الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الشباب: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
شبكة الإنترنت وما تأخذه من أوقاتنا
فإن هناك في عالمنا الذي نعيش فيه مشغلات كثيرة، وهذه المشغلات المعاصرة المتعددة التي حفلت بها هذه السنوات
المتأخرة التي يعيش فيها الشباب والفتيات الآن، المشغلات فيها كثيرة متنوعة، فمنها: هذه الشبكة التي أشغلت فعلاً بما تأخذه مواقعها وصفحاتها من الساعات الطويلة، في التصفح التي قد تمتد أحياناً عند بعض الناس إلى أربعة عشر ساعة، وقد أشارت منظمة أي دبليو أس أنترنت ورد أساتس المختصة بأرقام الإنترنت أن عدد المستخدمين في الربع الأول من عام 2013م قد تجاوز ثلاثة فاصل ثلاثة من عشرة مليار مستخدم حول العالم، وهم يقولون في الجملة: إن نصف عدد سكان العالم عندهم جوالات، وربع سكان العالم عندهم الشبكة.
بالنسبة لهذه البلد أعلنت هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات ارتفاع عدد مستخدمي الشبكة بنهاية الربع الثالث من عام 2012م ليصل إلى حوالي خمسة عشر مليون مستخدم، عندنا الآن في البلد 15 مليون مستخدم للشبكة، لو نظرنا إلى إحصاءات الرسائل الموجودة نجد أنه قد أُرسل في العالم عبر الشبكة في عام 2010م، 107 تريليون رسالة، يعني: بمعدل 294 مليار رسالة يومياً، نسبة 89% من هذه الرسائل تعتبر من قسم الإسبام المزعج، ويوجد عبر الشبكة في عام 2010م، 225 مليون موقع، وهذه المواقع وهذه الرسائل، وهذه الأشياء التي تأخذ الوقت الطويل جداً لا شك انها مشغلة، ومشغلة كثيرا جداً.
قلة الاستفادة علمياً في العالم العربي من شبكة الإنترنت
يا ترى هل يكون الانشغال بالشبكة -مثلاً- في أمور البحث؟ هل يكون في أمور مفيدة؟ هل يكون في أمور البيع والشراء؟ هل يكون في أمور العلوم والبحوث؟ أم ماذا؟ تشير الإحصاءات والدراسات في العالم العربي إلى أن نسبة تزيد على النصف من مستخدمي الشبكة يدخلون على مواقع غير مفيدة، سواء كانت مواقع إباحية، أو غير إباحية، يعني مثلاً: مواقع الأفلام أو الألعاب، وأن استخدامات الشبكة في العالم العربي لأغراض البحث العلمي والاستخدامات الجادة لا تزيد على 20؟% من الاستعمالات!
نحن لا نبالغ إذا قلنا أن هذا جيل الإنترنت، إذا الذي قبله جيل الدش، الآن هذا جيل الإنترنت، وهناك تزايد بلا شك، وهناك دراسات تقول: يوجد أكثر من 4 ملايين مراهق يستخدمون الشبكة أكثر من ست ساعات يومياً، ولذلك يقول أحدهم: أنا لا أجلس مع أهلي إلا لتناول وجبة الطعام، أو عندما أطلب مصروفي من أبي، وفيما سوى ذلك أنا على الشبكة، بل إن بعضهم قد ينادي ولده إلى الطعام عبر الشبكة، وأكثر الغرف في البيت زحمة هي الغرف التي إرسال الشبكة فيها قوي، والغرف المهجورة في البيت هي الغرفة التي لا يوجد فيها اتصال شبكي، وإذا انقطعت الشبكة عندكم الجيران يتصلون للاطمئنان ؛ لأنهم يعيشون على شبكة الجيران، ليس صلة للجيران أو تفقداً للجيران، لكن أيش صار عندكم؟ الشبكة مقطوعة.
وهذا الانشغال بالنسبة للفتيات والشباب أمر واضح جداً، لو سألنا: كم منهم لو اشتغل أو انهمك في الشبكة، كم منهم يذهب إلى الصلاة في وقتها؟ كم منهم يصلي في المسجد؟ كم منهم يتابع ختمة القرآن؟ كم منهم يقرأ علوماً مفيدة؟ وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا [سورة الفرقان: 30].
هذا الانشغال جعل هناك تقصيراً في حق الأزواج وفي حق الزوجات، في حق الأولاد، وكذلك في حق الآباء والأمهات، هذا الانشغال قد تعدى إلى التأثير على العمل والوظائف، هذا الانشغال قد تعدى إلى التأثير على الدراسة ونتائج الامتحانات، هذا الانشغال قد دخل في عالم السلوك الإدماني، والتصفح الآن يكون في البيت ويكون في المكتب، ويكون في الجامعة، ويكون في الجوال الذي صار مع الناس في كل مكان، وصار هناك شبكات متنقلة، حتى ولو انقطعت الشبكة في البيت، أو انقطعت الشبكة في المكتب يوجد ثري جي وأل تي أي شبكة الجيل الرابع، ويوجد عند شركة هواوي وغيرها، شبكات متنقلة منفصلة حتى عن الجوال، حتى لا ينقطع الإنسان عن الاتصال أبداً.
وبعض المولات مغطاة بالشبكات، وبعض الشواطئ مغطاة بالشبكات، وبعض الشوارع يقال لها الشوارع الذكية، لا لأنها تولّد أفكاراً إبداعية، ولكن لأنها مغطاة بالموجات الشبكية.
ولما ظهرت مواقع التواصل الاجتماعي، وصارت نافذة حرية مطلقة على العالم، وعلى الثقافات والنقاشات والآراء، دون سفر ولا انتقال، وصار الناس يشعرون أن بإمكاننا أن نقول ما نشاء، وأننا في عصر حرية التعبير، وأن هذه الفرصة التي نعزز فيها ذواتنا، ونثبت فيها وجودنا، إنه منبر للتعبير عن الرأي بحري، ثم صار روابط إعادة الصداقات القديمة عبر هذه الشبكات، كالفيس بك مثلا وأصدقاء الدراسة، وأصدقاء العمل، وأصدقاء الطفولة، ولم الجيران، ولم الأقارب، وصار هناك مشاركات، وانفتاحات، وتكوين مجتمعات إلكترونية.
أنا أتعجب من بعض الأشخاص عندما يقول، أو امرأة مثلاً تقول: أنا عندي خمسين مجموعة في الواتس أب، كل مجموعة فيها من ثلاثين إلى خمسين مشتركة، يعني من ألفين إلى ألفين وخمس مائة، يوميا يتم التأمل معهم، والرد على الإجابات والأسئلة، والرسائل والكلام، والله طاقات مدهشة الحقيقة، يعني: الآن الشبكة أوجبت طاقات المتابعة مدهشة جداً حتى أن الواحد يتعجب من أين يجدون الأوقات، من أين يجدون الأوقات حتى يقوم بكل هذه المتابعات، والقراءات، والردود، والوضع الأسئلة المقابلة، إنه شيء مذهل، وضع روابط، ووضع صور، ووضع مقاطع فيديو، ووضع نصوص، و هناك ترابط، وهذه تؤدي إلى هذه، وهذه تؤدي إلى هذه، وهذه تفتح على هذه، وهذه تأخذ إلى هذه، وهذا يصور الذي في الشارع، ويضعه في اليوتيوب، وهذا يصور الذي في المكتب والمدرسة والبيت والمقاطع الظريفة والمقاطع الطريفة، والحيوانات، والآدميين، وبالتالي لا نستغرب شبكة مثل شبكة الفيس بك التي أُطلقت في عام 2004م، تتبادل مع جوجل المركز الأول والثاني في ترتيب المواقع العالمية.
عندما تحصد شبكة مثل هذه مليار مشترك، يتبادل الناس فيها كلام عن أفكارهم وآمالهم، وبعضهم يُهرعون إليها، ويكتب الواحد أي شيء، إذا تخاصم مع البقال كتب مباشرة، وإذا فاتته موعد الرحلة شتم الخطوط مباشرة، وإذا صار يعبرون، أنا الآن جئت ماذا بقي، قبل قليل تخاصمت مع شرطي المرور، قبل قليل حصل لي موقف في السيارة، وصار الناس كأنه يدون سيرة حياته، يدونون سيرة حياتهم كلها عبر هذه الأشياء، والتبادل بالصور والتطبيقات، والألعاب والمقاطع، وأيضا مقاطع الضحك والمقاطع الترفيهية تحوز على نسبة قد تكون الأكبر، ووصل الإقبال إلى درجة التأكيد يعني، تعدى حب الفضول إلى الوقوع في الإدمان، أما انتهاكات خصوصيات الآخرين، والدخول فيما لا يفيد الإنسان، وقد قال ﷺ: من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه [1].
وهذا واضح جداً.
الأوقات العظيمة التي تذهب بسبب الإدمان على هذا الشبكة
أما مسألة ماذا يقضي هؤلاء؟ سبع مائة مليار دقيقة شهرياً، يحملون أكثر من ثلاثة مليار صورة فوتوغرافية شهرياً، ملايين في الساعة الواحدة، هذا الإدمان أدى إلى آثار جسدية سلبية، تتعلق باحمرار العينين، وقضية الإجهاد البصري، والأنف، والرقبة، والكتفين والظهر، وظهور الدوالي في الساقين، والبواسير، والإمساك بسبب الجلوس الطويل، وأما الآثار النفسية في قضية العصبية الانعزال على العالم الخارجي، الهروب من الواقع، العيش في العوالم الافتراضية، حب الوحدة، التشبث بالرأي، حب السيطرة، تعزيز الأنانية، التعب النفسي، القلق بانتظار رد الآخرين، التسرع وعدم التميز، إهمال الهوايات، الحقيقية المفيدة، وهم يقولون: أنه في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في الحقيقة ما أحد يزور عمته في بيتها، ولا خالته، ولا يستقبل الناس بعضهم بعضاً، ولا يجتمعون، والاجتماع هذا مهم جداً يعني: التلاقي الجسدي مهم للغاية، لكن خلاص يقول: أنا زرت بالفيس، أنا زرت في مجموعة كذا بالواتس، التقينا بالواتس وزرتك بالفيس، ولا شك أن هذه الأشياء لها مستتبعات، قضية اضاعة أوقات، أو قضية مثلاً: ما يسمى بالنكات، أو المخالفة للشريعة، والسخرية المرحمة، أو التعليقات التافهة التي لا تجوز، أو أخبار فيها انتهاكات لخصوصيات الآخرين.
والأهم من ذلك كله هو لماذا فتحنا الموضوع أصلاً، نبغى نشوف هذه الأشياء تشغلنا عن أيش؟ الآن تويتر هذا 25 مليار رسالة ترسل من قبل 175 مليون شخص، لكن المشتركون في تويتر يقتربون من نصف مليار، وإذا أضفت إلى ذلك برامج المحادثات يقول لك: الفايبر مجاناً، تانجو مجاناً، اسكايب مجاناً، مجانا لكن يضيع وقت أثمن بكثير من المال الموجود في الفاتورة، ولذلك برامج المحادثات، الفيبر واسكايب هذه تتداول فيها عدد هائل من الرسائل، فشركة واتس أب أعلنت أنها قد وصلت إلى سقف لامست سقف سبعة وعشرين مليار رسالة يومياً، في أحد الأيام القريبة الماضية لامست الشركة عبر الخوادم سقف سبعة وعشرين مليار رسالة في الأربعة والعشرين ساعة، الجوالات الذكية الآن أيضاً عالم مفتوح ماذا تريد؟ الآن الناس ما عاد يستعملون الكمبيوتر، ذات الشاشة الكبيرة، ما عاد يستعمل الكمبيوتر المكتبي تقريباً؛ لأن هذه الأجهزة، جهاز الآيباد أكبر شيء، لكن هناك ألواح كفيّة، أجهزة أخرى أصغر تُستعمل، وهناك جوالات كبيرة، وسامسونج تنتج وغيرها من الشركات على حجم الكف.
نحن الآن إذا كان في البيت أو الشارع أو العمل فهو أمام الشاشة، نحن في عصر الشاشات، نحن الآن في عصر الشاشات الأربعة، شاشة الكمبيوتر، شاشة الجوال، وشاشة الألواح الكفية، وشاشة التلفزيون، نحن في عصر الشاشات، نحن أمام فتنة الشاشات، نحن الآن تحت، نرزح تحت الاحتلال الشاشاتي الذي فعلاً استولى علينا، قضية أن هذه الأشياء نحصل عبرها علماً، ونسمع قرآناً بالكمبيوتر، ونقرأ القرآن بالكمبيوتر أو بالجوال، نقرأ القرآن بالجوال، أو نسمع محاضرات بالجوال، أو نستعرض مثلاً مسائل علمية بالآيباد، هذا بلا شك ليس محل لوم، بل هذا محل مدح، لأنه لا فرق نظرياً بين أن تستعرض العلم من كتب، أو تستعرضه من الشاشات مادام أنك ستحصله بطريقة موثوقة وصحيحة، والقرآن الذي تقرأه من المصحف هو القرآن الذي تقرأه من أحد التطبيقات الموجودة بالآيفون أو الموجودة في الأندوريد، أنت تقرأ القرآن هو هو بأي تطبيق من التطبيقات، ونحن الآن ما نتكلم عن الاستعمالات المفيدة التي يؤجر عليها الإنسان من قراءة قرآن، أو القراءة في كتب العلم، أو الاطلاع على الفتاوى من المصادر الموثوقة، أو سؤال أهل العلم، أو التواصل مع الإخوة في الله، أو سماع المحاضرات حياً "لايف"، مثلاً، أو مسجلاً، أو الاشتراك في أكاديمية، كلية للتعليم عن بعد، التعليم عن بُعد يعني: التعليم المفيد، لكن لنناقش قضية ماذا فعلت فينا هذه الأجهزة؟
ماذا فعل فينا هوس الجوالات من متابعة لإصداراتها، وتجديد مستمر بدون حاجة أحياناً، ونأخذ الجهاز ما نستعمل حتى 10% من إمكاناته وبعدين نرميه ونأخذ جوالاً ثانياً ونبدله على طول، ماذا فعل فينا موقع اليوتيوب؟ وقضية الانتقال من مقطع إلى مقطع إلى مقطع، خصوصاً أنه مصمم بحيث إذا رأيت مقطعاً يظهر لك على الجانب مقاطع مشابهة، ومن مقطع إلى مقطع، ودائما أنت تسبح في هذه المقاطع التي زاد عدد المشاهدات فيها على سبع مائة مليار في عام 2010م وحده، فكيف الآن ونحن في 2011م؟ مائة مليون عدد مشاهدات مقاطع الفيديو عن طريق الهواتف يومياً، يعني: ما يشاهد بالجوالات من مقاطع اليوتيوب، لكن عدد مشاهدات مقاطع الفيديو على الموقع نفسه تعدى 2 مليار، يتم رفع 35 ساعة من الفيديو على الموقع كل دقيقة، هناك ألف وسبع مائة سنة يتوجب عليك قضائها لكي تشاهد كل ما رفع حتى تاريخه، ولكن أنت لا تملك من هذا إلا القليل الذي لا يعلمه إلا رب العالمين.
مدة مقاطع الفيديو التي يتم مشاهدتها داخل الفيس بك في اليوم الواحد يساوي 150 سنة كل دقيقة، وحدّث عن هذه الأوقات والساعات التي تقدّر بالسنين، ليتذكر المراهق أيضاً حديث النبي ﷺ: ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه[2].
ثم إذا جئت للذين يتابعون الفضائيات، ويتابعون الأفلام، ويتابعون الآن ما جاء في تقنية الإنفجن، فيديو أوند ماند، والتحميل بالطلب، والذين عندهم اتصال بقضية الكيبل، نظام الكيبل مثلاً، كم تستهلك هذه من أعمارنا؟ وهل يبقى وقت في صلاة الفجر؟ وهل يبقى وقت لصلاة الجماعة؟ وهل يا ترى تؤدى في أوقاتها، الافتتان بالكرة ما عاد في الملاعب، ليته كان جرياً كانت تحركه العضلات، لكنه افتتان بالمباريات المنقولة عبر شاشات، ولذلك صار الشباب فعلاً عنده فتنة حقيقية؛ لأن هذا تعدى حتى صار الشباب الذي يقول لك: أندية محلية، هو الآن يعيش مع برشلونه وميلان، يعيش مع الأندية حتى المحلية إلا فيما ندر، وربما يرى ذلك تخلفاً.
ولما سئلت طفلة عن عدد أفراد الأسرة، قالت: بابا وماما وجدتي والتلفزيون!.
دلّت الدراسات على أن الطالب في المرحلة الابتدائية يكون قد قضى ما بين سبع مائة إلى ثمان مائة ساعة في المدرسة في العام، بينما يقضي أكثر من ألف ساعة مع التلفزيون في دراسة أجرتها اليونسف على الناشئة في مصر لغلمان ما بين من عشرة سنوات إلى شباب تسعة عشر سنة، تبين أن الغالبية العظمى يشاهدون دائماً الشاشة، على عكس الجرائد والمجلات والكتب، من يشتري اليوم جرائد أصلاً، ربما عندما يذهب للفندق يحصلها معلقة في الباب يذكر أنه في جرائد، ولما يطلع في الطيارة يوزعون جرائد يتذكر أن فيه جرائد؛ لأن الأشياء الورقية لا يكاد يوجد لها سوق أصلاً، 80% من المراهقين والمراهقات يرون بأن القنوات هذه هي مصدر الثقافة بالنسبة لهم، ولما دخلت نيو ميديا الآن صار في محطة كذا ومحطة كذا، من محطات النيو ميديا، والإعلام الجديد، هي تنافس تماماً المحطات الأخرى التي كانت على الدش.
غزو القنوات الفضائية وإفسادها لشباب المسلمين
أما قنوات الأفلام الأجنبية فهي تغزو الشباب والفتيات بشكل مستمر، وقد تحكي الصورة ما لا تحكيه آلاف الكلمات، والإنسان يتذكر من عشرة إلى 15% مما يقرأه ومن 12_ 20% مما يسمعه ولكن 50_ 75% مما يسمعه ويراه، يعني: يشترك فيه السمع والبصر، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ [سورة الإسراء: 36]. الذي هو السمع والبصر منافذ له، في النهاية ماذا يقذف فيه، وماذا يوضع فيه، إذا استحوذ سحر الإعلام على العقول، لقد كان لفرعون سحرة، ولكن يهود العصر، وفراعنة الزمان لهم سحرة آخرون غير سحرة فرعون، قد فاقوهم تأثيراً وسعة انتشار، إنها هوليود، وبوليود، ومستتبعاتها.
بلغت تكلفة الفيلم عشرة ملايين دولار لكنها تأتي بدخل إجمالي 90 مليون دولار؛ لأنه قد شاهدها 13 مليون شخص، هذا الاخطبوط الكبير من القنوات التي تبث أفلام هوليود أو غيرها ماذا حصل فيه؟
وشبابنا ضاع بين الدش والقدم | وهام شوقاً فمال القلب للنغم |
يقضي لياليه في لهو وفي سهر | فلا يفيق ولا يصحوا ولم ينم |
يقلب الطرف حتى كل من نظر | إلى قناة تبث السم في الدسم |
فقلد الغرب حتى فاقهم سفاها | وضاق بالدين والأخلاق والقيم |
كفى صدوداً عن الإسلام ويحكم | فالعمر فان وحانت ساعة الندم |
يا شباب: يجب أن نفكر جيداً في مسألة الانشغال، الانشغال الذي يحدث الآن، يعني: لو ذهبنا مثلاً إلى الشرع، لو ذهبنا إلى الكتاب والسنة، ورأينا ماذا يوجد بشأن هذا الموضوع الله سألنا سؤالاً فقال لنا: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [سورة المؤمنون: 115]. هل خلقناكم سدى تأكلون وتشربون، تسرحون وتمرحون، تتمتعون وتلهون بلا أمر ولا نهي ولا تكليف ولا عبادة: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات: 56] فهذه الغاية التي خلقنا لها ماذا حصل بشأنها، وعندما انقسمت البشرية إلى فريقين، فريق في الجنة، وفريق في السعير، هل سأل الواحد منا نفسه في أي قسم سيكون؟ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام: 162]. فهل سألنا أنفسنا، هل محيانا لله فعلا؟ أليس هناك فتنة يقال لها فتنة المحيا؟
ألست تقول في الأدعية في آخر التشهد مستعيذاً بالله من أربع: فتنة المحيا والممات، ما هي فتنة المحيا؟ هذه الشاشات من فتنة المحيا، الدجال من فتنة المحيا، ويوجد اشتراك بين الدجال والشاشات، الإلهاء والإشغال والإبهار، الدجال مبهر، الدجال عنده إبهار، الدجال عنده جنة ونار، الدجال إذا خرج مبهر، الشاشات مبهرة، يوجد علاقة بين السحر وبين الشاشات، يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى [سورة طـه: 66]. وهناك تأثير حقيقي للسحر في النفس، وهذه الشاشات لها تأثير حقيقي في النفس، الله قال لنا: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [سورة الشرح: 7-8].
يعني: إذا تفرغت من أشغالك وما يبقى في قلبك ما يعوق انتصب للعبادة والدعاء، ولا تكن ممن إذا فرغوا لعبوا، لم تترك للمسلم هذه الآية فراغاً في وقته، إما عمل للدنيا فيما يجب على الإنسان؛ لكي يقوم بنفقة أهله ونفسه، وإما عمل للآخرة.
يا شباب، الرسول ﷺ لما قال لنا: إذا حضر العشاء وأُقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء[3] حرصت الشريعة على إزالة كافة الشواغر والصوارف عن العبادة؛ حتى نصلي بخشوع، إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعشاء، لكن الشاشات هذه تشغل قلوبنا أكثر من وضع العشاء، لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان[4] يعني: بول أو غائط، يذهب يقضي حاجته حتى يقوم بين يدي الله صافي الذهن مستريح النفس، غير مشغول ولا يعيش في شدة، الإنسان إذا أراد أن ينتزع نفسه للصلاة من أمام لعبة أو فيلم، يعاني؛ لأن عنصر الألوان والحركة، الأنميشن الدقة الثري دي التقنيات، الشاشة ثلاثية الأبعاد، النظارات، هذه الأشياء الآن بإبهارها وجاذبيتها مشغلة عن العبادة، مشغلة عن القرآن، النبي ﷺ لما صلّى في خميصة لها أعلام لها ألوان، ماذا قال بعد الصلاة؟اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم وأتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي لأنه لبس شيئاً له أعلام، له ألوان قال: اذهبوا به، ألهتني آنفاً عن صلاتي [5].
بالله عليكم هذه الشاشات كم تلهينا عن الصلاة؟ منع النظر من الامتداد إلى ما يشغل هذا قمة الاشغال في الشاشات، ماذا حصل للقلب؟ هل استعبدت قلوبنا بالشاشات؟ سبحان الله، إنه شيء عظيم، النبي ﷺ فجأة لما قام للصلاة ترك الموقع وراح للبيت ورجع، وهم ينتظرونه لماذا؟ قال: ذكرت شيئاً من تبر عندنا ذهب، في طعام ذهب جيء بها في أحد، فكرهت أن يحبسني فأمرت بقسمته [6].
ومعنى: فكرهتُ أن يحبسني قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: "يعني يشغلني التفكر فيه عن التوجه والإقبال على الله تعالى"[7].
إذا كان هناك نبي من الأنبياء لما غزا قال لقومه: لا يتبعني رجل ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها، ولما يبني بها يعني ما دخل فقط عقد وما دخل، وما أحد بنا بيوتاً ولم يرفع سقوفها
يعني: الأعمدة والجدران قامت لكن ما شد السقف، ولا أحد اشترى غنماً أو خلفات وهو ينتظر ولادتها [8].
لماذا رفض أن يدخلوا معه في الجيش؟ واحد عقد على امرأة ولما يبني بها، وآخر بنى بيتاً لكن لم يكمل السقف، وآخر عنده غنم ينتظر الأولاد، ينتظر ولادتها، لماذا؟ لأن قلبه سيكون مشغولاً بها، الآن السؤال: ما يعرض على الشاشات، كم يشغلنا؟ كم يشغلنا؟ هل تعرفون أن الرسول ﷺ لما رأى رجلاً يتبع حمامة ماذا قال؟ قال: شيطان يتبع شيطانة[9].
لماذا؟ قالوا: سماه شيطاناً؛ لأنه قد يكون اشتغل عن الصلاة بتتبع الحمام، لأن هواية الحمام أشغلته عن الصلاة، لكنه سمى الحمامة شيطانة والحمامة غير مكلفة، قال العلماء: سماها شيطانة؛ لأنها أورثته الغفلة عن ذكر الله، يعني: تسببت في إشغاله عن ذكر الله.
علي يوم الخندق عندما قال النبيﷺ: ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً علي روى الحديث عن النبي ﷺ، لماذا يدعو عليهم؟ قال: شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس [10] دعا عليهم قال:ملأ الله بيوتهم وقلوبهم ناراً لما جاءوا الأحزاب شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس؛ لأنه كانت صلاة الخوف لم تنزل؛ لأن صلاة الخوف بعسفان، صلاة الخوف بالأحزاب ما كانت نزلت، فما كان عندهم حل الآن هم مرابطون، أما العدو دعا على العدو؛ لأنهم شغلوهم، شغلوهم بماذا؟ بالسلاح، لكن العدو الآن شغلنا بماذا؟
والله -يا شباب- شغلونا بالشاشات، نحن لسنا ضد التقنية، ولسنا ضد التقدم، ولسنا ضد الاستفادة، ولسنا ضد تحصيل العلوم، ولسنا ضد الأبحاث، ولسنا ضد الاستفادة بأي وجه من الوجوه، لكن، لكن نحن ضد الانشغال عن العبادة، نحن ضد الامتناع عن واجب بسبب هذه الانشغالات.
كان الشباب من زمان يشكي من الفراغ، يقولون: كيف نقتل الوقت؟ ما ندري كيف نقضي الوقت؟ أنا طفشان، ما أدري أيش أفعل؟ الآن هل تسمع الآن واحد يقول: أنا طفشان ؟، لا، الأعداء انتقلوا بنا إلى إشغال متواصل، بحيث أن الشباب والفتيات ما عندهم وقت، يعني: إذا كان سيذهب لتويتر وفيس بك، إلى الإيميل إلى الواتس، إلى... ليس هناك وقت، وقته كله مشغول، ألم يعتذر المنافقون عن الجهاد بالانشغال؟ قال الله تعالى: سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا [سورة الفتح:66]، الآن ما شغلهم عن أموالهم وأهليهم حتى الأموال ما صارت هي الشغل، صار الشغل هذه المشغلات، مشغلات تجذب الشيخ قبل الشاب، والرجل قبل المرأة، والكبير قبل الصغير، برامج قنوات، انترنت، ألعاب، والشباب لو صار عنده وقت أحياناً إلى المولات، إلى أماكن أخرى، من هذه الأشياء التي تشغل عن ذكر الله، وعن الصلاة، وإلى الملاعب، وإلى...، يا أخي ماذا أبقيت لآخرتك؟ ماذا أبقيت لآخرتك بالله عليك؟ يعني: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ [سورة مريم:59]، فقط لماذا أضاعوا الصلاة؟ بالتجارة ليس شرطاً، الآن صار حتى التجارة تأتي بأرباح، لكن الآن متابعات بهذه الأشياء المتواصلة، بالله عندما تصير فتنة الكرة، تجد هذا الانفاق، جنون عجيب، كنا نسمع من زمان لاعب ينتقل بمائتين ألف، ثلاث مائة ألف، بعدين لما صار اللاعب ينتقل بمليون، الآن يشترى لاعب بـ57 مليار يورو، يا لطيف، ماذا يحصل الآن؟ مراهنات قمار، ميسر، سبحان الله، هؤلاء المشتركون تفوق رواتبهم الأطباء، والمدراء والمفكرون تفوق رواتب المفكرين والمهندسين والباحثين والعلماء والقضاة؛ لأن الاحصاءات أثبتت أن رواتب بعض القضاة والعلماء والباحثين والأطباء ما تصل 1% من دخل لاعب كرة! ماذا يفيد البشرية هذا؟ وماذا يفيد البشرية هؤلاء؟ في فتنة اسمها الإلهاء، الاشغال، وبعدين يكمل النقص الصف في الأسواق، ماهي هوايتك؟ تسوق،ماشي بالحلال، بدون حرام ولا إيذاء ولا اشتغال بتراهات.
نحن في عصر الهايبر ماركتس، نحن في عصر المولات، نحن في عصر البلازا، لا تقوم الساعة حتى تتقارب الأسواق[11] بين كل مول ومول هناك مول، أسواق ضخمة، ومحلات كبيرة، فتنة التسوق، نفس العملية في النهاية، في النهاية انشغال يوجد 800 ألف مدمن تسوق في بريطانيا، يوجد ثلاثة ملايين ونصف مدمن تسوق في أمريكا، صار عندنا أمراض جديدة، إدمان الشاشات، إدمان الكرة، غير إدمان الحشيش وإدمان الهيروين، وأحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها، وعندما تأتينا هذه الألعاب الإلكترونية، وما ينفق فيها من الأوقات، عندما تأتي القصص والروايات ماذا سيقال؟
أمور مهمة في التعامل مع شبكة الإنترنت
ولذلك -أيها الشباب- في الحقيقة إن مسألة الانشغال، ومسألة الإلهاء، ومسألة الإبهار، إشغال، إبهار، إلهاء، في الحقيقة تحتاج إلى وقفة صادقة، لا بد أن نقف مع أنفسنا وقفة صادقة، ولنلخص هذه الوقفة بالنقاط التالية: في ختام مجلسنا هذا يا إخواني نتواصى بما يلي:
أولاً: تذكر الغاية التي من أجلها خلقنا الله، خليها على بالك دائماً، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [سورة الذاريات:56].
ثانيا: وقتك حياتك، اغتنم خمساً قبل خمس، فراغك قبل شغلك[12].
وإياك والغبن، الورد، القرآن، الذكر، الدعاء، طلب العلم، الإقبال على قراءة ما تحتاجه، وبادر، فتن كقطع الليل المظلمة، بادروا بالأعمال قبل أن يأتي الفقر المنسي، قبل أن يأتي الهرم المفند، قبل أن يأتي الموت القاطع عن اللذات، القاطع عن الحياة، تذكر ساعة الاحتضار، لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ [سورة المنافقون:9]. لا تلهكم الشاشات عن ذكر الله، لا تلهكم المباريات، لا تلهكم الأسواق، لا تلهكم الأفلام.
ثانياً: الموت، وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا [سورة المنافقون:11].
ولا بد من الحرص على كل نافع، ما في مانع تستعمل التقنية، هناك طاعة الله، تأخذ أجراً، هناك ناس يدعون إلى الله بالتقنية، هناك ناس يهتدون على أيدي أناس بهذه التقنية، هناك منكرات تنكر بهذه التقنية، هناك علمانية تحارب بهذه التقنية، هناك علم ينشر وأحكام بهذه التقنية، فيه خير يدل عليه بهذه التقنية، فيه شر يحذر منه بهذه التقنية، هناك أبواب خير تفتح بهذه التقنية، هناك تعاون على الخير ونبذ للإثم والعدوان بهذه التقنية، وتعاون على البر والتقوى بهذه التقنية، واحذروا من الإثم والعدوان بهذه التقنية، احرص على كل ما ينفعك وانشغل بالأشياء النافعة، لا تقدم شيئا على العبادة، واجعل محاسبتك لنفسك طريق التغير، وطريق التعديل، وطريق التقويم للمسار، ثم جاهد نفسك يا أخي، راغم نفسك، احمل نفسك على الخير حملاً، يصبح عادة، وتستسهل ذلك بعدها.
إذا ما الليل أظلم كابدوه | فيسهر عنهم وهموا روكعوا |
أطار الخوف نومهمو فقاموا | واهل الأمن في الدنيا هجعوا |
لهم تحت الضلال وهم سجود | أنين منه تنفرج الضلوع |
وخلس في النهار بطون صمت | عليهم من سكينتهم خشوع[13] |
هذه مدرسة الصابرين، والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار،وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا [سورة الفرقان:64] ورمضان قادم، تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [سورة السجدة:16]، أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ [سورة الزمر:9] كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الذاريات:17، 18].
لابد أن يكون لك -يا أخي- خلوة وعزلة بالله، يعني: خلوة بالله وعزلة عن الشاشات؛ لأنه شاشات وراء شاشات، خلوة بالله، خلوة بالله، ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه[14].
كيف ستذكر الله خالياً إذا كانت كل هذه الاشغالات موجودة؟
قال ابن تيمية -رحمه الله: "ولا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته، وتفكره، ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وما يختص به من الأمور التي لا يشركها فيها غيره، فهذه يحتاج فيها إلى انفراده بنفسه، إما في بيته"، كما قال طاووس -رحمه الله: "نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه"[15].
إذن، لا بد من الخلوة مع الله، ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بالله، رجل قلبه معلق في المساجد، الآن صاروا يأخذون الشاشات في الاعتكاف إلى المساجد، حتى الاعتكاف صار مدخولاً؛ لأن معه لابتوب ومعه جوالات، ومعه..، فأصلاً نحن نريد نخرج من الدنيا ونطلع على المسجد حتى نخلص من الدنيا، وليس أن تكون الدنيا معنا إلى المسجد، إذا ما استشعرت، أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى هذه الآية لو الواحد ما خرج من هذا المجلس إلا بهذه الآية فقط أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى [سورة العلق:14] إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [سورة النساء: 1]، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [سورة غافر:19] يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ [النساء:108]، ولذلك "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، واستكثر من الأعمال الصالحة، بادروا بالأعمال.
هناك عدد من السلف لو قيل للواحد منهم: أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في عمله شيئاً، منهم حمّاد بن سلمة، وأبو إدريس الخولاني، يقول: "لو قالوا لي أنك الآن ستموت ما عندي مزيد، يعني: ما أستطيع أن أزيد على ما عندي من الأعمال الصالحة، يقول سفيان الثوري: لو رأيتَ المنصور بن المعتمر تقول: هذا يموت الساعة، كأنه قالوا له: الآن موتك، مقبل على كل شيء يفيده في دين الله، يا أخي نوّع العبادات، وتفكر بأن الدنيا زائلة، الشاشات زائلة، والبرامج زائلة، والتطبيقات زائلة، والتقنية زائلة، والملاعب زائلة، والفرق الرياضية زائلة، والملهيات كلها زائلة، هذه الدنيا فانية، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [سورة الرحمن:26، 27].
أسأل الله أن يبارك لي ولكم في أعمارنا، وأوقاتنا، وأن يجعلها مملوءة بطاعته.
نسأل الله أن يدلنا على الحق، وأن يأخذ بأيدينا إلى طريق الحق.
نسأل الله أن يجعلنا أنصاراً للحق، اللهم اجعلنا للحق أنصاراً، وبالحق عاملين.
اللهم إنا نسألك أن تبلّغنا رمضان، وأن تعيننا فيه على الصيام والقيام والذكر كما تحب وترضى، ونسألك أن تعين إخواننا المستضعفين، وأن تنصرهم، وأن ترفع راية الدين، وأن توقظ شباب الأمة، وتوفقهم للعمل بما تحب وترضى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمين.
- ^ رواه ابن ماجه: (3976)، والطبراني في الأوسط: (359)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (5911).
- ^ رواه أحمد: (17634)، وصححه محققه الأرنؤوط.
- ^ رواه مسلم: (557).
- ^ رواه مسلم: (560).
- ^ رواه البخاري: (373)، ومسلم: (556).
- ^ رواه البخاري: (851).
- ^ فتح الباري لابن حجر: (2/ 337).
- ^ رواه البخاري: (3124).
- ^ رواه أحمد: (8543)، وأبو داود: (8543)، وحسنه الألباني في المشكاة: (4506).
- ^ رواه البخاري: (2931)، ومسلم: (627).
- ^ رواه أحمد: (10724)، وقال محققه الأرنؤوط: إسناده صحيح.
- ^ رواه النسائي في السنن الكبرى: (11832)، والحاكم في المستدرك: (7846)، والبيهقي في الشعب: (9767)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: (1077).
- ^ مجموعة القصائد الزهديات: (1/ 484).
- ^ رواه البخاري: (660)، ومسلم: (923).
- ^ الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (2/ 163).