الخميس 11 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 12 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

التجارة مع الله


عناصر المادة
مقدمة
حال مجالسنا اليوم
خلو مجالسنا اليوم من ذكر الله تعالى
محاذير شرعية في مجالس أهل الخير والصلاح
مقترحات شرعية لتحسين مجالسنا
التعامل الشرعي مع المجاهرين بالمنكرات في المجالس
آداب وأحكام إسلامية في مجالسنا
سُنّة توسعة المجلس في البيت

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران: 102].

 يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا  [النساء: 1].

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب: 70-71].

أما بعد:

فإن في الحقيقة مناسبة طيبة جداً أن يلتقي المسلم بإخوانه المسلمين في مثل هذا المكان الطيب في هذه الحلقة المباركة التي نسأل الله أن تكون من حِلق الذكر التي تحفها الملائكة وتغشاها الرحمة، وأن يذكرنا الله وإياكم فيمن عنده، ونسأل الله أن يجعلنا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات.

مقدمة

00:01:30

إخواني الموضوع الذي نتحدث عنه في هذه الليلة موضوع على جانب عظيم من الأهمية، وعلى درجة كبيرة من الخطورة؛ والسبب في ذلك أن مجالس الناس اليوم صارت هي المرآة التي تعكس أحوال المجتمع وأخبار الناس وما وصلوا إليه، ما هي قناعاتهم؟ وما هي التساؤلات التي تدور في أذهانهم؟ وما هي المشاكل التي يعيشونها؟ صارت المجالس وسيلة لتبادل الآراء وعرض الأفكار، وسيلة للإقناع والاقتناع، وصارت المجالس من المؤثرات العظيمة جداً في نفوس الناس، حتى أن ما يحدث في المجلس اليوم من مجالس الناس ينعكس أثره على نفس الإنسان، ثم على أسرته بطريق غير مباشر؛ لأن الأشياء التي يخرج الإنسان فيها من المجلس ينقلها إلى أهله وإلى أقربائه وأصدقائه بحسب القناعة، أو بحسب ما التقط ذهنه في هذا المجلس.

وصارت المجالس، وأقصد بالمجالس جميع أنواع المجالس وخاصة مجالس البيوت؛ الولائم، والعزائم، والديوانيات، والدوريات التي تحدث الآن كثيراً عند الناس صار لها دور كبير في الحياة، كثير ما تتصل على فلان تسأل أين هو؟ يقولون لك: عنده دوريه أو عنده عزيمه أو عنده عشاء.

إذن هذه القضية صار حجمها كبير؛ بحيث كان لابد من تسليط الضوء على ما يحدث فيها، ومناقشة موضوع المجالس الآن وأحوال المجالس، وكيف يمكن إصلاح الأخطاء التي تحدث في هذا المجالس؟ وما هي الوسائل والمقترحات التي يمكن اتخاذها بحيث تتحسن أحوال المجالس اليوم؟.

حال مجالسنا اليوم

00:04:07

لا يخفى عليكم جميعاً أن غالب مجالس المسلمين اليوم مجالس لا ترضي الله ، لا في قليل ولا في كثير، هذه غالب حال المجالس، فكر في العزائم والدوريات والأشياء التي تقوم بين الناس وتقام ماذا يقع فيها وماذا يحدث فيها؟ استعرض معي هكذا في شريط ذهني ماذا يحدث في المجالس اليوم؟

الغالب أن كثيراً من المجالس تحتوي على أمور كثيرة من المحرمات والمنكرات، سواء كانت هذه المنكرات في الأقوال التي تُعرض، أو في الأحوال التي تُعمل في هذه المجالس، فأنت مثلاً إذا تأملت المواضيع التي تُطرح في المجالس لوجدت أن كثيراً منها مواضيع دنيوية بحته مادية ليس لها أي علاقة بالله ولا باليوم الآخر، فتجد مثلاً مجالس التجار يتكلمون فيها من أول المجلس إلى آخره عن البضائع والأسعار والمقاولات والبيع والشراء ومشاكل العمل، والرشاوي، وكيف حصل فلان على كذا، وكيف دخل فلان في المشروع الفلاني إلى آخره..، هذا حال مجالس التجار -في الغالب- إلا من رحم الله.

إذا انتقلت إلى مجالس الموظفين تجد الكلام كله يدور حول الدوام، مشاكل المراجعين، أخبار الصحف والعلاوات والترقيات والبدلات والتنقلات، وهكذا، إذا تأملت في حال مجالس الطلاب، تجد أن الكلام كله يدور عن الدراسة والامتحانات والدرجات والشهادات والتخرُّج والوظيفة، وماذا يحدث في المستقبل.

وإذا تأملت مثلاً في مجالس النساء لوجدت أن الكلام الذي يدور في مجالس النساء هو عبارة عن الموضات والملابس والأكلات والمجلات، والمناسبات والزواجات والحفلات والأعراس والمحلات والأسواق، وهكذا، هذه حال مجالس النساء، وهذا الأمر، الاشتغال بالدنيا ليس جميع ما ذكرناه محرم، لا، الكلام عن الزواجات ليس فيه شيئاً، فلانة تزوجت فلان، الكلام عن مشاكل المراجعين ليس فيه بأس، مشاكل عن الأسعار ووضع السوق اليوم ليس محرماً، لكن ما هو المحظور والمحذور في آن واحد؟

خلو مجالسنا اليوم من ذكر الله تعالى

00:07:00

المحظور والمحذور أن هذه المجالس من أولها إلى آخرها لا تسمع فيها ذكراً لله -عز وجل- مطلقاً أبداً لا حمداً لله، ولا صلاة على رسول الله ﷺ لا كفارة مجلس، لا آية، ولا حديثاً، هذه هي المشكلة نحن لا نقول أن الكلام في الدنيويات محرم، لا، لكن المحذور الآن أن يبدأ وينتهي وما فيه ذكر لآية ولا لحديث مطلقاً، هذا يعني غفلة قلبية عن الله واليوم الآخر، والاشتغال بهذه الأشياء عن المهم، إلى أين نمضي إلى أين سنذهب؟ وبعد الموت ماذا سيحصل الناس؟ لا يفكرون، لا ينظرون أبعد من أنوفهم في الحقيقة، مع أنه قد يكون فيهم أذكياء وعباقرة لكن في جانب الآخرة: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس: 9]. و خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ  [البقرة: 7].  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ  [البقرة: 18].

هكذا حال الناس، هذا بالنسبة للمجالس التي فيها أشياء مباحة وبعض ما ذكرنا أشياء مباحة، فما بالكم إذا كانت المجالس مجالس محرمة كل الأشياء التي فيها محرمة، مثلاً تجد في بعض المجالس التي نستطيع أن نسميها: مجالس الفارغين، الذين يريدون أن يقتلوا الوقت، تجد الواحد فيهم يقول: يا أخي ما أنا عارف ماذا أعمل في الوقت؟ هذا يريد يقتل الوقت تعال ساعدنا في كيف نمضي هذا الفراغ؟  

هذه النوعية من الناس تجد أنها مملوءة بـغيبة، نميمة، شتائم، وسباب وفسوق، أفلام، لعب الورق، هذه حال مجالس الفارغين، الله توعد الذين قست قلوبهم من ذكر الله فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ [الزمر: 22].

هؤلاء الناس يعملون كل الوسائل لكي تقسوا قلوبهم من ذكر الله، ليس هناك نية مطلقاً؛ لأن الأشياء التي في المجلس كلها تدعو إلى قسوة القلب، والإعراض عن الله .

فما بالكم إذا كانت المجالس مجالس غيبة ونهش في لحوم الناس وولوغ في أعراض الناس، والله يقول:  وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ  [الحجرات: 12].

 كيف يكون الوضع إذا كانت المجالس مجالس كذب وبهتان وافتراءات؟ كيف يكون الوضع إذا كانت المجالس مجالس سخرية بعباد الله ولمز وهمز؟

والله يقول  يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} ، والله يقول: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ  [الحجرات: 11]. ويقول: وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ  [الحجرات: 11].

كيف إذا كانت مجالسنا مجالس سباب، تجد الناس كل واحد يلعن في الثاني، وكل واحد يسب الآخر، والرسول ﷺ يقول في الحديث الصحيح:  المستبان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان 

[رواه أحمد: 17489، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 6696].

المستبّان شيطانان فعلهم فعل الشياطين ولو كانوا على هيئة الإنس يتهاتران ويتكاذبان.

وقال ﷺ: لا يعضه بعضكم بعضاً  [رواه الطيالسي في مسنده: 581، وأبو عوانة في مستخرجه: 6349].   

والعضَ هو البهتان والكذب كما فسّره العلماء.

كيف إذا كانت مجالسنا مجالس نفاق ومداهنه وتزكية للنفوس، وكل واحد يثني على نفسه، وتسمع بعض الناس يقول: أنا ما أقصد أزكّي نفسي، لكن كذا وكذا...، أنا ما أقصد أني أمدح نفسي، لكن...، وراح يمدح نفسه! هذه "لكن" خطيرة.

والله يقول:  فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32].

 ما في داعي أنك تزكي نفسك؛ لأن الله يعلم قيمتك وقدرك.

كيف إذا كانت المجالس فيها سخرية للدين، واستهزاء بالمتمسكين بالدين، وانتقاص من سنة الرسول ﷺ في مظهره وخُلُقه وآدابه وشمائله بشكل مباشر أو غير مباشر.

أنت عندما تستهزئ باللحية أو الثوب مثلاً، أنت قد استهزأت بالرسول ﷺ من حيث تدري، أو لا تدري؛ لأن شكل الرسولﷺ كان هكذا، فعندما تستهزئ بسنة من سننه في المظهر، مظاهر المسلمين أو في ثيابهم، أو أخلاقهم أو السنن العامة، فأنت قد انتقل استهزاؤك مباشرة إلى الرسول ﷺ فمسست الذات المحمدية مساساً خطيراً، ويحسب الناس أنه هين وهو عند الله عظيم، واستهزاء بالشريعة وبأحكام الدين، هذا الآن متفشٍّ جداً في مجالس الناس، تجد من يقول مثلاً في مجلس: يا شيخ تريدون أن ترجعوا بنا إلى عصر العين بالعين والسن بالسن؟ أنت تريد أن ترجعنا للخلف؟ تريد ترجعنا للعصر الحجري؟ هذا استهزاء بآيات في القرآن الكريم، نصوص وأحكام شريعة، وهذا الرجل مضى يطلق العنان للسانه ليتفوّه بهذه الألفاظ الخطيرة التي تنقله عن ملّة الإسلام، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهو لا يدري أو هو معاند، أو من المكابرين المستهزئين، والله يقول: أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  [التوبة: 65-66] .

لا تعتذر، لا والله أنا قصدي مزح، ما قصدت أنا ما أدري كيف خرجت مني، أنا كذا...، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ  [التوبة: 65-66].

بل إن العجيب، والأمر المضحك في نفس الوقت أنك تجد في مجلس من المجالس "آية الكرسي" معلقة، أو المعوّذات، أو آية فيها لزوم التقوى، أمر المؤمنين بتقوى الله، أو آية فيها كفارة المجلس، وتجد كلام الناس في المجلس يخالف ما هو معلّق على الجدار، هو معلق من هنا، وجالس يخالف من هنا! بصراحة يضحك هؤلاء الناس على أنفسهم بشكل عجيب، يا أخي الآية معلّقة أمامك على الجدار وأنت جالس تخالف؟

ومن هنا رأى من رأى من العلماء عدم جواز تعليق الآيات والأحاديث؛ لأن هذا التعليق يفضي إلى امتهان القرآن والاستهانة به، تعلّق أمامك وقاعد تخالف بلسانك.

ولذلك بعض العقلاء من الناس فكروا جدياً بعد ما رأوا هذه حال المجالس أن يعتزلوا الناس.

فنجلس مثلاً مع بعضهم يقولون: يا أخي أنا بعد الذي رأيته من الناس وهذه النكبات، أو هذه الأشياء التي وقعت فيها وما أصابتني منهم، أنا الآن ما أجلس مع أحد مطلقاً، أنا من الشغل للبيت، من البيت للشغل.

هؤلاء الناس إلى حد ما هم مصيبون في رأيهم إلى حد ما، لكن إذا انتقلنا إلى الوظيفة الكبرى للإنسان المسلم وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فنجد أن هذا الكلام غير صحيح.

لكن على الأقل هذا الرجل قطع عن نفسه المؤثرات السيئة، لكن بقيت عليه خطوات حتى يترقى في سُلّم الإسلام.

محاذير شرعية في مجالس أهل الخير والصلاح

00:15:28

وكذلك بعض المجالس يحضر فيها أناس من المخلصين، أو أناس فيهم طيبة ظاهرة، ولكن يقع فيها من الإشكالات والمحظورات الشرعية أشياء كثيرة، وأنا أحب أن أقرأ عليكم نص هنا للعالم الرباني شيخ الإسلام الثاني ابن القيم -رحمه الله تعالى- الذي يقول في كتابه: "الفوائد".

يقول: "الاجتماع بالإخوان قسمان: أحدهما اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت".

الثاني: "الاجتماع بهم على أسباب النجاح والتواصي بالحق والصبر، فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ومع ذلك فإن هذه المجالس الذي من النوع الأخير فيها آفات منها:

أولا: تزين بعضهم لبعض.

ثانيا: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.

ثالثا: "أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود"[الفوائد لابن القيم: 51].

فإذن هذا الكلام المهم والتحليل الدقيق الذي يقدمه لنا ابن القيم -رحمه الله- لا بد أن نفكر فيه، يقول بعض الناس: ربما هداه الله ولكن لما تدقق في مجالسه التي يجلس فيها مع أصحابه، تجد أن هذه المجالس ما فيها علم، ما فيها ذكر لله، ما فيها أشياء مفيدة، لكن فيها سوالف، قد لا تكون فيها غيبة أو نميمة، لكن لما تسأل هذا الرجل سؤال صريح ومباشر لماذا جلست مع هذه المجموعة؟ فيقول لك: والله يا أخي أنا ارتاح لهم ونفسي تميل إليهم، هؤلاء أصدقائي وأعزائي وأقرب الناس إلى نفسي وأنا هذا فلان الذي أجلس معه تعرف أنا وإياه أصدقاء من الابتدائية أو من المتوسط أو من الجامعة.

وهكذا فإذن لماذا جلس معه؟ هل جمع بينهما ذكر الله وطلب العلم؟ لا، جلس معه لمجرد أن هناك توافق نفسي، أو تقارب فكري بينهما، يقول: يا أخي -سبحان الله- هذا فلان طريقته مثل طريقة تفكيري، ولذلك أنا أجلس معه ودائماً مع بعض يغدون مع بعض، ويروحون مع بعض.

هذا فيه خطورة؛ لأن السبب الذي اجتمعوا عليه ليس الله ، ولا الحب في الله الحب الحقيقي، ولا منفعة المسلمين، أو ذكر الله أو طلب العلم، أو مناقشة أحوال المسلمين، وإنما جمعهما الأُنس والمؤالفة واقتراب الطبائع وتشابه طبائعهما، فهذا كثيراً ما يضيع الأوقات ، إخوانك من أهل الإسلام الذين عندهم نوع من الفسق أو الانحراف يحتاجون إليك في الخارج، هناك ناس يحتاجونك جداً تذهب إليهم وتذكرهم وتعظهم، وأنت جالس مع فلان وفلان طيلة الوقت لمجرد أنه هناك توافق وتجانس وتآلف نفسي فقط، فأنت قد اشتغلت عن الوظيفة الأهم بهذه المسألة مسألة المؤانسة والمفاكهة والسوالف.

اقرأ في كتاب، اذهب إلى مكان تطلب العلم فيه، اذهب وادع فلاناً وفلاناً وانصح فلاناً وفلاناً، بدلاً من أن تجلس هذا المجلس الذي كله سوالف ومؤانسات وارتياحات، وكله كلام من هذا القبيل.

هذه مجالس خطيرة، وقد يلبس الشيطان على الناس الطيبين.

فيقول له: أنت الحمد لله ما تجلس مع أشرار تجلس مع واحد طيب، لكن الحقيقة ليست هذه القضية، القضية ما هي الفائدة من جلوسك؟ ولذلك كان بعض السلف -رحمهم الله- ممن مضى من العلماء كان يزورونهم أناس كثيرون يحبونهم، فيزورونهم ما أن يجلس إلا وطرق عليه فوج من الناس، مجموعة من الناس يريدون أن يزوروه يتكلموا معه ويتبسطوا معه، فكان ابن الجوزي -رحمه الله- يقول: فإن رددتهم -إذا قلت لهم: لست مستعداً لاستقبالكم أخذوا في أنفسهم- وربما صار فيها زعل، لماذا هذا متكبر ما يريدنا نزوره- وإن أدخلتهم جلست معهم ضاع وقتي في كلام واستئناسات.

قال: فماذا كنت أفعل؟

قال: "فكنت أعد لزيارتهم المهمات التي تحتاج إلى وقت ولا تحتاج إلى تفكير" أو بمعنى كلامه.

يقول: "كبري الأقلام وتقطيع الكاغد" [صيد الخاطر: 13]. تقطيع الأوراق وترتيب الأشياء.

قال: فكانت هذه الأشياء تأخذ وقتاً، تقطيع الأوراق وبري الأقلام، فكنت أدع هذه الأشياء إلى وقت زيارتهم.

يقول: "هذا أهون من شرهم".

فكان العلماء -رحمهم الله- يحرصون على الوقت.

السلبية الأخرى في المجالس التي قد يكون فيها ذكر لله، وهذه مسألة مهمة ينبغي للدعاة إلى الله أن يتفطنوا إليها، تزيُّن بعضهم لبعض، يأتي الواحد أمام صاحبه يبدو له في المجلس بأحسن صورة، يظهر له كلاماً لطيفاً، أخلاقاً ممتازة تعاملاً جيداً، ما يقاطع في الحديث، يعطي المجال للنقاش، هدوء في العرض واحترام للشخصية الجالسة وموافقة، وهكذا، فإذا رجع إلى بيته وعرفت حاله مع زوجته تجد العجب العجاب، كلام حاد وقد يصل إلى السباب، وعدم احترام وجهات النظر، قطع الكلام، تسلط وتجبر وهكذا، أو مع أخيه القريب، وهكذا، أو مع من هو أصغر منه سناً، فـالناس عندما يجلسون مع بعض يتجمّل بعضهم لبعض، وكل واحد يظهر أحسن الذي عنده، هذا يحدث في المجالس، تجلس مع أحدهم في مجلس وهو محترم مؤدب آخر شيء آخر كلام، لكن عندما يجلس مع أقربائه أو في بيته، تجد هذه الأشياء كلها تذهب ما هو السبب؟ هذا التزيُّن التجمُّل المجاملة، كل واحد يتزين للآخر.

وكذلك قد يحدث كلام وخلطة أكثر من الحاجة وكذلك تصبح هذه شهوة.

يعني دائماً يريد يذهب يجلس يتكلم وقد لا يكون هناك حاجة.

مرة من المرات رأيت رجلاً خارجاً من مكان وذاهب إلى بيت واحد آخر في الطريق فاستوقفته سلّمتُ عليه ولاحظت أنه متضايق نوعاً ما.

فقلت له: خيراً أين تذهب؟.

قال: والله سأذهب لفلان.

قلت له: لماذا؟.

قال: ذاهب له ليضحكني!.

لماذا هذا الرجل الآن مغموم، ما يعرف أو لا يتذكر الإنسان أحياناً أن الرسول ﷺ علّمنا دعاء خاصاً، دعاء الهم والغم والحزن؛  اللهم إني عبدك وابن عبدك.... إلى آخر الحديث [رواه أحمد: 4318، والطبراني في الكبير: 10352، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1822].    

هذه النفسية موجودة، حتى الواحد ما يريد يروح إلى شيخ أو إمام مسجد، أيش عنده؟ هم ونار وعذاب، ما عندهم إلا الكلام، أروح لفلان استمتع بالوقت، عنده خفّة دم وعنده دماثة خُلُق، والناس لا يفكرون بالنتائج، يفكر إلا أنه ينبسط، أهم شيء الواحد أنه يستأنس هكذا، ولذلك يكثرون من التجمعات التي فيها استئناسات انبساطات، هذا حال الناس.

وإذا جئنا إلى واقع المجالس أو التوجيهات النبوية التي جاءت في حال المجالس كيف ينبغي أن تكون.

يقول رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح الذي رواه سهم بن الحنظلية  ما اجتمع قوم على ذكر فتفرقوا عنه إلا قيل لهم: قوموا مغفوراً لكم  حديث صحيح. [رواه أحمد: 12453، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5507].

وقال ﷺ في الحديث الصحيح الآخر: ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون حتى يقال لهم قوموا قد غفر الله لكم ذنوبكم وبُدّلت سيئاتكم حسنات  [رواه أحمد: 11463، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5610]. بعض الناس ما يظن المجالس الطيبة إلا في المساجد فقط، لا، هناك اجتماعات كثيرة طيبة، ممكن أن تقام في أماكن عامة، أو في البيوت، والحديث عام، يقول:  ما جلس قوم يذكرون الله تعالى فيقومون  ما حدد المسجد، وإن كان المسجد لطلب العلم وللذكر هو أفضل المجالس.

بعض التوجيهات إذا جئنا ننظر في الإسلام، ما في شيء مهم لا يهتم فيه، لازم إذا كان هناك شيء مهم في قضية المجالس، هذه مهمة وخطيرة لا بد تجد للإسلام توجيهات في هذا المجال.

إذا أردت أن تعرف كيف تصلح من وضع مجلسك وكيف تخرج بفائدة كبيرة فانظر أخي المسلم أولا إلى من تجالس، أنت.

أولاً: اتخاذ الجليس الصالح، وهذه قضية معروفة نعرف فيها آيات وأحاديث كثيرة منها قول الله عن رجل دخل الجنة وكان له صاحب من أهل النار، لكن تخلّص منه وتاب إلى الله ودخل الجنة، فيقول الله عن هذا الرجل:  فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ [الصافات: 55]. اطلع هذا الرجل الآن هو في الجنة فرأى صاحبه الذي كان في الدنيا في وسط الجحيم فاطلع فرآه في سواء الجحيم.

قال:  قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ [الصافات: 56]. يعني لو كنت أكملت معك كنت ترديت معك في جهنم، لو أطعتك كان ذهبت معك- وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ  [الصافات: 57].

ولكن نعمة الله ورحمته تداركتني وأنقذتني مما أنا فيه.

وكذلك الرجل الذي يتحسف ويقول: يَالَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَاوَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي [الفرقان: 27 - 29].

ولذلك قال:  فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68].

فنهى المسلمين عن القعود مع الظالمين، الظالم لنفسه والظالم لغيره.

وقد كان السلف يهتمون اهتماماً عظيماً بانتقاء الجلساء والمجالس، بل إنهم جعلوا جزءاً من دعائهم للحصول على مجلس طيب وجليس صالح.

فهذا الحديث الذي يرويه البخاري -رحمه الله- عن علقمه، علقمه رجل من فضلاء التابعين وكبارهم ومن أصحاب ابن مسعود المقربين، قال: قدمت الشام فصلّيت ركعتين ثم قلت: "اللهم يسّر لي جليساً صالحاً"، سافر إلى الشام لطلب العلم وجلس في المسجد وصلّى ركعتين ورفع يديه قال: "اللهم يسّر لي جليساً صالحاً" دعاء بعد الصلاة، لماذا: اللهم يسّر لي جليساً صالحاً فأتيتُ قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء فجلس إلى جنبي.

قلت: من هذا؟ سأل من هذا الذي جالس؟ قالوا: أبو الدرداء صحابي!.

انظر؛ الرجل دعا من هنا واستجيب الدعاء من هنا، نعم أُناس صالحين وحريصين ونيتهم طيبة، والله لا يخيب ظنون هؤلاء مطلقاً.

فقال علقمة لهذا الرجل: "إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فيسرك لي"... إلى آخر القصة، ثم تعلّم منه أشياء.

[رواه البخاري: 3742، وأبو نعيم في الحلية: 4/120]. وجمع بعض شعراء المسلمين صفات الجليس الصالح فقال:

لنا جلساء ما تملُّ حديثهم ألبّاء -من اللبيب- مأمون غيبا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا
بلا فتنة تخشى ولا سوء عشرة ولا نتقي منهم لسان ولا يدا

[جامع بيان العلم وفضله: 2/1228].

إذن، لا بد من الحرص على انتقاء الجليس، لا بد أن نغشى الأماكن التي هي مظنة المجالس الطيبة، مساجد، بيوت الناس الطيبين، الأماكن التي فيها خير؛ لأنها مظنة وجود الناس الطيبين.

مقترحات شرعية لتحسين مجالسنا

00:30:04

وهنا أعرض بعض المقترحات التي تحسن من أوضاع مجالسنا بالإضافة إلى ما ذكرنا سابقاً.

أنت عندك عزيمة، عندك وليمة، عندك عقيقة، ما المانع أن تدعو واحداً من أهل الخير أو أكثر من واحد، شيخ، إمام مسجد، قاضٍ، رجل صالح، واحد من هؤلاء الناس الذين فيهم خير.

تقول: يا أخي أنا عندي وليمة، عندي عقيقة، تفضل، عندي الليلة بعض الإخوان، ودنا نستفيد ولو أنك تذكرنا بكلمة، هذه وسيلة مهمة جداً؛ دعوة أهل الخير، يحرص عليهم حتى تتحسن الأوضاع؛ لأننا إذا كنا نمشي بهذه الطريقة في النهاية ستكون القضية شؤم على أنفسنا وعلى أهلينا، ولا بد أن نلحّ عليهم؛ لأن كثيراً من هؤلاء الناس الذين نحاول أن ندعوهم في الحقيقة إذا كان فيهم خير فعلاً ستجده مشغولاً، ما عنده وقت يضيعه، لا بد أن يكون عنده مهمات كثيره يقوم بها وهو منشغل بطلب العلم وتعليم الناس، ولا بد أن تلح عليهم وتحرص على أن يحضر واحد على الأقل يستفيد منه الناس من المجلس لا بد ولك أجر عظيم يا أخي المسلم لما تفعل، هذا لأنك تتيح الفرصة للجالسين ولأصحابك القادمين أن يستفيدوا، وأن الناس أكثر شيء يتجمعون عليه السوالف، بعد ذلك ينتظرون بفارغ الصبر العشاء، وُضع العشاء وأكل، هكذا حال أكثر الناس لكن يا إخواني عندما تكون هذه الوليمة أو هذه المناسبة أو هذه الديوانية أو هذه الدورية فيها رجال طيبون فإن المجلس سيتأثر بهم ولا بد، فتكون أنت استفدت وافدت إخوانك الآخرين وجعلت هذا المجلس من مجالس الذكر التي يرضى الله عنها، بدلاً من أن تكون مجالس شر ومجالس محرمات ومنكرات.

وهنالك فتح للمواضيع الطيبة، ما أحسن أن تجلس مع ناس فيقول قائلهم: يا أخي حدّثنا عن الموضوع الفلاني، أنا سمعت مرة قصة نبي لكن مررت علي آية قرأتها وما أدري ما معناها، عندي إشكال فيها.

فمثلاً يقول الله : لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى  [المائدة: 82].

النصارى أقربهم للذين أمنوا، كيف؟ النصارى الآن منهم مبشّرون، ومنهم ناس يذبحون المسلمين في أقطار الأرض كيف:  أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا  أعطني تفسيراً، أنا عندي إشكال.

حديث سمعته مرة وتريد أن تتأكد من صحته، يا أخي حدثنا عن الحديث هذا "من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له" هذا حديث وقف عقَبة في طريق كثير من الناس الذين يريدون أن يصلوا لكنهم فسقه، يشرب الخمر، وكل ما جاء يصلي أنّبه ضميره وذكر الحديث:  من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له [رواه الطبراني في الكبير: 8543 ، بلفظ: "من لم تأمره صلاته بالمعروف، ولم تنهه عن المنكر، لم يزدد من الله إلا بُعدا" وقال ابن الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح].

فيقول: إذن، أنا ما لي صلاة، لماذا أصلي؟ فيترك الصلاة؛ لأنه هو سيصمم على شرب الخمر، فإذا لا داعي للصلاة! ما صحة هذا الحديث؟ يا أخي الآن شتاء وهذه الجوارب يجوز المسح عليها، كيف نمسح عليها؟ ما هي مدة المسح؟ وإذا لبست اثنين فوق بعض، كيف يكون وإذا خلعت الشراب.

المسلم الحقيقي تجده يعمل دائماً مع الإسلام وأحكام الإسلام، ولذلك تنتج عنده مسائل كثيره؛ لأنه مهتم بالإسلام فتطلع أشياء كثيره يحتاج السؤال عنها، أما الغافل عن الله الجاهل ما يأتي يسأل أصلاً.

بعض الناس يقول: والقضية بديهيه، فإذن الاهتمام بالإسلام هو الذي ينتج وينبع منه هذه الأسئلة والاستفسارات الكثيرة، وثق تماماً  كل ما وجدت رجلاً يسأل أكثر تعرف أن فيه خيراً؛ لأنه حريص على التعلم.

بعض الناس من كبار السن تجد فيهم طيبة، يكون عنده ولد خير ودين، يقول: يا ولدي أنا ما طلبت العلم ولا شيء، أنت قرأت واطلعت وكذا، أفدنا أعطني شيئاً موضوعاً في المجالس، إذا ما لقيت أحداً من أهل الخير، ما المانع أن يكون في المجلس كتاب إسلامي رياض الصالحين، تفسير أحاديث رياض الصالحين، جاء الناس وجلسوا وسلّموا، وكيف حالك يا فلان، حصل أول عشر دقائق كيف حالك، وبعد ذلك؟ تهدأ الأمور، ما المانع قبل العشاء أو بعد العشاء آخذ هذا الكتاب، وأقول للناس الجالسين: ما رأيكم أن نستفيد؟ ما رأيكم نسمع؟ أو والله أنا قرأت حديث أعجبني نفتح الكتاب ونقرأ، ليس لازماً أن تقرأ ساعة فيمل الناس كل واحد يضع يده على فمه ويطالع في الساعة لا، تقرأ خمس دقائق عشر دقائق انتهى الموضوع استفادوا الناس خرجوا بفائدة إذن، هناك وسائل.

القضية قضية اهتمام الذي يهتم يخترع الوسيلة، ما هي مشكلة الوسيلة، لكن لا بد أن يوجد الاهتمام أولاً بالإصلاح لا بد يجد الاهتمام بنشر الخير كذلك في الوقت الذي نحث الناس فيه على دعوة أهل الخير وإصلاح مجالسهم وكذا، نحث أيضا الدعاة إلى الله ونذكرهم بهذه المسؤولية العظيمة الملقاة على عاتقنا جميعاً، وهي مسؤولية الحرص على نشر الخير وعلى نشر الدين ونشر الشريعة بين الناس، فإذا دعاك أحد فلا تتردد تقول: قد يستهزؤون بي ربما يتكلمون عليّ فما يعجبهم حديثي، يا أخي اذهب أسمع بالحق، قل ما عندك بين للناس  وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55]. لو ما في إلا واحد من العشرين استفاد يكفي، الحمد لله، شيء طيب، ليس لازماً يستفيدوا كلهم، بعض الناس فيهم شر، ولذلك ينبغي يا إخواني عندما يعمل الإنسان وليمة أو كذا إذا كان يعرف أن واحداً من الذين يضحكون الناس على الدين ويستهزؤون به فلا يجوز له أن يدعوه أبداً لأن هذا عنصر مخرب فيأتي مجلسك كل ما فتحت موضوعاً فيه خير فيقفله، يخرب عليك، ولا يجعلك تستفيد دقيقة واحدة، هذا ما يجوز لك أن تدعوه مطلقاً إلا إذا أمنت شره تماماً هذا يصلح لوحده على جنب.

فإذن، لا بد أن تشجّع لحضور مجالس الناس وتعليمهم، عرض الأحكام التي تهمهم المناسبة للزمان والمكان الذي يعيشون فيه، تطرح في فصل الشتاء الأحكام : جمع الصلاة في المطر، المسح على الجوربين، الآن الناس يخرجون رحلات في فصل الربيع، ما هي الأحكام الذي يحتاجونها؟ قصر الصلاة وجمعها، كيف يفعل الإنسان في البر إذا كان ما عنده ماء مسخّن وهو على جنابة، ما الذي يحدث؟

أسئلة كثيرة موضوعات حسب حاجتهم، ناس قد يحجون في موسم الحج، في رمضان إن شاء الله جعلني الله وإياكم ممن يبلغ هذا الشهر ويصومه ويقومه حق الصيام والقيام.

الحرص من أهل الخير على انتهاز الفرص، لأن الناس مجتمعون في هذا المكان، الرسول ﷺ كان ينتهز الفرص، كان يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي اصنع طعاماً وادعُ قومك .

يأتي هؤلاء الكفرة إلى الوليمة؛ لكي يكلمهم الرسول ﷺ ويدعوهم ويكلمهم على الإسلام فرصة نحن لا بد أن نعجب بنبي الله موسى ﷺ وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام لما استطاع بحكمته أن يجمع الناس كلهم في ساحة واحدة تعرفون القصة قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى  [طه: 59].

صار تحدٍ بين موسى وفرعون، قال: هات السحرة، وجمع فرعون،  وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُون* لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ [الشعراء: 41-40]. جمع أهل المدينة كلهم وفرعون والحاشية والملأ والسحرة وكلهم في مكان واحد وأقام موسى الحجة وعرض الدعوة على الناس كلهم.

الرسول ﷺ كان ينتهز فرص تجمع الناس، وكان يذهب إلى أسواق عكاظ، وكان الناس الذين يأتون إلى الحج كان يكلمهم وينصحهم، لا تبق الخير في نفسك فقط أو تقتصر على واحد اثنين وتنعزل عن المجتمع، هذا ليس من الإسلام، كثيراً من الناس الطيبين عندهم هذه الفكرة، يقول: يا أخي هؤلاء الناس خبثاء وفسقة وما أريدهم وأنا أتأذى منهم ولن أخالطهم وإلى آخره!.

غير صحيح، لو أنا فعلت هذا وأنت فعلت هذا كيف ينتشر الخير؟ وكيف يتعلم الناس؟ فلا بد إذاً من الالتحام والتداخل والحرص على موضوع الشخصية الإسلامية، والشخصية الإسلامية ليست شخصية حلزونية وفيها متاهات والتواءات وأشياء خفية لا، الإسلام واضح ليس فيه أسرار، لا بد أن توضح نفسك للناس وتوضح الأفكار الإسلامية للناس، والناس في الغالب فيهم فطرة طيبة، لكن علاها شيء من الصدى يحتاج إلى إزاله ويسمعون، لا تقل: الناس ما فيهم خير، من قال هلك الناس فهو أهلكهم  [رواه مسلم: 2623]. لا تقل: الناس فسقه، أنت نفسك وغيرك كيف كنت قبل أن يهديك الله -عز وجل- فإذا أردنا أن نعرض الإسلام على الناس وأن نفتح قلوبنا لهم وأن نلين معهم في الكلام نلين بالأسلوب لا بالمضمون، وأن نتبسّط معهم في الحديث ليس على حساب الدين، وإنما بالكلام الطيب والإلقاء الحسن، هذا أمر مهم، لا بد أن يكون الرجل حكيماً، كيف يدخل إلى الموضوع بأفضل طريقة بدون أن يجلس يلف ويدور، لا بد أن يعرض عرضاً موجزاً واضحاً ومشوقاً وكلاماً للناس، أو يتركوه لا أن يتجنب النقاط الغامضة حتى لا تنتشر البيئة في أذهان الناس وينصرفون عن أساس الموضوع، لا بد أن يعد الإنسان العدة ويفكر قبل أن يذهب إلى هذه المجالس، هذه فرص فيحاسبنا الله عنها إذا ما انتهزناها أليس كذلك؟ فإذاً لا بد أن ينتشر الخير في مجالسنا وتتحول إلى مجالس خير.

التعامل الشرعي مع المجاهرين بالمنكرات في المجالس

00:42:40

وهنا نقطة في بعض المجالس يحصل هناك جهر بالمنكر واستهزاء بالدين فماذا تفعل؟ ماذا نفعل؟

واحد في المجلس أمامك استهزأ بالدين، وجعل ينكت على هذه التشريعات الإلهية، ويستهزئ بعباد الله الصالحين المتمسكين بالدين، أو يجهر بمنكر من المنكرات أمامك كيف تتصرف؟ وماذا تفعل؟

هناك الحمد لله نصوص شرعية جاءت توضح هذه المشكلة، نذكر بعضها، يقول الله   وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [الأنعام: 68].

 وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا -بالباطل- فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ 

حتى ينتهي كلامهم في الاستهزاء. وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا  [النساء: 140]. وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا ما هو الحل ماذا تفعل؟  فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا .

واحد استهزأ بالدين رددت عليه وأنكرت المنكر الذي تكلم به، لكن ما وقف عند حده أبداً، متواصل، العملية استهزاءات بالدين وزاد الطين بِلّه، هل تقول: سأسكت وتجلس؟ هل هذا التصرف صحيح؟ لا، فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ ... إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ  الساكت عن الحق شيطان أخرس، أنكرت عليه ونصحته لا فائدة، قم من المجلس، واحد قاعد يغتاب في الناس وضحت حكم الغيبة الشرعي وأنكرت عليه بأسلوب طيب فتمادى واستمر في منكره ومعصيته ماذا تفعل؟ تقوم من المجلس وتخرج، لماذا تقوم لماذا؟ قال الله  فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ . حكمة عظيمة، حتى الناس إذا أنت قمت وذهبت يعرفون أنك غير راضٍ أنك انسحبت وأنك غير راضٍ، وأن وجودك واستمرارك في الجلوس يعني أنك راضٍ، قلت كلمتين وأنكرت ما استجاب أحد كمل. فيها استهزاء بك وبدينك وبشخصيتك الإسلامية وتمييع للقضية؛ قضية المفاضلة والتميز، المسلم ووقوفه الموقف الّصحيح أمام الاستهزاءات وهذا الهجوم والطعن في دين الله هذه مسألة مهمة.

ومن هذه الآيات قال بعض العلماء: ويدخل فيها أيضاً الجلوس مع أهل الكفر والشرك والبدعة وأهل الأهواء والشهوات، إلا إذا قصد الإنسان دعوته إلى الله ما تجلس مع أهل بدعة لا تجلس مع مشركين وكفار إلا إذا كنت تريد دعوتهم إلى الله هذا في الأحوال العادية ما أذهب مجالسهم بيوتهم حفلاتهم أشاركهم في أعيادهم كفار تصيب منهم أذى ويمسون عقيدتي بسوء، إلا إذا كنت تدعوهم إلى الإسلام فأتخير مجالسهم التي ما فيها منكرات تؤذيني وتمس عقيدتي أذهب إليهم وأنصحهم كما كان ﷺ يفعل.

آداب وأحكام إسلامية في مجالسنا

00:47:31

أستعرض معكم الآن بعض الآداب الإسلامية في المجالس والأحكام، يقول الرسول ﷺ:  ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي ﷺ  لاحظ... ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله ويصلوا على النبي ﷺ إلا كان مجلسهم تِرة عليهم 

ترة: حسرة إلا كان مجلسهم ترة عليهم يوم القيامة . [رواه أحمد: 9763، وابن حبان: 590، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 5510].

وفي رواية صحيحة أيضا: وإن دخلوا الجنة [رواه أحمد: 9965، والنسائي في الكبرى: 10170، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 7624].  تصور فالمجلس حسرة عليهم يوم القيامة وإن دخلوا الجنة.

فالآن إذا جلسنا وما ذكرنا الله وما صلّينا على الرسول ﷺ هذا الاجتماع عام في وظيفة في فصل دراسي في مسجد في البيت اجتماع أي اجتماع يتجمع فيه الناس، لا بد للإنسان حتى لو في نفسه يحمد الله ويصلي على الرسول ﷺ لا بد من ورائها أهداف عظيمة، لأن ما هو معقول الواحد يقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، فلان بخيل وفلان فيه كذا، فكر معي، الإسلام فيه توجيهات عظيمة لكن المشكلة أحياناً ما نوصل فإذاً لا بد من ذكر الله حتى لو قلت سبحان الله فقط مرة واحدة، والصلاة على الرسول ﷺ يكفي مرة واحدة كما قال العلماء يجزي في تحقيق الحديث ولو مرة واحدة تذكر الله وتصلّي على النبي ﷺ وهذا حث على المجلس كله أنه يكون مجلس خير وذكر لله .

وتصور يا أخي عندما ينقلب المجلس إلى مجلس خير، وتصير هذه كل أوضاع المجالس في المجتمع كله كيف إذا لم يوجد هناك عرس ولا وليمة ولا عقيقة ولا عزيمة ولا دورية ولا ديوانية ولا اجتماع وغيره، وفيه هذه الأشياء كيف يصير الوضع؟ أشياء خطيرة، قضية حساسة فعلاً، لا بد من الانتباه لها كذلك روى الحاكم رحمه الله عن عائشة -رضي الله عنها- حديث صحيح من صحيح الجامع قالت: "كان الرسول ﷺ لا يقوم من مجلس إلا قال:  سبحانك اللهم ربي وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك  وقال:  لا يقولهن أحد حين يقوم من مجلسه إلا غُفر له ما كان منه في ذلك المجلس [رواه الحاكم في مستدركه: 1827، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه]. مهما حصل منك من أخطاء تغفر لك إن قلت هذا الدعاء بإخلاص، هذا الدعاء -كفارة المجلس- الذي نعلقه على الحيطان ولا يوجد هناك أي انتباه أو إعطاء أدنى اهتمام ختم ودعاء المجلس أليس كذلك؟ كثيراً هي معلقة دعاء المجلس على الحيطان لكن كم واحد يذكر الله يذكر هذا الدعاء قبل أن يقوم، من آداب المجلس التفسُّح فيه؛ لأن الله يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ [المجادلة: 11]. فلا بد من إيجاد الفسحة في القلب قبل الفسحة في المكان، عندما تكون أنت أصلاً في قلبك فسحة لإخوانك المسلمين ، فإنك لن تتردد مطلقا في التفسُّح لهم في الكلام، لكن عندما يكون القلب مغموماً تجد الواحد عندما يأتي الواحد يريد يجلس لا يتزحزح من مكانة،؛ لأنه ليس هناك محبة في قلبه لإخوانه المسلمين قبل أن تحدث في المكان فإذا قيل لكم افسحوا وهذه السنة إذا دخل رجل والمجلس ضيق يقول: افسحوا يفسح الله لكم فهنا لا بد أن يفسح المسلمون كما جاء في البخاري، افسحوا ووسعوا أيضاً من آداب المجلس، في الحديث نهى أن يقام الرجل من مجلسه ويقعد فيه غيره، بعض الناس يأتي واحد كبير قوم يا فلان قم واجلس مكانه، هذا غير صحيح، لا يجوز، مخالف لتوجيه الرسول ﷺ وهذا النهي من إقامة الرجل من مجلسه عام في جميع الناس كيف فإن وجدت إنساناً يحصل الأذى بجلوسه في المجلس فيجوز لك أن تقيمه كرجل أكل ثوم نيئاً وجلس في المسجد، ففي هذه الحالة تقول له: قم يا فلان تنصحه، تقول: يا أخي قم واذهب ولا تؤذنا في المسجد، أو سفيه دخل إلى مجلس علم وقاعد يتكلم ويزعج الناس ويقطع عليهم انتباههم للحديث الذي يلقى عليهم هذا تقول له: قم يا أخي قم تريد تتكلم تكلم في الخارج، إقامة الرجل من هذا المكان جائز ما فيه حرج للمصلحة الموجودة فيه، ومن جاء إلى مجلس فجلس فيه فهو أحق به كما سيمر معنا في الحديث.

سُنّة توسعة المجلس في البيت

00:53:55

ولذك يُسنّ أن تكون مجالس الناس واسعة يقول ﷺ في الحديث الصحيح: خير المجالس أوسعها [رواه أحمد: 11137، وأبو داود: 4820، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد: 475].

فالإنسان إذا كان عنده بيت أو صمم بيتاً أو يشتري بيتاً يراعي فيه أن يكون مجلسه واسع فقال العلماء في شرح الحديث: "وهذا يختلف في اختلاف احوال الأشخاص؛ لأنه قد يكون واحد عنده قدرة، وآخر ما عنده قدرة، فالواحد يحاول أن يجعل مجلسه واسعاً قدر الإمكان، خير الأماكن أوسعها؛ لأنه أريح للجالس في قيامه وقعوده وسيره وفي حركته عموماً، المجلس الواسع يريح، كذلك كان ابن عمر -رحمه الله- إذا قام له رجل من مجلسه لم يجلس فيه حديث صحيح في البخاري ابن عمر كان يطّبق حديث: لا يقيم الرجل رجلاً من مجلسه فيجلس فيه [رواه البخاري: 6269، ومسلم: 2177].

فكان ابن عمر من تورُّعه إذا قام له إنسان ما يجلس إذا قام منه، هذا من التورُّع، لكن لو واحد أكرم إنساناً داخلاً فقام من مجلسه وجلس في مكان آخر، قام ليوسِّع له فلا بأس أن يجلس فيه، لكن ما يقيم إنسان من مكانه، وقال ﷺ في الحديث الحسن: إذا جاء أحدكم إلى مجلس فأوسع له فليجلس، فإنها كرامة أكرمه الله بها [رواه الخطيب البغدادي في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: 274، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 463].

 وأخوه المسلم كرامة من الله ومن أخيه المسلم الذي وسّع له، فإن لم يوسّع له فلينظر أوسع موقع فليجلس فيه، ينظر أوسع مكان ويجلس فيه، قال المناوي -رحمه الله- معلّقا على هذا الحديث: "ومن آداب الشريعة إيثار الجلوس في طرف المجالس دون صدورها سلوك لطريق الصحيح التواضع" [فيض القدير: 1/305].

وليحذر من الكذب في قوله: صدر الحلقة وطرفها عندي سواء". بعض الناس: اجلس يا أخي هنا، تفضل هنا يا فلان، يوسّعون له، يقول: لا تفرق معي، ما تفرق صدر المجلس والطرف كله واحد، وهو كذاب، إذا كنت فعلاً مجاهداً بنفسك وفعلاً عندك ما تفرق تجلس في أعظم مكان ولا جلست عند الباب، نفسك طيبة وسمحة، متواضع فلا بأس.

كذلك لا يزاحم غيره فيؤذيه ولا يجلس وسط الحلقة وسط الناس ما أحد يجلس وسطها ولا أمام غيره إلا إذا صار ازدحام شديد فلا بأس؛ لأنه يضره، يحجب عنه الرؤية، ويحجب عنه النفس، ولا يستنكف أن يجلس في أخريات الناس، بل يقصد كسر النفس ومخالفة الشيطان لأن الواحد نفسة تحت المكان عندما يجلس عند الباب في طرف المجلس، هذا فيه كسر للنفس وتربيتها على التواضع، وهذه قضية مهمة جداً أن نربي أنفسنا على التواضع لله ويسلك سبيل أولياء الرحمان وقد عم الابتلاء في ذلك، عم الابتلاء في ماذا؟ في التنافس على صدور المجالس والرسول ﷺ قد قال في الحديث الحسن:  اتقوا هذه المذابح يعني المحاريب في صحيح الجامع رواه الطبراني عن ابن عمر مرفوعاً.  اتقوا هذه المذابح [رواه البيهقي في السنن الكبرى: 4304، والطبراني في الكبير: 14433، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 120].  يعني: المحاريب، والمحاريب جمع محراب والمحراب في وسط المسجد المقصود بالمحاريب أفضل الأمكنة في المجلس وسط المجلس بمعنى المكان المرتفع هذا اسمه المحاريب الرسول ﷺ يقول: اتقوا هذه المذابح هذه تذبح وتجعل مكان التواضع تكبراً وغروراً ، فالواحد يحاول دائماً أنه يتقي صدور المجالس يحاول قدر الإمكان لزم عليك، اجلس لكن أنت تهفو نفسك إلى أن تجلس بصدر المجلس، لا، عليك بتربية النفس على التواضع وكذلك يقول ﷺ:  لا يحل لرجل أن يفرّق بين اثنين إلا بإذنهما [رواه أبو داود: 4845، والترمذي: 2752، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته: 7656]. تريد أن تجلس بمكان فيه اثنان، ما يجوز تفرق بينهما إلا بإذنهما تسمحوا لي اجلس بينكم فإن سمحا عن طيب نفس فنعم، وإن شعرت أنهم أحرجوا أو ما قالوا بطيب نفس فلا تجلس ابحث لك عن مكان آخر.