الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..
الاختيار سنة من سنن الله في خلقه
الحمد لله القائل: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ [القصص: 68] فهو يختار من خلقه ما يشاء، ومن يشاء، لما يريده من الوظائف والأعمال والتكاليف والمقامات، ولا يملك أحد أن يقترح عليه شخصًا ولا حادثًا ولا قولًا ولا فعلًا مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ [القصص: 68] لا في شأن أنفسهم ولا في شأن غيرهم.
الاختيار هو الانتقاء والاصطفاء.
هو سنة من سنن الله -تعالى- في خلقه، خلق السموات فجعلهن سبعًا، واختار السابعة لأن تكون مكانًا للملأ الأعلى.
وخلق الشهور فجعلها اثني عشر شهرًا، واختار من بينها رمضان ليكون أفضل الشهور، وخلق الأيام فجعلها سبعة، واختار الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وعرفة أفضل أيام العام، وخلق الليالي فاختار منها ليلة القدر فجعلها أفضل الليالي.
واختار من الأمكنة البيت الحرام فجعله أفضل البقاع، وخلق الكائنات فاختار منها الإنسان ليكون أفضلها وأعلاها: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ [الإسراء: 70] واختار آدم أبًا للبشرية فخلقه بيده، وأحسن صورته، وعلمه الأسماء كلها، وأسجد له ملائكته، وأسكنه الجنة، وبعث من رسله ملائكة وبشرًا: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الحـج: 75]، واختار من بينهم خمسة وهم أولو العزم من الرسل فجعلهم أفضل أنبيائه: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [آل عمران: 33] واختار محمدًا ﷺ من العرب من أشرف قبيلة فهو خيار من خيار من خيار: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشًا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم [رواه مسلم: 2276].
هذا الاختيار سنة من الله -تعالى- في عباده الصالحين، وفي كل جيل يختار ربنا أفضل الأمم لتقود البشرية في وقتها كما فضل بني إسرائيل في وقتهم، وقال: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ [الدخان: 32].
وكذلك فإنه سبحانه وتعالى اختار الإسلام دينًا لجميع الناس، واختار المدينة دار هجرة لنبيه ﷺ، واختار هؤلاء الأصحاب خير حواريين في الناس أو في البشر ليكونوا أصحاب محمد ﷺ، وقال: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110]، واختار من جملة الصحابة العشرة المبشرين، واختار منهم الشيخين أبا بكر وعمر وزيري نبيه، واختار لأنبيائه مهنة رعي الغنم دون غيرها من بهيمة الأنعام: ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم [رواه البخاري: 2262]، واختار المسجد الحرام ليكون قبلة لهذه الأمة: قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة: 144].
قال ابن القيم -رحمه الله-: إن الله اختار من كل جنس من أجناس المخلوقات الطيبة، واختصه لنفسه وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيب لا يحب إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيب من كل شيء هو ما اختاره تعالى.
بعض شواهد السيرة على الاختيار
لقد حفلت سيرة النبي ﷺ بكثير من شواهد الاختيار في غزواته وجهاده ودعوته وهجرته، فقد اختار أبا بكر ليكون صاحبًا له في الهجرة، واختار مصعبًا ليكون سفيرًا له إلى المدينة، واختار عليًا ليكون له داعية في اليمن، وحاملًا للواء المعركة في خيبر، واختار معاذًا ليكون معلمًا أيضًا ومفتيًا لطائفة من اليمن، واختار أبا بكر ليصلي بالناس في مرض موته دليلًا وإشارة إلى خلافته من بعده، واختار حذيفة ليكون صاحب سره في أسماء المنافقين، وغير ذلك، فكان يقال له: صاحب السر الذي لا يعلمه غيره [رواه البخاري: 3743].
واختار بلالًا ليكون مؤذنًا له كما اختار ابن أم مكتوم وأبا محذورة بعد ذلك، واختار رسول الله ﷺ الحبشة مهاجرًا أول لأصحابه؛ لأن فيها ملكًا لا يظلم عنده أحد، واختار الأيسر من الأمور في كل شأنه ما لم يكن إثمًا كما قالت أم المؤمنين -رضي الله عنها-: "ما خير رسول الله ﷺ بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه"[رواه البخاري: 3560، ومسلم: 2327].
المسلم يختار من كل شيء أحسنه وأجوده
الاختيار قدر، الاختيار موجود في هذه الدار، الاختيار له في الشريعة نظر وأحكام وآداب وسياسة، فالمسلم يختار من كل شيء أحسنه وأجوده، قال ابن القيم -رحمه الله-: فإن الطيب لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به، وكذلك لا يألف من الأعمال إلا أطيبها، ومن الأخلاق أزكاها، وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها وأحلها وهو الحلال الهنيء المريء الذي يغذي البدن والروح أحسن تغذية، ولا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها، ولا يختار من الروائح إلا أطيبها وأزكاها، ولا يختار من الأصحاب إلا العشراء الطيبين، فروحه طيب، وبدنه طيب، أي المسلم وخلقه طيب، وعمله طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملبسه طيب، ومنكحه طيب، ومدخله طيب، ومخرجه طيب، ومنقلبه طيب، ومثواه طيب، فهذا ممن قال الله -تعالى- فيه: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ [النحل: 32]، ومن الذين تقول لهم: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر: 73].
فالعاقل يبحث دائمًا عن الخيار الأصلح الأطيب الأحسن الأفضل والأنسب، وهذه من الابتلاء في حياة المسلم: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك: 2]، وأحسن اختيارًا من بين الأمور.
هذا الاختيار تتوقف عليه أشياء، هذا الاختيار يتحدد به مصير: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد: 10]، يختار طريق الخير أو طريق الشر، القدرة على الاختيار جزء من الامتحان الإلهي للبشر، حياة الإنسان هي اختياراته، حتى في أموره الدنيوية، في زواج، في مسكن، في دراسة، في تخصص، في تجارة، في سلعة يختار، في سيارة مركوب، في ملبوس، في مدينة يسكنها.
محاسن الاختيار الحسن
اختيار المرء قطعة من عقله، ومعيار على نقصه أو فضله.
حسن الاختيار يمنع أضرارَا عظيمة.
حسن الاختيار في الخدم يمكن يمنع السحر والفاحشة.
وحسن الاختيار في الموظفين يمنع الاختلاس.
حسن الاختيار في العمال يحمي الأموال والأعراض.
حسن الاختيار في الزوجة يجلب صالح الأولاد.
حسن الاختيار في الصديق يحمي من الانحراف.
حسن الاختيار للمعلم يورث المسلك الطيب، والعقيدة الصحيحة، والعلم النافع، والعاقل يراعي الانتقاء.
وحسن الاختيار المبني على حسن الدين والخلق والأمانة، والحاجة والإمكان ولا يتكلف.
في الاختيار الحسن تتحقق المصالح العامة والخاصة، حتى هؤلاء إذا اختيروا من الموظفين في الأماكن المختلفة كانوا صلاحًا، وكانوا خيرًا للناس، وإذا كان الاختيار بالعكس كانوا بلاء على الأمة وتضييقًا.
بحسن الاختيار تتجنب المشكلات سواء كانت أسرية اجتماعية وظيفية مالية، قال الحسن البصري عن أثر حسن الاختيار الزوجة في مسلك الإنسان حتى في سياسته في البيع والشراء لو كان بائعًا: وقفت على بزاز بمكة أشتري منه ثوبًا، بائع قماش، فجعل يمدح ويحلف فتركته، وقلت: لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره، ثم حججت بعد ذلك بسنتين فوقفت عليه فلم أسمع منه مدحًا ولا حلفًا، فقلت: ألست بالرجل الذي وقفت عليه من قبل؟ قال: بلى، قلت: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى، فإني لا أسمعك تحلف ولا تمدح؟ قال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزرته، احتقرته واستقلته، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إلي فأماتها، فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي، ثم قالت: يا فلان اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبًا، إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
الاختيار نتائجه طيبة إذا كان حسنًا، فإذا وفق الإنسان في اختيار الإدارة والموظفين والعمال والنظام.
إذا اختار الإنسان مكانًا مناسبًا، مسكناً بجانب مسجد، معلمًا لأولاده جيدًا، محفظًا مؤدبًا مدرسًا، يختار المدرسة والفصل إذا أمكن، ويختار من سيجلس بجانب ولده.
الاختيار حسنه يكسب الإنسان خبرة وينفعه، على أي أساس اختار؟ كيف تم الاختيار؟ كيف اختار مستقبلًا؟ ماذا تعلمت من هذا الاختيار؟
الاختيار حسنه يختصر الوقت والجهد والمال للتنقل بين الخيارات.
وكم من الطلاب أضاعوا أوقاتهم في تخصصات لم تكن مناسبة لهم؛ لأن الاختيار لم يكن صائبًا، ولا مبنيًا على أسس سليمة.
الاختيار حسنه يرزق به الإنسان انشراح الصدر، حصول الأنس كحسن اختيار الزوجة، قال الإمام أحمد -رحمه الله-: أقامت معي زوجتي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة.
هذا الاختيار حسنه يحصل به الإنسان المطلوب، وحسن الخاتمة، ويأمن سوء العاقبة، اختار أبو بكر عمر -رضي الله عنه- لخلافته على الأمة، فكان اختيارًا عظيمًا ما أعظم بركته.
واختار سليمان بن عبد الملك بمشورة رجاء بن حيوة عمر بن عبد العزيز ليلي الأمر من بعده، فكان اختيارًا موفقًا لم يحدث بعده مثله.
عواقب الاختيار السيء
إذا لم يكن الاختيار حسنًا سيورث التحسر وخيبة الأمل، وتأنيب النفس، ويقع الإنسان في اللوم، ويستولي عليه القلق، وتشويش التفكير، ربما يختار مكانًا رخيصًا فيندم، أو ملبوسًا رخيصًا فيتلف، يضطرب عمله بسوء الاختيار، أقفلت مؤسسات بسبب سوء الاختيار للإدارة والموظفين والعمال.
الاختيارات السيئة تقود إلى نتائج سيئة.
اختيار القرناء إذا كان سيئًا فإن هؤلاء الأشرار سيوردونه المهالك.
سوء اختيار كتاب ممكن يزعزع عقيدة الإنسان.
سوء اختيار الموقع الالكتروني الذي يعتمد عليه في التلقي قد يورده المهالك.
سوء الاختيار يضيع الأوقات.
سوء الاختيار يبدد الطاقات.
سوء الاختيار يؤدي إلى وقوع الفوضى وخسارة الأموال.
سوء اختيار ورشة يكلفك في إصلاح سيارتك مبالغ طائلة.
سوء اختيار طبيب قد يكلفك في صحتك كثيرًا.
قواعد وضوابط الاختيار
ما هي القواعد والضوابط في الاختيار؟ كيف نختار بناء على ماذا؟ هل الاختيار على التشهي، على الأسهل، الأريح، الأمتع، أم الأنفع؟ ما هي القواعد والضوابط في الاختيار؟
التقوى واللجوء إلى الله عند الاختيار
أولًا: التقوى مهمة جدًا في حسن الاختيار؛ لأنها أساس التوفيق، وسبب لسداد الرأي: وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ [البقرة: 282]، يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً [الأنفال: 29]، فتفرق به بين الاختيار الحسن، والاختيار السيئ.
ثانيًا: اللجوء إلى الله، والإلحاح عليه بالدعاء، فإن الدعاء مفتاح الخير، وقد روي عن النبي ﷺ في سنن الترمذي: أنه كان إذا أراد أمرًا قال: اللهم خر لي واختر لي وفيه ضعف، ويغني عن ذلك دعاء الاستخارة، هذا الدعاء الحسن الجميل الطيب، وهذه الصلاة العظيمة، وهذه العبادة الجميلة الجليلة يمكن أن يترتب عليها من السعادة، ويترتب عليها من التوفيق، ويترتب عليها من المكاسب العظيمة للإنسان ما لم يكن بالبال.
إذا لم يكن عون من الله للفتى | فأول ما يجني عليه اجتهاده |
فليست قضية العمل من الإنسان هي كل شيء إذا ما كان معه توفيق من الله، ولذلك كانت الاستخارة وهي طلب خير الأمرين لمن احتاج إلى أحدهما، وهذه تكون إذا أراد العبد الأمر، وهم به، والمؤمن إذا اشتبه عليه شيء أيهما الأصلح في زواج، في سفر، تخصص، بعثة، صلاة الاستخارة، استمداد توفيق من الله، براءة من الحول البشري، والقوة الذاتية، وركون إلى حول الله وقوته.
الاستخارة طلب البصيرة من الله أن يقذفها في قلبك لتحسن الاختيار وتختار، وتمضي على الشيء الطيب، هذه سنة وخصوصًا إذا لم يتبين لك الأمر.
وقد اتفقت مذاهب العلماء على أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف الخير فيه والشر فليس مجالًا للاستخارة، فلا يستخير الإنسان أن يصلي، ولا يستخير أن يصوم رمضان، ولا يستخير أن يبر والديه، ولا يستخير أن يطلب العلم، لكن ممكن يستخير في الحملة التي يحج بها والرفقة الذين يصحبهم، والشيخ الذي يقرأ عليه.
الاستخارة إذا تعارض أمران أيهما يبدأ به أو يقتصر عليه، عن أنس بن مالك قال: "لما توفي النبي ﷺ كان بالمدينة رجل يلحد والآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما فإيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي ﷺ [رواه أحمد: وابن ماجه: وإسناده صحيح].
اللحد خير من الشق، وهو الذي اختاره الله لنبيه: من أعطي أربعًا لم يمنع أربعًا: من أعطي الشكر لم يمنع المزيد، ومن أعطي التوبة لم يمنع القبول، ومن أعطي الاستخارة لم يمنع الخيرة، ومن أعطي المشورة لم يمنع الصواب .
إذن، تدبير الله خير لك من تدبيرك لنفسك، والله أرحم بك من نفسك، وأنصح لك من نفسك، فاختيار الله لك أحسن من اختيارك لنفسك، ولعلك تختار شيئًا وليس خيرًا لك، ولذلك لا يندم الإنسان إذا استخار في شيء فلم يوفق له، وقد يتقدم خاطب لفتاة فتستخير في شأنه فيصرف عنها، وهذا الخير لها، فإذا كانت مؤمنة لا ينكسر قلبها ولا تحزن، فهي توقن وتعلم بأن هذا عند الله خير لها، فلا تستلم لخواطر الشيطان، ولا تركبها الهموم والغموم، وما عند الله خير للأبرار.
إذن، الاستخارة فيها لجوء إلى الله، وتعلق قلبي، وفيها أجر عظيم.
وكذلك الرضا بما قسم الله ، وراحة للإنسان، ودليل على ثقته بربه، ومخرج من الحيرة والشك، ومدعاة للطمأنينة، وراحة البال.
الاستشارة والاستخارة قبل الاختبار
ثالثًا: الاستشارة، فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار، ولو استغنى أحد عن المشورة لاستغنى عنها النبي ﷺ، ومع ذلك وهو أسد الأمة رأيًا، وأعقلها وأحكمها شاور، حتى أنه ﷺ اتخذ أبا بكر وعمر كالوزيرين له، شاورهما في أسرى بدر، وفي وفد بني تميم من يولي عليهم، شاورهما في الأمور العامة والخاصة، وكان يشاور أبا بكر في حروبه، وشاور أسامة بن زيد في قصة الإفك، وعليًا، وشاور كذلك أصحابه في نزول المنازل في المعارك، وفي حديث أبي هريرة قال: "ما رأيت أحدًا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله ﷺ". وقد ورد عند البيهقي وفيه انقطاع.
الرأي كالليل مسود جوانبه | والليل لا ينجلي إلا بمصباح |
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى | مصباح رأيك تزدد ضوء مصباح |
هذه ملاقحة للعقول، واستفادة من آراء الرجال، ومفيدة في حسن الاختيار، فمن تستشير؟
صاحب التجربة، صاحب الحكمة، صاحب الخبرة، صاحب الدين الذي ينصحك ولا يغشك، الذي يعلم ظروفك وما هو الأنسب لك.
إذن، إنما يحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه، والمستشار مؤتمن، ولذلك فإن المشورة تساعد في اكتشاف الصواب، ومعرفة الأحسن.
أيهما قبل الاستشارة أم الاستخارة؟
قال النووي -رحمه الله-: يستحب أن يستشير قبل الاستخارة من يعلم من حاله النصيحة والشفقة والخبرة، ويثق بدينه ومعرفته، وإذا استشار وظهر أنه مصلحة استخار الله -تعالى- في ذلك ومضى.
رابعًا: الاستفادة من تجارب الآخرين في الخيارات والسؤال عمن سلك الدرب من قبلك سواء كان في تخصص، في علم معين تطلبه.
جمع المعلومات قبل الاختيار
وخامسًا: جمع المعلومات قبل الاختيار؛ لأن الاختيارات تبنى على العلم لا على العواطف والتخمينات، وجمع المعلومات خطوة مهمة، وينبغي أن لا تطول جدًا لتفوت الفرصة، وإنما ينبغي أن يكون الاختيار بناء على بينة، بعض الصوفية يختار دائمًا ما رآه شيخه حتى لو كان يراه خطأ من باب تقديس الأشخاص، وبعضهم ربما يطلب من صاحب القبر أن يختار له، يعني حادي بادي سيدي محمد البغدادي، من هو سيدي محمد البغدادي؟ ولماذا يورد هنا في قضية الاختيار؟
الاختيار ليس عملية شركية ولا عشوائية.
وكذلك فالاختيار يحتاج إلى تحسس أحيانًا بالسمع والأذن والعين والبصر والعقل والقلب، هذه مجالات التحسس، استطلاع، استبيان أحيانًا تحتاج إلى عمل دراسة كاملة، وإحصاء قبل أن تختار، وإذا أردت أن تسأل في مسألة علمية فقهية فلابد أن تختار المفتي صاحب الدين الورع، العلم، الخوف من الله، الخشية، الفقه.
سبر الاختيارات وانتقاء أحسنها
سادسًا: السبر والتقسيم، بعد حصر الاختيارات والنظر في كل واحد منها وما هي المصالح في هذا والمفاسد، فترجح بناء على ذلك وتقوم.
سابعًا: باتخاذ القرار، في غمرة الجهل والهوى يختار الناس أشياء ليست هي الأصلح لهم، وقد يخفى الاختيار الأفضل حتى على الأكابر، كان جريج يتعبد في صومعة فجاءت أمه إليه تدعوه، فقالت: يا جريج أنا أمك كلمني، فصادفته يصلي، فقال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت ثم عادت في الثانية، فقالت: يا جريج أنا أمك فكلمني، قال: اللهم أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فقالت: اللهم إن هذا جريج وهو ابني وإن كلمته فأبى أن يكلمني، اللهم فلا تمته حتى تريه المومسات [أخرجه البخاري 2482ومسلم 2550].
فتعرض لابتلاء عظيم، ومحنة وبلية، وكان عليه أن يجيب أمه، ويقطع صلاة النافلة؛ لأن إجابة الأم واجبة، وصلاة النافلة مستحبة.
كان النبي ﷺ يختار الأفضل لأمته، ولما أسري به عرض عليه إناءان في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فقال: اشرب أيهما شئت، فأخذت اللبن فشربته، فقيل: أخذت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك [رواه البخاري 4709 ومسلم 168].
حتى عند موته، النبي ﷺ قال لأصحابه: إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر، قال ابن مسعود: فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله؟ فكان رسول اللهﷺ هو العبد، وكان أبو بكر أعلمنا، قال: يا أبا بكر لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودته.[أخرجه البخاري 466 ومسلم 2382]
قد يختار الإنسان شيئًا ليس من مصلحته، ويتجنب الأصلح: وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [البقرة: 216]، وهذا عام في جميع الأمور، قد يمسك الإنسان زوجته وهو كاره لها ويكون في ذلك خير: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا [النساء: 19]، قال ابن عباس في الآية: هو أن يعطف عليها، ما يعجبه شكلها لكنها صاحبة دين فيصبر عليها، قال ابن عباس: فيرزق منها ولدًا، ويكون في ذلك الولد خير كثير.
الإنسان أحيانًا يختار ما هو شاق عليه لأجل مصلحة أعلى.
قد يختار الطالب تخصصًا أصعب؛ لأن الأمة أحوج إليه.
قد يختار الإنسان طعامًا ليس هو الأشهى؛ لأنه أنفع له، صحي أكثر.
قد يختار الخاطب أقل جمالًا؛ لأن عندها في الدين والخلق مزية غير موجودة في الجميلة.
اختار أحمد بن حنبل عوراء على أختها الصحيحة الجميلة، فسأل: من أعقلهما؟ فقيل: العوراء، فقال: زوجني إياها، فرزقه الله منها بأئمة عبد الله وصالح، شوفوا مسائل الإمام أحمد لعبد الله، مسائل الإمام أحمد لابنه صالح.
أحيانًا الإنسان يحب شيئًا ولكن يتركه لأجل طاعة، عالم ويجعل الله في ذلك خيرًا كثيرًا، قال المحدث الفقيه الحافظ محمد بن أحمد بن أبي الرجال البعلبكي لما عزم على الرحلة إلى حران قال: كان قد بلغني أن بها رجلًا يعرف علم الفرائض جيدًا، فلما كانت الليلة التي أريد في صبيحتها أن أسافر جاءتني رسالة الشيخ شيخه عبد الله اليونيني يعزم علي فيها الرحيل إلى القدس الشريف، فكأني كرهت ذلك، قال: ثم عرض لي قوله تعالى: اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ [يــس: 21] فأطاع شيخه صاحب الفضل والدين والعلم هذا، قال: فخرجت معه إلى القدس، فوجدت ذلك الحراني بالقدس، وأخذت عليه علم الفرائض حتى خيل إلي أني قد صرت أبرع منه فيه[البداية والنهاية 13/265].
لا مجال لجعل الحرام من الخيارات
من قواعد الاختيار: أنه لا مجال لجعل الحرام من الخيارات، فيتخير الإنسان بين المباحات، يتخير في المستحبات، لكن لا يمكن أن يختار بين الصدق والكذب، يعني أن يكون الكذب عنده خيارًا ممكنًا، وقد قال كعب: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، فما في مجال إذن أن تودع مثلًا مالًا لك وهناك مصرف ربا، وآخر لا يتعامل بالربا، أنت لا تعرض الأمر على أن المصرف الربوي هذا اختيار، هذا ما هو اختيار أصلًا هذا ساقط من الاختيارات، أنت ممكن تختار من المصارف غير الربوية هي فيها خيارات، اقطع الأمل عن الحرام، الحرام ليس طريقًا، حدثني ابن الشيخ عبد الرحمن السعدي البارحة، قال: كان والدي عبد الرحمن السعدي يتكلم في المجلس عن نظر الخاطب إلى المخطوبة، وقال: يستحب له النظر إليها، فكان في المجلس الشيخ علي الزامل من أكبر النحويين في نجد وهو مات أيضًا رحمه الله، فقال للشيخ عبد الرحمن مداعبًا له: وأنا يا شيخ ضرير ممكن أجسها؟ قال: اقطع هذا ليس من الخيارات، الضرير ماذا يفعل؟ توصف له، المرأة ما تجعل العباءة المخصرة والشفافة والمزركشة، هذه من خيارات اللباس، أنت ما تجعل أسهم الشركات ذات الأنشطة المحرمة من الخيارات في التجارة.
أنت لا تجعل للذهاب إلى الكاهن والعراف والساحر خيارًا في التداوي، أنت لا يمكن أن تأخذ أسماء كفار من ضمن الخيارات أو القرعة التي تجريها لاختيار اسم لولدك.
أنت لا يمكن أن تسلك أو تفكر في وظيفة أو عمل مغنٍ أو بائع محرمات لتجعلها خيارات في الوظائف التي عندك، ولا يمكن أن ترضى بميتة أو خنزير، أو نحو ذلك من المطعومات المحرمة كخيارات في الموضوع.
وأنت أيضًا لا يمكن أن تجعل النرد والمعازف من وسائل الترفيه كخيار من الخيارات، كما أنك لا تجعل القنوات المحرمة خيارات في الوقوف عندها، تقف على هذه أو على هذه.
إن هذا لا يمكن أن يكون وسيلة للاختيار الشرعي، لا يمكن أن تسلك الفتاة في اختيار الزوج علاقات متعددة مع شباب لتختار واحدًا منهم؛ لأن الطريقة أصلًا هذه غير شرعية وحرام، قال تعالى: وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ [المائدة: 5].
والذي يريد أن يعلم أولاده لا يمكن أن يختار مدارس يدرس فيها الشرك أو الكفر أو الالحاد أو فيها الاختلاط المحرم أن تكون خيارًا من بين الخيارات في اختيار مدرسة لأولاده.
تقديم حفظ الدين عند الاختيار
تاسعًا: تقديم حفظ الدين على غيره عند الاختيار، فإذا تعارض عندك أمران في أحدهما مصلحة للدين وفي الأخرى مصلحة شخصية تقدم مصلحة الدين، وهذا الذي أخفق فيه كثيرون اليوم في اختيار الذهاب في بعثات ما فيها عند التحقيق إلا مصالح دنيوية، وأحيانًا ما فيها إلا أنه يتفسح برا ببلاش، لو قلت له: عندك علم تتدفع به الشبهات؟
يقول: حقيقة لا.
عندك عقل تدفع به الشهوات؟
حقيقة لا.
تريد تروح بلد كفار، بلد انحلال؟
يقول: أروح أكرانيا.
متزوج؟
لا.
أنت ذاهب لمصلحة للمسلمين؟ تريد أن تؤم المركز الإسلامي تكون داعية هناك؟ عندك علم تبغى تصير قاضٍ بينهم مثلًا مفتٍ داعية؟
يقول: هيهات أنا احتاج دعوة.
إذن، كيف يروح تسعة عشر سنة إلى أوروبا الشرقية؟ يعني أيش تتخيل يحصل مثلًا؟ وسوف تسمعون عن طوام عظيمة في هذا الموضوع.
تقديم طبعًا صاحبة الدين والخلق على صاحبة الجمال في الزواج كما قلنا.
تقديم الوظيفة الحلال الأقل راتب على الوظيفة المحرمة الأكثر راتب، مصلحة الدين أولًا.
النظر في المآلات عند الاختيار
عاشرًا: النظرة المستقبلية عند الاختيار، النظر في المآلات، وعواقب الأمور، هذا يساعد على اختيار الأمثل، والنبي ﷺ كان يراعي هذا، ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا على قواعد إبراهيم، فقلت: يا رسول الله ألا ترده على قواعد إبراهيم؟ قال: لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت [أخرجه البخاري 4484 ومسلم 1333] لولا خشية أن ينفروا عن الإسلام لهدمتها، وجعلتها على أساس الخليل، وزدت فيها السبعة أذرع من جهة الحجر، وأكملت البنيان، وجعلت الباب نازلاً على الأرض، ولها باب من الجهة الأخرى بحيث يكون لهم باب منه يدخلون، وباب منه يخرجون.
التروي والأناة قبل الاختيار
الحادي عشر: التروي والأناة قبل الاختيار: والنبي ﷺ لما أراد أن يخير عائشة لما نزلت آية التخيير: إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ [الأحزاب: 28-29] خلاص تبقي معه على ضيق ذات اليد، الميسور عنده ما تطلبي في النفقات، إذا أردتن الدنيا أعطيكن وأسرحكن، ما تبقي عنده، فقال ﷺ لعائشة: إني ذاكر لك أمرًا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك وأمرها بالتريث والتأني، لكن ليس التأني المفوت للفرصة، ولا التأني الذي يؤدي إلى أن تنحل العزيمة، وتذهب الهمة، وتفتر وتضعف.
أحيانًا يكون مجال الاختيار ضيقًا بالكاد تقرأ دعاء الاستخارة، لا تتأخر في اختيار المناسب.
اخترت فاعزم
الثاني عشر: إذا اخترت فاعزم: قال الله تعالى: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159]، هذا العزم مهم.
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة | فإن فساد الرأي أن تتردد |
وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلًا فإن فساد العزم أن يتقيد، وإذا أخذت بالأسباب وعزمت فلا تلتفت إلى مثبط ولا مخالف.
استثار النبي ﷺ الناس أيخرج من المدينة لملاقاة كفار مكة في أحد أم يبقى فيها؟ فأشار عليه بعضهم بالبقاء فيها، وبعضهم بالخروج، ولما رأى النبي ﷺ كثرة الذي يريدون الخروج والشباب هؤلاء الذين تحمسوا للقاء، لبس لأمته وخرج، فندم بعضهم قالوا: لعلنا استكرهنا رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله إن شئت أن نمكث؟ قال رسول الله ﷺ: ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يرجع حتى يحكم الله له. [أخرجه البخاري معلقاً قبل حديث 7369 والنسائي في السنن الكبرى7647 وأحمد 14829]
خلاص القائد إذا اختار وأعلن القرار ما في رجوع؛ لأنه يفت في عزيمة الناس، ولم تكن هزيمة أحد نتيجة للخروج من المدينة كانت نتيجة لترك الرماة مواقعهم، كانت نتيجة لعصيتم وتنازعتم: مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا [آل عمران: 152] هذه أسباب الهزيمة.
عند تعارض الأنفع والأمتع اختر الأنفع
الثالث عشر: إذا تعارض عندك الأنفع والأمتع اختر الأنفع بلا شك، في تخصص، في وظيفة، في استثمار، في قراءة كتاب، في تصميم بيت، اختر الأنفع، حتى السلع.
اجمع بين مصلحتي الدنيا والآخرة
الرابع عشر: اجمع بين مصلحتي الدنيا والآخرة ما أمكن، وإذا نظرنا إلى دعاء الاستخارة: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله وعاجل الأمر الدنيا وآجل الأمر الآخرة.
إذن، الجمع بينهما: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً [البقرة: 201].
الخامس عشر: إذا دار الأمر بين الأرخص والأجود، وكان الأرخص أسوأ، يعني لا يدوم ويتلف بسرعة ربما يكلفك عناء التصليح والبحث عن بديل أشياء كنت ستتلافاها ولو دفعت زيادة قليلًا.
اختر أخف الضررين
السادس عشر: عند تزاحم الأضرار اختر أخف الضررين، وأقل المفسدتين، كما أنك أردت عند الاختيار بين الأمور الجيدة خير الخيرين وأعلى المصلحتين، لماذا ترك النبي ﷺ قتل المنافقين؟ حتى لا يتحدث الناس أن محمدًا يقتل أصحابه، مع أنهم يستحقون القتل.
إذن، ليس العاقل الذي يعرف الخير من الشر فقط، العاقل الذي يعرف خير الخيرين وشر الشرين.
ابحث عن الحلول ولو كانت غير معتادة
السابع عشر: ابحث عن الحلول ولو كانت غير معتادة، فقد يكون فيها النفع الكبير، هم يسمونها أحيانًا: التفكير خارج الصندوق، وما المانع؟ ممكن تجلب فكرة جديدة، فكرة حفر الخندق كانت فكرة جديدة على العرب، فوجئ بها قريش وغطفان ومشركو العرب وكفار العرب فوجئوا بالخندق.
قد تكون الفكرة يؤتى بها من خارج لكنها نافعة جدًا، والحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
اجعل لك أكثر من خيار
الثامن عشر: أن تجعل لك خيارات مدروسة بحيث إذا فشل الأول تأخذ الثاني، فشل الثاني تأخذ الثالث، تعذر الثالث تأخذ الرابع، وهكذا.. يكون عندك اختيارات تتنقل إليها، كما أن النبي ﷺ عين قادة في مؤتة زيد بن حارثة، إن قتل زيد فجعفر، إن قتل جعفر فعبد الله بن رواحة.
اختيار المفضول خير من العدم
والتاسع عشر: اختيار المفضول خير من العدم، أحيانًا لما يكون عندك سبب ضعيف ولا شيء فماذا تختار؟
السبب الضعيف، ويبارك الله فيه إذا أنت اخترته وهذا هو الممكن المتاح: وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ [مريم: 25] الأخذ بالسبب المتاح الوحيد ولو كان ضعيفًا.
الاختيار حسب الإمكانات
العشرون: الاختيار يكون على حسب الإمكانات؛ لأن بعض الناس لما يفكر في الاختيارات يذهب إلى خيارات يضيع فيها وقته وغير متاحة أصلًا فتضيع أوقات في قضية دراستها وتقييمها، وأصلًا ما هي ممكنة، واحد مجموعه ستين في المائة قاعد يفكر طب والا الهندسة والا... ويوزن الطب، يشوف أيش المفاسد؟ أيش المصالح؟ مجموعك ستين في المائة، تختار طب على أيش؟
الاختيار حسب المصلحة
الحادي والعشرون: الاختيار ينبغي أن يكون مبنيًا -كما قلنا- على المصلحة، وليس على التشهي، والمصلحة هذه يراعى فيها المصلحة العامة، وليس فقط المصلحة الخاصة والمصلحة لمن؟ الآن ولي الأيتام سيختار ما هو الأصلح لهم، وليس الأصلح له، ولي المرأة سيختار ما هو الأصلح لها وليس الأصلح له، وقد يحصل مغانم من قضية تزويج البنت لغني تاجر، وزير كبير، لكن ينظر هل هذا الأصلح لها أم لا؟ فإذا كان الأصلح لها مضى عليه، وإذا كان الأصلح لها غيره انتقل إليه، قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه -الله: من خير بين شيئين ويتصرف بغيره وجب عليه فعل الأصلح.
لاحظ الوكيل والذي يتصرف بغيره وضعه يختلف وإن كان لنفسه فله أن يعدل الأسهل.
فإذن، لابد من محاربة التشهي عند الاختيار للغير؛ لأنك أحيانًا ما تختار لنفسك، يا ولي المرأة أن تختار نعم لكن أنت تختار لها ومن أجلها، وعاقبة الهوى وخيمة.
محاذير الاختيار
هل هناك محاذير في قضايا الاختيار؟
نعم، منها:
أولاً : دع المجاملات جانبًا، ماذا سيقول الناس، وكلام الناس، اختر الأصلح، والذي يوافق الشرع، ولا تبالي بكلام الناس.
ثانيًا : احذر التردد والتراجع -كما تقدم-؛ لأن هذه آفة، أتزوجها؟ لا، أتزوجها؟ راحت المرأة، أشتري السيارة ما أشتريها؟ اشتراها غيري، آخذ هذه الوظيفة، ما آخذها؟ آخذ ما آخذها؟ راحت الوظيفة، وهكذا لابد من الحزم.
ثالثًا : لا تذع الأمر، وتكشف السر الذي يضرك كشفه، فبعض الناس ربما يشيع في أمر، أحيانًا في مبادئ الزواج في الخطبة في بعض الأمور تحتاج إلى شيء من الإسرار، إذا نجحت أعلنت، وإذا أعلنت قبل أن تنجح ربما يكون سببًا من أسباب الفشل، وكيد الحساد، وسعي المغرضين، ودخول المنافسين، ونحو ذلك.
رابعًا : احذر من التقليد، ومحاكاة الغير عند الاختيار؛ لأن ما يناسبك قد لا يكون هو اختيار الغير، وما يختاره الغير قد لا يناسبك، فبعض الناس عندهم الاتجاه القطيعي، المسألة محيرة، قضية مكائن سنجر، شيء عجيب في سرعة تقبل المجتمع للإشاعات، وشيء عجيب في قضية تقليد الغير في اتخاذ القرار، وشيء عجيب في رفع الأسعار، واحد عنده سيارة ما عنده غيرها، راح بدلها بمكينة سنجر، واحد مجمع فلوس يريد يتزوج قالوا له: الزئبق الأحمر، الحق الزئبق الأحمر قبل لا يصير أخضر، اشترى راحت الفلوس، الآن هؤلاء الذين اشتروها، مبني الأمر على ماذا؟ إشاعة، عندك في المجتمع، في الجامعات، في كليات العلوم، فيه ناس تفهم في الكيمياء، اسأله في هذه المكائن والزئبق الأحمر، وأيش الزئبق الأحمر؟ وأيش فائدته؟ ومن الذي سيشتريه؟ ولو اشترينا المكائن سنبيعها على من؟ فلا زلت فعلًا تتعجب وأنت ترى صور الناس يتقاطرون زرافات ووحدانًا، والذي صار عنده صلة رحم لجدته شاب طايش، فجأة، سلام وحب الرأس، والذي راح ينفض غبار المستودع، شيء عجيب حتى وصل سعرها إلى ألفين، هي سعرها مائتان، الآن ألفان، بعدين عشر آلاف، بعدين مائة ألف، بعدين مائتي ألف، أشياء عجب عجب، أين العقول؟ كيف تتخذ الناس القرارات؟ ما هذا الذي يحدث؟ قد يوجد فيها بعض العجائب، ناس رزقوا بذهاب عقول الآخرين، قضية عدم اتخاذ القرار بناء على سياسة القطيع مهم جدًا، فيه ناس نكبوا في الأسهم بناء على سياسة القطيع، فيه ناس نكبوا في أراضي، بناء المساهمات على سياسة القطيع، وقضية تقليد الآخرين لبعضهم البعض، الناس كأسراب القطا يتبع بعضهم بعضًا، انظر إلى الصحابة، ابن حوالة لما سمع الحديث: سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنودًا مجندة جند بالشام وجند باليمن وجند بالعراق قال ابن حوالة: خر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، قال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما أن أبيتم، أي امتنعتم من التزام الشام فعليكم بيمنكم ثم ذكر أن الله تكفل لي بالشام وأهله [رواه أبو داود: 2483، وصححه الألباني].
الشاهد منه: أن الصحابي قال: خر لي يا رسول الله؟ اختيار بناء على نصيحة صاحب العلم.
قد نخطئ في الاختيار فماذا نفعل؟
إذا ظهر الخطأ لا نكابر ونستمر نتراجع فورًا؛ لأن تكون ذنبًا في الحق خيرًا من أن تكون رأسًا في الباطل.
التصحيح الفوري قدر الإمكان، عدم الاعتراض على القدر والتسخط فيما حصل نتيجة سوء الاختيار، وما تدري أين الخير لك، قال ابن مسعود: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، يصير الدرب مفتوحاً فينظر الله إليه من فوق سبع سموات، فيقول للملائكة: اصرفوه عنه فإني إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه [رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة: 1219].
فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عليه.
يقول: راحت علي، أخذها فلان ويتحسر، والصحيح له فوات هذا؛ فالأنفع للعبد أن لا يقترح على ربه، ولا يختار عليه، ولا يسأله ما ليس له به علم، فلعل فيه مضرة وهلاك له وهو لا يعلم، بل يسأله حسن الاختيار له كما في الاستخارة، وإذا فوض إلى ربه ورضي بما يختاره له فإنه لا يندم بعد ذلك ولا يحبط، ارتحت من الأفكار المتعبة والحسابات الصعبة، من رضي باختيار الله له أصابه القدر وهو شاكر.
وإذا فقد المسلم شيئًا فلا يتألم، ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
ومعرفة الربوبية والألوهية والأسماء والصفات تزرع في قلب العبد الاطمئنان والرضا وحسن الظن بالله يجعله في سلامة من التسخط والألم، قال ابن رجب: روي أن سعد بن أبي وقاص كان يدعو للناس لمعرفتهم له بإجابة دعوته، فقيل له: لو دعوت الله لبصرك وكان قد أضر، قال: قضاء الله أحب إلي من بصري.
من اتكل على حسن اختيار الله له لم يتمن غير ما حصل، أغلق باب الوسوسة المحزنة إذا حصل القضاء واستسلم لله واحمده على ما قضى.
معايير الاختيار
ما هي مجالات الاختيار؟ وما هي المعايير في الاختيار؟ هذه قضية مهمة جدًا.
معايير اختبار القائد
اختيار القائد في المعركة ما هي معاييره؟
في قصة طالوت: إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة: 247] في الشريعة، وبأمور الحرب، والجسم القوة مهمة في القيادة والصراع والحرب والمبارزة.
معايير اختبار المسؤول
ما هي معايير الاختيار المسؤول عن الشيء القائم عليه المدير له؟ بناء على ماذا؟
رشح يوسف نفسه: اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ [يوسف: 55].
أولاً: الحفظ للأموال والأقوات من الهدر والضياع والسرقة، أنا إذا حفظت شيئًا حافظت عليه ما يضيع مني.
ثانياً: العلم بشؤون الناس وما يحتاجونه، وكيفية التخزين، وكيفية التصريف، وكيفية التوزيع، وكيفية التقسيم، والعدل في ذلك، وضع لهم سياسة كاملة للسبع سنوات، والسبع التي بعدها حتى بلوغ العام الخامس عشر، خطة خمس عشرية، ونجحت، وأنقذ الله به فئامًا من الناس كانوا سيهلكون لو ما حصل هذا التدبير.
معايير اختيار الأجير
ما هي معايير اختيار الأجير؟
في قصة بنتي الرجل الصالح استؤجر موسى أجيرًا في رعي الغنم، لكن تم الاختيار هذا بناء على القوة والأمانة: إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ [القصص: 26] يرفع الصخرة يسقي الغنم يوردها يقودها يسقيها الْأَمِينُ لا يضيعها ولا يفرط فيها ولا يسرق منها ولا يبيع، ويأكل ثمنها، ولذلك كان الاختيار صائبًا وصحيحًا، قيمة الرجال، مواصفات الرجال، قال عمر : "والله ما آلو أن اختار خياركم، ما أقصر، وكان حرصه على ذلك شديدًا، يستخبر ويشاور، وقال يومًا للناس: "أشيروا علي ودلوني على رجل استعمله في أمر قد أهمني، فإني أريد رجلًا إن كان في القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإذا كان فيهم وهو أميرهم كان كأنه واحد منهم، قالوا : هذه تنطبق على الربيع بن زياد الحارثي فأحضره وولاه.
عندك سائق، حتى المهن التي تسمى بالمهن الدنيا، قال النبي ﷺ لأبي الهيثم: هل لك خادم؟ قال: لا، قال: فإذا أتانا سبي فأتنا فأتي النبي ﷺ برأسين لا ثالث لهما، فأتاه أبو الهيثم، فقال النبي ﷺ: اختر منهما فقال: يا نبي الله اختر لي، أنت أبصر مني وأعلم، اختيارك لي أحسن من اختياري لنفسي، فقال النبي ﷺ: إن المستشار مؤتمن، خذ هذا فإني رأيته يصلي واستوص به معروفًا [رواه الترمذي: 2369، والحاكم: 7178، وهو حديث صحيح].
معايير اختيار الزوجة
ما هي معايير اختيار الزوجة؟
بعض الناس عشوائيًا، وبعض الناس على الأجمل، وبعض الناس على الحسب.
أولًا: ذات الدين والخلق: فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ [النساء: 34]، ولو غاب عنها زوجها: وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ [النـور: 32]، فاظفر بذات الدين تربت يداك [رواه البخاري: 5090، ومسلم: 1466].
ثانيًا: الودود الولود.
ثالثًا: أن تكون بكرًا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك، أرضى باليسير، ما سبق لها علاقة بالرجال، فهي عندها قناعة بالزوج هذا وبما عنده أكثر من التي جربت، وإذا كان اختيار الثيب فيه مصلحة أعلى كما اختار جابر ثيبًا لمصلحة القيام على أخواته السبع، فهذا هو الأرجح في حقه.
أيضًا أن يرتضي شكلها، التي تسره إذا نظر، ترى أحيانًا ما هو لازم تكون ملكة جمال، ولكن تسره إذا نظر، يعني بشوشة، مسفرة الوجه، إذا نظر تسره، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره، ولذلك قال: انظر إليها.
قال ابن حجر: يؤخذ منه استحباب تزوج الجميلة إلا إن تعارض الجميلة الغير دينة والغير جميلة الدينة.
نعم لو تساوتا في الدين فالجميلة أولى، أن تكون من عائلة كريمة العنصر طيبة الأرومة والأصل؛ لأن هذا في الغالب سيكون الاختيار الأمثل: تخيروا لنطفكم هذه المرأة التي تستودع فيها النطفة لتكون جنينًا فيخرج ولدًا بإذن الله.
"المناكح الكريمة مدرجة للشرف" كما قال أكثم بن صيفي.
أن تكون صاحبة خلق عفيفة محتشمة، أوصى بعض الأعراب ابنه في التزوج قال: "إياك والحنانة، والمنانة، والأنانة، والحداقة، والبراقة، والشداقة، والممراضة".
ما هذا؟
"الحنانة" التي لها ولد تحن إليه من زوج سابق.
"المنانة" التي تمن على زوجها بما تفعله.
"الأنانة" كثيرة الأنين والشكوى.
"الحداقة" هذه خطيرة التي تسرق كل شيء بحدقتها وتكلف الزوج، يعني تتسع حدقتها على الأشياء فتشتهيها وتلح على الزوج في شرائها.
"البراقة" التي تشتغل غالب وقتها ببريق وجهها وتحسينه، هوايتها المراية.
"الشداقة" المتفاصحة المتشدقة على زوجها بالكلام.
"الممراضة" كثرة مدعية المرض، لا تشتغل في البيت ولا تفعل شيئاً.
وينبغي على الزوجة أيضًا حسن الاختيار في الزوج عندما يأتي، بناء على ماذا؟ أحيانًا قد يتقدم لها أكثر من واحد، جاءت فاطمة بنت قيس قالت: يا رسول الله إن معاوية بن أبي سفيان وأبا الجهم خطباني؟ أيش تختار؛ لأنه أحيانًا يتقدم خاطب للناس ولا يدري أن خاطبًا تقدم قبله، أو يتقدمان في وقت واحد، قال ﷺ: أما أبو الجهم فلا يضع عصاه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له، انكحي أسامة بن زيد قالت فكرهته، فقال: انكحي أسامة بن زيد مع أنه كان أسود مولى عبد، هو مولى بن مولى قالت: "فنكحته، فجعل الله فيه خيرًا كثيرًا، واغطبت به"[رواه مسلم: 1480].
كثيرًا ما كان سوء الاختيار سببًا للطلاق، وأكثر الطلاق يقع في السنة الأولى من الزواج بسبب واضح في فشل الاختيار، سبعة وسبعون في المائة من الطلاق في العالم العربي يقع قبل إنجاب أي ولد، وسبعة عشر في المائة بعد إنجاب الولد الأول.
اختيار التخصص في الدراسة
اختيار تخصص بالكلية، وهذه قضية صعبة، وبالذات للمتخرجين من المرحلة الثانوية، أنت ماذا تختار في التخصص للدراسة؟ ما يوافق ميولك وطباعك، ما يمكنك أن تبدع فيه.
من العوامل المرجحة رضا الوالدين ورغبة الوالدين.
من العوامل المرجحة خلو التخصص من المنكرات.
من العوامل المرجحة إمكانية هذا التخصص أنك ما تصل إليه عبر رشوة أو واسطة تظلم فيها غيرك.
من عوامل الترجيح سعة الفرص في العمل بعد التخرج؛ لأن هذه أوسع وأرغب في سوق العمل، حاجة المجتمع المسلم لهذا التخصص، إدارة المشاريع، التخصص، هذا أرى أن له أهمية كبيرة، وعندك مشاريع دعوية، ومشاريع عمرانية، ومشاريع زراعية، ومشاريع علمية، شرعية، مشاريع تربوية، مشاريع طبية.
الفشل في إدارة المشاريع هذا يكلف كثيرًا في الأموال والطاقات والجهود، عند اختيار تخصص لابد من الاهتمام بجمع المعلومات -كما قلنا-.
ما هي طبيعة الدراسة؟
تسأل الذين سبقوك في هذا التخصص، ما هي إمكانية التأقلم مع هذا، بعض الناس يكره الرياضيات، فيمكن يدور تخصص ما فيه رياضيات، وقد يقع اختياره على أكثر المجالات حصولًا للنقاط بعد الدراسة، وإعطاء الوزن المناسب لكل عامل من العوامل المؤثرة في الاختيار، ثم يعزم أمره ويتوكل على الله ويستخير ويقدم.
وأما قضية التقليد للآخرين وحب المظهر الاجتماعي والمجبر من قبل أهله، كثيرًا مع الأسف يقول: هذا الذي طلع لي، في العالم العربي من أسباب التخلف أنه يجبر كثير من الناس على دراسة تخصصات ما لهم فيها أصلًا، لكن يقول: هذا الذي طلع لي، العلماء لما تكلموا في قضية توجيه الولد أنه أول شيء توجهه للعلم إذا ما كان ينفع، فالجهاد إذا ما كان ينفع في الحرفة، أخذ هذا ولده إلى الإمام أحمد قال: يا أبا عبد الله هذا ابني فنظر إليه دعا له بالبركة، قال: ألزمه السوق، وجنبه القرناء.
هذا ما يصلح يكون معه قرناء، هذا ممكن يكون شخصاً عصامياً، وهو قد لا يصلح في العلم أو غيره مما هو أعلى فسينفع في التجارة.
اختيار المسكن والجوار
لما نأتي مثلًا إلى قضية اختيار المسكن والجوار، هذه من أصعب الأشياء، أن تختار مسكن بناء على ماذا؟ أن يتوفر فيه الوقاية من الشمس والحر والبرد والغبار والأخطار والهوام، وهذه معروفة: وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النحل: 81].
للستر، ما هو مكشوف من قبل الجيران، يستر ساكنيه، قال شيخ الإسلام في قضية الاستئذان: بيت الرجل يستر بدنه كما تستره ثيابه.
وقد ذكر سبحانه غض البصر وحفظ الفرج بعد آية الاستئذان، وذلك أن البيوت سترة كالثياب التي على البدن.
حماية مثلًا، أن يكون فيه نوع من التحصين والحماية ضد السراق، أن يكون بجانب قوم صالحين، هذه قضية مهمة جدًا، أن يكون قريبًا من المسجد حتى لا تتكاسل عن صلاة الجماعة، أن تكون الدار واسعة كثيرة المرافق؛ كما جاء في الحديث: من سعادة المرء: الجار الصالح، والمركب الهنيء، والمسكن الواسع [رواه أحمد: 15372، وصححه الألباني]، وفي رواية: الدار الواسعة كثيرة المرافق ، وقال: خير المجالس أوسعها [رواه أبو داود: 4820، والحاكم: 7704، وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه"] تستوعب الضيوف، الإكرام.
مما ينبغي مراعاته عند بناء المسكن مهم جدًا: قضية الجار، بعض الناس عندهم تفكير في اختيار عدة أراض في مكان واحد لهم ولأصحابهم ولأقاربهم، يقول: أنا اختار جيراني من الآن، نحن نتعاون نشتري مخططاً، نشتري أرضاً نقطعها، أنا اخترت فلاناً وفلاناً، هؤلاء من إخواني في الله، وهؤلاء من أقاربي، وكلنا نبني جنب بعض.
اختيار الصديق والصاحب بناء على ماذا؟
ولما قال: المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل [رواه أحمد: 8417، وقال محققو المسند: "إسناده جيد"].
قضية الدين رقم واحد: لا تصاحب إلا مؤمنًا، لأن الطباع سراقة، صحبة الأخيار تورث الخير، وصحبة الأشرار تورث الشر، مثل الريح تمر على أيش؟
معايير اختيار الصاحب
الحذر من مصاحبة الأحمق، لابد أن يكون عاقلًا، لابد أن يكون طائعًا، لابد أن يكون كتومًا للسر، وأنت تختار من تودع عنده الأسرار، والقاضي والمفتي والداعية والمستشار والصديق والطبيب، ورجل الأمن والمدرس الخصوصي والمحاسب، وموظف المصرف والسائق والخادمة؛ هؤلاء يطلعون على أسرار عظيمة بمقتضى المهنة والحاجة، وحفظ الأمانة واجب، قال الماوردي -رحمه الله-: واعلم أن من الأسرار ما لا يستغنى فيه عن مطالعة صديق مساهم، واستشارة ناصح مسالم، فليختر العاقل لسره أمينًا إلا لم يجد إلى كتمه سبيلًا، ما يقدر لازم يودعه عند أحد وليس كل من كان على الأموال أمينًا على الأسرار مؤتمنًا، والعفة عن الأموال أيسر من العفة عن إذاعة الأسرار؛ يقول الماوردي: لأن الإنسان قد يذيع سر نفسه ببادرة لسانه، وسقط كلامه، ويشح باليسير من ماله حفظًا له وظنًا به، ومن أجل ذلك كان أمناء الأسرار أشد تعذرًا، وأقل وجودًا من أمناء الأموال، وكان حفظ المال أيسر من كتم الأسرار؛ لأن إحراز المال منيعة، وإحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق.
ومن صفات أمين السر: أن يكون ذا عقل صاد ودين حاجز، يعني يصده عن الشر ويحجزه عن الشر، ونصح مبذول، وود موفور، وكتومًا بالطبع، هو طبعه ليس ثرثارًا.
اختيار الأسماء الحسنة
في عالم اختيار الأسماء اسماء المواليد، يعني الاسم الشرعي، والذي يحبه الله يقدم، وأسماء الأنبياء والصحابة والصالحين، وحسن المبنى وحسن المعنى، وأن يكون خفيفًا قليل عدد الحروف، النطق به على اللسان سهلًا، مراعاة المناداة به ليسمع السامع.
كذلك مراعاة الملاءمة، يعني هل يلائم هذا الولد هذا في أهل طبقته ومرتبته؟
هذا الاسم سيلازمه طول حياته، هو ممكن يكون مناسباً له الآن وهو طفل، لكن إذا كبر أو صار جدًا لن يكون مناسبًا.
وبعضهم عندهم الأسماء الرخوة، وأسماء الدلع: وميمي، وفوفو، وزوزو، وعوعو.
بعضهم عنده أسماء الأجنبية "ويلا، وليزا، ومناليزا .
وبعضهم أسماء الشياطين، وبعضهم أسماء من هب ودب.
وأين الأسماء المعبدة لله؟ وأين أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن؟ وأين أصدقها حارث وهمام؟
اختيار الكتب
إذا جئت إلى قضية اختيار الكتب ماذا تقرأ؟ والله إنها أمانة، الذين يعرفون كيف يقرؤون هم الذين يقودون، تقرأ للأكابر من أهل العلم الفضلاء الموثوق بدينه، لا تقرأ أي شيء، لا تقرأ للمشبوهين إلا للرد عليهم إذا كنت من أهل العلم، ما تعتمد سياسة القراءة للقراءة، لو كان القراءة للقراءة، نقرأ أي شيء، لابد من استعمال فقه الموازنات، ومراعاة المصالح، ما هي الكتب الأكثر فائدة؟ ما هي الكتاب الذي ينفعك في دينك ودنياك؟ اعتن بواجب، أحيانًا قد تحتاج تقرأ عن الصيام في رمضان، والحج إذا أردت الحج، ونحو ذلك، هذا مراعاة لواجب الوقت، ليس كل شيء مطبوعاً موثوقاً، بعض الناس يقول له: والله أنا شفته مطبوعاً، كأن عنده المطبوع هذا حجة.
اختيار الألفاظ الجميلة السالمة من المحاذير
إذا جئت إلى قضية اختيار الكلام في المخاطبة، اختيار الكلمات عند كتابة رسالة، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، يأخذ الأقرب إلى مرضاة الله، حتى لما يخاطب الناس وإخوانه ينتقي أطايب الكلام كما ينتقى أطايب الثمر.
اكتب أحسن ما تسمع، واحفظ أحسن ما تكتب، وتكلم بأحسن ما تحفظ، هذه وصية أبي حاتم الرازي لولده.
وهذا يجنب مزالق؛ لما جاء عمر على ناس أوقدوا نارًا في الليل، قال: السلام عليكم يا أهل الضوء، ولم يقل: السلام عليكم يا أهل النار.
سئل العباس: أنت أكبر أم رسول الله ﷺ؟
قال: هو أكبر مني وأنا ولدت قبله.
لا يقولن أحدكم: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقست نفسي [رواه البخاري: 6179، ومسلم: 2250].
كره النبي ﷺ لفظ: الخبث لبشاعته، وأرشدهم لقست نفسي .
اختر الألفاظ السالمة من المحاذير.
لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا [البقرة: 104].
وحتى لو واحد مثلًا كان مريضًا وسأله واحد: كيف حالك؟ عساك طيب، قال: والله ماني بطيب، ليش تخرج نفسك من الطيبين.
كان لبعض القضاة جليس أعمى وكان إذا أراد أن ينهض يقول القاضي لغلامه: يا غلام اذهب مع أبي محمد، ولا يقل: خذ بيده، قال: والله ما أخل بها مرة.
سأل أحد الخلفاء رجلًا عن اسمه قال: سعد يا أمير المؤمنين قال: أي السعود أنت؟ قال: سعد السعود لك يا أمير المؤمنين، وسعد الذابح في أعدائك، وسعد بلى على سماطك، وسعد الأخبية لسرك، فأعجبه ذلك.
طبعًا هذه أسماء المنازل والفصول المتعلقة بالفصول.
أحيانًا يحتاج الإنسان أن يختار من يرسله فأرسل حكيمًا ولا توصه، ولا يكن كوافد عاد الذي جاءت قصته في الحديث الحسن الذي رواه أحمد والترمذي هذا لما قحطت عاد وبعثوا وافدًا لهم مر بمعاوية بن بكر أقام عنده شهرًا يسقيه الخمر وتغنيه جاريتان فلما مضى الشهر خرج إلى جبال تهامة فنادى انظر إلى وقاحته في سوء أدبه في الدعاء: اللهم إنك تعلم أني لم اجئ إلى مريض فأداويه ولا إلى أسير فأفاديه، اللهم اسق عادًا ما كنت تسقيه، ما طلب سقيا رحم’، فمرت به سحابات فنودي منها اختر فأومأ إلى سحابة منها سوداء، ما أحسن الاختيار، فنودي منها خذها رمادًا رمددًا، أدق ما يكون من الرماد لا تبقي من عاد أحدًا، قال: فما بلغني أنه بعث عليهم من الريح إلا قدر ما يجري في خاتمي هذا حتى هلكوا، فكانت المرأة والرجل إذا بعثوا وافدًا لهم قالوا: لا تكن كوافد عاد، سوء أدب في الدعاء وأصلًا كفر وسوء عمل في الخمر والغناء، ثم سوء الاختيار للسحابة السوداء فكان الهلاك.
معايير اختيار المفتي والعالم
نحن نحتاج اليوم في قضية اختيار المفتي والعالم في فوضى الفتوى الضاربة أطنابها اليوم في العالم: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]، لا يصح استفتاء جاهل، ولا من لا يخاف الله، ولا من عرف بالرخص والتساهل: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم"، حتى في السؤال، فيه حسن اختيار، حسن اختيار السؤال نصف العلم، جاء واحد للشعبي قال: "إني خبأت لك مسائل" يعني نبرة تحدي، قال: "خبئها لإبليس حتى تلقاه فاسأله عنها".
حسن اختيار القربات
وينبغي للعبد: أن يحسن اختيار القربة التي يتقرب بها إلى الله، ويستعين بالله: اللهم أعني على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك [رواه أبو داود: 1522، وأحمد: 22119، وقال محققو المسند: "إسناده صحيح"].
قال ابن تيمية: من الناس من لا يصلح له الأفضل، بل يكون فعله للمفضول أنفع كمن ينتفع بالدعاء دون الذكر أو بالذكر دون القراءة أو بالقراءة دون صلاة التطوع، قال: فالعبادة التي ينتفع بها فيحضر لها قلبه، ويرغب فيها، ويحبها أفضل من عبادة يفعلها مع الغفلة وعدم الرغبة.
أشياء لا اختيار للإنسان فيها
هناك أشياء لا اختيار لنا فيها، مثلًا: الصفات التي نخلق عليها، الله عز وجل يصوركم في الأرحام كيف يشاء، ليس كما تشاؤون، هو اختار ذكراً أنثى، صغيراً طويلاً قصيراً أبيض أسود، ولذلك علمنا الأدب: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ [النساء: 32]، وحتى الأنثى ما تتمنى أن تكون رجلًا، يا ليتني رجلًا لأفعل وأفعل، خلاص تستسلم لأمر الله، في الصدر الأول ربما حصل عند بعض النساء تمني، أن كانت رجلًا لتجاهد، وأن كانت رجلًا تقوم بهذه المهام، المهام الكبيرة.
وأما في عصرنا انظر إلى الدناءة إذا نزلت في المستوى يقول: يا ليتني امرأة حتى أكون جميل كذا وخلقة، وشكل.
يا حظك تجيك العادة أنت ما تصلي، بعض الناس عجيبون حتى في التمني، أعاجيب: وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ [النساء: 32].
وعدم القناعة بهذه الأشياء، يعني بما قسم الله في الرزق، وفي الشكل، وفي الذكورة والأنوثة، الآن يعملون عمليات تحويل جنس ما هو مقتنع بجنسه، قضية التحمير والتصفير والتبييض والتسمير والنفخ، لماذا تكبير وتصغير؟ ما في اقتناع بالخلقة، كثيرون ما حد مقتنع بخلقته، وسيل من العمليات الجراحية التي تستنزف الأموال، وتكون وبالًا على صحة أصحابها.
فإذن، في الأشياء التي لا اختيار لنا، ما هي مجال اختيار، أيش فيها؟
الاستسلام والتسليم، والقناعة والرضا؛ مثل: الصفات التي خلق الله عليها.
ثانياً: أقدار الله التي تنزل من الحوادث، والجوائح والمصائب: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: 11].
ثالثاً: الرزق إذا ضيق عليك.
رابعاً: الأجل هذا عند الله: لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: 34].
خامساً: أحكام الشريعة ما لنا فيها خيار، يعني نرفض أو نوافق، ما في وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب: 36] ما في إلا التسليم وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [النساء: 65].
التوظيف السيء لحرية الاختيار
"حرية الاختيار" باب ولج منه أعداؤنا، فيقول: أنت لا تلزم الناس بشيء، هذا المسجد وهذه الخمارة، اللي يبغى المسجد يروح المسجدـ واللي يبغى الخمارة يروح الخمارةـ لا تلزمهم بشيء، لا تلزم ولدك بالخير، لا تلزم الشاب بكذا، أين التربية؟ أين النصيحة؟ أين التوجيه؟ أين الأمر بالمعروف؟ أين النهي عن المنكر؟ يعني ترك الناس بأهوائهم تهلكهم: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ [الأنعام: 116]، قال تعالى: فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ [القصص: 50].
ولذلك ما يستغني الواحد عن التوجيه والنصح والموعظة، بل والإلزام، وأحيانًا التأديب والعقوبة والردع.
ومن جعل قضية الاختيار للناس يقولون: فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف: 29] معناها إذا تريد تكفر اكفر، ما في مانع كما قال بعضهم من الضالين في القنوات الفضائية.
من سياسات الإفساد التي يحسنها أعداؤنا: أنهم أحيانًا يجعلوك تختار، لكن كل الخيارات سيئة، كلها أسوأ من بعض، هذه مهارة يتقنها اليهود، وأشرار العالم، يجعلون عندك حس للاختيار أنه أنت عندك إرادة، وأنت تختار، لكن أيش تختار؟ قنوات كلها سيئة، أيش تختار؟ فلذلك يدعون اليوم إلى قضية حرية الاختيار في الأديان، تختار تكون يهودياً، نصرانياً، بوذياً، مجوسياً، هندوسياً، مسلماً، على كيفك، ثم جاءت الدعوة إلى حرية اختيار المذاهب البدعية والسنية، تريد تصير كذا، تريد تصير كذا، تختار.
ثم قضية الطاعة والمعصية تبغى تختار المسجد، تختار الملهى.
لا يخدعنك عن دين الهدى نفر | لم يرزقوا في التماس الحق تأييدًا |
عمي القلوب عروا عن كل فائدة | لأنهم كفروا بالله تقليدًا |
فقضية الاختيار المطلق ستؤدي للفساد.
ومن الطرق المنحرفة في الاختيار: أن يعرض بعضهم الأقوال الفقهية الراجح والمرجوح والصح والخطأ، ويقول للناس: اختاروا.
هذه المسألة فيها خمسة أقوال، القول الأول الثاني الثالث الرابع الخامس، هؤلاء عوام، ماذا سيستفيدون، يقول: يختارون، العامي يسأل العالم فيحدد له قولًا يتبعه.
لكن بعض الناس اليوم يريدونها انفلاتًا، أنا أعرض لك الأقوال وأنت تختار، ولذلك بعض المفتين في القنوات الفضائية لا يحسنون الفتوى، ومن سيئاتهم هذا الموضوع تعرض له، تريده أنت هو يختار؟ وبناء على ماذا؟ على الهوى والتشهي؟ على الأسهل؟ على ماذا؟
أنت تدله على الحق الذي تعرفه إن كنت تعرفه، وإن كنت لا تعرف تقول: لا أدري.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم على الحق ثابتين، وأن يحيينا مسلمين، ويتوفانا مؤمنين، ويلحقنا بالصالحين، ونسأله أن يختار لنا الأصلح في ديننا ودنيانا إنه سميع مجيب قريب.
وصلى الله على نبينا محمد.