الخطبةالأولى
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
استسلام الخليل إبراهيم
عباد الله:
نحن مسلمون، والإسلام ديننا، والإسلام هوا لاستسلام لله ، والانقياد له، هذا الأمر الذي لو حققناه؛ لصرنا في أول أهل الأرض، والله هذا المعنى الذي ذكره ربنا في كتابه مرارًا، وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ [سورة النساء:125] هذا المعنى الذي تمثل في إبراهيم الخليل فإنه لما بلغ من الكبر عتيًا، وقد بلغ ثمانين سنة، واشتاقت نفسه للولد، وليس ثم ولد، لكنه ما يئس من سؤال ربه، فأجاب الله دعاءه، ورزقه بغلام حليم، كما رزقه بغلام عليم، وكان إسماعيل أولاً، وقد تعجبت زوجة إبراهيم ، أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي [سورة هود:72]، لكن إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [سورة يــس:82]، فلما رزقه الله بالولد، وبلغ معه السعي، وأطاق وشب، وصار يعاون أباه، وصار في القلب شعبة من الولد، أراد الله أن يسلم قلب إبراهيم له، فأمره بأمر عظيم، وابتلاه ببلاء شديد، وهو رؤيا، ورؤيا الأنبياء حق، أنه يذبح ولده، فما كان من الخليل إلا أن استسلم لربه، وقال لولده: يا بني إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [سورة الصافات:102]، وكان الخليل قد عقد أمره، ولكن ليستجلب طاعة الولد فماذا كانت نتيجة التربية؟ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ [سورة الصافات:102]، قال تعالى -وهذا موضع الشاهد-: فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ [سورة الصافات:103] أطاعا وانقادا، واستجابا واستسلما، قال قتادة -رحمه الله: أسلم هذا بذبح ولده، وأسلم هذا بتسليم نفسه لأبيه، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ أضجعه وجعله على وجهه وظهره إلى الأعلى؛ لئلا يرى ألم الذبح على وجه الولد فربما يتردد، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ووضع السكين ؛ليشرع في الذبح لم يعد هناك فائدة من الذبح؛ لأن الاستسلام قد حصل والاستجابة قد تحققت، ففداه الله، فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ [سورة الصافات:103-105] وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ [سورة الصافات:108] سنة الأضحية إلى يوم يبعثون.
الامتثال حقيقة التسليم
عباد الله، هذا المعنى، الاستسلام لأمر الله، هذا الذي حققه الصحابة -رضوان الله عليهم، فملكهم الله الدنيا، وفتح عليهم كنوز الأرض لما نزلت آية تحريم الخمر، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ [سورة المائد:91] ماذا فعلوا؟ كسروا دنان الخمر وأراقوها مباشرة، فجرت في السكك والطرقات.
الاستسلام لأمر الله، هذا الذي حققه الصحابة -رضوان الله عليهم، فملكهم الله الدنيا، وفتح عليهم كنوز الأرض لما نزلت آية تحريم الخمر، فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ، ماذا فعلوا؟ كسروا دنان الخمر وأراقوها مباشرة، فجرت في السكك والطرقات.
لما نزلت آية الحجاب، والأمر بالاستسلام، وتحقيق معنى الاستسلام والطاعة موجود للرجال والنساء، وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [سورة النور:31] نزلت الآيات: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ، نزلت الآيات: وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [سورة الأحزاب:33]، نعم النساء نساء الأنصار، أول ما رجع الرجال إلى نسائهن، يتلون عليهن آيات، الله والأمر بالحجاب، مباشرة عمدن إلى مروطهن فشققنها، وجعلنها خمرًا، احتجبن بها، ما في وقت للتفصيل ولا لخياطة، أخذت الأقمشة مباشرة، وشققت تشقيقًا على حجاب الجسد كله، فاختمرن، يعني: تغطين، وخمر أي: غطى مباشرة، عندما تنزل الآية بتحويل القبلة، وكانت القبلة إلى الشمال، إلى بيت المقدس، والمسلمون بالمدينة، والتحويل إلى الجنوب، إلى مكة، جاء رجل ممن صلى مع النبي ﷺ في مسجده المسجد النبوي إلى القبلة الجديدة، للتو، إلى قوم من المسلمين يصلون بمسجد قباء، ما بلغهم تحويل القبلة، متوجهين إلى الشمال، إلى بيت المقدس، فشهد بالله أن القبلة قد حولت، فماذا فعل هؤلاء المسلمون؟ هؤلاء الجماعة، الصحابة، هؤلاء الإمام والمأمومون، استداروا في الصلاة فتحولوا كما هم من الشمال إلى الجنوب، من بيت المقدس إلى الكعبة، بالله عليكم لو كنا في هذا المسجد، وقيل لنا: تحولوا والإمام إلى جهة والمأمومون خلفه، والقبلة صارت بالعكس، تنظيم، تحول هذا، كم سيأخذ؟ فضلاً عن التردد في البداية واستصعاب الأمر، وماذا فعل؟ وكيف الصحابة مباشرة بطاعتهم وفقههم تحولوا من الشمال إلى الجنوب في المسجد، في الصلاة، أثناء صلاة العصر، عندما يستوي النبي ﷺ على المنبر يوم الجمعة، ويقول للناس: اجلسوا، وعبد الله بن مسعود عند الباب، فيجلس عبد الله بن مسعود عند الباب، لمجرد سماع كلمة اجلسوا، فيقول النبي ﷺ: تعال يا عبد الله بن مسعود رواه أبو داود، وهو حديث صحيح، تنفيذ فوري، تطبيق مباشر، استجابة بلا تردد.
عندما يرى النبي ﷺ في أصبع أحد أصحابه خاتمًا من ذهب، وربما لا يكون هذا الصحابي يعلم أن الذهب قد حرم، قال ﷺ: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده[1]، ويخلع الخاتم ويرمي به، ويذهب فيقول الصحابة للرجل: خذ خاتمك، انتفع به، الحرام لبسه، لكن بيعه، إعطاؤه لامرأة ليس بحرام، فيقول: لا آخذ شيئًا ألقاه رسول الله ﷺ عندما يتكلم من تكلم في عرض عائشة بنت أبي بكر الصديق، ومنهم رجل ليس من المنافقين، لكن استزلوه، قريب لأبي بكر الصديق، مسطح بن أثاثة، وكان مهاجريًا فقيرًا، غضب الصديق، وكان ينفق عليه، وكان من قراباته، فآلى وأقسم وحلف الصديق ألا يعطيه شيئًا، بعد أن تكلم في ابنته، فنزلت الآية: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ [سورة النــور:22]، مِنكُمْ يا أيها المسلمون، وَالسَّعَةِ في المال، الذين وسع الله عليهم، أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ هؤلاء المهاجرين، هؤلاء الفقراء، فقال الصديق: سمعًا لربي وطاعة، وأعاد النفقة إلى مسطح تغلب على الموقف النفسي.
عندما يزوج أحد الصحابة معقل بن يسار، أخته لرجل، ويتساهل معه في المهر والشروط، ثم إن هذا الرجل بنزغة شيطان طلق المرأة، فغضب هذا الأخ لأخته، أنه أكرمه، وسهل عليه الأمر وزوجه أخته ثم يطلقها بعد انتهاء العدة، الرجل هذا ندم وأراد أن يعود لزوجته، والعود طبعًا بعقد جديد، والعقد الجديد لا بدّ من موافقة الولي، ذهب يخطبها مرة أخرى من أخيها، من وليها، فقال: زوجتك وأكرمتك ثم طلقتها، لا والله، لا ترجع إليك، فأنزل الله ينهى: فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ [سورة البقرة:232]، بعد انقضاء العدة، يريد أن ينكحها بعقد جديد، ولم يطلقها ثلاثا، واحدة أو اثنتين، لا تمنعوا بناتكم وأخواتكم -يا أيها الأولياء- من الأزواج إذا أرادوا أن يعيدوا إليهن على الدين والمعروف، قال معقل: سمعًا لربي وطاعة، وزوجه إياها، كانت قضية الاستسلام، وعدم الاعتراض، والمسارعة الفورية، كانت علامة واضحة، وسمة بارزة في ذلك المجتمع.
اللهم اجعلنا لشرعك منقادين، وبسنة نبيك آخذين، وعلى الشريعة مستقيمين، يا رب العالمين، أحيينا مؤمنين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين، غير خزايا ولا مفتونين.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، البشير والنذير، والسراج المنير، -صلى الله عليه وعلى آله، وصحبه، وأزواجه، وذريته الطيبين، وآله وخلفائه وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك؛ سيدنا وأسوتنا، وقدوتنا، وإمامنا، محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
التسليم لله تعالى بتحكيم شرعه
عباد الله، هذا المعنى، معنى الاستسلام لله، هذا المعنى الطاعة، الإخبات، الانقياد، فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ [سورة النساء:65]، هذا عليه مناط الإيمان، مدار الإيمان، حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا يحكموك ولا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت، ويسلموا تسليمًا، لا بدّ، ما معنى رضيت بالله ربًا؟ إلهاً واحدًا أعبده، لا أعبد غيره، رضيت بالله ربًا، يحكم فيّ، وفي أولادي، وفي أموالي، وفي أحوالي، وبمحمد، نبيًا ﷺ، يأتي بالوحي، ويبلغنا فننفذ من الله الرسالة، وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم، هذا المعنى، هذه أهم قضية في عالم المسلمين، أكبر قضية في حياة المسلمين أن يستسلموا لله رب العالمين، لا يعترضوا على حكم شرعي، ولا على قضاء كوني، يتلقون للعمل، ويسمعون للاستجابة، ويأخذون للتنفيذ، لا يوجد اعتراض.
أكبر قضية في حياة المسلمين أن يستسلموا لله رب العالمين، لا يعترضوا على حكم شرعي، ولا على قضاء كوني، يتلقون للعمل، ويسمعون للاستجابة، ويأخذون للتنفيذ، لا يوجد اعتراض.
ولما حدث بعض الصحابة رجلاً عن النهي عن الخذف، أن النبي ﷺ نهى أن توضع الحصاة بين أصبعين ويرمى بها[2]، وأنها لا تنكأ العدو ولا تقتل الصيد، بل تفقأ العين، وتكسر السن، رآه بعد ذلك يخذف، قال: أحدثك عن رسول الله ﷺ ثم تخذف؟ لا أكلمك أبدا، هجر العاصي، حدث بعض بحديث الحياء لا يأتي إلا بخير[3]، فقال بعضهم: نجد في بعض الكتب إن منه وقارًا، وإن منه سكينة أو ذل، فقال: أحدثك عن رسول الله ﷺ الحياء خير كله، ثم تقول: منه ومنه، لم يكن الالتزام بالدين أمرًا فرديًا، في العهد النبوي الرسول ﷺ ربى المجتمع على الاستجابة الجماعية؛ ولذلك لما تخلف الثلاثة من المؤمنين عن الغزو بلا عذر، وأمر النبي ﷺ بمقاطعتهم، وهجرهم، وتركهم، والإعراض عنهم، وعدم الكلام معهم، من الذي استجاب؟ كل المدينة الأقارب والأباعد، قال كعب: حتى تنكرت لنا الأرض فما هي بالتي نعرف وفي رواية لأحمد: حتى تنكرت لنا الحيطان، يعني: البساتين، فما هي بالحيطان التي نعرف، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، واعتقدوا بذلك ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ [سورة التوبة:118].
هارون الرشيد -رحمه الله- كان رجلًا معظمًا للسنة، وقافًا عند الحديث، وكان يستدعي أبا معاوية الضرير، محمد بن خازن؛ ليسمع منه الحديث، وربما كان يبكي عند سماع الحديث ويقول: صدق سيدي رسول الله ﷺ يوم من الأيام حدث عنده بحديث، وعم الخليفة عم هارون الرشيد جالس والحديث في الصحيح، رواه البخاري وغيره، احتج آدم وموسى[4]. في القصة المعروفة وقال: آدم، وقال: موسى، كذا الحوار فقال عمه: يا أبا معاوية، احتج آدم وموسى، أين التقيا؟ يعني هذا مات من أول البشر خلقه الله، وذاك بعده، ربما بآلاف السنين، أين التقيا؟ ما سمع هارون الكلمة قد فار وثار، وقال: عليّ بالسيف والنطع، -الجلد الذي تقص عليه الرؤوس-، عليّ بالسيف والنطع، فقام القوم يهدؤونه، يا أمير المؤمنين، يا أمير المؤمنين، قال: قال: يقول قال رسول الله ثم تقول أين التقيا؟ يعني: الله على كل شيء قدير: يعني إذا أراد أن يلتقيا سيلتقيان: ولا زالوا يهدؤونه، وما رضى هارون قال: حتى تقر من الذي ألقى إليك هذه الشبهة؟ وهو يحلف بالله، ما هدأ هارون حتى حلف بالله، بالأيمان المغلظة أنها مجرد خاطرة، وما سمعها من أحد، وهارون يقول هذه زندقة، لما جاء أحد هؤلاء الملاحدة المشككين إلى عالم يقول له: جنة عرضها السموات والأرض فأين النار؟ قال يا خبيث لو شاء لجعلها في عينك، يشككون، يلقون بالشبهات، في قنوات، في مجالس، يلقون بالشبهات، هذه وظيفتهم، الطعن والتشكيك الذي عنده استسلام حقيقي، وإيمان قوي يتأثر بهذه الشبهات، كلا والله؛ لأنه يعتقد بشيء مهم جدًا، إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[سورة البقرة:20]، ثم ببساطة يقال لهذا: الله ما خلق إلا السموات والأرض؟ ما خلق فوق السموات ماء؟ ثم فوقه العرش والكرسي، وأن نسبة السموات والأرض كلها إلى الكرسي مثل حلقة ألقيت في صحراء.
شكر النعمة سبب بقاءها وبركتها
عباد الله: المسألة مسألة تلقي واستجابة، نسأل الله أن يجعلنا من المؤمنين، إخواني أذكر نفسي وأذكركم بأن نذكر نعمة الله علينا، اذكروا نعمة الله عليكم، نعمة الله طبعًا أولها الإيمان والإسلام والدين، فكم في الأرض من الكفرة يعبدون شجر وحجر وبقر! نعمة الله علينا بدين الإسلام، وكثير من الناس في الأرض كفرة، كم من السبعة مليار مسلم يدين لله بالتوحيد؟ اذكروا نعمة الله الذي جعلكم آمنين في بيوتكم، تطعمون من رزقه، وتأكلون، فلا ننسب النعمة إلى غير المنعم، ولا نقول هذا بعبقريتي، وهذا من خيرك يا فلان، هذا من فضل الله، هذا من رزق الله، ولا نبطر، الأشر والبطر رمي النعمة، اذكروا نعمة الله عليكم، في بعض بلدان القرن الإفريقي، يا جماعة بلغ قبل نحو ثمانين سنة عندهم من الترف والنعيم والنعمة والخير والثراء والعطاء والزرع والضرع، حتى كان الواحد منهم يذبح الخروف يأخذ الكبد ويرمي الباقي في الزبالة ما حالهم الأن؟
في 1327- 1909 سنة الجوع هل تعلمون ماذا حصل؟ كان الناس في الجزيرة يتسابقون على الفطيسة، ويطاردون الجراد، ويخبطون ورق الشجر، فيغلونه بالماء، ويشربونه ما لهم إلا هذا، يطوف الأولاد على البيوت بالليل، يطرقون الأبواب؛ لعلهم يأخذون كسرة خبز فلا أحد يفتح لهم؛ فيصبح أصحاب البيوت صباحًا يفتحون البيبان، يجدون هؤلاء الأطفال موتى على الأبواب! المرضعة ترى على الأرض مستلقية ميتة وعلى صدرها طفلها قد مات معها من الجوع، والله تقول المرأة لواحد: خذ ولدي يخرج معكم؛ لعله يصيب شيئًا، نحن نموت من الجوع، فما أصابوا شيئًا، فوجد من نظراتهم أنهم يريدون أكل الولد، ما أنقذه الله منهم إلا بكلب عابر، لحقوه، فأمسكوه، وذبحوه، وسلخوه، وأكلوه، قالوا: ماتركنا عظمًا لا كراعًا، تأتي المرأة إلى قريبها جالس مع الرجال، تقول: يا فلان، تملك عليّ، على سنة الله ورسوله، فيسكت، قد أهمته نفسه من الجوع، فتقول: يا أيها الأجواد ما فيكم من أحد يعقد عليّ؟ أخرجها الجوع، فيطرقون برؤوسهم جميعًا، هذا الكلام يا عباد الله ليس بعيدًا جدًا، يا ترى ماذا يجب علينا للمنعم؟ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [سورة إبراهيم:7].
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك، نعوذ بك من جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، اللهم اجعل هذا البلد آمنًا مستقرًا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وأكرمنا ولا تهنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك نعيمًا لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، ونسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين، اللهم ارحم إخواننا المستضعفين، اللهم أغنهم، وأطمعهم، وآوهم، واحملهم، وانصرهم وصبرهم يا رب العالمين، اللهم إن في بلاد المسلمين من اللأواء والشدة ما لا يعلمه إلا أنت، اللهم اكشف الغربة والكربة، وأزل الشدة والمحنة، يا رحيم يا رحمن، يا منان اغفر لنا ولآبائنا، اغفر لنا ولأمهاتنا، اغفر لنا ولوالدينا، وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ