الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

لا تكن كالأسفنجة


عناصر المادة
نشر الفساد والترويج له
إثارة أعداء الإسلام للشبهات في القديم والحديث
قواعد في مواجهة الشبهات
رد القرآن على الشبهات ومحاربته لها
ابتعاد العوام عن مصادر الشبهات وتصدي العلماء لها
سبل أهل الشبهات في إثارتها
دور أهل العلم في رد الشبهات

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد:

نشر الفساد والترويج له

00:00:17

فنحن نعيش اليوم في عالم مضطرب، إنها موجات من الظلمات، يغشى بعضها بعضاً، يكاد الإنسان إذا بحث عن الحق لم يكد يراه إلا من وفقه الله بسبب كثرة الباطل.

وهذا الترويج الذي يحصل له في الوسائل المختلفة: قنوات، إذاعات، جرائد، مجلات، مواقع، مجالس، روايات، قصص، رسائل للجوال، وهكذا من المصادر المختلفة التي تكثف على الناس اليوم موجاتها.

إذا تخرج الولد من المرحلة الثانوية يكون قد أمضى أمام جهاز التلفزيون قرابة خمسة عشر ألف ساعة.

وإذا تخرج الطالب من الجامعة يكون قد حضر ما معدله ستمائة ساعة سنوياً.

بينما يكون متوسط جلوسه عند التلفزيون ألف ساعة سنوياً.

ثمانون في المائة من المراهقين والمراهقات يعتبرون التلفزيون هو المصدر الأول للمعرفة لديهم.

إن هذا الاعتماد على هذه الشاشات.

ثم يقولون: الرفقاء والأصدقاء.

44% من الأطفال يشاهدونه لفترة تتراوح بين ساعة إلى ثنتين يومياً.

و 27% من الأطفال يتابعونه من ثلاث ساعات إلى أربع ساعات يومياً.

و 11%  يتابعونه من خمس إلى ست ساعات يومياً.

و 10% يبقون جالسين أمام الشاشة إلى فترة تصل إلى سبع ساعات فأكثر يومياً.

هكذا إذاً، تأثير هذه الأجهزة.

وإذا كان يتنقل بين مواقع الإنترنت وبين الشاشات والقنوات، يقول أحدهم: إنه يتابع يومياً 52 قناة تلفزيونية، ويتنقل فيما بينها.

هذا التكثيف لهذه الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة التي تسلط آثارها على أدمغة الناس اليوم ستنتج ولا شك آثاراً خطيرة، وأضراراً كبيرة للغاية.

والذي نريد أن نناقشه في هذه الليلة هو تأثير معين لهذه الأشياء مما يسمعه الناس ويقرؤونه، ألا وهي: قضية الشبهات، وما تمثله من الخطر العظيم.

إثارة أعداء الإسلام للشبهات في القديم والحديث

00:02:54

أيها الإخوة: إن مسألة إثارة الشبهات كانت دأباً لأعداء الإسلام في القديم والحديث، ما تركوا شيئاً في الدين إلا وأثاروا حوله الشبهات في العقيدة في الأحكام في القصص والأخبار، لم يتركوا شيئاً إلا وكان لهم فيه صولات وجولات في عالم الشبهات.

وهذه إحدى حلقات المعركة التي يخوضونها وتخاض بين الحق والباطل منذ أن خلق الله هذه البشرية: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ  [الروم: 30] هذا الحق وهذه الفطرة تشن الحروب عليها من الشبهات التي تحدث اليوم.

والشياطين تتخطف الناس عن دينهم:  كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ  [البقرة: 213].

 قال تعالى في الحديث القدسي: إني خلقت عبادي حنفاء وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي مالم أنزل به سلطاناً [رواه مسلم: 2865].

وقد آلت عاقبة الناس إلى أن صاروا فريقين: مؤمن وكافر.

وهكذا اقتصت حكمة الله : وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ [هود: 118] هكذا اقتضت حكمته  إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ  [هود: 119] ليختلفوا، ويكونوا فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير.

 وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ  [هود: 119].

وخاطب الجنة وخاطب النار وقال:  لكل واحدة منكما ملؤها [رواه البخاري: 4850، ومسلم: 2846].

لقد حصل التمايز بين أهل الحق وأهل الباطل: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ  * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ  [فاطر: 19 - 23].

هذه الشبهات التي تروج اليوم عبر الفضائيات والإذاعات والمجلات والصحف والمقالات، وما يروج في مجالس الناس، إنها قضية خطيرة تسبب موت القلب، ودخول البلبلة والحيرة والاضطراب، حتى لا يكاد الواحد يعرف الحق، ولا يهتدي إلى جواب على هذه الشبهة.

ولكن من أراد الله به خيراً عرف  أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا [الأنعام: 122].

لقد قامت حجة الله في إنزال الكتب، وإرسال الرسل، وكان هذا القرآن حجة من الله تعالى على خلقه لينذر من كان حياً.

 وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا  [الشورى: 52].

إذاً، هذا النور الذي ينقذ الذي يتعرض للشبهات.

 اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ  يعني في قلب عبده المؤمن  كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ  [النور: 35].

أما شبهات الكفار والأباطيل التي يروجونها فإنها كما وصف الله: وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا  [النــور: 39].

ثم قال: أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ  عميق  يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا  [النــور: 40].

وهكذا كان من الناس صمٌ وبكمٌ وعميٌ لا يهتدون إلى الحق ولا يعرفونه.

وكان من الناس من أنار الله قلوبهم، وشرح للحق صدورهم، فهم يعرفون ما أنزل الله ، ويقذف الله في قلوبهم النور، فيرون الحق بنقاء وصفاء.

وضرب الله مثلاً بنوره في قلب عبده المؤمن حينما يقذفه فيه بما جاء في هذه الآية: قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ  [يونس: 58].

المثل الذي ضربه الله لنوره في قلب عبده المؤمن هو المذكور في قوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ في قلب عبده المؤمن كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ  [النور: 35] صفاء ونقاء وإنارة ورؤية وبصيرة، وهكذا..

قال ابن القيم -رحمه الله-: فالإيمان كله نور ومآله إلى نور ومستقره في القلب المضيء المستنير والمقترن بأهله الأرواح المستنيرة المضيئة المشرقة والكفر والشرك كله ظلمة ومآله إلى الظلمات ومستقره في القلوب المظلمة والمقترن بها الأرواح المظلمة" [بدائع الفوائد: 2/220].

ثم قال: "فصاحب القلب يجمع بين قلبه وبين معاني القرآن فيجدها كأنها قد كتبت فيه فهو يقرأها عن ظهر قلب. ومن الناس من لا يكون تام الاستعداد واعي القلب كامل الحياة فيحتاج إلى شاهد يميز له بين الحق والباطل، ولم تبلغ حياة قلبه ونوره وزكاء فطرته مبلغ صاحب القلب الحي الواعي فطريق حصول هدايته أن يفرغ سمعه للكلام، وقلبه لتأمله وللتفكير فيه، وتعقل معانيه، فيعلم حينئذ أنه الحق [الفوائد، ص: 4].

وكما أن الله -تعالى- مايز بين الفريقين قدر الصراع بينهما: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ  [البقرة: 251].

إن هذه المدافعة سنة إلهية ماضية، ولكن  كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21].

ولذلك قال علماؤنا: والعامي من الموحدين يغلب الألف من علماء المشركين.

فإذا كان الإنسان صاحب فطرة صحيح فإنه لا يتغلب عليه أحد، ولا يتغلب عليه صاحب شبهة:  وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ  [الصافات: 171 - 172].

إن المسلم صاحب القلب الحي الذي استضاء بنور الله على هدى من القرآن وسنة محمد بن عبد الله ﷺ إذا جاءته الشبهة قذفها بنور الحق: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ  [الأنبياء: 18].

السعادة والهدى في متابعة الرسول ﷺ والشقاء في مخالفته، قال ابن تيمية -رحمه الله-: "روح العالم ونوره وحياته فأي صلاح للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور؟ والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه شمس الرسالة وكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله من حياتها وروحها فهو في ظلمة؛ وهو من الأموات" [مجموع الفتاوى: 19/93].

ولم يزل الحق عالياً في زمن النبي ﷺ وخلفائه حتى كسر قفل الفتنة باغتيال عمر بن الخطاب ، فخرجت البدع على الناس بعد ذلك وحاربها الصحابة وقاوموها، ثم لم يزل الأمر في ضعف حتى كان ما كان من خروج أهل البدع وعمت الشبهات.

قواعد في مواجهة الشبهات

00:11:04

وقد علم الله أنه ستكون شبهات، وكان في القرآن ردود على بعض الشبهات، وكان فيه قواعد لمواجهة الشبهات.

رد القرآن على الشبهات ومحاربته لها

00:11:16

وقد حاول الكفار إثارة الشبهات بين المسلمين، وأخذ الواحد منهم عظماً فته أمام المسلم الصحابي قال: هل يستطيع ربك أن يبعث هذا؟

 أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ  [يــس: 77 - 79].

واتهموا النبي ﷺ بأن المصدر الذي يتلقى منه القرآن هو رجل أعجمي بمكة، وأنه هو مصدر معلوماته، فقال الله -تعالى- في الرد على هذه الفرية والشبهة التي أثيرت: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ  [النحل: 103].

فكيف يمكن أن يأتي هذا القرآن المبين بهذا اللسان العربي الفصيح من نجار رومي بمكة؟

وقد أثيرت الشبهات في كل مجال، ما ترك أعداء الإسلام شيئاً إلا وأثاروا فيه الشبهة، حتى أثاروا الشبهات عن الله ، وقالت النصارى: الله ثلاثة، ثلاثة في واحد، وعيسى ثالث ثلاثة.

ثم قالوا لنا: إن في القرآن ما يؤيد عقيدتنا وديننا، ما هو؟

قالوا: إنا نحن نزلنا الذكر.

(إنا نحن) جماعة، ثلاثة، هذا ما نقصده نحن.

فنقول: إن الله عظيم، والعظيم يعبر عن نفسه ب "نحن"، و "إنا"، ألا ترى إلى الملك من ملوك الدنيا يقول: إنا، ونحن، واطلعنا، وقررنا، فالله أولى بذلك.

ويقولها الرجل العظيم صاحب الجند الذي له أعوان، في لغة العرب، يقولها الرجل الكبير الذي له أعوان: إنا، ونحن، يقصد نفسه وأعوانه.

والله أعظم:  وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ  [المدثر: 31].

وعنده الملائكة .

وقال الكافر من قريش للمسلم: الشاة قتلها الله هذه المخنوقة لا تأكلونها، وما ذبحتموه بأيدكم تأكلونه، الذي قتله الله أولى، الله أخبرنا في كتابه: وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ  [الأنعام: 121].

وهذا سبب نزول الآية.

لكن إذا أطعناهم سنكون من المشركين، ويقال: الشاة التي ذبحت إنما ماتت بأمر الله، أفترى الشاة التي ذبحها الجزار ماتت بغير أمر الله أم أنها ماتت بأمر الله؟

والله هو الذي حرم علينا أكل المنخنقة والموقوذة والمتردية وما أكل السبع والنطيحة والميتة بأنواعها، فهو الذي أمرنا بالتذكية والذبح، وتموت الشاة بأمره ذبحاً، وتموت الشاة بأمره خنقاً، وتموت الشاة بأمره ميتة، وتمرض وتموت، وهو الذي أحل هذا، وحرم هذا .

ابتعاد العوام عن مصادر الشبهات وتصدي العلماء لها

00:15:20

ومن الأمور المهمة في محاربة الشبهات، لأن الآن العولمة والانفتاح من كل جانب، ويفتحون هذه الأجهزة على القنوات التي فيها عرض دين النصارى والطعن في دين الإسلام، ويأتون يستغيثون: هذه القناة، وهذه القناة، إنهم يطعنون في الدين، قالوا عن الله كذا، قالوا عن رسول الله ﷺ كذا، قالوا عن القرآن كذا، استشهدوا بحديث من البخاري، ماذا نفعل؟ نحن احترنا، ضعنا، اشتبهت علينا الأمور، ماذا نفعل؟ الحق يا شيخ شبهة كبيرة، موقع في البالتوك يقول كذا كذا، وموقع آخر يقول كذا شبهة، واحد في الفصل قال كذا شبهة.

من الأمور المهمة جداً للمسلم، أن يبتعد عن مصادر الشبهات، وأن يترك التصدي لها لأهل العلم، وكيف يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يحضر في أماكن الشبهة، ويستمع للشبهات، وينظر للشبهات، ثم بعد ذلك يقول: ضعنا.

فنقول: من الذي أباح الجلوس عند هؤلاء؟ إنك عندما تجلس عند قناة فضائية تبث الشبهات فإنك جالس عند القوم الذين نهى الله عن الجلوس عندهم: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  [الأنعام: 68].

قال الإمام الشوكاني -رحمه الله-: "وفي هذه الآية موعظة عظيمة لمن يتسامح بمجالسة المبتدعة الذين يحرفون كلام الله ويتلاعبون بكتابه وسنة رسوله، ويردون ذلك إلى أهوائهم المضلة وبدعهم الفاسدة، فإنه إذا لم ينكر عليهم ويغير ما هم فيه فأقل الأحوال أن يترك مجالستهم، وذلك يسير عليه غير عسير...

وقد شاهدنا من هذه المجالس الملعونة ما لا يأتي عليه الحصر، وقمنا في نصرة الحق ودفع الباطل بما قدرنا عليه، وبلغت إليه طاقتنا" [فتح القدير: 2/146].

لكن المشكلة الذي ليس براسخ في العلم إذا جلس عند هؤلاء، وسمع كلام هؤلاء، وأذن لهم بالحديث، وتسمح بالجلوس معهم، وتساهل في القضية، تأتي الشبهات وترسخ الشبهات.

لكن ما هو الموقف من هؤلاء؟ ما هو الموقف من الذين يثيرون الشبهات؟ هل الجلوس عندهم؟ هل فتح الآذان لهم؟

ألم يقل الله: فلا تقعدوا معهم؟

الذي يضربون كلام الله بعضه ببعض، ألم يقل النبي ﷺ: فإياكم وإياهم ؟ [رواه مسلم: 7].

ألم يقل ﷺ: لكل أمة مجوس ومجوس أمتي الذي يقولون لا قدر إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ؟ [رواه أبو داود: 4692، وأحمد: 5584].

ألم يقل النبي ﷺ تعليقاً على قوله تعالى: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ [آل عمران: 7]؟ قال: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سم الله فاحذروهم [رواه البخاري: 4547، ومسلم: 2665].

الذين يثيرون المشكلات والشبهات، ويبعثونها في المجالس، لقد كان موقف السلف من هؤلاء شديداً جداً، وعندما سمع عمر بن الخطاب: أن صبيغ بن عسل يثير الشبهات في الأجناد، ومجمعات الناس، ويسأل عن المشتبهات، أعد له عراجين النخل، وأرسل في استدعائه، فلما جاءه قال: من أنت؟ قال: أنا عبد الله صَبيغ، قال: وأنا عبد الله عمر، فأخذ عمر عرجوناً من تلك العراجين فضربه، وقال: أنا عبد الله عمر، فجعل له ضرباً حتى دمي رأسه، فقال: يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجد في رأسي.

ثم أمر به فرحل إلى بلد أخرى، وضيق عليه الخناق، وأمر بمقاطعته حتى أنه مرض وأوشك على الهلاك، حتى أرسل الأمير إلى عمر يستأذن بالإفراج عنه في الكلام أن يكلمه الناس فقط؛ لأنهم نبذوه تماماً [ينظر: ذم الكلام وأهله، أبو إسماعيل الهروي: /242].

قال عبد الله بن مسعود : إياكم وما يحدث الناس من البدع فإن الدين لا يذهب من القلوب بمرة، ولكن الشيطان يحدث له بدعاً حتى يخرج الإيمان من قلبه، ويوشك أن يدع الناس ما ألزمهم الله من فرضه في الصلاة والصيام والحلال والحرام، ويتكلمون في ربهم  فمن أدرك ذلك الزمان فليهرب، قيل: يا أبا عبد الرحمن فإلى أين؟ قال: إلى أين؟ يهرب بقلبه ودينه ولا يجالس أحداً من أهل البدع.

إذاً، الهروب قد لا يكون جسدياً؛ لأنك قد لا تجد فيمن حولك مكاناً تهرب إليه، لكن يهرب بعقله وقلبه عن هؤلاء.

كان مالك إذا جاءه بعض أهل الأهواء قال: أما أنا فأنا على بينة من ربي وأما أنت فشاك فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه.

كان مالك إذا جاءه أحد من أهل الأهواء البدع، قال: أما أنا فعلى بينة من ربي وأما أنت فشاك فاذهب إلى شاك مثلك فخاصمه، تريد الجدال والنقاشات اذهب إلى واحد مثلك.

وكان الحسن -رحمه الله- يقول: لا تجالسوا أهل الأهواء ولا تجادلوهم ولا تسمعوا منهم.

وهذا الكلام يقصد به العامة؛ لأن الذي يتصدى لهؤلاء المكلف بهم العلماء وطلبة العلم.

وكان ابن طاووس جالساً فجاء رجل من المعتزلة فجعل يتكلم فأدخل ابن طاووس اصبعيه في أذنيه، قال لابنه: أي بني أدخل أصبعيك في أذنيك واشدد لا تسمع من كلامه شيئاً.

وعن سفيان قال: من سمع ببدعة فلا يحكيها لجلسائه لا يلقها في قلوبهم.

فإن بعض الناس إذا سمع ببدعة جاء يسأل على الملأ.

يا أخي اذهب أنت للشيخ واسأل بينك وبينه تريد أن تسمع كل الناس الشبهة؟

وهذا ما يفعله بعض السذج في القنوات الفضائية يتصل على واحد يسأل عن شبهة قد لا تكون عامة لم يسمع بها إلا الفئة القليلة فيروجها، قال الذهبي: أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة، والشبه خطافة.

وجاء رجل إلى أيوب -رحمه الله- فقال له: جئت أسألك عن كلمة فولى أيوب وهو يقول: لا ولا نصف كلمة، مرتين يشير بإصبعه.

وعبد الرزاق امتنع من سماع أبي يحيى المعتزلي، وقال: إن القلب ضعيف.

من هو عبد الرزاق؟ شيخ أحمد، صاحب المصنف، يقول: القلب ضعيف، ولم يسمع من المعتزلي.

وقال يحيى بن أبي كثير: إذا لقيت صاحب بدعة في الطريق فخذ في غيره.

وقال الفضيل: من أتاه رجل فشاوره فدله على مبتدع فقد غش الإسلام، واحذروا الدخول على أهل البدع فإنهم يصدون عن الحق.

وعن الفضيل قال: من جلس مع صاحب بدعه فاحذروه؛ لأنه تسمم، ومن جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة، وأحب أن يكون بيني وبين صاحب بدعة حصن من حديد، آكل عند اليهودي والنصراني أحب إلي من آكل عند صاحب بدعة.

أبو العلاء المعري الذي ضل في مسائل كثيرة ارتحل إلى طرابلس واجتاز باللاذقية فنزل بذيل راهب متفلسف، يعني نصراني فيلسوف، اجتمعت، فدخل كلامه في مسامع أبي العلاء، فحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها، فحصل له نوع انحلال دل عليه ما ينظمه ويلهج به، هكذا قال الذهبي في سير أعلام النبلاء عن أبي العلاء المعري.

وأبو العلاء المعري الذي نظم الأشياء يقول: كل الناس من الزنا هكذا جاؤوا من أبيهم آدم.

طيب الله يشرع ما يشاء، ويحكم ما يشاء، ويبيح ما يشاء، ويحرم ما يشاء.

الجهم بن صفوان هذا الرجل الذي تنسب إليه الجهمية، وما تفرخ منها وتفرع عنها كيف كان سبب ضلاله، وبدء ذلك؟

ذهب إلى طائفة يقال لهم: السمنية من الملاحدة لا يؤمنون بالله، قالوا له: نكلمك. في البداية يقولون: دعنا نتحدث معك، فإن ظهرت حجتنا عليك دخلت في ديننا، وإن ظهرت حجتك علينا دخلنا في دينك.

ظنه عرضاً مغرياً، فكان مما كلموه به قالوا: أنت تزعم أن لك إله؟ قال: بلى، قالوا له: فهل رأيته؟ قال: لا، فهل سمعته؟ قال: لا، هل شممته؟ قال: لا، هل وجدت له حساً؟ قال: لا، هل وجدت له مجساً؟ قال: لا، قالوا: إذاً لا يوجد.

فجلس هذا المسكين أربعين يوماً لا يدري من يعبد.

ولو كان واحد طالب ابتدائي ذكي على الفطرة قال له: أنت لك عقل؟ قال: نعم، قال: هل لمسته؟ قال: لا، قال: هل رأيته؟ قال: لا، قال: هل سمعته؟ قال: لا، قال: هل شممته؟ قال: لا، قال: هل جسسته؟ قال: لا، قال: إذاً عقلك غير موجود.

ولذلك -أيها الإخوة- الردود أحياناً تكون سهلة لمن يسر الله عليه، ولمن وفقه الله، فجاء ذلك الملحد يقول للمؤمن: أنتم تقولون جنة عرضها السموات والأرض عرضها كعرض السماء؟ قال: نعم، قال: فأين النار؟ قال: لو شاء الله لجعلها في عينك.

لأن بعض الناس من الجهل يظن أنه ما في خلق إلا السموات والأرض.

ما السموات السبع والأرضون السبع في الكرسي-والكرسي موضع القدمين- إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض، والكرسي بالنسبة للعرش الذي استوى عليه الرحمن استواء يليق بجلاله وعظمته، الكرسي بالنسبة للعرش كحلقة في فلاة، حلقة في صحراء، أيش يعني السموات والأرض عند الله؟ قال: جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ خلق الله عظيم، والجنة فوق السماوات أصلاً، لكن عرضها كعرض السماء، إن الله على كل شيء قدير.

ولما جاء ذاك يقول للعالم: الجن مخلوقون مماذا؟ قال: من نار، قال: وكفرتهم أين يعذبون يوم القيامة؟ قال: في النار قال: فكيف يعذب من خلق من نار في النار؟ وهل سيحترق؟

فأخذ طيناً متحجراً فشجه به، قال: مالك؟ قال: هذا، أنت خلقت مم؟ قال: من طين، قال: وهذا من طين فكيف شجك؟ وكيف أثر فيك؟

إن الشبهات تروج على كثير من الجهال والأنصاف والأرباع.

وإن مصيبة عدد من الناس في انحرافاتهم أنهم جلسوا عند المبتدعة، سمحوا لأنفسهم بسماع كلام المبتدعة، سمحوا لأنفسهم بقراءة كتب المبتدعة، سمحوا لأنفسهم بالدخول على مواقع المبتدعة، سمحوا لأنفسهم بالدخول في غرف نقاشات المبتدعة.

وبعضهم يدفعه حب الاستطلاع والفضول، ويقول لنفسه: خلينا نشوف أيش عندهم؟

ألم تسمع ما قال السلف: أن تفر منهم أعظم من فرارك من الأسد، إذا كان المجذوم وآفته في بدنه فر منه فرارك من الأسد، فالذي بليته في الدين كيف تفر منه؟

الله خلقنا وابتلانا، ومما ابتلانا به: الشبهات.

فإن قال قائل: لم خلق الله الشبهات؟ ولم قدر أن الشبهات تنتشر وتروج؟

نقول: لأن الله يبتلى عباده لينظر كيف يعملون، وقد علم ما هم عاملون قبل أن يخلقهم، ولكن ليظهر علمه في الواقع ظهوراً يترتب عليه الجزاء والحساب.

العيش في هذه الحياة بما فيها ابتلاء، فالمسألة لا بد فيها من تمحيص:  وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ  [آل عمران: 142].

تدخل الجنة بدون جهاد ولا صبر؟ لا يمكن: أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ  [آل عمران: 142] لا بد من ظهور علمه في الواقع.

أيها الإخوة: إن هذه المسألة العظيمة: قضية الاستماع للشبهات اليوم في عصر الانفتاح والعولمة، وقد صارت الدنيا ملمومة بهذه المصادر؛ إنها قضية خطيرة جداً، تسميم أفكار وقلوب.

إن التصدي لهذا واجب، وإنها وظيفة العلماء وطلبة العلم أن يجابهوا هؤلاء، ويردوا عليهم.

ومن وظيفة العامة: الإعراض عن أهل البدع، وعدم السماع إليهم.

وهذه الشبهات قد يهجم بعضها على العقل هجوماً، والإنسان لا يملك أن يدفع الخواطر، هل تستطيع أن تجعل الشبهة لا تخطر ببالك؟

لا.

لكن إذا خطرت دافعها بالاستعاذة بالله من الشيطان، وبعرضها على الكتاب والسنة، وبالرجوع إلى أهل العلم:  الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا [الفرقان: 59]، فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ  [الأنبياء: 7].

سبل أهل الشبهات في إثارتها

00:32:03

ما هي سبيل أهل الشبهات في إثارتها؟

قد يعمد إلى ألفاظ مجملة بدون تبيين، فيأخذون منها ما يريدون.

يحملون ألفاظ الكتاب والسنة على الاصطلاحات الحادثة، فيجعلون المراد غير مراد الله ، يفسرونها بالمصطلحات الحادثة على غير مراد الله ورسوله.

يأتون بعبارات مزخرفة، يزخرفون الباطل.

سميت الشبهة شبهة، لاشتباهها بالحق؛ لأنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل، وأكثر الناس يحسنون الظن بالظاهر، وينخدعون به، فإذا رأوا اللباس من الخارج قبلوه وأعجبوا به، وفي الحقيقة زائف باطل.

وأحياناً تكون الزخرفة الكلامية هي التي تقنع بعض الناس بالشبهة، وتجعلها تروج عليهم.

وإذا حللتها تجد أن القضية تافهة، أو أن القضية باطلة، لكن راجت عليهم الزخرف، تقول:

هذا جنى النحل تمدحه يعني العسل وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير.

هذا قيء النحل.

أنت يمكن تقول هذا جنى النحل، وممكن تقول: هذا قيء النحل، هو هو العسل.

تقول هذا جنى النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيء الزنابير
مدحاً وذماً وما جاوزت وصفهما والحق قد يعتريه سوء تعبير

وأيضاً فإن بعض الناس يضخمون القضية، يضخمون الشبهة يعرضونها عرضاً جماهيرياً، ويتلاعب بعرض الأشياء، فإذا جاء صاحب الحق يرد منعوه، وإذا صاحب الباطل يؤيد أفسحوا له المجال في القنوات في الصحافة، في غيرها.

وأيضاً فإن أهل الشبهة لا يناظرون أهل العلم الراسخ في الغالب، ولذلك قال الخوارج لما جاء ابن عباس: لا تخاصموا قريشاً، هذا قرشي، لا تناقشوه، فإن الله  يقول: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ  [الزخرف: 58].

طيب قريش أسلمت، والآية في قريش لما كانوا كفاراً، والآن قريش دخلت في الدين، وابن عباس في زمن الخوارج بعدما أسلمت قريش بمدة عشرات السنين، ثم يستدلون على ابن عباس بآية نزلت في قريش لما كانوا كفاراً.

 بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58].

وأيضاً فإن ما يسلكه أهل البدع من نشر أباطيلهم اليوم في هذه القنوات الفضائية، وهذه المنتديات الحوارية، وهذه المواقع الإنترنتية، وهذه الصحف والمجلات والجرائد والكتب والقصص، حتى أفلام الكرتون لم تخلوا من الغزو ومسلسلات وأفلام اليوم مؤسسة على ترويج الباطل، أفلام تعرض شبهات، داخل التمثيلية مدسوسة.

وإذا كان كثير من هؤلاء المراهقين والمراهقات والصغار والصغيرات، والفتية والفتيات، يتابعون هذه الأشياء، ويجعلونها هي مصدر التلقي، وتتوزع الأوقات بين المدرسة والتلفزيون.

ويؤكد 80% أنها المصدر المعرفي الأول لديهم، قال 80% من المراهقين الذين شملتهم إحدى الدراسات: أنهم يستقون جانباً كبيراً من معلوماتهم عن الإباحية من الأفلام، وكذلك المصدر في المعلومات.

والناس العامة مساكين، وقد قال علي بن أبي طالب لكميل بن زياد ينصحه: "الناس ثلاثة" وتأمل هذه النصيحة؛ لأن فيها تقسيماً جميلاً يبين كيف الحكم "الناس ثلاثة عالم رباني" واحد، "ومتعلم على سبيل نجاة" اثنين، "وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق".

فهذا الرعاع المتبدد المتفرق الذي يتبع كل ناعق، وهو الصائح، هؤلاء الذين تروج عليهم الشبهات.

وهذه الشبهات لا بد أن يكون الموقف منها موقفاً حازماً مبنياً على أسس سليمة.

وتأمل في هذه النصيحة العظيمة التي ذكرها شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله- لتلميذه ابن القيم، إن هذه النصيحة بديعة جليلة نفيسة جميلة، هذه النصيحة يجب أن تحفظ وتستقر في الأذهان؛ لأنها مهمة جداً في التعامل مع الشبهات، يقول ابن القيم: وقال لي شيخ الإسلام وقد جعلت أورد عليه إيراداً بعد إيراد، أورد عليه الشبهة لكي يرد عليها، أورد عليه إيراداً بعد إيراد، انظر إلى نصيحة المربي، والشيخ يربي التلميذ قال: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة، لا تجعل قلبك للشبهات مثل السفنجة، لا تجعل قلبك للشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها.

اغمس السفنجة في الماء وأخرجها ماذا ستنضح طيلة الوقت؟

بما تشربت به.

لا تجعل قلبك للشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته.

انظر إلى الإبداع في ضرب المثل، قال: لكن اجعل قلبك كالزجاجة المصمتة تمر الشبهة من خارج ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته.

الله أكبر على هذا المثل العظيم الذي ضربه ابن تيمية -رحمه الله- لتلميذه كيف يعلم الشيخ التلميذ أن لا يكون قلبه مستودعاً للشبهات.

إذاً، الفرق بين السفنجة والقارورة، ولذلك نسمي هذه المحاضرة: لا تكن كالإسفنجة، لهذا السبب. الشبهة لا يتشربها إلا القلب الخالي.

ابن القيم لما سمع وصية ابن تيمية -رحمه الله- قال: "فما اعلم اني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك" [مفتاح دار السعادة: 1/140].

الشخص الإسفنجي يكون عنده قابلية للشفط والمص والتشرب والتأثر.

وإن البيئات الصالحة وطلبة العلم الناصحين والدعاة المربين والمشايخ الربانيين هم الذين يزيلون ما علق، وهم الذين يوجهون وينصحون ويحذرون ويبينون حتى المسلك والسبيل في التعامل يعطوننا إياه.

وإن من أسباب انخداع كثير من الناس بالشبهات، ما يكون من قوة أهل الباطل، الإعلام بأيديهم، قوة بأيديهم، وعندهم كتاب ومراجعين محررين نصوص، ويصوغون العبارات، ويمكن يكتب واحد رؤوس أقلام ويأخذها الآخر يصوغها يزخرفها يجملها يحسنها، ويجعل فيها قصة وحدثاً وتشويقاً ومدخلاً، ومختصراً وخلاصة، وحسن عرض، ونقاط، هكذا يفعلون، في تعاون ضخم وكبير جداً.

ويجب على المسلم من طرق مقاومة الشبهات، أن لا يثق بنفسه، لا تثق بنفسك؛ لأن من وثق بنفسه قال: أنا لها، هات أيش عندك من شبهات؟ اعرضوا علي؟ وأي موقع إنترنت، وأي غرفة بالتوك، وأي صفحة سيقرأ، ويقول: أنا واثق من نفسي.

ولنتذكر حديث النبي ﷺ في الأبواب التي عليها ستور مرخاة، وأنه بين أن هذه محارم الله، وأن الداعي والواعظ يقول: ويحك لا تفتحه إنك إن تفتحه تلجه، ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه [رواه أحمد: 17634، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"].

هذا ما يجب أن يقوله الشخص لنفسه وهو يفتح موقع شبهات، مكان لعرض هذه الأباطيل.

إذا كان الحجر على السفيه والحجر الصحي قائماً، فإن الحجر على هذه الشبهات وعلى أصحابها واجب من أوجب الواجبات.

النبي ﷺ لما أخبرنا عن فتنة الدجال ما قال: إذا سمعتم بالدجال اخرجوا إليه، وكل واحد يخرج إليه وينظر ما عنده، لا، قال: من سمع بالدجال فلينأ عنه [رواه أبو داود: 4319، وأحمد: 19875، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5488] لماذا؟

لأنه يبعث في القلب شبهات ضخمة جداً.

وإذا دهمك الدجال، تقرأ فواتح سورة الكهف، وتذهب إلى النار التي بيده، وتغمس رأسك فيها، فإنك ستشرب ماءً بارداً.

الشبهات التي يبعثها الدجال شيء في الخيال، قد لا يستطيع الإنسان أن يتصور حجم الشبهة التي سيبعثها الدجال، وخذ مثالاً على ذلك بإسناد صحيح، قال ﷺ:  وإن من فتنته أن يقول لأعرابي  يدعو الناس إلى أن يؤمنوا به، يقول: أنا ربكم، الدجال يقول: أنا ربكم، فيأتي للأعرابي فيقول له: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك، أتشهد أني ربك؟ أعرابي، وإحياء ميت من قبره،  ويريد أباه وأمه، انظر إلى المدخل العاطفي، وإحياء ميت: أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم.

ما الذي يحصل في الحقيقة؟

قال ﷺ: فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه، وأمه والشياطين قادرة على أن تتشكل بصورة البشر، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني اتبعه فإنه ربك [رواه ابن ماجه: 4077، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 2457] شيء مذهل، ويستغل الانبهار والعاطفة لأجل أن يخدع الناس، فيؤمنوا به.

من الأسباب التي تجعل الانخداع بالشبهات حاصلة: قضية المعاصي؛ لأن المعاصي تضعف القلب، والقلب إذا ضعف بالمعاصي يسهل عليه أن يتقبل الشبهات، هذه الأمراض الكامنة في النفس.

كذلك الهوى يسهل على صاحب الهوى أن يتقبل الشبهة، لو واحد مثلاً محتاج إلى قرض، هواه الآن أن يحصل على المال، فيعرض المصرف عروضاً ربوية يسمونها قروضاً شخصية، يلبسونها بملابس وأغلفة، فصاحب الهوى الذي عنده ميل إلى شيء معين يسهل عليه أن يتقبل شبهة الربا على أنه حلال.

عندما تكون المرأة عندها ميل إلى التبرج والسفور، عندها دافع لهذا يسهل عليها تقبل شبهات مثل المهم يكون القلب نظيفاً، المهم إنك تحبي الله، إذا حبيتيه خلاص ممكن تتبرجين، المهم القلب ومحبة الله؟ سبحان الله إذا كنتم تحبون الله فاتبعوا شرعه.

بعض الناس الذين يحبون سماع الأغاني ومفتونين فيها سهل عليه أن يتقبل شبهة، فإذا جاء واحد وقال: أصوات العصافير ما هي أصوات جميلة، طيب والصوت الجميل يعني إذا عصفور أو كان في.. وعقله كعقل العصفور تتقبل الشبهة.

طبعاً ضعف أهل الحق، وقلة الناصر والمعين من أسباب روجان الشبهات.

كثرة الجبهات، الآن تذهب تنجد هنا، وتسعف هنا، وتناصر هنا، وأعداء الإسلام فتحوا علينا أبواباً كثيرة جداً.

وبعض الناس يستهينون بالشبهات يقول: هذه تافهة، لكن ربما تدخل في عقلك فتفسده.

وبعضهم أيضاً ينظر إلى النصوص كالأعور بعين واحدة، ولا يرى النصوص الأخرى، يأخذ نصاً ولا ينظر إلى النص الآخر، خلاص:  لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ  طيب فيه تكملة وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ  [النساء: 43]، والآية منسوخة.

 فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ [الماعون: 4] طيب فيه آية بعدها.

ما هي الأشياء التي تعيننا على مواجهة الشبهات؟

بالإضافة إلى ما تقدم: أن نفكر في شرف الحق وهوان الباطل، فإن الله جعل الحق عظيماً، وجعل له نوراً، وجعل أصحابه بالمنزلة العالية، وجعل مكافأتهم الجنة.

وهذا الحق الصبر عليه هو الذي يجعلك تأنس بالمتاعب، وترضى بالمصائب، وتتلقى بالصبر والرضا والاحتساب، وأنك حتى لو ضيق عليك وحتى لو كنت مضطهداً فإن ذلك لا يجعلك تجبن، ولا تنسحب ولا تتراجع.

وإذا فكرت في الباطل وما أعد الله لأهله من العذاب، وما جعل عليه من الظلمة، وما يكون من قبحه ومصدره الشيطان فإنك ستأنف من ذلك وتتركه وتبتعد عنه.

ويجب الابتعاد عن الهوى فإن هذا الهوى يردي والله.

ويجب التحصن بالعلم الشرعي، وبناء النفس على القواعد في العقيدة وفي الفقه، يجب أن تبنى على القواعد الشرعية.

ويجب أن يكون للإنسان المسلم علم يدفع به الشبهات كما أن عنده عقل يدفع به الشهوات.

وإذا كان قال: لا يورد ممرض على مصح  فإنه يجب كذلك الحذر.

والدعاء الدعاء يا إخوان  اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وإذا أردت بعبادك فتنة  شبهات أو غيرها  وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون  [رواه الترمذي: 3233، وحسنه، وقال الألباني: "صحيح لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 408] هكذا قال عليه الصلاة والسلام في الدعاء.

وأن نرد إلى أهل العلم: وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].

وهذا التأديب من الله لعباده في الرجوع إلى العلم، ما معنى: يستنبطونه؟

يستخرجونه بفكرهم، وأرائهم السديدة، وعلومهم الرشيدة

ابن سعدي في تفسيره.

من المواقف المهمة: عدم نشر الشبهة ولا ترويج الشبهة، وأن لا تعلن على الملأ، ولو كنت طالباً في صف دراسي وجاءت شبهة عندك من قراءة أو سماع لا تنشرها في الفصل، اذهب للمدرس على جنب وقل له: سمعت شبهة ما هو جوابها؟

وتسأل الله الهداية:  اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك  [رواه مسلم: 770].

قلنا : الإنسان قد يضطر للتعامل مع الشبهات، قد يكون مدرساً والطلاب يأتونه بشبهات، وهو لا يستطيع أن يجيب على كل الشبهات، فهو يرجع لأهل العلم، وينقل الجواب، ويبحث في الكتب ويأتي بالجواب، هذا هو اللازم، ولا يترك الأمور ولا يهملها.

يا أخي المسلم، أيتها الأخت المسلمة: إن وجود قواعد شرعية مكتسبة بالعلم، مأخوذة من حضور الدروس والحلق والكتب والأشرطة النافعة مهمة جداً في بناء الأسس التي نصد بها الشبهات.

وإن هناك من احتسب في الرد على الأباطيل، وهات أي شيء من الأشياء التي فيها شبهات في القضاء والقدر في الإيمان عن الله تعالى شبهات النصارى مثلاً، شبهات أي جانب من الجوانب التي أثيرت عن الحجاب، عن تعدد الزوجات، عن الربا، تجد أن الله وفق ناساً من هذه الأمة فكتبوا في الإجابة على شبهات الربا، وتفنيد شبهات حول الحجاب، والرد على مطاعن تعدد الزوجات، ومطاعن عن الوحي، ومطاعن في قراءات القرآن، وهكذا..

المهم أن يهتدي الإنسان إليها، ويقرأ هذا بتمعن إذا احتاج، وإذا ما احتاج لا يذهب للشبهات ويقول: أقرأ الشبهات، ثم أقرأ الرد.

وقد كان من حيل بعض الخبثاء أنه يكتب كتاباً في الرد على الشبهات، ويعرض الشبهة عرضاً قوياً مفصلاً واسعاً، ثم يكتب الرد عليها مهلهلاً ضعيفاً قصيراً.

فترسخ الشبهة، ولا فائدة من الرد، هذه من الوسائل.

إذاً، قد يتلبسون بلباس الرد على الشبهات، وفي الحقيقة أنهم يقوون الشبهات، ويثيرون الشبهات، ويعرضون الشبهات عرضاً قوياً.

وأيضاً فإن بعض الناس، وقد خبرت ذلك، إذا أمسك الريموت، وأدار على القنوات الفضائية وقف على قناة فضائية فيها إثارة شبهات عن القرآن الكريم، أو عن نبي الإسلام ﷺ، أو عن صحيح البخاري، أو عن السنة النبوية تسمر عند الشاشة يسمع، ثم جاء يقول: يا شيخ أنقذنا في محطة كذا تعرض كذا وكذا، وسمعت فيها كذا وكذا وكذا.

يا أخي: لما بدأت تسمع، لماذا لم تغلقه؟ لماذا لما عرفت أنهم يثيرون الشبهات ما تركتهم؛ لأنهم أعداء؟ وماذا ستستفيد من موالاة الاستماع، وأنت لست عالماً ولا طالب علم؟ فلماذا؟ وما الذي ألجأك إلى هذا الجلوس؟

دور أهل العلم في رد الشبهات

00:56:31

ودور أهل العلم في الرد والصد في غاية الأهمية:

أولاً: سد منابع الفتن.

ثانياً: معرفة الشبهات الواقعة.

ثالثاً: كتابة الردود القوية.

رابعاً: نشر هذه الردود.

ولا يلزم من عرض الشبهة أصلاً، بل يكفي أحياناً كلاماً نفيساً من قرأه وسمع الشبهة يعرف أن هذا الرد عليها.

والذي لم يسمع الشبهة يعتبروه كلاماً مفيداً مؤصلاً وشرعياً جميلاً، يعني ما يلزم أن نذكر الشبهات كاملة والرد عليها، ممكن نذكر الردود الذي يقرأ ويسمع الشبهة، ويقرأ هذا الكلام يعرف أن هذا الرد على الشبهة.

وأيضاً من الوسائل المهمة: عقد الدورات للدعاة لتزويدهم بالردود على الشبهات.

الآن الدعاة الذين يتحركون في الساحة في مكان التحرك فيه شبهات معينة، فإذا كان واحد مثلاً يتحرك في ساحة مثلاً فيها أناس يدعوهم إلى الله من غير المسلمين لابد يزود بالرد على الشبهات، من هؤلاء الذين تدعوهم؟

النبي ﷺ بعث معاذاً إلى اليمن: إنك تأتي قوماً أهل كتاب  استعد إنك تأتي قوماً أهل كتاب  [رواه البخاري: 1496] لا يذهب الآن إلى ناس وثنيين ما عندهم دين  إلى أهل كتاب  إذاً، لا بد من الاستعداد، وأرسل معاذاً عالماً فصيحاً ذكياً.

هؤلاء الذين يتحركون في الساحة من الدعاة إلى الله لا بد تعقد لهم الدورات في الرد على الشبهات، فيقول: أنتم تدعون النصارى، هذه أهم الشبهات التي يطرحونها وهذه الردود عليها، وتعمل الأشياء حوارية، ويقال: هذه الشبهة، من يأتي بالردود؟

فيقوم هؤلاء الطلاب الحاضرون في الدورة مثلاً بالرد، والخبير والشيخ الجالس يصحح، ويقول: هذا رد جيد، هذا رد ناقص، هذا ليس برد أصلاً، هذا لا بد من تدعيمه بكذا، وهكذا يحصل تمرين؛ لأننا نعيش الآن في عصر انفتاح، والذي ما أتاك في المكتب أو ما أتاك في الفصل أو ما أتاك في مجلس أو ما أتاك في مجلة، جريدة، قناة، موقع إنترنت، رسالة جوال، الآن رسائل جوالاتنا يأتي عليها شبهات، أنا جاءتني رسالة باللغة الإنجليزية واضح أنها من منصر، تتكلم عن بركة يسوع، وكلام، يدعوننا لدينهم.

إذاً، الأشياء تأتيك في كل وقت وحين.

إذا كان مثلاً امرأة تدعو النساء في شبهات حول الحجاب عند النساء.

إذا كان واحد اقتصادي إسلامي مثلاً يخوض غمار الدفاع عن أحكام الله في البيوع مثلاً، والاقتصاد، سيتعرض لشبهات عن الربا، ويسألونه وعن الميسر، وعن أشياء تجارية كثيرة جداً مليئة بالمصائب.

إذا واحد يدعو العامة، حتى العامة عندهم نوع معين من الشبهات، يجيك واحد يقول: وأصلاً هذا إنسان اكتشفت أنه مرتشي وحرامي وكذا، وأنه أصلاً سرق أشياء، وأنا رحت لعبت عليه، وأخذت بطاقة الفيزا تبعه، وكذا، وأرقام، وسحبت من رصيده وهو ما يدري.

طيب وأنت كيف جاز لك هذا؟

يقول: السارق من السارق كالوارث من أبيه، عادي، قاعدة أصولية عظيمة جداً جامعة مانعة من العلم المكدس عندهم، السارق من السارق كالوارث من أبيه، يعني حلال زلال، عليه، أنتم حرامية كلكم، أنت حرامي وهو حرامي، يعني مو أنت لما سرقت الآن المال الحرام صار حلالاً؟

فعلاً فيه ناس عندهم هكذا شبهات.

مع العامة: ساعة لربك وساعة لقلبك، أيش يعني؟ يقول: يعني ساعة في المسجد وساعة في الأشياء.

يا أخي:  مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ  [ق: 18].

 قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162].

المحيا كله لله.

أيش يعني ساعة للحق، وساعة للباطل، ساعة للطاعة، وساعة للمعصية؟

وأيضاً فإنه لا بد من وجود دعوة تخصصية ودورات شرعية، وتزويد هؤلاء بالردود على الشبهات، والشبهات عن الله وأسمائه وصفاته ودينه ووحيه ورسله وجنته وناره شبهات متوالية.

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكن سهم وثاني وثالث

 ولا بد أن تبنى الشبهات على العلم الشرعي وليس على مجرد الكلام، آيات، أحاديث، نصوص وأشياء من الإقناعات العقلية أيضاً.

وبعض الناس أحياناً يفاجأ بواحد من أعداء الدين يثير شبهة فيذهب ويرد، يقوم ويرد عليه أي كلام، إذا رد عليه أي كلام سيسهل دحضه من قبل ذلك المتكلم: هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ [آل عمران: 66]؟

وهذه مسألة مهمة جداً في قضية الرد من شخص ضعيف غير مؤهل، مشكلتنا أحياناً في الشبهات إنه يطلع واحد ضعيف غير مؤهل يريد أن يرد في قنوات فضائية، فيه مناظرات حصلت في قناة المستقلة أو غيرها من القنوات، ما الذي يحصل أحياناً؟ أو الجزيرة أو إلى آخره، فيما نسمع يجي واحد يعرض شبهات بشكل قوي يكون فصيحاً، ويمكن مركب سماعة يتلقى من الشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم، وواحد ثاني أمامه ضعيف، ما هو مؤهل، غير فصيح، لا يستطيع أن ينطق بالحجة القوية، فالرد يكون ضعيفاً جداً، تقول: ليته ما خرج؛ لأنه خرج يمثل أهل الحق، أهل السنة، متبعي السلف الصالح، خرج يمثلهم، ثم لا علم ولا أسلوب، كيف سيخرج الناس المستمعين المشاهدين؟

ولذلك الذي لا يحسن الرد لا يجوز له الدخول في المناظرة، الذي ليس عنده علم قوي غزير عميق لا يجوز الدخول في المناظرة، الذي ليس عنده أسلوب وإقناع وطريقة وعبارة فصيحة لا يصح أن يدخل؛ لأنه سوف يفسد أكثر مما يصلح، وتظهر القضية بقالب الانهزام، هذا انهزم، وهذا انتصر.

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وقد ينهون" يعني السلف "عن المجادلة والمناظرة إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة" السلف ينهون، يقول لك: لا تناظر، لا تدخل في المناظرة، لماذا؟ "إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة، وجواب الشبهة، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجاً قوياً من علوج الكفار، فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة" [درء تعارض العقل والنقل: 7/173] يعني لو تقابل الصفان والجيشان فأخرج الروم علجاً قوياً قال: من يبارز؟ فقام واحد من المسلمين ضعيف هزيل قال: أنا، واحد متحمس، وذهب من أول ما التقوا طعنه العلج فقتله، فما الفائدة؟

إن ذلك سيشجع العلوج ويفت في عضد أهل الإسلام.

ولذلك ما يخرج في المبارزة إلا القوي القادر، هكذا في معارك السيف، وكذلك في معارك اللسان، القضية مهمة جداً، ومشكلة أحياناً يجي أي اثنين يتفقون يقولون: تعال أنت تمثل الفكر الفلاني، وأنا أمثل الفكر الفلاني، تعال نقدم على برنامج، هي تجارة ولا شهرة حب الشهرة، ولا فقط نطلع؟ يعني الآن هناك مآسي كثير تحصل مع الأسف.

من الأمور المهمة جداً: معرفة الأصول الشرعية، هناك أصول لو عرفها الواحد حتى من العامة، بل المقصود العامة أن يعرف هذه الأصول حتى لا تروج عليه الشبهات، وعلى الأقل يعرف أن هذا كلام باطل ولو ما عرف الرد عليه، المسألة منازل، مراتب، قد تعرف أن هذا باطل وتعرف الرد عليه، وقد تعرف أن هذا كلام باطل وإن كنت لا تدري ما هو الرد، مثل موقف كثير من المسلمين عاطفيين، يعني لو واحد ألف سوراً ونشرها، قال: فليأتوا بمثله، أنا آتي بمثله، وراح نشر سوراً، العامي إذا قرأ هذا طبعاً ينفعل ويغضب وتأخذه الحمية لأن عنده عاطفة للإسلام، فهو يعرف أن هذا باطل، لكن ما يستطيع الرد.

وهناك من الناس من لا يعرف هذا باطل ولا ما هو باطل، ويشك.

ومن الناس من يظن الباطل حقاً، فالمسألة منازل مراتب.

فيه قضية مهمة جداً وهي معرفة الأصول، يعني مثلاً لو تقرر عندك أصول، أصل الوحدانية، أصل وحدانية الله:  قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ  [الإخلاص: 1]،  وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ  [البقرة: 163]، إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ  [النساء: 163]،  لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا  لو فيه آلهة متعددة واحد يريد أن ينزل مطراً، واحد لا يريد أن ينزل مطراً، واحد يريد أن تنبت، واحد لا يريد أن تنبت، واحد يريد قبض فلان، واحد لا يريد قبض فلان، لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ [الأنبياء: 22]،  مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ  [المؤمنون: 91] كل واحد يقول: هذا تبعي، وهذا تبعي، وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ  [المؤمنون: 91]، وتحطم الكون، ولذلك هو إله واحد سبحانه  بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  [الأنعام: 101].

إذا الإنسان عرف هذا، ألوهية الله، وحدانية الله، وأنه ليس له ولد  لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ  [الإخلاص: 3 - 4]، ولم يتخذ صاحبة، إذا تأصلت عنده هذه الأصول مهما جاء النصارى مثلاً بأن الله ثلاثة، أو أن له زوجة، أو أن له ولد، خلاص انتهى لا يتأثر، لماذا؟ لأن الأصل واضح.

مثلاً: تفرد الله بعلم الغيب، وهذه قاعدة مهمة جداً، لا يعلم الغيب إلا الله، لو تأصلت هذه المسألة بالنفس عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا [الجن: 26]،  عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ  [الرعد: 9]،  قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ  [النمل: 65]،  وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59].

لا يعلم الغيب إلا الله، قالت عائشة -رضي الله عنها-: "ومن حدثك أن محمداً ﷺ يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله" [رواه البخاري: 7380].

ولما قالت الجارية تغني: وفينا نبي يعلم ما في غد، قال: لا تقولي هكذا، وقولي ما كنت تقولين  [رواه البخاري: 4001] كانت تنشد شعراً.

 قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50].

 قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ [الأعراف: 188].

 وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ  [الأعراف: 188].

لو كنت أعلم الغيب، أنا لو رحت في الشارع هذا راح تصدمني سيارة وأعلم الغيب فلن أذهب من هذا الشارع سأذهب من شارع آخر لكي لا يحدث فيه حادث مثلاً  وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ  [الأعراف: 188].

لكن لا نعلم الغيب.

فإذاً، هذه الأدلة عن علم الغيب أن الله يعلم الغيب فقط، لو جاءك واحد وقال: هذه العراف الفلاني، والكاهن الفلاني، والموقع الفلاني، وفلان الفلاني، يعلم أشياء في المستقبل، أنت إذا رسخ عندك هذا المبدأ تقول: كذاب، والله العظيم كذاب، لا يعلم الغيب إلا الله.

طيب والذي قال والذي حصل كذا؟

قل له: إما أنها خدعة تمثيلية أو من الشياطين أو من الجن يسترقون فيوحون إلى أوليائهم، يكذبون معها تسع وتسعون كلمة، أو.. أو إلخ..، لأي شيء، أي احتمال، إلا أنه ما يمكن يعلم الغيب إلا الله .

وهكذا مثلاً لو تقرر لدينا الأصل الشرعي بوجوب اتباع السنة  مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [النساء: 59]  فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ [النــور: 63] يعني عن أمر النبي ﷺ  أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ  [النور: 63]،  فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ [النساء: 65]،  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال: 24]،  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ [النساء: 59].

لو جاءك واحد وقال: السنة فيها أحاديث ضعيفة وموضوعة وملتبسة ومختلطة، وما ندري، علينا بكتاب الله وما نريد السنة؟

الجواب واضح، عندك الجواب واضح.

لو جاءك واحد وقال: أحاديث الآحاد يمكن الراوي أخطأ، يمكن وهم، يمكن كذا، هذا بشر، ممكن، أليس كذلك؟ فإذًا نحن غير ملزمين بأحاديث الآحاد؟ لاحظ غير ملزمين -سبحان الله- طيب ولو كانت صحيحة؟ طيب ما هو تعريف الحديث الصحيح؟ نقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه الراوي عن الراوي عن الراوي،كلهم ثقات عدول من غير شذوذ ولا علة ما في وهم ولا اضطراب، ولا مخالفة، إلى النبي ﷺ، هذه الحديث الصحيح، ولو كان رواه واحد عن واحد أو في أحد طبقات السند فيه واحد ما يضر يا أخي؛ لأن هذا تعريف الحديث الصحيح، هل نحن ملزمون بالعمل به وإلا لا؟ الحديث الصحيح نحن ملزمون به وإلا لا؟ طبعاً ملزمون به، ولذلك لو جاء وقال لك: يمكن الراوي وهم، يمكن أخطأ، يمكن كذا، يعني شكك الناس في الأحاديث، يقول: غير ملزمين به، طيب إذا شفت الحديث المتواتر كم حديث؟ كم نسبة الأحاديث المتواترة في السنة؟ قليل، معنى ذلك أن الغالب سيحذف، لكن أنت إذا مؤمن  مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ [النساء: 80] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ  [النساء: 65] يا محمد ﷺ،  اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ  [الأنفال: 24].

إذا الأصول عندنا واضحة مهما جاء واحد وشككنا وقال: السنة فيها وفيها وفيها.

نقول: القرآن يدلنا على اتباع السنة، فماذا ستقول؟

قال لنا نبينا ﷺ: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي .

لو تقرر عندك عدالة الصحابة، تقررت عندك بالأدلة، بنيت نفسك وعقلك، وبنيت قناعاتك على هذه المسألة الشرعية: عدالة الصحابة، الصحابة كلهم عدول، وأتيت مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا  [الفتح: 29]،  وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ [التوبة: 100] الله قال: {رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ}، يعني إذا رضي عنهم أنت ما ترضى عنهم؟ هذه كارثة، مصيبة.

 لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ [التوبة: 117].

 خير الناس قرني  [رواه البخاري: 2652، ومسلم: 2533].

إذا تقررت عندك عدالة الصحابة، مهما جاء واحد وطعن طعن في معاوية، في عمرو بن العاص، في فلان، في فلان، حتى طعنوا في الصحابة أعلم الصحابة هل ستتشكك؟ هل ستتهم هؤلاء الصحابة بالنفاق؟ هل ستقدح فيهم؟ هل ستكذبهم؟

لا، لأنه تقرر عندك.

طيب وقعت منهم معاصي؟

طبعاً وقعت منهم معاصي لكن الله غفر لهم، رضي الله عنهم.

إذا غفر لهه نحن ما شأننا نقع فيهم، ونطعن فيهم، وندخل فيهم.

فيه شبهات كثيرة حتى في المجال هذا، في قضية الصحابة، فلا بد يترسخ عند العامي من المسلمين الأصول الشرعية: عدالة الصحابة، لازم تتقرر المسألة هذه قراراً تاماً.

ولما جاء واحد يناقش عالماً من أهل السنة قال له: العشرة المبشرون بالجنة، هؤلاء ما هو مسلم أنهم يدخلون الجنة، قال له العالم : إننا نقطع لهم بالجنة، نقطع لهم بالجنة لماذا؟ للنص، العشرة المبشرون بالجنة نقطع لهم بالجنة بالنص، فقال المبتدع: لا، هو قصده أن هؤلاء المبشرون بالجنة إذا ماتوا على الحق، واحنا ما ندري ماتوا على أيش؟ انظر إلى هذا الأسلوب، فقال: يا أخي كل الناس مبشرون بالجنة إذا ثبتوا على الحق، فأي ميزة لهم؟ يعني إذا كنت تقول أن هؤلاء مبشرون بالجنة إذا ماتوا على الحق، طيب وأي واحد أنت يا أخي مبشر بالجنة إذا مت على الحق وأنت مبشر بالجنة إذا مت على الحق وهذا مبشر بالجنة إذا مات على الحق فأي ميزة للعشرة؟

إذاً، إذا صار النص لهم كالنص لآحاد الناس فأي ميزة لهم؟ فرد عليه أفحمه.

إذاً، المقصود أن الشبه التي تثار على الصحابة عندما تقابل بهذا، تنتهي، عدالة الصحابة مستقرة في نفوسهم.

مثلاً كمال الشريعة، الشريعة اكتملت، لا مجال للزيادة، لو تقرر عندنا هذ الأصل  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  [المائدة: 3] إذا بنينا قناعتنا على قواعد شرعية  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ،  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ [النحل: 89] لو واحد قال: والمشايخ الصوفية والأولياء والأئمة والمعصومين، وكذا.. هؤلاء يحق لهم بعد موت النبي ﷺ أن يقولوا كلاما فيه تشريع جديد، لا حظ تشريع جديد.

طيب والآية؟ إذا أنت بنيت قناعتك على أسس صحيحة  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  إذًا ما في زيادة، لا مجال للزيادة إطلاقاً.

إذا أنت بنيت نفسك على أن كل بدعة ضلالة حسب الحديث:  كل بدعة ضلالة [رواه ابن ماجه: 42] لو جاء واحد قال لك : المولد بدعة حسنة ما تقبل الكلام؛ لأنه ما في بدعة حسنة؛ لأن النبي ﷺ يقول:  كل بدعة ضلالة ، والمبتدع أصلاً يعتقد أن الدين فيه نقص وهو الآن زاد لتكملته، فصادم الآية  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ  [المائدة: 3].

أنت لما تعتقد بشمولية الدين لكل نواحي الحياة، وعندك آيات وأحاديث  قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 162].

"ما مات النبي ﷺ وفي السماء طائر يطير بجناحيه إلا ترك له منه خبراً"

وقال:  قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها .

الأعجمي قال لسلمان الفارسي : "لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة" حتى قضاء الحاجة، قال سلمان: أجل.

لو جاء واحد وقال: فيه أحكام الآن جديدة ما هي موجودة في الكتاب والسنة، والآن في القرن الحادي والعشرين ظهرت الآن، والآن أنا هنا أخبركم بها، ما نقبل الكلام؛ لأن الشريعة جاءت كاملة تامة، وأي حادثة جديدة بالقياس أو بغيره يظهر حكمها، لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ  [النساء: 83].

إذاً، تأسيس النفوس على القواعد الشرعية يحمي الإنسان من الشبهات.

ومن الأمور المهمة: الاستدلال بالواقع في الرد على الشبهات، مثلاً خلينا ندخل قليلاً في قضية المرأة؛ لأن الشبهات هذه الأيام كثيرة في موضوع المرأة، لو جاء واحد وقال: ما لكم أيها الرجال قد احتكرتم القضايا؟ ولماذا هذه الظلم للمرأة؟ المرأة ليست كائناً ناقصاً، المرأة مثل الرجل، مخلوق مثلها مثله لا بد من المساواة في جميع الأشياء، المساواة.

السؤال الأول: هل ديننا دين المساواة أم لا؟ هل الإسلام دين سوى بين الأشياء كلها؟

لا، طبعاً فيه فروق بين الذكر والأنثى والمسلم والكافر والمكلف وغير المكلف طبعاً ما هو دين المساواة بالتأكيد، لكن عندما يكونون كلهم متماثلين فحكمهم واحد، مساواة.

فلو واحد جاء دخل من المدخل هذا قال: الإسلام دين المساواة، طيب والنقطة التي بعدها؟ قال: فالرجال والنساء في الإسلام سواء.

النقطة التي بعدها قال: إذاً الدية واحدة، والإرث واحد، والعقيقة واحدة، وكل شيء واحد، قل له: والرجل يتحجب أو المرأة ما تتحجب يصيرون سواء، والمرأة تتزوج بأربعة رجال حتى يصير الكل سواء، هكذا اطرد له المسألة، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ [القلم: 36 - 38]؟ المسألة مسألة هوى.

طيب ونقول له: تعال وانظر هل الواقع والشرع يدل على أن الدين يسوي بين الرجال والنساء؟  الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء [النساء: 34]، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [البقرة: 228].

إذاً، هذه قضية التساوي ليست صحيحة.

إنها المسؤولية، مسؤولية الرجل عن المرأة، المرأة تريد رجلاً كامل الرجولة بمعنى الكلمة، وخصصت النبوة بالرجال، والولايات العامة بالرجال، والجهاد مفروض على الرجل وليس على المرأة، والمرأة على النصف من شهادة الرجل، وهكذا..

ونبين له الفروق في الشرع، ثم في الواقع، نقول: الكفار وهم الكفار لم يتوصلوا حتى الآن إلى مساواة الرجال والنساء في الأجور، فعندهم معدل أجور الرجال أعلى من معدل أجور النساء.

ومن الناحية الطبية: اكتشفوا أن الخلاف بين الرجال والنساء يصل إلى درجة الخلية، الخلاف على مستوى الخلايا، وزن الدم حتى المرأة والرجل إذا كانا في وزن واحد، هذه وزنها 70 كيلو وهذا وزنه 70 كيلو، وزن الدم في هذه غير وزن الدم في هذه.

عدد تلافيف الدماغ في هذه غير تلافيف الدماغ في هذا.

واكتشفوا أن الرجل يختلف عن المرأة حتى في سرعة اللسان، وسرعة المضغ، والمرأة تتفوق عليه في سرعة اللسان، وتتفوق عليه في الرؤيا في الضوء الخافت، وسماع الأصوات، ولذلك تنتبه المرأة لطفلها ما لا ينتبه الرجل، سبحان الله.

وكذلك النفسية تختلف.

إذاً، إذا كان الواقع والأطباء والعلماء الكفار شهدوا بهذا فكيف تريدون أنتم المساواة بين الجنسين؟

كذلك لو جاء وقال لك: يا أخي أنت ترى القيود الدينية هذه، أنتم فرضتوها، هذه سبب الجرائم، والكبت، هذا الذي ولد الانفجار، ولذلك الآن الشباب والشابات في أمر مريج.

فقل له: طيب المجتمعات المنحلة المنفتحة تمام الانفتاح اللي ما عندهم لا حجاب، ولا أحكام خلوة، ولا أحكام محرم، ولا أحكام لباس، ما في لباس، ماذا حصل؟ هل انتهت مشكلة الكبت عندهم؟ أو تطورت الأمور وصار عندهم برود وصار عندهم الجنس الثالث، وصار عندهم وسائل شاذة في الاستمتاع الجنسي مع الحيوانات والبهائم، ومثليي الجنس، واغتصاب العجائز، يعني وين انعمل الانحلال، فهل زال الكبت ولا تولد مصائب جديدة؟

طيب لو جاء واحد وقال: الاختلاط ما فيه شيء، ما فيه شيء لو اختلاط في فصل دراسي، في مكتب شركة، في ملعب، ما في مانع، ليه، قال: لأن الاختلاط موجود في الطواف حول الكعبة ماذا نقول؟ ماذا نقول؟ هاتوا هاتوا إجابات عن هذا؟ ماذا نقول؟ موجود اختلاط في الطواف يعني ليش ما نعمل في الملعب والمكتب والفصل الدراسي والكليات والجامعات؟ ليه؟ ليش ما فيها شيء؟ أيش المشكلة؟ ماذا نقول؟

غالباً تذهب ومعها محرمها؛ لأنها تأتي من بعيد لكن قد تدخل الحرم بغير محرم.

نقول له حال المسلمين في الطواف في الحرم لا يمكن أن يقارن على خارج هذا، يعني أحد الردود لكن ليس رداً كلياً، أنت تقارن وضع المرأة التي جاءت للطواف والرجل الذي جاء للطواف العبادة بحالها في الملعب؟

هذا اختلاط لحال الضرورة، يعني الآن لو استطعنا أن نتحكم يجب أن نفصل الرجال على النساء، ولو ما استطعنا، إذا صارت ضرورة، فإذا قلت أن هؤلاء الملايين مليون مليونين يأتون في وقت واحد في الحج في عمرة رمضان، إلى آخره، فإن هؤلاء إذا دخلوا الحرم بهذه الكثافة لا يمكن التحكم فيهم، وعندما تصبح القضية قضية ضرورة، يسقط الحكم، علماً بأنه قد ثبت عن الصحابة -رضوان الله عليهم- فصل الرجال عن النساء في الطواف، وهذه قضية مهمة جداً، لكن كثيراً من الناس لا يعلمون.

إن هذه المسألة وردت عن عائشة -رضي الله عنها- وعن غيرها، وأنهم ما كانوا يطوفون مختلطين بالرجال، فثبتت الأحاديث بفصل الرجال عن النساء في الطواف، وأنه لم يحدث ذلك إلا عند الضرورة مثل إذا دخلوا بهذه الأعداد الكبيرة ضخمة، لا يمكن فصلهم، ولذلك فإن الاختلاط الحادث للضرورة غير الاختلاط الحادث ونحن نتحكم فيه، أنت تتحكم في الفصل، تتحكم في الكلية، في الجامعة، تتحكم في الأماكن الأخرى، أما المكان الذي لا تستطيع أن تتحكم فيه فدخلوا فيه ضرورة وليس اختياراً، فكيف تقيس هذا على هذا؟ فلا الحال والمشاعر واحدة، ولا في قضية الاضطرار وعدم الاضطرار قضية واحدة، ولا حتى في الحجاب فإنها تأتي في الإحرام، إذا جاءت بالشكل الشرعي كيف ستأتي؟ وعندما تكون في الكلية والملعب وإلى آخره كيف ستكون؟ وفي أي لباس ستكون؟

وإذا أضفنا إلى ذلك أن الشريعة جاءت بالفصل، فالصلاة صفوف النساء وراء، والرجال أمام، وفيه باب خاص للمسجد أمر أن لا يدخل منه الرجال.

وكذلك قال: ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحواف الطريق.

إذاً، الحواف للنساء، والوسط للرجال.

فإذا جاءت النصوص تقضي بالفصل بين الجنسين، فنحن كيف نخلط هذا بهذا؟ ثم نستدل بالطواف على نسف الأصل، ما هو الأصل؟ الأصل الفصل.

وإذا صار ضرورة ازدحم الناس لأي سبب، حصل حريق فانحشر الناس في مكان، طلعوا كلهم من طوابق معينة، وازدحموا في سلالم العمارة مثلاً، تقول: لا. نفصل الآن، حريق، ولذلك ما يحدث ضرورة حكمه يختلف عن الأصل.

الأصل ما هو؟

الفصل، وهذه أدلته قائمة وموجودة في أطهر البقاع في المسجد، ما قال: الرجل جنب المرأة في صفوف الصلاة، وجعل صفوف النساء خلف، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها، وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها لاقترابها من صفوف النساء.

الشبهات كثيرة، وفي مجالات متعددة.

وهذه بعض الضوابط، وبعض كلام أهل العلم في الموضوع، المسألة جديرة بالاهتمام.

نسأل الله أن يبصرنا بدينه وأن يرزقنا اتباع سنة نبيه.

وصلى الله عليه وسلم.