الأحد 23 جمادى الأولى 1446 هـ :: 24 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

الاضطراب والحيرة في الفتاوى والمناهج


عناصر المادة
الخطبة الأولى
أسباب الاضطراب والتغيير
أنواع التغيير وأمثلة على الاضطراب
الخطبة الثانية
التغيير المقبول ونماذج على ذلك

الخطبة الأولى

00:00:04

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد ..

أسباب الاضطراب والتغيير

00:00:27

فإن الله  أمرنا بالأخذ بكتابه وسنة نبيه ﷺ وبالثبات على ذلك، وأمرنا بالرجوع إلى هذين الوحيين، وإلى أهل العلم الذين يبينونها، وأمرنا عند التنازع أن نرجع إلى طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ، وحثنا على الثبات على الوحي إلى الممات، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُالحجر:99.  

والعبادة هي كل ما يرضاه الله تعالى من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، يتعبد المؤمن ربه بهذا الوحي، ويثبت عليه حتى يموت، هذا الوحي صالح لكل زمانٍ ومكان، يساير حاجات الناس المتجددة، على امتداد الزمان واتساع المكان وتطور وسائل الحياة، وهذه الفتوى التي تؤخذ عن صاحب الدين، وصاحب العلم وأهل الذكر أمانة، إن هذا دين فانظروا عن من تأخذون دينكم، وصاحب العلم يبينه للناس ولا يكتمه، سواء أعجبهم ذلك أو لم يعجبهم، لأنه يلتمس رضا الله ولو سخط الناس، وإذا تبين له الحق في أمرٍ آخر انتقل إليه، وقد قال عمر لأبي موسى لما ولاه قضاء اليمن: وَلاَ يَمْنَعْكَ مِنْ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ الْيَوْمَ فَرَاجَعْتَ فِيهِ لِرَأْيِكَ وَهُدِيتَ فِيهِ لِرَشَدِكَ أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ ؛ لأَنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ لاَ يُبْطِلُ الْحَقَّ شَيءٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنَ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ.سنن البيهقي (2/180).

فهذا هو التغيير المحمود إذا تبين الحق  أن يرجع إليه الإنسان، ومن أسباب العودة إليه تبين دليل لم يكن يعلمه الإنسان من قبل، واطلاع الإمام على حديثٍ من أحاديث النبي ﷺ لم يكن وقف عليه من قبل، أو تأكده من صحة حديثٍ لم يكن صح عنده من قبل، ونحو ذلك من الأسباب، وهذا  كان من أسباب رجوع الأئمة عن بعض أقوالهم فيما مضى، فإذا جئنا إلى زماننا، وقد مضت ثلة من  علمائنا، رأينا الفوضى ضاربة أطنابها في التغييرات، والرجوع والتبديلات، متقلبين متذبذبين، فإذا تبصرنا في أسباب ذلك رأينا الأهواء من كل جانب، فهذا يغير قوله خوفاً وطمعا، رغباً ورهبا، وقد قال الله  عن أقوامٍ: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ  ۝ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ النحل: 107- 108

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

أخبرنا النبي ﷺ عن قومٍ يغيرون ويبدلون، ولأجل المال ينتقلون، فقال ﷺ: بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ : يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا. مسلم (164).

هكذا كانت التنقلات إذاً، والتبديلات لأجل الأموال، تراجعات طمعاً في الدنيا، وكان الأعشى شيخاً كبيراً شاعراً.. خرج من اليمامة.. من نجد.. يريد الإسلام ومبايعة النبي ﷺ،  يقطع الفيافي والقفار.. فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فأخبرهم أنه يريد لقاء رسول الله ﷺ  ليسلم .. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر .. أن يقوى جنب النبي ﷺ.. فقالوا له: يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك ..

قال: بل دينه خير وأقوم ..

قالوا: يا أعشى .. إنه يحرم الزنا .. قال : أنا شيخ كبير .. وما لي في النساء حاجة ..

فقالوا: إنه يحرم الخمر ..

فقال: إنها مذهبة للعقل .. مذلة للرجل .. ولا حاجة لي بها ..

 فلما رأوا أنه عازم على الإسلام قالوا : نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك.

قال: أما المال.. فنعم.. فجمعوها له فارتد على عقبيه وكّر راجعا.

واستاق إبله، فلما كاد أن يبلغ دياره سقط من ناقته فانكسرت رقبته فمات.

ومن الناس من يغريهم المنصب والجاه، الذي يفسد الدين أعظم من إفساد قطيع من الذئاب الجائعة أرسلت في زريبة من الغنم، وكان أحدهم على مذهب الإمام مالك في الفقه والنبل، ثم تحول إلى مذهب الباطنية لأجل الرئاسة، وولي القضاء للمعز العبيدي، ودولة العبيدية معروفة من دول الباطنية الضُلال الكفرة، فلما أغري بالمنصب، تبع دينهم، وصنف لهم تصانيف على مذهبهم، تدل على أنه نافق.

قال ابن حجر رحمه الله في ترجمة هذا الرجل الذي يقال له النعمان بن محمد بن منصور: "في تصانيفه ما يدل على انحلاله".

جاء إليه مغربي وقال قد عزمت على الدخول في مذهب هؤلاء العبيديين، فقال: ما حملك على هذا؟ قال: الذي حملك أنت، فقال: نحن أَدْخَلََنَا في هواهم حلواهم، فأنت لماذا تفعل؟ لسان الميزان، والوافي في الوفيات.

وكذلك تنقل بعضهم في المذاهب ربما كان يريد به نصيباً من الأوقاف، كما قيل في الوجيه بن الدهان النحوي، كان حنبلياً، ثم انتقل إلى مذهب أبي حنيفة، ثم شغر منصب تدريس النحو بالمدرسة النظامية، وشرط الواقف أن يكون المدرس شافعياً، فانتقل إلى المذهب الشافعي ليتولى التدريس، وليدخل في راتب الأوقاف في هذا الشأن، ولذلك قال فيه مؤيد الديني أبو البركات:

من مُبْلِغٌ عني الوجيهَ رسالةً وإن كان لا تجدي إليه الرسائلُ
تمذهبتَ للنعمان بعد ابن حنبل وذلك لما أعوزتكَ المآكلُ
وما اخترتَ قولَ الشافعيِّ تديناً ولكنما تهوى الذي منه حاصلُ
وعما قليلٍ أنتَ لا شكَّ صائرٌ إلى مالكٍ فأفطنْ لِمَا أنا قائلُ

وهكذا حصل لبعضهم من التنقل في المذاهب لأجل المناصب، وقد يكون كبير القضاة على مذهب فيغير لأجله وهكذا.

وبعضهم إذا تغيرت به البيئات افتتن بانتقاله إلى بيئة جديدة أو بلد جديد، رأى فيه ما حّير لبه وأطاش عقله، وكان رفاعة رافع الطهطاوي حافظاً للقرآن الكريم، قارئاً للفقه والنحو، حافظاً للمتون على أيدي المشايخ، ألتحق بالأزهر وهو في السادس عشره لكنه لما سافر عام 1826م إلى فرنسا ضمن بعثة طلابية أرسلها محمد علي واختير إماماً لها، عاد بعد خمس سنين وقد ألف كتاب (تَخْلِيصُ الإِبْرِيزِ فيِ تَلْخِيصِ بَارِيز). فترجم متون الفلسفة والتاريخ الغربي والعلم الأوروبي والآثار المصرية القديمة، وذهب في متاهات الدنيا، وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى

فصارت قضية النساء المتبرجات وما عليه القوم من التقدم والتمدن بزعمه قد غيّر مذهبه، وطريقته وكلامه، وهكذا يزعم بعضهم إذا انتقل إلى البيئات والتي يقولون عنها منفتحة فإذا به يغّير كلامه ويغير آرائه ويغير قناعاته.

من الناس يغير قناعاته ولو كانت فقهية، فينتقل من أن هذا واجب إلى أنه مستحب، ومن أن هذا محرم إلى أنه مكروه أو مباح طلباً لإرضاء الناس ومحافظة على الجماهيرية، ومن الناس يغير قناعاته ولو كانت فقهية، فينتقل من أن هذا واجب إلى أنه مستحب، ومن أن هذا محرم إلى أنه مكروه أو مباح طلباً لإرضاء الناس ومحافظة على الجماهيرية، ولئلا ينفروا من حوله،

ولأن هذا ما يطلبه المشاهدون، كي يرضوا عنه، بزعمه يظن بأنهم سيؤيدونه على هذا، فإذا بدأ المدح وخصوصاً من بعض المنافقين ومن أهل العلمنة الذي يحسنون استدراج مثل هؤلاء الذين كانوا يوماً ما على طريق هداية وعلى ساحل حق وعلى مذهب سنةٍ ودينٍ، وعلى دليلٍ، فسحبوهم بخبثهم ومؤامرتهم، وبمدحهم ونفاقهم، فصاروا يستدرجونه من هاوية إلى هاوية، ومن وادٍ إلى وادٍ حتى تغير الرجل وصار ليس بالذي كنت تعرف.

والمشكلة أن بعض هذه الانتقالات خطيرة، فربما أفتى باستحباب الحجاب، وإباحة الربا ونحو ذلك، وقد  يكون التغيير على مستوى أقل من ذلك، فيفتي بجواز الغناء وهذه الأفلام على اختلافها ونحو ذلك، وبعضهم يغير إلى إباحة الموالد والأضرحة والاحتفال بالموالد، ونحو ذلك لماذا؟ أين كنت من قبل ؟ ولماذا كنت تقول بأن تلك حرام وهذه بدعة، ثم صارت المسألة عندك مباحة ؟ هل اطلعت على دليلٍ شرعيٍ جديد، هل اتضح لك حديث لم تكن صحته عندك من قبل؟ وهل وهل..  من تلك الأسباب التي كانت تؤدي إلى تغيير بعض العلماء الكبار لآرائهم، أما أن القضية في الحقيقة خدعة علمانية ومدح من أهل النفاق، واستدراج من أهل تلك الصنعة التي يحسنون فيها تغيير بعض الرموز وبعض بمن يسمى بالدعاة وخصوصاً دعاة الفضائيات.

أنواع التغيير وأمثلة على الاضطراب

00:12:29

عباد الله: أن التغيير يمكن أن يكون من الأسهل إلى الأصعب، كما أنه يمكن أن يكون من الأصعب إلى الأسهل، يمكن أن ينتقل العالم من الأثقل إلى الأخف، ويمكن أن ينتقل في مسألة أخرى من الأخف إلى الأثقل، فإذا رأيت إنساناً دائماً ينتقل ويغير آرائه دائماً من الأثقل إلى الأخف، فشك في أمره، لأن دين الله قائم على إخراج المكلف من هواه حتى يكون عبداً لله، وليس مطاوعة الإنسان في هواه، مسايرة الناس في أهوائهم وتقديم التيسير المزعوم لهم، وتسهيل الأحكام بزعم أنهم لا يتحملون تلك الأقوال، إذا كانت هذه الأقوال هي دين الله، أفيغّير دين لله من أجل أهواء الناس، من أجل زيد وعبيد، ليرضى عنه فلان وفلان، ولذلك نحن في زمن نستحق فعلاًَ أن نلجئ إلى الله تعالى بسؤال الثبات، ونقول يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِإبراهيم: من الآية27.

والمصيبة عندما يكون الإنسان منافحاً على التوحيد لا يرضى بالشرك، منافحاً عن السنة لا يرضى بالبدعة، فإذا هو يهادن المذاهب الشركية ويقرّ بالطرق الخرافية، ويلين ويداهن تلك السبل البدعية، فيسقط من سبيل الحق ويسقط بعد ذلك من أعين الناس لأن النبي ﷺ قال : مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ

فعاقبة أمره بعد أن يسخط الله عليه أن يسخط عليه الناس، والناس ولو أبوا عليه شيئاً من المباركات والتأييدات المزعومة لكنهم في قرار أنفسهم يحقرونه ويقولون: فلان تغير، فلان بدّل، فلان لم يعد على الأمر الأول، لماذا؟

الناس في قرارة أنفسهم يحبون الذي يثبتون على الحق ولو صادموهم في الظاهر، لكنهم يحترمونهم في الباطن ولو عادوهم في الأول لكنهم يقرون لهم في النهاية، ويترحمون عليهم إذا ماتوا.

الناس في قرارة أنفسهم يحبون الذي يثبتون على الحق ولو صادموهم في الظاهر، لكنهم يحترمونهم في الباطن ولو عادوهم في الأول لكنهم يقرون لهم في النهاية، ويترحمون عليهم إذا ماتوا، والناس اليوم يحتاجون إلى أئمة سنة، وقادة هدى، يحتاجون إلى من يثبت على الحق ليثبتهم، لكن إذا رأوا فلاناً تزعزع، وفلاناً لان، وفلاناً هادن، وفلاناً تغير، هذا بدّل وهذا لم يعد على الأمر الأول فيتزعزون هم فيكسب بذلك الانحراف أثماً آخر وهو انحراف من انحرف من الناس بسببه، يضلونهم أيضاً بأهوائهم وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ والعامي من الناس غير معذور، إذا رأى فلان يتساهل، وفلان غيّر، لأن الله  قد أخبرنا في كتابه العزيز على الذين اتبع كبرائهم، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا ۝ رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ  ۝ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ

وقال عبد الله بن مسعود من المدرسة النبوية: لا يكن أحدكم إمعة، قالوا: وما الإمعة؟ قال: يقول: أنا مع الناس إن اهتدوا اهتديت، وإن ضلوا ضللت، ألا لَيُوَطِنَّنَ أحدكم نفسه على أنه إن كفر الناس لا يكفر.

فهذا الذي يتابع كل ناعق فإذا رأى فلان طلع على الشاشة قال أنا معك، وإذا انتقل بالزر إلى شاشة أخرى وقناة أخرى قال أنا معك، وهكذا يعقب دينه الرجال، ويتنقل من واد إلى واد، ومن مكان إلى آخر، فهذا الإنسان لا يظنن أنه معذور عند ربه.

هذا فؤادك يسري بين أهواءِ وذاك رأيك شورى بين آراء
لا تستقرّ بأرضٍ أو تسيرُ إلى أخرى بشخص قريبٍ عزمهُ نائي
يوماً بحزوى ويوماً بالعراق وبالعذيب يوما, ويوماً بالخُليصاءِ
وتارةً تنتحي نجداً وآونةً شعب الغوير وطوراً قصر تيماءِ

فواعجباً لما هذا حاله، ولذلك العامي يجب عليه أن يقلد من يثق به من أهل العلم في دينه، وخوفه من الله، وفقهه، ويجب أن يقلد صاحب التقوى، التقوى شرط مهم يا عباد الله في من يُتَابع في الفتوى الخوف من الله، وتقليد من عرف بالتساهل محرم، كما نصّ على ذلك أهل العلم.

عباد الله: إرضاء الناس لا يقبل عند رب العالمين كسبب لتغيير الآراء، وركوب الموجات عندما يقول: الموجه الآن متاحة للاتجاه الفلاني، للفكر الفلاني، المنهج الفلاني، هؤلاء يعطون منابر إعلامية وميزات ضوئية، هذا كله لا يعفي ولا يعذر الإنسان عند الله في تغيير آرائه والانتقال عنها، ويوم القيامة سيقفون بين يدي الله ليحاسبهم، على هذه التغييرات والتبديلات، ولن تنفع عندئذٍ الأضواء الإعلامية ولا الشهرة، ولن ينفع إلا من أتى الله بقلب السليم.

وأما اتباع الأكثرية فإن الله قال عن مذهب الأكثرية : وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ

وبعض الناس إذا اتهم بالتشدد غيّر، من أجل التهمة، تحت ضغط الاتهام يغير، وإذا قيل له أنت من أهل الغلو خاف، فأين الخوف من الجبار .

بعض الناس تكون عندهم المسائل والأحكام واضحة بأدلتها، فهو يعرف مستقر عنده مثلاً أن المعازف والغناء حرام، وأن الله لما قال في كتابه : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ

لهو الحديث هو الغناء.

وأن الله لما قال :أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ۝ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ۝ وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ والسمود هو الغناء في لغة حمير.

واسمدي لنا يعني غني.

والحديث  لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ

وأن أناساً يبيتون على لهوٍ وقيان ( راقصات ) ومعازف يمسخهم الله قردة وخنازير .

ونهى النبي ﷺ عن الكوبة، والكوبة هي الطبل في الحديث الصحيح، وقال  صوتان ملعونان مزمار عند نعمةٍ

وأن عائشة لما مرت بذلك المغني ذو الشعر الكثيف وهو يتمايل ويهز رأسه قالت: أف أف شيطان، أخرجوه أخرجوه.

ونحو ذلك من الأدلة، المسألة مستقرة عندهم ومعلومة، فما الذي جعلها بعد سنين الآن بعد عشر سنين أو عشرين سنة تصبح مباحة، وما الذي يجعل هذه القنوات التي تسمى إسلامية وهي قنوات عاصية لله، بهذا الغناء وهذه المعازف، وهذه المؤثرات التي تشبه الأصوات الموسيقية، معصية لله واضحة، حتى لو سمت نفسها إسلامية، ولو أتت بكلمات وأشياء وآثار وصور وبرامج، لكن المعصية واضحة فيها، لا يمكن أن تخفى.

عندما تكون قضية مثلاً في مصافحة المرأة الأجنبية واضحة التحريم عند بعض الناس، واضح عنده حديث النبي ﷺ: لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له

واضح عنده حديث البخاري قول عَائِشَة: لا وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ

حتى لما احتاج في البيعة ما بايعهن إلا كلاماً، يعني عنده القضية واضحة بالأدلة، فما الذي جعلها اليوم مباحةً، كان يغطي وجه زوجته ويأمر بناته بالحجاب الكامل، وهو يعرف قول الله يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّوالإدناء : الإرخاء من أعلى إلى أسفل كما هو في اللغة.ويعرف حديث عائشة "فخمرت وجهي" في البخاري . ويعرف حديث فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفنا " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

أهل الشر لا يقتربون من امرأة مغطاة بالكامل في العادة، ما الذي جعله إذن يتغير الوضع ويصبح كشف الوجه جائزاً، لماذا ؟ ما هي الأدلة الجديدة التي اطلع عليها، كان الاختلاط عنده أمراً محرماً ومن أسباب الفتنة، وقد روى أَبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِلنِّسَاءِ: اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ -تَسِرْن وسط الطريق- عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ

وأنه -عليه الصلاة والسلام- فصل الرجال عن النساء في المسجد وأنه -عليه الصلاة والسلام- جعل باباً خاصاً للنساء يخرجن منه، وهكذا من أدلة منع الاختلاط، والأشياء الاضطرارية كالاختلاط عند الكعبة أو في الزحام الشديد الذي لا يملك الإنسان له دفعاً، اضطرار . كان يعرف هذا بأدلته، فما الذي جعله اليوم أمراً مباحاً وسائغاً ولا بأس به ولا حرج، وكنا ما ندري وصرنا ندري وكنا ما عندنا خبر وصار عندنا خبر، كنا نشدد على أنفسنا وما درينا أن المسألة فيها سعة، ما هذه السعة الجديدة، كانت عنده قضية إعفاء اللحية أمراً مفروغاً منه، قضية اللحية بوجوبها لأجل الأوامر، أوفوا اللحى أرخوا اللحى أرجو اللحى وأعفوا اللحى خالفوا  المشركين، كانت المسألة عنده واضحة وبأدلة العلماء وبهذه الفتاوى التي كانت تسير بين الناس، مسألة واضحة، فما الذي جعل القضية اليوم بعد عشرين سنة أو ثلاثين سنة مستحبة ولا بأس ولا حرج ونحو ذلك من الأشياء، من الذي غير ومن الذي تغير، وما الذي تبدل في الأمر، هناك رب يطلع علينا سبحانه، يعلم يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ

وهو محاسبنا وسائلنا وموقفنا بين يديه، ولذلك يا عباد الله ليس إلا الاستعصام بالكتاب والسنة، لا ينجي الناس إلا الاعتصام بالكتاب والسنة، ففروا إلى الله وعودوا إليه.

اللهم دلنا على الحق، ويسره لنا، وثبتنا عليه، واجعلنا به مستمسكين حتى نلقاك، أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما إنك أنت العليم الحكيم . أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

00:25:08

الحمد لله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ونبيك محمد، إمام المتقين وقائد الغر المخجلين والشّافع المشّفع يوم الدين، حامل لواء الحمد، صاحب المقام المحمود، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وذريته وأصحابه الطيبين الطاهرين وخلفائه وأزواجه، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين .

التغيير المقبول ونماذج على ذلك

00:25:40

عباد الله: عندما يقال نحن أمام انفتاح إعلامي، وأمام انفتاح عالمي، وأن بعض الناس لم يثبت من أجل ذلك، ونقول لا بارك الله في هذه الانفتاحات إذا كانت ستسبب عدم الثبات على الدين، وليس والله أحد بمعذور في عدم ثباته على الدين من أجل هذه الانفتاحات، الصحابة ساحوا في البلاد، فتحوها جهاداً في سبيل الله، هل غيروا أو بدلوا، لقد خرجوا من أرض الجزيرة الفقيرة، خرجوا من أرض العرب، ما كان فيها ثروات، دخلوا بلاد فارس والروم، انفتحوا على أعظم حضارتين في ذلك الوقت من حضارات الدنيا، لكنهم بدينهم ثبتوا، لما رأوا الأشياء المهولة بالدنيا والشهوات في معسكر كسرى ومعسكر قيصر، لم يفتنهم ذلك عن دينهم، انفتح الصحابة حتى وصلوا إلى أرمينيا وأذربيجان، انفتحوا حتى وصلوا إلى السند، انفتحوا حتى وصلوا إلى المغرب، ما بدلوا، ما غيروا، لما دخلوا في حضارات أخرى وبلاد أخرى، وعوالم أخرى، دخلوا في عوالم من تلك المدهشات الموجودة في ذلك الوقت، لكنهم ثبتوا، وهم قدوتنا.

الانفتاح لا يعني بأن نتنازل، الانفتاح لا يعني أن نغير ما كنا عليه، ليس لفتاوى علمائنا الكبار وأهل الإسلام والفقه، والصحابة والتابعين وسادات الناس في العلم في أهل الإسلام، ليس لها تاريخ انتهاء صلاحية، فلماذا إذن تغير وترمى، ولم تعد تعجب فلان ولا فلان، هذه فتاوى قديمة، كل ما كانت قديمة كل ما كان أحسن، هذا في أمور الدين، عليك بالأمر العتيق، كل ما كانت أقرب إلى عهد النبي ﷺ كل ما  كانت أحسن وأوثق.

عباد الله: المسألة تحتاج إلى مراجعة النفس، نعم إن بعض الناس من الذين يفتون بهذه الفتاوى الضالة ويتخذون هذه الآراء الضالة اليوم ويبنون عليها مشاريع دعوية وقنوات ويتبجح الواحد، هذه القنوات للشباب وللشابات، وللكبار والصغار، وتبنى على فتاوى أو على آراء أخذنا بآراء كذا وكذا، يعني هذا التشهي واتباع الهوى، ومحاولة التزلف إلى الناس وأن تكون مقبولاً على مستوى إعلامي وعلى مستوى عالمي، وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ

فإلى أي درجة ستتنازل، وإذا كنت ستتنازل وتتنازل فإلى أين ستصل في النهاية، نحن نعم نعرف أن أسباب بعض هذه الفتاوى والمواقف الضالة والمنحرفة والمخالفة لمنهج السلف ومذهب السلف وعلم السلف، سببها ضعف التأصيل العلمي عند بعضهم نعم، ناس عودهم غض في العلم فهم يتخذون مواقف ويفتون ويتكلمون، ما عنده رسوخ قدم في العلم، ما عنده نضج، نعم هو صار زبيباً بعد الحصرم مباشرةً ولم يمر بتلك المرحلة، مرحلة النضج، بعض الناس يتبعون بزعمهم قواعد المصالح والمفاسد ويصادمون النصوص ويتجاوزونها ويتخطونها، وبعض الناس يتلونون في دين الله، ويتبعون الهوى: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ

وبعضهم عنده قلة الخوف من الله، ضعف وازع الله في نفسه، هذا هو السبب .

ورأس المال تقوى الله حقا وليس بأن يقال: لقد رؤستا

مرة أخرى أيها المسلمون ما هو التغيير المقبول ؟ تغيير رأي لظهور دليل أرجح، ابن عباس رضي الله عنهما كان يجيز بيع الذهب بالذهب متفاضلاً ثم رجع عن ذلك لما بلغه النص الشرعي، عمر لم يأخذ الجزية من المجوس، فقط من اليهود والنصارى، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله ﷺ أخذ الجزية من مجوس هجر، فقبل عمر خبر عبد الرحمن بن عوف لأنه ثقة، واتبعه.

قال ابن وهب:  سمِعْتُ مَالِكًا يُسْأَلُ عَنْ تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ في الْوُضُوءِ.

فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ .

فَتَرَكْتُهُ حَتَّى خَفَّ النَّاسُ، فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سَمِعْتُكَ تُفْتِى فِي مَسْأَلَةٍ فِي تَخْلِيلِ أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ، زَعَمْتَ أَنَّ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ، وَعِنْدَنَا فِى ذَلِكَ سُنَّةٌ.

فَقَالَ : وَمَا هِيَ؟

فذكر له الحديث بسنده عَنِ الْمُسْتَوْرِدِ الْقُرَشِىِّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَدْلُكُ بِخِنْصَرِهِ مَا بَيْنَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ.

فَقَالَ: إِنَّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَمَا سَمِعْتُ بِهِ قَطُّ إِلاَّ السَّاعَةَ.

ثُمَّ سَمِعْتُهُ يُسْأَلُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَمَرَ بِتَخْلِيلِ الأَصَابِعِ.

وهذا زُفَر بن الهُذيل رحمه الله من أصحاب الإمام أبي حنيفة، كان يقول بأن المسلم إذا قتل كافرا فإنه يقتل به قصاصاً.

فلما أعلمه عبد الواحد بن زياد بحديث النبي ﷺ: لا يقتل مسلم بكافر.

قال: فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه.

قال الذهبي: هكذا يكون العالم وقافاً مع النَّص.

وهذا الإمام أبو يوسف رحل بعد موت شيخه أبي حنيفة إلى الحجاز واستفاد من علم السنن التي كانت عندهم مما لم تكن مشهورة بالكوفة، ورجع عن كثير من أقواله، وكان يقول: لو رأى صاحبي ما رأيت، لرجع كما رجعت.

ومن ذلك: أنه كان يقول بأن الصاع ثمانية أرطال، فلما اجتمع بالإمام مالك وناقشه في الأمر أمر الإمامُ مالك أهلَ المدينة بإحضار صيعانهم حتى اجتمع عنده منها شيء كثير.

فلما حضر أبو يوسف قال مالك لواحد منهم: من أين لك هذا الصاع.

قال: حدثني أبي عن أبيه أنه كان يؤدي به صدقة الفطر إلى رسول الله.

وقال الآخر: حدثتني أمي عن أمها أنها كانت تؤدي به يعنى صدقة حديقتها إلى رسول الله.

وقال الآخر نحو ذلك.

فقال مالك لأبى يوسف: أترى هؤلاء يكذبون.

قال: لا والله ما يكذب هؤلاء.

قال مالك: فأنا حررت هذا برطلكم يا أهل العراق فوجدته خمسة أرطال وثلثا.

فقال أبو يوسف لمالك: قد رجعت إلى قولك يا أبا عبد الله، ولو رأى صاحبي ما رأيت لرجع كما رجعت

لما رحل الشافعي رحمه الله إلى مصر اطلع على أحاديث، كان الصحابة الذين ذهبوا إلى مصر حدثوا بها أهل مصر، ما اطلع عليها الشافعي، فرأى في تلاميذ الصحابة في مصر سمع منهم أشياء وتلاميذ تلاميذهم لم تكن عندهم من قبل، والتقى بأشهب بن عبد العزيز وعبد الله بن عبد الحكم من تلاميذ المالكي فرجع الشافعي عن بعض المسائل التي عنده، وكان يفتي بكراهية الأكل بآنية الذهب والفضة، فأصبح يفتي بالتحريم، لأنه اطلع على حديث  الذى يشرب في آنية الفضة انما يجرجر في جوفه نار جهنم.

وهكذا كما قلنا يا أيها الناس يا معشر المسلمين العالم يرجع من الأثقل إلى الأخف، وأيضاً يرجع من الأخف إلى الأثقل بحسب ما تبين له الدليل، ما تبين له من الأدلة، وهكذا من أوجه التغيير الصحيح، قد تستجد مسألة، لم تكن على عهد أسلافنا، لا من العلماء المتقدمين ولا من المتأخرين، تنشى الآن ناشئة جديدة، فيقيض الله لها من هذه الأمة من يبينها، يقيض الله من هذه الأمة من الثقات من يعرفها، لأنها لا يمكن أن يخفى الحق عن جميع الأمة، لا بد أن يوجد فيهم قائم لله بالحجة، يخبر عن حكمها شرعاً، وعلى المسلمين معرفة هؤلاء الأحبار الراسخين في العلم المتصفين بالتقوى، والذين فيهم شروط الفتوى وشروط الاجتهاد لكي يأخذوا بفتواهم في هذه المستجدات.

عباد الله: انتصف شعبان، هذا الشهر العظيم الذي ترفع فيه الأعمال إلى لله، من الرفع ما يكون يومياً كرفع الأعمال عند صلاة الصبح وعند صلاة العصر، ومنه ما يكون أسبوعياً كرفع الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس، ومنه ما يكون سنوياً كرفع الأعمال في شهر شعبان، ومنه ما يكون في العمر إذا مات الإنسان طويت صحيفته ورفعت أعماله إلى الله ، النبي ﷺ أخبر عن شهر شعبان أنه شهر يغفل الناس عنه، بين رجب شهر حرام محرم، ورمضان شهر الصيام، ولذلك ما كان يغفل فيه عن العبادة، هذا شعبان شهر القراء يراجعون يستعدون لرمضان، والزكاة يخرجون وربما يكون إخراجها في شعبان أوجه من جهة حاجة الناس، فإن كثير من الناس يخرج في رمضان، وربما بعض الفقراء الآن بلغ السيل عنده الزبى وبلغت الروح الحلقوم، وكذلك فإن من له عادة بالصيام من قبل فلا حرج عليه أن يصوم حتى في النصف الثاني من شعبان، سواء كان اثنين أو الخميس، أو يصوم يوماً ويفطر يوماً، ونحو ذلك ومن كان عليه قضاء فلا بد أن يقضي قبل بلوغ رمضان، واجب قضاء ما مضى وما بقي على الإنسان فحثوا نسائكم على قضاء ما عليهن.

اللهم بلغنا رمضان، وأعنا فيه على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم اجعلنا من المخلصين لك في شعبان ورمضان، وفي حياتنا يا رب العالمين، اللهم إنا نسألك العلم النافع والعمل الصالح، ثبتنا على الدين حتى نلقاك، اجعلنا هداةً مهتدين، غير ضالين ولا مضلين، واغفر لنا أجمعين، استر عوراتنا، آمن روعاتنا، عافنا واعف عنا، اقض ديوننا، اشف مرضانا، ارحم موتانا، اللهم إنا نسألك أن تنشر الأمن والإيمان على هذه البلاد وبلاد المسلمين يا رب العالمين، آمنا في الأوطان والدور، وأصلح الأئمة وولاة الأمور، واغفر لنا يا عزيز يا غفور، لا تفرق جمعنا هذا إلا بذنبٍ مغفور، أنزل رحمتك علينا، وبركاتك ومغفرتك يا أرحم الراحمين، اشملنا برحمتك ومغفرتك يا كريم، وأخرجنا من ذنوبنا كيوم ولدتنا أمهاتنا. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ۝ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ۝ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

1 - سنن البيهقي (2/180)
2 - مسلم (164)