الإثنين 11 ربيع الآخر 1446 هـ :: 14 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

05- الأربعون القلبية 5، شرح حديث (إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي)


عناصر المادة
نص الحديث
شرح الحديث
المقصود بقوله: إنه ليغان على قلبي
الاستغفار بعد العبادة
فوائد استغفار النبي ﷺ مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر

نص الحديث

00:00:02

الحديث الخامس:
عن الأغر المزني أن رسول الله ﷺ قال: إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة [رواه مسلم: 7033].

شرح الحديث

00:00:25

 مراقبة القلب وأحواله:
هذا الحديث فيه مراقبة أحوال القلب صعودًا وهبوطًا، ومراقبة أداء القلب، ومراقبة الأحوال التي تعتري القلب، هو يقول النبي ﷺ بنفسه: إنه ليغان على قلبي هو يتحسس قلبه، ويشعر، وينقل ما يحس به، ويقول لنا: إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة [رواه مسلم: 7033].
فإمام أهل الإسلام ﷺ يتعاهد قلبه ويتفقده، ويعلم ما يؤثر به، ويحس بحاله، فيقول: إنه ليغان على قلبي.

المقصود بقوله: إنه ليغان على قلبي

00:01:29

-طبعًا- يغانفي اللغة -قبل ما ندخل في شرح الحديث بالنسبة للنبي ﷺ؛ لأن الموضوع حساس، ما هو الغين؟- الغين يعني قريب من الغيم، يغان عليه، يغطيه، يتغشاه، الغين في اللغة: الغطاء، وكل حائل بينك وبين شيء يقال: غين، ولهذا قيل للغيم: غين، لأنه يحول بينك وبين السماء هذا في.[معالم السنن: 1/295، ومطالع الأنوار على صحاح الآثار: 5/176 - 177، وشرح مسلم، للنووي: 17/23].
نظرًا لارتباط الحديث بالنبي ﷺ بعض العلماء ترك تفسيره، يعني قال هذه شغلة حساسة، ما ندخل فيها، في اللغة الغين كذا وسكت، يعني أدبًا مع النبي ﷺ، حتى قال السيوطي قال المختار: "أن هذا من المتشابه الذي لا يخاض في معناه" [ينظر: الديباج على مسلم: 6/58].
وسئل الأصمعي-رحمه الله- من كبار أهل العلم سئل الأصمعي عنه قال: "لو كان قلب غير النبي ﷺ لتكلمت عليه" لو قلب آخر تكلمتُ وشرحتُ، بس قلب النبي ﷺ: أنا أمسك، ما أتكلم، فاكتفى بالشرح اللغوي فقط، قال: "لو كان قلب غير النبي ﷺ لتكلمت عليه"، يعني على هذا الحديث "ولكن العرب تزعم أن الغين الغيم الرقيق"[الديباج على مسلم: 6/58] خلاص، وسكت.. لكن بعض العلماء حاولوا أن يشرحوا الحديث -طبعًا- ما هو المحذور؟
أن يتجه الكلام في الشرح إلى اتهام قلب النبي ﷺ بأنه يحدث فيه كذا وكذا مما لا يليق، فماذا يمكن أن نقول يعني أعطوني الآن احتمالات في معنى هذا الآن عرفنا الغين في اللغة الغطاء، والشيء الذي يحول، كل ما يحول بين شيئين، فالآن السؤال: ما هو هذا الذي يمكن أن يكون وقع لقلب النبي ﷺ فقال ما قال، وأخبر أنه يستغفر مائة مرة؟ ماذا يمكن أن يكون؟ لأنك تتكلم الآن عن النبي ﷺ، تقول: سهو الغفلة!
ما يليق يعني كيف يعني نقول النبي ﷺ عنده غفلة! ما يليق! لو قلبي وقلبك خذه! يعني قالها تواضعًا؟ احتمال! غيره؟ يعني الواحد نقول معناه بدون ما نمس الجناب النبوي، يعني يقصدنا ولا يقصد نفسه!

نريد شيئا يتكرر مع النبي ﷺ، ولا ينقص من قدره، ولكن مع ذلك يفزع إلى الاستغفار من أجله، ماذا يمكن أن يكون؟
الاشتغال بأمور الدنيا مثل معافسة الزوجات، فهو يعني -طبعًا- لن يكون مثل ما يكون في قيام الليل فرضًا، فهو حال اشتغال بالمباحات فلا يكون فيها نفس المستوى الذي يكون فيه الاعتكاف -مثلاً- مع جبريل لما يراجع معه القرآن، فأراد أنه حتى هذا النزول إلى مخالطة المباحات البشرية، والاحتياجات البشرية، كدخول الخلاء، أكل الطعام، إتيان الزوجة، حتى هذا يعني التغير عن المستوى الأعلى يعتبره غينًا يستغفر الله منه مائة مرة في اليوم!
لأنه النبي ﷺ ما نقول تقصير العلماء، لماذا تفادوا الكلام؟
لأنه فيها اتهام، لما نقول تقصير ما في! نبي! لكن هذا ما هو تقصير ولا معصية ولا غفلة! اشتغاله بالمباحات البشرية؛ أنه ليس كما يكون في الاعتكاف ومدارسة جبريل القرآن، ونحو ذلك، والجهاد في وقت قتال العدو، فلأنه حصل هذا مع أنه ليس معصية ولا غفلة عن الله، ومع ذلك في حقه اعتبره غينًا، يستغفر الله منه مائة مرة في اليوم! يعني هذا من أمثل ما يمكن أن يقال في الحديث.

فإذا كان ﷺ يعتبر أن مخالطته أو مقارفته أو فعله لأحوال مباحة وتقتضيها طبيعته البشرية، مع أنه نبي بشر، ما هو نبي ملك، أن هذا يعتبر غينًا يستغفر الله منه مائة مرة في اليوم، فما بالك بنا نحن الذي ننزل ليس فقط عن المباح،بل تحت المباح، وتحت المكروه، وتحت الشبهة، وعلى الحرام، وعلى الحرام المؤكد، ويمكن على الكبائر -والله أعلم- كم نجلس فيها؟ كيف يجب أن يكون الاستغفار علينا؟ هذا هو الكلام.
وفيها لفت نظر أنه إذا كان مقارفة المباحات وهي مباحات تعمل غينًا على القلب، فكيف ستعمل المعاصي والموبقات والكبائر والشبهات والشهوات المحرمة، إذا كانت المباحات تعمل غينًا، هذه تعمل ظلمات بعضها فوق بعض، وإذا كانت تلك يستغفر منها عليه الصلاة والسلام مائة مرة في اليوم، مع أنها ما هي حرام ولا حتى شبهة، مباح واحد يقارف زوجته، يأكل طعامًا، يدخل خلاءً إيش فيها؟ ما رضي بهذا النزول، ما رضي بهذا التغيير، وجعل له تعويضًا، لماذا يعني لما يدخل الخلاء، ويأكل الطعام، ويأتي الزوجة، ما يكون مثل لما يكون مع جبريل في مدارسة القرآن، وفي ساحات الجهاد، وفي مجالس الذكر، وفي حال الصيام والاعتكاف وقيام الليل، لماذا ما هو نفس المستوى؟يا الله! استغفار مائة مرة! تعويض.
من الفروق أيضاً: أنه ﷺ إذا عمل المباح ما يستغرق فيه، يعني -مثلاً- يروح يأكل ساعة ونصف، رح مطعما، استمتع، جيب مقبلات، ربع ساعة، جيب الطبق الرئيس، نصف ساعة، جيب الحلويات، ربع ساعة، جيب الشاي، يعني هو ﷺ لو انشغل بمباح كم يعني؟ خلاص بحسب ابن آدم أكلات يقمن صلبه[رواه الترمذي: 2380، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 5674].

ويروح يستغفر منها مائة مرة، لماذا؟ يعني نتيجة الانشغال بمباح مدة بسيطة! نحن كم ننشغل؟ هذا الكلام.
وكيف إذا نزلنا على الشبهات، وإذا نزلنا على المحرمات، وإذا ما وصلت إلى الكبائر، فماذا سيكون حال قلوبنا؟ إذا هو يقول: إنه ليغان على قلبي في مثل هذا يقول: يغان على قلبي ويروح يستغفر لها مائة مرة.
-طبعًا- بعضهم قال: يعني همه بسبب أمته، وما يطلع عليه من أحوالها.
وبعضهم قال: يعني تأليف المؤلفة قلوبهم، يعني: إذا انشغل بشيء من هذا، يعني توزيع الغنائم، يعني أنه مثل الأحوال هذه التي يغان على قلبي.
واستغفاره إظهارًا للعبودية، وافتقارًا إلى الله، وملازمة للخشوع، وشكرًا لما أولاه الله، وخوف الأنبياء من الله أعظم من خوف الناس.
-طبعًا- حاول بعضهم أن يقول في الشرح: إنه يغان على قلبييعني أنه يأتيه من الخشوع والشكر، فأشكر النعمة بالاستغفار، يعني اعتبروا الغين حال خشوع للقلب، أو حال حياء صدق خوف محبة رجاء، يعني حال إيجابية، فسروها مراعاة للجناب النبوي، فسروا يغان على قلبي يعني يصير له أحوال من اللذة بالله، والأنس به، والإقبال عليه، فأشكر هذه النعمة بالاستغفار مائة مرة.
بعضهم قال: ليغانيعني ما يعتري القلوب الصافية مما تتحدث به النفس، يعني من حديث النفس فقط.
وبعضهم قال: يغان على قلبي بالراحة لأجل الاستمرار في العبادة، يعني الحالات التي كان يأخذ فيها راحة مثل النوم، أو مثل قيام الليل، قام -مثلاً- وتعب فتمدد، أخذ له اضطجاعة، فيستغفر، يعني أنه الراحة، إجمامًا للنفس للعبادة، أنه هذا هو المعنى: يغان على قلبي، واستغفر الله منها مائة مرة.

الاستغفار بعد العبادة

00:14:55

فإن قيل: على هذا الذي أنتم الآن ذكرتموه في معنى الغين، يعني كما قلنا -مثلاً- اشتغال بمباحات تقتضيها الطبيعة البشرية، أن هذا ليس حرامًا ولا معصية، ولا ذنبًا، فما مناسبة الاستغفار؟
فيقال: من تأمل في الاستغفار في الشرع علم أنه لا يكون فقط لأجل المعصية، أنت ترى بعد الصلاة: "أستغفر الله" ثلاثًا.
فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُواْ اللّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ[البقرة: 198]، وماذا قال: وَاسْتَغْفِرُواْ اللّهَ [البقرة: 199].
ماذا أيضاً من الاستغفار بعد العبادة؟
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر: 3] إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ هذا جهاد وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا ۝ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ [النصر: 2- 3].
قيل: استغفره عن التقصير الذي وقع في العبادة.
وقيل: استغفره عن العجب الذي يمكن أن يقع في النفسمن جراء العبادة.وقيل .. وقيل..
فالشاهد أنه ما هو فقط الاستغفار لأجل الذنب، العبد محتاج للاستغفار دائمًا حتى مع العبادة.

فوائد استغفار النبي ﷺ مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر

00:16:27

وبعضهم أيضاً قال في الحديث: لماذا يستغفر وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ فما فائدة الاستغفار في حقه؟ فيقال: إن حق الله عظيم، ومهما عمل ﷺ في حق الله، فإن حق الله أعظم، ولذلك يستغفر.
وقالوا أيضاً: لأنه يعني مقام الأنبياء العالي، المقامات العالية للأنبياء، يكون حتى اشتغالهم في الأمور المباحة يستغفرون الله منها، إنهم صرفوا فيه وقتًا، أو انشغلوا بهزمنًا ولو قصيرًا.
وأيضاً الاستغفار تواضعًا منه ﷺ لله -تعالى-.
وأيضاً الاستغفار شكراً لنعمة أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر.
وأيضاً الاستغفار تدليلاً وإثباتًا أنك غفرت لي، ولكنني أستغفر، ما هو معناها: غفرت لي! يعني أنا ضمنت الآن وما عدت بحاجة!بل إنني أستغفر لأثبت عبوديتي لك، وأستغفر لأجل الاستغفار نفسه لازداد أجرًا؛ لأن نفس الاستغفار: أستغفر الله، الطلب من الله، اللجوء إلى الله بالطلب فيه أجر.
ويستغفر الله تعليمًا لأمته أنه هو الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يستغفر، فكيف بكم أنتم يا أيها الأمة وما عندكم هذا؟ ما في واحد عنده ضمان غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف ينبغي أن يكون استغفاره؟
إذًا، فلاستغفاره ﷺ فوائد كثيرة.