الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أيتها الأخوات المستمعات: السلام عليكن ورحمة الله وبركاته.
نحمد الله أن هيأ هذه الفرصة لإقامة هذا الدرس، وأنتن تستمعن من وراء حجاب.
ونسأله أن يجعل هذا الدرس حجة لنا لا حجة علينا، وأن يجعل فيه الخير والفائدة إن شاء الله.
غرس مفهوم العزة بالإسلام في النساء
أيتها الأخوات الكريمات: إن من أهم المفاهيم التي ينبغي على المرأة المسلمة أن تقتبسها وتتشربها وترسخها في نفسها: مفهوم العزة بالإسلام، والعزة لهذا الدين.
ونحن أذلاء إذا لم نكن مسلمين، وكلما نقص إسلامنا كلما ازدادت ذلتنا ونقصت عزتنا.
ولذلك فإن هذه العزة تصيغ من شخصية المرأة المسلمة شخصية تستطيع بها أن تكون امرأة قدوة، وأن تكون امرأة مربية، وأن تكون امرأة داعية، وأن تكون امرأة صابرة، وأن تكون امرأة مستعلية على ركام الجاهلية الحاضر لكل ما يحويه من الفتن والمكر الذي يدبره أعداء الإسلام للمرأة المسلمة.
فإذا فقدت المرأة عزتها، أو العزة بهذا الدين فإنها تصبح ذليلة أمام أعداء الدين، وتصبح نهماً وطمعاً لكل عدو ماكر يتربص بها الدوائر، ويريد أن يدخل إلى نفسها كل غريب عن الإسلام، وكل منافٍ لدين الله.
والاعتزاز بهذا الدين على أنواع وأصناف، ولذلك فإن العزة تكون بتحكيم الشريعة من جهة، والعزة تكون بالرضوخ لأحكامها من جهة أخرى، والعزة تكون بتبني هذه الأحكام، والعزة تكون بالدعوة إليها، والعزة تكون بالرضوخ لها، وتكون بجعل هذه الأحكام مدارا تدور عليه الحياة.
ولا شك أن مصدر الأحكام الشرعية للمرأة المسلمة هو كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، مشروح كل منهما بأقوال أهل العلم من الثقات الذين درسوا كتاب الله وسنة نبيه ﷺ، ففسروها لنا، وبينوا الغامض والمشكل، وأزالوا الذي يكون عند بعض الأذهان، وإلا فإن الله نزل كتابه بيناً واضحاً، وجاءت سنة نبيه محمد ﷺ لتبين أحكام هذا الدين وتفصلها.
ولذلك فإنني أجد من المناسب أن نستعرض أشياء من الأحكام الشرعية المتعلقة بالمرأة المسلمة مما ورد في الكتاب العزيز، وسيكون لهذا تتمة؛ لأنه موضوع طويل، ونسأل الله التوفيق.
فقه النساء من خلال آيات: 35 – 36 من سورة البقرة
أول الآيات التي تطالعنا مما فيه من ذكر للمرأة المسلمة في القرآن العظيم هو قول الله : يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ [البقرة: 35 - 36]، فهذا آدم وزوجه حواء، أو زوجته، كلاهما صحيح، زوجه حواء أو زوجته التي خلقت من ضلعه، قد أسكنهما الله الجنة، وأعلمهما أنهما مطالبان بطاعة الله، ونهاهما عن الأكل من الشجرة، فجاء الشيطان وكان هذا أول المكر ببني آدم، وكان هذا أول إظهار للعداء، ومحاولة لجعل آدم وحواء يزلان عن الأوامر التي أمرهم الله بها، فدعاهما إلى الخطيئة وإلى الزلة، وزين لهما الأكل من هذه الشجرة، واستخدم وسائل: وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 21].
فأظهر أنه ناصح، وأنها ليست مجرد وسوسة، ثم زين فقال: هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى [طـه: 120]، فهذه هي الشجرة إذا أكلتما منها عشتما إلى أبد الآبدين، فصار لكما الملك العظيم، فهذا من التزين، فاستمر الإغواء حتى حصل المحذور، ووقعا في المحظور وهو الأكل من الشجرة، وكان ربهما قد نهاهما عن هذا.
ولذلك فإننا نأخذ من هذه القصة عبرة عظيمة، وهي: أن المرأة المسلمة ينبغي أن تكون معينة لزوجها على طاعة الله، مذكرة له إذا نسي لا أن تنسى معه، معينة له إذا ذكر لا أن تتخاذل وتتكاسل معه، ولذلك فإن دور المرأة المسلمة بجانب الأب أو الأخ، أو الزوج أو الابن، وغيرهم من الرجال ممن تكون بمقربة منهم، يكون دور المرأة المسلمة عظيماً في هذا النصح وهذا التذكير.
ولذلك لا يصلح أبداً أن يكون العمل من المرأة معاونة هذا الزوج أو الأخ أو الأب على المعصية، وإنما هو دفع له عنها، وحيلولة بينه وبينها.
ولذلك فإن كثيراً من البيوت والأزواج والآباء قد تغيرت بفضل نساء صالحات قد امتثلن هذا المفهوم، ووعين هذا الدرس، وعرفن حديث رسول الله ﷺ: لولا حواء، لم تخن أنثى زوجها الدهر [رواه مسلم: 1470].
ولذلك فإن حواء لما طاوعت آدم واشتركت معه في هذه المعصية حكم عليهما معا بالهبوط من الجنة والنزول إلى الأرض في دار البلاء ودار الامتحان، وحياة الشدة: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد: 4].
فقه النساء من خلال آية: 102 من سورة البقرة
ثم تطالعنا آية في سورة البقرة، ونحن نسير بالترتيب في مرورنا على بعض الآيات الموجودة، يقول الله في شأن السحر والسحرة، والفتنة التي ابتلي بها الناس بأن نزل عليهم ببابل، أهل ببابل افتتنوا بفتنة، وهي: أن الله أنزل إليهم ملكين: هاروت وماروت، فيعلمون الناس السحر، ولكن يقولون: إن هذا فتنة، إن هذا كفر، وهذا من الابتلاء الذي شاءه الله ليبلو الناس في ذلك المكان، وذلك الزمان أيهم أحسن عملاً، فجعل هؤلاء الناس يتعلمون من الملكين، هذا السحر في النفث في العقد، ويستخدمونه في التفريق بين المرء وزوجه، فقال الله : فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [البقرة: 102]، وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ [البقرة: 102] فسقط كثير من الناس بهذا الامتحان، وكان هذا الوباء وبالاً عليهم، وإنهم لن يصبروا عند الابتلاء، وإنما استعملوا هذا السحر في المعصية، وتعلموه وطبقوه في الشر، وهو الفصل بين المرأة وزوجها، والفتنة بينهما في التفريق، والإثارة العداوة والبغضاء.
ولذلك فإن على المرأة المسلمة أن تعي تماماً ما يقوم به هؤلاء الدجالون والسحرة في المجتمع وهم كثيرون، ولا تمر مدة إلا ونسمع عن قصة أو قصص مما حصل بين فلان وزوجه من التفريق، أو الكراهية أو العداوة، أو أنها لا تطيقه، أو أنه لا يطمئن إليها ولا يعاشرها، ويشعر أنه محبوس عنها، وهكذا..
ولذلك فغشيان هؤلاء السحرة والذهاب إليهم سواء لطلب عمل السحر لإيذاء الآخرين، أو لطلب فك السحر كلاهما من الجرم العظيم، والشرك الكبير، ولذلك فإنه لا يجوز للمرأة أبداً تعلم السحر ولا الذهاب للسحرة لطلب عمل السحر، سواء تكون لساحر أو الساحرة: اعملوا لي عملاً يعطف زوجي علي، ويربط بيني وبينه، أو تقول: اعملوا لي عملاً يفك السحر، ويرجع المودة بيني وبين زوجي، فإن إتيان هؤلاء محرم تحريماً شديداً، ولذلك فإتيان العراف أو الكهان مجرد الإتيان لا يقبل له صلاة أربعين يوماً [رواه مسلم: 2230]، وإذا صدقه كفر بما أنزل على محمد [رواه أحمد: 9536، وقال الألباني: "صحيح لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 3044]، ولا حول ولا قوة الا بالله.
واعلموا -أيتها الأخوات- أن هذا السحر المنتشر في المجتمع مع الأسف بسب غياب العقيدة الصحيحة، وعدم الوعي للتوحيد الذي فرضه الله على العبيد هو سبب مباشر لكثير من المشكلات الحادثة الآن في كثير من البيوت.
ولذلك فإننا ندعو أخواتنا إلى استعمال الأذكار الشرعية عند النوم، وفي الصباح والمساء، وهكذا ذكر الله دائما حتى لا يؤثر السحر، وإن كاد السحرة، فإن كيد الساحر كان ضعيفاً، ومكره باطل، وأثره غير موجود لكن عند من؟ عند الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.
فلذلك كان ذكر الله حصناً تتحصن به المرأة المسلمة مع زوجها أو أولادها من كيد السحرة، ومن هؤلاء الشريرات اللاتي يجلبن العمل من السحرة، فيطرحنه في بيوت المعاديات أو التي بينهن عداوة أو التي تريد أن تكيدهن، تطرحه في البيت أو على عتبة الباب، أو سلم العمارة، أو غرفة النوم، أو ملابس المرأة، ونحو ذلك من الأشياء.
ثم إذا عرفت أن هذه المرأة تتعاطى السحر، وتذهب إلى السحرة فلا تدخليها إلى بيتك أبداً، بل ولا تعطيها شيئاً من ملابسك أو أغراضك، أو أغراض زوجك، بل اطرديها طرداً شديداً، وقولي: لا مكان لك عندي، أنت التي تخالفين التوحيد، وتذهبين للسحرة، وتريدين المكر والكيد، ولذلك قال الله : إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طـه: 69].
فقه النساء من خلال آية: 187 من سورة البقرة
ثم ننتقل إلى آية أخرى من الآيات التي فيها ذكر لأحكام النساء، وهي قول الله في سورة البقرة: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ [البقرة: 187]، ثم قال الله : وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ [البقرة: 187]، فهذه الرخصة من ربنا بإباحة إتيان النساء عند قدوم الليل في شهر رمضان، وقد كان الأمر من قبل محرماً، إذا جاء الليل فنام الرجل أنه لا يجوز أن يأتي زوجته ولو استيقظ في ليلة رمضان، ثم جاء التسهيل من الله، والرخصة منه بأن أباح للرجال أن يأتون نسائهم في ليل رمضان: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ [البقرة: 187]، وهو الجماع، هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة: 187]، وهذا تعبير عن الامتزاج الذي يكون بين الرجل وزوجته، كما يكون الامتزاج بين الثوب ولابسه.
ولذلك جُعل كل واحد منهما لباساً للآخر؛ لأنه يستره عن الجماع عن الأعين، كم بين عز وجل أن كلاً منهما سكن للآخر، ولذلك قيل في تفسير هذه الآية: هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ [البقرة: 187] أي هن سكن لكم وأنتم سكن لهن.
ولذلك فإننا عندما نسمع قصص التي يقول فيها الرجل: وقعت على زوجتي في رمضان، أو تقول المرأة: وقع علي زوجي في نهار رمضان، فإن المرأة لا شك تتحمل جزءاً من المسؤولية.
ولذلك أقول لك -أيتها المسلمة-: لا بد أن يكون لك موقف حاسم، وأن يكون منك إباء ورفض وامتناع تام إذا أراد الزوج أن يقربك في نهار رمضان بالوقاع والجماع.
ولذلك فإن المرأة تتحمل جزءاً في تصحيح الصيام، وعدم إفساده بأي وسيلة، ولذلك فإنها تمتنع بل تفر منه وتهرب، بل تقفل على نفسها الباب إذا لزم الأمر، وإلا فإنها إذا سمحت له بوطئها في نهار رمضان في الحضر فإنها تكون مشاركة له في الإثم، كما تكون الكفارة واجبة عليها أيضاً: عتق رقبة، فإذا لم تجد فصيام شهرين متتابعين، لا تقطعهما إلا بمرض أو حيض، ثم تكمل الشهرين بعد زوال العذر.
وقد حصل كثير من الأسئلة عن هذا الموضوع من كثير من النساء في رمضان الماضي والذي قبله، والذي قبله، وهكذا..، ولذلك جاءت الآية بالرخصة بالليل، وبقي الحظر في النهار، وهذا من مهمة المرأة المسلمة في حياتها الزوجية، أن تحافظ على صحة صيام زوجها، وصيامها هي.
فقه النساء من خلال آية: 221 من سورة البقرة
وننتقل إلى آية أخرى يقول الله : وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ [البقرة: 221]، والصحيح: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ [البقرة: 221].
ويقرأ بعض الناس هذه الآية قراءة خاطئة فيقول: ولا تَنكحوا المشركين، ومن الذي يجرؤا أن ينكح المشركين الذكور؟ وإنما المقصود وهو نص الآية: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ [البقرة: 221] أي لا تزوجوا المشركين بناتكم وأخواتكم وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ [البقرة: 221] الآية..
هذه الآية تشير إلى حكم عظيم، وأمر مهم، وهو: أن الله –سبحانه- حرم على المسلمين أن يتزوجوا المشركات الكافرات الوثنيات، واستثنى منهن الكتابيات، اليهوديات والنصرانيات، لكن ليست كل كتابية يصح للمسلم أن يتزوج منها، وإنما لا بد أن تكون محصنة، يعني: لا يعرف منها الفاحشة، ولا الفجور، وإنما إذا كانت معروفة بالفاحشة والفجور ككثير من الكتابيات في هذا الزمان فلا يجوز الزواج منهن.
وحرم الله على المسلمين نكاح المشركات؛ لأن الشرك ظلم عظيم، وخفف الحكم مع أهل الكتاب؛ للاشتراك الحاصل بيننا وبينهم في بعض الأشياء، مع أنهم قد حرفوا وبدلوا وكفروا، وهذه حكمة العليم الخبير، هو الذي يحرم ما يشاء ويختار، ويحلل ما يشاء ويختار سبحانه وتعالى.
وقوله: وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ [البقرة: 221] هذا فيه إشارة إلى عزة الإسلام في المرأة المسلمة، وأن الله يقول للمؤمنين: لو كان عندكم أمة ليست حرة، أمة لكن مؤمنة فإنها خير من الحرة المشركة، ولو أعجبتكم الحرة المشركة.
فإذًا، ليست المسألة الحرية وعدم الحرية، وأن هذه أمة وهذه حرة، وإنما الميزان الأصلي ميزان الدين، ولذلك كم في هذا الحكم من الإعزاز للمرأة المسلمة، وإشعارها بالعزة، أنها تشعر أنها لو كانت أمة مؤمنة من العبيد والموالي فإنها خير وأفضل من الحرة المشركة، ولذلك الله يقول للرجال المسلمين: وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ [البقرة: 221]، من حرة مشركة، ولو أعجبتكم الحرة المشركة، لو كانت الحرة المشركة أجمل، لو كانت أطول، لو كانت أغنى، لو كانت أكثر حسباً، وأكثر جاهاً، وأكثر مالاً، فلا تغرنكم؛ لأن القضية والأساس هي العقيدة.
ثم يقول الله: وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ [البقرة: 221] المرأة المسلمة عزيزة، والمرأة المسلمة لها مكانه كبيرة، ولذلك لا يجوز التفريط بها وتزويجها إلى رجل كافر أبداً، لا يهودي ولا نصراني ولا مرتد، ولا كافر أصلي، ولا غيره، لا من أهل الكتاب، ولا من غير أهل الكتاب، لا يجوز تزويج المرأة المسلمة؛ لأنها عزيزة بالإسلام، لأن عزة الإسلام في نفسها تمنع من تسليمها لبراثن هذا الكافر، وهذا المشرك، ولو أعجبكم الكافر والمشرك، ولو كان غنياً، ولو كان ملكاً، ولو كان وجيهاً، ولو كان حراً، ولو كان ما كان مما عليه من الحسب والنسب فإنكم لا تسلموا بناتكم المسلمات، ولا تسلموا أخواتكم المسلمات إلى هؤلاء الكفار: لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [الممتحنة: 10].
ولذلك فإن كثيراً من الأمهات والآباء يحصل عندهم اغترار بالشاب المتقدم، فإذا وجدوه غنياً، ومن عائلة، وربما يكون صاحب عضلات وجسد، وطول وعرض، فإنهم يسلمون ابنتهم إليه، ويقولون: زوجناك أنت، ما نفرط فيك، أهلاً وسهلاً، فيضعون ابنتهم المسلمة العزيزة مع هذا الرجل الكافر المرتد عن الدين.
ولا ينظرون إلى دينه ولا إلى صلاته، وإنما يقولون: موظف، راتبه كبير، سألنا عنه أخلاقه حسنة، ما في مانع نزوجه، كيف ما في مانع تزوجوه والرجل عنده أكبر مانع وهو الشرك، والكفر الذي هو مقيم عليه؟ ومن أعظم أنواع الكفر: الردة، ومن مظاهرة الردة: ترك الصلاة بالكلية.
ولذلك إن الرجل أو المرأة التي تزوج ابنتها لتارك الصلاة، ظالمة ظالمة ظالمة؛ لأنها قد أسلمت ابنتها، سلمت وخلت بينها وبين هذا الرجل الكافر المستهزئ بالدين، أو التارك للصلاة، الخارج عن الإسلام بأي وجه من وجوه الردة.
وينبغي أن يكون موقف البنت المسلمة شديداً حاسماً، فتقول: لا أريده، لا اريده، لا أريده، سأهرب منه لو أجبرتموني، وسأشكي الأمر إلى القاضي، وسأقول لأقربائي وأتوسط به، وأتوسل بهم كي يحولوا بيني وبين هذا الزواج، فإن البنت تكون مغلوبة في كثير من الأحيان على أمرها، فلا تستطيع أن تفعل شيئاً تحت ضغط الأب وضغط الأم في تزويجها من هذا الكافر، ولو كان اسمه: عبد الله، وعبد الرحمن، أو محمد، وأحمد، وما شابه ذلك من الأسماء الإسلامية، فإن العبرة ليست بالاسم، وإنما العبرة هل الرجل مسلم؟ يعمل الواجبات الشرعية، وينتهي عن المحرمات؟ زوجناها، وإلا بحثنا لبنتنا عمن هو أفضل منه، وانتظرنا من يأتي ممن هو خير منه، ولو جلست ابنتنا بغير زواج طيلة حياتها هو أحب وأفضل من أن تزوج لهذا الرجل الكافر.
ثم يقول الله في سورة البقرة: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 223]، وهذا من الأحكام الشرعية المهمة، وهو: أن الله أباح الرجل أن يستمتع من زوجته كما يشاء بما يشاء، إلا ما حرم واستثنى سبحانه وتعالى في الكتاب العزيز، كالوطء بالدبر، وهو مكان خروج الغائط، في حلقة الدبر، هذا حرام لا يجوز.
وكذلك وطء المرأة في وقت الحيض أو النفاس ولما تتطهر بعد.
ولذلك تتحمل المرأة المسلمة مسؤولية أيضاً في أن لا تدع زوجها يستمتع بها بطريقة غير شرعية.
ويحصل كثير من الاستحياء، أو من الخجل بسؤال كثير من النساء المتزوجات عن بعض الأوضاع التي يستمتع أزواجهن بها منهن، ولذلك جاء البيان والتفصيل في الكتاب العزيز: نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة: 223]، ومعنى هذا أن المرأة قد شبهت بالأرض، وشبه ماء الرجل بالبذور التي تبذر في الأرض لينبت النبات، فالبذور حتى تثمر لا بد أن تبذر في الأرض، في هذا المكان مكان الحرث.
وكذلك الرجل لا يمكن أن ينبت بذره إلا إذا وضعه في مكان الحرث، ومعنى ذلك: أنه يطأ زوجته في المكان الذي شرع الله الوطء فيه وهو : القبل والفرج، فلا يجوز أن يطأها في الدبر، أن يطأها في مكان خروج الغائط؛ لأن هذا ليس مكان الولد، ولم تجر العادة أبداً أن المرأة تحمل بولد إذا وطأها زوجها في الدبر، بل إن في هذا إيذاء لها، وإهانة لها، والمرأة عزيزة بهذا الدين، عزيزة بأحكام الدين، لا تسمح لزوجها أبداً ولا ترضى أن يطأها في الدبر؛ لأنه محرم من عند الله، ولأن فيه إيذاء، وفيه استهانة بها، وفيه تغير للأمر المشروع، وإهدار لهذه الأشياء لوضعها في غير موضعها، فكم من امرأة تأذت من رجل فاجر يريد أن يأتيها في غير المكان أمر الله في الإتيان فيه وأباحه؟!
ولذلك فإنه ملعون من أتى امرأته في دبرها، وقال الرسول ﷺ: لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلاً أو امرأة في الدبر [رواه الترمذي: 1165، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 3195].
ولذلك فقد بينا هذا الحديث الصحيح الذي يقولﷺ فيه: ملعون من أتى امرأته في دبرها [رواه أبو داود: 2162، وأحمد: 9733، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: 1878].
ولذلك فإن المرأة تمنع زوجها إذا أراد أن يستمتع بها من وجوه غير شرعية، وبطرق محرمة كالإتيان في الدبر أو في وقت الحيض والنفاس قبل أن تغتسل، وتتطهر من الحيض والنفاس.
ولذلك فإن المرأة بناءً على ذلك أيضاً لا يصح أن تمنع زوجها من الاستمتاع كما يشاء إذا لم يكن بشكل محرم، فهو يستمتع بها كما يشاء بملامستها وإتيانها كما يشاء إلا في هذه المواضع والمواطن التي حرمها الله.
وانتشر عند بعض الناس العامة أن من أتى امرأة في دبرها فقد طلقت منه، وصارت طالقاً ومحرمة عليه، وهذا الاعتقاد غير صحيح، ولم يرد في كتاب ولا سنة، ولذلك فإن الذي أتى امرأته في دبرها فإنه يتوب إلى الله هو وهي، ويستأنفا حياتهما كما أمر الله ، ويكملا الزوجية التي بينهما إذا تابا إلى الله ، ولا تصبح طالقة منه بهذا، لكن إذا أصر على هذا العمل المشين فإن للمرأة في هذه الحال أن تطلب الطلاق، والابتعاد عن هذا الفاجر الذي يعصي ربه فيها.
فقه النساء من خلال آية: 228 من سورة البقرة
ثم يقول الله في آية أخرى في سورة البقرة مبينا حكما آخر يتعلق بالمرأة المسلمة، وهو قوله عز وجل في شأن الطلاق: وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ [البقرة: 228].
هذه الآية -أيتها المستمعات الكريمات- في ذكر المطلقات التي أوقع عليها زوجها الطلاق، فذكر الله أن عدتها ثلاثة قروء تمضي من حين الطلاق، فتدخل المطلقة في العدة بعد الطلاق مباشرة، وتكون هذه العدة ثلاثة قروء.
فمن العلماء من يقول: ثلاث حيض، ومن العلماء من يقول: ثلاثة أطهار.
ولذلك فإن المشهور الذي يفتي به علماؤنا هنا هذه البلاد: أنها ثلاث حيض، يعني: الرجل إذا أراد أن يطلق المرأة في طهر لم يجامعها فيه، هذا هو الواجب في كيفية الطلاق، أراد أن يطلقها ينتظرها حتى تطهر ولا يأتينها في هذا الطهر إذا أراد أن يطلقها، فيطلقها وهي طاهر لم يأتها في هذا الطهر، ثم إذا جاء الحيض الذي بعد هذا الطهر، فيكون هذا هو القرء الأول، الحيضة الأولى، فتطهر، ثم تحيض الحيضة الثانية، وتطهر، ثم تحيض الحيضة الثالثة، فإذا انتهت فإنها تنتهي العدة بذلك، وتخرج من عصمته.
والمطلقات عموماً على أنواع:
المطلقة التي تحيض عدتها كما ذكرنا قبل قليل.
والمطلقة التي لا تحيض مثل الصغيرة أو اليائس الكبيرة التي انقطع عنها الدم، أو انقطع الحيض فإنها تعتد بثلاثة أشهر؛ كما قال الله : فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [الطلاق: 4].
وأيضاً قسم آخر وهي: المرأة الحامل، قال الله في شأنها: وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4]، المرأة إذا كانت حاملاً وطلقها زوجها وهي حامل، فإذا وضعت الحمل انتهت العدة، ولو وضعت الحمل بعد الطلاق بيوم واحد، فإنها تخرج من العدة، وتخرج من عصمته عند ذلك.
والنوع الرابع: المرأة المطلقة التي لم يدخل بها زوجها بعد، عقد عليها عقداً شرعياً لكن ما دخل بها بعد، فهذه ليس لها عدة، لماذا؟
لأنه لم يدخل بها فلا تحتاج إلى عدة، ولذلك قال الله : ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا [الأحزاب: 49]، وقال الله: وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 228].
وهذا الحكم مرتبط ارتباطاً وثيقاً جداً بالأمانة التي من المفروض أن تتحلى بها المرأة المسلمة.
المرأة المسلمة مؤتمنة، مؤتمنة على ما في رحمها.
المرأة المسلمة مؤتمنة على أشياء كثيرة، على البيت، وعلى الزوج، وعلى حقوقه، والولد وحقوق الولد، وتربية الولد، والجارة، وغيرها من الأمانات التي أنيطت بها، وعلقت في رقبتها، فمن الأمانات: أنها مؤتمنة على ما خلق الله في رحمها، فلماذا قال الله بعد ذكر عدة الطلاق قال: وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ [البقرة: 228]، يعني: أن المرأة قد يكون في رحمها حمل، أو يكون بها حيض قد نزل، فالمرأة إذا كتمت هذا الحمل، أو كتمت الحيض، فإنها تضر بالرجل، كيف يكون ذلك؟
أما إذا كتمت الحيض فقالت: إنني حائض وهي لم تحض بعد، معناها أنها عجلت العدة، لو طلقها فقالت بعد الطلاق مباشرة: أنا نزل علي الحيض الآن، ودخلت في الحيضة الأولى، معناها أنها تقصر العدة بهذا الكذب الذي تكذبه.
ومن جهة أخرى فإنها قد تضر بالرجل المطلق إذا قالت: إنها لم تحض، مع أنها قد حاضت من أجل أن تطول العدة، فقد تكون حاضت بعد أن طلقها، حاضت ودخلت في الحيضة الأولى، لكن تقول: أنا ما بعد جاءني الحيض أو جاءتني العادة، تريد أن تطول العدة وتغرم الزوج نفقة لا تلزمه؛ لأن المرأة إذا دخلت في العدة فإن النفقة على الزوج ما زالت، ينفق عليها، لا زالت في عصمته، فإذا كتمت أنها قد حاضت، وقالت: أنا ما حضت، معنى ذلك أنها تريد أن تطيل العدة لتضر الرجل بالإنفاق.
ويدخل في هذا -أيتها الأخوات الكريمات- مسألة حصلت في هذا الزمن، وهي الحبوب التي تأخذها المرأة لإنزال الحيض أو قطع الحيض، فبعض النساء اللاتي لا يخفن الله ولا يخشين اليوم الآخر إذا طلقها زوجها وأرادت أن تنتهي من الحيض بسرعة أخذت حبوباً تنزل العادة، ثم أخذت حبوباً ترفع العادة، ثم أخذت الحبوب التي تنزل العادة، ثم أخذت الحبوب التي تمنع العادة، ثم أخذت الحبوب التي تنزل العادة، ثم أخذت الحبوب التي ترفع العادة، وقالت: انتهت الثلاث قروء، خرجت من عصمتك يا فلان، وأنا الآن صرت حرة في نفسي.
هذه المرأة متحايلة باستخدام الحبوب، وأتت بهذه الأشياء غير الطبيعية لكي ترفع هذه العدة بسرعة التي أمر الله بها، ولذلك ماذا قال الله بعد هذا؟
وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 228]، فقد تكون هذه المرأة لا تؤمن بالله ولا باليوم الآخر، أو أن إيمانها بالله واليوم الآخر ضعيف، فتلجأ إلى هذه الحيل غير المشروعة من الكذب أو استعمال هذه الحبوب والأدوية، ونحو ذلك، وهذا فيه وعيد شديد للكاتمات، ولذلك قال: إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة: 228]، معناها التي تفعل هذا أنها لا تؤمن بالله كما ينبغي ولا تؤمن باليوم الآخر كما ينبغي، لو كانت تؤمن بالله خافت الله، ولو كانت تؤمن باليوم الآخر خافت عذاب الله في اليوم الآخر، وما استعملت هذا الكذاب، وهذا الكتمان الذي يسبب الأضرار، وهذا يعني: أن الذي تتقي الله إذا طلقها زوجها وتعتد كما أمر الله، وتستسلم لأمر الله معناه أنها مؤمنة بالله واليوم الآخر، وأجرها عند ربها مهما تعرضت للأضرار في الدنيا.
وكذلك الحمل إذا كتمته تريد أن تقطع حق الزوج في ارتجاعها، وربما تدعي الحمل لتوجب عليه النفقة الطويلة؛ لأنه ملزم بالإنفاق عليها طيلة فترة الحمل، فقد تقول: أنا حامل وهي ليست حامل، وهكذا تطول العدة، طيلة الوقت وينفق عليها، ولذلك نرجع إلى الأمانة التي أؤتمنت عليها المرأة، الكذب حرام، لا يجوز، والاحتيال حرام لا يجوز وهكذا...
ثم يبين ربنا حكماً آخر في هذه الآية، فيقول: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا [البقرة: 228]، إذا طلق الرجل زوجته، ودخلت في العدة، وكانت الطلقة رجعية يعني: بعد الطلقة الأولى وبعد الطلقة الثانية، ثم أراد أن يراجعها فإنها ترجع إليه بدون تخيير، يعني: ما تقول المرأة: أنا ما أبغى أرجع لك، يقول: أنا راجعتك، تقول: أنا رافضة الرجعة، ليس من حق المرأة رفض الرجعة، فإذا أراد زوجها أن يراجعها داخل العدة، وضمن العدة، يجب عليها أن تطيع وأن ترجع؛ لأنها لا زالت في العدة.
ولذلك فإن العدة إذا انقضت لا يحل له أن يرجع إليها بغير عقد جديد، وولي وشهود، ومهر، ونحو ذلك من شروط العقد، لكن داخل العدة يراجعها بالكلام، يقول: راجعتك يا فلانة، أو بأي فعل يدل على المراجعة، كالتقبيل والوطء، فإذا وطأها فقد راجعها، ويشهد على إرجاعها اثنين من المسلمين، وهكذا...
فإذا انقضت العدة وما راجعها خرجت من عصمته، وعندما يكون إذا أراد أن يأتي إليها لا يأتيها إلا بعقد جديد، وهنا تكون موافقتها شرطاً، وتكون إذا أرادت الرجوع بعقد جديد، رجعت إليه بعقد جديد بعد العدة، إذا ما أرادت هي حرة في نفسها عند ذلك، لكن في العدة ليست حرة في نفسها ترجع أو ما ترجع، وهذه من المعاصي المنتشرة الآن، تقول: ما دام طلقني لا أرجع له أبداً، هذه إهانة، وهذا ضرر، وأنا لا أقبل بالذل، ولو راجعني لا أرجع إليه، مع أن المراجعة من حقه.
ولذلك قد تقع بعض النساء في معصية الله من هذه الجهة، ولذلك الله -عز وجل- شرط على الرجل إذا أراد أن يراجعها أن يكون يريد الإصلاح، يعني: إصلاح حاله معها، وحالها معه.
أما إذا اراد الإرجاع لقصد الإضرار فإن رجعوه إليها محرم، ولذلك بعض الناس قد يطلق ويراجع، ويطلق ويراجع لكي يعبث بالمرأة، ويلعب بأعصابها، ويجعلها ذليلة، ولذلك قال الله في هذه الآية قال: وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا [البقرة: 228]، لكن إن أراد الإضرار فإنه لا يجوز له أن يفعل هذا الفعل.
ثم قال ربنا: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228]، يعني: أن للمرأة عشرة من الزوج بالمعروف، كما أن عليها عشرة زوجها بالمعروف، يعني: عليه أن يعاشرها بالمعروف مثل ما أن عليها أن تعاشره بالمعروف، وهذا معنى قوله : وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 228]، يعني: حقوق الزوجة على الزوج، وحقوق الزوج على زوجته، وهذا مقام طويل لا يمكن الآن أن نفصل في الحقوق، ولعل لذلك فرصة أخرى.
من عشرة الزوج مثلا: الإنفاق، والمعاملة الحسنة، وعدم الظلم، ونحو ذلك.
ومن عشرة الزوجة: طاعة الزوج، والتزين له، والتحبب إليه، وخدمته بطبخ أكله، وغسل ملابسه، وتنظيف بيته وتربية أولاده، ونحو ذلك، فكل واحد من الصاحبين لا بد أن يعاشر صاحبه بالمعروف.
ومعروف الرجل لا يخفى، هذه إشارة إلى أن معروف الرجل يختلف عن معروف المرأة، ولذلك هو عليه أن ينفق عليها، لكن ليس عليها أن تنفق عليه، وكذلك عليها أن تغسل ثيابه وتخبز له، وهو ليس عليه أن يغسل ثيابها ويخبز لها، لكن يساعدها في أعمال البيت كما هي السنة لكن من ناحية الوجوب الحقوق التي على الزوج ليست مثل الحقوق التي على الزوجة في جميع الأشياء، ولكن فيه أشياء مشتركة مثل: حسن الخلق، وعدم الظلم، وهكذا..
ولذلك يقول ﷺ: ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حقاً، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن حديث صحيح [رواه الترمذي: 1163، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1930].
فالمرأة إذًا لا يجوز أن تدخل بيت زوجها من لا يرضى لا من النساء ولا من الرجال.
وكذلك عليه أن يحسن إليها بدفع الكسوة المعقولة والطعام الذي تحتاج إليه، وأن يزودها بما يلزمها من هذه الأمور التي تحيا بها حياة كريمة، وأن لا يذلها ويعاملها كأنها شحاتة، تأخذ منه اللباس والطعام بالسؤال، ومد اليد، وإنما عليه أن يحسن إليها، وأن لا يريق ماء وجهها، وأن يكرمها كما أمر الله .
فقه النساء من خلال آية: 229 من سورة البقرة
ثم يقول الله في سورة البقرة أيضاً: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229] الآية.. معنى الطلاق مرتان؟ يعني الطلاق الرجعي اثنتان، الطلقة الأولى بعد أن يراجع إذا أراد، الطلقة الثانية يراجع بعد إذا أراد في العدة، الطلقة الثالثة ليس بعدها مراجعة، ولذلك قال: الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ يعني الطلاق الرجعي الذي تثبت فيه الرجعة، وإلا هو بعد الطلقة الثالثة لا رجعة له إليها إلا أن تنكح زوجا غيره.
فإذا طلقها المرة الأولى أو المرة الثانية فهو الآن عنده احتمالان: إما أن يراجعها، يمسكها بمعروف بعد الرجعة، يمسكها بمعروف يعني بحسن العشرة، وحقوق النكاح، أو يسرحها بإحسان بأن يطلقها طلقة ثالثة، وتخرج منه، لا يمسكها فيظلمها أبداً، وإنما إما إمساك بعد الطلاق، يرجعها بمعروف أو يطلقها، أو تخرج من العدة، تسريح بالخروج من العدة، أو بالطلاق الثالث تسريح بإحسان.
يقول الله: لا يحل لكم -أيها الرجال- أن تأخذوا مما أتيمتموهن شيئاً، ما يجوز إذا طلقتها أن تأخذ من المهر الذي أعطيتها أبداً على وجه الإضرار بها، ولا الاحتقار لها، لا تأخذ لا شيئاً قليلاً ولا شيئاً كثيراً، ولا تأخذ شيئاً أبداً إلا في حالة واحدة، وهي: إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229]، يعني: إذا خافا الزوجان من أنفسهما، وعلما من أنفسهما أنهما لن يستقيما في حياتهما الزوجية، وأنه لن يعاشر أحدهما الآخر بالمعروف، فلا حرج عند ذلك أن تطلب المرأة من زوجها الخلع، وأن يطلب هو مقابلاً للخلع من المال الذي أعطاه إياها سواء كان مثله، أو أقل منه، أو أكثر منه، على بعض أقوال أهل العلم.
فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ [البقرة: 229] يعني: لا يحسن صحبة أحدهما للآخر، ولا يعاشران بعضهما البعض بالمعروف، أو أنهم رجعوا أن يرجعوا عن سوء خلق واستخفاف بحق كل منهما للآخر، فعند ذلك لا جناح على الرجل في الأخذ، ولا جناح على المرأة بأن تفتدي نفسها بالإعطاء، ويكون هذا هو الخلع، فإذا اختلعت منه ودفعت إليه فدية تفتدي نفسها منه فهذا جائز.
وعدة المختلعة على الصحيح حيضة واحدة كما أمر النبي ﷺ امرأة ثابت بن قيس أن تعتد بحيضة، وقال بعض أهل العلم: ثلاث حيضات مثل الطلاق لكن الصحيح أنها حيضة واحدة.
نتنبه هنا -أيتها الأخوات- إلى أن بعض النساء تسأل الطلاق من زوجها من غير بأس ولا عذر شرعي، مجرد أنها ما تحملت أعباء الزواج، وأنها رأت نوعاً من الشدة، فتقول للزوج: طلقني، أو تكون متعلقة بأهلها فتقول: أنا ما أصبر عليك طلقني طلقني، أو أن يمر الزوج بظروف مادية فتقول: طلقني طلقني، فيقول ﷺ: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة [رواه أبو داود: 2226، والترمذي: 1187، وابن ماجه: 2055، وأحمد:22379، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 3279]، مع أن رائحة الجنة توجد من مسافة بعيدة جدا، لكن تحرم المرأة رائحة الجنة إذا سألت زوجها الطلاق من غير بأس، يعني هكذا مجرد مزاج، مجرد إضرار به، مجرد هوى، لكن إذا كان فيه عذر شرعي فعلاً لا يمكن تتحمل أن تبقى معه، فإنها ممكن أن تطلب الطلاق، أو تختلع منه بما تقدمه له من الفدية.
وقضية الطلاق بالمناسبة قضية شائكة ومشكلة قائمة في المجتمع.
ومع الأسف أقول لكن -أيتها الأخوات- حتى بين بعض أهل الدين يحصل من أحوال الطلاق أشياء عجيبة، وهذا ما ينبغي أن يكشف النقاب عنه، وأن تحلل الأسباب التي أدت إليه.
الآن عدد حالات الطلاق في المجتمع كبيرة جداً، وإذا أخذنا نسبة حالات الطلاق إلى نسبة عدد السكان نجد أنها نسبة كبيرة.
وأسباب الطلاق لا بد من بحثها، وكيف تواجه هذه الأسباب لا بد من الكلام عليها أيضاً؛ لأن الوضع صار عندنا الآن غير طبيعي أبداً، بل فيه تعدي، ومشاكل ما بعد الطلاق كثيرة من جهة الرجل، ومن جهة المرأة، ومن جهة الأولاد، ومن جهة الفجور الذي يحدث عند بعض المطلقين أو المطلقات، ومن جهة ما يحدث مع الناس الآخرين في المجتمع الذين يريدون الحرام من المطلقات.
وهذه المسألة فعلاً تحزن القلب، وتدمي الفؤاد، ما نراه اليوم من خراب بيوت كثير من المسلمين والمسلمات لكثرة حالات الطلاق، والأطفال الذين يضيعون والبيوت التي تهدم، وقد تكون الأسباب في غاية التفاهة، وتكون المسألة مسألة هوى، وركوب رأس كل واحد منهما لرأسه أو الشموخ بالأنف، والاغترار بالنفس، والزعم بأنه أهان كرامتها، أو أنها أهانت كرامته، ونحو ذلك من الأسباب التافهة التي صارت الآن فعلاً، جعلت قضية الطلاق من مشاكل، وجعلت حتى كثير من البنات يتخوفن من الزواج من كثرة ما يسمعن من حالات الطلاق، وصارت العقد النفسية عند الأطفال من هذا الشقاق، ومن هذا الانفصال الحادث.
وترتب على ذلك سوء علاقات بين كثير من الأقرباء؛ لأنه قد يطلقها وتكون بنت خاله أو بنت عمه، فيحدث قطيعة رحم نتيجة هذا الطلاق.
الشاهد: أن مشكلة الطلاق ينبغي أن تبحث على حِدة، ينبغي أن تحلل من جذورها، وتبحث على أسبابها، وتوضع العلاجات لها.
ولعلنا سنتكلم -إن شاء الله- عن هذه المشكلة في درس منفصل.
ونسأل الله أن يوفق هؤلاء الأزواج المسلمين والزوجات المسلمات لإقامة شرع الله في البيوت والتقوى حتى لا تحدث هذه الحالات التي هي عبارة عن نكبات عظيمة توجد شروخاً في المجتمع الإسلامي.
فقه النساء من خلال آية: 230 من سورة البقرة
ثم يقول ربنا في سورة البقرة: فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ [البقرة: 230] الآية..
فإن طلقها للمرة الثالثة فلا ترجع له أبداً إلا إذا تزوجت بزوج آخر، ومعنى: تزوجت نكحت يعني: العقد مع الوطء وليس العقد فقط، فلا بد أن يطأها الزوج الجديد ولو مرة واحدة، حتى إذا طلقها يجوز أن يرجع إليها زوجها الأول بعقد جديد، ومهر، ويرجع لها، وتكون عنده على ثلاث تطليقات، يعني: إذا رجعت للزوج الأول بعد زواجها من الرجل الثاني، طلقها الرجل الثاني ورجعت إلى الزوج الأول فإنها ترجع إليه من جديد، يعني: تحسب الطلقات من جديد.
وينبغي أن يعلم أن رسول الله ﷺ لعن المحلل والمحلل له، وأخبر أن المحلل كالتيس المستعار، مثل واحد ما يستعير التيس ليلقح الغنم في زريبته فكذلك شبه بهذا التصوير القبيح، شبه هذا المحلل الذي يتفق معه الزوج الأول، فيروح يتزوج زوجته التي طلقها ثلاث مرات ويتزوجها المحلل هذا، لا يريد نكاحها ولا له رغبة فيها، وإنما مجرد يتزوجها ويدخل بها لكي يطلقها ليحللها لزوجها الأول، هذا هو التيس المستعار، لذلك جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى الرسول ﷺ فقالت: "إني كنت تحت رفاعة فطلقني فبت طلاقي" يعني: طلقني ثلاث مرات، صارت مبتوتة، "فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير، وما معه إلا مثل هدبة الثوب"، يعني: قالت: ما يصلح للوقاع، ما عنده ما يجامعني به، "فتبسم النبي ﷺ فقال: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ إلى الزوج الأول، ((لا))، لا يمكن حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك [رواه البخاري: 5260، 5792، ومسلم: 1433]، يعني: حتى يحصل هذا، مجاز عن قليل الجماع، لا بد أن يحصل الوقاع من الزوج الثاني، وإذا صار الطلاق بعد ذلك يجوز أن ترجع للأول.
ولذلك نقول لبعض الأخوات من النساء التي تطالب زوجها الأول بالطلاق: طلقني، طلقني، طلقني، طلقني، صباحاً ومساءً، تقلق عيشته، وتقض مضجعه بهذه الطلبات المتكررة، وفي النهاية الرجل قد يطفش ويطلق، وقد يكون ثلاث طلقات وتذهب منه، وتأتي لغيره، وربما تجده أسوأ من الأول، وتتمنى العودة إلى الأول.
ولذلك نقول: يا أيتها المرأة الزوجة المسلمة: إذا كان زوجك يتحمل تحمليه، يعني: لا يخلو زوج من سلبيات، ولا يخلو زوج من عيوب، إذا أمكن تحمليه تحمليه؛ لأنك لا تدرين ماذا سيكون حال الرجل الآخر الذي قد يتزوجك، وقد لا يتزوجك أحد البتة، فتكون حالك مع الزوج الأول أحسن وأفضل بكثير من البقاء بغير زواج بعد أن عرفت طعم الزواج.
ولذلك فإن كثيراً من المطلقات يحدث عندهن ندم، وقد يكن هن سبب في هذا، هي التي طلبت، وهي التي أصرت، وهي التي قالت: ما أمكن أجلس معه، وهي التي عملت أفعال كثيرة لإجبار زوجها على تطليقها، وبعد ذلك لما طلقت ندمت.
وبعض الرجال لما تقول له: أريد أن أرجع إليك، يقول لها: لا، مالك رجعة، وأنا ما يمكن أعيش مع واحدة مثلك، ثم قد يتزوج زوجة أخرى، ولا يكون للأولى مكاناً للرجوع أبداً.
ولذلك نقول: لا تفعلي أي تصرف قد تندمين عليه في المستقبل.
وينبغي تقوى الله في هذه الأمور.
ويقول الله : وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النَّسَاء فَبَلَغْنَ [البقرة: 231] يعني: قريب من انتهاء العدة الطلقة الأولى والثانية فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ [البقرة: 231]، رجعها بمعروف وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لَّتَعْتَدُواْ [البقرة: 231]، أما إنك ترجعها لمجرد الإهانة فلا يجوز، كما كان أهل الجاهلية يفعلون، يطلق المرأة إذا قربت تنتهي العدة رجعها، لا لحاجة ولا لمحبة، ثم بعد ذلك طلقها تدخل العدة قربت تنتهي يرجعها، وهكذا يظل في طلاق ورجعة وطلاق ورجعة لإذلال المرأة والإضرار بها، ولذك الشرع واجه هذه الجاهلية من جهتين:
الأولى: أنه حدد الطلاق بثلاث، بعد الثالثة ما في عدة، انتهت المسألة، لا ترجع له، أقصد أنها ليست رجعية، لا ترجع له.
وثانياً: أنه حرم الرجعة ولو بعد الطلقة الأولى والثانية إذا كان المقصود من الرجعة مجرد الإضرار، وإطالة العدة بغير فائدة، وتوسيع مدة الانتظار.
ثم يقول ربنا: وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 232].
ورد في صحيح البخاري: أن معقل بن يسار كان له أخت طلقها زوجها، فأراد أن يراجعها الزوج فمنعها معقل، قال: لا، هذا أذلك، الزوج أذلك، طلقك، أبداً ما أرجعك إليه البتة، فكان اسمها: جميلة، واسم زوجها: عاصم بن عدي، فأنزل الله هذه الآية، فكفر هذا الأخ عن يمينه وأنكحها إياه [رواه البخاري: 5331 بمعناه]؛ لأن الآية نزلت، وما في مجال الآن أبداً لعدم إرجاعها، وهذا من الجهل الذي يفعله بعض الرجال الأولياء مثل أبيها وأخيها إذا طلقها زوجها، يقولون: أبداً ما نرجعها حتى لو كانت في العدة.
وإذا أرادت هي أن ترجع واقتنعت بالرجوع يمنعون ابنتهم أو اختهم من الرجوع إلى زوجها، مع أن الزوج راضٍ بالإرجاع والمرأة راضية بالرجوع.
هذا حرام.
إذا عادت المياه إلى مجاريها ما يجوز لك أن تمنعها أبدا من إرجاع زوجها لها.
فقه النساء من خلال آية: 233 من سورة البقرة
وفي موضع آخر -مما يتعلق بهذا الموضوع- يقول الله : وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 233]، مثل هذه الآيات -أيتها المستمعات- ينبغي أن يكون للمرأة علم بمعانيها، ولكن مع الأسف كثير من النساء يقرأن هذه الآية في الختمة ولا يفقهن معناها، ولا معنى مثلها من الآيات، مع أنها تتعلق بهن وتناقش أحوالهن، وتبين أحكام المرأة، لكن مع ذلك -الله المستعان- كثير من النساء تقرأ القرآن وتمر بهذه الآيات التي فيها ذكر لأحكام المرأة، ولا تعي معنى الآية، ولا تحاول أن تقرأ أو تفهم تفسير هذه الآية من كتب أهل العلم.
ففي هذه الآية يبين ربنا : أن الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين، يعني: سنتين، لمن أرادت أن تتم الرضاعة.
فيه دليل هذه الآية على أن إرضاع الحولين ليس حتماً، يعني: ليس واجباً أن تتم السنتين، ولكن هو التمام وهو الكمال، وهو الأحسن والأفضل في رعاية الولد، لكن إذا رأت هي والرجل أن تقتصر ما هو أدنى من السنتين، وليس لذلك حد محدود، وإنما إذا رأى أن الولد قد صار عنده قوة، واشتد عوده، وصار بالحليب أو باللبن الذي ارتضعه قوي البنية، ولا يخشى عليه من قطع اللبن، فإنه في هذه الحالة إذا اتفق الرجل مع المرأة على إيقاف الرضاع فإنه لا بأس بذلك، وتطعمه من الأطعمة الأخرى.
ومن الأشياء التي قد تدل على أنه لا يجوز أن تقطع اللبن عن الولد إذا لم يقبل الرضيع غير ذلك، فإذا لم يقبل الرضيع غيرها من المرضعات، أو طعاماً آخر وهو في السنتين فإنه يجب عليها أن تكمل الرضاعة؛ لأن في عدم إكمالها إضرار به.
وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة: 233]، يعني: على الأب الذي يولد له هذا الولد رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 233].
وهذه العبارة وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ إشارة على أن الابن يحمل اسم الأب وليس اسم الأم، ولذلك قال: وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ [البقرة: 233]، يعني: الأب هو الذي يولد له، معناه الولد من حقه في التسمية، ولذلك يحمل اسم أبيه ولا يحمل اسم أمه، وينسب إلى أبيه ولا ينسب إلى أمه.
وهذا الْمَوْلُودِ لَهُ الأب عليه أن يرزق هذه المرأة، الرزق يعني: الطعام، ليس مثل رزق الله، ولكن يعني: يعطيهن الطعام الكافي المتعارف عليه بين الناس، والكسوة المتعارف عليها بين الناس، يعطيهن بالمعروف على قدر حاله.
في هذه الآية دليل على أن هذه النفقة واجبة على الآباء للأمهات المرضعات، ولو كانت المرأة مطلقة طلاقاً بائناً وهي ترضع ولده يجب عليه أن ينفق عليها طيلة إرضاعها للولد.
أما غير المطلقات فالنفقة والكسوة واجبة على الأزواج على الأصل، ولو كن غير مرضعات، على الأصل أن نفقة المرأة على زوجها.
لماذا جعل الشارع نفقة الولد على الوالد؟
لأن الولد عاجز وضعيف، ويجب على الأب نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، يجب عليه شرعاً، يأثم إذا ما أنفق عليهم، ويلزمه القاضي بالإنفاق.
ولذلك من الأشياء المؤسفة ما يحدث أحياناً من بعض الرجال، يكون هو موظف وزوجته موظفة، فقد يكون هو فاجر أو بخيل واحد منهم، فإذا كان فاجراً يبذر أمواله في الخمور والسفريات المحرمة، وإذا كان بخيلاً يمسك ماله، يجمعه، ويقول لزوجته: أنت تنفقين على البيت، وأنت تصرفين على أولادك، وراتبك تدخريه لمن؟ يجبرها على الانفاق منه، وهذا إجرام؛ لأن الإنفاق هو على الأب وليس على الأم، صحيح أنه يستطيع أن يمنعها عن العمل شرعاً، لكن لا يستطيع أن يجبرها على الإنفاق من راتبها على البيت، بعض الرجال لا يستحون أبداً، نعرف قصصاً من هذا القبيل، هو رجل طول في عرض قادر مكتسب، وراتبه كبير، ولا يستحي أن يقول لزوجته: أنت تنفقين على البيت، الأغراض أنت تشتريها، ملابس الأولاد عليك، وهكذا..
هذا ليس من الواجب على المرأة.
والمرأة العاقلة يمكن تسدد وتقارب، وتحاول رأب الصدع، وقد تنفق من مالها، وأحياناً تكون مكرهة من أجل يحصل الطلاق، وتحصل المشاكل، فأقول لمثل هذه المرأة: إنك مأجورة، أجرك على الله إن تحملت ذلك.
صحيح ما يجب عليك، لكن إن تحملتِ ذلك من أجل الحفاظ على سلامة الأسرة، وتحمل لهذا الفاجر، أو البخيل حتى لا تحصل أضرار أكبر، والله يعطيك من عنده سبحانه وتعالى أجراً ومغفرة على ما تحملت من هذه الأشياء.
والوالدة لا تضر بالولد، فلا تسيء التربية أو تقصر في غذائه، وبعض النساء لا يخفن الله في المسألة هذه، فتجد أنها لا تعطي ولدها ما يحتاج إليه، وربما توكل أمره إلى الخادمة التي لا تراعيه أيضاً؛ لأنه إذا الأم ما راعت، هل الخادمة ستراعي؟ وهل ستراعي الخادمة أكثر من الأم؟
فلذلك ننصح هؤلاء الأمهات اللاتي يرمين أولادهن في أحضان الخادمات بدون اهتمام، نقول ونعظهن بقول الله: لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا [البقرة: 233]، لا يجوز للوالدة أن تضر ولدها أبداً.
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ [البقرة: 233]، يعني: إذا اتفق الأبوان على فطم الولد والتفريق بينه وبين الثدي عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا يعني: اتفاق بين الوالدين.
هذا الكلام أثناء السنتين، أثناء الحولين، وَتَشَاوُرٍ عند ذلك فلا جناح عليهما من الفصل بين الولد وبين الثدي.
فقه النساء من خلال آية: 234 من سورة البقرة
ثم يقول ربنا في سورة البقرة أيضاً: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234]، يقول الله مبيناً حكماً يجب على المرأة المسلمة أن تلتزم به إذا مات زوجها المسلم فإنها تتربص بنفسها وتنتظر أربعة أشهر وعشرة أيام.
وفي هذا حِكم من جهة بيان ما في الجنين، ومن جهة مراعاة حق الزوج المتوفى، ومراعاة المشاعر، فإنها تبقى أربعة أشهر وعشراً، إلا المرأة الحامل فإن عدتها إذا مات زوجها وهي حامل عدتها حتى وضع الحمل، فهذه الآية مخصصة بآية أخرى، وهي قول الله : وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ [الطلاق: 4].
فإذا وضعت الحمل، هذه الحامل تسمى: أم العدد، المرأة الحامل؛ لأنها إذا وضعت الحمل انتهت عدتها تماماً، سواء كانت مطلقة، أو مات عنها زوجها، ولو وضعت حملها بعد موته بيوم واحد خرجت من العدة، وجاز لها أن تتزوج بعد ذلك، فإذا كانت امرأة غير حامل فإنها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام إذا مات زوجها، سواء كانت كبيرة أو كانت صغيرة، وهكذا..
فإذا انتهت العدة: فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ [البقرة: 234]، يعني: ما في حرج إذا تزينت وتعرضت للخطاب، وإذا جاء الخاطب قابلته، ولا جناح عليها أن تنتقل من مسكنها الذي كانت معتدة فيه، ولا جناح عليها في التزين؛ لأن المرأة المحادة يجب عليها خلال فترة العدة أن تترك الزينة بأنواعها، وأن تمكث في البيت أربعة أشهر وعشراً ما تخرج إلا للضرورة، يعني: تترك الملابس المزينة، المزركشة والسهرات أو الحفلات والمناسبات، وتلبس ثياباً عادية جداً.
ومن البدع: لبس السواد، لا يجوز، حرام، إذا لبست السواد واعتقدت أنه هو الواجب، فإنها تكون قد ابتدعت في دين الله، لكن لو لبسته؛ لأن هذا عندها متيسر ولم تجد غيره لا بأس، تلبس الأزرق، الأخضر، المهم أن لا يكون كحلي، أن لا يكون زينة في نفسه، ولا يكون مطرزاً مزركشاً مزخرفاً، وكذلك لا تضع طيباً، اللهم إلا إذا اغتسلت من الحيض، فإنها يرخص لها في وضع الطيب عند الاغتسال من الحيض فقط، وغير ذلك لا تضع طيباً، وكذلك الحلي تتجرد من القلائد والأقراط، والأسورة والخواتم، ما تضع زينة.
ومن العجيب: أن أحكام العدة في المجتمع دخل فيها بدع كثيرة، فبعض النساء يعتقدن أنها لا يجوز أن تسلم وتصافح امرأة متزوجة.
وبعض النساء تعتقد أنها لا يجوز أن تصافح الولد الصغير.
وبعض النساء المعتدات تعتقد أنه لا يجوز أن تنظر من الشباك، أو تعتقد أنه لا يجوز أن تتروش، أو تعتقد أنه لا يجوز أن تخرج إلى سطح البيت، أو إلى حديقة البيت داخل سور البيت.
وبعضهن تعتقد أنه لا يجوز لها أن تنظر إلى القمر.
وبعضهن تعتقد أنه لا يجوز لها أن تنظر إلى المرآة.
وبعضهن تعتقد أنها إذا انتهت من العدة لا بد أن تخرج مغمضة العينين إلى ساحل البحر، وتفتح عينها أمام البحر، وترجع وتصلي ركعتين في المسجد، إلى آخره من البدع والخرافات الشائعة وسط النساء في هذه الأيام.
والحقيقة أنني ما وجدت عدداً أكبر من البدع عند النساء من بدع الحداد.
ولذلك نقول: المرأة المحادة تمكث في البيت إلا للضرورة مثل: المستشفى، أو المحكمة، وتترك الزينة فقط.
تتكلم بالهاتف؟ نعم، تتروش متى ما شاءت؟ نعم، تنظر من الشباك؟ نعم، تنظر في المرآة؟ نعم، تسلم على الولد الصغير؟ نعم، على المرأة المتزوجة؟ نعم، وهكذا من الأشياء.
ومن البدع التي تذكرتها الآن: أنهم يعتقدون أن الرجل إذا كان متزوجاً من زوجتين فإذا كانت واحدة حاملاً وأتت بولد تطلع من عدة هي وضرتها، تقول: الولد يطلع بقية الزوجات، وإذا جابت أنثى قالت: لا، البنت حبيبة أمها، يعني: ما تطلع إلا أمها وما تطلع الضرائر الأخريات.
هذا من الأشياء المضحكة الموجودة عند بعض النساء.
نكتفي بهذه الأحكام، ولعل الفرصة تتاح بإكمالها في درس آخر قادم إن شاء الله.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
والسلام عليكن ورحمة الله وبركاته.