إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد:
مقدمة
فأحمد الله الذي برأ الخليقة، وأشهد أهل العلم على خير حقيقة، فقال : شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ[آل عمران: 18].
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد سيد الأنبياء والمرسلين، القائل: من يرد الله به خيراً يفقه في الدين[رواه البخاري: 71، ومسلم: 1037] صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
هو صاحب السنة الذي قال: من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة[رواه مسلم: 2699].
وبعد:
أيها الإخوة: فإن أشرف ما صرفت فيه الأوقات طلب العلم، ذلك أن العلم الشرعي يدل على الله ، ويقود إلى معرفته وخشيته، والعلم بشريعته، ولأجل ذلك كان أفضل الناس بعد الأنبياء هم: العلماء، وهم ورثة الأنبياء.
والعلم مراتب، وطلاب العلم لهم من هذا الشرف نصيب ولا شك، ولأجل هذا فإن الحث على طلب العلم أمر مهم.
وهذا العلم -أيها الإخوة- كبير، وبحر غزير، ومن أجل ذلك كان لابد من معرفة القواعد التي تيسر لطالب العلم الطلب وتهديه إلى الطريقة الصحيحة والمنهج السوي؛ إذا إن الكثيرين يتحمسون لطلب العلم، ولكنهم قد لا يعرفون المنهج الصحيح في طلبه، وقد سبق أن تكلمنا في محاضرة بعنوان: "كيف نتحمس لطلب العلم" عن مسألة الدوافع والحماس والحوافز، ووعدنا بأن نتكلم في محاضرة أخرى عن: المنهجية في طلب العلم، وها هي ذي هذه المحاضرة بعنوان: "طالب العلم والمنهج".
أسأل الله -تعالى- أن يهدينا سواء السبيل، وأن يجعلنا وإياكم على السنة هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، وليس كل مريد للحق يصيبه، فكم من أناس أرادوا الحق فلم يصيبوه.
والكلام في مسألة المنهجية لا تصلح لمثلي؛ لأن الذي يريد أن يتكلم في المنهج لابد أن يكون من أهل العلم الراسخين فيه، ولكني استعنت بالله ، ولجأت إلى كتب أهل العلم لأنقل منها كثيراً من القواعد التي تحدد المنهج في الطلب، فرجعت في هذه المحاضرة إلى كلام العلماء المتقدمين مثل كلام الإمام أحمد -رحمه الله-، وابن رجب، والذهبي، وابن مفلح، وابن القيم، وابن الجوزي، وغيرهم من أصحاب الكتب المصنفة في هذا الموضوع مثل الخطيب البغدادي -رحمه الله-، ولجأت إلى بعض أهل العلم من الموجودين الآن الشيخ عبد العزيز بن باز وغيره من العلماء وطلاب العلم الكبار لأجل استخراج الضوابط والقواعد في هذا المنهج.
فما أصبت فمن الله وما أخطأت فمن نفسي والشيطان.
وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل العروة الوثقى، المتمسكين بالسنة، والحريصين على طلب العلم.
رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8].
قواعد في المنهجية طلب العلم
أما المنهج في طلب العلم فإن له شُعب كثيرة وقواعد متعددة، فمن هذه الأمور:
العلم الذي ينبغي تعلمه
أولاً: معرفة ما هو العلم الذي ينبغي طلبه، قال ابن رجب -رحمه الله- في تعريف العلم الذي يطلب في شرح حديث: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم [رواه البخاري: 7288، ومسلم: 1337] قال: "فالذي يتعين على المسلم الاعتناء به والاهتمام: أن يبحث عما جاء عن الله ورسوله ﷺ، ثم يجتهد في فهم ذلك، والوقوف على معانيه، ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العلمية"؛ لأن كثيراً من الآيات والأحاديث تضمنت أموراً علمية اعتقادية وليست أعمال جوارح، "ثم يشتغل بالتصديق بذلك إن كان من الأمور العملية، وإن كان من الأمور العملية بذل وسعه في الاجتهاد في فعل ما يستطيع من الأوامر، واجتناب ما ينهى عنه، وتكون همته مصروفة بالكلية إلى ذلك" [جامع العلوم والحكم: 1/244].
ثم قال رحمه الله -تعالى-: "أما فقهاء أهل الحديث العاملون به فإن معظم همهم البحث عن معاني كتاب الله وما يفسره من السنة الصحيحة، وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنة رسول الله ﷺ، ومعرفة صحيحها وسقيمها، ثم التفقه فيها وتفهمها، والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنة والزهد والرقائق، وغير ذلك، هذا هو طريق الإمام أحمد ومن وافقه من علماء الحديث الربانيين، وفي معرفة هذا شُغل شاغل عن التشاغل بما أُحدث من الرأي مما لا ينتفع به [جامع العلوم والحكم: 1/249].
العلم قال الله قال رسوله | قال الصحابة ليس خلف فيه |
ما العلم نصبك للخلاف سفاهة | بين النصوص وبين رأي سفيه |
كلا ولا نصب الخلاف جهالة | بين الرسول وبين رأي فقيه |
[إعلام الموقعين: 1/63].
واعلموا -رحمكم الله-: أن من العلم ما يكون من صلب العلم، ومنه ما يكون من ملح العلم وأطرافه، ومنه ما ليس بعلم أصلاً، فالذي شرحناه قبل قليل هو صلب العلم من كلام ابن رجب -رحمه الله-.
وأما ملح العلم فسيأتي أشياء منه، ولكنها في العموم ليس هي الأشياء الأساسية وإنما هي أطراف وفوائد ونكت، فهذا تكون في الدرجة الثانية، ومنه ما ليس بعلم أصلاً كالسعي لمعرفة أحكام العبادات التي لم يخبر الشرع عن الحكمة فيها مثل أن يقول الإنسان: أريد أن أبحث لماذا عدد ركعات صلاة الظهر أربعا؟ لماذا عدد ركعات صلاة المغرب ثلاث؟ لماذا عدد ركعات صلاة الفجر ثنتين؟ ما هي الحكمة؟ أو لماذا اختص الصيام بالنهار دون الليل؟ لماذا اختص الحج بالرمي والوقوف بـعرفة ومزدلفة؟ وهكذا ما هي الحكمة؟
وقد يزعم بعض الناس حكماً لا تكون من مقاصد الشارع أصلاً، وقال الشاطبي -رحمه الله- مضيفاً في هذا التقسيم في الأشياء التي ليست من العلم أو أن الانشغال ببعض الملح يصيرها أشياء غير نافعة، بمعنى أنها تفوت على الإنسان خيراً كثيراً الانشغال ببعض الملح يفوت على الإنسان أحيانًا أشياء من الصلب أشياء من الأساسيات، فمما ضربه الشاطبي -رحمه الله تعالى- من الأمثلة أو جمع طرق للحديث التي لا داعي لها، فحديث متواتر يأتي فيجمع طرقه لأي شيء، وقد بين العلماء أنه متواتر وذكروا طرقه؛ كما قال حمزة الكناني: خرَّجتُ حديثاً واحداً عن النبي ﷺ من نحو من مائتي طريق فداخلني في ذلك الفرح فنمت فرأيت في النوم يحيى بن معين فسألته عن هذا، ففكر ساعة ثم أجابني: أظن أنه يدخل تحت قول الله -تعالى-: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ[التكاثر: 1] [جامع بيان العلم: 2/1035، وانظر: الموافقات، للشاطبي: 1/114].
وهذه رؤيا نحن لا نعتمد على الرؤى في العلم الرؤى ليست علمًا ولا يجوز الحكم على الأشياء من خلال الرؤى والمنامات، لكن المنام إذا وافق الكتاب والسنة يستأنس به.
فمن الأشياء التي ليست بعلم أصلاً ما يراه الإنسان في الرؤى والمنامات، ولذلك الصوفية من ضلالهم أنهم يعتمدون على الرؤى والمنامات في إثبات العلم، يقولون: هذا علم أصيل رأيت في المنام، حدثني قلبي عن ربي، وهكذا..
كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف المذموم
ومن المنهج في طلب العلم: أن كل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا عنه، فالعلم منه ما هو ضروري ومنه ما هو حاجي ومنه ما هو تحسيني، ومنه ما ليس بعلم أصلاً -كما ذكرنا-، ولذلك القرآن لما سألوا: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ما هو سؤالهم؟ قالوا: لماذا يكون الهلال في أول الشهر خيطاً رفيعاً ثم يمتلئ فيصير بدراً في منتصف الشهر، ثم يعود إلى حالته الأولى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ[البقرة: 189] الله صرفهم الله عن هذا الشيء الذي لا ينبني عليه عمل إلى الشيء الذي ينبني عليه عمل، فقال لهم: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ[البقرة: 189] فأعرض عما لا يفيد عملاً للمكلف إلى شيء يفيد عملاً، فقال: هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ.
لما سأل أعرابي النبي ﷺ فقال: متى الساعة؟ هذا لا يفيد، والله اختص بمعرفته، فبماذا أجاب عليه الصلاة والسلام؟ ما أعددت لها [رواه البخاري: 6171، ومسلم: 2639] ماذا أعددت للساعة.
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي[الإسراء: 85].
ولما جاء صبيغ بن عسل يسأل في مجالس العامة ويثير: ما هي المرسلات؟ ما هي السابحات؟ يشوش على العامة، أمسك به عمر فضربه حتى أدماه ثم نفاه، حتى تاب.
فكل مسألة لا ينبني عليها عمل ولا ينبني عليها عقيدة فتركها واجب: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه[رواه الترمذي: 2317، وابن ماجه: 3976، وأحمد: 1737، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 2881].
مثل الاشتغال بمعرفة الحروف المقطعة، ولذلك قال الشاطبي -رحمه الله-: "كل علم لا يفيد عملاً" سواء كان عمل قلب أو عمل جوارح "فليس في الشرع ما يدل على استحسانه" [الموافقات: 1/73].
ترك الغرائب والشواذ
ومن القواعد في المنهج أيضاً: ترك الغرائب والشواذ، قال الأثرم: سأل رجل أبا عبد الله-الإمام أحمد- عن حديث فقال أبو عبد الله: الله المستعان تركوا العلم وأقبلوا على الغرائب ما أقل الفقه فيهم.
وقال الحسن بن محمد: سمعت أحمد بن حنبل سُئل عن أحاديث غرائب؟ فقال: شيء غريب أي شيء يرجى به؟ قال يطلب الرجل ما يزيد في أمر دينه، ما ينفعه هذا الذي يطلبه.
وقال: شر الحديث الغرائب التي لا يعمل بها، ولا يعتمد عليها.
وقال النخعي: كانوا يكرهون غريب الحديث.
وقال علي بن الحسين: "العلم ما تواطأت عليه الألسن" [الآداب الشرعية، لابن مفلح: 2/122] ما اشتهر بين العلماء، هذا العلم أما تأتي بالغرائب والشواذ فهذا خطأ في منهج طلب العلم.
ولذلك بعض الشباب إذا أقبلوا على القراءة أحياناً فقرأوا مثلاً في كتاب صحيح الجامع يجعلون قراءتهم فيه، ويقولون: نطلب العلم فقد يمر بحديث منسوخ أو حديث متنه في نظر، أو حديث خالف قواعد وأصول أخرى فيعتمدونه، ولذلك يحصل عندهم من الأخطاء شيء كثير، ثم يجادلون به أهل العلم، فيضيعون الأوقات من أعمارهم وأعمار غيرهم.
المقصود بطالب العلم
وقبل أن نكمل في مسألة الضوابط ومعالم المنهج لابد أن نعرج على مسألة؛ لأن سياق الحديث قد يتغير عند بحث هذه المسألة، وهذه القضية هي: عندما نقول: طالب العلم والمنهج، فمن هو طالب العلم الذي نقصده؟ وهل كل الناس يصلحون أن يكونوا طلبة علم، والحال التي نعيش فيها نحن اليوم، تركيبة المجتمع، هذه الوظائف الموجودة وغير ذلك هل هي تمكن الناس فعلاً أن يكونوا طلبة علم؟
فينبغي أن نعلم أن الناظر في الواقع لابد أن يعرف ويخرج بنتيجة واضحة أن الناس لا يصلح كلهم لطلب العلم ولا جلهم أن يكونوا طلبة علم، فهناك اختلافات في السن والوظيفة والدراسة، منهم من يدرس الطب والهندسة، ومنهم من يدرس الشريعة، وحتى في الذكاء والفطنة يتفاوتون، وفي الرغبة والميول يتفاوتون، وفي التفرغ منهم من يكون عزباً دوامه قصير أو جدوله قليل، ومنهم من يكون صاحب أسرة وأولاد وعمله طويل، وقد يعمل عملاً إضافياً، وقد يعمل بالليل والنهار، وهذه القيود من التفرغ والتخصص والميول والتفاوت في القدرات العقلية لابد أن تلجئنا إلى شيء مهم جداً لابد أن نعترف به عند الخوض في هذه القضية.
من الناس من هو عامل، ومنهم من هو مهندس، ومنهم من هو يشتغل بالدعوة إلى الله، ومنهم من هو منشغل بأمر نفسه.
وحتى البلاد تختلف فمن البلاد من يكون فيها علماء، ومن البلاد ما لا يكون فيها علماء، ومن البلاد من فيها عالم في فن واحد، ومنها ما فيها عالم في عدة فنون، من البلاد ما يكون فيها جامعات شرعية إسلامية، ومن البلدان والقرى ما لا يكون فيها جامعات شرعية، ومن البلاد ما يكون فيها دروس في المساجد، ومن البلاد ما ليس فيها دروس في المساجد، ولذلك لابد أن نقرر -وهذا الكلام مهم جداً- أن هناك فرقاً عظيماً بين المتفرغ لطلب العلم وغير المتفرغ.
المتفرغ لطلب العلم الذي دراسته شرعية عنده أهلية واستعدادات، وبين الإنسان المنشغل الذي يدرس قضية أخرى قد يدرس في الهندسة أو في الطب أو يدرس في علوم خارجة عن الشريعة متنوعة لاشك أن هذا الرجل المنشغل بأشياء أخرى يصعب عليه أن يكون طالب علم.
نحن لا ننفي ولا نقول: لا يمكن للطبيب وللمهندس أن يكون طالب علم، وهذا خطأ، والذين يقولون: أي طبيب أو مهندس يدخل في نقاشات علمية هذا متطفل، هؤلاء أناس مخطئون عندهم غلو في القضية.
نعم، إن غالب المهندسين والأطباء ليسوا طلبة علم ولا يصلحون أن يكونوا طلبة علم بوضعهم الحالي، هذا صحيح ، طلب العلم يحتاج إلى جهد كبير، يحتاج إلى وقت عظيم، ولا يمكن لإنسان يداوم من الساعة السابعة صباحاً إلى الرابعة عصراً أن ينجح في طلب العلم، ويكون طالب علم قوي إلا ندرة من الناس عندهم استعدادات غير طبيعية، وهؤلاء الأشخاص ليسوا موضع البحث الآن، لكن الذي نريد أن نقوله: أن الذي يظن أن هؤلاء العمال والأطباء والمهندسين يمكن أن يكونوا طلبة علم جيدين إنسان مخطئ ومتفائل جدا تفاؤلاً خاطئاً.
والذي يظن أن الأطباء والمهندسين لا يمكن أن يخرج منهم واحد ولا خمسة لا يمكن أن يخرج منهم طلبة علم جيدين فهو مخطئ أيضاً؛ لأن الناس طاقات.
ثم يجب أن نقرر أن الاتجاه لكي يكون الإٍنسان عالماً هذا يكون لندرة من الناس الذين يكونون علماء، من الذي تتوفر عنده الهمة والداعي والحافز والحفظ والتقوى والفطنة والذكاء وسعة البال لكي يحفظ ويُقبل ويُفكر ويستنبط ويرجح في النهاية، من الذي يستطيع أن يصل إلى هذه المرتبة؟ قلة من الناس، لكن هذا لا يمنع من المحاولة لمن وجد في نفسه الأهلية للطلب الجيد.
ثم لا بد أن نقول: أننا لا نريد من جميع المسلمين أن يكونوا طلبة علم أقوياء، أو يكونوا علماء؛ لأننا نحتاج إلى أطباء ونحتاج إلى مهندسين ونحتاج إلى عمال وصناع، ونحتاج إلى خبراء في الجهاد والسلاح.
المسلمون يحتاجون إلى تخصصات كثيرة، فليس المقصود الآن هو دفع المسلمين كلهم لأن يكونوا طلبة علم أو علماء.
وإنما لابد أن نركز على قضية وهي: أن فئات المسلمين مهما اختلفت، أفراد المسلمين مهما اختلفوا لابد أن يكون عندهم حد أدنى، ولابد أن يعرفوا أشياء أساسية عن الإسلام هذا دينهم الذي يدينون الله به، وهذه عباداتهم التي يعبدون الله بها، فلابد أن يكون عندهم علم عن الأساسيات.
وهذا الكلام مهم لبعض الناس الذين يشتتون أنفسهم في التخصصات الشرعية وغير الشرعية فلا يحسنون في هذا ولا في هذا؛ لأن التخصص غير الشرعي يحتاج إلى متابعة، يحتاج إلى تنمية مهارات، يحتاج إلى اطلاع، يحتاج إلى معرفة ما جد فيه من قراءة الدوريات والأبحاث الجديدة مثل أدوية جديدة وطرق جديدة في الصناعة، فهو هل يستطيع أن يجمع بين هذه الأشياء وما استجد فيها وبين العلوم الشرعية التي هي بحر زخار، لاشك أنه لا يستطيع أن يفعل ذلك إلا ندرة من الناس، وهذه قضية واقعية، وهذا الواقع يفرض نفسه، ويجب ألا يغيب عن بالنا.
التفريق بين المتخصص وغير المتخصص
وهناك نقطة أخرى ألا وهي: التفريق بين المتخصص وغير المتخصص، هناك أناس اتجهوا للعلم منذ نعومة أظفارهم ودرسوا في المعاهد العلمية ثم الكليات الشرعية مثلاً، هؤلاء أناس أهليتهم لطلب العلم وتمكنهم أكثر من أناس درسوا في الثانويات العلمية تخصص علمي، ودخلوا جامعة علمية من العلوم الدنيوية، وهكذا.. هؤلاء لاشك أنهم سيكونون أقل استطاعة وأقل قدرة على أن يكونوا طلبة علم أقوياء، ليس في ذلك شك، لا تجادل في هذا، هذه قضية مفروغ منها، لكن لا يمنع ذلك أن يجتهد الجميع في تحصيل ما يمكنهم، إنما الفرق الذي سيظهر في الجدول في المنهج الذي سيسلكه المتفرغ وغير المتفرغ، المتخصص في التخصصات الشرعية الحريص وبين غير المتخصص الذي لا يمكنه، الفرق سيكون في الاتجاه في درجة الطلب في الآلات المستخدمة، سيكون هناك فرق كبير في هذا، ولذلك نحن نقول نضيف أيضاً: أن طلب العلم ليس حكراً على أصحاب التخصصات الشرعية، فليس طلب العلم حكراً على أصحاب كليات الشريعة أو أصول الدين، ونحو ذلك، ليس المجال مقفل على هؤلاء فقط، وإنما هو مفتوح لكل من كان عنده أهلية وطلب العلم بطريقه الصحيح، ومنهجه السوي.
ونريد من وراء هذا الكلام أن نصل إلى أن العلم الشرعي ليس فوضى يتطفل عليه من شاء، فيأتي إنسان فلكي ويدخل في العلم الشرعي، ويرجح بين أقوال المفسرين، وهذا ما وجدناه عند كثيرٍ ممن اشتغلوا بقضية الإعجاز العلمي اشتغالاً فارغاً منحرفاً والله، ما عندهم علم بلغة العرب ولا بأساليب العرب، ولا بقواعد التفسير ولا بكلام العلماء ثم يدخلون في الآيات ويقولون: الراجح فيها كذا، هذا كشف العلم عنه الآن.
فيا ويلهم مما يريدون أن يوقعوا فيه الأمة ويقعوا هم على رؤوسهم.
مجال العلم الشرعي مجال ضخم عميق، هذا دين من عند رب العالمين، لا هو فيزياء ولا كيمياء ولا طب ولا تجارب بشرية، هذا دين، والذي يريد أن يدخل في هذا الدين لابد أن يكون أهلاً للدخول، ولذلك فإن العلم الشرعي ليس فوضى يدخل فيه كل من هب ودب، ويرجح بين الأقوال كل من هب ودب، ويستنبط من النصوص كل من هب ودب، هذه قضية ينبغي أن يؤكد عليها، وأن تعرف، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، وطلب العلم لا يمنع من أن يكون الإنسان عنده مهنة، فقد وجدنا من العلماء من كان بزازاً يبيع أقمشة، أو بائع خضار وبقول، أو يصلح الساعات، هذا وجدناه، ما دام وجد الاستعداد والأهلية لا يمنع أن يكون بائع خضار ويطلب العلم، الاستعداد والأهلية والمنهج الصحيح.
والذي لا يستطيع أن يكون طالب علم قوي لطبيعة عمله أو منطقته أو قدراته وحفظه وفهمه، فهذا الإنسان نقول له: لا يمكن أن تترك الدين وتترك الطلب لكن طلباً يناسب حالك، فمثلاً: يحضر المحاضرات العامة الإسلامية، الدروس التي تناسب مستواه إن وجدت، يقرأ في كتب الثقافة الإسلامية العامة، ويسأل أهل العلم ويحاول معرفة الدليل لكي يعبد الله على بصيرة، ويقلد العالم إذا كان عامياً: مذهب العالم مذهب مفتيه.
ثم إنه إذا جاء يدرس أشياء من الفقه هذا الشخص لن يشتغل بعلوم الآلة، لن يدرس المصطلح، ولا أصول الفقه ولا اللغة دراسة قوية، ولا قواعد التفسير ولا علم البيان والبديع والبلاغة، هذا غير المتخصص الذي لا يكون طالب علم على المنهج، هذا الشخص له وضع خاص ينبغي أن يعرف شأنه وحاله، فهذا مثلاً إذا أراد أن يدرس الفقه لا مانع أن يدرس الفقه ويقرأ في الفقه، لكن كيف يفعل؟ إنه مثلاً يتعلم العبادات؛ لأنه يحتاج إليها لكنه لا يقرأ في أبواب القضاء والبينات ومسائل الطلاق الفرعية والمسائل الفقهية والقواعد الفقهية والبينات والدعاوى والإقرار والشهادة، هذه أبواب ليست له، هذه الأبواب لطلبة العلم المتخصصين والعلماء.
ولذلك كثير من الذين لا يدركون حالهم ويعرفون قدرهم يريدون ركوب السُلم بالمقلوب، أو يريدون تحصيل الأشياء الكبيرة وليس عندهم قدرة فيتردون على رؤوسهم.
هذا الشخص يعرف أشياء عن العبادات من أجل أن يعبد الله، يعرف أشياء عن فقه الصلاة والزكاة والصيام والحج لا مانع أن يتعلم من النحو شيئاً يقوم به لسانه، يرفع الجهل عن نفسه، يتعلم من دين الله ما يستطيع لكن هذا الشخص لا يخطط له أن ينقل العلم إلى غيره بمعنى أن يصبح معلم علم شرعي، يمكن أن ينقل فتوى لآخر يقول: أنا سألت فلاناً من المشايخ وقال لي كذا وأنا أنقل الفتوى إليك أنا مجرد ناقل، لكن أنه يتبوأ حلقة علمية يوماً من الأيام في مسجد من المساجد هذا لا يُتوقع له ذلك، ولا يخطط له لذلك -وكما قلنا- هذا لا يشتغل بعلم الآلة لا يشتغل بالمصطلح والأصول والنحو، ونحو ذلك.
وكما قلنا: نحن لا نطالب الجميع بأن يكونوا طلبة علم حقيقيين؛ لأن الأمة تحتاج إلى طاقات أخرى كثيرة، وطلب العلم الحقيقي لا يحصل إلا للشخص المتفرغ المجد، طلب العلم الحقيقي لا يحصل للناس الذين يعطون للعلم فضول الأوقات، ليس الأطباء والمهندسون والموظفون في مجملهم يمكن أن يسلكوا طريق العلم القوي، ونحن لا نريد أن نخدع هؤلاء ونقول لهم: بإمكانكم أن تكونوا علماء ابدأوا، فهذا من عدم النصيحة، وإنما نحن نقول له: يا أخي هذا وضعك وهذا ظرفك وهذه طاقاتك وقدراتك ينبغي أن تسلك سبيلاً للتعرف فيه على دين الله، وتعرف أكبر ما يمكنك أن تعرفه، تعرف الأشياء التي لابد أن تعرفها من أحكام الصلاة والطهارة والزكاة والصيام والحج إذا أردت أن تحج، والنكاح إذا أردت أن تنكح، والبيع إذا أردت أن تبيع، أن تعرف ذلك.
والناس في نقص من عهد النبي ﷺ إلى الآن، تتناقص البركة في كل شيء ويتناقص الحفظ ويتناقص العمق في الفهم وتتناقص أشياء كثيرة: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم[رواه البخاري: 2651، ومسلم: 2535] فالآن القادرون على أن يكونوا علماء أقوياء هم قلة وندرة من البشر.
وهذا العلم يقبض، ولابد أن نسعى في نشره وتحصيله، ونحن نعرف حقيقة أنفسنا وقدراتنا الذاتية.
نحن نبين لهذا غير المتفرغ نقول: أنت على خير إن شاء الله، أنت تمسك بالدين، وتربي نفسك عليه وأهلك وأولادك، وتدعو إلى الله على بصيرة، وتطلب من العلم ما تستطيع طلبه، وتسأل أهل العلم، وتقلد العالم، وتستفتي، وتسمع الأشرطة، وتقرأ بعض الكتب المبسطة، لا بأس أن تقرأ بعض المتون البسيطة، لكن لا نكلفك بحفظ المتون، تقرأ متوناً بسيطة مع شروحاتها مثلاً، تقرأ بعض كتب التفسير، لا مانع هذا شيء مطلوب منك، وبعض شروحات العقيدة المبسطة، بعض كتب الحديث، يطلع على رياض الصالحين مثلاً، اقرأ في كتب الفتاوى للعلماء، نقول لهذا العامي: اقرأ في الفتاوى، تفهم فتاوى العلماء، فتاوى المشايخ، خذ رسائل أبحاث صغيرة في مسائل متفرقة في صفة الصلاة وفي الأضحية، وفي أنواع الصلوات، بحث في صلاة الاستخارة، لا مانع، حاشية لـكتاب التوحيد مبسطة مثل حاشية الشيخ ابن القاسم مثلاً، المواضع التي تشكل، اقرأ لا مانع، اقرأ في الكتب المبسطة، والأشياء التي تشكل عليك اسأل عنها.
والشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- لما رأى تدني مستوى العلم عند الناس لجأ إلى تبسيط كثير من العلوم، ووضع كتباً جيدة تصلح أن يقرأها العامة.
ونقول لهذا الشخص الطبيب أو المهندس ونحو ذلك غير المتفرغ لطلب العلم: اقرأ أبحاثاً في العقيدة مثل: سلسلة الشيخ عمر الأشقر بعضها يصلح لأن يقرأ فيها على سبيل المثال، خذ أشياء تتعلق بفقه الدعوة، لابد أن تقرأ في السيرة في الأخلاق لكي تتكامل الشخصية، وإذا وجدت دروساً احرص على حضورها إذا كانت الدروس تصلح لك، لكن هذا لو صار هناك درس متخصص في أصول الفقه، لا يصلح أن تحضره، إذا ما كان عنده استعداد أو أهلية يحضر درساً في التفسير نعم، وفي السيرة نعم، درساً مبسطاً في الفقه نعم، يحتاج إليه.
ونقول له: أنت إذا درست الفقه مثلاً لا يحتاج أن تواصل بعد العبادات في المعاملات وتذهب في الجنايات وغيرها والشهادات ونحوها، وأحكام العتق والمدبر، وإحكام ذلك التي لا تحتاج إليها أصلاً.
غير المتفرغ -كما قلنا- لن يتخصص في علوم الآلة لن يتخصص في المصطلح والنحو والأصول وقواعد التفسير لكن يحتاج أن يعرف اصطلاحات العلماء، ما هو الواجب، ما هو المكروه، ما هو المباح ما هو المستحب ما هو المحرم، اصطلاحات العلماء.
ولا يشترط له أن يسير في الفقه على ترتيب منهجي يلتزم به بالضرورة، ولكن إذا احتاج سأل، إذا احتاج أن ينكح سأل وقرأ في أحكام النكاح، وإذا احتاج أن يبيع سأل وقرأ في أحكام البيوع، وهكذا..
ينتهز الإجازات ويأخذ حضه من العزلة إن توفر له الوقت يعكف على سماع أو قراءة؛ لأنه ليس طالب علم متفرغ، لابد أن نقدر المسألة حق قدرها، موظف عنده ثمان ساعات عمل، وعمله لا علاقة له بالأمور الشرعية كله لغة إنجليزية أو أشياء تقنية، تكنولوجيات، أدوية، غالب وجوده يمكن أن يكون مع أناس غير مسلمين، وتخصصه غير شرعي لا يمت للشريعة بصلة.
وهو كذلك يقضي أنفس أوقات اليوم من الساعة السابعة صباحاً حتى الرابعة عصراً في هذا العمل، في أعمال كهربائية، أعمال هندسية، أعمال طبية، عقله يستنفذ وجسده يستنفذ في هذه الأشياء، والعلم ضخم يحتاج إلى تفرغ، يحتاج إلى طاقات رهيبة، ولذلك يصعب أن نقول ولا يمكن وليس من الواقع أن نقول: نريد منك أن تكون طالب علم قوي، أبداً، لكن الذي يريد أن يعد نفسه من البداية لأن يكون طالب علم في المستقبل هب أنه تعذر عليك أن تكون طالب علم قوياً لكن تريد من ولدك أن يكون طالب علم قوياً إذاً لابد من قواعد المنهج في طلب العلم أن تحسن البداية، وحسن البداية يقود إلى حسن النهاية.
البداية في منهج طلب العلم
والبداية في منهج طلب العلم، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "والذي يجب على الإنسان من تعليم القرآن والعلم ما لابد له منه في صلاته وإقامة عينه [الآداب الشرعية: 2/33].
وأقل ما يجب على الرجل المسلم من تعلم القرآن: فاتحة الكتاب، وحفظ القرآن مستحب، وضبط جميع القرآن واجب على الكفاية؛ لأن الأمة لابد أن يوجد فيها أجيال لا بد أن يكون فيها أناس يُعلِّمون الأجيال القرآن قراءة صحيحة.
فإذاً، لو كان عندك ولد صغير ترجو أن يكون له شأن في المستقبل فلابد أن تشرع في تحفيظه القرآن، قال الميموني: سألت أبا عبد الله: أيهما أحب إليك أبدأ ابني بالقرآن أو بالحديث؟ قال: لا، بالقرآن، قلت: أعلمه كله؟ قال: إلا أن يعسر فتعلمه منه" نعم، تعلم القرآن كله لولدك، لكن إذا عسر على الولد علمه منه، ابدأ بالأجزاء الصغيرة، الأجزاء اليسيرة، "ثم قال لي: إذا قرأ أولا تعود القراءة ثم لزمها" [الآداب الشرعية: 2/33]، واستمر معه حفظ القرآن، واستمرت معه قراءة القرآن، فلا تغيب عنه.
وطالب العلم أول ما يشتغل لا شك بحفظ كتاب الله، والذي يبدأ غير هذه البداية فإنه منكوس.
أما ما ورد عن ابن المبارك -رحمه الله- أنه قال: "إن العلم يقدم على نفل القرآن" [الآداب الشرعية: 2/33] فمقصوده أن العلم الذي يتعين على صاحبه أن يعلمه يقدم على حفظ أجزاء من القرآن، وهذا نعم، لو أن واحداً ما حفظ القرآن لكنه لا يعرف ما هي واجبات الصلاة ولا أركان الصلاة، وجاءنا قال: أنا حفظت مثلاً جزء عم هل أشرع في جزء تبارك أو أدرس أحكام الصلاة؟
نقول: ادرس أحكام الصلاة هذا علم يتعين عليك معرفته، يقدم على نفل القرآن، لكن إذا جئت إلى الأصل من الصغر البدء بحفظ القرآن، وهذا هو فعل العلماء، هكذا فعل العلماء، ما تقرأ في سيرة عالم من المشاهير إلا تجد في ترجمته: قرأ القرآن وحفظه وهو ابن ثمان سنين أو عشر سنين أو اثنتي عشر سنة، قرأه على فلان، بدأ بما يشبه المدرسة، حلقة شيخ، أول شيء يحفظه القرآن ويقرئه القرآن قراءة سليمة.
هناك فرق بين القراءة السليمة وبين الحفظ، هو يحفظ لكن مع الحفظ الإنسان لا يستطيع أن يحفظ القرآن كله بسرعة فهو يحفظ ويقرأ قراءة سليمة، فلابد أن طالب العلم أو الولد في صغره يدرس في القرآن أمرين مهمين جداً:
أولاً: يبدأ بحفظ القرآن.
وثانياً: يقرأ القرآن قراءة سليمة، كلمات مضبوطة ضبطاً صحيحاً.
لابد من هذين الأمرين: الشروع في حفظ القرآن، وقراءة القرآن كله على شيخ قراءة سليمة.
وأما الذين يكسرون والذين يخبطون في القرآن وينطقون بالآيات على غير ما أنزل الله فلا شك أن هؤلاء جهلوا جهلاً عظيماً، ثم يريدون بعد ذلك أن ينتقلوا إلى التصحيح والتضعيف في الأحاديث، هذا هراء.
أما بالنسبة لغير المتفرغ في هذه المسألة فإن الأمر كما نقلنا عن الإمام أحمد -رحمه الله- وكما سئل طلب العلم فريضة؟ قال: نعم لأمر دينك وما تحتاج إليه من أن ينبغي أن تعلمه، وقال: يجب عليه أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه ولا يفرط في ذلك.
وقال: الفرض الذي يجب عليه في نفسه لابد له من طلبه، قلت: مثل أي شيء؟ قال: الذي لا يسعه جهله صلاته وصيامه، ونحو ذلك.
وقال في طلب العلم الواجب: ما يقيم به دينه من الصلاة والزكاة، وذكر شرائع الإسلام، فقال: ينبغي أن يتعلم ذلك [الآداب الشرعية: 2/34].
أما بالنسبة لطالب العلم فإن من القواعد التي يسير عليها في المنهج في طلب العلم ما ذكره الخطيب البغدادي -رحمه الله- في كتاب: "الفقيه والمتفقه" كتاب عظيم، قال: باب في ترتيب أحوال المبتدئ بالتفقه" وذكر آداباً وأشياء منها، هو قد يكون أدب لكن يدخل في المنهج في الطلب، عن الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول:
أول: العلم: الصمت.
والثاني: حسن السؤال.
والثالث: حسن الاستماع.
والرابع: حسن الحفظ.
والخامس: نشره عند أهله [الفقيه والمتفقه: 2/199].
هذه بدايات لا بدّ منها في الطلب:
أولاً: الصمت يسمع.
ثانيًا: حسن السؤال، ولذلك كثيرون يخطئون عندما يسأل قبل أن يفهم، أول ما يخطر بباله سؤال يسأل، انتظر يمكن أن يأتيك الجواب بعد قليل، افهم قد يكون الجواب مضى في كلام الشيخ.
أولاً: الصمت.
ثانيًا: حسن السؤال.
ثالثًا: حسن الاستماع.
رابعًا: حفظ الحفظ.
خامسًا: نشره عند أهله، وذلك بعض الناس ينشرون العلم عند غير أهله، وقد ينشره عند فاسق يحتج به ينشر بعض الأشياء في العلم لا يناسب ذكرها عند فاسق فكأنما يقلد الخنزير الدرر الجواهر.
وقال الأصمعي: قال الخليل: حين أردت النحو أتيت الحلقة" حلقة العلم "فجلست سنة لا أتكلم إنما أسمع، فلما كانت السنة الثانية نظرت، فلما كانت السنة الثالثة تدبرت، فلما كانت السنة الرابعة سألت وتكلمت" [الفقيه والمتفقه: 2/202].
هذه المنهجية المفقودة عند كثير من الشباب اليوم.
ثم قال الخطيب -رحمه الله-: "ويلازم حضور المجلس واستماع الدرس، وإذا مضى له برهة في الحضور وأنس بما سمع سأل الفقيه أن يملي عليه من أول الكتاب شيئاً ويكتبُ ما يملي" يقول: أملي عليّ، ثم يكتب ما يملي، ثم يعتزل وينظر فيه، يذهب إلى زاوية المسجد، إلى البيت ينظر فيما كتب، فإذا فهمه انصرف وطالعه وكرر مطالعته، حتى يعلق بحفظه.
أملي عليّ، يملي عليه، يذهب ويقرأ، ثم يفهم ويحفظ، ويعيده على نفسه، حتى يتقنه، فإذا حضر المجلس بعدُ سأل الفقيه أن يستمعه منه، يقول: خذ سمع لي، ويذكره له من حفظه، ثم يسأل الفقيه إملاء ما بعده، يقول: هات شيئاً جديداً، أنا أحسنت الأول أتقنت الأول هات دفعة جديدة، ويصنع فيه كصنيعه فيما تقدم، يصنع في الدفعة الجديدة من العلم صنيعة فيما تقدم في الدفعة التي قبلها [ينظر: الفقيه والمتفقه: 2/202].
فإذًا، من أسس المنهج في طلب العلم: التدرج، قال: "ولا ينبغي أن يستفهم من الفقيه" يعني: الشيخ العالم "حكم الفصل الذي يذكره له قبل أن يتمم الفقيه ذكره، فربما وقع له النسيان عند انتهاء الكلام، قال الله -تعالى-: وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طـه: 114]" انتظر يا محمد ﷺ، إذا تكلم جبريل انصت يا محمد ﷺ حتى ينتهي جبريل مما عنده، "فإن انتهى كلام الفقيه ولم يبن له الحكم سأله عنه حينئذٍ، فإنما شفاء العي السؤال [الفقيه والمتفقه: 2/203].
"ويستعرض جميعه كلما مضت له مدة" ما اسمه هذا؟ ما هو هذا؟ المراجعة "ولا يغفل ذلك فقد كان بعض العلماء إذا علم إنساناً مسألة من العلم سأله عنها بعد مدة، فإن وجده قد حفظها علم أنه محب للعلم فأقبل عليه وزاده، وإن لم يره حفظها، وقال المتعلم: كنت قد حفظتها فأنسيتها، أو قال: كتبتها فأضعتها" والله يا شيخ ضيعت الدفتر، إذا كان هذا الذي وجه به "أعرض عنه ولم يعلمه" [الفقيه والمتفقه: 2/204] قال: أنت ما ضبطت الأولى كيف تضبط الثانية، اذهب واضبط الأولى أولاً.
والسبب في التدرج وأهمية التدرج: أن هذا العلم صعب، الدين هذا متين؛ كما قال النبي ﷺ: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق [رواه أحمد: 13052، وقال محققو المسند: "حسن بشواهده، وهذا إسناد ضعيف"] فلابد من المنهجية في طلب العلم: التدرج.
أما أن يهجم الإنسان على العلم هجوماً يريد أخذه بجميع أطرافه لا يمكن وسيسقط ويفشل، والدليل: إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق.
أخذ العلم قليلاً قليلاً
ولذلك من القواعد: الأخذ قليلاً قليلاً، وهذه وصية من عالم لمتفقه، قال له: تعلم كل يوم ثلاث مسائل ولا تزد عليها شيئاً حتى يتفق لك شيء من العلم فتعلم.
هذا الرجل تعلم على هذه الطريقة ثلاثة مسائل في اليوم، ولزم الحلقة حتى فقه فكان الناس يشيرون إليه بالأصابع.
وينبغي للمتفقه: أن يتثبت في الأخذ ولا يكثر، بل يأخذ قليلاً قليلاً حسب ما يحتمل حفظه، والناس يختلفون في الحفظ والاستيعاب، يأخذ قليلاً قليلاً حسب ما يحتمله حفظه ويقرب من ففهمه، فإن الله -تعالى- قال: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ أنزلناه مفرقا لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً[الفرقان: 32].
إذاً، لابد من التدرج والأخذ قليلاً قليلاً.
والذين يتركون التدرج في طلب العلم هناك أسباب من أجلها يتركون التدرج، فمن ذلك: محبة الاشتهار، يقولون: هذا أخذ كثير، هذا يجلس في ثلاث حلق، هذا يدرس عند أربعة مشايخ، وهكذا..
ومن أسباب ترك التدرج: الاشتغال بطلب العلم عند الكبر، واحد مثلاً يطلب العلم وعمره متقدم، فتقول له: تعال نعلمك ألف بائيات العلم، ونبدأ معك من البداية بالعلم الشرعي، يأنف ويقول: أنا أجلس مع الصغار؟ أنا أجلس مع الأطفال؟ تريد أن تعلمني مثلما يتعلم الأطفال؟ لا. أعطني من الذي فوق، ليش تبدأ من الأسفل؟ فهذا يستنكف، فهذا من أسباب ترك التدرج أنه لا يبدأ بالاهتمام بالعلم الشرعي إلا في سنٍ متأخرة.
وكذلك الطوارق المزعجة والهموم المشغلة وتقسم الأفكار، فهذا مستعجل يريد أن ينهي، خلص لنا الكتاب يا شيخ، نحن لنا سنوات في الكتاب وأنت بعد ما تحركت من هذه الأبواب في الأول، أنه لنا الكتاب، عجل، نريد أن نخلص من هذا الكتاب، فهذه آفات الاستعجال يمنع التدرج، ويقضي عليه.
الأولويات في طلب العلم
وكذلك من أسس منهج طلب العلم: الأولويات، قال ابن الجوزي -رحمه الله- على طالب العلم أن "ينظر فيما يحفظ من العلم فإن العمر عزيز، والعلم غزير" عزيز نادر كم سنة محدودة، والعلم غزير، "وإن أقواماً يصرفون الزمان إلى حفظ ما غيره أولى منه، وإن كان كل العلوم حسناً ولكن الأولى تقديم الأهم، والأفضل، وأفضل ما تُشوغل به حفظ القرآن، ثم الفقه، وما بعد هذا بمنزلة تابع" [صيد الخاطر، ص: 193] الوحيان القرآن والسنة، ثم الحفظ وما بعد ذلك تابع.
وقال عن الأولويات أمام قصر العمر وكثرة العلم: "فيبتدئ بالقرآن وحفظه، وينظر في تفسيره نظراً متوسطاً" لاحظ ما يقول: أريد أن أجمع تفسير الآيات من ابن كثير، والبغوي، والقرطبي، وزاد المسير، وتفسير المحيط، وكتاب الشوكاني فتح القدير، وأضواء البيان، لا، قال: أول ينظر فيه نظرًا متوسطًا، يعني الإنسان لما يبدأ في التفسير يبدأ بتفسير مبسط يأخذ على سبيل المثال تفسير ابن سعدي يأخذ فيه مثلاً، ينهي تفسيراً متوسطاً، تفسير ابن كثير يصلح أن يكون أيضاً في ضمن التفاسير في مرحلة الوسط.
وسنأتي عليه -إن شاء الله- ينظر في تفسيره نظرًا متوسطًا، لا يخفى عليه بذلك منه شيء يعرف معاني كلام الله، يأتي على القرآن في تفسير متوسط، لا يجمع الأقوال، ليست القضية الآن جمع أقوال واشتغال بدقائق الأشياء التي في الآية، خذ لك تفسيرًا متوسطًا، على قراءة تضبطها، قراءة من القراءات السبع مثلاً أو العشر تضبطها، وأشياء من النحو وكتب السنة، ابتداءً بأصول الحديث من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن، ومن حيث علم الحديث بعد ذلك هذا كمعرفة الضعفاء والأسماء فلينظر في أصول ذلك، وقد رتبت العلماء من ذلك ما يستغني به الطالب عن التعب.
"ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يستغني عنه كنسب الرسول ﷺ وأقاربه وزوجاته، وما جرى له" يعني يأخذ فكرة عن السيرة "ثم ليقبل على الفقه فلينظر في المذاهب والخلاف، وليكن اعتماده على مسائل الخلاف فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه فيطلبه من مظانه كتفسير آية وحديث وكلمة لغة، ويتشاغل بأصول الفقه والفرائض" [صيد الخاطر، ص: 184] هذا المنهج في الجملة لكن الأولويات في التفصيل تختلف.
وقال رحمه الله: "ورأينا في هذا الزمان من اشتغل بالحديث جمعاً وتصحيحاً وغريباً وطرقاً، ولكنه مقصر في حفظ القرآن الكريم" وهذه آفة انتشرت بين كثير ممن يريدون طلب العلم في هذا الزمان، ماذا يفعلون؟ على الحديث مباشرة، هات المصطلح، تقريب التهذيب، رجال الإسناد، ابحث، تاريخ الوفيات، من تلاميذه ومن شيوخه؟!
إذاً، متصل صحح وضعف وحقق، وانشر كتباً، وهذا من أكبر الأخطاء.
وهذا لو تسأله عن جزء عم صدقني أنه قد لا يجيده؛ لماذا؟ لأن السبب إهمال حفظ كتاب الله.
قال أبو زرعة: كتب إلي أبو ثور فقال: فإن هذا الحديث قد رواه ثمانية وتسعون رجلاً عن النبي ﷺوالذي صح منه طرق يسيرة، فالتشاغل بغير ما صح يمنع التشاغل بما هو أهم" [صيد الخاطر، ص: 443] ولو اتسع العمر كان استيفاء كل الطرق في كل الأحاديث غاية الجودة، لكن العمر قصير، وإلا نجمع طرق كل حديث شيء ممتاز، لكن العمر قصير.
تلقى العلم عن الشيوخ
ومن الأشياء المهمة في المنهج: أن يُتلقى العلم عن شيخ ما أمكن ذلك ولابد؛ لماذا؟ لأن هذه هي طريقة سلف الأمة وعلماء الأمة يتلقون عن العلماء، والشيخ الذي تتلقى عنه لابد أن يكون قد تلقاه عن علماء له نسب، وليس مبتوراً، دعياً، تلقاه عن علماء، حسن العقيدة يعمل بما يعلم، ويتأسى بالسنة، هذا من ناحية منهج الشيخ لا بدّ أن يكون الشيخ مؤسساً أصلاً أخذه عن أهل العلم، ثم هو يعمل بما يعلم.
وأما الاعتماد على الكتب والذي يظن أنه سيكون طالب علم نجيباً من الكتب هذا مخطئ، ممكن يحصل علماً، نعم، لكن لا يكون طالب علم بالمعنى الحقيقي على الكتب، لكن يحصل علم هذه قضية اضطرارية، ربما وجد في بلد ما فيها علماء ما فيها مشايخ ماذا يفعل؟ هل يقول: ما دام لا يوجد علماء ما أطلب العلم، لا، اقرأ في الكتب الميسرة.
أنت في أمريكا اتصل على عالم قل له: يا شيخ أنا أعيش في جزيرة كلها كفرة، ماذا أفعل في طلب العلم؟ وماذا تنصحني أن اقرأ؟
يعطيك بعض الكتب اقرأ فيها، تحتاج إلى شيء، يشكل عليك شيئاً تتصل وتسأل، هذا المتيسر بالنسبة لك.
أما من يظن أنه سيكون طالب علم حقيقياً بناءً على الكتب فهذا بالتأكيد مخطئ، وهذا شيء قد بينه أهل العلم، فقال قائلهم:
يظن الغمر أن الكتب تهدي | أخا فهم لإدراك العلوم |
وما يدري الجهول بأن فيها | غوامض حيرت عقل الفهيم |
إذا رمت العلوم بغير شيخ | ضللت عن الصراط المستقيم |
وتلتبس العلوم عليك حتى | تصير أضل من توما الحكيم |
[الآداب الشرعية: 2/125- 126].
والعلماء كانوا يوصون بالأخذ عن أهل السنة، وترك أهل الرفض وأهل الاعتزال، وأهل الكلام والمتفلسفين، ولا تأخذ العلم عن صحفي، اعتماده على الصحف، خذ العلم عن عالم تلقاه عن علماء عن مشايخ، ثنى الركب، تأدب بالأدب، لكن -كما قلنا- ونعيد: هذا الآن مع فشو الجهل في العالم الإسلامي فضلاً عن غيره قد لا يتيسر وجود علماء، ماذا نفعل؟ قد نسافر نعم لكن الشباب كثير منهم لا يستطيعون السفر، مرتبط بدراسة، بوظيفة، إذاً: يستغل الإجازات.
قد يأتي العالم إلى المنطقة فيلقي دروساً، يكون هناك طالب علم الأمثل فالأمثل، طويلب علم، أقران تدرس معهم وتقرأ قراءة جماعية، في النهاية أما أن تعتزل وتغلق على نفسك لوحدك فهذا يؤدي إلى أخطار في الفهم.
الفوضى في طلب العلم وبعض الأخطاء المتلعقة بذلك
أيها الإخوة: نحن نعيش في حالة فوضى في كل شيء، من ضمن التأخر والتقهقر الذي ابتلينا به: التأخر والتقهقر في العلم فوضى، حتى الآن يعني من زمن كانت البلد مثلاً فيها حلق علم، هذه حلق للمبتدئين، وهذه حلق للمتوسطين، وهذه حلق للمتقدمين، وهذا الشيخ متخصص في المبتدئين يعلمهم الأشياء البدائية، ينتقلون إلى شيخ آخر مثلاً إذا صاروا في مرحلة التوسط ثم إلى شيخ آخر في المرحلة المتقدمة، أو نفس الشيخ والعالم يكون عنده حلقة للمبتدئين وحلقة للمتوسطين وحلقة للمتقدمين، كان في تكامل في البلد نفسها، الآن على أحسن الأحوال قد يوجد في بعض البلدان أو الأماكن والمدن حلق منتشرة كثيرة لكن لا يوجد حلق متخصصة تخرج مبتدئين إلى حلقة بعدها للمتوسطين، إلى حلقة بعدها للمتقدمين مع الأسف، ويجب أن يسعى إلى إيجاد هذا، وهذا من مسؤوليات أهل الاختصاص من القائمين على أمور الدعوة والعلم والجهات المسؤولة عن نشر العلم لابد أن توجد حلق للمبتدئين، وحلق للمتوسطين، وحلق للمتقدمين، أما أن الشباب يظهرون هكذا يأخذون قائمة حلقة المشايخ أين نذهب اليوم؟ شرح صحيح البخاري، أين نذهب اليوم؟ تفسير، نحو، فرائض، من أولها هكذا يشتغلون، وهذا يدمر عليهم أشياء كثيرة.
الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله كان له حلق للمبتدئين والمتقدمين، رأى واحداً جاء من حلقة المبتدئين قفز وحضر في موعد حلقة المتقدمين، أول ما يراه يطرده،لأن وجوده هنا يضره.
أولاً: أنه لا يستطيع أن يفهم.
ثانياً: قد يتباهى ويقول: أنا والله حضرت مع المستوى الممتاز! وهذا يضر إخلاصه وقلبه، فلذلك يجب القضاء على الفوضويات وترتيب الدروس بناءً على المستويات، لابد أن تكون هناك منهجية في الطلب: إحياء سنة المتقدمين.
وبالنسبة للأخذ عن المشايخ هناك أشياء منهجية في الأخذ عن المشايخ وتحذيرات، فمن التحذيرات بعض المبتدئين يريد من الشيخ أن يذكر له من زبد وفروع ودقائق المسألة الواحدة، من الأول يقرأ يقول: أعطني كل شيء! أعطني جميع أوجه الخلاف! هات لي كل النكت والفوائد التي فيها! فهو يريد أن يكون مبتدئاً ومنتهياً في الوقت نفسه، وهذا مستحيل.
وقد يطلب من الشيخ تدريس كتاب معين ليس في مستواه يأتي مجموعة إلى الشيخ يقولون: يا شيخ، درسنا كتاباً في العقيدة متقدماً ، درسنا كتاب: التدمرية، وهو ما درس الواسطية، ولا درس الحموية، فكيف يدرس التدمرية؟
فبعض الناس يريدون أن يُسيروا المشايخ ويفرضوا على الشيخ رأيًا معيناً، ولذلك على الشيخ أن لا يرضخ لهم، وأن يمتحنهم ويسألهم، ويعرف مستواهم، ثم يقرر عليهم كتاباً مناسباً لهم، ولا يسير على هوى الطلاب.
وإذا جاء في الفقه للمبتدئين يدرسهم قولاً واحداً مع دليله، يمكن يحتاج يذكر قولاً آخر إذا كان هناك قولان قويان مثلاً لا يستطيع الترجيح بينهما، أما أن يعطي الطلاب على هواهم يقولون: هات لنا الأقوال، فيعطيهم الأقوال، فهذا ليس بصحيح.
ومن الموضات المنتشرة الآن وهذا قد يكون مدرك، في أماكن غير أماكن، في أماكن فيها كليات شرعية وفي أماكن ما فيها كليات شرعية، بعض الناس ما يحس بها لكنها موجودة من الموضات الآن البحث عن الغرائب ويقولون: العالم النحرير هو الذي يأتينا بشيء جديد.
ولذلك بعض الشيوخ أو بعض المدرسين الدكاترة في الكليات الشرعية يضطرون للبحث عن الغرائب حتى يجاروا هذا التوجه، وهذا خطأ، ويقولون: نحن لا نريد أن نسقط من أعين الطلاب ولا يتركونا الطلاب، ويقول: أنا أعرف يقيناً أنهم لا يفهمون ما أقول لهم.
وبعض الطلاب يجد غرائب فيذكرها لزملائه ويذهب يجادل بها الشيوخ، هذا الأشياء الغريبة ديدن عند بعض الناس لذته ومناه أن يعثر على شيء غريب، ثم يأتي ينشره بين أقرانه، يقول: قرأت كذا! وسمعت كذا! أو أنه يجادل به العلماء، ونحن نذكر تحذيره عليه الصلاة والسلام الذي حذَّر فيه من الذي يتعلم العلم ليجاري به العلماء، أو يماري به السفهاء، ويصرف به وجوه الناس إليه، هذا النار النار، فهو في النار، كبه الله على وجهه في النار.
وكذلك من التنبيهات: أن بعضهم قد ينصرف عن الشيخ لبطئه وتركيزه، ويقول: ذهبنا إلى المنطقة الفلانية جلسنا عند الشيخ، يا أخي، الشيخ بطيء، خلاص تركنا الشيخ، نأخذ أشرطة الشيخ ونسمعها كلها في ليالٍ وراء بعض ونخلص المنهج.
لا بد من ثني الركب عند المشايخ، ولزوم حلق العلماء لأن فيها أدب ومعرفة.
وكما قلنا سابقاً: كان هناك آلاف يجلسون عند الإمام أحمد قليل منهم يتعلمون العلم، والبقية يتعلمون الأدب.
الجلسة مع الشيخ وفي حلقة العالم فيها تعليم أدب.
ومع الأسف -أيها الإخوة- نحن نعاني من ندرة العلماء في منطقة ما فيها عالم واحد مع الأسف، ولذلك نحن نستعين بالله والأمثل فالأمثل، وما لا يدرك كله لا يترك بعضه.
ومن الأخطاء أيضاً في قضية المنهج في الدراسة عن المشايخ: تتبع المشاهير والانصراف إليهم للأخذ عنهم، مع وجود بعض المغمورين الذين قد يكونون أنفع وأسهل وأقرب وأقل زحاماً وأكثر فائدة، ولكن يترك هذا لأنه مغمور مع أنه يفي بالغرض يعلمك هذا المتن من الفرائض هذا فلان يكفي له، لا، لابد أن أذهب إلى هذا الشيخ المشهور أنت قد تترك المغمور وهو أسهل وأقرب وقد يكون أكثر فائدة لك لأنه أفرغ تستطيع أن تأخذ راحتك معه في النقاش، وتذهب إلى حلقة فلان فقط لأجل أن يقال: أنا من تلاميذ فلان، أنا درست على فلان، ولذلك تجد هؤلاء أصحاب الهوى لا يتركون فرصة صغيرة بمناسبة أو بغير مناسبة بل يقحمون القضية إقحاماً في أي نقاش من النقاشات ليصل إلى فرصة يقول: حدثني شيخي فلان! قال شيخي فلان! درست عند شيخي فلان! مع أن ما فيها مناسبة، ولا فيها ارتباط في النقاش والحديث لكن يقحمها إقحاماً ليقول: جلست عند فلان!
وبعض هؤلاء أصحاب هوى -والعياذ بالله- يجلسون عند الشيخ أسبوعاً أو عشرة أيام ثم يرحلون في الأمصار، ويقول: درست عند الشيخ فلان وفلان وفلان! وهو جلس عند هذا أسبوعاً، وهذا في الصيف جلس عنده عشرة أيام، وهذا أخذ عنه سطرين أو صفحة في كتاب، وقال: شيوخي! إليك مسرد شيوخي مرتبة على الأحرف الهجائية!
وإذا جئنا إلى قضية دراسة الفنون المختلفة لطالب العلم فقد ذكروا أن المغاربة لهم منهج فإنهم ينهون العلوم فناً فناً، أول شيء يحفظ القرآن وإذا انتهى منه حفظ كذا، ثم ينتقل إلى... وهكذا..
المتون المختلفة فينهي متناً في اللغة ثم متناً في الأصول ومتناً في المصطلح ومتناً في الفرائض، وهذه المتون يعتنون بها، ويحفظونها حفظاً شديداً، ومن أشهرهم: الشناقطة إلى الآن، هذه طريقة أهل المغرب، يقولون: نُنهي الفنون فناً فناً، ويقولون: الذي يجمع بين علمين كالتوأم يريد أن يخرجا معاً ولا يمكن، لابد أن يخرج أحدهما قبل الآخر.
وربما لا يزيدون على بيت واحد في اليوم هذه طريقتهم، ولو زاد ربما ضربه المعلم.
أما المشارقة فإنهم يجمعون بين أكثر من علم في الوقت نفسه، مثلما حدّثوا عن النووي أنه كان يقرأ تسعة علوم في وقت واحد، أو اثنا عشر درساً في اليوم منها تفسير، منها مصطلح، منها أصول، منها الحديث، منها في اللغة، منها في الفرائض، أنواع مختلفة من العلوم، فيكون الدرس الواحد فيه عدة علوم هذه الطريقة قد تكون أشمل، لكن الطريقة الأولى أثبت على المدى البعيد الطريقة الأولى أثبت.
وعموماً فإن المسألة تختلف باختلاف الهمم والطاقات والمواهب والأحوال والبلدان وطريقة الشيخ، فإن بعض النفوس تمل مثلاً، ما يمكن تقول لي: اجلس سنتين إلى أن تنهي مثلاً متناً في اللغة، أو متناً في الأصول، أنا أجلس سنتين في الأصول، دائماً أصول، يصاب بالملل، فالطريقة تعتمد على الأحوال، تختلف باختلاف الأحوال، الناس فيهم الملول وفيهم الصبور، وهذا بالنسبة لقضية تنوع الفنون في الطلب في وقت واحد، ولكن هناك أولويات.
إرشادات في منهجية طلب العلم
الاعتناء بعلوم الآلة
ومن الأمور المهمة في الأولويات: الاعتناء بعلوم الآلة، ما هي العلوم؟ هي العلوم التي يتوصل بها إلى فهم الشريعة، وسائل وأدوات ليست غاية في نفسها لكنها وسيلة لفهم القرآن والسنة، مثل: اللغة العربية، هذه العلوم المساندة، علوم مهمة مساندة، مصطلح الحديث أصول الفقه قواعد التفسير علوم البلاغة المعاني البيان، هذه علوم الآلة.
وعلوم الآلة هذه لها مختصرات ومتون جمعها العلماء فمثلاً: لو أخذت في اللغة العربية ستجد مثلاً: ملحة الإعراب، أو الآجرومية، هذه من أشهر الأشياء التي يبدأ بها في اللغة.
وإذا جئت إلى مصطلح الحديث ستجد مثلاً: نخبة الفكر، أو البيقونية.
لو جئت إلى الأصول ستجد مثلاً: متن الورقات في أصول الفقه.
وهناك بعض الكتب جمعت هذه المتون وطبع بعضها حديثاً.
والسيوطي -رحمه الله- جمع متوناً كثيرة في كتاب: النُقاية، وشرحه في كتاب الوقاية لقراء النُقاية، لكن هذا مطبوع على هامش كتاب مفتاح العلوم للسكاكي.
والعقيدة فيها أيضاً أشياء في البداية، فمن الأشياء إذا أخذت حلقة علم لأحد العلماء في هذه البلاد طبعًا بعض المتون تختلف في بعض البلدان مثل اليمن متونهم في الآلة تختلف عن الجزيرة عن المغرب إذا وجد العلماء ما زالوا يدرسون ، فإذا أخذت حلقة من حلق العلم الموجودة عند العلماء في هذه الجزيرة مثلاً لوجدت أنهم يهتمون في البداية بمختصر آداب المشي إلى الصلاة في الفقه، والأربعين النووية في الحديث، والأصول الثلاثة في العقيدة، ثم كتاب التوحيد، وأيضاً في الفقه يبدأون بـعمدة الفقه لابن قدامة، وفي أحاديث الأحكام يبدأون بـعمدة الأحكام لـعبد الغني المقدسي الحافظ، وفي الفرائض يبدأون بـالرحبية، وفي اللغة العربية يبدأون بـالآجرومية، وهكذا.. فهذا ملخص جدول لحلقة من حلق طلاب العلم، ونعيد ونكرر طلاب العلم المتخصصين في العلم، هؤلاء إذا أخذت حلقة من حلق علمائنا الموجودة الآن في الجزيرة لوجدت أن البرنامج تقريبًا يدور على هذا.
وإذا أتقن طالب العلم في البداية هذه الأشياء، الأصول الثلاثة، والأربعين النووية، حفظاً وشرحاً، وكتاب التوحيد، وعمدة الأحكام في أحاديث الأحكام، وعمدة الفقه في الفقه، والآجرومية في اللغة، والرحبية، والورقات في أصول الفقه، فهذا قد أسس نفسه واستعد للانطلاقة الكبرى، هذا فعلاً طالب علم في بداية طريقه التي يشقها بثبات ويسير فيها بقوة. ومن الأشياء المهمة أيضاً في المنهج: الأخذ من كل علم بنصيب دون نسيان العلوم الأخرى كما تقول الحكمة: خذ من كل شيءٍ شيئاً وخذ من شيء كل شيء، ما معناها؟
حاول أن تأخذ معلومات في كل فن من الفنون ثم الفن الذي تجد فيه رغبة وانشراح صدر وهواية وقدرة تشعب فيه وترسخ فيه.
"خذ من كل شيء شيئاً" أساسيات كل علم وفن "ومن شيء" يعني أنت وجدت نفسك فيه متمكناً أو عندك فيه رغبة "ومن شيء كل شيء" ثم تخصص، وهذه من أعظم القواعد في المنهج، تأخذ أساسيات كل فن ثم الفن الذي تجد نفسك فيه قادراً تبحر فيه.
الناس الذين يتخصصون في فن وينسون كل شيء مثل الآن بعض الناس يقول لك: والله أنا ما أفهم إلا في هذا الشيء، لا تسألني عن شيء آخر، وهذا موجود.
وبعضهم إذا تعلم شيئاً وتخصص في العلوم الدنيوية ينسى الأشياء الأولى لا يفهم الآن إلا في الشيء الذي تخصص فيه، وهذا خطأ.
ولم تكن هذه طريقة علمائنا أنهم يتخصصون في شيء معين أو ليس عنده فيه أساسيات في غيره، أو أنه يتخصص في شيء وينسى الأساسيات.
هذه من القضايا التي طرأت الآن على طريقة التعليم، وهذه طريقة خاطئة موجودة الآن حتى في التخصصات الدنيوية، ترى أن شخصاً متبحراً في جزئية معينة ولا يفهم أي شيء من الأشياء الأخرى أبداً، يكون أضل من بعيره فيها.
وقال ابن الجوزي معبراً عن حال هؤلاء الأشخاص الذين يتخصصون في فروعٍ معينة وينسون الأشياء ولا يأخذون بالبدائيات والأساسيات في العلوم الأخرى قال: "ولقد أدركنا في زماننا من قرأ من اللغة أحمالاً" اللغة العربية ما شاء الله "فحضر بعض المتفقهة" حضر عنده طالب علم صغير" فسأله عن الحديث المعروف: "لو طعنت في فخذها أجزأك" فقال اللغوي: هذا محمول على المبالغة، فقال له الصبي: أليس هذا في ذكاة غير المقدور عليه؟ ففكر الشيخ ساعة ثم قال: صدقت، أي: لو تردت شاة في بئر وما ماتت، ما تستطيع أن تذبحها، فماذا تفعل؟ "لو طعنت في فخذها أجزأك".
الآن نحن لا نبحث المسألة الفقهية والحكم والأشياء الراجحة الآن، لكن نتكلم عن القصة: "لو طعنت في فخذها أجزأك" يعني في تذكية الشيء الذي لا يُقدر على تذكيته، ذكاة غير المقدور عليه، ما يمكن أن تمسكه لتذبحه، شرد منك، فأنت تصيبه وترميه "لو طعنت في فخذها أجزأك" فعلم الصبي ما لم يعلمه الشيخ، فالشيخ لا يفهم إلا في اللغة.
"وأدركنا من قرأ الحديث ستين سنة" تخصص فقط في الحديث "فدخل عليه رجل فسأله عن مسألة في الصلاة، فلم يدرِ ما يقول، وأدركنا من برع في علم التفسير فقال له رجل يوماً: إني أدركت ركعة من صلاة الجمعة فأضفت إليها أخرى فماذا تقول؟ فسبه ولامه على تخلفه ولم يدر ما الجواب" يعني قال أنت جئت متأخراً لماذا تأتي متأخراً؟ ، ولماذا لا تبكر؟ ما يدري ما الجواب لكن يريد أن يقول أي شيء، لامه على تأخره.
"وأدركنا من برع في علوم القراءات فكان إذا سئل عن مسألة يقول: عليك بفلان، اسأل الشيخ فلان، قالوا: هذه كلها محن قبيحة، فلما رأيت في الصبا" يقول ابن الجوزي "أن كل من برع من أولئك في فن ما استقصاه وإنما عوقته فضوله، يعني إذا برع رجل في فن ذهب يأخذ الفضول والأطراف، ويترك الأشياء الأخرى يعني انشغل عن المهم، وما بلغ الغاية رأيت أن أخذ المهم من كل علم هو المهم" هذه عبارة جامعة.
"فإن من أقبح الأشياء أن يطلب المحدث علو الإسناد وحسن التصانيف فيقرأ المصنفات الكبار ويطلب الأسانيد العوالي هذا طبعًا أول أيام جمع الحديث ويكتب فيذهب العُمر ويرجع كما كان ليس عنده إلا أجزاء مصححة لا يدري ما فيها وقد سهر وتعب".
قال متندراً بحال هؤلاء:
وإذا سألته عن علمه؟ | قال علمي يا خليلي في سفط |
في كراريس جياد أحكمت | وبــخط أي خط أي خــــــط |
وإذا سألته عن مشكلٍ | حك لحييه جميعاً وامتخط |
[الآداب الشرعية: 2/124].
عدم الجمع بين كتابين في فن واحد في وقت واحد
ومن الإرشادات أيضاً لطالب العلم في قضية الفنون: أن لا يجمع بين كتابين في فن واحد في وقت واحد.
ما المقصود؟ يعني مثلاً: لو أنك تدرس الفقه لا تدرس منار السبيل وزاد المستقنع في نفس الوقت مثلاً، لا تدرس كتابين في فن واحد في وقت واحد، لماذا؟ لأنه يسبب التداخل في المعلومات وصعوبة الحفظ وصعوبة العزو في المستقبل يصعب عليك أن تعزو، وحدثني بعض طلاب العلم الكبار الذين تناقشت معهم في قضايا هذا البحث قال: أنا الآن جاء عليّ فترة كنت أحفظ البيقونية ونظم النخبة -نظم نخبة الفكر للصنعاني- والألفية -هذه كلها موضوعة في المصطلح- في وقت واحد، يقول: وأنا الآن إذا جاءتني يعني قضية في المصطلح وأريد أن آتي بالشاهد لا أدري أذهب إلى هذا أو إلى هذا، ثم إني إذا أتيت بشيء قد أحتار هذا أي مكان، هو في هذه المنظومة أو في هذه أو في هذه، فإذاً النصيحة أن لا يقرأ أكثر من كتاب في فن واحد وفي وقت واحد.
لا يحضر الطالب المبتدئ من عدة كتب
وكذلك من الإرشادات: على الطالب إذا بدأ يدرس كتاباً أن لا يحضر من عدة كتب، المبتدئ إذا أراد أن يدرس كتاباً في فن لا يحضر من عدة كتب حتى لا يُضيع نفسه، بل يحفظ المتن وشرح الشيخ الذي يدرس عليه المتن إن كان الشيخ متقناً، ما وجدت شيخاً متقناً تأخذ شرحاً للمختصر تضبط المتن والشرح، وتحصل على خير عظيم، إذا أشكل عليك إشكال ارجع إلى المطولات لتجد الأشياء المشكلة فقط، ولا يكون ديدناً لك، وعدم التوسع في البداية يساعد على ضبط المعلومات، وكثير من الطلاب إذا جاءوا يحضرون موضوعاً حضره من عدة كتب، فماذا يحدث له تشتت.
والضياع والتشتت في أنواع العلوم مما يحذر منه أيضاً، قال أبو حيان النحوي المشهور: "أما صاحب تناتيف، وينظر في علوم كثيرة، فهذا لا يمكن أن يبلغ الإمامة في شيء منها، وقد قال العقلاء: ازدحام العلوم مضلة للفهوم، ولذلك تجد من بلغ الإمامة من المتقدمين في علمٍ من العلوم لا يكاد ينسب إلى غيره" [الآداب الشرعية: 2/125] فيقال: فلان النحوي، هو عنده أساسيات في غيره لكن برع في هذا، فلان المحدث، فلان الفقيه، برع في هذا، لو تسأل مثلاً: في أي شيء برع ابن قدامة؟ مثلاً: في الفقه، وغيره برع في الحديث، وهكذا.. فبعض الذين يريدون أن يهجموا على الفنون دفعة واحدة وهو لا يتقن أساسيات كل فن، وإنما يهجم عليها دفعة واحدة ويقول: أحضر التفسير من خمسة مراجع، وأحضر الفقه من سبعة مراجع هذا إنسان مسكين؛ لأن الأمور ستضطرب عنده، وتختلط عليه.
أن يكون للطالب كتاباً خاصاً يعلق عليه ويضيف إليه
وإرشاد آخر ويستحسن أن يكون هناك مرجع معين في الموضوع المعين عندك محتفظ به دائماً تعلق عليه، وتزيد عليه، فمثلاً: لو قلت في الفقه: أختار منار السبيل؟ قرأته وشرحه على عالم، أو ما وجدت مثلاً هناك أشرطة للعلماء في شرحه مثل الشيخ عبد الله بن جبرين مثلاً له شرح في منار السبيل مثلاً، أخذت زاد المستقنع مثلاً الشيخ ابن عثيمين له شرح في زاد المستقنع وغيره له شروحات كثيرة، فتأخذ كتاباً معيناً وتأخذ عليه شرحاً، وفي المستقبل إذا حصلت إضافات فإنك تضيفها على نفس الكتاب، تأخذ كتاباً معيناً في اللغة تكون الإضافات على هذه النسخة التي عندك، ولا تبعها بمئات الألوف، فتكون هذه عندك مرجعاً لكل مسألة، مسألة في البيوع تفتح الكتاب تجد المتن والشرح وشرح الشيخ وأشياء أنت قيدتها على مر الزمن.
ولابد من الجمع بين الأشياء الأساسية هذه أيضاً قضية أخرى في المنهج، سُئل الإمام أحمد -رحمه الله- عن رجل حفظ القرآن وهو يكتب الحديث يختلف إلى مسجد يقرأ ويقرئ، عنده شُغل في حلقة حديث يكتب الحديث، وعنده شُغل آخر في مسجد يقرأ القرآن ويقرئ الطلاب، إذا ذهب إلى المسجد ليقرأ ويقرئ فاته الحديث، فإذا طلب الحديث فاته المسجد والإقراء فماذا تأمره؟ قال: بذا وبذا، فأعدت عليه السؤال مراراً، كل ذلك يجيبني جواباً واحداً: بذا وبذا، فلابد من الجمع بين الأشياء الأساسية.
إعادة العلم وحفظه
وكذلك من الأمور المهمة: إعادة العلم وحفظه، وهذا على حسب طاقات الأشخاص، ولا ينهمك الإنسان انهماكاً شديداً لكن لابد أن يعيد ويحفظ، فمن الناس من يحمل رطلاً، ومنهم من يحمل مائة، ومنهم من يحمل عشرين، وكذلك القلوب منهم من هو مستعد أن يحفظ صفحة بسرعة، ومنهم من يحفظ سطرين، ومنهم من يحفظ سطراً، ومنهم من يحتاج إلى ثلاثة أيام ليحفظ سطراً، وهكذا..
هذا نصف الموضوع ولا نستطيع الزيادة؛ لأن الوقت قد ضاق، ولابد لنا من درس آخر لإكمال هذا، فلعله يكون هناك درس آخر -إن شاء الله- بعنوان: "المنهجية في طلب العلم" نكمل فيها الكلام عن قضية المنهج في طلب العلم.
ونسأل الله أن يرزقنا وإياكم الإخلاص والاستقامة والسداد في القول والعمل.
وصلى الله على نبينا محمد.