الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فقد تقدم في الدرس الكلام عن وجوب اتباع منهج السلف، والتعريف بالسلف الصالح رحمهم الله، وبيان ميزات منهجهم، وما هي الفوائد التي تعود على الأمة من وراء اتباع منهج السلف الصالح.
ثم ذكرنا بأننا سنتطرق إلى الكلام عن أحكام المخالفين لمنهج السلف الصالح، وبيان حالهم، وكشف باطلهم، وأن المخالفات المعاصرة لمنهج السلف الصالح فيها شرك الربوبية، والإلحاديات، والوثنيات، وفيها مذهب أهل الغلو، وفيها مذهب أهل الإرجاء، وفيها كذلك التمييع الدين، وتمييع المواقف من المخالفين للدين.
وكذلك فيها أيضاً: المخالفات في الأخلاق والسلوك لمنهج السلف الصالح رحمهم الله، وسنبين ذلك بالتفصيل بمشيئة الله تعالى.
ونبدأ بترتيب الزمن لأول مخالفة ظهرت لمنهج السلف: وهو مذهب الخوارج؛ لأن المخالفة لهذا المنهج بدأت في حياة النبي ﷺ، لأن أباهم يعني أبا الخوارج ظهر في وقت النبي عليه الصلاة والسلام، وكان له مع النبي ﷺ موقف.
مفهوم الغلو
ولا شك أن منهج الخوارج هؤلاء مذهب الخوارج مبني على الغلو، والغلو مسلك قديم ومعاصر، بل لا يخلو منه عصر من العصور، ويكون له أشكال مختلفة.
والغلو في لغة العرب: هو تجاوز الحد. قال ابن فارس رحمه الله: "الغين واللام والحرف المعتل أصل صحيح يدل على ارتفاع ومجاوزة قدر". [مقاييس اللغة: 4/312].
وفي الشرع: الغلو هو: تجاوز الحد بالزيادة. قال الحافظ بن حجر رحمه الله: "الغلو المبالغة في الشيء، والتشديد فيه بتجاوز الحد". [فتح الباري: 13/278].
وقال الإمام النووي رحمه الله: "الغلو هو: الزيادة على ما يطلب شرعاً".
ويقول شيخ الإسلام رحمه الله: "والغلو: مجاوزة الحد بأن يزاد الشيء في حمده أو ذمه على ما يستحق". [اقتضاء الصراط المستقيم: 4/237]. يزاد على ما يستحق حمداً أو ذماً ونحو ذلك.
والغلو هو: أحد مسالك الشياطين لإضلال بني آدم؛ لأن الشيطان له مدخلان على المسلمين ينفذ من خلالهما إلى إغوائهم وإضلالهم.
فإن كانت النفس من أهل التفريط والتساهل والتنازل، والمعاصي، واتباع الهوى، زين لها الشيطان المعاصي واتباع الشهوات كي تكون بعيدة عن دين الله، وتخالف أمر الله، وتقع فيما نهى الله عنه.
الثاني: إذا كان الشخص من أهل الطاعة والعبادة زين له الإفراط والغلو في الدين ليفسد عليه دينه.
فإذن الشيطان يقوم مع المسلم بدورين متعاكسين، إذا كان الشخص من أهل التفريط أولغه المعاصي، وإن كان من أهل الطاعة أولغه التشديد ليخرجه عن الطاعة المشروعة ويفسد عليه دينه، فيدخله في الغلو.
طيب الوسوسة من الباب الأول وإلى الثاني؟ إيقاع الشخص في الوسوسة من الباب الأول وإلى الثاني؟
الثاني. يقول ابن القيم رحمه الله: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزعتان، إما إلى تفريط وإضاعة، وإما إفراط وغلو، ودين الله وسط بين الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بين الجبلين، والهدى بين الضلالتين، والوسط بين طرفين ذميمين" [مدارج السالكين لابن القيم: 2/496].
أدلة النهي عن الغلو
ولهذا جاءت النصوص المتكاثرة بالنهي عن الغلو، فمنها ما فيه مخاطبة لأهل الكتاب ناهياً لهم عن الغلو، قال تعالى: يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ [النساء: 171]. وقال تعالى: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ[المائدة: 77].
قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء". لأن الإطراء هو الذي أوقعهم بالشرك في عيسى والغلو فيه، فعبدوه من دون الله".
وبالمناسبة طريقة الرهبان في الاعتزال في الأديرة والصوامع، والرهبانية التي ابتدعوها ما كتبناها عليهم هذه من أي باب؟ الثاني وهو الغلو.
قال ابن كثير رحمه الله: "ينهى تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء، وهذا كثير في النصارى فإنهم تجاوزوا حد التصديق بعيسى، حتى رفعوه فوق المنزلة التي أعطاه الله إياها، فنقلوه من حيز النبوة إلى أن اتخذوه إلها من دون الله، يعبدونه كما يعبدونه-يعني يعبدون عيسى كما يعبدون الله-.
بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه يعني: ليس فقط غلو في عيسى، حتى غلو في أتباع عيسى الحواريين.
واتبعوهم في كل ما قالوا سواء كان حقاً أو باطلاً، أو ضلالاً أو رشاداً، أو صحيحا أو كذبا، ولهذا قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ [التوبة:31]" [تفسير ابن كثير: 2/477].
ثانياً: هناك نصوص تخاطب هذه الأمة بتحريرها من الغلو، فالله خاطب أهل الكتاب وقص ذلك علينا لنستفيد، وخاطبنا مباشرة أيضاً على لسان نبيه ﷺ.
فقد جاء في مسند الإمام أحمد رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي ﷺ قال لابن عباس غداة العقبة -في الحج- وهو واقف على راحلته: هات القط لي قال: فلقطت له حصيات هن حصى الخذف.
هذا مقاس الحصاة التي تكون بين الأصبعين في رميها كم يكون حجمها.
فوضعهن في يده ﷺ فقال: بأمثال هؤلاء بأمثال هؤلاء، وقال: إياكم والغلو، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين [رواه أحمد: 3248، وصححه محققو المسند].
فهذا النهي وإن ورد بسبب خاص وهو قضية حجم الحجارة، أو حجم الحصى في الرمي في الحج، لكنه كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "عام في جميع أنواع الغلو، في الاعتقاد، والعمل". [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: 1/328].
ثم علل ذلك رحمه الله شيخ الإسلام فقال:" بأن ما أهلك -يعني ما أهلك- من قبلنا إلا الغلو في الدين كما تراه في النصارى، وذلك يقتضي أن مجانبة هديهم مطلقاً أبعد عن الوقوع فيما به هلكوا، وأن المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه أن يكون هالكاً". [اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: 1/329] انتهى.
طيب تحريم الرهبان الزواج على أنفسهم من أي باب؟ الثاني، الغلو.
ثالثاً: هناك نصوص تنهى عن التشدد: فقال ﷺ: إن الدين يسرٌ، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا [رواه البخاري: 39].
لكن حتى نعرف ما هو التشديد المذموم فيجب أن نرجع إلى معنى الحديث؛ لأنه قد يأتي بعض أهل الهوى والمعاصي ويقولون: لا تنكروا علينا المنكر، لا تشددوا، مشوها لا تنكروا بالمعاصي.
ويقولون لمن يمتنع عن المشاركة في المعصية أو ينكر عليهم المعصية: أنه متشدد، فهل هذا متشدد حقيقة؟ وما هو التشدد المنهي عنه إذن؟
المشادة في اللغة: المغالبة يقال: شاده يشاده مشادة إذا قاواه.
ومعنى الحديث: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية، تعمقاً يترك به الرفق إلا عجز وانقطع وغلب في النهاية، يسقط لا يستطيع الاستمرار فلن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه، يعني لن يتنطع فيه أحد إلا غلب وسقط.
مثل الذي يتنطع في الطهارة، فمثلاً غسل النجاسة أو الوضوء ثلاثاً، فواحد جعل يغتسل عشراً وعشرين وخمسين ومائة، وشدد وشدد وشدد ماذا سيحصل له في النهاية؟
واحد من أمرين:
إما أن يترك الصلاة، يقول: خلاص أنا ما عد أطيق خلاص تعبت، فيترك الصلاة كلها.
أو أنه ينهار فيصاب بمرض يصاب بمرض خلاص.
فهذا مثال على كيف التشدد في الدين، يؤدي إلى ولن يشاد أحد هذا الدين إلا غلبه الدين يسر جاء بغسل النجاسة حتى تزول ثلاث كفاية إلا إذا صار الأمر يتطلب أكثر من ذلك.
ولكن إن الواحد بعد ما زالت النجاسة وزالت عين النجاسة يستمر بالغسل، وأن الوضوء في غسل العضو ثلاثاً هذا أكثر شيء، يغسل أربعاً وخمساً وعشراً خلاص هذا تشديد، والذي سيفعل ذلك سيؤدي به ذلك إلى الانهيار، ولن يشاد أحداً هذا الدين إلا غلبه.
أما أن يقال: إذا صرفت بصرك عن الحرام، وما سمعت ما حرم الله من الغناء، وتوقفت أي عن الصلات بالنساء الأجنبيات صلات محرمة، وعن النظر إلى توقفت إلى النظر إلى ما حرم الله، وامتنعت كل بيع وشراء محرم يقال عنه: متشدد.
هذا واضح أنه من عمل الشيطان كي يجعل الناس ينساقون في المحرمات ولا أحد ينكر على أحد، وتستشري وتنتشر.
هذا الحديث فيه نهي عن التشدد، وقال في الحديث ارشادات مهمة جداً: فسددوا يعني: ألزموا السداد الصواب من غير إفراط ولا تفريط.
قال أهل اللغة: السداد هو: التوسط في العمل، فنصير الآن بين نحن لا يريدون العمل، وناس يغالون، لا أعمل وتوسط في العمل.
وقاربوا يعني: إن لم تستطيعوا الأكمل فخذوا ما قاربه، اقترب من الكمال قدر الإمكان.
وأبشروا يعني: لا تيأسوا من رحمة الله، وأبشروا بالثواب من الله، وأن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع، وأن من عجز الله يثيبه عن نيته، ومن قدر على بعض الشيء، فالله يثيبه؛ لأنه لا يكلف نفساً إلا وسعها: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ مَا آتَاهَا [الطلاق: 7]. لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ [الطلاق: 7]. على قدر ما يستطيع.
رابعاً: بينت الشريعة أن الهلاك مصير الغلاة: فقال عليه الصلاة والسلام: هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون [رواه مسلم: 2670].
"والمتنطعون: المتعمقون المغالون المجاوزون للحدود في أقوالهم وأفعالهم". [النووي على مسلم: 16/220].
وجاء عن النبي ﷺ قوله: فإن ما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين [النسائي: 3057، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة: 2455].
خامساً: جاء الأمر بالاعتدال والتوسط: والنهي عن مجاوزة الحد الشرعي كما قال : فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا [هود: 112]. لا تغلوا لا تزيدوا بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود: 112].
قال الشيخ السعدي رحمه الله: "فأمر الله نبيه ﷺ، ومن معه من المؤمنين أن يستقيموا كما أمروا، فيسلكوا ما شرعه الله من الشرائع، ويعتقدوا ما أخبر الله به من العقائد الصحيحة، ولا يزيغ عن ذلك يمنة ولا يسرة، ويدوم على ذلك، ولا يطغوا، ولا يتجاوزوا ما حده الله لهم من الاستقامة". [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: 1/390].انتهى.
وبالتالي فإن التعسير ليس من الدين، والتشديد: بمعنى تحريم ما أحل الله ليس من الدين، وكذلك ترك الرخص الشرعية الصحيحة كالقصر في السفر، والمسح على الخفين والجوربين، ونحو ذلك تركها غلو في الدين، ليش ما تأخذ رخصة الله؟ خذ رخصة الله، ولكن أن تترخص رخصة ما أذن بها الله هذا تساهل مذموم.
مجالات الغلو
الغلو ما هي ميادينه ومجالاته؟
أولاً: قد يكون في السلوك دون اعتقاد: كمن يقوم كل الليل ويصوم كل الأيام، وهذا النوع من الغلو بدأت بوادره في عهد النبي ﷺ، كما في قصة الثلاثة الذي قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبداً، وقال الثاني: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: أنا أعتزل النساء ولا أتزوج أبداً.
طبعاً هذه رهبانية، اعتزال النساء، ولا أتزوج أبدا، يعني حتى مع القدرة، فماذا قال النبي ﷺ؟
من رغب عن سنتي فليس مني[رواه البخاري: 5063، ومسلم: 1401].
ولما أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل، قال سعد بن أبي وقاص: فنهاه رسول الله ﷺ ولو أجاز له ذلك لاختصينا [رواه البخاري: 5073، ومسلم: 1402].
خلاص يقول: بلاش شهوة النساء وفتنة النساء هذه كلها، خلاص واحد ويجري عملية، ويزيل سبب الشهوة وانتهينا.
والتبتل هو: الانقطاع عن النساء وترك النكاح بالكلية.
طبعاً يقول: لأن هذا يشغل يعني المرأة هذه تشغل الفراش، النفقة، أغراض البيت، ودي، وجيب، الأولاد، مرض، المستشفى، هات، مدارس، هذه يشغل، ومع ذلك ما أجاز لنا الشرع التبتل والانقطاع، برعم أن الزوجة والأولاد تشغل عن القيام، والصيام، والذكر، والعبادة، مع أنها تشغل حقيقة، يعني إذا واحد راح في الجانب الآخر خلاص الولد مجبنة مبخلة محزنة [مسند أبي يعلى:1032، وضعفه الألباني سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 4764]، إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التغابن: 14].
إذن مسألة مثلاً ترك النكاح هي قضية سلوكية لكن الشرع ما أذن بها، ولو قال: أنا لا أحرم النكاح بس أنا أريد أن أنقطع أنا أنا لنفسي، نقول: ليس ذلك من الدين.
قد يكون الغلو في الأشخاص: برفعهم فوق المنزلة التي أنزلهم الله إياها، ويعتقد لهم قداسة ذاتية ومكتسبة. وهذا قد يكون في الأنبياء كما فعل النصارى بعيسى، وقد يكون في الأولياء كما فعل الصوفية في من يعتقدونه بالأوتاد والأبدال والأقطاب والغوث الأعظم.
وكما يفعل أيضاً في القادة، ويفعل حتى في المدراء، ويفعل في الآباء، ويفعل بشيخ القبيلة، ويفعل بأشخاص كثيرين ممكن يعني في العشق طبعاً يفعل، فتراوح بين درجة الحب المفرط، والطاعة العمياء التي تصل إلى درجة العبادة من دون الله أحياناً أو مع الله.
طيب فعل الرافضة بأئمتهم الاثني عشر ما هو؟
غلو في الأشخاص، وكما تفعل بعض الجماعات والأحزاب في الغلو في أمرائها، وقادتها.
النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن الغلو فيه هو شخصياً مع أنه نبي الأمة، ومنزلته عند الله ما هي؟ عظيمة، فقال: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبده فقولوا: عبد الله ورسوله [رواه البخاري: 3445].
إذن ما يجوز الواحد يغلو في النبي ﷺ فيعتقد أنه يعلم الغيب، يعتقد أنه يعني يستغاث به في الملمات والمصائب، فينادونه بعد موته يا رسول الله ألحقني يا رسول الله أدركني يا رسول الله أغثني، ونحو ذلك مما يفعله الغلاة بل يطوفون بقبره ويسألونه من دون الله، أو مع الله وهذا شرك أكبر.
الغلو الأخطر طبعاً هو الغلو في الاعتقاد: الغلو في المنهج، هذا النوع من الغلو الغلو الكفري ظهر أيام الصحابة كما فعلته السبئية في علي ، فإنهم غلو بعلي حتى عبدوه من دون الله، حتى لما دخل فسجدوا له، فأمر بتحريقهم، فقالوا: ما ازددنا فيك إلا يقين لا يعذب بالنار إلا رب النار.
خلاص يعني المسألة طبعاً، هذا الغلو بعلي الآن ماشي في التاريخ، ولو في الحسين في الحسن والحسين، طبعاً أكثر الغلو في آل البيت.
الخوارج أهل البيت يعني انحرافهم جاء من باب الغلو، وهم أول الفرق خطراً، أول الفرق خروجاً، وخطورتهم شديدة جداً، ولذلك نجد أنه لم يأت في السنة النبوية تحذير من أحد الفرق الثلاثة وسبعين بعينها إلا الخوارج، فهم الفرقة الوحيدة التي وردت نصوص شديدة منها، وأنهم كلاب النار، ونحو ذلك؛ لخفاء أمرهم، والتباس شأنهم، وخطرهم على الأمة؛ لأن ظاهرهم الصلاح، فهم عباد ومقاتلون، يعني يضحون بأنفسهم، ويحقر الصحابي صلاته بجانب صلاتهم، وصيامه بجانب صيامهم.
وهذه فتنة للمسلمين؛ لأن هؤلاء الناظر إليهم سيقول: سادة سادة، وقد حصل الافتتان بآراء الخوارج على مر التاريخ جزئياً أو كلياً، والخوارج اتخذوا مبدأ التبرؤ ممن أخطأ ولو كان مجتهداً بل كفروه، واتخذوا ذلك مبدأ عاماً مع أئمة المسلمين وعامتهم.
أثر الخوارج على الدين
وكان للخوارج أثر خطير جداً على المستوى العقدي والفكري والمنهجي، بالذات عند من قل علمه وفقهه للنصوص الشرعية، وتكمن خطورة الخوارج أن لهم استدلالات بنصوص صحيحة لكنهم حرفوها، وجعلوها في غير ما أمر الله منها، وشبهاتهم قوية.
وقد ذكر الحافظ بن حجر رحمه الله في فتح الباري قال: "أن قتال الخوارج أولى من قتال المشركين -طبعاً في جهاد الطلب- والحكمة فيه أن في قتالهم حفظ رأس مال الإسلام، وفي قتال أهل الشرك طلب للربح، وحفظ رأس المال أولى". [فتح الباري: 12/301].
معناها: لو تركنا الخوارج يسرحون ويمرحون ولم نقاتلهم، سيفسدون في رأس المال يعني سيفسدون في المسلمين، ولو تركنا قتال الكفار طبعاً المقصود به جهاد إيش الطلب، لو تركنا جهاد الطلب انشغالاً بقتال الخوارج لو قتال المشركين أو الوثنيين انشغالاً بقتال الخوارج هذا موقف شرعي صحيح لماذا؟
لأنك لو تركت الخوارج لأنه لو ترك الخوارج، سيفسدون في الداخل سيفسدون وسط المسلمين.
وأما قضية قتال المشركين قتال الطلب، فإن الأمة يفوتها ربح التوسع في بلد جديد، انضمام شعب جديد إلى الإسلام ربح، وحفظ رأس المال مقدم على الربح هذا في جهاد إيش الطلب؟
قال شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان أول من فارق جماعة المسلمين من أهل البدع الخوارج المارقون. وقد صح الحديث في الخوارج عن النبي ﷺ -يقول شيخ الإسلام- من عشرة أوجه خرجها مسلم في صحيحه؛ وخرج البخاري منها غير وجه.
وقد قاتلهم أصحاب النبي ﷺ مع أمير المؤمنين علي فلم يختلفوا في قتالهم". [مجموع الفتاوى: 3/349].
يعني الصحابة كانت عندهم القضية واضحة جداً، ولم يحجم أحد عن قتالهم، ويقول: هذه فتنة، أو هذه مثلاً يعني التباس؛ لأنهم لما ظهروا كان ظهورهم واضحاً، عرفهم الصحابة بصفاتهم وعلاماتهم، وعملوا بأمر النبي ﷺ: قاتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم [رواه البخاري: 6930، ومسلم: 1066]؛ لأن شأنهم وضح خلص.
ومذهب الخوارج ليس مجرد آراء وأفكار، يعني مثل أهل الفلسفة والكلام، لا لا هذا يتعدى إلى ممارسات تطبيقية واقعية؛ لأنهم يحملون السيف على المسلمين يسفكون الدماء يفسدون في الأرض وهكذا.
ولا يشترط يعني لا يسم الخوارج أنفسهم خوارج، بل إنهم حتى في عهد الصحابة كانوا يسمون أنفسهم الشراة من أين أخذوا هذا الاسم: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ [التوبة: 111]. فقالوا: نحن الشراة نحن اشترينا وبعنا مع الله.
فإذن طبيعي أن الخوارج لا يرضون أن يقال عنهم: خوارج، ويرفضون هذه التسمية، ويقولون: نحن لسنا خوارج وإن كانوا خوارج حقاً، بل يسمون أنفسهم بأسماء ممكن تكون ظاهرها شرعية كما سمى خوارج عهد الصحابة أنفسهم الشراة، جمع شار مثل قاض قضاة قاض.
وإذا كان هؤلاء الخوارج ينظرون، يعني في عهد الصحابة ينظرون لأنفسهم هذه النظرة غير مكترثين ولا عابئين بالصحابة أنفسهم، فكيف ستكون القضية فيمن بعدهم؟ إذا تركوا استفتاء الصحابة، فكيف سيكون موقفهم في العلماء بعد الصحابة؟
إذا تركوا طاعة الصحابة فكيف سيكون موقفهم من العلماء بعد الصحابة؟ هل يتوقع أن يعترفوا بهؤلاء العلماء؟
نشأة الخوارج
أبداً، أول بذرة لظهور الخوارج في عهد النبي ﷺ، فقد وجد في عهده ﷺ من هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مبيناً أول ظهور البدع قال: "وأقربها من زمنه ﷺ".
حسب التسلسل الزمني أول بدعة ظهرت، أول فرقة ظهرت، أول انحراف عن المنهج النبوي ظهر الخوارج. فإن التكلم ببدعتهم -يقول شيخ الإسلام ابن تيمية- ظهر في زمانه، ولكن لم يجتمعوا وتصير لهم قوة إلا في خلافة أمير المؤمنين علي . [مجموع الفتاوى: 28/490].
فإذن أول الظهور في العهد النبوي، ولكن كتكوين جيش، وعمل مسلح لم يكن إلا في عهد علي بعد ذلك.
فعن أبي سعيد الخدري: بينا نحن عند رسول الله ﷺ وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله أعدل، فقال رسول الله ﷺ: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل قد خبت وخسرت إن لم أعدل.
قد خبت وخسرت إن لم أعدل، فقال عمر : يا رسول الله إذن لي فيه أضرب عنقه إذن لي فيه أضرب عنقه؛ لأن هذا الخطاب للنبي ﷺ أعدل فيه اتهام له بالظلم، واتهام له بالظلم هذا ردة يستحق إراقة دمه، فقال رسول الله ﷺ: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية [رواه البخاري: 3610، ومسلم : 1064].
وفي رواية أخرى: "بعث علي بن أبي طالب إلى النبي ﷺ من اليمن بذهبية -يعني قطعة ذهب خام- بذهبة في أدم مقروض، لم تحصل من ترابها.
-والمقروض: المدبوغ بالقرض، ولم تحصل من ترابها، يعني لم تخلص لم يخلص المعدن من ترابه وشوائبه- فقسمها بين أربعة نفر ﷺ لحكمة رآها النبي ﷺ يوحى إليه- بين عيينة بن الحصن، والأقرع بن الحابس، وزيد الخيل، والرابع إما علقمة بن علاثة، وإما عامر بن الطفيل.
بعض هؤلاء يعني الذي حديث في الإسلام، يعني هذا إعطاء تأليف تأليف، إعطاء تأليف، والذي ما هو على أنهم هم في الدين والإيمان في غيرهم أقدم منهم أعطاهم لسبب، فقال رجل مع النبي ﷺ محسوب على الصحابة معه-: كنا -نحن- أحق بهذا من هؤلاء، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال: ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساء.
فقال رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية، محلوق الرأس، مشمر الإزار: يا رسول الله: اتق الله، فقال: ويلك! أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟! ثم ولى الرجل، فقام إليه عمر فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، فقام إليه خالد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: لا، لعله أن يكون يصلي، قال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إني لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم.
ثم نظر النبي ﷺ إلى ذلك الرجل وهو مقف -خلاص ولى ظهره وذهب- فقال: إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود [رواه البخاري: 4094، ومسلم: 1064].
طبعاً كلمة أعدل هذا نقد وانتقاد مباشر للنبي ﷺ، واعتداء مباشر على النبي ﷺ، والصحابة كان يقتتلون على وضوئه يتبركون بوضوئه، وهذا جاي الآن يقول: اعدل اتق الله.
وطبعاً في روايات يقول: "والله هذه قسمة ما أريد بها وجه الله"، يعني إذا أتهم النبي عليه الصلاة والسلام أنه قسم قسمة ما أريد بها وجه الله، يعني أتهمه باتباع الهوى، واتهمه.
قال ابن الجوزي رحمه الله: أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة.
وقال في تلبيس إبليس: "فهذا أول خارجي خرج في الإسلام، وآفته أنه رضي برأي. [تلبيس إبليس، ص: 82]، وقال ما هذا يعطي هؤلاء عوينة وهذا وهؤلاء متى أسلموا؟ وهؤلاء متى؟
وهؤلاء أقدم رضي برأي، بهوى نفسه، ولو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله ﷺ.
طيب قلنا أن هذه البداية، ولكن التكوين العسكري للخوارج كقوة متحركة لم يكن إلا في عهد علي .
قصة الخوارج مع على بن أبي طالب
يقول ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: "لما بعث علي أبا موسى، ومن معه من الجيش إلى دومة الجندل أشتد أمر الخوارج، وبالغوا في النكير على علي، وصرحوا بكفره". [البداية والنهاية: 7/315].
فإذن لما صار الخلاف بين الصحابة، ومعروف طبعاً الذين كانوا مع علي ﷺ في العراق، والذين كانوا مع معاوية في الشام، ثم أتفق الصحابة على التحكيم، وكل واحد يرسل من عنده مندوباً، وأرسل علي ﷺ أبا موسى ماذا فعل الخوارج؟
مباشرة كفروا علي، لماذا يرضى بالصلح وما هذا التحكيم؟
فجاء إليه رجلان منهم، وهم زرعة بن برج الطائي، وحرقوص بن زهير السعدي، فقال لعلي ﷺ: لا حكم إلا لله، فقال علي: لا حكم إلا لله صحيح. فقال له حرقوص: تب إلى الله من خطيئتك تب إلى الله من خطيئتك، وارجع عن قضيتك اذهب بنا إلى عدونا حتى نقاتلهم حتى نلقى ربنا.
يا الله سر إلى أهل الشام، فقال علي ﷺ: قد كتبنا بيننا وبين القوم كتاباً وعهوداً، وأنا أصلاً أردت منكم أشياء وأنتم خالفتموني، والآن خلاص كتبنا بيننا وبين القوم عهوداً، وقد قال الله تعالى يعني علي ﷺ أتى لهم بالدليل على فعله: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ [النحل: 91].
فقال له حرقوص: ذلك ذنب ينبغي أن تتوب منه، ما في فائدة يعني حتى مع أن علي أعطاه الدليل ، فقال علي : ما هو بذنب، ولكنه عجز من الرأي، فقال له زرعة بن البرج: أما والله يا علي لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله لأقاتلنك أطلب بذلك وجه الله ورضوانه.
فقال له علي : تباً لك ما أشقاك، كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح، فقال: وددت أنه قد كان ذلك. يعجبني ماذا تقول؟ ما عندي مانع. فقال علي : إنك لو كنت محقاً كان في الموت تعزية من الدنيا، ولكن الشيطان قد استهواكم، فخرجا من عنده يحكمان أمرهما، وفشا فيهم ذلك، وجاهروا به الناس، وتعرضوا لعلي في خطبه، واسمعوه السب، والشتم، والتعريض بآيات من القرآن.
يقول ابن كثير: "وذلك أن علياً قام خطيباً في بعض الجمع، فذكر أمر الخوارج فذمه وعابه، فقام إليه جماعة منهم".
حتى لا احترام لا لأمير المؤمنين، ولا للخطبة، ولا لحديث أنصت كل واحد منهم يقول: لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله، وقام رجل منهم، وهو واضع أصبعه في أذنيه، يعني لا يريد أن يسمع أصلاً ويقول: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ [الزمر: 65].
هو شوف يجيبوا آيات الكفار والمشركين ينزلوها على من على الصحابة طبعاً وعلى المسلمين.
فجعل علي يقلب يديه هكذا وهكذا على المنبر ويقول: حكم الله ننتظر فيكم، -ننتظر ماذا يقضي الله في أمركم ننتظر قدر الله فيكم-.
ثم قال: إن لكم علينا أن لا نمنعكم مساجدنا ما لم تخرجوا علينا -يعني بالسيف- ولا نمنعكم نصيبكم من هذا الفيء ما دامت أيديكم مع أيدينا -يعني في قتال الكفار والمشركين ما نمنعكم نصيبكم من الغنيمة- ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا". [البداية والنهاية: 7/315-361].
طبعاً هذا من فقه علي وعلي والنبي ﷺ بين أنه أقضاهم أقضى الصحابة، يعني حتى علمه بالقضاء قدرته على القضاء، فكان إماماً للمؤمنين خليفة للمسلمين، إماماً قاضياً عالماً فقيهاً الله ابتلاه، الله ابتلاء علي بهؤلاء الخوارج؛ لأنه ما ظهروا إلا في عهده إلا أن الآن لما اتفق علي مع أهل الشام على التحكيم كل واحد وانتهينا يعني على قضية الصلح.
الخوارج لا يقبلون بالصلح طيب نرشح نجيب عالم من عندنا وعالم من عندكم يعني أبعث عالماً من عندك أبا موسى عالم، وأبعث معاوية من عنده خلاص يتناقشان وصلح، وتنتهي القضية، وتحقن الدماء لا ما في صلح.
فالتمرد على التمرد على أهل العلم في الصلح هذا متى؟
في الأجداد الأولين هذا في الأساس هذا من الأساس.
وعن عبد الملك بن أبي حرة، أن علي لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة، يعني التي تم الاتفاق عليها، اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي.
هم يقولون: لا حكم إلا لله، طيب إيش حكم الله؟ في أحكام لله والصلح خير: أَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ [الحجرات: 10].
الله ندب قال في كتابه: لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ [النساء: 114].
فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: 35].
هذا حكم هذا حكم يعني هم لو أرادوا حكم الله هو يقول لهم: إذا كان في زوج وزجه قال: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: 35]. هذا حكم الله كيف إذا صار بين طائفتين بين المسلمين دعواهما واحدة كلهم على التوحيد أليس بعث الحكمين والصلح أولى؟ فكيف يتم الصلح؟
المثال: فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقْ اللَّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: 35]. علي بعث من عنده عالماً، ومعاوية بعث من عنده عالم، لا الصلح مرفوض.
إذن هذا واضح من المنهج، واتهام علي بماذا؟ أنه ما يحكم بما أنزل الله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة: 44].وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ [المائدة: 47]. وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ [المائدة: 45].
طيب أنا أحكم بما أنزل الله أنا أحكم بما أنزل، أنا اتفقت معهم أن يبعثوا حكم ونبعث حكم ويجتمع الحكمان ويقررا وكما أمر الله، والصلح خير وأصلحوا بينهما، وباسم القرآن يقول الخوارج: لا. هذا حكم بما أنزل الله. يا أخي هذا ما أنزل الله، لا.
وعن عبد الملك بن أبي حرة، أن علياً لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي، فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في هذه الدنيا. من الذي خطب؟
هو الراسبي نفسه؛ لأن الرسول ﷺ أخبر أنهم عباد، ما هم فسقة زناة شراب خمور، لا..
فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في هذه الدنيا، ورغبهم في الآخرة والجنة، وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم قال: فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها.
الحين يقول عن علي والمسلمين الذين معه هؤلاء ظلمة إلى جانب هذا السواد إلى بعض كور الجبال، أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه الأحكام الجائرة.
ثم قام حرقوص ابن زهير، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: "إن المتاع بهذا الدنيا قليل، وإن الفراق لها وشيك، فلا تدعونكم زينتها وبهجتها إلى المقام بها، ولا تفتننكم عن طلب الحق وإنكار الظلم، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون. الكلام إسلامي.
فقال سنان بن حمزة الأسدي هذا خارجي ثالث: يا قوم إن الرأي ما رأيتم، وإن الحق ما ذكرتم، فولوا الأمر رجل منكم فإنه لابد لكم من عنان وسنان.
الآن يعني وضع التنظير الذي هو تكفير علي والمسلمين الذين معه، وأنهم ظلمة، وأنه الآن القرار العملي المفارقة، ولازم نطلع من القرية الظالم أهلها هذه، ونعتزلهم. طيب غير كذه؟
نبدأ بهذا نطلع في أمير ما تصير حركتنا فوضوية لابد أن ننظمها- فولوا أمركم رجلاً منكم فإنه لابد لكم من عنان وسناد، ومن راية تحفون بها وترجعون إليها.
-الراية تحفون بها وترجعون إليها-، فبعثوا إلى زيد بن حسين الطائي، وكان من رؤوسهم فعرضوا عليه الإمارة فأبى، ثم عرضوها على حرقوص بن زهير فأبى، ثم عرضوها على حمزة بن سنان فأبى، -فهم عندهم ورعة في قضية أيضاً نسق عندنا، لكن في مصيبة في الجوانب الأخرى-.
ثم عرضوها على شريح بن أوف العبسي فأبى، ثم عرضوها على عبد الله بن وهب الراسبي فقبلها وقال: أما والله لا أقبلها رغبة في الدنيا، ولا أدعها فرقاً من الموت.
واجتمعوا أيضاً في بيت زيد بن حسين الطائي السنبسي، فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتلا عليهم آيات من القرآن منها قول الله: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ [ص: 26].
هذه كلها اتهامات في علي أن الله جعلك خليفة وأنت تتبع الهوى، وقوله: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]. والتي بعدها وبعدها الظالمون الفاسقون.
ثم قال: فأشهدوا على أهل دعوتنا من أهل قبلتنا أنهم قد اتبعوا الهوى، ونبذوا حكم الكتاب، وجاروا بالحكم والأعمال، وأن جهادهم حق على المؤمنين.
جهاد علي والصحابة صار حقاً على المؤمنين، قال: فبكى رجل منهم يقال له: عبد الله بن شجر السلمي -المسألة يعني متأثرين وبكى وهذا ليس تمثيلية هذا بكى حقيقي- ثم حرض أولئك على الخروج على الناس.
الآن القضية فيها أن القضية نقاتل ما دام هؤلاء، طبعاً بين قوسين المسلمون، وعلي ومن معه صحابة وأبناء صحابة ما دام أنهم كفروا بهذا التحكيم فوجب قتالهم، فإذن خلاص نسوي جيش، ونحط أمير، ونبدأ بالقتال، واجتماع وبكى وآيات وخطب ومؤثرة.
ثم حرض أولئك على الخروج على الناس يعني على المسلمين، وقال في كلامه: "اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم وأطيع الله كما أردتم آتاكم الله ثواب المطيعين له العاملين بأمره، وإن قتلتم فأي شيء أفضل من الصبر والمصير إلى الله وجنته ورضوانه".
يقول ابن كثير معلقاً: "وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، -يعني لو كافر مشرك زنديق ملحد رافضي باطني خلاص معروف يعني-.
قال ابن كثير: "وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم، فسبحان من نوع خلقه كما أراد، وما أحسن ما قاله بعض السلف في الخوارج: إنهم المذكرون في قوله تعالى: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً [الكهف:103-105]".
يقول ابن كثير: "والمقصود أن هؤلاء الجهال الضلال والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين، وتواطئوا على المسير إلى المدائن ليملكوها، ويتحصنوا بها، -يعني خلاص يسووها قاعدة لهم في الانطلاق، ثم يبعثوا إلى إخوانهم وأضرابهم ممن هو على ما هم عليه من أهل البصرة وغيرها، فيوافوهم إليها، ويكون اجتماعهم عليها.
فقال لهم زيد بن حسين الطائي واحد من رؤوسهم: إن المدائن لا تقدرون عليها ما تستطيعون أن تستولوا عليها، فإن بها جيشاً يعني من الصحابة والمسلمين لا تطيقونه، وسيمنعوها عنكم، ولكن واعدوا إخوانكم إلى جسر نهر جوخا ولا تخرجوا من الكوفة جماعات، ولكن اخرجوا وحداناً لئلا يشعروا بكم.
فكتبوا كتاباً عاماً إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرى وغيرها، وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يداً واحدة على الناس.
ثم خرجوا يقول ابن كثير: "يتسللون وحداناً لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج، فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأعمام والعمات، وفارقوا سائر القرابات يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسماوات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر والذنوب الموبقات والعظائم والخطيئات، وإنه مما يزين له إبليس وأنفسهم التي هي بالسوء أمارات". [البداية والنهاية: 7/317]
وقد تدارك جماعة منهم بعض أولادهم وقراباتهم. يقول ابن كثير في البداية والنهاية: "وقد تدارك جماعة منهم بعض أولادهم وقراباتهم وإخوانهم فردوهم ووبخوهم.
أنه كيف تخرج على المسلمين؟ إيش هذا الاجتماع الذي تجتمعون به لتخرجوا على المسلمين وتسفكوا دماء المسلمين؟
فمنهم من استمر على الاستقامة، ومنهم من فر بعد ذلك، فلحق بالخوارج فخسر إلى يوم القيامة، وذهب الباقون إلى ذلك الموضع ووافى إليهم من كاتبوه من أهل البصر وغيرهم.
خلاص الاجتماع تم الذي ما أراد الله له الهداية راح واجتمع الجميع بالنهروان، وصارت لهم شوكة ومنعه وهم جند مستقلون وفيهم شجاعة وثبات وصبر.
شوف عدل ابن كثير ما فوت أن يقول: أن يصفهم بصفات إيجابية قال: وفيهم شجاعة وثبات وصبر.
وعندهم يقول: هم عند أنفسهم يعني- أنهم متقربون بذلك إلى الله. يعني هذا الخارجي هو ما هو بينه وبين نفسه ما يقول: والله أنا عاصي بس أبغى ... لا لا هو عنده نفسين هو متقرب إلى الله يعني، الآن شغل وهذا جهاد مع أنه قتال لعلي لصحابة-.
قال: وعندهم أنهم متقربون بذلك إلى الله فهم قوم لا يصطلى لهم بنار، ولا يطمع في أن يؤخذ منهم بثأر والله المستعان".
طبعاً الآن خلاص خرجوا، فقام علي في الناس خطيباً في الناس خطيباً فحثهم على الجهاد والصبر عند اللقاء، فبينما هو عازم على غزو أهل الشام إذ بلغه أن الخوارج قد عاثوا في الأرض فسادا وسفكوا الدماء، وقطعوا السبيل، واستحلوا المحارم.
قتل الخوارج لعبد الله بن خباب
وكان من جملة من قتلوه الخوارج عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ﷺ أسروه وامرأته معه وهي حامل، فقالوا له: من أنت؟ من أنت؟
قال: أنا عبد الله بن خباب صاحب رسول الله ﷺ وأنتم قد روعتموني، قالوا: لا بأس عليك حدثنا ما سمعنا من أبيك أبوك خباب هاتنا حديث، فهو من باب النصيحة اختار لهم حديثاً لكن ماذا كانت النتيجة؟
فقال: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله ﷺ يقول: ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي [رواه البخاري:6670].
فقادوه بيده خلاص أسروه أسيراً صار عندهم أسيراً فبينما هو يسير معهم إذ لقي بعضهم خنزيراً لبعض أهل الذمة فضربه بعضهم بسيفه فشق جلده جلد الخنزير.
فقال له آخر من الخوارج لما فعلت هذا وهو لذمي، -يعني هؤلاء أوصانا بهم النبي عليه الصلاة والسلام ما يجوز نعتدي عليهم أهل الذمة أهل العهد كيف؟-
فذهب إلى ذلك الذمي فاستحله وأرضاه، وبينما هو معه -عبد الله بن الخباب- إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه، فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن. -كذا بس تأخذ تمرة وين صاحبها؟ ممن سقطت؟ من أي شجرة؟ من هو صاحب الفستان؟ مش فوضى-.
بغير إذن ولا ثمن، فألقاها ذاك من فمه -يعني ورعاً- ثم قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه –هذا أول إجراء-.
وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى ألا تتقون الله ؟ فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها –لوحشية وحشية خذ يعني هذا-.
فلما بلغ الناس -يعني بلغ المسلمين علي ومن معه- هذا من صنيعهم خافوا إن هم ذهبوا إلى الشام واشتغلوا أن يخلفهم هؤلاء في ذراريهم وديارهم، ويفعلوا هذا الصنيع فخافوا غائلتهم، وأشاروا على علي بأن يبدأ بهم.
-قالوا: نحن ما يمكن أن نذهب إلى هناك ثم إذا فرغ منهم خلاص ساروا معه- والناس آمنون من شرهم، فاجتمع الرأي على هذا، وفيهم خيرة عظيمة.
قال ابن كثير: وفيه خيرة عظيمة لهم ولأهل الشام أيضاً إذ لو قووا هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً، ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة، ولا رجلاً ولا امرأة؛ لأن الناس عندهم قد فسدوا فساداً لا يصلحهم إلا القتل جملة.
هم عندهم ما في حل خلاص كلهم كفروا كلهم كفروا. طيب يصلون يصومون كلكم كله كفر طيب والحل نقتلهم.
ثم ذكر ابن كثير اجتماع جيش علي لقتال الخوارج، وأنه قبل القتال أرسل إليهم أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم لنقتلهم بهم –يعني قصاص، احنا الآن ما نقاتلكم كلكم أنتم عندكم مجرمون في جيشكم هاتوا هؤلاء-.
ثم إنا تاركوكم وذاهبون، يعني حتى ما يعني خلاص بس القصاص، ثم لعل الله يقبل بقلوبكم ويردكم إلى خير ما أنتم عليه. إيش بعثوا إليه؟ تحديث يقولون: كلنا قتل إخوانكم.
من الذي قتل؟ كلنا قتلنا ونحن مستحلون دماءهم ودماءكم.
-يعني لو نستطيع أن نزيد راح نزيد يعني- فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم فيما ارتكبوه من الأمر العظيم، والخطب الجسيم، فلم ينفع ذلك فيهم.
وكذلك فعل أبو أيوب الأنصاري –شوف هذه محاولات اللحظة الأخيرة يعني-أنبهم ووبخهم فلم ينجع، وتقدم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إليهم فوعظهم وخوفهم وحذرهم وأنذرهم وتهددهم وتوعدهم فلم يكن لهم جواب إلا أن تبادروا فيما بينهم ألا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيأوا للقاء الرب ، الرواح الرواح إلى الجنة".
هذا كلام ابن كثير هذا هو:" وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال، و
-
محمود الأحدب
هلا اضفتم النسخة المفرغة رجاءً