إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، فإنه بلغ الأمانة، وأدى الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الغمة، وجاهد بالله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه إلى يوم الدين.
منزلة الصراط المستقيم
أيها الإخوة: قال الله -تعالى- في محكم تنزيله: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 2 - 5].
ثم يأتي الدعاء بعد التمجيد والثناء كما هو معروف في آداب الدعاء، فإن الإنسان المسلم عندما يريد أن يطلب من الله شيئاً فإنه يثني عليه ويمجده بما هو له أهل من أسمائه وصفاته الحسنى، فلذلك بعد: الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ وبعد إثبات العبودية لله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5] يأتي الطلب والدعاء لله بقول العبد في الصلاة أو القارئ لسورة الفاتحة: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ [الفاتحة: 6 - 7].
هذه السورة العظيمة التي هي: أم القرآن، ولا تصح الصلاة بدونها، فيها دعاء لله في أن يرزق هذا الداعي الهداية إلى الصراط المستقيم.
مفهوم الصراط المستقيم ومعانيه
والصراط المستقيم له أسماء أخرى في القرآن، فمنهم من يفسره: بالقرآن، ومنهم من يفسره: بالإسلام، ومنهم من يفسره: بطريق أهل السنة والجماعة، ومنهم من يفسره: بطريق العبودية.
وهذه التفسيرات كلها إنما هي من باب تفسير التنوع وليس تفسير التضاد، فهو تعبير عن اللفظ بعدة معانٍ يشتمل عليها، أو عدة أسماء لنفس المسمى.
ولذلك يقول الله في كتابه: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] فإذًا يسميه الله -عز وجل- هنا: بسبيل المؤمنين.
فإذًا، هذا المنهج الرباني الذي نزل من عند الله ، الصراط المستقيم، أو سبيل المؤمنين، أو طريق أهل السنة والجماعة، شيء واحد، لكن هذا المنهج لا بد أن نعرف معالمه، لا بد أن نعرف معالم هذا الطريق، حتى نستطيع أن نميز هذا الطريق من سائر الطرق البدعية والكفرية والشيطانية، حتى نستطيع أن نسير عليه، لا بد من تميز لهذا الطريق بين الطرق الأخرى، ولذلك مسألة الضلال في البشر مقدرة من الله ولا بد أن تقع، وقد وقعت في الأمم من قبلنا ولا بد أن تقع في هذه الأمة؛ لأن الرسول ﷺ أخبر بذلك، فقد قال عليه الصلاة والسلام في حديث الافتراق: إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة، ما أنا عليه وأصحابي [حديث حسن في صحيح الجامع: 219]
وفي رواية أخرى يعرف الرسول ﷺ هذه الملة التي ستنجو من النار: بأنها الجماعة.
ومعنى الجماعة، أي الذين تجمعوا على الحق، فلذلك سمو بأهل الجماعة، أو بالجماعة، أو بأهل السنة والجماعة؛ لأنهم اجتمعوا على سنة الرسول ﷺ اجتمعوا على الحق، وتبعوا سنة الرسول ﷺ.
وحذر ﷺ من السبل والمناهج البشرية التي لم تأت من عند الله، ولم يرتضه الله -تعالى- لعباده، وهذا يتمثل في قوله ﷺ وهو جالس بين أصحابه، قال الراوي: "خط لنا رسول الله ﷺ خطاً بيده، ثم قال: هذا سبيل الله مستقيماً: اهدنا الصراط المستقيم الذي لا اعوجاج فيه، وخط خطوطاً عن يمينه وشماله، ثم قال: هذه السبل ليس فيها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه، ثم قرأ قوله تعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153] حديث صحيح رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما [رواه أحمد: 4437، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 166].
فإذًا، الصراط المستقيم أو سبيل المؤمنين أو طريق أهل السنة والجماعة، هذه أسماء لمسمى واحد، وإنما يستخدم السلف أحياناً أسماء متعددة لأغراض؛ منها: تمييز هذا الصراط عن الطرق الأخرى، فمثلاً يقولون: أهل السنة والجماعة لتميزهم عن الفلاسفة والمناطقة والكفار الذين لديهم طرق ومناهج تخالف طريقة أهل السنة والجماعة.
ويسمونهم أحياناً أهل السنة تميزاً لهم عن أهل البدعة.
ويسمونه أحياناً أهل الحديث تميزاً لهم عن من اشتغل بغير الحديث، وكره الحديث، فأخذ بعلم المنطق والفلسفة.
وأحياناً يسمونهم بالطائفة المنصورة، لماذا؟ ما هو سبب هذه التسمية؟
لا تزال طائفة من أمتي منصورة، أو ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة ، فلذلك سموا بالطائفة المنصورة.
ظاهرين على الحق ما هو نوع الظهور في هذا الحديث؟ هل هو الظهور العسكري الذي يعني أن المسلمين في سائر ظهورهم وعهودهم وأزمنتهم ستبقى لهم الغلبة ولم ينهزموا نهائياً، أم أن الظهور هنا ظهور من نوع آخر؟
ما هو نوع الظهور في هذا الحديث؟ ظاهرين على الحق، أو على الحق ظاهرين، هم أهل السنة والجماعة على الحق، لكنهم ظاهرين، ما هو نوع الظهور في هذا الحديث؟ ما هو نوع الظهور على المخالفين؟
وصفهم الرسول ﷺ بأنهم ظاهرون على مخالفيهم، ما هو نوع الظهور؟ هل هو ظهور بالسلاح والعتاد العسكري؟
ظاهرين ظهور الحجة والبيان، وليس ظهور السيف والسنان، لا يشترط أن يكونوا ظاهرين بالسيف والسنان، قد يظهرون وينصرهم الله ولكن قد تمر بالمسلمين فترات انحطاط وتقهقر وهزيمة وتأخر، ولكن يبقى هناك طائفة من الناس يظهرهم الله على سائر الخلق، ما هو نوع الظهور؟ ظهور الحجة والبيان، يعني أنهم ظاهرون على من خالفهم من أهل البدع الكفرية، وغير الكفرية، ظاهرين عليهم بالحجة والبيان، فلا يستطيع أهل البدعة أن يغلبهم؛ لأن الله قد أعطاهم من العلم والإيمان، ما يبينون به الملة السمحة الحنيفية على سائر الملل العوجاء.
مزايا الصراط المستقيم ومواصفاته
ولذلك هذا الطريق، طريق أهل السنة والجماعة ليس طريقاً حديثاً، وليس طريقاً مخترعاً في هذا القرن أو في القرون السابقة، أو من أنه من ألف وأربعمائة سنة فقط، وإنما هو طريق قديم بقدم الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم-.
كل الأنبياء كانوا على طريقة أهل السنة والجماعة، ولكن بعض الأحكام تختلف.
نريد أن نتعرف على بعض مزايا هذا الطريق، ببعض مزايا الصراط المستقيم، ومواصفات الصراط المستقيم، حتى نعرف هذا الصراط ونسير عليه.
التمسك بعقيدة السلف
أولاً: أهل السنة والجماعة أصحاب الصراط المستقيم، الذين يسلكون الصراط المستقيم، يتميزون بموافقة اعتقاداتهم لما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه في أبواب العقيدة كلها، يتميزون بأن عقيدتهم هي عقيدة السلف، متمسكين بعقيدة السلف، يعتمدون منهجهم في العقيدة على ضوء عقيدة السلف، ويستمدونها من السلف لا يخرجون عنها في جميع أبواب العقيدة، يعني: هل هو فقط في باب الأسماء والصفات؟ هل أهل السنة والجماعة متميزون في عقيدة الأسماء والصفات فقط عن سائر المذاهب الأخرى من الأشاعرة والماتريدية وغيرهم من الذين خلطوا في باب الصفات؟
الجواب: لا، لا يتميزون بهذا فقط، وإنما يتميزون بعقيدتهم الصحيحة في سائر أبواب العقيدة؛ مثل: الأسماء والصفات، والإيمان، والقضاء والقدر، وغير ذلك من أبواب العقيدة، فهم في جميع أبواب العقيدة عقيدتهم عقيدة السلف، عقيدة الرسول ﷺ، ولذلك قد يقصر بعض الناس في عرض العقيدة عندما يعرضها فقط في باب الأسماء والصفات، وينسى عرض عقيدة الإيمان، وعقيدة القضاء والقدر، وعقيدة أعمال العباد وأفعالهم وكسبهم على ضوء السنة، فلا بد من عرض جميع أبواب العقيدة على الناس.
وهؤلاء الناس هم أسعد الأمة برسول الله ﷺ الذين يؤمنون بالنصوص إيماناً صادقاً دون أن يسلطوا عليها سهام التأويل والتحريف والإنكار والتضعيف، وغيرها، ويعتمدون القرآن الكريم مصدر الأدلة النقلية والعقلية معاً، مع رفض التأويل الكلامي لصفات رب العالمين.
ويرفض أهل السنة والجماعة من سالكي الصراط المستقيم عرض العقيدة على طريقة الفلاسفة والمتكلمين الذين قعدوا القواعد زعموا بأنها قواعد عقلية، فصاروا يشرحونها للناس، لماذا ؟
عقيدتنا عقيدة سهلة ميسورة، يفهمها الصغير والكبير، والعامي والعالم، والمثقف والجاهل، والرجل والمرأة، لا تخفى على أحد، عندما نشرح للناس ونقول لهم: خلق الله آدم بيده، ماذا يفهم العامة من الناس؟
أن لله يد تليق بجلاله وعظمته، يفهمون هذا.
عندما نقول لهم: لا، اليد هي القدرة، واليد هي الإرادة، هل يفهم هذا الكلام وهذا التأويل عامة الناس؟
كلا.
عندما نقول لهم: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]، ماذا يفهم الناس؟
أن الله تكلم بكلام حقيقي يليق بجلاله وعظمته.
عندما يأتي بعض المعتزلة ويفسرون الآية: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]، يعني جرَّحه بأظافير الحكمة؛ لأنهم يعتقدون بأن الكلم هو الجرح في اللغة، وَكَلَّمَ اللّهُ يعني جرَّح الله موسى، ولما أرادوا أن يخلصوا أنفسهم من المطب الذي وقعوا فيه كيف يجرَّح الله نبياً من الأنبياء؟
قال: جرحه بأظافره، وصاروا يلفقون من البلاغة والبيان وأنواع البديع والمجاز أشياء حتى يتوصلون بها إلى هذا التأويل الفاسد.
هل يفهم معنى: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164] يعني: جرَّحه بأظافيره الكثيرة، هل يفهم هذا التفسير عامة الناس؟ لا، لا يفهمه إلا من وضعه، وربما بعضهم لا يفهم ما تكلم به، وإنما قاله تقليداً لما انقدحت في ذهنه بعض الأفكار الشيطانية من أنواع التأويل والتحريف.
تعظيم النصوص الشرعية
أيضاً عقيدة أهل السنة والجماعة فيها تعظيم لنصوص الشرع، عندما تأخذ النصوص وتؤمن بها هكذا كما جاءت من غير تحريف ولا تأويل ولا تعطيل، أنت تعظم نصوص رب العالمين، لكن عندما تغير على النصوص بشتى أنواع أسلحة التعطيل والتشبيه هل تصبح معظماً للنصوص؟ لما أقول أنا: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]، يعني: وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]، وأرضى وأسلم بما قاله الله في كتابه، أفلا أكون معظماً للنصوص؟
عندما يأتي إنسان ويقول: اليد القدرة، والاستواء هو الاستيلاء، وكلم الله يعني جرَّحه بأظافره، هل أكون معظماً للنصوص؟
لا، ليس فيها تعظيم للنصوص، وإنما فيها اعتداء على النصوص وتأويل وتحريف لها، وإخراجها عن غير ما أراد الله من إنزالها.
كذلك عقيدتنا عقيدة عمل وليست عقيدة نظرية، هكذا نقرأ في كتب العقيدة في باب الأسماء والصفات، أو الإيمان بالقضاء والقدر، ونعتقد ونحفظ هذه العبارات بدون أن يكون لها أثر واقعي، كلا، فإن الذين يسلكون الصراط المستقيم يعتقدون بأن هذه العقيدة التي في نفوسهم هي ذات أثر عملي في الخارج، يعني: في الواقع الذي يعيشون فيه، فمثلاً: عندما أؤمن بأن الله سميع، ليس الإيمان بأن الله سميع فقط يعني له سمع يليق بجلال سمعه وعظمته، ليس هذا فقط المراد من هذا الاسم العظيم، وإنما أعقل بأن الله يسمع كل ما أقول، وهذا الإيمان بهذا الاسم يدفعني إلى عدم الكلام بالكذب أو الافتراء أو البهتان، أو الغيبة أو النميمة، وأحرص على أن الله لا يسمع مني إلا ما يرضيه، أليس كذلك؟
"البصير" ليست القضية فقط أن الله له بصر يليق بجلاله وعظمته، وإنما القضية أبعد من ذلك، يعني: الله يبصر ما أعمل فأحرص أن الله لا يرى مني إلا كل خير، فلا أصدر في تصرفاتي إلا عن شيء شرعي، وأعمال خيرة.
أيها الإخوة: التصورات أو الآثار التي تنتج عن مسائل الإيمان، عن مسائل العقيدة في قضايا الأسماء والصفات مثلا يجب أن تكون متسعة؛ لأن بعض الناس يحصرها فقط على قضايا الإيمان بها الأشياء النظرية، لما يأتي ابن تيمية -رحمه الله تعالى- يقول: السميع، ويتكلم عن هذا الاسم تحس بأن هذا الرجل فعلاً يفقه معنى كلمة: السميع، فيقول: إن الله يسمع كلام العباد ودعاءهم على اختلاف ألسنتهم، واختلاف أمكنتهم، وتنوع حاجاتهم، فإن الله يسمع الأصوات، وتنوع الجهات، واختلاف الغايات، واختلاف الحاجات.
فلو أن إنساناً يدعو في أمريكا والآخر في الهند وآخر في الجزيرة، ورابع في المحيط؛ الله -عز وجل- يسمعهم كلهم مع اختلاف ألسنتهم في نفس الوقت.
هذا يتكلم بالأردية، وهذا يتكلم بالعربية، وهذا يتكلم بالإنجليزية، وهذا يتكلم بالسيلانية؛ الله يعلم ماذا يقول هذا بلغته وهذا بلغته وهذا بلغته، في نفس الوقت، هذا يقول: يا رب ارزقني ولداً، والآخر: اللهم اشف مريضي، والثالث يقول: اللهم أعطني مالاً، والرابع يقول: اللهم أعطني زوجة، وهكذا حاجاتهم متنوعة، والله يسمع حاجاتهم وأصواتهم، يسمع هذه الحاجات والأصوات، ويعطي هذا ويعطي هذا، ويؤخر هذا، وهذا يعطيه أجراً، وهذا يؤخره، وهكذا...
انظر هذا الفهم، هذا العرض للعقيدة، عرض هذه القضايا بهذا الشكل للناس هي التي تخرج العقيدة، عرض العقيدة من دائرة الحيز النظري الضيق إلى قضايا عملية، بحيث أن الناس يرتبطون بالأسماء، ليست قضية فقط لا تحريف ولا تأويل، وإنما أيضاً إيمان بمقتضاها، وعمل بمعانيها، وتأثر بها ينعكس على السلوك والواقع.
معاني كلمة التوحيد ومقتضياتها
قضية مهمة من قضايا العقيدة: الكلمة التي تدخل الإنسان في الإسلام ما هي؟
أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله.
الآن الناس ماذا يفهمون في هذه الشهادة؟ لماذا يعبر عن الإسلام أحياناً بشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإسلام فيه أشياء كثيرة، فيه صلاة وصيام وزكاة وبر الوالدين؟ يا ترى هل الشهادة شهادة أن لا إله إلا الله لا تحتوي على هذه الأعمال؟ أم أنها تحتوي عليها؟ وإذا كانت تحتوي عليها كيف تحتوي عليها؟
لما نأتي إلى معنى كلمة: "أشهد".
المشكلة أننا ما نفهم، نفقه لغة العرب، فتأتي هذه النصوص أمامنا والقضايا المسلمة هذه أشياء نظرية.
يعني الآن لو واحد من المسلمين قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله ببساطة، كل المسلمين يقولون هذا.
لما نأتي نفكر، كفار قريش، الرسول ﷺ قال لهم: قولوا: أشهد أن لا إله إلا الله، رفضوا أن يقولوها، لماذا أقاموا الدنيا وأقعدوها، وحاربوا الرسول ﷺ هذه السنين الطويلة، وصارت المشاكل هذه على شأن كلمة؟ كان قالوا: أشهد أن لا إله إلا الله، وارتاحوا، وانتهينا.
أبو طالب، الرسول على رأسه طول الوقت يقول : يا عم قل كلمة حق ، قل: أشهد أن لا إله إلا الله، ما يقول، ما كانت انتهت القضية من أول، وقال هذه العبارة وريح الرسول وريح نفسه من هذه الإحراجات؟
لماذا كان الكفار يكرهون أن يتفوهوا بهذه العبارة؟
لأنهم كعرب سليقتهم سليمة، كانوا يعرفون معنى: أشهد أن لا إله إلا الله، أكثر منا اليوم.
أبو جهل يعرف معنى: أشهد أن لا إله إلا الله أكثر من كثير من المسلمين اليوم.
وأبو طالب الكافر الذي هو مخلد في النار يعرف عن معنى: أشهد أن لا إله إلا الله أكثر من كثير من المسلمين اليوم. وهذا حق، هذا صحيح، لماذا؟
لأن كلمة: "أشهد" في لغة العرب تعني:
أولاً: العلم بمقتضى ما تشهد به، هذا شاهد في محكمة يشهد أمام القاضي، ممكن واحد يشهد أمام القاضي بشيء وهو لا يعلم معنى ما يشهد به؟ هل هذا يعقل؟
لا..
إذًا، كلمة: "أشهد" تقتضي العلم بمعنى الشهادة بما تشهد به، أليس كذلك؟ يعني دخلت في العلم أبواب العقيدة بالغيب كلها في قضية: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، بأنك لا بد أن تعلم عن الله وعن رسوله، يعني: تعلم الشريعة كلها.
ثانياً: التصديق القلبي بمقتضى هذه الشهادة، هل يمكن أن يشهد إنسان أمام القاضي وتعتبر شهادته زور، شهادة صحيحة، هل يمكن أن أقول: رأيت فلاناً يسرق وأنا غير مصدق قلبياً أنه سارق؟ ما أصدق وأقول أمام القاضي: رأيته يسرق، أشهد أنه سارق، وأنا غير مصدق قلبياً أنه سارق؟ هل تعتبر هذه شهادة صحيحة؟
لا، إذًا لا بد من التصديق القلبي.
"أشهد" أمام القاضي بأن فلاناً سرق، هل يمكن أن أشهد أمام القاضي بدون أن ألتفظ بأن فلاناً سرق؟ كيف يعرف القاضي بأن شهد على القضية، إذا ما تلفظ بها، إذا ما تلفظ بالشهادة، وقلت: رأيت فلاناً يسرق، قلت هذه العبارة، ممكن أسمى شاهداً عند القاضي؟
لا، إذا دخلت قضية التلفظ في كلمة: "أشهد"، أشهد لأنك لا يمكن تشهد وأنت..
رابعاً: هل يمكن "أشهد" شهادة صحيحة أمام القاضي وأنا غير ملتزم بما تقتضيه شهادتي؟ فلو خوفوني قالوا: ترى نسجنك، أنا بطلت "أشهد" هل تعتبر شهادتي صحيحة؟ لو قالوا لي: أن شهادتك هذه تستلزم كونك تشهد عند القاضي إنك تجيب مزكين، لو قالوا لي: ابصم على الورقة هذه أنك شهدت؟ أقول: هات أبصم، وأعمل بجميع المستلزمات حتى تصير شهادتي عند القاضي صحيحة.
إذًا، قضية الصبر على ما يستلزمه مقتضى الشهادة أمر داخل في معنى كلمة: "أشهد".
فالأشياء الأربعة التي تتضمنها كلمة: "أشهد" في لغة العرب.
أولاً: العلم المنافي للجهل.
ثانياً: التصديق والاعتقاد اليقيني في القلب المنافي للشك.
ثالثاً: التلفظ بهذه الأشياء، ما يمكن نحكم على واحد أنه مسلم حتى يتلفظ، حتى لو سوى كل الأشياء، نقول له: لا تقبل منه حتى تتقبل هذا، لذلك كان المسلمون سيقتلون أناساً لو دخلوا مكة بالعنوة، يقتلون أناساً ما يدرون عنهم أنهم مسلمين؛ لأنهم ما كانوا يظهرون الدين، ما يعتبر الإنسان مسلماً نعطيه أحكام المسلم إلا إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، ما نعطيه، لا بد من التلفظ.
والرابع: الالتزام بمقتضاها، والالتزام -طبعاً- يشمل الصبر على الأذى.
لهذه الأسباب -يا إخواني- رفض أبو جهل وأبو طالب وغيرهما من كفار قريش أن يقولوا هذه العبارة: أشهد أن لا إله إلا الله، لأنهم يعرفون كلمة: "أشهد".
لكن كثيراً من المسلمين اليوم لا يعرفون معنى كلمة: "أشهد" فلذلك ليس عندهم أسهل من التلفظ بهذه الشهادة، وإذا تجاوزت أحدهم في أفعالهم وتصرفاتهم أشياء منافية للإسلام، يقول لك: أشهد أن لا إله إلا الله تكفرني؟ أنا أشهد أن لا إله إلا الله، تضللني تفسقني تبدعني؟ أنا أشهد أن لا إله إلا الله.
تشهد أن لا إله إلا الله، أيش حقيقة شهادتك هذه؟ ما هي حقيقة شهادتك؟
تقديم كلام الله ورسوله على كل قول
الصراط المستقيم يفرض على من يسلكه فرضاً أن يقدم كلام الله ورسوله على كلام سائر الناس، فإذا تعارض كلام الله في وحيه وكلام الرسول ﷺ في السنة تعارض مع كلام أحد من البشر سواء كان أعلم الناس أو أجهل الناس نذهب إلى من؟ نرجع إلى من؟
إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59] يعني ردوه للقرآن والسنة، لذلك يقول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحجرات: 1]، لا تتقدم بين الله ورسوله برأي فلان ولا بقول فلان، ولا برأيك ولا بهواك، ولا بخواطرك، لا تقدم بين يد الله ورسوله شيئاً.
ولذلك يقول ابن عباس فيما صح عنه: "أخشى أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم: قال رسول الله، وتقولون: قال أبو بكر وعمر" [ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/ 215) كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد (2/182) ، وإعلام الموقعين (2/ 168)] يعني صار فيه مسألة قال ابن عباس: المسألة حكمها كذا، والدليل: عن الرسول ﷺ كذا، وابن عباس طبعاً عالم وليس بجاهل، عالم قال الدليل والحكم المستند للدليل، فقال بعض الناس من الحضور: ترى أبو بكر يقول كذا وعمر يخالف ويقول كذا، قال ابن عباس: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم: قال رسول الله وتقولون لي: قال أبو بكر وعمر".
الآن كثير من الناس تقول: يا أخي القضية الفلانية حكمها كذا، والدليل من القرآن والسنة كذا، طبعاً بأقوال أهل العلم المعتبرين، يقول لك: لا، أنا سمعت فلاناً في برنامج كذا، وقرأت لفلان في صحيفة كذا، وكنا في مجلس وقال فلان غير الكلام هذا، طيب يا أخي فلان هذا أيش دليله؟ قال : والله ما في دليل، أو أتى بحديث ضعيف، تقول: قال الله، قال رسول الله، وهو معرض عنك لا يلتفت إليك.
فالتزام منهج الرسول ﷺ في حياته، ومنهج أصحابه بعد مماته، وهذا المنهج هو القرآن الكريم والسنة الصحيحة التي أمر الرسول ﷺ بالتمسك بها، قائلاً: إني قد تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما: كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض حديث صحيح [رواه الحاكم في المستدرك: 319، وقال الألباني: "صحيح: كما في السلسلة الصحيحة: 1761].
فالفرقة الناجية إذًا تعود إلى كلام الله ورسوله حين التنازع والاختلاف، عملا بقول الله : فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59].
العبودية ومراتبها
نأتي إلى قضية أخرى من معالم الصراط المستقيم،: قضية عبودية.
الآن الناس ماذا يفهمون عن العبادة؟ يفهم عامة الناس عن العبادة: أنها مجموعة من الشعائر التي تؤدى في المساجد، في الصلوات في المساجد، زكاة في وقت الزكاة، وصيام كم يوم في رمضان، والحج.
هذا هو ما يفهمونه عن قضية العبادة.
فإذا جئت تحدث أحدهم يقول لك: أنا الحمد لله أصلي وأزكي وأصوم وحجيت العام الماضي ماذا تريد مني؟
تقول له: يا أخي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56]، يقول لك: هذا نعبد الله، انا أصلي، تقول له: قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162]، يقول: وأنا الحمد لله أذهب إلى المسجد وأفعل.. وأفعل.
هناك قصور رهيب في تصور الناس لقضية العبادة، كيف؟
أولاً: لا بد أن نعلم بأن العبادة؛ كما يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- وهو كلام نفيس جداً يقول: "فالعبودية: اسم جامع لهذه المراتب الأربع".
ما هي المراتب الأربع التي يضمها لفظة: العبادة؟
أولاً: قول القلب.
ثانياً: قول اللسان.
ثالثاً: عمل القلب.
رابعاً: عمل الجوارح.
الآن نشرح هذه القضايا ثم نفكر بعدما نخلص من الشرح، نقارن وضع الناس اليوم في العبادة التي يزعمون أنهم يعبدون الله بها، وبين الفهم الصحيح والواقع الصحيح الذي يجب أن تكون عليه العبادة.
قول القلب، ما هو قول القلب؟
هو اعتقاد ما أخبر الله به عن نفسه وعن أسمائه وصفاته وأفعاله وملائكته، ولقائه في الدار الآخرة، وعلى لسان رسوله في القرآن أو السنة، اعتقاد هذه الأشياء.
الذي يشك لحظة واحدة أنه ما في يوم قيامة كافر، الذي يشك لحظة واحدة أن الله لا يسمع كافر، الذي يشك لحظة واحدة بأنه ليس هناك ملائكة بعد كل هذه الأدلة التي طرحت له في القرآن والسنة، وينكر الجن بعد كل الأدلة المذكورة في الكتاب والسنة مكذب لظاهر القرآن فهو كافر.
فإذًا، لا بد من الاعتقاد واليقين القلبي بهذه الأشياء التي أخبر الله بها.
وهذا الاعتقاد القلبي هو الذي يفرق لنا بين المنافق والمسلم؛ لأن المنافق والمسلم أعمالهم ظاهرة واحدة، كلهم يصلون ويزكون، يفعلون نفس الأشياء تقريباً، لكن ما الذي يفرق بين المنافق والمسلم؟
قول القلب، وهو الاعتقاد واليقين الجازم بهذه الأشياء.
ثانياً: قول اللسان، وهو الإخبار عنه بذلك.
يا ترى، قول اللسان هل هو فقط: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله؟ هذه العبارة فقط هي قول اللسان؟
العبادة عندما نقول: العبادة تشمل قول اللسان، هل قول اللسان هي هذه الأشياء فقط، أم هناك أشياء أخرى؟
قضية قول اللسان ليست هي فقط التلفظ بالشهادتين، وإنما قضية قول اللسان بالعبادة هي: الإخبار عن الله بذلك، يعني: تعليم الناس، نشر العلم، العلم كيف ينشر؟ باللسان، ينشر بالكتابة والقلم، وأحد اللسانين كما تقول العرب، "القلم أحد اللسانين".
فإذًا، نشر العلم، شيء أنت آمنت به عن الله بقلبك يجب أن تخبره لغيرك وتبلغه إليه، والدعوة إليه، والذب عنه، الدفاع عن الله وعن شرع الله ، الدفاع باللسان، ومقارعة أصحاب الباطل بالحجة والبيان، وتبين بطلان البدع المخالفة لمنهج الله، والقيام بذكر الله، وتبليغ أوامره، وهكذا..، هذه كلها من وظائف أيش؟ اللسان، والعبودية تقتضي هذا، تقتضي أنك تفعل بلسانك هذه الأشياء كلها.
ثالثاً: أعمال القلب، ما هو عمل القلب؟
قول القلب اعتقاد وتصديق، فيه أشياء يعملها القلب، فيه أشياء هي أعمال لكن ما يقوم بها إلا القلب، التوكل، الرجاء، المحبة، الإخلاص، الصبر على الأوامر، والإنابة إلى الله، والخوف منه، وهكذا..، هذه القضايا كلها من أعمال القلوب، لكن الآن قل لي: كم من المسلمين عندهم أعمال قلوب؟ كم من المسلمين إذا أصابتهم مصيبة صبروا؟ وكم منهم يفيئون ويرجعون إلى الله ويحسون بالمراقبة وينيبون إليه؟ عندهم عمل قلب كم من الناس؟
قليل جداً..
والخضوع والإخبات لله، والطمأنينة إليه، والموالاة فيه، والمعاداة فيه، المولاة والمعاداة من أعمال القلوب، وهي قضية مهمة جداً سنأتي عليها إن شاء الله وغيرها، كما يقول ابن القيم -رحمه الله-: وغيرها من أعمال القلوب التي فرضها أفرض من عمل الجوارح.
أعمال القلوب هذه قضية التوكل والإنابة والمراقبة، والخضوع والإخبات والمعاداة والموالاة، بعض هذه الأشياء أفرض يعني: أوجب وأعلى قدراً وأهم من بعض أعمال الجوارح.
وبدونها يصبح هذا المسلم إما عديم المنفعة أو تصبح أعمال الجوارح بدون القلوب إما عديمة المنفعة أو قليلة المنفعة.
الشيء الرابع: ما هي أعمال الجوارح؟
الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والجهاد، ونقل الأقدام إلى الجمع والجماعات، والإحسان إلى الخلق، وبر الوالدين، وهكذا..
الآن بعدما عرفنا المراتب الأربع: قول القلب وعمل القلب وقول اللسان، وعمل الجوارح، الآن الناس عامة المسلمين ما هو البند الذي ينفذون منه بعضه؟
عمل الجوارح مع قول اللسان يعني، يقولونه الشهادة، لكن لا يوجد أمر بالمعروف، ولا نشر علم، ولا دعوة إلى الله، ولا ذب عن الدين، ولا مناقشة المبتدعة، أبداً.
إذًا، قضية العبادة قضية واسعة جداً، متسعة، انظر كيف تحتوي على جميع الأشياء التي تخطر ببالك من الأعمال الصالحة في داخلك وخارجك.
قول القلب، وعمل القلب، وقول اللسان وعمل الجوارح معناه ما بقي شيء مطلقاً، خلاص، دخلت الحياة كلها في الدين.
إتيان الرجل زوجته من عمل الجوارح، معناها لازم تكون داخلة في العبودية، معناها يثاب الإنسان ويعاقب على هذا العمل.
الابتسامة في وجه أخيك من أعمال الجوارح.
فإذًا، العبادة هذه شملت كل ما يخطر ببالك من الأشياء الموجودة في الحياة والدنيا كلها، بلا استثناء وأيضاً في الآخرة.
ضوابط العبادة في الإسلام
أيضاً العبادة في الإسلام على الصراط المستقيم، يعني: منهج الصراط المستقيم وعلى ضوء الصراط المستقيم لها ضوابط تضبطها، تضبط العبادة من الانحراف والغلو حتى لا يصبح هناك غلو في العبادة أو انحراف.
كل بدعة ضلالة
هناك ضوابط تضبط العبادة؛ يقول رسول الله ﷺ: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار [رواه النسائي: 1578، وابن خزيمة: 1785]، هذه الأشياء تضبط العبادات حتى لا يدخل فيها البدع، الذي هو عدم استحداث شيء في الدين بغير ما شرع الله، ولذلك قعد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قاعدتين جليلتين في هذا الموضوع فقال: لا يعبد إلا الله، لا يعبد إلا بما شرع، لا يعبد بالبدع.
قاعدتان:
أولا: لا يعبد إلا الله، أيش يعني هذا؟
يعني: الإخلاص، لا يعبد إلا الله.
لا يعبد إلا بما شرع، أيش يعني؟
المتابعة للرسول ﷺ؛ لأنه هو الذي بين لنا كيفية العبادة: صلوا كما رأيتموني أصلي [رواه البخاري: 631]، وهكذا..
من رغب عن سنتي فليس مني [رواه البخاري: 5063، ومسلم: 1401].
إذا كان هناك قاعدة أصولية أيضاً مهمة في هذا الجانب: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد الدليل على الحظر أو على المنع" يعني: هذه الأشياء السيارات، الطيارات، هذه مباحة ما لم يرد دليل على أن شيئاً منها محرم، هذه الأشياء الدنيوية في غير مجال العبادات، القاعدة الأصولية فيها: "الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد دليل الحظر".
الأصل في العبادات المنع حتى يرد دليل الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة
ما هي القاعدة في العبادات؟
"الأصل في العبادات المنع حتى يرد دليل الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة".
"الأصل في العبادات المنع" الأصل أنه ما نصلي أبداً ولا نصوم أبداً بأي كيفية حتى يأتينا دليل على الصلاة وعلى الصيام، وعلى الذكر، وعلى كيفية هذه الأشياء.
ولاحظ الأخذ بهذه القاعدة، واعتماد هذا المنهج ما يمكن يدخل علينا البدع، ولا خرافات؛ لأننا نعلم أن الأصل في هذه الأشياء المنع، إذا جاء واحد وقال: يا جماعة فيه صلاة اسمها: صلاة سنة المحل، إذا رحت ونزلت بيتاً جديداً تصلي ركعتين، وإذا نزلت أرضاً جديدة تصلي ركعتين، إذا رحت وظيفة جديدة تصلي ركعتين، أيش نقول لهذا الرجل؟
نقول: قف عندك "الأصل في العبادات المنع" ممنوع نسوي أي شيء "حتى يأتينا دليل الإباحة أو الوجوب أو الاستحباب"، عندك دليل على صلاة المحل الجديد؟
لا يوجد دليل، إذًا مع السلامة.
فإذاً، القاعدة: "الأصل في العبادة المنع حتى يرد دليل الوجوب أو الاستحباب أو الإباحة".
و"الأصل في العادات أو الأشياء الدنيوية الإباحة حتى يرد دليل المنع".
هذه الضوابط والقواعد مهمة تحفظ؛ لأنك تستطيع أن تناقش بها كل واحد يريد أن يدخل في دين الله ما ليس منه، وتستطيع أن تفهم أنت ليش هذا سنة وليش هذا بدعة، ولماذا هذه حرام، وهذه ممنوعة، وليش قضية الذكر الجماعي، إلى آخر الأشياء التي سترد معنا بعد قليل.
أيضاً مفهوم العبادات مرتبطة مع بعضها، مرتبطة مع أعمال الإنسان في الحياة، الصيام ليس بمفصول عن الكذب: من لم يدع قول الزور والعمل به الكذب هذا فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [رواه البخاري: 1903]، انظر إلى الترابط القوي بين الصدق والصيام.
لاحظ كيف العبادة مرتبطة مع بعضها، لذلك يأتي واحد يقول: أنا أصوم وأصلي..، ثم تكتشف أنه يشهد الزور، ويكذب، جعل من عبادته...
كذلك لما تأتي قضية الاحتفالات وإقامة المناسبات الدينية مثل: عيد المولد النبوي، وعيد رأس السنة، وعيد الأم.
الأعياد أساساُ في الإسلام عادة أو عبادة؟
العيد في الإسلام عبادة، لا يوجد إلا ثلاثة أعياد عند المسلمين: الفطر، والأضحى، والجمعة عيد الأسبوع.
ففي السنة عندنا عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى، وعيد في كل أسبوع هو عيد يوم الجمعة.
إذًا، لما يأتي واحد يريد يعمل احتفالاً مثل العيد، مناسبة نفرح فيها بمولد الرسول، أو نفرح ونعمل مناسبة بعيد الأم، أو عيد الميلاد، واحد كل ما صار عمره كذا يشعل كذا شمعة، مهازل، عمره خمسون سنة يضعون له خمسين شمعة صغيرة، ويقعد مثل الأطفال ينفخ عليها.
ما دام الأعياد من الدين، أشياء عبادية فالأصل فيها المنع، حتى يأتي دليل الإباحة.
فلما يأتي واحد يقول: "عيد الأم" نقول: هات الدليل؟
الأعياد في الإسلام عندنا عبادة، ليست من الأشياء الدنيوية المباحة لكل واحد، أعطنا دليلاً على أن الرسول ﷺ احتفل بعيد مولده؟ أعطنا دليلاً أن الصحابة احتفلوا بعيد مولد الرسولﷺ ؟
لا يوجد دليل.
أعطنا دليلاً أن الرسول ﷺ قال: احتفلوا بعيد الأم؟ كل سنة في التاريخ الفلاني احتفلوا بعيد الأم ؟ أعطنا دليلاً أن الرسولﷺ قال : عيد الاستقلال، عيد رأس السنة، إلى آخره..؟
لذلك تجد الناس ما هي منضبطة، ناس يضعون عيد الأم في الوقت الفلاني، وكذا..
وانظر إلى أعياد المسلمين: واحد شوال عيد الفطر، وعشرة ذي الحجة عيد الأضحى، ويوم الجمعة عيد الأسبوع.
وهذا الرد على الذين يقولون: أنتم تقولون ما في احتفال بعيد المولد، وأنتم تحتفلون بمؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب؟
فنقول: هذا الأسبوع الذي لم يحدد له تاريخاً، وإنما وقت لميقات اجتماع المفكرين والناس لمدارسة قضية معينة.
لو فعلنا مؤتمراً لدراسة قضية الحج وأحكام الحج، لا يوجد إشكال إذا ما قيد بوقت معين.
أما العيد الذي يحدد له وقت معين في السنة، ويدور، وهكذا.. فعند ذلك نقول: هذه الأعياد قضية عبادية لا يجوز أن نعتمدها إلا بدليل.
أيضاً تفريق بين العبادات من أعمال ، وقضية مفهوم النية الطيبة الذي شاع عند كثير من الناس، تقول له: يا أخي أنت عندك معاصٍ كثيرة؟
يقول: يا أخي أنا نيتي طيبة، يا أخي أنت تشرب الخمر، يقول لك: لكن أنا نيتي طيبة، وأنا أحب الله، وكذا..
أنت تعصي والديك، أنت تفعل كذا وكذا، يقول لك: أنا نيتي طيبة، والإسلام في القلب.
مرة قلت لشخص: لماذا لا تصلي؟ قال: يعني أيش ما تصلي؟ أنت تصلي داخل قلبك، يعني تقيم الركوع والسجود؟
السبب الجهل، الانحرافات الموجودة.
وهذا ما يوجهنا إلى توعية الناس، وشرح قضايا العبادة لهم، وتبسطيها، وأمر الناس بها، ودعوتهم إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ولذلك أيضاً قضية الاعنكاف، والاعتكاف في الكهوف والمغارات، وأننا لا نريد الحياة الدنيا، ولا نريد الفلوس ولا نريد الزواج، هذه بدع في الدين، بدع لا يأذن بها الشرع، ولا يرضاه الله .
ولذلك نشأ عندنا من هذه القضية تياران كان أحدهما: التيار التصوفي الزهدي، وكان الآخر: تيار التصوف الفلسفي.
كان على رأس التيار الأول التيار التصوفي الزهدي: الحارث المحاسبي الذي انتقده الإمام أحمد في كثير من الأشياء.
وكان على رأس التيار الثاني التصوف الفلسفي: الغزالي -رحمة الله عليه، ونسأل الله أن يكون قد تاب في آخر عمره-، ولكنه رجل له طامات وبلايا في كتبه ينبغي الحذر منها، ونسأل الله أن يكون ممن مات على سنة الرسول ﷺ، وعلى طريقة أهل السنة والجماعة؛ لأنه كما قالوا: مات والبخاري على صدره.
فإذًا، المرجع والمآب إلى الدين.
وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "ومن نصب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا [الروم: 32] [مجموع الفتاوى: 20/8].
وقضية التعصب للقرآن والسنة وعدم التعصب للمذاهب والرجال والآراء من الأشياء المهمة في معالم الصراط المستقيم، وهذه المسألة لا بد لها من ضوابط؛ لأنه تجد كثيراً من الناس يختلفون فيها، يقول لك: أنا سأتمسك بمذهب معين، وقد يتعصب عليه.
وبعض الناس يشطح في الناحية الثانية، يفتح القرآن والسنة ويجيب على كيفه، ويفهم كما يشاء.
هذا ضلال وهذا ضلال.
السبب عدم وضوح الضوابط، فمثلاً: التعصب للأشخاص والمذاهب مذموم شرعاً؛ لأن الله نهانا عن اتباع الرجال، الاتباع أقصد التقليد الأعمى بغير دليل، وليس اتباع الدليل، التقليد الأعمى من غير دليل، لذلك كثير من الناس تناقشهم، تشرح لهم، تبين الدليل، وبعدين تقول له: يا أخي لماذا ما تتبع؟
يقول لك: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ يعني على طريقة وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف: 23]: وفي آية أخرى: مُّهْتَدُونَ [الزخرف: 22] يعني بعدما تقنعه وتعرض له الأدلة، يقول لك: يا أخي أنا عادات قبيلتي وأجدادي وتراثي وكذا يأبى هذا الشيء، ما أستطيع.
يا أخي: هذه العادات إذا صادمت الشرع ما لها حكم ولا اعتبار، ومع ذلك هو مصرٌ عليها لا يحيد يميناً ولا يساراً، بعدما تقدم الأدلة يقول لك: لكن يا أخي أعذرني، صح ترى الحق معك، وأنا عارف، لكن ما أستطيع! كيف؟!
أيش معنى الإسلام؟
هو الاستسلام لله، قال الله -تعالى- في وصف المؤمنين: وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: 65]، يسلموا يعني يقول: السلام عليكم؟! كيف وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: 65]؟ الانقياد لله والاستسلام والخضوع له .
فإذًا، يجب على كل إنسان مسلم بحسب استطاعته أن يعبد الله على بصيرة.
ما هي البصيرة؟
الدليل الشرعي من الكتاب والسنة.
عندما يأخذ عبادة أو حركة في صلاة، أو حكماً في صيام، أو منسكاً في حج، يجب عليه أن يبحث عن دليل هذا الشيء، حتى يعبد الله على بصيرة، فإذا سئل عن هذه المسألة، ما هي؟ يقول: أنا أفعلها لكذا، لأن الرسول ﷺ فعلها في كذا، ولأنها ثبتت في صحيح كذا، لا بد من هذا حتى نعبد الله على بصيرة، ما نصبح من البغبغوات والجهلة والعميان الذين يقلدون كل قناعة؛ لأن هذا يقنعك بشيء، بكرة يأتي آخر يقنعك بشيء آخر فتغير دينك كل يوم.
كلما جاء واحد أجدل منك، كما قال الإمام مالك: كلما جاء أجدل منه تركنا ديننا له، لهذا الجديد، فنغير ديننا كل يوم.
لكن عندما تكون القضية اتباع دليل، ويأتي فلان يقول لك: الدليل كذا، وقال العالم الفلاني والدليل كذا، تتبين الأمر، فإذا جاءك دليل أقوى منه، أو تبين لك ضعف هذا الدليل انتقلت إلى الشيء الآخر، فأنت تدور مع الدليل حيثما دار، ما تدور مع فلان وفلان من الناس.
فلذلك كان التعصب المذهبي الذميم من الأشياء التي فرقت المسلمين وجعلتهم شيعاً وأحزاباً متعصبين متفرقين.
وصار بعضهم لا يجيز الصلاة خلف بعض، وكان بعضهم لا يستجيز أن ينكح أخته لأحد آخر من غير مذهبه، كما أفتى مفتي الثقلين هذا قال: يجوز نكاح الحنفي للشافعية تنزيل لها منزلة عن الكتاب، لكن ما يجوز العكس.
وقضية التعصب أنا ما أقصد التعصب في المذاهب فقط، وإنما التعصب أيضاً للعرق، التعصب للقبيلة، التعصب للجنسية، كلنا مسلمون، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات: 13]، فلا يجوز التعصب لأي شيء من الأشياء.
طبعاً هذا التعصب هو الذي حمل بعض أهل الكوفة على أن يقولوا في أهل البصرة، كان في وقت كتابة الأحاديث كان يوجد تنافس، فقال بعض أهل الكوفة: نزلوا أحاديث أهل البصرة منزلة أحاديث أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم.
الآن هذا ثقة يروي من أهل البصرة تقول: نزلوا أحاديث أهل البصرة منزلة أهل الكتاب، لا تصدقوهم ولا تكذبوهم، هذا كلام يعقل؟ ما هو السبب؟
التعصب لمدينته، التعصب لقريته، التعصب لقبيلته، التعصب لجماعته.
والتعصب هو الذي يفكك المجتمعات، لذلك تجد المخلصين ينادون بالوحدة الصحيحة على طريقة أهل السنة والجماعة، تلغى العروق والفوارق والعصبيات، ما عليك من القبيلة الفلانية، مثل ما يفعل الجهلة الآن ما يزوجه، وأنت خضيري وأنت كذا، وأنت كذا، أنت ما لكم أصل، وإحنا.. وإحنا، وهكذا..
هذا كلام فارغ وليس من الإسلام في شيء، ويجب القضاء على هذه الأشياء.
ما قلنا لك: زوج بنتك لواحد من الشارع، لكن في نفس الوقت ما يأتيك واحد صاحب دين من قبيلة غير قبيلتك، وإلا من ناس آخرين، تقول: أنتم مالنا علاقة فيكم، ولا نعترف فيكم، وأنتم ناس مالكم أصل، ولا نعرف من أين أتيتم؟
طيب وأنت من أين أتيت؟ أليس من آدم؟ وهذا أليس من آدم؟ فلماذا تتفاخر عليه؟ وتتكبر عليه؟
كذلك بعض الناس قد يحتقر العمال، هؤلاء الهنود أو الباكستانيين المسلمين، يتعصب لجنسيته فيقول: هذا باكستاني أو هندي يعني ما له قيمة، ما هو صحيح، بشر مثلك، الله أنعم عليك وأعطاك، أنت الآن تشكر النعمة عليه وعلى بلدك فتنعم على هذا المسكين، وتعطيه، وتصله، وما تحتقره، ولا تقبحه، ولا تسخر منه، ولذلك تجد الآن في عالم النكات يا على صعيدي أو على هندي، ليه؟ صحيح ظاهرة متفشية احتقار ، احتقار من المسلم، وهو خلاف الشرع.
نأتي إلى القضية المقابلة، قضية أن بعض الناس قد ينهى عن التعصب وعن التقليد وعن كذا، تجد حضرته مسوي نفسه مجتهداً، يفتح القرآن والسنة وينزل استنباطات، قد يكون جاهلاً، ما عنده علم بأصول الفقه، ولا بالناسخ والمنسوخ، ولا بالخاص والعام، ولا المطلق والمقيد، ويصدر الأحكام، هذا من الضلال.
وأنا ذكرت لكم مرة قصة ذلك الرجل الذي سمع بحديث: لا يسقي أحدكم بمائه زرع غيره وهذا حديث صحيح في صحيح الجامع.
هذا الرجل كان مزارع بستاني، وكان جنبه مزرعة أخرى لصاحبه يمر الماء من مزرعته إلى مزرعة صاحبه، ساقية، أو نهر، سمع حديث: لا يسقي أحدكم بمائه زرع غيره أيش سوى؟ الرسول يقول: لا يسقي أحدكم ، سُد، سُد، سد المجرى، ومنع الماء، جاء صاحبه زعلان وغاضب: لماذا تفعل كذا؟ أنت جاري أين حقوق الجيران؟
قال: حديث الرسول فوق كل شيء، الرسول يقول: لا يسقي أحدكم بمائه زرع غيره لا تتفلسف، المسألة فيها حديث.
اشتكوا، فرجعوا إلى مرجع، فبانت القضية، وبان الحق من الباطل، وبانت المسألة، وطلع أن المقصود إذا واحد أراد أن يتزوج بامرأة مطلقة، أو متوفى عنها زوجها، وما اعتدت..، وما تبين براءة رحمها، فما يجوز يدخل فيها، لأنه قد يكون فيها شيء من زوجها الأول زرعه، قد يكون فيه بذرة زرعها زوجها الأول، فهو يأتي قبل أن يتأكد من براءة الرحم ويسقي بمائه زرع غيره.
هذا معنى الحديث.
فانظر الآن، تصور معي القضية، فيه بعد كبير إذًا بين قضية (لا يسقي أحدكم بمائه زرع غيره).
صح نقول: عدم التعصب، وعدم التقليد الأعمى، وكذا..، لكن في نفس الوقت ليس معنى ذلك فتح الباب على مصراعيه لكل داخل، ولكل ضال، ولكل طالب علم صغير جداً ما تنفس بعد ، نقول له: افتح الكتاب واستنبط.
وإنما نقول للناس: يا أخي لا تتعصب إن وجدت الحق مع الشافعي خذ من الشافعي، إن وجدت الحق مع أحمد في المسالة خذ من أحمد، إن وجدت الحق مع الأوزاعي خذ من الأوزاعي، إن وجدت الحق مع الثوري خذ من الثوري، إن وجدت الحق مع ابن باز خذ من ابن باز، إن وجدت الحق مع الألباني خذ من الألباني، إن وجدت الحق مع غيرهم من العلماء من السلف والخلف أنت تتبع أيش؟ الدليل، الذي يأتي لك بالدليل الصحيح تتبعه.
قد يقول قائل: يا أخي ليس كل الناس يطيقون هذا، ليس كل الناس عندهم وقت يسألون أو عندهم قابلية وتفكير أن يسألوا عن قوال العلماء، ويقارن بين أقوال العلماء.
فنقول لك: هناك ضابط آخر في هذه المسألة وضعه أهل العلم، فقالوا: مذهب العامي مذهب مفتيه.
واحد عامي أعرابي جاء من الصحراء، ما يفقه لا دليل، ولا مقارنة ولا شيء، ولا يعرف، دل على رجل عالم، فسأله في الزحمة: يجوز يا شيخ كذا؟ قال: ما يجوز، خلاص مذهب العامي مذهب مفتيه، حتى يرتقي هذا الرجل، ويفهم ويتعلم عند ذلك يقال: يا أخي لا بد أن تعرف دليل المسألة، لا بد أن تعبد الله على بصيرة، ما تقلد.
فلاحظ معي، الحق دائماً يكون وسطاً بين الإفراط والتفريط، بعض الناس متعصبون ما يرضى يحيد عن إمامه قيد شعرة، والآخر عنده استنباطات واجتهادات على كيفه، والحق بينهما، الحق وسط، الحق وسط بين الإفراط والتفريط.
منهج الاستدلال الصحيح
كذلك من الأصول المهمة لمذهب أهل السنة والجماعة الذين يسلكون الصراط المستقيم: قضية منهج الاستدلال، وهذه مسألة مهمة وعميقة جداً.
منهج الاستدلال ممكن أنا أشرحها الآن ببساطة، ثم نأخذ أمثلة ذكرها الشاطبي -رحمه الله تعالى-، في كتابه: "الاعتصام"، وعقد لها باباً خاصاً، وهو الباب الرابع في المجلد الأول، يعني: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر: 99]، هذا الدليل صحيح أو غير صحيح؟
صحيح، القرآن ما يحتاج تسأله، صحيح، آية؛ لأنه بعض الناس تجيب له نصف بيت شعر تقول له: هذا من أي سورة؟
يقول لك: من سورة البقرة.
المهم، لا بد أن يكون منهج الاستدلال صحيحاً، فالآن هذه الآية صحيحة، وموجودة في القرآن أليس كذلك؟
استدل بها بعض الصوفية على أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة معينة في العبادة، حتى وصل إلى مرتبة اليقين، وفاضت قلبه، وفاضت نفسه بالفيوضات الإلهية، والأنوار الربانية، وفتح الله عليه الفتوحات الشيطانية.
المهم هذا إذا وصل المرتبة هذه خلاص، وأعبد حتى..، معناها إذا وصلنا لا يوجد عبادات؟
الآن الدليل صحيح، هل الاستدلال صحيح؟
خطأ.
الاستدلال خطأ، منهج الاستدلال منحرف، الفهم ضال، ليس هذا تفسير السلف للآية أبداً، هذا المقصود بصحة منهج الاستدلال.
الفهم الصحيح لنصوص القرآن والسنة
منهج أهل السنة والجماعة في الاستدلال قائم على الأصول الصحيحة، الفهم الصحيح لنصوص القرآن والسنة، الفهم الصحيح وليس الفهم الأعوج المنحرف، ولذلك لا تكاد تجد كثيراً من الطوائف يستدلون على صحة مذاهبهم بآيات من القرآن وأحاديث وقد تكون صحيحة، هؤلاء المعتزلة قالوا: نحن مذهبنا الاعتزال صحيح، ليه؟ قالوا: إبراهيم قال لقومه: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [مريم: 48]، قال : وَأَعْتَزِلُكُمْ [مريم: 48]، يعني إبراهيم معتزلي إنه اعتزل قومه، نحن إذًا معتزلة، مذهبنا صحيح، نحن أبونا إبراهيم مذهبنا اعتزال، الدليل: وَأَعْتَزِلُكُمْ [مريم: 48]، هذا الاستدلال صحيح من هذه الآية، على صحة مذهب الاعتزال القائم على إعمال العقل في النصوص، وتقديم العقل على النقل؟ هذا الدليل الصحيح هل يوافق الكلام هذا؟
سنذكر لكم بعض الأمثلة التي ذكرها الشاطبي -رحمه الله-، قال في قضية منهج الاستدلال، وصحة منهج الاستدلال: يجب الاعتماد على الأحاديث الصحيحة؛ لأن بعض الناس يعتمد ويستدل بأحاديث ضعيفة، ومكذوبة عن الرسول ﷺ، كإكرام الديك الأبيض، وفضل الاكتحال يوم عاشوراء وأن النبي ﷺ تواجد واهتز عند السماع حتى سقط الرداء عنه، أن الرسولﷺ مر على فقراء يرقصون ويغنون وينشدون فرقص معهم وتمايل حتى سقط رداءه، وأخذوا منها جواز الرقص والتواجد، والغناء، وأن الواحد يغمى عليه وهو قاعد ينشد ويغني وينفعل.
هذا الاستدلال ضعيف، هذا الكلام ضعيف.
كذلك صلاة الرغائب، والاحتفال بالإسراء والمعراج، وليلة النصف من شعبان، يعني تخصيصها، وليلة أول جمعة من رجب، وصلاة الإيمان، وصلاة بر الوالدين، وصيام رجب، والسابع والعشرين منه، بالتأكيد على حسب كلامهم، هذه كلها أحاديثها ضعيفة، لذلك الاستدلال بها غير صحيح.
فمن مناهج الاستدلال الباطلة التي وضحها الشاطبي -رحمه الله تعالى- في "الاعتصام"، أنه يقول: من هذه المناهج الباطلة رد الأحاديث الصحيحة إذا كانت غير موافقة للأهواء والأغراض والمذاهب بدعوى أنها تخالف العقل، كالمنكر لعذاب القبر، يقول: كيف يا أخي واحد يوضع في قبر وهذا يوسع وهذا يضيق، ونار، ويفتح له، ونحن حين نفتح القبر ما نلاقي أي شيء؟
وهذا إنسان تأكل الطير منه، كل جزء منه يروح في حاصلة من حواصل الطير، حويصلة من حواصل الطير، وهذا يغرق، كيف صار عذاب القبر؟
إذًا، ننكر الحديث.
هذا من الضلال.
لا يجوز لنا أصلاً أن نخوض بعقولنا في قضايا الغيب، كيف يحدث هذا؟ نؤمن به كما جاء، نؤمن به كما جاء على لسان الرسول ﷺ، وبالوحي.
وأنكر بعضهم الصراط والميزان، وأنكر بعضهم رؤية الله ، قال: غير معقول أن الخالق يرى المخلوق.
الله يقول هذا: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين: 23]، ورسولنا يقول: سترون ربكم عياناً .
بل إن بعضهم ربما قدح في بعض الرواة من التابعين والصحابة من أجل أن يضعف الحديث، كما فعل المدعو محمد زاهد الكوثري -عليه من الله ما يستحق- طعن في أنس بن مالك، وطعن في صحابة وطعن في تابعين، من أجل أن يضعف حديثاً يخالف مذهبه في العقيدة.
ولذلك أهل الأهواء تجد أنهم يسبون علماءنا، ويشتمون علماءنا، ويجرحون فيهم، يقول عمرو بن عبيد هذا المعتزلي، المشهور في بعض الكتب أنه الزاهد، الورع، وعلى لسان بعض الخلفاء أنه قال: كلكم يطلب صيداً، طالب صيد، غير عمرو بن عبيد.
هذا الرجل من زعماء المعتزلة يقول عن علمائنا مثل الحسن البصري وابن سيرين يقول: ما كلام الحسن وابن سيرين عندما تسمعونه إلا خرقة حيضة ملقاة.
لذلك كان علماؤنا يقولون: إذا رأيت الرجل يطعن في الإمام أحمد أو ابن تيمية، أو من هؤلاء الناس فاتهمه، يطعن فيه، أكيد يطعن فيه؛ لأنه على الحق يطعن فيه.
فبعض الفرق من الباطنية يطعنون في أئمتنا، ويطعنون في علمائنا، لماذا؟
حتى يسقطوا هذه الأحاديث، ويسقطوا كلامهم.
والجرح بهم أولى، والجرح بهؤلاء الطاعنين أولى، هم أولى بالجرح من أئمتنا وعلمائنا.
ومنهم كذلك تخرصهم على الكلام في القرآن والسنة، يستدل من الآية على شيء ما تقتضيه لغة العرب، ما يمكن يفهم لغة العرب واحد يقول: رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ [آل عمران: 117] يقول: الصر هذه الصراصير التي تجيء في الليل، يقول بمثل هذا، هذا الصرصر يعني صراصير الليل.
أو مثلا يأتي يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ [المائدة: 3]، يقول: لحم الخنزير محرم، يعني: شحم الخنزير ما هو محرم، يعني عظام الخنزير ما هي محرمة، لأنه الله حرم اللحم.
فإذًا هذا منهج الاستدلال باطل منحرف، غير قائم على اللغة العربية التي نزل بها هذا الدين؛ لأن اللحم باللغة العربية يطلق على اللحم وما جاوره من الشحم.
وقضية الخوارج لما خرجوا كان سبب ضلالهم فهم: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [الأنعام: 57]، رفضوا التحكيم، رفضوا هذا، قالوا: إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ [الأنعام: 57]، ما في حكم إلا لله، ولا لواحد من المخلوقين ما له حكم، ولا نقبل أي أحد، ولا نتبع أي والي، ولا خليفة، هذا فكر منحرف، هذا فكر منحرف، ابن عباس ناقشهم قال: الله يقول: فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا [النساء: 35]، فالحكم بمعنى التشريع هذا خاص بالله، أما الحكم بين الناس، القاضي يحكم بين الخصوم، والخليفة العادل يحكم بين الناس وفي الناس، هذا ما فيه إشكال، هذا ما تقوم الحياة الدنيا أساساً إلا به.
تصور الدنيا بدون قضاة، وبدون خلفاء عدول وحكام عدول، كيف تكون الحياة الدنيا؟
تكون كلها ظلم.
لذلك السلف يقولون: إنما هذا القرآن كلام الله فضعوه مواضعه، ولا تتبعوا به أهوائكم.
كذلك من المسائل: أنهم يعارضون بعض الفروع الجزئية بالقواعد الكلية، بعض الفروع الجزئية بالقواعد الكلية يزعمون أن بينها تعارض، ويتركون القواعد الكلية ويأخذون بهذه الفروع الجزئية، هذه قضية أصولية، الذي يريد أن يتكلم، أو الذي يريد أن يستنبط ويجتهد، لا بد أن يكون ملماً بالقواعد الكلية لهذا الدين.
وكذلك إذا جاءت الفروع الجزئية يحملها على القواعد الكلية، يعني يد الله، (لما خلقت بيدي) فهم بعض الناس من هذه الجزئية في العقيدة هذه الآية، أن الله له يد كأيدينا، فيها شعر وأظافر، وعروق ودم وعصب ولحم، هل هذا الفهم صحيح؟
خطأ، استدلال منحرف وضال، لماذا؟
هو قد يكون ممكن يفهم هذا يد الله، يعني: مثل اليد التي نعرفها، طيب، ما القاعدة الكلية التي تجعل هذا الفهم من هذه الشيء الجزئي غير صحيح؟
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]، هذه القاعدة الكلية التي يجب أن نحمل عليها الجزئيات.
إذا جاءتنا: يد الله، ما يمكن نقول مثل المجسمة، يد مثل أيدينا، ورجل مثل أرجلنا، وحقو مثل حقو الإنسان، لا، نحمل على القاعدة الكلية: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ معناها أكيد ما هو مثل أيدينا، لأنه هو الله يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11]، ولذلك هؤلاء المجسمة من أتباع مقاتل بن سليمان من أكفر الناس، حتى أنه يقال في مقاتل بن سليمان يقول: أنا أثبت لكم كل شيء لله في المخلوق إلا في أمرين، اللحية والفرج، يقول: الله له أظافر مثلنا، وله أنف مثلنا، وله أسنان وبلعوم ووريد، ومعدة، وشعر وعصب، وهذا.. مثلنا إلا في أمرين، أو متوقف فيهم هم اللحية والفرج، هؤلاء المجسمة كفار -عليهم من الله ما يستحقون-.
وفرق كبير بين الغلو في إثباتهم حتى جعلوا الله في المخلوقين، وبين إثبات أهل السنة والجماعة الذين يقولون: يد الله ليس كمثله شيء، لا تشبه أيدي المخلوقين، إلى آخره..
أظن ما في وقت نستعرض بعض الأشياء الأخرى في انحراف منهج الاستدلال، لكن نأخذ لنا مثالاً أخيراً وهو تحريف الأدلة عن مواضعها، بأن يرد الدليل على مناط، فيصرف عن ذلك المناط إلى أمر آخر موهماً أن المناطين واحد.
فيه شيء اسمه تحقيق المناط، وتنقيح المناط، وتخريج المناط، قضايا أصولية بالأدلة، يأتي واحد يأخذ الدليل، الدليل له مناط معين، قيود معينة، ومحيط معين، فيقول: هذا الدليل يشمل مناطاً آخر ما هو مقصود من الدليل ولم يأت في الدليل، فيجعل هذا داخلاً في الدليل، يجعل المناط الذي هو أتى به على الشيء الذي يريده داخل في مناط الدليل، أن يجعل المناطين مناطاً واحداً، مثلاً يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا [سورة الأحزاب(41)]، الله أمر بالذكر، والذكر مستحب، إذًا يجوز الذكر الجماعي، هذا ضلال، لماذا؟ استدلالك غير صحيح، هل يعني الله لما أباح الذكر، وهذه الآية فيها استحباب الذكر المطلق يعني: إباحة هذا الذكر المخصوص بهذه الهيئة الجماعية بصوت واحد؟ لا، هذا فيه أدلة أخرى، الآن كيف تدخل مناط هذه القضية بمناط الدليل هذا الذي ما فيه إلا إباحة مطلق الذكر أو استحباب مطلق الذكر.
الأمثلة كثيرة والباب نفيس جداً، الباب الرابع في المجلد الأول من كتاب الاعتصام للشاطبي رحمه الله.
الاهتمام بسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم-
من معالم الصراط المستقيم وطريقة أهل السنة والجماعة: الاهتمام بسنة الرسول ﷺ.
السنة كما يقول الإمام مالك: مثل سفينة نوح من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق.
كيف يكون الاهتمام بالسنة؟
الاهتمام بالسنة يكون بعدة جوانب ذكرنا منها سابقاً: قضية الرجوع إليها عند الاختصام بين الرجال وآراء الرجال.
ذكرنا منها: قضية الحذر من البدع، توقيف السنة وتنقيتها من البدع والشوائب التي علقت بها في أذهان الناس.
قضية أخرى أيضاً تميز الصحيح والضعيف التي وردت عن الرسولﷺ، هذا أيضاً من الاهتمام بالسنة.
الرسول ﷺ لم يجز للأمة رواية الحديث الذي يشك الإنسان في صحته، ما يجوز أن يروي للناس إلا حديثاً متأكداً من صحته، بالنص ورد هذا، ما يجوز تقول للناس حديثاً وأنت ما تعرف صحته، إلا أن تصدره بلفظ: روي الذي يحتمل التضعيف، أو تقول للناس: ما أعرف صحته، بشرط أن الناس يعرفون، لا أن تقول: روي في محفل ناس عامة، ما يعرفون: أيش الفرق بين روي وروى، أو جاء..
وطبعاً هذه فيها مرجع، ليس اجتهادات شخصية، واحد قرأ له كلمتين في الجرح والتعديل وفتح كتابين من الرجال صار يصحح ويضعف على كيفه، هذا خطأ وضلال، ومخالف للمنهج العلمي عند أهل السنة والجماعة.
جوانب الموضوع هذا انتشار العمل بالحديث الضعيف بلا شروط، هذه أيضاً من القضايا المهمة، الاهتمام بالسنة يفرض أنه لو كان العمل بالحديث الضعيف جائزاً فإنه بشروط ضيقة جداً ذكرها بعض العلماء في محلها.
كذلك الجهل بالسنة من الآفات التي ينبغي علاجها في عقول الناس، ومنع العمل من السنة بحجة صعوبتها أيضاً من الضلالات المنتشرة التي يجب إزالتها.
كذلك: انتشار بدعة عدم حجية خبر الآحاد من الأشياء المخالفة للاهتمام بالسنة.
خبر الآحاد إذا جاء عن شخص عدم ضابط، كلهم عدول، شروط الحديث الصحيح، السند الصحيح، فعند ذلك لا بد أن يأخذ به، ويحتج به مثله مثل غيره، هناك قوي وهناك أقوى، لكن ما نطلع حديث الآحاد، ونقول: هذا ضعيف ونأخذ به بالأحكام ، وما نأخذ به في العقيدة، وهذا التفريق غير شرعي أبداً، كيف تستحل لنفسك تأخذ بالأحكام وفي العقيدة تقول: لا يجوز، أجل لماذا يجوز في الأحكام؟ أليست الأحكام من دين الله؟
قضية تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة، هذا التقسيم بدعة، هذا التقسيم بدعة، لماذا؟
ما هو الدليل على أنه لا يجوز تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة؟
يقول الرسول ﷺ: كل بدعة ضلالة [سبق تخريجه].
هذا الرسول يقول: كل بدعة ضلالة تأتي أنت تقول: فيه بدعة حسنة وفيه بدع سيئة؟
طبعاً نقصد فيه بدع في الدين، ما نقصد بدع السيارات والطيارات والصواريخ والأشياء الجديدة، البدع المقصود بها الأشياء في الدين، في العبادات ما في شيء اسمه بدع حسنة، المولد، وصلاة رغائب. لا، البدع كلها الرسولﷺ يقول: كل بدعة ضلالة، هل تريدون نصاً أوضح من هذا النص، كل بدعة ضلالة، كيف نقسم الحسنة والسيئة؟
وإن فعل هذا بعض العلماء فربما يكون لهم عذر في أنهم يدخلون البدعة اللغوية، وربما يكونون أخطأوا واجتهدوا لهم أجر واحد.
قضية تقسيم السنة إلى لب وقشور، ونقول: أن سنن الرواتب هذه نسويها، ونعملها وهي سنة صلاة العيد، وسنة صلاة الكسوف وكذا..، لكن إذا قلت: يا أخي اللحية وتقصير الثوب والسواك؟
يقول لك: لا، هذه أشياء جانبية وهامشية وغير مهمة، لا تشغلنا، خلنا في المهم، لا تشوش علينا، خلنا في الأشياء المهمة.
-سبحان الله العظيم- تناقشها تقول: يا أخي أنت تهتم بقضايا هذه الشكليات والجزئيات وهذه، اهتم يا أخي بالجهاد، اهتم بالمسلمين في كامل العالم، اهتم بكذا، ماسك هذا.
نعم، نحن نقول: الإسلام ما هو كله ثوب ولحية وسواك، هذا ليس كل الإسلام، نتفق على ذلك، لكن أليست من الإسلام؟ اللحية، وتقصير الثوب، والسواك أليست من الإسلام؟ ما عليها أدلة؟ الرسول في اللحية ما قال عدة نصوص: اتركوا اللحى ، اعفو اللحى [رواه البخاري: 5893، ]، ارجو اللحى ، أرخو اللحى [رواه مسلم: 260]، وفروا اللحى [رواه البخاري: 5892، ومسلم: 259]؟ ثم نقول: جانبية وهامشية، وتافهة، وما نأخذ بها ولا تشغلني!
أنا أريد أعرف الآن الرسول ﷺ لما كان يجاهد الكفار، لما كان يشتغل بمثل ما يقول به البعض في أمور كبيرة وفي الجهاد، ما كان الرسول ﷺ معفي لحيته ومقصر ثوبه ويتسوك؟
متى علم الرسول ﷺ- هذه الأشياء؟ هل الرسول علمها بعدما انتهت كل الفتوحات وقام بأمور بناء المجتمع المسلم، والجهاد والمعارك كلها بعدما خلص من هذه الأشياء المهمة، أمور الجزيرة العربية، ثم قبل أن يموت بقليل قال: يا جماعة ترى اللحية والثوب، وإلا جالس يعلمهم أشياء أخرى، أيش رأيكم؟
جالس يعلمها مع الدين.
كلما جاءت مناسبة وضح للناس، نحن نفعل مثلما فعل الرسول ﷺ نجلس نعلم الناس الأولويات كما سيأتي معنا الآن.
قضية الأولويات، أولاً: الصلاة والزكاة، أركان الإسلام، والقضايا الأساسية، ثم ننتقل لمرحلة مرحلة، لكن لازم نأتي على النقطة هذه في يوم من الأيام، لازم نوضحها للناس، لازم نقول: يا جماعة هذه سنة نبيكم ﷺ.
إنما نقول: هذه سنة تافهة، ترى هذا كلام خطير، هذه سنة تافهة، وجزئية وشكلية، وهذه سنة مهمة وكبيرة.
نعم، توزيع الجهد، من المؤكد أنك لن تنفق على تعليم الصلاة لواحد من المسلمين مثلما تنفقه على تعليمه لقضية اللحية، هذا ما فيه شك، مو معقول تتعلم الصلاة بساعة، واللحية بساعة، لا، تفرق في الأولويات، الأهم مع المهم، وتعطي هذا من الوقت ما يناسبه وما يحتاجه.
لكن تقول: هذه لا، هذه ما نعلمها إياه، طول عمره خليه كذا، جالس نعلمه الأشياء الأساسية وانتهينا.
هذا يفضي أنه كل واحد يشوف أن هذا مهم، وأن هذا ما هو مهم.
القضية تختلف، واحد يقول: هذه مهمة، وهذه ما هي مهمة، وهذا نختلف معك، وهكذا...
خذوا الإسلام جملة أو دعوه.
إنما نشوش على ناس، ونقدم إسلاماً مشوهاً، خطأ، ضلال.
قضية الحرص على العمل بالشرع، والتزام الأوامر والنواهي، وعدم التفريق بين الاعتقادات والأعمال والعبادات والمعاملات، هذه كلها من الدين.
لذلك تجد في العقائد مثل العقيدة الواسطية، وعقيدة الإمام الصابوني، بعدما يذكر قضية الأسماء والصفات والعبودية وهكذا، يقول الصابوني في عقيدة أهل السنة والجماعة: "ويرون المسارعة إلى أداء الصلوات وإقامتها في أوائل الأوقات...، ويأمرون بإتمام الركوع والسجود حتماً واجباً، ويعدون إتمام الركوع والسجود بالطمأنينة فيهما، والارتفاع من الركوع والانتصاب منه والطمأنينة فيه... ويتواصون بقيام الليل..، وبصلة الأرحام، وإفشاء السلام، وإطعام
الطعام، والرحمة على الفقراء والمساكين والأيتام، والاهتمام بأمور المسلمين،...، والتعفف في المأكل والمشرب والملبس والمنكح والمصرف، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" [عقيدة السلف أصحاب الحديث، ص: 34]، هذه كلها داخلة في العقيدة.
انظر كيف تصور علماء المسلمين من أول لما يكتب في العقيدة، عقيدة السلف مثلاً الصابوني القديم طبعاً، كيف يكتب هذه الأشياء؟ يدخلها كلها في العقيدة، يرون ويعتقدون، أهل السنة والجماعة، يدخل فيها صلة الرحم، وكذا، ليست قضية فقط الأسماء والصفات، والقضايا الأساسية في العقيدة.
اتحاد القول والعمل
مسألة اتحاد القول والعمل من معالم الصراط وأهل السنة والجماعة أن القول والعمل عندهم حسبة واحدة، ما يفرق بين القول والعمل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ [الصف: 2].
ومدح الله شعيباً بأنه كان يقول لقومه: وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ [هود: 88]، ما أنهاكم عن شيء وأرتكبه، إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ [هود: 88].
وإذا نظرت إلى واقع المسلمين اليوم رأيت من يدعو الناس إلى الكتاب والسنة وهو من أبعد الناس عن الكتاب والسنة، ورأيت من يدعو إلى المحافظة على الإخوة الإيمانية، ولكنه يزور في نفسه الحقد والضغينة لغيره من إخوانه المسلمين لمجرد خلاف في الرأي والفهم، ويتحدث عن وجوب التثبت من الشائعات ونقل الأخبار، ولكنه يطير وراء كل شائعة ويرمي غيره بفظائع التهم بمجرد الظن الباطل، ويتحدث عن تحريم الغيبة وآثارها وضررها، ولكنه يتفكه بأعراض الناس، ويذمهم ويغتابهم في المجالس، ويتحدث عن مخاصمة المشركين وتجده يصافح المشركين، ويجيب دعواتهم، ويدعوهم، ويقيم العلاقات معهم.
حزب الله يدخل في كل مسلم
كذلك من معالم الصراط المستقيم ومذهب أهل السنة والجماعة وطريقتهم: أن حزب الله يدخل في كل مسلم، الله قال: فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة: 56]، يدخل فيه كل مسلم، حزب الله ليس مقصوراً على أحد من الناس.
طريق أهل السنة والجماعة ما هو مخصوص بطائفة من المسلمين والبقية لا يدخلون فيه.
وإنما الحمد لله هذه من فضل الله أنه ما جعل لأحد من البشر وصاية على الدين، ما وضع واحداً من الناس الوصايا على الدين، يدخل من يشاء ويخرج من يشاء مثل الكنيسة، يطرد القس من رحمة الله ما يشاء، ويدخل في رحمة الله من يشاء، لا، ضلال.
كل مسلم التزم بهذه العقيدة وهذا العمل وهذه العبادات بهذه الضوابط الشرعية فهو من أهل السنة والجماعة شاءوا أم أبوا داخل فيهم، داخل في جماعة المسلمين، ليس الإسلام هذا حكراً على أحد من الناس، ليس محتكراً لطبقة معينة، ولا لجماعة معينة، ولا لفئة معينة من الناس، كل من التزم بشرع الله ظاهراً وباطناً فهو من أهل السنة والجماعة، ولا يجوز أن نخرجه ولا نكفره، ولا نبدعه، ولا نضلله، ولا نفسقه إلا بدليل على هذا الشيء الذي فعله.
وأما حزب الشيطان فهو كل من والى الشيطان واتبع طريق البدع والكفر والضلال.
الوسطية البعيدة عن الغلو والتفريط فهماً وتطبيقاً
ومن منهج أهل السنة والجماعة: الوسطية البعيدة عن الغلو وعن الإفراط والتفريط فهماً وتطبيقاً.
من عقيدة أهل السنة والجماعة: الابتعاد عن الغلو في الدين فهماً وتطبيقاً، قد يكون الغلو في الفهم وقد يكون الغلو في التطبيق.
والالتزام بالوسطية وقوفاً عند قوله تعالى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة: 143].
مثال على الغلو في الدين حتى نوضح القضية لبعض الناس قد لا يفهمون المسألة، واحد يجعل السنة المستحبة واجباً، يقول لك: ترى لو ما صليت ركعتين قبل الفجر ترى أنت آثم، وخارج عن الدين، وأنت كافر ومنافق، وفاسق وضال ومبتدع؛ لأنك تركت سنة الفجر، هذه القضية من الغلو، هذه سنة من فعلها يؤجر أجراً كبيراً عند الله، والمحافظة عليها من شعائر الدين.
وتركها بالمناسبة -كلمة جانبية- ترك السنن دائماً والوتر من الأشياء التي كان قضاة المسلمين يردون بها شهادة من يتركها، إذا قيل: هو تارك للسنن كلها ما يصلي لا سنة ولا وتر، يردون شهادته.
لكن أقصد يوجب على الناس هذه القضية، لازم تصلي السنة لو ما صليت أنت آثم، أنت ضال أنت فاسق، هذا من الغلو.
كذلك جعل المكروهات محرمات، قضية مكروهة، يقول: هذه محرمة، وتأثم لو سويتها، والله ورسوله ما أثموه، وهذا يأتي ويؤثم، هذا من الغلو.
قضية الأخذ بالأولويات ذكرناها في عرض الكلام، لكن نأتي بدليل واحد، وهو عن معاذ فقال: بعثني رسول الله ﷺ فقال: إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا، فأخبرهم أن الله فرض عليهم زكاة من أموالهم وترد على فقرائهم إلى آخر الحديث...[رواه البخاري: 1458، ومسلم: 19].
أيش فقه الحديث هذا في الدعوة؟
الأولويات مع الناس، ما تفهمهم الدين بالمقلوب، بالعكس تأخذ أبعد شيء، وتفرض عليهم، مع عقله ومستواه، وذهنه تعطيه شرائع الإسلام الأهم فالأهم: الأركان، الواجبات، ثم المستحبات، ثم..، وهكذا..
وكثير من المسلمين اليوم لا يوجد عندهم فقه دقيق يفرقون به بين المهم والأهم، والواجب والضروري، بل ربما قدم بعضه الكمالي على الضروري.
كذلك الإسلام كل لا يتجزأ، والتجديد في الدين لا يعني تجديد الأصول، وإنما يعني تجديد ما اندرس من شعائر هذا الدين، فلو جاء واحد وقال: أنا أجدد لكم، وجاءنا بدين جديد وأصول جديدة، فإننا لا نقبل هذه الأشياء مطلقاً.
الموالاة والمعاداة
كذلك الموالاة والمعاداة من معالم الصراط المستقيم، ومن مزايا أهل السنة والجماعة: أنهم يحبون كل إنسان من أهل السنة والجماعة، ويبغضون كل إنسان من أهل البدعة والفرقة والضلالة، وابن تيمية -رحمه الله- ذكر قاعدة مهمة جداً. بعض الناس الآن فيهم فسق وفيهم إيمان؟ هؤلاء نواليهم أم نعاديهم؟
فيقول ابن تيمية: الموالاة والمعاداة من شعب الإيمان التي تزيد وتنقص بحسب ماذا؟ قال: وكل مسلم نواليه ونعاديه بحسب ما فيه من الإيمان والمعصية، فكلما زاد إيمانه وأعماله الصالحة، كلما ازدادت موالاته لله، وكلما ازدادت معاصيه كلما ازداد معاداتنا له.
فالموالاة والمعاداة تكون للمسلمين بحسب ما فيهم من الخير والشر، لا نقول: هذا نواليه ولاية مطلقة، وهذا نعاديه معاداة مطلقة، هذا ما يكون إلا للمؤمن الكامل الإيمان والكافر الذي به كفر.
لكن معاداة الكفار من القضايا المهمة التي تمنع الأخذ من عاداتهم وتقاليدهم، والتخلق بأخلاقهم، وبزيهم ولباسهم، ومن أهم الكتب في هذا الموضوع كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم"، وكتاب "الولاء والبراء"، وغيره من الكتب الجيدة في هذا المجال.
الشعارات والاصطلاحات الزائفة
كذلك لا يقبل سبيل المؤمنين ولا الصراط المستقيم أبداً الشعارات والاصطلاحات الزائفة، وما في شيء اسمه: إسلام اشتراكي، وإسلام علماني، ولذلك تجد من الكتاب من عنده لخبطة عجيبة، ويقول: اشتراكية الإسلام! أو اشتراكية أبي بكر! اشتراكية عمر! كيف هذا الكلام؟! ما هو معقول! الإسلام إسلام، الإسلام شيء، والعلمانية شيء آخر، والإسلام شيء والاشتراكية شيء آخر، منفصلين.
تحريف الأسماء الدالة على أمور منكرة
وكذلك لا يجوز في عرف الصراط المستقيم وتعاليم الصراط المستقيم تحريف الأسماء التي تدل على أمور منكرة، وإطلاق ألفاظ جميلة عليها، فلا يجوز تسمية الخمر بالمشروبات الروحية، حتى نحسن شكلها، نسميها مشروبات روحية، ولا نسمي الرشوة بقشيش وإكرامية، وحق الشاهي..، وما نسمي الربا: فائدة، هذا كلام باطل، وهذا مكتوب للأسف في كتب التجارة والأشياء هذه، يسمون الربا فوائد، وهذه قيمة المال مع الزمن تنمو وتتضخم، فيطلع أن هذا الشيء حلال عندهم.
ولا يجوز أن نطلق على الرقص والموسيقى والغناء نطلق عليه: "فن".
بالمناسبة كلمة "فن"، كلمة بالإسلام جميلة، ولذلك ابن عقيل هذا القاضي الحنبلي ألف كتاباً اسمه: "الفنون" في ثمانمائة مجلد، لا يعلم تواليف علماء المسلمين كتاب أضخم من هذا الكتاب، ضم فيه كل شيء، حصل عليه ودونه في العبادات والمعاملات، والعقائد، وكل شيء، في خبرات الحياة وتجارب، ووضع قصص وتأريخ وسيرة في هذا الكتاب وسماه: كتاب الفنون، ولذلك تجد فيه علماء السلف: فن التفسير، فن التجويد، فن المصطلح، فن كذا، يقولون: من حفظ المتون حاز الفنون.
فيأتي هؤلاء ويطلقون على الرقص والموسيقى والغناء: "فن".
وما يجوز نطلق على العراف والكاهن والساحر نطلق عليه: شيخ، تأتي واحدة تسأل: حملت، وتشرح عند الشيخ، وأعطاني الشيخ شيئاً أعلقه في صدري، وتطلع تفتح هذا تحصل فيه تراباً عفناً رائحته كريهة، أو كلام عجيب : تاروت فاروت، كلام من أسماء الجن والشعوذات، ويسمونه شيخاً، رحنا عند الشيخ، وقال لنا كذا، هذا ساحر كاهن عراف، ما يجوز يطلق عليه: شيخ.
والقضية طويلة، ولكن هذه القضية أخبر بها الرسول ﷺ، أخبر بها في الحديث الصحيح: ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها [رواه أبو داود: 3688، والنسائي: 5658، وابن ماجه: 4020، وأحمد: 22900، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 4292] الرسول ﷺ قال هذا، والآن سموها: المشروبات الروحية، سموها بغير اسمها، وشربوها على أنها شيء مختلف.
وليس هناك في الإسلام شيء اسمه: رجال الدين، بل هذا اصطلاح خاص بالنصارى، كل المسلمين يجب أن يكونوا رجال دين؛ لأن النصارى عندهم أنه هذا تاجر ولعاب ومقامر، وكذا..، ورجل الدين في الكنيسة، إذا هذا التاجر والله أراد أن يشتري صك الجنة راح لرجل الدين وأخذ منه.
وللأسف هذه بين المسلمين موجودة، واحد حدثني بهذا، يقول: في بعض البلدان راح واحد لأحد هؤلاء يشتري منه صكاً فأعطاه صكاً، أعطاه فلوساً، وأخذ الصك طالع فيه، قال: يا شيخ هذا صك صغير؟ أيش نسوي فيه كذا؟ أنا أعطيتك على قدر فلوسك.
ما في شيء في الإسلام اسمه: رجال دين، وهؤلاء الذين يملكون مغفرة.
كنت أخاطب رجلاً نصرانياً إيطالياً بدأ يفقه في الإسلام، فقلت له: أيش أكثر شيء عجبك في الإسلام؟ قال لي: أعجبني في الإسلام أن الواحد يتصل بالله مباشرة، ما في حواجز بينه وبين الله.