الترمذي: (2988)، والنسائي في الكبرى: (10985)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير: (1963).
- ^ مجموع الفتاوى: (4/ 32).
- ^ النهاية في غريب الحديث والأثر: (4/ 273).
- ^ رواه الترمذي: (2988)، والنسائي في الكبرى: (10985)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع الصغير: (1963).
- ^ رواه أبو داود وهو حديث صحيح. رواه أبو داود: (5112)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: (5112).
- ^ رواه أحمد وهو حديث صحيح صححه ابن تيمية وابن كثير و الألباني.
- ^ مدارج السالكين: (1/ 70).
- ^ مرقاة المفاتيح: (1/ 273).
- ^ الجواب الكافي: (107).
- ^ الجواب الكافي لابن القيم: (107).
- ^ رواه مالك في الموطأ: (2025)، والبيهقي في الشعب: (8411)، وأبو نعيم في الحلية: (1/ 311)، وصحح إسناده الألباني في الأدب المفرد: (1006).
- ^ رواه البخاري: (1324)، ومسلم: (945).
- ^ رواه البخاري ومسلم.
- ^ رواه البخاري: (159)، ومسلم: (226).
- ^ رواه البخاري: (2442)، ومسلم: (1709).
- ^ رواه مالك في الموطأ: (2007)، وصححه الألباني في المشكاة: (5011).
- ^ رواه البخاري: (47).
- ^ رواه البخاري: (614).
- ^ رواه الترمذي: (1209)، وابن ماجه: (2138)، والحاكم: (2143)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: حديث حسن: (1782).
- ^ رواه مسلم: (728).
- ^ رواه أبو داوود وهو حديث صحيح.رواه أبو داود: (4777)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6518).
- ^ رواه البيهقي في الشعب: (7790)، وابن أبي شيبة: (34663)، وأبو نعيم في الحلية: (7/ 129)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6162).
- ^ رواه البخاري: (5985).
- ^ رواه مسلم: (657).
- ^ رواه مسلم: (2732).
- ^ رواه مسلم: (384).
- ^ رواه مسلم: (3006).
- ^ رواه أحمد: (27609)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6240).
- ^ حسّنه الألباني. رواه ابن ماجه: (2775)، وحسن إسناده الألباني في السلسلة الصحيحة: (2338).
- ^ رواه أبو داود: (561)، والترمذي: (223)، والطبراني في الكبير: (5800)، وصححه الألباني في المشكاة: (721).
- ^ رواه أبو داود: (2541)، والترمذي: (1650)، وانسائي: (3141)، وابن ماجة: (2792)، وأحمد: (9762)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6416).
- ^ رواه الترمذي: (2488)، وأحمد: (3938)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (2609).
- ^ رواه ابن ماجه: (206)، والدارمي: (530)، وأبو عوانة في مستخرجه: (5823)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه: (206).
- ^ رواه البخاري: (3038)، ومسلم: (1733).
- ^ رواه البخاري: (1145)، ومسلم: (758).
- ^ رواه البخاري: (1121).
- ^ فتح الباري لابن حجر: (3/ 7).
- ^ رواه مسلم: (595).
- ^ رواه مسلم: (1017).
- ^ المجالسة وجواهر العلم: (2/ 31).
- ^ تاريخ دمشق لابن عساكر: (56/ 150).
- ^ صفة الصفوة: (2/ 164).
- ^ رواه البخاري: (1421)، ومسلم: (1022).
- ^ تاريخ الإسلام: (12/ 104).
- ^ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: (10/ 66).
- ^ رواه ابن ماجه: (4258)، والطبراني في الأوسط: (691)، وحسن إسناده الهيثمي في مجمع الزوائد: (18205).
- ^ رواه ابن ماجه: (1569)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (3577).
- ^ رواه أحمد: (18601)، وحسن إسناده الألباني في السلسلة: (1751).
- ^ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: (6/ 159).
- ^ إحياء علوم الدين: (4/ 486).
- ^ صفة الصفوة: (2/ 373).
- ^ رواه البخاري: (1044)، ومسلم: (901).
- ^ رواه أحمد: (15592)، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- ^ رواه البخاري: (6611).
- ^ رواه مسلم: (489).
- ^ رواه الترمذي: (2450)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (6222).
- ^ البداية والنهاية: (7/ 130).
- ^ النوادر السلطانية: (55).
- ^ رواه الترمذي: (682)، وابن ماجة: (1642)، وصححه الألباني في المشكاة: (1960).
- ^ رواه الترمذي: (1562)، وصححه الألباني في التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان: (5/ 219).
- ^ رواه البيهقي في السنن الكبرى: (6593)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (3358).
- ^ الموافقات: (2/ 372).
- ^ رواه البخاري: (1)، ومسلم: (1907).
-
DRISS
ما اجمل وما اروع ان تجد متل هدء المواقع التى تجمع اهل واحباب الله وتستفيد وترتقى بنفسك