الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أهل العزائم


عناصر المادة
مقدمة بين يدي الموضوع
العزم في القرآن
الحاجة للعزيمة
أسباب ضعف العزيمة
وسائل تقوية العزيمة
الصلة بالله
تذكر العهد مع الله
الاستفادة من أعدائنا
التطلع إلى الأعلى والزهد في الدنيا
استشعار الأجر
النظر في مخلوقات الله
مجاهدة النفس
سمو الأهداف والطموحات
النظر في سير أصحاب العزيمة
التوبة من الذنوب

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، الرحمة المهداة، البشير والنذير، والسراج المنير.

الحمد لله الذي هدانا للإسلام، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

أفلحت الوجوه إن شاء الله، وحياكم الله، أطاب الله الممشى، وغفر الذنوب، وجمع القلوب على الحق، إنه علام الغيوب.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله جميعًا وبركاته، وأحييكم في هذه الليلة، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وأن يجعل عملنا في سبيله، وأن يجعل سعينا مشكورًا وذنبنا مغفورًا، ونسأله عز وجل أن يديم المحبة فيه والجلوس فيه، إنه هو السميع العليم.

مقدمة بين يدي الموضوع

00:01:15

أيها الإخوة: يا من يشاهد ويسمع حديثي، إليكم عن موضوع يهمنا جميعًا، يحتاجه الذي يريد التوبة ليستطيع التغلب على العوائق، وهوى النفس والشيطان، ويحسن حاله، ويخرج من ذنوبه.

يحتاجه من تاب ليستقيم على الطريق، يحتاجه من أراد أن يطلب العلم؛ إنها مسألة العزيمة.

لماذا تفشل عزيمة بعض الناس؟ أو قضية تركهم للذنوب؟ يقولون: أردنا التوبة فلم نفلح، لماذا؟ لماذا فشلت بعض المشاريع الخيرية؟ ناس أرادوا القراءة، أرادوا أن يقرؤوا كتبًا فلم يقدر لهم ذلك، أرادوا أن يطلبوا علمًا فلم ينتجوا شيئًا يذكر، لماذا تجهض بعض المشاريع في منتصفها؟ لماذا عندما يقترب قطف الثمرة تفسد بعض الأعمال؟ لماذا يتمنى كثير من الناس أماني في ترك ذنوب، في مشروعات خيرية، في أمور دعوية، في أمور علمية، ثم بعد ذلك لا يواصلون الطريق، بل لا يبدؤونه أصلًا؟

إننا نتساءل، فعلًا هناك أماني كثيرة طيبة في نفوسنا، لكن ليس عندنا حماس للبدء شرارة البدء أو المواصلة، إنها قضية العزيمة هذه، لماذا لا توجد عندنا العزيمة على فعل الخير أو ترك الشر، أو مواصلة الخير الذي بدأناه، أو إكمال التوبة التي شرعنا فيها، لماذا؟

لماذا يخون الإنسان عزمه؟

ما هو العزم؟

عقد القلب على إمضاء الأمر.

العزم غاية في الأهمية.

العزم: القصد المؤكد والإرادة القوية  فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا  [طـه: 115].

العزم: عزم على الشيء أراد فعله وقطع عليه.

العزم: القوة والسرعة والإقدام.

العزم هو الجد.

العزم: أن تعقد قلبك أنك تريد أن تفعل الشيء.

وهذا من عزم الأمور، يعني من محكماتها التي عزم الله علينا أن نفعلها.

العزم في القرآن

00:04:14

العزم جاء في القرآن الكريم في عدة مواضع، وعندما يكون التكليف كبيرًا: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ ، ماذا توصف هذه الأشياء الصبر عليها والقيام بها؟ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لقمان: 17].

آذاك إنسان وصبرت عليه، وكظمت غيظك، ولم تنتقم لنفسك:  وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  [الشورى: 43].} [الشورى: 43].

عندما يجتمع علينا كيد الأعداء، ماذا نفعل؟ نصبر ونتقي،  وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ   [آل عمران: 186].

أعلى خمسة في الرسل: نوح، موسى، عيسى، إبراهيم الخليل، ورأسهم محمد ﷺ،  فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الأحقاف: 35] هؤلاء أولو العزيمة القوية.

أيها الإخوة: هذه العزيمة التي إذا فقدت صار الإنسان همة ساقطة، صار الإنسان أماني كاذبة، صار الإنسان غير صادق فيما يدعيه:  وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ  [التوبة: 54] ليس لهم قدم صحيح ولا همة في العمل، كما قال ابن كثير.

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ  [التوبة: 38].

التثاقل الميل لنعيم الأرض، علامة فقدان الهمة، قال القرطبي -رحمه الله-: عتاب على التقاعد، عن المبادرة إلى الخروج في قوله تعالى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْله يَتَمَطَّى [القيامة: 31-33]. ، قال ابن كثير: جذلان أشرًا بطرًا لا همة له ولا عمل: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث [الأعراف: 175-176] هذا الشخص أخلد إلى الأرض لم يعمل بما أنزل الله، فقد العزيمة ليس عنده عزم على الارتفاع.

أيها الإخوة: عندما يكون الإنسان سعيه في الدنيا يتبع هواه: مَّن كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِندَ اللّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ  [النساء: 134].

الحاجة للعزيمة

00:07:08

يا إخواني: إننا نحتاج حاجة ماسة إلى موضوع العزيمة هذا.

إننا نحتاج حاجة ماسة أن يكون عندنا قصد قوي، وهمة قوية، وإرادة قوية لفعل الخير وترك الشر.

لابد تكون عندنا عزيمة صحيحة.

لابد أن تكون هذه العزيمة، وهي إذا وجدت تتصاغر أمامها الأمور الكبيرة.

إذا ما طمحت إلى غاية لبست المنى ونسيت الحذر
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر

إذا ما صار عندنا عزيمة في الخير سنعيش تحت في الحفر، أخلد إلى الأرض واتبع هواه.

هذه العزيمة التي تشحذ نفوسنا للعمل.

ما الإرادة إلا كالسيف يصدؤه الإهمال، ويشحذه الضرب والنزال.

عندما تكون عندنا عزيمة قوية الله يعيننا، تنزل معونة الله على حسب عزيمتنا وإرادتنا القوية، إن المعونة تنزل على قدر المئونة، يعني ما بذلنا من المشقة ومن الجهد، قال ابن القيم: المعونة من الله تنزل على العباد على قدر همتهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم.

إذن، العزيمة دليل على متانة الدين، وعلامة اليقين، تلين الصعوبات، وتعين على المشاق.

العزيمة العزيمة.

العزيمة التي تجعل الإنسان يقوم لصلاة الفجر.

العزيمة التي من فقدها بال الشيطان في أذنه.

العزيمة كان يسألها النبي ﷺ.

القضية مهمة؛ لأن هذه سر من الأسرار التي من وصل إليها وأدركها ارتفع ارتفاعًا عظيمًا:  اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد حديث صحيح [رواه النسائي: 1304].

فسرها العلماء شراح الحديث: عقد القلب على إمضاء الأمر.

 اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، وأسألك عزيمة الرشد  هذه رواية أخرى [رواه الترمذي: 3407، وأحمد: 17133، وقال محققو المسند: "حسن بطرقه"]..

العزيمة إذن هذه التي كان النبي ﷺ يسألها ربه، سئل أبو بكر: متى توتر؟ قال: أول الليل، سئل عمر: متى توتر؟ قال: آخر الليل، قيل لأبي بكر: أخذت بالحزم، وقيل لعمر: أخذت بالعزم.

هذه العزيمة التي جعلته يستيقظ في آخر الليل.

يا إخوان: العزائم الأمور القوية الله يحبها كما يحب أن تؤتى رخصه أيضًا؛ كما جاء في الحديث: إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه [رواه الطبراني في الكبير: 11880، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1060].

إذن، الله يحب منا أن نأتي العزائم، الواجبات، الأمور القوية التي أرشدنا إليها، ودلنا عليها، وأوحى إليها، وأوحاها إلى نبيهﷺ.

لماذا كانت العزيمة مهمة؟

لأن المشاريع لا تنجح بدون عزيمة، النبي ﷺ كان يحرص على العزيمة جدًا لما جاءه الشباب، وأرادوا أن يخرجوا في غزوة أحد لملاقاة المشركين، والذين فاتهم بدر تندموا، وأرادوا التعويض في أحد، النبي ﷺ سمع لأناس آخرين قالوا: نمكث في المدينة، لكن كثر الكلام في الخروج لملاقاة المشركين، وهكذا المسلمون أصحاب تحد للكفار، النبي ﷺ أخذ برأي الذين يريدون الخروج لما رآهم عزموا على الأمر ولبس لأمته، بعض المتحمسين قالوا: لعلنا أكرهنا رسول الله ﷺ على أمر لا يريده، لو راجعناه، يا رسول الله لعلنا أكرهناك؟ لعلك تريد الجلوس في المدينة؟ لو كنت تريد التحصن بالمدينة نحن معك لا نخالفك؟ فالنبي ﷺ كان قد لبس درعه، فماذا قال؟ إنه ليس لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل [رواه أحمد: 14787، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].

لماذا؟

 فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159].

ألست عزمت على خير؟

استعديت للخير.

الآن تصدر الأوامر بإنهاء الاستعدادات التي قامت للخروج.

الآن بعد ما تعبأ الناس وتجهزوا واستعدوا تقول لهم: ارجعوا، بطلنا، ألغينا المشروع.

ما يصلح أبدًا، بعدما استعد الإنسان وتجهز، العزيمة موجودة: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [النمل: 79]،  فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159].

يا إخوان: والله العظيم إننا أوتينا من وهن عزائمنا، نقع في الذنوب لأن العزيمة وهنت من منع النفس من الوقوع، وهنت في التوبة، وهنت في الاستقامة، وهنت في الثبات، فقدنا أشياء من الخير، بدأنا في حفظ القرآن ووقفنا، بدأنا في القراءة في كتب ووقفنا، بدأنا في حضور حلق علمية وضعفنا، لماذا التراجعات؟

العزيمة خفت، العزيمة ضعفت، العزيمة نزلت، وهذا ما نريد تسليط الضوء عليه، وهن العزيمة؛ عيب فتاك.

أسباب ضعف العزيمة

00:13:16

الإنسان يبدأ في مشروع خيري، يبدأ في عمل بر، يبدأ في طاعة، ثم يضعف ويتراجع، لماذا؟ لماذا تخف جذوة الحماس؟ لماذا لا نواصل في الانطلاق؟ لماذا لا نحافظ على هذه العزيمة؟ ولماذا تضعف العزيمة أصلًا، لماذا؟ ما هي الأسباب؟

لا شك، ضعف الصلة بالله سبب.

صحبة المتقاعسين سبب.

كان العلماء يقولون: لو الواحد أصلًا همته طايحه خلقة لا فائدة من علاجه، لكن أن يكون عنده همة، ثم يضعف فارجه، يعني يمكن أن يعالج، فالآن يوجد بعض الناس عندهم عزائم، وعندهم إرادات جيدة، وعندهم همم عالية، لكن صاحبوا متقاعسين، يأخذونهم إلى أماكن ترفيه وتسلية، فضعفت همة طلب العلم، ضعفت همة العبادة.

إذن، صحبة المتقاعسين سيئة في قضية فل العزائم.

كذلك عندما يهول الباطل في نظرك تضعف عزيمتك، فيجب لا ترى الباطل شيئًا مذكورًا.

تستعد له نعم، لكن أن تخاف منه، لا، أن تجبن أمامه، لا، بعض الناس تنحل عزائمهم إذا رهب من قوة الكفار مثلًا، بعض الناس تضعف عزائمهم إذا رأى غلبة أهل الشر وقوة أهل الشر وكثرة أهل الشر، لماذا -يا أخي-؟ لماذا؟ أليس للخير جنود وأهل؟

والحمد لله، هؤلاء الشباب اليوم الذين جاؤوا في هذا المجمع نسأل الله أن يأخذ بأيديهم إلى طريق الحق والاستقامة، وأن ينزل عليهم بركات منه ورحمة ومغفرة، وأن يثبتنا جميعًا بالقول الثابت في الحياة الدنيا.

يا إخوان: قضية وهن العزيمة هذا سر الضعف، هذا سر الانهيار.

إن ضعف الصلة بالله، والتعلق به، وقلة ذكره، وقلة دعائه، وعدم تعظيمه، واللامبالاة في أمره، والتكاسل في عبادته، كل ذلك يحطم العزائم.

إن العيش في بيئة مليئة بضعاف الهمم، وجود الإنسان في جو مليء بالفتن موبوء يحل العزائم يضعفها.

إن الصحبة السيئة هذه تضعف العزيمة في الخير، ولذلك غير صحبتك يا أخي، اتصل علي واحد من الشباب قال: يا شيخ أنا وقعت في مصيبة، أنا الآن أنا عندي علاقات مع فتيات، أنا مريض، أنا واقع في منكرات وجرائم، ماذا أفعل؟

تصدق مع الله، وتتوب إلى الله، قلت له: ومن آيات صدقك أن تلغي رقم الجوال وتمسح جميع الأرقام، قال: وغير كذا يا شيخ، قلت: هذا الآن أنك تتخذ خدينات أنك تتخذ صاحبات، والله قال:  غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ  [المائدة: 5]، امسح الأرقام وغير الشريحة، الغ الشريحة هذه حتى لا يتصل عليك أحد، ولا تتصل على أحد، قال: هذه صعبة، هذه أخاف ما أقدر أسويها.

انظروا كيف الإنسان إذا جاء للمحك، إذا قيل له: دلل على صدقك، تريد التوبة، هو أصلًا لماذا اتصل؟ يبغى يتوب، يريد التوبة، أنا ما أظنه أنه صبر على الاتصال، والخط المشغول، وعدم الرد، وتابع إلا وهو يريد التوبة، لكن لما أتينا على مسألة محك في الموضوع، أنت الآن تريد التوبة أتلف أدوات المنكر، وأتلف أوعية المنكر، وكل ما يقودك للمنكر، أتلفه لو كنت صادقًا، قال: هذه صعبة، هذه صعبة، هاله الأمر.

ولابد أن يكون عند الإنسان عزيمة يتغلب بها على هذه الأشياء التي يهولها الشيطان، وهذه الصداقات المحرمة لابد أن تنتهي:  وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا  [الفرقان: 27-28].

روحه إذا طلعت، فالله -تعالى- يعذبها فينتظر قدوم روح صاحبه الذي أضله لكي يعذب معه ويذوق الذي ذاقه، ولذلك يعلن بعضهم بعضًا: أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا لِيَكُونَا مِنَ الْأَسْفَلِينَ  [فصلت: 29] من الإنس ومن الجن، وهكذا يتبرأ بعضهم من بعض: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ [البقرة: 166].

من أسباب ضعف العزيمة: ضعف التربية.

الإنسان إذا كان يأخذ نفسه بالتربية أولًا بأول، بالقرآن والسنة، بالعلم بالوسائل المختلفة، بالقصة، بالموعظة، بالحدث، عندما يتربى المسلم تقوى عزيمته، وإذا كان لم يترب فإن العزيمة ناقصة، عدم وجود قدوة، عدم وجود موجه في الخير.

إن الشاب يحتاج كما قال بعض السلف: إن من نعمة الله على الشاب أن يوفقه لصاحب سنة يحمله عليها، صاحب سنة اعتقاد صحيح وعمل صحيح منهج صحيح.

هذا مهم في العزيمة.

ثم من الناس من تضعف عزيمته بتساقط القدوة أو القدوات الذين كان يراهم، كالقائد إذا سقط في المعركة فإن الرعب يدب في قلوب الجنود، ولهذا فإننا رأينا بعض الشباب انحرفوا انتكسوا؛ لأنه كان له قدوة، كان هو الذي دعاه واهتدى على يديه، وتعلم منه، وتأثر به، ثم هذا الذي دعاه وتأثر به انتكس انحرف، فالشاب الذي اهتدى على يديه، أو تعلم منه، ربما تنهار عزيمته وينتكس وراء ذلك، وهذا يعود إلى خلل في التصور، وهو أن تدينه متعلق بشخص وليس بالدين نفسه، لو كان متعلق بالدين نفسه ما ضرنا انتكس فلان، فتر فلان، انهار فلان، مات فلان، كفر فلان وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد: 38] قال لي أحد الأشخاص يروى معاناة: أنا يا شيخ أول ما التزمت، أول ما اهتديت، أول ما تدينت، جاءني واحد قال لي: يا فلان، انتبه الطريق طويل، والمشوار صعب، والفتن كثيرة، والمغريات متعددة، وستجد من يفل عزيمتك، وستجد من يخذلك عن مواصلة طريق الهداية، وستجد عقبات وناس تستهزئ بك، إلى آخره، تحمل واصبر، واحتسب الأجر واثبت، قال: وثبتني الله بكلامه، كلامه ثبتني، واصلت مشوارًا في عالم الهداية والطاعة بسبب كلمات الرجل، قال: وغاب عني سنوات، ثم دخلت عليه في مكتبه عرفت أنه موجود، دخلت عليه فلما دخلت عليه صعقت وهالني المنظر، الشكل غير الشكل الأول، والهيئة غير الهيئة الأولى، والمنظر غير المنظر الأول، اللحية راحت، ونور الوجه انطفأ غير اللي أعرف، صعقت لأنني تذكرت كل المسلسل، تذكرت أنا لما اهتديت هذا جاءني وثبتني وقوى عزيمتي، وهذا الذي بسببه أنا رزقت قوة من الله، الآن هذا المصدر راح أمامي، قال: ولكن الله ثبتني، قلت له كلمتين فقط، قلت له لما نظر إلي وأنا دخلت عليه: أنت فلان، فقط أنت فلان، وأدرت ظهري، ومشيت، وقلت: لعل الرسالة قد وصلت، فيه كلام محذوف تقديره: أنت فلان الأول الذي ثبتني الله بسببه، أنت فلان الأول اللي نصحني وعلمني وآزرني وقواني، أنت فلان، شكلك تغير الآن، ومضمونك تغير، أنت غير، ما الذي حدث لك؟

أيها الإخوة أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [الملك: 22]، ما هو دليلنا؟ الكتاب والسنة وسلف الأمة ومن مات على الحق، لأن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.

ومن الشباب من تنحل عزيمته بسبب الابتعاد عن سير السلف وعزائمهم القوية، وهذا مصدر عظيم نأخذ منه شحنًا في الخير.

ومنهم من تنحل عزيمته لإغراقه في الاشتغال بالدنيا، تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم.

منهم ابتعاده عن القدوات الصالحة والوسط الطيب، يحل عزيمته طول الأمل وأنه سيعيش:  ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [الحجر: 3].

هناك أمور كثيرة تضعف الهمة.

وسائل تقوية العزيمة

00:24:54

لكن إذا أردنا أن ننظر في الأشياء التي تقوي الهمة ما هي؟ كيف نستنهض الهمم والعزائم؟ كيف نقوي العزائم؟ هذه العزيمة التي نتحدث عنها، كيف نقويها؟

الصلة بالله

00:25:09

الصلة بالله -يا عباد الله-، الصلة بالله -يا معشر المسلمين ذكورًا إناثًا صغارًا كبارًا-، لازم يكون فيه صلة بالله، من الله نستمد القوة، من الله نستمد العون، من الله نستمد العزيمة، والهمة ترفع، والإرادة في الخير تقوى، الله يثبتنا، نسأله الثبات، وملائكته التي ينزلها تعالى تقوينا في الخير،  فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ  [الأنفال: 12]، الله ينزل ملائكة لتثبيت المؤمنين، وأن نعلم أن ما عند الله خير وأبقى، وأن نؤثر ما عند الله على ما في هذه الدنيا الفانية.

تذكر العهد مع الله

00:25:56

مما يقوي العزيمة: أن تتذكر العهد الذي قطعته مع الله وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً  [الإسراء: 34] في رقبة كل واحد منا عهد مع الله أن يعبده، الله استخرج ذرية آدم من ظهره بنعمان جبل عند عرفات كما في الحديث الصحيح كأمثال الذر النمل  وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف: 172].

أيها الإخوة: هذا العهد في أعناقنا، والعهد تذكره مع الله يقوي العزيمة، ويشحذ الهمة.

الاستفادة من أعدائنا

00:26:38

ثم مما يقوي عزائمنا: أن نستفيد حتى من أعدائنا، ألا ترى أن الله قال عن الكفرة: وَانطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ  من المشركين، من الكفار  أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ [ص: 6] -سبحان الله -الكفار يصبرون ويصممون ويصرون، ويتمسكون بآلهتهم وهي باطلة.

ألست أنت يا أخي المسلم أحق بالاستمساك بالحق الذي معك، وأن تقوى عزيمتك في الخير، وفعل الخير؟ النبي ﷺ قويت عزيمته لما واجه الكفار، وقال بعض الخندق: الآن نغزوهم ولا يغزونا  [رواه البخاري: 4110] فيه نقطة تحول وكر بعد فر.

التطلع إلى الأعلى والزهد في الدنيا

00:27:37

أيها الإخوة: إننا نحن المسلمين أصحاب تطلع إلى الأعلى، أصحاب تطلع: قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض  [رواه مسلم: 1901] نحن لا ننظر إلى الدنيا الدنية، نحن ننظر إلى جنة عرضها السموات والأرض، وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرًا، ما هو؟ الجنة.

ونحن أناس لا توسط بيننا لنا الصدر دون العالمين أو القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر

إذن -أيها الإخوة- لابد أن نتوق إلى ما عند الله، حتى تقوى العزيمة، عمر بن عبد العزيز تاق إلى الإمارة فأخذها صار أميراً على المدينة، ثم شرفت نفسه للخلافة فصار خليفة على كل العالم، ثم لما نال الخلافة ما عاد باقي في الدنيا شيء أكثر من هذا، ولا سلطة أعلى من هذا، ولا منصب أكبر من هذا، فقال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: إن لي نفسًا تواقة ما نالت شيئًا إلا تاقت إلى ما هو أفضل منه، وإنها لما نالت هذه المنزلة، يعني الخلافة، تاقت إلى الآخرة، خلاص وصل للقمة، ماذا بعد ذلك؟ الجنة

إذا ما علا المرء رام العلى ويقنع بالدون من كان دونا.

استشعار الأجر

00:29:15

ومما يشحذ عزائمنا ويقويها: التفكر في الأجر، فكر في الحسنات، فكر في الأجر يعظم عندك الرغبة في الخير.

اتخذ لك قدوة، اتخذ لك قدوة تقوي عزيمتك، وكن أنت المعني بكل الأوامر وكل المتطلبات في الأمة.

ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر عنيت فلم أجبن ولم أتبلد

وعندما تنظر في القدوات من حولك تجد من الأموات كثيراً ومن الأحياء بركة، سئل بعض علمائنا: كيف كنتم تطلبون العلم؟ قال: كنا نجلس بعد الفجر نقرأ حتى تطلع الشمس، ثم نقرأ إلى الضحى، ثم إلى الظهر، ثم بعد العصر إلى المغرب، ومن المغرب للعشاء، ما ذكر شيئاً بين الظهر والعصر، فقال السائل: هذا طلب العلم، فمتى كنتم تحفظون المتون؟ قال: عند الظهر وبعد العشاء.

عنيت فلم أجبن ولم أتبلد إذا جمعتنا يا صديق المجامع

إذن، لا بد أن يكون عندنا رغبة في الخير واقتداء بأهل الخير لكي تقوى العزائم.

قابلت شيخًا زرته في بيته، مؤلف مجلدات كثيرة جدًا، وألف في التفسير عشرات المجلدات وشرح صحيح مسلم وشرح ابن ماجه وشرح النسائي وشرح..

لما دخلت في بيته ماذا عنده من حطام الدنيا؟

عنده بساط، وعنده فراش لا يتجاوز سمكه خمسة سنتي، يقضي على هذا الفراش وقته في التأليف.

كيف يؤلف؟

رأيته جالسًا منكبًا ثاني الركب، بطنه ملتصق بفخذيه، ثان ركبتيه، يكتب، يكاد وجهه أن يمس الكراس، قلت له: أنت كم تنام؟

قال: أنام ساعتين في الليل وساعتين بعد الظهر، والباقي عبادة، وتأليف كتب، عبادة وكتابة العلم هذا هو.

هذه العزيمة ألا تجعلنا من يرى هذا المنظر ويسمع هذا الخبر أن يتأثر؟ كل الوقت عشرون ساعة، الرجل يعمل وعمره فوق السبعين.

ونحن الشباب نوم، مطاعم، وجبات سريعة، مقاهي، إنترنت، استراحات، تمشيات، لم؟ ما هذا؟ أين تضيع أوقاتنا؟ وماذا نعمل في حياتنا أيها الإخوة؟ اسأل نفسك بالله ما هي إنجازاتك؟ كل واحد يسأل نفسه ما هي إنجازاتي؟ ماذا أنجزت؟ ما هي المشاريع التي عملتها؟

إذا ما في إنجازات، لابد أن تعمل لك إنجازات.

يا أخي: أنت سترحل عن الدنيا، لابد أن تعمل إنجازات قبل الرحيل، اترك أثرًا قبل الرحيل، وتزود من هذه الدنيا للآخرة.

ثم -يا أخي- احذر من التردد والتلكؤ والتباطؤ، إذا سنحت لك فرصة خير لا تؤجل، اسمع مني نصيحة، نصيحة مشفق معوان: إذا سنحت لك فرصة في الخير لا تتردد، ما دام تأكدت أنها خير لا تتردد أبدًا، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ  [المؤمنون: 61]  فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ [آل عمران: 159].

يا أخي:

إذا جمعتنا يا صديق المجامع إذا جمعتنا يا صديق المجامع

لابد أن يكون عندنا صبر لكي نشحذ العزم به وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ [آل عمران: 186].

النظر في مخلوقات الله

00:34:06

ولتنظر إلى مخلوقات الله، واشحذ عزيمتك، النمل إذا أراد أن يصعد على جدار كم مرة يحاول؟ واحد من الباحثين أراد أن يعرف ما هي حيلة النمل في الأشياء، ودائمًا يأتي على العسل والأشياء التي فيها هذا الغذاء فأخذ إناء من عسل وضعه في إناء كبير من ماء، وضعه في وسط الغرفة على شيء مرتفع، تخيل إناء عسل صغير في إناء ماء كبير، طست مرتفع عن الأرض، ثم جاء ووجد النمل في وسط العسل، كيف كيف؟ النمل يبحث عن السبل بعزيمة وإصرار وجلد وقوة، وجد النمل قد تسلق الجدار وكم مرة حاول التسلق، لأن النملة تصعد ثم تسقط، حتى وصل إلى السقف ومشت النمل على السقف بالمقلوب، وعندما حاذى النمل الإناء ترك نفسه ليسقط عليه من أعلى إلى أسفل.

إذا كان النمل عنده هذا الجلد وهذا الجد نحن نتعلم دروس، تيمورلنك الكافر، تيمورلنك هذا كان أصلًا إنساناً محارباً، عنده مجموعة من الجنود يقودهم، لكنه هزم، هام على وجهه مكسورًا حزينًا، حتى أتى مغارة فدخلها، فرأى في المغارة نملة، لفت نظره، تحاول الصعود صعود حجر أملس، وكلما صعدت سقطت، كلما صعدت سقطت، تفعل ذلك مرارًا، فأخذ يراقبها حتى عد سبع عشرة مرة، محاولات النملة هذه سبع عشرة مرة، تعجب، وقال: أنا هزمت من أول مرة ويئست، والنملة لم تيأس من قرابة عشرين مرة فرجع، وجمع جنوده وعاهد قومه على الحرب وحاربوا وانتصروا، وبعد ذلك اكتسحوا وحصل ما حصل بسببهم من الخراب والدمار على العالم، لكن الشاهد ما هو؟

هذا الكافر أخذ درسًا من نملة، عزيمة وإصرار وجهد وجهاد ومحاولات متكررة حتى ننجح.

مجاهدة النفس

00:37:05

الآن لو تقول لواحد: لماذا ما تبطل الدخان؟

قال: بطلت كثيراً كثيراً، يعني أيش؟ إنسان عزيمته تفتر، قال: اليوم سأقلع، ثاني يوم دخن، اليوم سأقلع، ثاني يوم دخن، والمخدرات نفس العملية، المخدرات التغلب على الآفة يحتاج إلى عزيمة، يقولون: إذا ما دخن يصاب بالغثيان وصداع الرأس، وإذا ما أخذ المخدرات يكاد يصل للموت، نقول: نعم هذا صحيح، لا ننكره، لكن لابد يكون عندك عزيمة للتغلب على هذا الشر لترك هذا الشر، لابد أن يكون عندك جد وجهاد:  وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69].

سمو الأهداف والطموحات

00:38:09

ثم -يا إخوان- لابد يكون عندنا أهداف سامية، أشياء عالية، طموحات كبيرة، وتكون عزائمنا متجهة لتحقيق هذه الأهداف، وهذه الطموحات.

إذا جمعتنا يا صديق المجامع فلا تقنع بما دون النجوم

وقال الشاعر:

وما للمرء خير في حياة إذا ما عد من سقط المتاع

إذا كان الواحد ليس له في هذه الحياة أهداف عالية سامية إذًا لماذا يعيش؟

إذا صار جانبيًا هامشيًا ما عنده أهداف يسعى إليها ولا عنده طموحات يحققها من خيري الدنيا والآخرة، لكن إذا صار عنده عزيمة، له همم لا منتهى لكبارها، وهمته الصغرى أجل من الدهر، عندما يريد الإنسان أن يسلك السبيل الصحيح كما قال ابن القيم: يحتاج إلى قوة علمية وقوة عملية في "طريق الهجرتين" قال: كل سائر إلى مقصد لا يتم سيره ولا يصل إلى مقصوده إلا بقوتين الأولى: قوة علمية، والثانية: قوة عملية.

وضرب مثلًا بالصلاة قال: القوة العلمية، لابد أن تعلم قبل الصلاة كيف تصلي؟ ما هو الواجب؟ ما هو الفرض؟ ما هي السنة والمستحب؟ وكيف صلى النبي ﷺ؟ قال: القوة العلمية تسبق مجيئك بالعمل وهي باعثة إليه ودالة عليه.

أما القوة العملية فتتمثل في انحناء جسدك في ركوع وسجود، وفي قول لسانك وفعله من تسبيحات وتهليلات وأذكار، وغير ذلك.

وكذلك ذكر ابن رجب -رحمه الله- كلامًا نفيسًا في هذا الموضوع، النفس تحتاج إلى محاربة ومجاهدة ومعاداة، فإن أعدى عدو لابن آدم نفسه التي بين جنبيه من قهرها عز بذلك؛ لأنه انتصر على أشد أعدائه.

هكذا تكون الهمة العالية والعزيمة القوية، لابد أن يكون لك -يا أخي المسلم- عزمان: شرارة توقد البداية، وعزم ثان لتستمر إلى النهاية، العزم عزمان كما قال ابن رجب في حديث شداد بن أوس: أحدهما: عزم مريد الخير في البدايات. والثاني: عزم الاستمرار في الطاعات إلى النهايات، عزمة بداية، وعزمة نهاية، احفظ الكلام، احفظ كلام ابن رجب حفظًا وضعه بين ناظريك، تحتاج عزمتان: عزمة بداية، وعزمة استمرار إلى النهاية.

الأولى في البدايات كي تبدأ الثانية، لكي تستمر حتى تنتهي.

وهكذا لو كان عندنا هذا العزم لو كانت عندنا هذه الأمور لما صعب علينا شيء؛ كما قال الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
على قدر أهل العزم تأتي العزائم .....................

على قدرك على شرف نفسك تكون عزيمتك.

........................ وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها .......................................

الإنسان إذا كان نفسه صغيرة عزيمته ضعيفة، لو رأى عقبة بسيطة صارت كالجبل عنده مثل الجبل، ولو كان صاحب عزيمة قوية لو رأى عقبة عظيمة سيراها صغيرة.

من هو قائل هذه الأبيات؟

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

تصغر، لكن الصغير تعظم في عين الصغير صغارها تعظم، وتصغر في عين العظيم العظائم.

العظائم تصغر في عين العظيم، تصبح أشياء بسيطة يمكن التغلب عليها، ولم لا؟

من القائل؟

المتنبي.

لكن المتنبي، له شعر جيد نفيس وفيه حكمة، وإن كان عليه ملاحظات طبعًا في العقيدة، لكن نحن سنأخذ الحكمة حتى لو من الشيطان، أبو هريرة تعلم من الشيطان آية الكرسي قبل النوم.

وقال الشاعر:

إن الفتوح على قدر الملوك إن الفتوح على قدر الملوك

ممكن واحد يفتح مدينة صغيرة، قرية، ممكن واحد يفتح مدينة كبيرة، ممكن واحد يفتح إقليمًا، قال:

إن الفتوح على قدر الملوك وهمات الولاة وإقدام المقاديم

النظر في سير أصحاب العزيمة

00:44:12

على حسب عزيمتك -يا أخي- على حسب الهمة يكون تحقيق الإنجاز، كونوا أصحاب أهداف كبيرة وتطلعات كبيرة وعزائم كبيرة وهمم، وستنجحون بإذن الله.

عمرو بن سلمة بدأ صغيرًا، سبع سنين أو أقل، كان يجمع القرآن من المسافرين المارين فصار إمام قومه.

ابن عباس بدأ يطلب العلم جاء له واحد قال: تظن نفسك من؟ أنت صغير، الناس سيتركون كبار الصحابة ويسألونك أنت يا ابن عباس، لكن ابن عباس -رضي الله عنهما- ما اكترث بهذا التخذيل، إنسان عنده هدف، عنده هدف أن يتعلم دين الله، واستمر في طلب العلم، مات الصحابة الكبار، تلفت الناس إلى من ورث علمهم، فإذا ابن عباس على رأس القائمة، فصار ابن عباس رأس الناس، رأس الناس في التفسير والفقه والحديث، مجالس عامرة، مفتي الحج، ما هو مهم أيش يكون شكله، وأيش يكون نسبه، هذا عطاء مفتي الحج، مفتي مكة، الخليفة يأتي إليه يستفتيه، أيش هو؟ أسود، أعرج، أفطس، رأسه داخل في جسده، ما في رقبة، ذقنه ملتصقة بصدره، مرت به عجوز وهو يقول: اللهم أعتق رقبتي من النار، قالت: وأي رقبة لك يا بني؟ هذا الإنسان أمه دفعته لطلب العلم لما رأت ولدها هكذا ما يرفعه إلا العلم، وطلب العلم وصار عالماً، وصار سليمان بن عبد الملك يدخل عليه المسجد هو وولداه لا يلتفت عطاء ويصلي ويطول ويخلص الصلاة، ولا يلتفت، وسليمان قائم ينتظر حتى تحين فرصة يسأل عطاء، يسأله عن سؤال في الحج، ثم انصرف سليمان فقال لولديه بعدما خرج: يا بني اطلبوا العلم فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود.

لكن هذا العبد الأسود بالعزيمة صار شيئًا كبيرًا.

وهكذا نحن إذا نظرنا إلى سلفنا تشحذ هممنا وعزائمنا، كان عندهم همم في العبادة، وهمم في العلم، الربيع بن خثيم قالت له بنته: مالي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام؟ قال: إن أباك يخاف عذاب البيات.

قال أبو مسلم الخولاني -وهو يجاهد في العبادة والعلم، من كبار أولياء الله أبو مسلم-: أيظن أصحاب محمد ﷺ أن يستأثروا به دوننا؟

أيها الإخوة: أريد أن نتعمق قليلًا في كلمات أبي مسلم -رحمه الله-: أيظن أصحاب محمد ﷺ أن يستأثروا به دوننا؟ كلا والله لنزاحمهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالًا.

انظروا إلى الكلمات "والله لنزاحمهم عليه" هو جاء بعد النبي ﷺ يعني على حديثه، على إرثه الذي خلفه، وإن الأنبياء لم يخلفوا دينارًا ولا درهمًا، وإنما ورثوا العلم، قال: "والله لنزاحمهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالًا".

هكذا سعيد بن المسيب لا تفوته تكبيرة الإحرام خمسين سنة.

يا أيها الإخوة يا أيها الشباب: من هو راهب قريش؟

الذي ظل يعبد حتى قيل: راهب قريش، من يعرف من هو راهب قريش؟

سعيد بن المسيب إمام التابعين المذكور قصته آنفًا هو الذي لقب بهذا اللقب.

عندما يقوم الفاتح -أحد قادة بني أمية- يفتح البلاد وبلد وراء بلد حتى يصل إلى أقصى المغرب يخوض بجواده بحر الظلمات، ما هو بحر الظلمات؟ المحيط الأطلسي، بعد أن خاض بجواده قال: اللهم رب محمد، لولا هذا البحر لفتحت الدنيا، لو أعلم أن وراء هذا البحر قومًا لخضته إليهم، لكن ما يعرف، من هو هذا الإنسان؟ من هو صاحب العزيمة هذا؟

عقبة بن نافع.

أيها الإخوة: ما معنى أن قتيبة الباهلي يريد أن يطأ تراب الصين؟ ما هي العزيمة الموجودة في نفس هذا الرجل التي أدت إلى أن يصل إلى هذا المستوى؟ عندما يرسل ملك الروم إلى هارون الرشيد: من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب: أما بعد: فإن الملكة التي كانت قبلي وذكر ضعفها حملت إليك من أموالها ما كنت حقيقًا بحمل أمثاله إليها، يريد أن يذله بالكلام، وذلك من ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي هذا فاردد إلي ما حملته إليك من الأموال وافتد نفسك به، وإلا فالسيف بيننا وبينك، فلما قرأ هارون الرشيد كتابه أخذه الغضب الشديد، حتى لم يعد أحد يستطيع أن ينظر إليه من أهل المجلس، ولا أن يخاطبه، وأشفق عليه جلساؤه من الغضب، عيناه تقدح شررًا، ثم استدعى بدواة وكتب على ظهر الكتاب قلب الرسالة كتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا ابن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه، والسلام..

هل كان تهديدًا أجوف؟ هل كان كلامًا في الهواء؟

هذا صاحب عزيمة، نزل باب هرقلة ففتحها وأخذ بنت ملكها، وغنم من الأموال شيئًا كثيرًا، ورجع إلى بلده.

وعندما يسمع المعتصم عن الإهانة التي وجهت لأهل ملطية من المسلمين، وما حصل لهم من الأذى، وأسر النساء التي استغاثت إحداهن فقالت: وامعتصماه، وما حصل من القتل والتمثيل بالمسلمين صرخ في قصره بالنفير ونهض من فوره، وعبأ الجيوش واستدعى القاضي والشهود، وأشهدهم أن ما يملكه ثلثه صدقة، وثلثه لأولاده، وثلثه لمواليه، وقال لمن معه: أي بلاد الروم أمنع؟ أصعب بلد ما هي؟ أكثرها تحصينًا ما هو؟ لأن الذي عنده عزيمة، وعنده عزيمة قوية ما يذهب إلى أسهل مكان، أصعب مكان ما هو؟ قالوا: عمورية، ما أحد تعرض لها من أول الإسلام أشرف عند الروم من القسطنطينية، فسار إليها بجحافله وحاصرها ونصب المجانيق حتى فتحها، وعمل هذا الإنجاز الكبير.

المسلمون أصحاب عزائم، أصحاب عزائم في العلم، راحوا في طلب العلم وسافروا، وأكلوا الميتة أحيانًا، وبعضهم مات في الطريق في طلب الحديث، أصحاب همم، يجمعوا أحاديث النبي ﷺ، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي يقول عن أبيه: ربما كان يأكل وأقرأ عليه، ويمشي وأقرأ عليه، ويدخل المغتسل وأقرأ عليه، ويدخل بيته في طلب الشيء وأقرأ عليه، ما هو ثمرة هذا؟

كتاب "الجرج والتعديل" في تسع مجلدات مطبوع.

كتاب التفسير في عدة مجلدات.

مسند كبير، هذا ثمرة العزيمة هذه من الابن والأب.

ابن سيار الأسواري عجب من العجب، فصيح بالعربي وبالفارسي، يجلس في مجلس الوعظ عنده، العرب عن يمينه، والفرس عن شماله، يقرأ الآية من كتاب الله، ويفسرها للعرب بالعربية، ويفسرها للفرس بالفارسية، فلا يدري العالم باللغتين بأيهما كان أبين، ونحن نقطع أنه بالعربية.

وكيع بن الجراح والإمام أحمد يتذاكران حديثاً من العشاء إلى آخر الليل.

البخاري -رحمه الله- ينتقي لنا هذا الكتاب من مئات الآلاف من الأحاديث، يعني ممكن في الليلة الواحدة يشعل السراج ويطفئه نحوًا من عشرين مرة.

الخليل بن أحمد، لو اختير عبقريان من علماء الإسلام لكان أحدهما الخليل بن أحمد، هذا الذي نزل بوادي الأعراب يجمع لغة العرب، وموارد اللغة، وألف أول معجم عرفته العربية، وقابله بكلام الفصحاء ليخرج إلينا بخطة تحتوي على أكثر من اثنا عشر مليون وثلاثمائة وخمس آلاف كلمة عربية، بعضها مستعمل، وبعضها مهمل، وهكذا أتى بالجذور وقلبها ثلاثة حروف، كم كلمة تعطيك، ثبت الأول وغير الثاني والثالث وثبت الأول والثاني وغير الثالث وثبت الثاني والثالث وغير الأول وثبت الأول والثالث وغير الثاني وثبت الثاني ... شيء ابتكار، وأخرج المهمل، وأخرج المعمول به.

وهكذا كانوا جميعًا هكذا، كانوا أصحاب همم وعزائم.

لم تكن القضية فقط في مسألة علوم الشريعة، فقد سبق المسلمون الكفار في عدد من المواضع، قال كوندي المؤرخ الأسباني: أول من استعمل البارود هم العرب عام تسعمائة وستة ميلادي، وهم الذين نقلوه إلى الأندلس وأخذه عنهم الإفرنج.

المسلمون أول من اخترعوا مطبعة في عهد الناصر في الأندلس، وسبقوا جنتنبرك الألماني ببضعة قرون، واخترعوا الحروف البارزة، لأن علي بن يوسف بن الخضر الشهير بزين الدين الآمدي لما أصيب بالعمى وضع ورقة فيها حروف بارزة في كل كتاب اشتراه للاهتداء إلى اسمه، فسبق برايل الفرنسي، في لغة برايل التي ينسبونها إليهم.

ابتكر ابن يونس المصري رقاص الساعة قبل جاليليو بستة قرون، والساعة الدقاقة ابتكرت عند المسلمين فأهداها هارون الرشيد إلى شارلمان ملك فرنسا.

المدفع الهاون اختراع عثماني عرفه العالم لأول مرة في حصار العثمانيين للقسطنطينية، كان مدفعًا ضخمًا تسمع طلقاته من مسافة خمسة وعشرين ميلًا، وقذيفته من الحجر والبارود، زنة القذيفة الواحدة ألف وخمسمائة كيلو غرام، تصل إلى مسافة ميل، وعندما كان المدفع ينقل من أدرنة إلى القسطنطينية ليستقر أمام أسوارها كان لزامًا على العثمانيين توسعة طريق أدرنة القسطنطينية، وقام بهذه العملية خمسون مهندسًا ومائتا عامل، وجر المدفع ستون بقرة، يسند المدفع على جانبيه أربعمائة رجل قوي.

أصحاب عزائم، أصحاب اختراعات، أصحاب ابتكارات، مشوا في طلب العلم، ورحلوا حتى قال الواحد منهم: مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ثم تركت العد، خرجت من البحرين إلى مصر ماشيًا ثم إلى الرملة ماشيًا ثم إلى طرسوس ماشيًا، ولي عشرون سنة، عمره عشرون سنة.

سأضرب في طول البلاد وعرضها لأطلب علمًا أو أموت غريبًا
فإن تلفت نفس فلله درها وإن سلمت كان الرجوع قريبًا

أيها الإخوة: مع المحبرة إلى المقبرة، وسئل بعض السلف: بم أدركت العلم؟ قال: بالمصباح والجلوس إلى الصباح.

هذه نماذج من أصحاب العزائم لعلنا نقتدي بهم، لعلنا نسير على منوالهم، لعلنا نقفو آثارهم، لعل هذا يبعث في نفوسنا التطلع، ويشحذ هممنا للعمل، ويقوي عزائمنا لمواصلة الطريق.

التوبة من الذنوب

00:59:01

يا أخي المسلم: إذا كنت مذنبًا فاعزم وتب إلى الله، ولتكن عزيمتك مواصلة التوبة.

يا أخي: إذا كنت مقصرًا فاعزم وتلافى التقصير، وكمل نقصك.

يا أخي: إذا تدينت بقي أن تواصل مشوار العبادة وطلب العلم فاعزم  فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ  [آل عمران: 159].

 سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ  [الصافات: 180- 181] وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.