السبت 12 شوّال 1445 هـ :: 20 أبريل 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

المجمعات التجارية آداب وأحكام


عناصر المادة
كثرة الأسواق التجارية وتقاربها
الأسماء الأعجمية
المجمعات التجارية الحديثة
ضوابط الإعلان والترويج في عالم المجمعات التجارية
أسباب الحديث عن المجمعات التجارية
أحكام وآداب الأسواق والمجمعات التجارية
آثار المجمعات التجارية ومخاطرها
مساهمة المجمعات التجارية في تحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي
أهداف السلف من الذهاب إلى السوق
الاحتساب على منكرات الأسواق والمجمعات التجارية
العناية بالمجمعات التجارية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

كثرة الأسواق التجارية وتقاربها

00:00:14

فهذا زمن الأسواق الذي أخبر النبي ﷺ فيه بفشو التجارة، وتقارب الأسواق.

إنها أسواق البضائع الحديثة، والعلامات التجارية العالمية، والإعلانات المبهرة، تخفيضات وتنزيلات، وتصفيات، مهرجانات للتسوق، ودعايات، وهكذا موسميات وعروض.

وليس دكاناً ولا محلاً، لكنه بلازا وهايبر ماركت، ومول، وألقاب أعجمية وأسماء وأوصاف بلغات متنوعة تدل على الأسواق العظيمة الشاملة التي انتشرت انتشاراً واسعاً.

ولدينا في هذه البلاد قفز عدد المراكز التجارية والمجمعات إلى المئات التي تغطي جميع المناطق والمدن، مواكبة لازدياد حجم الأعمال التجارية بقطاع التجزئة والأسواق، والمواقع السياحية والترفيهية، حتى تجاوز عدد هذه المجمعات ألفين وخمسمائة مجمع تجاري في عام 2006م، موزعة في أنحاء البلاد، تتجاوز استثماراتها مليارات الدولارات.

وتتوجه الشركات العالمية وكبريات المؤسسات العاملة في العقارات والتنمية العمرانية للاستثمار في الأسواق التجارية، بل ودخلت كذلك الشركات الغذائية، وضخت شركة زيوت أكثر من240 مليون ريال في قطاع الأسواق، وما يعرف بكارفور وجيان ونحوها عشرات المجمعات الضخمة التي تبنى الآن.

تكاليف وتجهيزات بأكثر من عشرة مليارات من الدولارات الآن تبنى على عشرات الآلاف من الأمتار المربعة، بل مئات الآلاف.

إنه نمط غربي في التسوق يوفر كل شيء في سبيل جلب الناس وإبقائهم أطول فترة ممكنة في هذه المجمعات التي صارت اليوم معلماً مهماً من معالم المدن، ومظهراً معمارياً حضارياً حديثاً، ومواقع متميزة لتسهيل الوصول والدخول والخروج، ومساحات كبيرة للمواقف، واستيعاب المحلات والمتسوقين والتصاميم الداخلية، والخارجية والمساحات الخضراء، ونوافير المياه، وأجهزة التكييف، والمصاعد الكهربائية والسلالم، إلى آخره، حتى ضمت المجمعات الدورات ومكاتب المؤسسات، والمحلات التجارية، ومطاعم الوجبات السريعة، وأماكن الترفيه للصغار، والقرى الإلكترونية، وصالات التزلج، ومسارح الأطفال، بل ويستعدون لمباني السينما، وصفوف المحلات وساحات الجلوس، وشاشات ضخمة تعلن الأخبار الاقتصادية، وأسعار الأسهم، إرضاء لرغبات المتسوقين، ومطاعم بمختلف الأذواق، وصالات مغلقة ومكيفة، تقضي الأسر فيها والعوائل، عطلة نهاية الأسبوع، وتحوي نسبة من الماركات العالمية، والعلامات التجارية.

وقد جاءت الإحصاءات العالمية بأن مبيعات التجزئة، وهي ثاني أكبر صناعة في أمريكا، في عدد المؤسسات وعدد الموظفين يحصل منها 3.8 تريليون دولار في السنة.

وأكبر شركة في العالم "وول مارت" تبيع بأكثر من 312 بليون دولار في السنة، وتوظف مليون وثلاثمائة ألف شخص في أمريكا وحدها، وأكثر من أربعمائة ألف شخص في أنحاء العالم.

تليها شركة كارفور الفرنسية، سلاسل من المتاجر، والمتاجر المنفردة، وتوظيف عجيب، إنه السوق في هذا العالم.

السوق في اللغة موضع البياعات، جاء في لسان العرب: أنها تذكر وتؤنث والجمع أسواق، قال الله -تعالى-: يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ [الفرقان: 7].

وتسوق القوم إذا باعوا واشتروا.

ويقصد بالسوق اليوم المكان الذي يلتقي فيه البائعون والمشترون، ويتم فيه تبادل السلع، منطقة الاتصال الوثيق الذي يكون السعر الدافع.

فللسوق وظيفتان: التقاء البائعين والمشترين واتصالهم ببعضهم، وإمكانية التعامل في السلع والخدمات وسهولة ذلك.

لقد طغت كثير من الأسماء الأعجمية على العربية في هذا الشأن، فصارت البلازا والمول والهايبر، ونحو ذلك.

فالمركز التجاري عادة ما يضم مكاتب خدمات.

وأما المول سوق متكامل بالمفهوم العصري، ويشمل ذلك التسويق المرفه، والتنزه للمرتادين.

وإذا كان المول هو مكان التسوق المغلق والمغطى، فإن البلازا هي المحلات التجارية والمطاعم والبقالات المكشوفة المتواجدة في منطقة واحدة.

وهذه كلمة فرنسية تعني التسوق المفتوح أو الميدان.

المفهوم الجديد لثقافة أي مركز أو مول هو أن يضم فندقاً أيضاً.

وأما الهايبر ماركت فهو سوق متكامل يكمل النشاطات التجارية التي يضمها المول، ويضم جميع المستلزمات الاستهلاكية من مواد غذائية وملابس وأجهزة كهربائية ومنزلية وإلكترونية.

والمسألة صارت كما نرى قفزة عجيبة في عالم الأسواق.

الأسماء الأعجمية

00:06:52

وإذا كان لنا من تعليق حول موضوع الأسماء الأعجمية، فإنه ينبغي أن يحرص أهل الإسلام على لغتهم، قال شيخ الإسلام -­رحمه الله-: سئل أحمد عن تسمية الأيام والشهور بأسماء أعجمية فكره ذلك أشد الكراهة، كراهة أن يتعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون، وقد نهى عمر عن رطانة الأعاجم" [مصنف عبد الرزاق: 1/411].

وقال الشافعي -رحمه الله-: سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله ﷺ، بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب.

والسماسرة اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمي رجل يعرف العربية أن يسمي التاجر إلا تاجراً، وذلك أن اللسان الذي اختاره الله لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبياءه محمد ﷺ.

ثم قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام، ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمسلم وأهله، ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه، ولأهل السوق ولأهل الفقه، فلا ريب أن هذا مكروه، فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه.

واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً.

ونفس اللغة العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب به فهو واجب [اقتضاء الصراط المستقيم: 1/526 - 527].

المجمعات التجارية الحديثة

00:08:36

نعود إلى موضوع المجمعات، مزايا ومنشآت فخمة حديثة، مجهزة بأحدث التقنيات، فنون في التسوق والترفيه، ومساحات شاسعة تغطي كافة الاحتياجات، لم يعد الذهاب اليوم للسوق لشراء الحاجات، وإنما أيضاً فيه تسلية، وترفيه، وهواية، وقضاء أوقات، وإجازة آخر الأسبوع، والتقاء العائلات، وتعارف النساء، والمقاهي والجلسات.

لقد صارت مجالاً لعلاقات اجتماعية، وممارسات غير شرعية، وغير أخلاقية أيضاً، وفتيات حتى وقت متأخر من الليل، تقول إحداهن: ألتقي مع صديقاتي في المول، كل يوم تقريباً لتناول العشاء، كنوع من المرح والتسلية، والسهر، وأيضاً شرب المعسل، وتعاطي النرجيلة، لماذا؟ وقت فراغ، فلنذهب لنتمشى في هذه المجمعات، لقتل هذا الوقت.

ويجد فيه بعض كبار السن أيضاً أماكن لقراءة الصحف والشاي والقهوة والجلوس والكلام، وتداول الأحاديث، والأفكار، ودخلت قضية الدعاية والترويج في هذه المجمعات، والإعلان عنها، فغطت لوحات الطرق، وإعلانات الإذاعة، والقنوات والصحف والمجلات، واستقطبت المتسوقين بأنواع من السحوبات، والترويجات والجوائز، الدعاية موجهة لجميع أصحاب الدخول المنخفضة، والمتوسطة والمرتفعة، وظهرت السلع الكمالية، وخداع الاسم التجاري، ونحو ذلك.

ضوابط الإعلان والترويج في عالم المجمعات التجارية

00:10:46

ولا شك أن مسألة الإعلان والترويج في عالم المجمعات التجارية مهمة لديهم كثيراً، ونذكر ببعض الضوابط الشرعية فيها:

أولاً: أن لا يترتب على الإعلان إضرار بالغير، وتباغض وشحناء وحسد بين المسلمين.

ثانياً: أن لا يكون في الإعلان تلبيس ولا تدليس ولا كذب؛ لأنه سيكون من جر الناس إلى شراء أشياء يعتبر ربحها أكلاً للمال بالباطل.

ثالثاً: ألا يكون في الدعاية شيء من المحرمات كالخمور والقمار واليانصيب والدخان وصور النساء، ونحو ذلك.

رابعاً: أن لا يؤدي الإعلان إلى التهوين بشيء من أصول الإسلام أو أخلاقه والحط على المسلمين أو السخرية بهم.

خامساً: أن لا يشتمل على صور ذوات الأرواح من إنسان أو حيوان أو طير.

سادساً: ونخص بالذكر تصوير المرأة أو شيء من جسدها في الإعلانات لأن المرأة عورة كلها، وفي الإعلان عنها بنشر صورتها أو جزء منه، إهانة للمرأة، وحط من كرامتها، وإغراء بالفساد، وجر إلى الفاحشة، وفتح أبواب الشهوات، والترويج عن طريق نشر صور النساء، هو مستورد من اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وأرباب الشهوات يحرصون عليه، ونجد الآن انتشاراً واسعاً للصور في الدعايات التجارية، في الطرقات سواء كانت للنساء أو للأطفال أو للرجال، وأصبحت مؤسسات وشركات الدعاية والإعلان لا ترعى حق الله ولا الشريعة في كثير من إعلاناتها.

وسابعاً: أن يلتزم الصدق في الدعاية والإعلان بما يوافق الحقيقة.

وثامناً: الحرص أن يكون الإعلان باللغة العربية الفصحى لأنها لغة القرآن والإسلام والسنة.

وبالنسبة لانتشار هذه المجمعات التجارية فإننا نعلم بأن المسألة علاقة وثيقة بأشراط الساعة؛ لأن النبي ﷺ قال:  إن بين يدي الساعة تسليم الخاصة  لا يسلم إلى على من يعرف، تسليم الخاصة، وفشو التجارة، حتى تعين المرأة زوجها على التجارة، وقطع الأرحام، وشهادة الزور، وكتمان شهادة الحق، وظهور القلم  وهذا الحديث [رواه أحمد: 3870، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 647].

والشاهد: فشو التجارة.

وفي هذا بيان شرط من أشراط الساعة الذي نراه واقعاً الآن، قال الحسن البصري -رحمه الله-: لقد أتى علينا زمان إنما يقال: تاجر بني فلان، وكاتب بني فلان، في قضية فشو التجارة وفشو القلم، يقول: مر علينا زمان إنما يقال: تاجر بني فلان، وكاتب بني فلان، ما يكون في الحي إلا التاجر الواحد والكاتب الواحد، قال الحسن: "والله إن كان الرجل ليأتي الحي العظيم فما يجد به كاتباً" [التمهيد: 17/298].

إذاً انتشرت الآن التجارة، وانتشر القلم، وليست كل أشراط الساعة مذمومة، فإن فشو التجارة، وفشو القلم بحد ذاته ليس محرماً ولا عيباً، ولكن قطع الأرحام، وتسليم الخاصة، ونحو ذلك، هذا مذموم.

تذكر أشراط الساعة الصغرى لبيان أمرين:

الأول: على قربها لينتبه الناس ويتذكروا.

ثانياً: التنبيه على تلك الأشراط أنها مما ألهى الناس عن الآخرة، فقد تكون محرمة وقد تكون مباحة، وقد قال ﷺ:  إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا [رواه البخاري: 80، ومسلم: 2671] هذه محرمة ومصيبة، ومنها ما هو مباح كما تقدم لكن الإغراق فيه يشغل عن الآخرة.

وأما تقارب الأسواق، فقد قال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تتقارب الأسواق  [رواه أحمد: 10724 وهو حديث صحيح].

قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله- في كتابه: "اتحاف الجماعة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة": "وأما تقارب الأسواق فالظاهر والله أعلم، إن ذلك إشارة إلى ما وقع في زماننا من تقارب أهل الأرض بسبب المراكب الجوية والأرضية والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات كالإذاعات والتلفونات الهوائية التي صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها، فلا يكون تغيير في الأسعار في قطر من الأقطار إلا ويعلم به التجار أو غالبهم في جميع أرجاء الأرض، فقد تقاربت الأسواق من ثلاثة أوجه:

الأول: سرعة العلم بما يكون فيها من زيادة السعر ونقصانه.

الثاني: سرعة السير من سوق إلى سوق.

الثالث: مقاربة بعضها بعضاً في الأسعار واقتداء بعض أهلها ببعض في الزيادة والنقصان.

الآن نقول التقارب الإلكتروني، فإن الشخص يدخل إلى أسواق العالم، مجتمعة عنده في الشاشة، وهو في بيته، فيتجول فيها، ويرى السلع، والأسعار، ويشتري، ويشحن إلى آخره.

وأما المجمعات التجارية، فهو تقارب أيضاً لأن هذه الأسواق قد جمعت في مكان واحد، فتقاربت حقاً، حسى ومعنى.

وأما بالنسبة للتسوق الإلكتروني إنه قد ظهر في هذه الشبكة، ومن أكبر أمثلته موقع آي بلاي دوت كوم الذي يعرض كل واحد من الناس في العالم ما شاء من السلع، في المزاد والسلع فيه بالملايين.

فالتقارب إذاً صار تقارباً حسياً وتقارباً معنوياً.

أما بالنسبة للأسواق، فإنها أبغض الأماكن إلى الله، قال ﷺ: أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها [رواه مسلم: 671].

لماذا؟

قال النووي -رحمه الله-: لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة، وإخلاف الوعد، والإعراض عن ذكر الله، وغير ذلك مما في معناه [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 5/171] يعني المعاكسات والتبرج والسفور، والفساد.

من زمان كان فيه أسواق محافظة لدرجة أن ابن بطال -رحمه الله- ذكر في شرح حديث:  أبغض البلاد إلى الله أسواقها ، قال: "هذا خرج على الغالب، وإلا فرب سوق يذكر فيها الله أكثر من كثير من المساجد" [فتح الباري: 4/339] فيه مرحلة طبعاً، هذه الآن انتهت انقرضت ، نحن نتحدى الآن يوجد فيه سوق يذكر فيه الله أكثر من مسجد من المساجد، لكن مر على المسلمين في بعض الأزمان الماضية كان يوجد أسواق فيها ذكر لله كبير جداً.

ومما يتعلق أيضاً، بالأسواق مما ورد في النصوص الشرعية، قوله ﷺ: إياكم وهيشات الأسواق  [رواه مسلم: 432].

قال النووي -رحمه الله-: ((هيشات الأسواق)) "أي اختلاطها، والمنازعة الخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها" [المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: 4/156].

وفي المرقاة: جمع هيشة، وهي رفع الأصوات نهاهم عنها؛ لأن الصلاة حضور بين يدي الله، فينبغي أن يكون فيها السكوت، وأصحاب الأسواق قد تعلو أصواتهم على صوت الإمام في المسجد، فإن عدداً من الأسواق كانت تحوي مساجد، لكن من ضمن المعاني لكلمة: هيشات، قيل: هي الاختلاط، والمعنى: لا تكونوا مختلطين اختلاط أهل السوق، فلا يتميز أصحاب الأحلام والعقول من غيرهم، ولا يتميز الصبيان والإناث من غيرهم.

وقال الطيبي -رحمه الله-: ويجوز أن يكون المعنى قوا أنفسكم من الاشتغال بأمور الأسواق فإنه يمنعكم أن تلوني [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح: 3/850] يعني هذه الأسواق تشغل عن ذكر الله وعن طلب العلم.

مما ورد أيضاً في الأسواق وصف النبي ﷺ أنه ما كان سخاباً في الأسواق، وجاء في البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- في صفة رسول اللهﷺ:  ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق  [رواه البخاري: 2125].

قال الحافظ -رحمه الله-: السخب ويقال فيه: الصخب أيضاً، وهو رفع الصوت بالخصام [فتح الباري: 4/343].

والأسواق لا شك أنها مشغلة، ولذلك يقول أبو هريرة : "وإن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم، وإن أبا هريرة كان يلزم رسول الله ﷺ، بشبع بطنه ويحضر ما لا يحضرون، ويحفظ ما لا يحفظون" متفق عليه[رواه البخاري: 118]، ولذلك قال عمر : "ألهاني الصفق بالأسواق" [صحيح البخاري: 3/65] يعني أنه اضطر إلى الخروج للسوق من أجل الكسب لعياله، والتعفف عن الناس، فانشغل عن بعض المجالس، وإلا الصحابة كلهم حريصون على طلب العلم، وكلهم حريصون على حضور المجالس النبوية، ولكن يضطرون ويحتاجون أحياناً للنزول للسوق لكسب عيالهم، فيفوته شيء قليل، لكن يفوته شيء.

أسباب الحديث عن المجمعات التجارية

00:20:30

ما هي الأسباب الداعية إلى طرق موضوع المجمعات التجارية؟

أولاً: كثرة الأسواق وانتشارها، وكثرة مرتاديها، وما نشأ عن ذلك من مفاسد عظيمة.

ثانياً: أن المسألة تحولت إلى عرف اجتماعي، وأن المجمع التجاري الآن صار ركناً من أركان الحياة الاجتماعية، وغرضاً وهدفاً للعائلة، وليس مجرد شراء حاجات.

ثالثاً: ما يتعلق بها من الأحكام والآداب التي يجب أن تعرف، فالأسواق أساساً من الناحية الاقتصادية ظاهرة صحية؛ لأن فيها تبادل سلع ومنافع، فيها منافع لا شك، تداول، شراء الحاجات، الناس لولا البيع والشراء والتجارة، ضاقت بهم الأمور، ولذلك من رحمة الله، أنه أباح لعباده البيع:  وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275].

أحكام وآداب الأسواق والمجمعات التجارية

00:21:34

الأسواق أيضاً هي مجال كسب وتوظيف لكثير من الناس، فيعيشون على وظائف السوق، سواء كانوا من أصحاب المحلات، أو العمال في المحلات، والمجمعات الضخمة اليوم، فيها عمال صيانة ونظافة، وفيها إداريون، وفيها من يحفظ الأمن فيها، والمكلف بمراقبتها، فيها وظائف كثيرة جداً، المجمع التجاري اليوم عالم ضخم من الوظائف، لكن المجتمع الإسلامي يجب أن تكون مجمعاتها التجارية منضبطة بالشرع، فهل هذا هو الحاصل؟

لقد جاء هذا الدين بالعدل والرحمة، وجاء بالعلم والحكمة، ولتستقيم حياة الناس، وحتى يصبح البيع مبروراً، قال عطاء -رحمه الله-: "مجالس الذكر هي مجالس الحلال والحرام" [حلية الأولياء: 5/195]، كيف تشتري وتبيع، وتصلي وتصوم، وتنكح وتطلق، وهكذا..؟ في سعينا لإقامة المجتمع الإسلامي النظيف يجب أن نحرص على آداب وأحكام الأسواق.

لقد صنف العلماء في هذا، فصنف الإمام يحيى بن عمر المتوفى سنة 89 للهجرة أحكام السوق، والقاضي أبو يوسف المتوفى سنة 182 للهجرة صنف في ذلك أيضاً، وذكر فصولاً في كتاب الخراج، وتتابع العلماء في ذكر أحكام السوق وآدابه.

آثار المجمعات التجارية ومخاطرها

00:23:21

المجمعات التجارية أشعلت حمى التسوق، لا بد من الدراسة الاجتماعية والنفسية لظاهرة المجمعات، والزوار يغشونها بشكل لافت للنظر، المرتادون من كافة الشرائح والأعمار، أغنياء فقراء شباب فتيات أطفال، بالغون كبار صغار ذكور إناث، ولذلك أحصي في بعض المجمعات التجارية في اليوم الواحد في داخل أيام الأسبوع الواحد ثلاثين ألف زائر، في آخر الأسبوع سبعين ألف زائر يومياً، القضية مهولة. وجاءت الدراسات بأن نسبة الزوار الذين يرتدون المراكز التجارية أو يرتادون المجمعات التجارية لقصد الترفيه وتناول الأطعمة، دون شراء أشياء أخرى أربعون في المائة من المتسوقين خلال أيام الأربعاء والخميس والجمعة تزيد نسبتهم.

إقبال على هذه المجمعات للشراء ودفع للعربات أمام المشترين.

مساهمة المجمعات التجارية في تحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي

00:24:27

ساهمت المجمعات التجارية في تحويل المجتمع إلى مجتمع استهلاكي، تحول المجتمعات الإسلامية إلى مجتمعات استهلاكية قضية خطيرة؛ لأن المجتمع بدلاً من أن ينتج يصنع، يستهلك، يغلب الاستهلاك عليه، وهذه خسارة.

تحولت الشوارع في مدة وجيزة من شوارع سكنية إلى مولات ضخمة، مجمعات تجارية، وسبب ذلك أزمة في زيادة الإيجارات بمعدل لا يقل عن عشرين في المائة، وتسربت الأموال من الاستثمار إلى الاستهلاك، يعني كان ممكن بالأموال تقام مصانع، مزارع مثلاً، فصار بدلاً من ذلك مجمعات، وتحولت رؤوس الأموال من إنشاء البنى التحتية للمجتمع إلى السلع الاستهلاكية، استيراد وتوزيع وبيع، وهكذا المجتمع صار مجتمعاً استهلاكياً.

ونتج عن ذلك تخمة في الديون، بطاقات الفيزا، الإقراض؛ لأن كثرة المعروضات والتنوع والألوان والدعايات والترويج والمجمعات، يعني كأنه يقول للناس: اشتروا، هلموا، الراتب محدود فماذا سيفعل؟ والدنيا كلها استهلاك في استهلاك، الآن سيقترض، فأدخل الناس في الاقتراض، عبر التحول إلى سياسة الاستهلاك، نتج عن ذلك تراكم الديون، انتشار الربا.

الإغواء الاستهلاكي نجح نجاحاً كبيراً في المجتمعات، كيف تغري الناس بالشراء، وصار الناس يلوذون بالبنوك للحصول على قروض، تغطي الاحتياجات الاستهلاكية، التي أوجدتها هذه المجمعات، وانتقال حمى افتتاح المولات من المناطق الثرية إلى المناطق الفقيرة، هذا مشاهد، استناداً إلى عقلية تجارية تعتمد أساساً على الكثافة السكانية، العالية.

وارتياد المولات الآن لم يعد حكراً على الأغنياء، بل إن سياسيات العروض التشجيعية والتنزيلات والخصومات، وإغراء المعروضات والتنوع والوفرة، وأساليب العرض: اشتر واحدة تحصل على الثانية مجاناً، كل شيء بخمسة ريال، و.. و.. إلى آخره، صار الواحد يشتري ما لا يحتاج، ويذهب لشراء صابونة فيرجع محملاً بالأكياس، يقول أحد المتسوقين: للمول تأثير نفسي، في حمل الناس على مزيد من الشراء، والعربة التي يقودها المتسوق تغري الكثيرين بالمزيد من الشراء، لذلك ما فيه عربات صغيرة، يعني عربات كبيرة لازم.

وفي إحصائية صادرة عن المركز الوطني للمعلومات والأبحاث بلغ الإنفاق عام 2005م على التسوق في المجتمع 37%، والصرف على المأكولات 16%، والترفيه 10%، يعني أن الإنفاق على التسوق والمأكولات تجاوز نصف الدخل، نصف الإنفاق؛ لأن بعضه قروض وليس من الدخل فقط.

ودخل على الخط قضية التسوق النسائي، استهدفت المرأة باعتبارها الزبون رقم واحد في عملية الشراء، وأصبحت النساء يرين بأن المجمعات التجارية متنفساً للمرأة، تخرج من الأربعة جدران المحاصرة فيها ثم صار الإسراف ظاهرة نسائية أيضاً.

وعلى سبيل المثال نساء الخليج ينفقن ثلاثة مليارات ريال لشراء العطور سنوياً، ويستهلكن من صبغات الشعر 445 طناً، ومن أحمر الشفاه 600 طن، ومن طلاء الأظافر 50 طن.

بل كشفت الأبحاث أن أكثر النساء اللاتي يكثرن من التسوق يخفين ما اشترينه عن أزواجهن، فقد كشفت دراسة لمؤسسة "لاينس آند لا يسنز" أن 75% من النساء اللاتي استطلعت آراؤهن، قلن: أنهن يخفين ما أنفقنه من الأموال على مشترياتهن ويمزقن الفاتورة.

طبعاً حتى لا يثور الزوج ويعترض.

ويعترف البائعون أن أكثر زبائنهم من النساء وأن هذا يمثل فرصة ذهبية لإقناع المتسوقات بشراء السلع.

ومن أسباب الهوس الشرائي: وجود حرمان شعر به بعض الفقراء، أو بخل أولياء الأمور، أو خوف بعض الزوجات من توفر السيولة بيد الزوج، فدفع ذلك إلى مزيد من الشراء، نحن تذكر في قول الله -تعالى-: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا  [الفرقان: 67].

أما جنون الأسعار، فحدث به، لقد سارت به الركبان، الحذاء لعشرة الآف، فستان الزفاف إلى ثلاثين ألف، ساعة اليد إلى خمسين ألف، ولكل ساقطة لاقطة، ولا بد من وجود مجانين يشترون بأي سعر، ولذلك صارت المرأة تخرج إلى المجمعات أحياناً، وتقول: الأسعار هنا غير معقولة، ولذلك لا أفكر بالتسوق، بل آتي للترفيه، وشرب القهوة.

وقالت أخرى: لا آتي هنا للتسوق، بل لتناول آيسكريم، مقابلة صديقاتي، وضع الأطفال في مكان الملاهي.

فبدلاً من أن يغشى الناس المساجد صار كثير منهم يغشى الأسواق.

قضية الإغواء الشرائي، والإنفاق المرتفع، يذكرنا بقول النبي ﷺ:  كل واشرب والبس وتصدق في غير سرف ولا مخيلة  [رواه داود وحسنه ابن حجر -رحمه الله-].

-طبعاً- هذه المجمعات التجارية أدت فيما أدت إليه إلى ضعف المحلات الصغيرة، بل إلى إغلاق كثير من المحلات الصغيرة، وصار هناك كساد، وانخفاض القوة الشرائية في المتاجر الصغيرة؛ لأن المشتري لا تغريه هذه البقالة، ولكن يغريه المجمع الكبير المكيف الضخم، الذي فيه العروض التسويقية والدعائية والجوائز وأماكن الترفيه، وشكى أحد أصحاب المحلات: أن دخله انخفض من عشرة آلاف إلى ألفين وخمسمائة شهرياً، بعد افتتاح المراكز التجارية الكبيرة.

أما قضية الدعاية، فتقوم المجمعات بإعلانات متعددة، بعضها حقيقي وبعضها وهمي، ويفاجأ الناس أحياناً عند حضورهم بأن السلعة قد نفذت أو أن العرض قد انتهى، أو يضعون سعراً على السلعة، وعند الدفع تجد سعراً آخر، وقل من ينتبه لمثل هذا، أقام أحد الأسواق الضخمة مسابقة في بلد عربي، على ألف وواحد جائزة، انظر الآن إلى عدد الناس الذين سيأتون، ألف وواحد جائزة، الواحد هذا ليه سيارة، والألف جائزة الأخرى جوائز تافهة، وتهافت عشرات الآلاف لحضور المسابقة؛ لأن إدارة المجمع اشترطت أن يحضر الفائز بنفسه لتسلم جائزته في نفس اليوم، فأغلق جزء هام من الطريق الحيوي، وتعطل المرور تماماً إلى منتصف الليل، وانتهت المسابقة بعشرات الآلاف من غير الفائزين، الذي خرجوا يرددون: هذا وهم كبير، غالبية الجوائز متواضعة جداً، وكله انتظار؛ لأن السيارة هذه في الأخير، إعلان اسم الفائز بالجائزة الكبرى، وشهد هذا التجمع مواقف مأساوية، فقد تم التحول للإعلان عن أطفال تائهين، وشخص فقد أسرته كلها.

المجمعات اليوم التي يدخل فيها الشباب والشابات الصغار والكبار، لا شك أن فيها صرف أوقات، غير صرف الأموال، وربما يكون صرف الأوقات أسوأ، والناس تحولوا من الحدائق إلى الأسواق، ومن أماكن الفرجة والمنتزهات إلى الأسواق، الأسواق أكثر جاذبية، الأسواق فيها أماكن ضخمة مكيفة، الحدائق والمنتزهات المكشوفة فيها حر، الأسواق فيها ألعاب الكترونية للأطفال وأشياء حديثة، لا تحويها  المنتزهات والحدائق العادية، ولذلك نلاحظ فعلاً تحول الناس من المنتزهات إلى الأسواق، فقد صارت الأسواق هي حدائقهم ومنتزهاتهم، وتمضية أوقات الفراغ، في الأسواق لا شك أنه سيودي إلى مشكلات.

وقد شهد علماء الاجتماع عن نسبة الجرائم والمشكلات الأخلاقية تتناسب طرداً مع زيادة الفراغ، والغفلة عن أهمية الوقت، والإسراف والتبذير في قضاء الأوقات في ما لا ينفع، يضر الإنسان بلا شك، قال الحسن -رحمه الله-: "يا ابن آدم ما أنت إلا أيام، فإن ذهب يومك، ذهب بعضك".

إنا لنفرح بالأيام نقطعها وكل يوم مضى ندنو من الأجل

وقال عمر -رحمه الله ورضي عنه وأرضاه-: "إني لأرى الرجل فيعجبني، فإذا سألت عنه، فقيل: لا حرفة له سقط من عيني" [المجالسة وجواهر العلم: 7/117].

وقال أيضاً: "إني لأكره أن أرى أحدكم سبهللاً، يعني فارغاً، لا في عمل دنيا ولا في عمل آخرة".

وقال أحد الحكماء: "من أمضى يوم من عمره في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد أثله، أو حمد حصله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عق يومه وظلم نفسه".

قال الحسن -رحمه الله-: "أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشد منكم حرصاً على دراهمكم ودنانيركم". المغبون من عطل أيامه بالبطالة.

إنما الدنيا إلى الجنة والنار طريق والليالي متجر الإنسان والأيام سوق

هذا هو السوق الحقيقي لعمل الصالحات.

الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فيما لا ينفع فكيف إذا صار يقضى في ما يضر.

الأيام مزرعة، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف عن البذر؟ ومن زرع اليوم صالحاً حصد طيباً يوم القيامة.

إن الليالي للأنام مناهل تطوى وتنشر دونها الأعمار
فقصارهن مع الهموم طويلة وطوالهن مع السرور قصار

لكن يتوج هذا كله حديث النبي ﷺ:  نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ  [رواه البخاري: 6412].

فإذا كان الوقت أنفس ما عنيت بحفظه، فكيف يسهل عليك أن تضيعه في الصفق والتجوال، في هذه الأسواق بلا هدف؟

بعضهم تقول له: لماذا أنت في السوق؟ يقول: لا شيء، ما عندي مكان ثاني أروح فيه، نتسلى، نتفرج. بسبب هذا، ضاعت صلوات، وبعض النساء تذهب للسوق، ما تستطيع تصلى المغرب، ويأتي وقت العشاء، يأتي وقت الأذان إلى الأذان الذي بعده، وهم يصفقون في ممرات الأسواق والمجمعات التجارية، وقد يكون فيه أذان، ولكن من الذي يجيب؟ وكيف سيسمع في عالم الصخب وارتفاع الأصوات؟

ويقول أصحاب المجمعات: الأعداد كبيرة جداً، كيف نخرجهم أصلاً للصلاة؟

وبعض المجمعات ما فيها لوحات إرشادية إلى مكان المصليات، هذا إذا وجدت فيها أصلاً، وقد لا يوجد اهتمام كبير بدورات المياه، أو المصاحف، إلى آخره، مع أن هذه قضية من أكبر ما يمكن أن يعالج به الموقف.

وبعض المجمعات قد يوجد فيها مصليات رجال ولا يوجد فيها مصليات نساء، والنتيجة ما هي؟  فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا  [مريم: 59].

ويوجد في عدد من هذه المجمعات محلات الملابس النسائية، ثم المصيبة غرف للقياس والتبديل، وتصوير خفي ونشر في شبكة الإنترنت، وهذا مثبت ومؤكد ومعروف، فلم تعد اليوم غرف القياس في المحلات ولا الفنادق مكاناً آمناً للمرأة أبداً.

وقد اكتشف في عدد من المحلات المرآة المزدوجة التي يمكن النظر فيها من الخلف لمن هو أمامها من الجهة الأخرى، وزعم بعضهم: أن لصق رأس الأصبع على سطح المرآة الزجاجي يؤدي إلى معرفة هل يوجد هنالك مرآة خلفية أم لا؟ وأنك إذا لا حظت مسافة بين أصبعك وصورة الأصبع في المرآة فهي مرآة طبيعية، وإذا انطبقت الأصبع على الصورة تماماً في السطح الزجاجي، فهذا يدل على أنها مرآة مزدوجة.

أما قضية لا تتبع عورة مسلم، فقد قال النبي ﷺ في ذلك: يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين، -طعن المسلمات- ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخية المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف رحله[رواه الترمذي: 2032، وهو حديث صحيح كما في صحيح الترغيب: 2339].

على أن من أسوأ ما يوجد في المجمعات طبعاً قضية التبرج، والاختلاط والمعاكسات، وأن يكون ذلك مركزاً للتعرف المؤدي إلى الركوب والذهاب للفاحشة.

أما الإيذاء وما يسمى بالتحرش الجنسي، فهذا كثير جداً في الأسواق، مجمعات متنفس للفسقة، لتحقيق مآربهم الخبيثة، فإنهم يغشون الأسواق لإيذاء عباد الله.

وربما كانت هذه المجمعات أيضاً وسيلة لذهاب من خف إيمانها وضعف للتسكع، ثم التعرف ثم الانطلاق إلى الحرام.

ويحدث المحتسبون الذين يشاهدون ما يحدث في تلك الأسواق، كيف يتم اختراق منع دخول العزاب أو الشباب المنفردين، بمال يدفع إلى فتاة لتدخل معه على أنها زوجته، لكي يفترقا بعد ذلك، كل فيما يريد، ولذلك صار بوضوح تام تحول المجمعات التجارية إلى أوكار الفساد، وعن طريق محلات الكوفي شوب، والمقاهي الحديثة، والمطاعم السريعة، الإغواء والإغراء، التقاط الصور للنساء على غفلة، أو تعمد، هتك الخصوصيات، وسحبت هواتف من شباب في الأسواق فوجدت مليئة بصور المتسوقات اللاتي لا يعلمن ولا يدرين.

وشكى كثير من الناس والأولياء من ظاهرة المعاكسات، وطالبوا بالتصدي لها، وارتفع مؤشر المعاكسات ارتفاعاً ملحوظاً، درجة الوقاحة، الجرأة زادت، تجرؤ الغوغاء على النساء في هذه الأماكن، وبكل وقاحة ممكن يأتي ويلمس امرأة، وإذا جاء واحد وقال: اتق الله حرام عليك، قال: والله فكرتها خدامتنا، يعني بكل وقاحة وبكل إسفاف، وما في حياء، وكأنه يجوز لمس الخادمة، وماذا يغطي حراس الأسواق؟ وماذا يدعون؟ وماذا يأخذون؟ وماذا يتركون ويذرون؟

وأشار عدد من العاملين في هذه المجمعات إلى أن السوق يتحول يوم الأربعاء إلى ميدان للمشاحنات والمعاكسات، وافتعال المشاكل، يتم إشغال الباعة في بعض المحلات بهوشات وهيشات ليتم سرقة المحل، إن الوقاحة في التجرؤ على الفتيات والنساء داخل المجمعات بلغت حداً طاغياً، حتى أنه يتجرأ عليها ومعها أمها، ويتجرأ عليها أحياناً ومعها زوجها، تقول أحداهن: كنت مع ابنتي في إحدى الأسواق الكبيرة، فجعل شاب يفتعل حركات ويحاول من هنا، وفي النهاية قال: يعني في أمل ولا ما في أمل؟ هكذا بكل وقاحة.

وقضية أن يردع الشخص بأن يقال: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟ أترضاه لخالتك؟ اتق الله، حرام، هذا كلام يدخل من أذن ويخرج من الأذن الأخرى.

والذي يجعله أحياناً ينصرف إذا اجتمع الناس، هذا الذي ربما يجعله ينصرف، وفيه كثير من الأحيان تتواقح الفتاة نفسها لدرجة أن تكون هي العاصية المفسدة، وإذا أنكر عليها واحد تسبه وتشتمه وتلعنه، وتتهمه بالباطل، أمام الناس لتجمعهم عليه وهي الفاجرة، وهو الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، وتقول إحداهن: ذهبت مرة لأحد المجمعات لتناول وجبة العشاء، فجلس قبالتي رجل بعمر والدي، وبصحبة أبنائه يحدق بي ويتأمل.

وآخر مع زوجته يسير ويحادثها ولكن عيناه في أماكن أخرى، تجولان وتصولان.

وإذا نظرت إلى جرأة بعض الباعة ووقاحتهم في هذه المحلات، بل وتدخل بعض هؤلاء المفسدين أو الشباب في المحل ليقول للفتاة: فيه عدسة ملونة غير هذه أحسن، وهذا لا يناسب، وهذا كذا، وتذهب المرأة، تقول إحداهن: ذهبت أنا وابنتي متسترات بحجاب كامل إلى السوق، ونحن نفاضل بين ألوان بلوزات، يتدخل البائع ليقول: هذه تليق على لون بشرة البنت أكثر، فرميتها بسرعة في وجهه، وتركت المحل فوراً، وتقول أخرى: كنت أتسوق مع ابنتي في أحد الأسواق فيتعمد البائع أثناء عرض السلعة أن يلمس أصبع أو يد المرأة.

وعندما تصبح القضية مجمع لإثارة الشهوات بهذا التبرج وهذا الإسفاف، فلا شك أن هذا سيكون من أعظم أسباب نزول النقمات الإلهية، والله يهلك بانتشار وشيوع الفساد إذا كثر الخبث، وإذا نظرت إلى ما يحدث في الممرات والمصاعد المكشوفة وغير المكشوفة، أشياء مقززة وشنيعة وقبيحة للغاية.

إن مسألة التبرج، ولبس الضيق، والشفاف، والمزركش، وروائح العطور التي تفوح من النساء اللاتي يدخلن أحياناً، ويقول أحد الباعة: أنا جيت أطلب رزقاً، وأستر نفسي، فوقعت في الحرام بسبب هذه الأشكال التي تدخل علي وتخرج بأنواع من الإغراء العجيب، ومزاح وضحك وتمايل، وكلام مع البائع ويميناً وشمالاً، وربما يكون في البائع شيء من الخير فيطردها من المحل فتصر، ويقول أحدهم: العفيفة زيها ينم عنها، والساقطة تعلن عن نفسها بلباسها.

وبعض النساء تظن أن من المنجزات الكبيرة: أن تلفت أنظار الرجال، بل إن مما تشعر به فرحة غامرة به أن يلاحقها الشباب ليسمعوها كلمات الإعجاب والغزل، يعني هذا يعتبر اللذة العظيمة.

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء
فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

وصرنا في حال خرج علينا فيه ما يسمى بمكياج السوق، وقد قال ﷺ:  إيما امرأة استعطرت، فمرت على قوم ليجدون ريحها فهي زانية [رواه النسائي: 5126].

فإذا أضيف إلى ذلك قضية التبرج، وإذا أضيف إلى ذلك قضية الزينة التي تظهر، مكياج السوق هو ما يوضع في الجزء العلوي من الوجه، ليظهر عبر النقاب والبرقع، فإذا كشفت وجهها دخلت حمام النساء، وكشفت وجهها عند المرآة، فإنه منظر عجيب للغاية، نصف الوجه أبيض، ونصفه أسمر، زينة فوق، تحت لا يوجد، يعني اسمه مكياج السوق، إذاً هذا تخصص لإغواء وفتنة عباد الله، وقد قال ﷺ: ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء [رواه البخاري: 5096، ومسلم: 2740] وقال للنساء: استأخرن فإنه ليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق، فكانت المرأة تلتصق بالجدار حتى أن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به [رواه أبو داود: 5272، وهو حديث حسن كما في السلسلة الصحيحة: 856].

ولا شك أن هذا الاجتماع وهذا الاختلاط سيؤدي إلى مفاسد، وأمواج متلاطمة، وازدحام، وهذا السفور بالطبع سيكون له أثر، فأين غض البصر؟ قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ [النور: 30 - 31].

ثم جاءت قضية البلوتوث في الأسواق، مجمعات تجارية، شغل فيها الجوال عند الدخول، تبادل أرقام تبادل مقاطع سيئة، وهكذا، قام أحدهم بتجربة دعوية، يقول: دخلت بجوال محمل بمقاطع دعوية إلى أحد الأسواق، وشغلته، فماذا جاءني؟ العاشقة والولهان، وفتى الجنس، وأنت ماشي، والترميز والترقيم ووضع الصور، قبض مع شاب معه ستين قصاصة، كل واحدة فيها رقمه للتوزيع.

ومن الطرف: أن أهل الحسبة قبضوا على أحد المعاكسين ووجدوا عنده في جواله في البلوتوث، لوحة: الهيئة في قلوبنا، هذا احتياط.

أما رفقاء السوء الذين يشجع بعضهم بعضاً على التسكع وأذية خلق الله، فإنها إعانة على الشر، وقد قال الله -تعالى-: وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ  [المائدة: 2].

وأحياناً إذا نظرت في هذا المجمع وما فيه من الفتيات والشباب تقول أين أولياؤهم؟ أين آباؤهم؟ كان هناك تحفظ على إعطاء البنات جوالات الكاميرا، والآن هي معهن في الأسواق، وماذا نتوقع أن ينتقل إليها؟  كلكم راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم؛ فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته [رواه البخاري: 2554، ومسلم: 1829]، فإين الناصحون؟ وما العدد من أهل الحسبة الذي يكفي لهؤلاء؟

وإذا كان بعض أهل الشر يعتدي عليهم جهاراً نهاراً، فمن الذي إذاً سيقوم لله بالواجب؟

من الأشياء الخطيرة في المجمعات: صالات ألعاب الفيديو للأطفال، وهذه الألعاب الموجودة، قليل من الآباء والأمهات من يبالي بماذا يلعب الولد؟ وربما على وجه العموم هكذا يقولون: برامج ألعاب أقراص سباقات السرعة وبرامج القتال، لكن حتى هذه لا تخلو من المنكرات، بل إن تعليم الأطفال العنف، وتربيتهم على إرهاب الأبرياء، موجود في هذه الأسطوانات وهذه الألعاب، والقتل والدهس والدعس والجرح والضرب موجود في صميم هذه الألعاب.

وهل هناك من يدقق على محلات الألعاب الإلكترونية، ماذا تعرض وماذا تعطي الأولاد ليلعبوا به؟ ومن الذي يستعرض هذه الألعاب الموجودة في هذه المحلات؟

ومحاكاة النمط الغربي في التسوق واضح، فحتى الطراز المعماري الغربي، وجهات العرض، وتطبيق بعض قواعد التسويق في إغراء المشترين، أن تضع مسافة بين المشتري وما يريد شراءه، بالإضافة إلى قضية الإعلانات والملصقات وصور النجوم والأبطال والخلفيات الملونة والأضواء المسلطة، وبعض هذه الأشياء جائزة في الترويج الإعلاني، ولا حرج فيها شرعاً، لكن بعضها ما تجوز، ومحرمة شرعاً، الآن تجد الصور الغربية في الدعايات، مثلاً صورة ممثل، راقص، مغني، لاعب، أي شخصية مشهورة توضع، وأيضاً صور النساء موجودة، محلات على السلع بوسترات، لوحات إعلانية، داخل المجمعات خارج المجمعات، طبعاً أن يتوج أو يعلن أو توضع هذه الصورة لكافر، كافر علناً أمام الناس والأطفال، والصغار والكبار، كأن هذا الآن هو بطلهم المفضل، وهو الشخصية المرموقة، والذي يتشبه به، وهذا هو الذي يجذب للسلعة، هذه قضية الصور الموجودة الآن في السلع، وطريقة الترويج لها، من صور ذوات الأرواح للكفار من النجوم الذين يسعى إلى لفت الأنظار إليهم، أو لفت الأنظار للسلع عن طريقهم.

إن الدراسات النفسية عند الغرب لقضية الترويج تكون في كثير من الأحيان على خداع الزبون، وإغرائه بالشراء ولو كان لا يحتاج ولا يريد، ودفعه لذلك، التأثير النفسي على الزبائن.

إن طرق العرض للتسويق مبنية على دراسات نفسية، معمقة لميولات الأشخاص ونفوسهم، وكيفية التأثير عليهم، وهذه فيها استغلال شجع وقبيح في الحقيقة.

والطريقة الغربية التي توحي بأن هنالك تخفيض 9.95 يعني كأنه يعمل فيه تخفيض حقيقي، وربما فيه زيادة، وأؤكد على قضية الماني كانات أو المجسدات الموجودة في واجهات المحلات، هو تمثال لذوات الأرواح، معروض كامل، أحياناً برأس وأحياناً بدون رأس، وفي محلات الملابس النسائية، مجسدات لجسم المرأة نفسه، بطريقة مقززة وقبيحة جداً، وسخيفة، جاء في فتاوى اللجنة الدائمة في قضية التصاوير والتماثيل: بيع صور ذوات الأرواح وشراؤها محرم، لما ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام  [رواه مسلم: 1581]، والتعامل في هذه الأشياء محرم لشموله بأدلة تحريم التصوير واستعمال صور ذوات الأرواح، فطبعاً إذا نظرت إلى أشياء أخرى مثل قضية الساعات الذهبية للرجال، الخواتم الذهبية للرجال، وهذا حرام كما دلت عليه النصوص الشرعية، وبيع الملابس النسائية المتفسخة التي فيها العري، وما تفضح أكثر بكثير مما تغطي، هذه الملابس هي عبارة عن وكالات عالمية موجودة في المحلات، إذا علم البائع وغلب على ظنه أن هذه الثياب ستستعمل استعمالاً مباحاً مثل استعمال للزوج، يجوز بيعها، إذا غلب على الظن أنها ستستعمل استعمالاً محرماً، كالتزين أمام الأجانب بها، فيحرم بيعها، وهنالك أشياء يغلب فيها الظن، وأشياء يستوي فيها الأمران، قد تكون من باب الشبهة أحياناً، وقد تكون من باب المباح الذي يتحمل من يشتري مسؤوليته بعد ذلك، وليس هناك قرائن ترجح أحد الاحتمالين، فيكون البيع والشراء على حساب ومسؤولية المشتري.

إن قضية المجسمات النسائية الموجودة في واجهات عدد من المحلات على شكل جسد المرأة، وما فيه من المعالم، إنما هو نوع من الفساد، ونشر الرذيلة، وإثارة الشهوات، يقول أحد الشباب: هذه المجسمات تثير الاشمئزاز في نفسي، وأشعر في بعض الحالات أني أمر على امرأة عارية، ولذلك أغمض عيني وأمر بسرعة.

وتقول أحدى الفتيات: أشعر بالإحراج الشديد عند مروري بالأماكن التي تعرض الملابس النسائية، وخاصة محلات بيع الملابس الداخلية.

يقول أحد الباحثين التربويين: إن الصورة وخاصة المجسدة لها أثر واضح على الشباب من الجنسين، وأجمع العلماء النفسيون والتربويون على أن أي صورة تظهر فتنة المرأة، تؤثر بالسلب على نفس كل شاب وفتاة وتزيل الحياء، فهي تعرض أدق الخصوصيات.

إن بعض ما ذكرناه الآن من المنكرات الموجودة لا يعني بأنه لا يوجد هنالك خير عند كثير من الناس، فبالتأكيد إن عدداً كبيراً من الأسر المسلمة لا ترضى بهذا، وإن هنالك من الصالحين والصالحات، والأخيار والخيرات، من ينكر هذا، وإن هنالك من المخلصين ولو كانوا قلة، من يسعى في إنكار هذا المنكر.

وإن بعض أصحاب المجمعات يوجد فيهم خير، يريدون ضبط الأمور، ولكنها تتفلت عليهم، في كثير من الأحيان، ولا بد للجميع من أصحاب المجمعات، والباعة، والمشترين، والزبائن، والمرتادين للأسواق، أن يخافوا الله فقد أخبر الله عن الصالحين أنهم: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ  [النور: 37]، ولذلك كان السلف -رحمهم الله- إذا أذن المؤذن تركوا أسواقهم، وبضائعهم وفزعوا إلى المساجد،  لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ .

وجاءت عبارات السلف في قضية الترهيب من الانشغال عن ذكر الله بالبيع والشراء والصفق بالأسواق؛  لأنه يا إخوان فيه قضايا خطيرة جداً، الآن الناس ما تصلى، تصفق في الأسواق من قبل المغرب إلى بعد العشاء، ما تصلي، ما يعرفون الصلاة، رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ [النور: 37]، ولذلك قال أبو الدرداء: إياكم والأسواق فإنها تلغي وتلهي.

وقال إبراهيم النخعي: رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ هم قوم في الأسواق إذا حانت الصلاة لم يشغلهم شيء.

قال عبد الله بن أحمد: كان أبي أصبر الناس على الوحدة، لم يره أحد إلا في مسجد أو حضور جنازة، أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق.

وقال ابن أبي الهذيب: إن الله يحب أن يذكر في الأسواق، وذلك لكثرة لغطهم ولغفلتهم.

وكان بعض السلف يأتي الأسواق على ما كان فيها من الخير والدين، فقط ليذكر الله ، ويذكر الناس بذكر الله.

وهذه القصة المذكورة عن الطفيل بن أبي كعب، لما كان يذهب من عبد الله بن عمر، قال: فغدوت معه إلى السوق، فلا يمر على أحد إلا سلم عليه، فقال له مرة قال الطفيل لعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: ما تصنع بالسوق وأن لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: فقال لي: يا أبا بطن، وكان الطفيل ذا بطن، إنما نغدو من أجل السلام على من لقينا.

وخرج أبو عمر الندبي مع عمر إلى السوق فما لقي صغيراً ولا كبيراً إلا سلم عليه، ولقد مر بعبد أعمى فجعل يسلم عليه، والآخر لا يرد ما انتبه الأعمى أنه يقصده، فقيل له: إنه أعمى.

وكان ابن مسعود إذا أتى سدة السوق قال: اللهم إني أسألك من خيرها وخير أهلها، وأعوذ بك من شرها وشر أهلها وإسناده لا بأس به [رواه الطبراني في الكبير: 8895].

وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح، عن سلمان قال: "إن السوق مبيض الشيطان ومفرخه، فإن استطعت أن لا تكون أول من يدخلها، ولا أخر من يخرج منها، فافعل [مصنف ابن أبي شيبة: 7/122].

عن ميثم رجل من أصحاب رسول الله ﷺ، قال:  بلغني أن الملك يغدو برايته مع أول من يغدو إلى المسجد، فلا يزال بها معه، حتى يرجع  ملك وراية، تكريم للذهاب إلى المسجد، فيدخل بها منزله، وإن الشيطان يغدو برايته إلى السوق، مع أول من يغدو، فلا يزال بها معه، حتى يرجع فيدخلها منزله  [رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني: 5/183، رقم: 2715، وصححه الألباني في ].

وروى بسند صحيح عن أبي قلابة قال: التقى رجلان في السوق فقال أحدهما لصاحبه: يا أخي تعال ندعو الله، ونستغفره في غفلة الناس، لعله يغفر لنا، ففعلا، فقضي لأحدهما أنه مات قبل صاحبه، فأتاه في المنام، يعني الميت جاء للحي في المنام، فقال: يا أخي أشعرت أن الله غفر لنا عشية التقينا في السوق؟ [رواه ابن أبي شيبة في مصنفه: 7/241].

وروى البيهقي بسند جيد عن الحسن قال: "من ذكر الله في السوق كان له من الأجر بعدد كل فصيح فيها وأعجمي" فقال المبارك: الفصيح الإنسان، والأعجم البهيمة، فالأعجم الذي لا ينطق [شعب الإيمان: 2/92، رقم: 563].

أهداف السلف من الذهاب إلى السوق

01:01:07

السلف لماذا كانوا يذهبون السوق؟

إذاً، لشراء حاجاتهم، وحاجات أولادهم كما مر مع عدد من الصحابة.

ثانياً: لذكر الله في السوق، وإلقاء السلام، وأخذ الأجر على ذلك، وابتغاء الأجر على ذلك.

ثالثاً: لقضاء حاجات الناس، روى البيهقي في الشعب عن الثوري قال: "كان منصور يقول للعجوز من عجائز حيه: لك حاجة في السوق، لك شيء، فإني أريد أن آتي السوق؟ [شعب الإيمان: 10/140].

وروى أبو نعيم في الحلية بسند صحيح، عن حميد بن هلال قالمثل ذاكر الله في السوق، كمثل شجرة خضراء وسط شجر ميت [حلية الأولياء: 2/252].

وعن محمد بن المغيرة قال: رأيت محمد بن سيرين يدخل السوق نصف النهار، يكبر ويسبح، ويذكر الله -تعالى-، فقال له رجل: يا أبا بكر في هذه الساعة، قال: إنها ساعة غفلة [حلية الأولياء: 2/272].

وقال مالك بن دينار: السوق مكثرة للمال، مذهبة للدين" [حلية الأولياء: 2/385].

بعض السلف كان يذهب للسوق، للاعتبار، يأخذ عبرة، يتفكر، عن ابن شوذب قال: رأيت الحجاج بن الفرافصة -رحمه الله- واقفاً في السوق عند أصحاب الفاكهة، فقلت: ما تصنع ها هنا؟ استغرب الشيخ المحدث عند باعة الفاكهة، قال: أنظر إلى هذه المقطوعة الممنوعة [حلية الأولياء: 3/108]؛ لأن فاكهة الجنة، لا مقطوعة ولا ممنوعة.

وعن جرير قال: كان أبو حازم يمر على الفاكهة في السوق فيشتهيها، فيقول: موعدك الجنة [حلية الأولياء: 3/246].

وعن عبد الله بن بشر: أن طاووس اليماني، كان له طريقان إلى المسجد، طريق في السوق وطريق آخر، فكان يأخذ في هذا يوماً وفي هذا يوماً، فإذا مر في طريق السوق، فرأى تلك الرؤوس المشوية، يعني عند الجزارين واللحامين، وأصحاب المطاعم، أكلة رأس مشوي، قال: لم ينعس تلك الليلة؛ لأنه يفكر فيما تشوي النار به رؤوس أهلها، وهكذا كان واحد منهم إذا مر على فرن خباز، وقف، يفكر في التنور ويبكي، يتذكر نار الآخرة.

نحن نمر على مطاعم فيه لحم مشوي، شم الرائحة، يفكر في البطن، كما قال واحد لصاحبه: ترى الفرق بينا وبين الصحابة شبر، قال: كيف؟ قال: هم كانوا يغذون قلوبهم، ونحن نغذي بطوننا، بينها شبر.

عمر بن قيس الملائي نظر إلى أهل السوق مرة وبكى قال: ما أغفل هؤلاء عن ما أعد لهم!

الاحتساب على منكرات الأسواق والمجمعات التجارية

01:04:02

بعض الصحابة كانوا يذهبون السوق لماذا؟

عن أبي مسعود الأنصاري قال: "كان رسول الله ﷺ يأمر بالصدقة، فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمد"[رواه البخاري: 4669] يعني يذهب يحاول بأي طريقة يتكسب تطلع النتيجة مد من طعام ليتصدق به، ليس ذهابهم للأكل، ليتكسب ليتصدق، فيعمل أحياناً حمالاً لأجل أن يأخذ أجرة ليتصدق بها.

إن قضية الحسبة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يجب أن تقوم اليوم، يجب أن يكون لها سوق في السوق، يجب أن يقوم سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أسواق المسلمين، فإن هذا من رعاية الناس، ومصالحهم وحفظهم، وصياناتهم وصيانة حريم المسلمين، والمحافظة على عوراتهم.

والمحتسب في السوق يأمر بالجمعة والجماعة، وأداء الأمانة، والصدق وينهى عن الأيمان الكاذبة، وينهى عن الخيانة، ويراقب الموازين والمكاييل، وإذا وجد غش في معاملة أو صناعات، فإنه ينهى عن ذلك، ويتفقد أحوال الصناع، كما قال ابن القيم في "الطرق الحكمية": "وظيفة المحتسب عظيمة جداً.

والنبي ﷺ مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال منكراً عليه:  ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني [رواه مسلم: 102].

وفي هذا جواز تأديب من خالف الأمر الشرعي.

وكذلك المحتسب في السوق ينهى عن العقود الفاسدة، عقود الغرر، البيع الذي فيه جهالة، الذي فيه ربا، وقد استعمل رسول الله ﷺ سعيد بن سعيد بن العاص بعد الفتح على سوق مكة؛ كما في "الاستيعاب، لابن عبد البر".

وكان السائب بن يزيد عاملاً لعمر بن الخطاب على سوق المدينة مع عبد الله بن عتبة بن مسعود، آوي كبار العلماء والعباد.

إذاً، المشرف العام للسوق، والرئيس العام للسوق، من هو؟ عالم وفقيه، وعابد، هؤلاء كانوا رؤساء الأسواق، المشرف العام على السوق، وكانوا يأتون الأسواق، فيعظون الباعة، فيقول واحد منهم على ، يسلم إذا دخل السوق ويقول: يا معشر التجار، إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه ينفق السلعة، ويمحق البركة.

قال ميمون بن مهران: كان بالمدينة إذا أذن المؤذن يوم الجمعة ينادون في الأسواق: حرم البيع، حرم البيع، يطوفون بالسوق صار حرام، خلاص لأنه نودي للصلاة،  فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ  [الجمعة: 9].

قال ابن الحاج في كتابه "المدخل" عن شيخه أبي محمد، أنه أدرك بالمغرب المحتسب، يعني من زمان في المغرب المحتسب يمشي على الأسواق، ويقف على كل دكان، فيسأل صاحب الدكان، عن الأحكام التي تلزمه في سلعة، ومن أين يدخل عليه الربا فيها؟ وكيف يتحرز عنها؟ فإذا أجاب أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئاً من ذلك، أقامه من الدكان، ويقول: لا نمكنك أن تقعد، بسوق المسلمين تطعم الناس الربا، أو ما لا يجوز[ينظر: المدخل، لابن الحاج: 1/157].

وذكر يحيى بن عمر في كتابه: "أحكام السوق": أن الوالي عليه أن يتعاهد السوق، وأن يعير على أهله صنجاتهم وموازينهم، ومكايلهم كلها، حتى ما يكون فيه تطفيف في المكيال، ولا نقص، وهكذا..

إذاً هذا شيء مما كان يفعل أيام السلف في الأسواق، فما حالنا اليوم؟ ما حالنا اليوم؟

الإنسان فعلاً يتأسف، على أيام مضت هكذا كان حال المسلمين، وأيام صارت هكذا صار فيها حال المسلمين.

انظر الهزيمة الكبيرة التي منيت بها الأمة، والإذلال الذي تتعرض له اليوم، هو من وراء مثل هذه الأشياء، هو تخلف فعلاً، تخلف.

وأما قضية نصح المتبرجات، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فمن أهم وظائف المحتسب وعامة الناس، المحتسب متفرغ، لكن عامة المسلمين عليهم واجب في هذا، أنت تحتسب خمس دقائق عشر دقائق، ربع ساعة نصف ساعة، المحتسب متفرغ لهذا لكن الجميع عليهم هذا الواجب، حتى قضية الإعلانات والدعايات، وما فيها من المنكرات والنصائح، وإلى آخره، وعندما تمر تجد مثلاً هدية لكل مشتري، أيش هي الهدية؟ هي معلومة ولا غير معلومة؟ إذا كانت معلومة واضح صارت حطيطة من الثمن وضيعة، وإذا ما كانت معلومة هذا غرر جهالة، ممكن تكون داخل العلبة ولا ندري كم، ريال خمسة، عشرة، فيكون حراماً، ممكن تكون ميسراً، ممكن يقول: ما تدخل السحب إلا إذا اشتريت، ويكون شراؤه لأجل الدخول، فهذا ميسر محرم، والجوائز المجهولة كذلك.

وبعض الهدايا أصلاً هي نفسها في ذاتها محرمة.

وهنالك مسابقات ترغيبية وترويجية تعمل في المجمعات، سيارة في مدخل السوق، هل في هذا تغرير بالناس؟ أحياناً تكون توزيع بطاقات عشوائية، بأرقام على ناس ليس الشراء شرطاً في دخولهم، فيقال: هذه هدية ستأتي لشخص، بالسحب بدون شرط الشراء، تكون جائزة، وأحياناً تكون محرمة، إذا كانت شرطاً في دخول المسابقة.

قضية التخفيضات، متى تكون تغريراً بالناس وخداعاً لهم؟ ومتى تكون صحيحة؟ ومن الحوافز لأجل التسويق؟

العناية بالمجمعات التجارية

01:10:27

أيها الإخوة والأخوات: إن قضية المجمعات اليوم، من الأمور المهمة جداً، ينبغي الانتباه لها بدقة؛ لأنها صارت جزءاً من حياة الناس، صارت شيئاً مشهوراً، ليست قضية نادرة، أو خفية، ظاهرة كبيرة جداً، فمما ينصح به أصحاب المجمعات، والذين يديرون المجمعات؛ لأن صاحب المجمع يمكن يكون أصلاً ما هو منتبه أصلاً ولا يمكن هو في عالم آخر، فمدير المجمع، والمشرفون على المجمع التجاري هذا الضخم، مسؤولون عن أشياء كثيرة فيه، حتى في تخطيط المجمعات، المكاتب الهندسية لما تخطط المجمع، فيه واجبات ومستحبات، وشروط لا بد منها، أنت ممكن في تخطيط المجمع تحوله إلى عالم من الاختلاط، وممكن في تخطيط لمجمع توقى شرور بسبب المخطط الهندسي للمجمع، أين مكان السوق؟ تصور لو كان السوق في وسط المجمع، وكبير يتسع، كيف سيكون الحال؟ بينما لو جعل في زاوية وفيه قبو أو فيه دور علوي جانب الوضع يختلف، مجمع في وسطه شاشة عرض موسيقى صاخبة، غير مجمع في وسطه مسجد، مكان المسجد يعني شيئاً كثيراً، مكاتب للمحتسبين، الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وتقديم الدعم اللازم لهم، وإعانتهم على ذلك، لو صاحب المجمع يخاف الله، والإداريون فيه يحرصون، قضية المراقبة بالكاميرات ومن الذي يتولى المراقبة، والطاقم الأمني الذي يشرف على المجمع، وكيف يتم اختياره، وما عددهم، وما هي الإجراءات التي تفعل عند اكتشاف أشياء سيئة، هذه قضايا كبيرة، الآن الكاميرات منتشرة، لكن ماذا يراقب؟ يضبط السرقات فقط، طيب فيه ناس يسرقون الأعراض، جعل أماكن في السوق للدعوة، كتب أشرطة، بلوتوث دعوي، أجهزة تنزل فيها أشياء، وتعمم في أرجاء المجمع، يمكن أن تجعل هناك زوايا في المجمع، تنشر مقاطع البلوتوث بكل المجمع، لكن مقاطع ماذا يوجد فيها، من الخير والدين والموعظة والعلم النافع، منع الاختلاط قدر المستطاع، أماكن محلات نسائية، ممكن يجعل جناح، أتمنى أتمنى أن الفكرة تطبق يجعل أجنحة خاصة للنساء، مكان غرب المجمع هذا غرب المجمع، ما يدخله إلا النساء، وفيه محلات تبيع أدوات النساء، ومستلزمات النساء، وأشياء النساء، مع وجود آمرات بالمعروف وناهيات عن المنكر، موظفات ومسؤولات؛ لأن بعض النساء عندهن تبرج أمام النساء، وملابس لا يجوز لبسها أمام النساء، فيراقب ذلك كله.

الانتباه إلى قضية وضع المطاعم والمقاهي داخل المجمعات لأنه أصلاً هي توضع بطريقة أحياناً تؤدي إلى وقوع الحرام، ويوجد زوايا خفية في بعض المطاعم، والتغاضي عن مصائب، ثم أين الدورات التأهيلية للباعة؟ الباعة اليوم في المحلات يحتاجون إلى دورات شرعية، لكي يعرفوا كيف يبيعوا، "لا يبع في سوقنا إلا من قد تفقه في الدين" قاله عمر [رواه الترمذي: 487، وهو حديث حسن].

كانوا يطردون إذا ما يعرفون البيع كيف؟ قال علي : "من اتجر قبل أن يتفقه ارتطم في الربا".

قال النووي: وأما البيع والنكاح وشبههما يحرم الإقدام عليه إلا بعد معرفة شرطه.

الآن أعاجم يبيعون والله لا يدري عن الحلال ولا عن الحرام، ولا عن شيء، فقط بيع، يالله بعت تأخذ حافزاً، إذا وصلت إلى الهدف كذا، الهدف نبيع كذا نوصل المبيعات إلى كذا.

وبعض هذه المحلات مربوطة بشبكات غربية، ومشرفين من شركات كبيرة، ما عندهم سؤال حلال ولا حرام، فقط كم الربح؟ كم المبيعات؟ وهكذا..

قام بعض الإخوان بعمل جهد متواضع لجمع بعض الباعة يوم الجمعة في وقت معين لأن الباعة ما يصلح لهم أي وقت، في يوم جمعة اجتماع للباعة، تبادل هموم تعليم أشياء ومواعظ، واكتشفت أمور، من المصائب العظيمة جداً جداً، وكان لها أثر كبير على هؤلاء الباعة، هؤلاء فئة من المجتمع، وقطاع من المجتمع، فماذا فعلنا من أجلهم؟ يحتاجون إلى مواعظ تقوي الإيمان؛ لأن الواحد يرى أشياء من النساء الداخلات عليه كل يوم تفلق الصخرة، يتعرض كل يوم لإمكانية الوقوع في الفاحشة، عشرات المرات كل بائع في السوق، هذه الأسواق الكبيرة التي تأتيها النساء.

وإذا ما حصل اهتمام بهذا فستتوالى المفاسد بالتأكيد.

ثم منع بيع المحرمات، سواء كان في طريقة البيع، بيوع الغرر، بيوع الربا والجهالة، والقمار والميسر، إلى آخره، بيع قبل القبض غش وتدليس، بيع على بيع أخيه، أو تكون المحرمات في السلع نفسها، عبايات نسائية أصلاً فساتين ليست عبايات، حرام بيعها أصلاً.

وكذلك الأدوات الموسيقية، خواتم الذهب للرجال، وساعات الذهب للرجال، وأنواع كثيرة الآن تعد الآن الأشياء المحرمة التماثيل، أحياناً تفاجأ في بعض محلات تحف، تمثال بوذا، تمثال بوذا هذا يعبد من دون الله، هذا لو اشتراه لخدامته تنبسط عليه، تكيف، ثم قضية العناية بالمرتادين أنفسهم، ماذا يعطون؟ ماذا ينصحون؟ وكيف ينصحون؟ كيف تنصح المرأة المتبرجة؟ لذلك أصول.

قضية عدم التساؤل في التحدث مع النساء، ونصيحة النساء أنفسهن بعدم التغنج والتكسر والميوعة في الكلام، وبعض الباعة يعمد إلى ملاطفة النساء، وهذه قضية خطيرة للغاية، وأصلاً هو لأنه لازم يكون كلامه حلو، يقول: لازم يكون لسانه جميل حتى يبيع، فماذا يحدث؟ تبادل عبارات غزلية مع بعض النساء، مصيبة.

ما هي وظيفة حراس الأمن في المجمعات؟ ولو كانت رواتبهم قليلة وأعمالهم شاقة، ودوامهم طويل، وكيف يجب أن يكون تعاونهم مع رجال الحسبة؟ وكيف يكونوا يقظين؟ لأن هؤلاء ممكن يدخلون شراً كبيراً وممكن يمنعون شراً كبيراً.

ثم أهل الحسبة أنفسهم يحتاجون إلى تصبير، واحتساب الأجر، هم أنفسهم، وأن يمدون من التجار بما يمكنهم من أداء وظيفتهم وعملهم، وإلا هو نفسه يمكن يحتاج المسكين بعد ذلك إلى دعوة هو نفسه، إذا ما صار في تقوية لهؤلاء، ولا بد من دورات تأهيلية، كيف تنصح؟ وكيف تؤثر؟ وكيف تتدخل؟ ومتى؟ وما هي الوسائل المناسبة؟ ويأتي من المجربين ومن أهل الخبرة، ومن الذين احتسبوا في الأسواق فترة، يقدمون دورات وأشياء نفسية، وأشياء إدارية، وأشياء إيمانية، وأشياء علمية شرعية، وهكذا..

أما رواد المجمعات، النبي ﷺ قال:  إياكم والجلوس على الطرقات [رواه البخاري: 2465، ومسلم: 2121]، كيف إذا كان الجلوس في الأسواق؟ وإذا جلس ما هي الشروط؟

الإكثار من ذكر الله، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: إنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى [رواه الحاكم بسند صحيح: 3678] يعني هو بعد قليل سيموت، بعد قليل سيخرج، ويصير له حادث سيارة ويموت، وغداً سوف تصاب بسكتة قلبية ويموت، هو ماشي في السوق، مسكين ما هو داري، لكن عنده موت قريب، فماذا أعد؟

أذكار السوق والجهر بالذكر في السوق:  لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت هو حي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير [رواه الترمذي: 3428، وابن ماجه: 2235، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1694].

وقضية وضع حتى الإعلانات، والبوسترات والأشياء الكبيرة والصغيرة، والمحمولة والمعلقة، وملصقة وغير ملصقة، يوأشياء على الشاشات الإلكترونية، لازم لا بد، أنت يعجبك في بعض المحلات، أن تدخل فترى الشاشات الموجودة في المجمعات فيها أشياء تذكيرية ذكر الله، مقطع، نصيحة، أشياء... للعرض سواء كانت مرئية ولا مسموعة، تذكر بالله، في نصح فيه خير، ترى شيئا يذكرك، في غمرة الغفلة.

قضية بذل السلام وإشاعة السلام، وفعل السلف تذكير به، وعدم أذية المسلمين، وقضية غض البصر، وقضية المحافظة على الأعراض، والواحد إذا رأى أن بداية الفواحش تبدأ من السوق في كثير من الأحيان، وأين تعرفت عليها؟ في السوق، من أين أتيت بها؟ من السوق، وهكذا..

حتى قضية الاقتصاد، نصح المشترين بالاقتصاد وأنه من النبوة، وأن تكديس الأشياء في البيوت ثم تنتهي صلاحيتها، ثم تبطل موضتها، ثم نجيب أشياء جديدة، ويعني إتلاف المال، النبي ﷺ نهى عن إضاعة المال وهذا المال سيسأل عن الإنسان يوم القيامة.

قضية تضييع الأوقات في السوق التي تحصل لكثير من الشباب، ما عنده شغله إلا الصفق بالأسواق، طيب، وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ  [آل عمران: 133]، فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ [البقرة: 148]، و سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ [الحديد: 21]، أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ [المؤمنون: 61]، والنساء قبل ما تذهب إلى السوق، ما حالها؟ أين أبوها أو أخوها الذي يقوم عليها أو زوجها يتأكد من شرعية اللباس وأنها غير متبرجة، ولا متطيبة، ما خرجت بخلوة مع سائق؟ من الذي سيذهب معها؟ لماذا تذهب المرأة وحدها وتتعرض لأشياء؟ يجب أن توصى المرأة أن تخرج برفقة محرم، وأن المحرم هو الذي يتحدث مع البائع، أحسن، تتجنب كثرة الحديث مع البائع إذا احتاجت إلى الحديث معه، وأن لا تكثر من طلب إنزال البضائع وعرض البضائع وفي نيتها عدم الشراء؛ لأن بعض النساء تتسلى، وتضيع وقت البائع، وتتعرض للشر وتعرض الأكثر، وحتى عند قضية استلام البضاعة وتسليم النقود لا بد تحذر، تضعها على الطاولة، ما تقول: خذ، حتى تتحسن في الألفاظ، تسأل عن أسعار كذا وتقول: لماذا أنت كثير غالي؟... فهو ينصرف ذهنه الآن يفكر مين إللي غالي؟ أنا ولا البضاعة؟ تحرص أن تجعل مسافة بينها وبين البائع، لا تتيح له الاقتراب، ما تدخل محل لا يوجد فيه إلا البائع، الخلوة حرام، إذا رأت من البائع ليونة أو سوء أدب تنصرف تتركه، تتعهد حجابها، ممكن يسقط شيء وهي تفحص شيئاً، ينكشف شيء، وهي تتناول شيئاً.

وكذلك ما تخلع ثيابها في غير بيت زوجها وأهلها، في قضية غرف القياسات المحلات لا تفكر المرأة المسلمة أصلاً أن تستخدم هذه الغرف، البيع على الشرط، وإذا ما كان مناسباً تعيده، والخروج بإذن الولي، ودعاء الخروج من المنزل.

إن المسألة اليوم تحتاج إلى جهود متكاتفة لأجل الوصول إلى وضع يرضي الله .

ويجب أن نقوم بالإصلاح وأن نحاول ولا نيأس والله يبارك في الجهود، ويوفق من أراد الخير، ويكلل المساعي بالنجاح إذا صدقت النية، وكانت الطريقة سوية.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، ونسألك أن تطيب مكاسبنا وتتوب علينا، وأن تطهرنا وتعيذنا من الفتن.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.