الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
مقدمة
أيها الإخوة والأخوات: سلام الله عليكم ورحمته وبركاته، ومرحباً بكم في هذه الليلة التي نتناول فيها بمشيئة الله تعالى موضوعاً مهماً جداً في تربية أنفسنا وفي السعي لخدمة الإسلام؛ لكي تكون نفوسنا لبنات في بناء صرح هذا الدين في هذا الزمان والعلو به والشموخ على العالمين، وأن نكون نبراساً ومعلماً وقدوة ومناراً للتائهين والمتعلمين والجاهلين يستضيئون بنا ويسيرون على ضوء هذه القدوات، إنه موضوع عظيم ذلك موضوع التميز، التميز والتفوق، إنه خطوة في طريق النصر لهذه الأمة، ولِبنة في بناء مجدها، إنه التفوق في العقيدة والعبادة والعلم والعمل: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [سورة الأنعام:162].
إنه التميز الذي تصاغ به الشخصية الإسلامية التي تتمثل هذا النهج الرباني وسنة محمد بن عبد الله ﷺ لتعيد لهذا الدين مكانته في العالمين، ولكي يكون هذا الدين منصوراً بين الخافقين.
المعنى الحقيقي لمصطلح التميز
إذا كانوا يعرفون التميز: أنه القدرات العقلية، والتفكير الابتكاري، والاستعداد الأكاديمي، والقدرات القيادية، والمهارات الفنية والحركية، إذا كانوا يعرفون الشخص المتميز بأنه من وصل في أدائه إلى مستوى أعلى من مستوى العاديين في مجال من المجالات، ويقولون: إن المتميز من يظهر امتيازاً مستمراً في أدائه، هكذا التعريفات التي ذكروها في بلاد الغرب عن المتميزين كما في تقرير ميرلاند،وكذلك في تعريف الجمعية الأمريكية القومية للدراسات التربوية.
فإننا نقول بأن التميز ليس فقط قدرات عقلية عالية، ليس فقط ذكاء ولا حافظة نادرة، ليس فقط قدرات واستعدادات للتلقي والفهم، أو القيادة والحركة، إنما هو إيمان بالله قبل ذلك، نعم، إن هذه الأمور في التميز مهمة، لكنها ليست هي الأساس، وهذا من الفروق بيننا وبين غيرنا في تعريف مثل هذه الأمور.
إن المتميز هو الذي وصفه النبي ﷺ بقوله: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير[1] إنه إنسان مؤمن بالله قد ابتغى رتبة الإحسان بعد رتبة الإيمان، ولم يكتف برتبة الإسلام، إنه يخالط الناس ويصبر على أذاهم، وليس فقط هو الذين ينطوي ويعتزل، إنه تجتمع في شخصيته الإيمان بالله ، والعلم النافع، والعمل الصالح، والاعتقاد الصحيح.
حث الشريعة على التميز في الرد على أهل الباطل
إن الأمة محتاجة غاية الحاجة اليوم إلى المتميزين في صد أهل الباطل، والعلو عليهم، وبناء الصرح اللازم لنصرة الإسلام، إن هذا التميز يظهر من الآيات والنصوص الشرعية: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [سورة الواقعة:10، 11].
لقد حثنا الله على التميز: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ [سورة البقرة:148]، وقال في كتابه العزيز: وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ [سورة آل عمران:133]، فهذه وسائل تحقيقه المسارعة في الخيرات، والاستباق فيها، وقد أمرنا بالتنافس في هذا، لتحقيق هذا التميز: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُون [سورة المطففين:26].
إن القضية ليست أن نكون فقط مقتصدين، وإنما عندما نتأمل هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا [سورة فاطر:32].
إذن: التميز هو اصطفاء، هو اختيار من الله ، هو رفعة وعلو ودرجة عالية: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وليس هذا ما نريد قطعاً، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وليس هذا طموحنا، هذا هو التميز، هذا هو المبتغى، وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [سورة فاطر:32].
قال كعب -رحمه الله-: "تماست مناكبهم ورب الكعبة، ثم أُعطوا الفضل بأعمالهم"[2].
قال رجل لمالك بن دينار: "رأيتُ فيما يرى النائم منادياً ينادي الرحيل الرحيل، فما رأيت أحداً يرتحل إلا محمد بن واسع، محمد بن واسع من كبار السلف، فصاح مالك وغُشي عليه"[3] وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ [سورة الواقعة:10، 11].
حرص السلف على التميز في الدين والعبادة
كان السلف يحرصون على التميز، التميز في الدين، في العبادة، في العلم، التميز في العقيدة، في الإيمان.
قال الحسن: "من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره"[4].
ليست القضية التميز في التجارة فقط، أو التميز في أمور الدنيا، أو التميز في المراكب والملابس والمطاعم والخدم والحشم، التميز الذي نعنيه هو تميز في الدين، هو التقرّب فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ [سورة الواقعة:88، 89] هذا تميّز، من هم هؤلاء المقربون؟
قال ابن كثير -رحمه الله-: "فعلوا المستحبّات بعد الواجبات، وتركوا المحرمات والمكروهات، وبعض المباحات لا تشغلهم عن الطاعات، فلهم ريح وريحان"[5] والجنة مائة درجة، درجات كثيرة، انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا [سورة الإسراء:21]، فهؤلاء الذين تميزوا، وعلى رأسهم الأنبياء، وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ [سورة ص:45]، هؤلاء أولو القوة والعبادة، فُضّلوا بذلك أهل العمل الصالح، والعلم النافع، والبصيرة النافذة، إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ [سورة ص:46، 47].
قال قتادة: "بهذا أخلصهم الله، كانوا يدعون إلى الآخرة وإلى الله"[6].
قال مجاهد: "بذكر الآخرة، فليس لهم هم غيرها"[7].
فهذه ميزتهم، وهذه رفعتهم، وهكذا كانوا سباقين إلى الخير، هناك راية للمجد قد رفعت، فمن سينالها؟ إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين.
تميز المسلم عن الكافر بالعقيدة وعدم التميع
إننا -أيها الإخوة- لا بد أن يكون لنا طموح إلى التفوق في هذا الدين والتميز فيه، ونحن أناس لا توسط عندنا، لنا الصدر دون العالمين أو القبر، لا بد أن نتسابق في هذا المجال، السباق قولاً وفعلاً،إن الله يحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها، وهذه المعالي هي التي نريد ونبتغي، وقد قال النبي ﷺ لسلمان:لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء[8].
فهؤلاء أصحاب العلو والارتقاء والتميز، هؤلاء الصفوة، هؤلاء الذين انتقوا، قال ﷺ: إنما الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة لا تكاد تجد فيها راحلة، من الذي يتحمل المسئوليات؟ من الذي يتحمل المشاق؟ من الذي يسير بالأثقال؟ هذا ما نريده، لكل قرن سابق، كما قالﷺ: لكل قرن من أمتي سابقون عمرنا سيمضي، لكن ماذا فعلنا فيه؟ ماذا قدمنا؟ اغتنمت الأوقات بأي شيء؟ إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة كما تراءون الكوكب في السماء هكذا إذن ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق من المشرق أو المغرب، لماذا؟ لأن هؤلاء تميزوا، فارتفعوا، فصار من تحتهم يراهم، مثل ما نرى نحن النجم في السماء، وهكذا تطاولوا رفعة بإيمانهم وعلمهم، قال ﷺ في تفاضل ما بينهم، قالوا: "يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم، قال: بلى والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله وصدّقوا المرسلين[9]، قوم رفعت لهم الجنة، فشمروا إليها ووضعوا أقدامهم على الصراط المستقيم فبلغوه.
لا نعني نحن الآن قضية تميز المسلم عن الكافر، هذه مسألة بدهية، المسلم يتميز عن الكافر بالإسلام، المسلم يتميز عن الكافر بالعقيدة، ويتميز عن الكافر بأنه يعبد رباً واحداً لا شريك له، والكافر يعبد أرباباً، أو لا يعبد أحداً، أو يشرك بالله تعالى شريكاً، المسلم يتميز عن الكافر باللباس، المسلم يتميز عن الكافر بالأخلاق، المسلم يتميز عن الكافر حتى في العادات، إذا كانوا يأكلون بالشمال أو باليمين والشمال، نأكل بأيماننا، ولا يذكرون الله عند الطعام، فنحن نذكر الله، لكن نريد تميزاً أعلى من ذلك، نريد التميز بين أهل الإيمان أنفسهم.
إننا في هذا الزمن الذي طاحت به كثير من الهمم، وتراكم فيه كثير من الغبار على المنهج الصحيح، زمن التمييع، الزمن الذي حصل فيه التخريب، الزمن الذي بدلاً من أن يُنادى فيه إلى الارتفاع ينادى إلى النزول، ويقال: نرضى بنصف، ونرضى بربع، ونرضى بأنصاف الحلول، ونرضى بالالتقاء مع الأعداء في منتصف الطريق، ونرضى بشيء من المداهنة وتمييع الأمور، التميز هذا الذي يجعل هذا المنهج الذي نسير عليه متفرّداً، لا يقبل المداهنات، لا يقبل التمييع، ليس منهجاً رخواً، إنه قول فصل، إنه جد وليس بالهزل.
أما مسألة الدعوة على سبيل المثال إلى ذوبان الأقليات الإسلامية التي تعيش في الخارج بين المجتمعات الكافرة بحيث لا يكون هناك تمييز بينهم، هناك من يدعو إلى هذا اليوم، هنالك اليوم من المسلمين من يعيش على أمل أن التدين الظاهر هذا سيجلب له منافع، فإذا لم يجد له منفعة تركه، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ [سورة الحج:11]، فوضعهم رخو، وضعهم مهزوز، هم على وشك الانهيار، وإنما نقصد نحن تميزاً بين أهل الإيمان أنفسهم، هذا التميز الذي لا يقتصر على التميز في العلم مثلاً، أو في العبادة فقط، وإنما تميز في إيمان في القلب وشيء وقر في النفس، حتى تميز في السمت العام، حتى تميز في الشكل والملبس والمظهر.
أيها الإخوة: عندما قال ابن مسعود : "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذ الناس نائمون، وبنهاره إذ الناس مفطرون، وبورعه إذ الناس يخلطون، وبتواضعه إذ الناس يختالون، وبحزنه إذ الناس يفرحون، وببكائه إذ الناس يضحكون، وبصمته إذ الناس يخوضون"[10].
إنه قصد أن يبين هذا التميز والتفوق الذي ينبغي أن يكون عليه حامل القرآن.
إن قضية حمل القرآن ليست قضية سهلة، قال الفضيل: "ينبغي لحامل القرآن ألا يكون له حاجة إلى أحد من الخلق، الخليفة فمن دونه، وأن تكون حوائج الخلق إليه، حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا أن يسهو مع من يسهو، ولا أن يلهو مع من يلهو"[11].
الأوزاعي -رحمه الله- لما استشعر القضية هذه، لما صار إماماً علماً قدوة يشار إليه بالبنان، هكذا قال: "كنا قبل اليوم نضحك ونلعب، أما إذا صرنا أئمة يُقتدى بنا، فلا نرى أنه يسعنا ذلك، وينبغي أن نتحفظ"[12]، وليس معنى ذلك أن يبقى وجهاً عبوساً كالحاً، وأن يكون شديد لا بسمة فيه، كلا، فقد كان ﷺ يتبسّم، وكان ﷺ ينبسط إلى أصحابه، وكان ﷺ يعاشر المعاشرة الجميلة، ويسع القوم بأخلاقه، ويهش ويبش لأصحابه، القضية قضية الزيادة في هذه المباحات، أو إضاعة الأوقات في هذه الأشياء، بلغ مبلغاً الآن صار قدوة، صار له منزلة، صار علماً، صار ينظر إليه الناس، فينبغي إذن أن يكون على مستوى هذه المسؤولية، وهذه المنزلة في القدوة.
لقد أبدع الإمام الآجري -رحمه الله- في بيان ما ينبغي أن يكون عليه صاحب القرآن، وهذا إنسان متميز، فقال: "ينبغي لمن علّمه الله القرآن، وفضّله على غيره ممن لم يحمله، وأحبّ أن يكون من أهل القرآن، وأهل الله وخاصته، وممن وعدهم الله بالفضل العظيم، أن يجعل القرآن ربيعاً لقلبه، يعمر به ما خرب من قلبه، يتأدب بآداب القرآن، ويتخلّق بأخلاقه الشريفة، هكذا يظهر الفرق بينه وبين سائر الناس"[13].
اسأل نفسك الآن، هل هناك فرق بينك وبين عامة المسلمين؟ هذا السؤال المهم يا إخوان، هل هناك فرق بين الواحد منا وبين عامة المسلمين؟ هل هو يتميز عليهم بشيء؟ دع أمور الدنيا، هل يتميز عليهم بخلق؟ هل يتميز عليهم بعبادة؟ هل يتميز عليهم بورع، بزهد؟ هل يتميز عليهم برقة قلب، بدمعة عين؟ هل يتميز عليهم بعلم أو عمل؟ هل يتميز عليهم بدعوة صادقة، أو أمر بالمعروف، أو نهي عن المنكر، أو سعي لخدمة الإسلام؟ يتميز عن عامة المسلمين بماذا؟ وإذا كنا نرضى أن نكون كلنا في مستوى العامة، فمن الذي سيحمل هذا الحمل الثقيل، وهذا العبء العظيم؟ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [سورة المزمل:5].
إن هذه المسؤولية في وراثة النبي ﷺ يجب أن يتحملها أبناء الإسلام، يجب أن يتحملها شباب الإسلام، فإذا لم يكونوا متميزين، وكانوا يعيشون كالعامة، وهكذا في خلطهم، وهكذا في إضاعة أوقاتهم، وهكذا في تزجية أعمارهم، وهكذا في هذه الأشياء التي تذهب سُدى، ولا تستغل الطاقات ولا تُستثمر لخدمة الدين، وتذهب هباء منثوراً، أو في سفاسف الأمور، أو في المفضول بدلاً من الفاضل، إذن، ما هو الفرق بينهم وبين العامة؟ إذاً هم عامة، حتى ولو ظهرت عليهم بعض المظاهر التي تدل على التدين.
إن حفظ اللسان على سبيل المثال، وأن يكون الإنسان منطقه صواباً، وأن يسكت ويصمت متفكراً متدبراً، وألا يتعجل بالإجابة، وأن يرجو أن يأمن شر لسانه، إن هذه القضية على سبيل المثال هي عملية تميز، أين الذي لا يغتاب ولا يحقر ولا يسب ولا يشتم ولا يشمت بمصيبة مسلم، ولا يبغي ولا يحسد؟ أين هؤلاء الذين يكفون أنفسهم عن الأمور المحرمة؟ أين هؤلاء الذين إذا أكلوا أكلوا بعلم، وإذا شربوا شربوا بعلم، وإذا لبسوا لبسوا بعلم، حتى إذا جامع جامع بعلم؟ أين الذين يصطحبون إخوانهم بالعلم، ويزورنهم بعلم، ويستأذنون بعلم؟ أين الذين يجاورون بعلم، ويبرون بعلم، ويصلون بعلم؟ أين هؤلاء الذين يقومون لله تعالى بالعلم؟ أين هؤلاء الذين إذا رافقوا رافقوا بعلم، وإذا صادقوا صادقوا بعلم، أخوتهم مبنية على العلم، وعلاقاتهم مبنية على العلم، هؤلاء الواحد منهم إذا بكى يبكي على علم، وليس مثل ذلك المسكين الذي قعد يبكي وهو يسمع بعض الآيات، فلما نظروا ماذا يقرأ، وماذا يسمع، يسألونك عن المحيض قل هو أذى!.
إن القضية تحتاج فعلاً إلى عملية تبصُّر، نحن نحتاج إلى تميز الآن، ينبغي إذا تصرفنا نتصرف بعلم، نحج بعلم، ونجاهد بعلم، ونكسب أرزاقنا بعلم، وننفق بعلم، وننبسط بعلم، وننقبض بعلم، لقد أدب القرآن أهله إذا درس هؤلاء كتاب الله صار عندهم من الفهم، وصار عندهم من العلم ما يجعل حياتهم تتغير، والمسيرة تتغير، فهم يتأثرون بكتاب الله ، وهم يتأهبون لقرب الأجل، ويتأهبون للقبر، ويستعدون للموت، ولنار حرها شديد، كيف يتقونها؟ وكيف يكون بينهم وبينها بُعد المشرقين؟ إنهم يخافون ولا يقول الواحد منهم بعد ذلك: يا ليتني قدمت لحياتي؛ لأنه قد قدم لحياته سلفاً، وكذلك فإن الأمر يحتاج أيها الإخوة إلى المحاسبة التي تورث هذا التميز وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ [سورة الحشر:18]، أما الذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم، فإنهم لا يحملون أي معنى من معاني التميز الديني، وإن الله قد جعل للجنة درجات، وجعل في هذه الدرجات أهلاً لكل درجة، فانظر يا عبد الله إلى أي درجة تريد، والنبي ﷺ علمنا علو الهمة: إذا سألتم الله فاسألوا الفردوس الأعلى[14].
جوانب التميز
قد يقول بعض الناس، ما هي جوانب التميز؟ نحن تكلمنا في مسألة التميز بالقلب الحي الذي يرجو الله ويخافه ويستحي منه ويخشاه ويراقبه ويصدق معه ويتوب إليه وينيب ويخبت، ويخلص أولاً لله ، إن الإخلاص درجات، ومحبة الله درجات، والخوف من الله درجات، وكذلك الإنابة والإخبات درجات، فانظر في أي درجة أنت، حتى التفكر والتدبر والتأمل في آيات الله المسطورة في القرآن، والمنثورة في الكون هو درجات كذلك، ومن الناس من يحلّق عالياً في ملكوت السموات والأرض وهو مضطجع على فراشه، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ [سورة آل عمران:191]، العملية متصلة، وهؤلاء يبلغون مبلغاً عظيماً، وهم على فرشهم.
التميز في طلب العلوم الشرعية
التميز في جانب العلم أيها الإخوة من الأهمية بمكان، هذا العلم الذي أورث أصحابه المنزلة العالية الشريفة، قال أبو صالح: لقد رأيت من ابن عباس مجلساً لو أن جميع قريش فخرت به لكان لها هذا الفخر، لقد رأيت الناس اجتمعوا على بابه حتى ضاق بهم الطريق، فما كان أحد يقدر أن يجيء ولا يذهب، فدخلت عليه فأخبرته بمكان الناس، وأنهم ازدحموا على بابه، فقال: ضع لي وضوءاً فتوضأ، فقال: اخرج إليهم فقل لهم: من كان يريد أن يسأل عن القرآن وحروفه وما أريد منه فليدخل، فخرجت فآذنتهم أعلمتهم بذلك، فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبر عنه، وزادهم مثل ما سألوا عنه أو أكثر، ابن عباس الذي جلس مرة يفسّر القرآن، فظن الجالس أن الترك والعجم والعرب والبربر، لو سمعه من سمعه من هؤلاء الأقوام لأسلموا، لو كانوا من الكفار، ثم قال: إخوانكم، حتى ينصرف هؤلاء الذين يريدون التفسير ويدخل الآخرون الذين ينتظرون، قال: اخرج فقل: من أراد أن يسأل عن الحلال والحرام والفقه فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا الحجرة والدار، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم به وزادهم مثله أو أكثر، وهذا الجود بالعلم يسأل عن مسألة فيجيب عن مسألتين، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا ثم قال: اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن الفرائض وما أشبهها المواريث والقسمة والتركات فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله أو أكثر، ثم قال: إخوانكم، فخرجوا، ثم قال: اخرج فقل: من كان يريد أن يسأل عن العربية والشعر والغريب من الكلام فليدخل، فخرجت فآذنتهم فدخلوا حتى ملؤوا البيت والحجرة، فما سألوه عن شيء إلا أخبرهم وزادهم مثله أو أكثر، وهكذا قال أبو صالح: "فلو أن قريشاً كلها فخرت بذلك لكان فخراً، فما رأيت مثل هذا لأحد من الناس"[15].
هذا التميز -أيها الإخوة- الذي جعل عبد الله بن مسعود يملي المصاحف من حفظه، هذا الذي قال: "والله لقد علم أصحاب النبي ﷺ أني من أعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم" هذا الذي كان الناس يحبونه؛ لأن النبي ﷺ أثنى عليه في ضمن الأربعة المتميزين بتعليم القرآن، خذوا القرآن من أربعة إنهم يتقنون، من عبد الله بن مسعود فبدأ به وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب رواه البخاري ومسلم.
علقمة يقول: جاء رجل إلى عمر ، فقال: إني جئتك من عند رجل يملي المصاحف عن ظهر قلب، ففزع عمر وغضب، من الذي يتجرأ أن يملي المصاحف من حفظه؟ ما يخشى الخطأ، قال: "ويحك انظر ماذا تقول، قال: ما جئتك إلا بالحق، قال: من هو؟ قال: ابن مسعود، فسرّي عن عمر، قال: ما أعلم أحداً أحق بذلك منه، وسأحدثك عن عبد الله، ثم أخبره بحديث النبي ﷺ: من سرّه أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة ابن أم عبد[16].
هكذا إذن -أيها الإخوة- التميز، أتقن في السماع، وأتقن في الفهم، وأتقن في التلقي، وأتقن في التمرين، وأتقن في الألفاظ والأداء وحق التلاوة والحروف والتجويد والوقوف، فكان أهلاً لأن يبرز بروز المتميزين.
كان بروز المتميزين هو الذي يقنع الناس بالمستوى العلمي للشيخ فيقبلوا عليه، لو كان الشيخ غير متميز، ما الذي سيدفع الطلاب للقدوم؟ لو كان الشيخ مستواه مقارب لمستوى الطلاب، ما الذي سيحفزهم للتلقي عنه؟ من علامات قوة المجتمع الأول: أن الشيوخ كانوا متميزين، ليس فقط بالعلم الذي في صدورهم حتى في طريقة التعليم، وفي طريقة التلقين، ولذلك كان الطلاب شغوفين بالعلم، حريصين على التبكير، حريصين على الأخذ، يتسابقون إلى مجلس الشيخ، ويأتون عنده، وتتزاحم ركبهم حوله، وهكذا كان التميز رائداً، إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال أُبي: "وسماني؟" قال النبي ﷺ: نعم فبكى أُبي"[17].
ناس بلغوا مرتبة، الله يأمر نبيه أن يقرأ عليه سورة: لم يكن الذين كفرو من أهل الكتاب.
أيها الإخوة: إن قضية التفوق والتميز ما جاءت من فراغ، جاءت من جد واجتهاد وتبكير وحرص وتحصيل وتعب، اتعب على نفسك يا أخي، إذا ما تعبنا على أنفسنا، كيف سنتميز؟ هناك فرق بين الذي يأخذ كتاب ويفتحه هكذا، يقول: ما شاء الله القراءة التصويرية صفحة وراء صفحة ماذا لحقت أن تفعل؟ وماذا لحقت أن تفهم؟ هكذا أعطونا دورة، حقيقة افهم يا أخي، الكتاب كانوا يقرأون ويتدبرون، وكانوا يكررون ويعيدون، وعندما يقول لك: إن هذا السبب الحفظ مائة مرة في اليوم كيف؟ الصلوات خمس، بعد كل صلاة يكررها عشرين مرة، سواء كان مقطعاً من آيات أو أحاديث، أو متناً علمياً، وهكذا يحفظون، في اليوم سيكرر مائة مرة، وكيف لا يرسخ من مائة مرة؟
أيها الإخوة: الذي لا يتعب على نفسه لا يتميز، لا يُنال العلم براحة الجسد، لا بد من تعب، كان ابن البواب كاتباً فاق الأولين والآخرين، كان أحد العلماء منادياً بدار البطيخ، فالتقطه مكتشف مواهب من أهل العلم، فصار المنادي بدار البطيخ صار عالماً، كان أحد الكتّاب الإسلاميين في هذا الزمن حلاقاً، فجاء أحد المبرزّين في اللغة اكتشف موهبة عند هذا الحلاق، فجره وأخذه، فجلس عنده فأبرز موهبته فتعلم بسرعة، فنبغ فصار من الكتّاب الكبار، وقد كان حلاقاً، كان الانتخاب وكان الاصطفاء والارتقاء، وكانت الفرص تعطى لأهل التميز، وهكذا تكتشف المواهب، وهكذا كانوا يتفوقون.
شمولية التميز في هذه الأمة
ولم يكن التميز في جانب واحد في هذه الأمة، لقد كان في جوانب، والكمال عزيز، ولا يشترط أن يتفوق واحد في كل المجالات، بل إن هذا صعب جداً، قال الذهبي -رحمه الله-: "الكتابة مسلمة لابن البواب، كما أن أقرأ الأمة أبي بن كعب، وأقضاهم علي، وأفرضهم زيد، وأعلمهم بالتأويل ابن عباس، وأمينهم أبو عبيدة، وعابرهم محمد بن سيرين، معبّر الرؤى، وأصدقهم لهجة أبو ذر، وفقيه الأمة مالك، ومحدّثهم أحمد بن حنبل، ولغويهم أبو عبيد، وشاعرهم أبو تمام، وعابدهم الفضيل، وحافظهم سفيان الثوري، وإخباريهم الواقدي، وزاهدهم معروف الكرخي، ونحويهم سيبويه، وعروضيهم الخليل، وخطيبهم ابن نباته، ومنشئهم القاضي الفاضل، وفارسهم خالد بن الوليد -رحمهم الله-[18].
جوانب عظيمة للتفوق والإبداع والتميز حفلت بها هذه الأجيال التي أخرجتها هذه الأمة للعالمين.
كان سعيد بن جبير مجاهداً، أعلم الناس بالحج عطاء، وفي عهد أعلمهم بالقرآن مجاهد، وأعلمهم بالحلال والحرام طاووس، وأعلمهم بالطلاق حتى داخل الفقه يوجد تخصصات سعيد بن المسيب، وأجمعهم لهذه العلوم سعيد بن جبير، حتى هذه الفضائل فيها تميزات.
وهكذا كان الواحد منهم إذا سئل عن فن من الفنون أجاب فيه حتى ظن السامع أنه لا يعرف غيره.
هكذا حفلت الأمة بشخصيات متميزة، يقول الربيع: "اختلفتُ إلى الحسن عشر سنين، فليس من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبل ذلك"[19] وهذا أبو عبد الرحمن السلمي -رحمه الله- يقول عن زيد: "أقبلتُ على زيد بن ثابت فقرأتُ عليه القرآن ثلاثة عشر سنة"[20].
ماذا كان يفعل في ثلاثة عشر سنة؟ معنى ذلك أنه دائماً يجد أشياء جديدة وإلا مل وترك الحلقة من زمان، وتوجد مشكلة الآن في الحلق، أن بعض الشباب يأتون، ثم يتركون بعد وقت قصير، لماذا؟ بعضهم ما عندهم جدية، هؤلاء شطبناهم، بعضهم ملول، لكن بعضهم لا يجد شيئاً جديداً، معناها هناك قصور في البرامج، معناها طريقة العطاء أحياناً غير جذابة، معناها لا يوجد شيء جديد، معناها أحياناً مشرف الحلقة لا يحضّر، معناها أنه لا يعد أشياء جديدة يعطيهم، إن حسن العطاء من الأمور المهمة جداً في التربية، وإن الموسوعية هو مجال عظيم في التميز ينبغي الحرص عليه، قالوا: "كنا نعد خصال ابن المبارك: العلم، والفقه، والأدب، والنحو، واللغة، والزهد، والفصاحة، والشعر، وقيام الليل، والعبادة، والحج، والغزو، والشجاعة، والفروسية، والقوة، وترك الكلام فيما لا يعنيه، والإنصاف، وقلة الخلاف على أصحابه" يحترم حتى مشاعر أصحابه، ولا يريد الخلاف بين أصحابه، ولا يحدث المشاقة بين أصحابه، ولذلك اجتمعوا عليه ألفوه أحبوه، وهكذا كانوا معه دائماً، هكذا قال الذهبي عنه في السير رواية من عاشره وخالطه وعاصره، قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة، قال: نعم، رأيت رجلاً لو كلّمك في هذه السارية أن يجعلها ذهباً لقام بحجته، قال الشافعي: "إذا ذُكر العلماء فمالك نجم"[21].
قال أحمد: "ما أحد مس محبرة ولا قلماً إلا وللشافعي في عنقه منّة"[22].
قضية التلقي هذه والشعور بالوفاء للشيخ، وكذلك الأخذ عنه والتتلمذ ليست القضية إعجاب كل ذي رأي برأيه، وأن كل واحد يظن نفسه فهمان، وأنه ختم العلم من زمان، المسألة شعور دائم بالحاجة للتعلم، احتساب الأجر في التعلم، من ظن أنه علم فقد جهل، ولذلك الواحد دائماً مهما بلغ من العلم يجب أن يوقن أن فوق كل ذي علم عليم، وموسى ظن نفسه أنه أعلم الناس، فقيض الله الخضر له لكي يتعلم منه درساً كبيراً في مسألة عدم الظن بالنفس أنها انتهت إلى الرياسة في العلم بالأرض وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [سورة يوسف:76].
قال أحمد: "هاهنا رجل خلقه الله لهذا الشأن يظهر كذب الكذابين"[23].
ناس الله جعلهم يتميزون لخدمة الدين، وهناك ثغرات هناك وضاعون ظهروا في الأمة، من الذي سيتصدى لعملية الوضع في الحديث؟ قيض الله أمثال يحي بن معين ليقوم بهذا الشأن.
إن مسألة التميز صحيح يكون لها بدايات أحياناً غير طبيعية، صحيح أن هناك حوادث يقدرها الله لبعض الناس فتكون من مصلحتهم في التميز، وأشياء غير عادية، لكن ليس هذا هو المسلك الوحيد والمنفذ الفريد، فإن هنالك من البرامج والطرق، وهنالك من الوسائل الكثيرة المعروفة، ما في شيء من الاختراعات الجديدة التي لم تخطر على بال أحد، تلك التي ستجعل هؤلاء مثلاً في العلم يتفوقون، لا، أن نأتي بأشياء لم يأت بها الأوائل في هذا صعب، هي المسألة مسألة مجاهدة نفس، هي المسألة مسألة توفيق من الله ، البخاري -رحمه الله- يقول: "أُلهمت حفظ الحديث وأنا في الكتّاب، شيء من الله ، لكن نحن نسأل الله التوفيق إذا صدقنا يوفقنا ، ولم لا؟، كم كان سنك يا أيها البخاري؟ عشر سنين، هذا الذي اكتشف خطأ الشيخ، وهو جالس عنده، وعمره وهو ابن إحدى عشرة سنة، هذا الرجل رد على شيخه، وصحح له، قال: "لما بلغت ستة عشرة سنة كنت حفظت كتب ابن المبارك ووكيع، قال البخاري: "دخلتُ البصرة فجلست إلى مجلس بندار، بندار هذا من كبار المحدثين، فلما وقع بصره علي، انظر الشيخ يتفرس ويتأمل في وجوه الطلاب، قال: من أين الفتى؟ قلت: من أهل بخارى، قال: كيف تركت أبا عبد الله -يعني بندار- سمع عن البخاري ومبلغ حفظ البخاري وعلم البخاري وفقه البخاري، فلما وجد فتى في مجلسه من بلد بخارى، أول ما سأله عن أبي عبد الله البخاري، قال: "كيف تركتَ أبا عبد الله؟ فأمسكتُ، فقالوا للشيخ بندار: يرحمك الله، هذا أبو عبد الله، هذا نفسه الصغير الذي أنت تقول له الفتى، أنت تسمع عن البخاري، هذا هو أبو عبد الله، فقام الشيخ وأخذ بيدي وعانقني، وقال: "مرحباً بمن أفتخر به منذ سنين"[24].
عندما تُقدّر قيمة أصحاب المواهب، عندما يثُنى عليهم بحق، عندما يشجعون، عندما يعطون مكانتهم اللائقة يحصل التميز، وظيفتك ووظيفتي ووظيفته أن نبرز التميز في أبناءنا في إخواننا وفي أنفسنا أيضاً، إتاحة الفرصة لهؤلاء ليبرزوا، الأمة تحتاج إلى رجال، الأمة تحتاج إلى من يقوم بالمهمات، والمهمات اليوم صعبة جداً يا إخوان، الوضع صعب، الوضع معقّد، الأعداء مطبقون، وإذا ما كان عندنا شخصيات متميزة، كيف سنصد الهجمة؟ وكيف سننشر الدين، وكيف سنرد على أهل الباطل؟
حاجة الأمة اليوم إلى العقليات الكبيرة
القضية اليوم تحتاج إلى عقليات كبيرة لكي تثبّت الدين عند الناس، هناك حملات تشكيكية كثيرة، هنالك اليوم من يطعن في الدين حتى من بعض المنتسبين إليه، هنالك من يهوّن من بعض الأحكام الشرعية، هنالك من يريد أن يحول الثوابت إلى متغيرات، هنالك اليوم من الناس الذين يريدون في هذا الزمن أن يجعلوا الدين شوربة تختلط فيها الملاعق، ويجعلونه أمراً فضفاضاً واسعاً بلا حدود ولا قيود ولا ضوابط، الذين يريدون اليوم سد باب سد الذرائع، ونسف هذه القضية، الذين يريدون اليوم الاعتداء على النصوص الشرعية بعقولهم العفنة، من الذي يتصدى لهؤلاء؟
الذين اليوم يعملون الأعمال السيئة، ويُنسبون للدين، من الذي سيتصدى لكشفهم وبيان باطلهم؟ من الذي سيقنع الناس بخطأ مسالكهم؟ من الذي سينصحهم نصيحة، ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً؟ من الذي سيقدم الإسلام اليوم بثوب يقبل عليه العامة؟ من الذي سيعرض لهم هذا الدين عرضاً يقربه إلى عقولهم؟
ليست المسألة أن يكون عندك معلومات كثيرة، وأن تكون صاحب مستوى رفيع جداً في الكتابة، وكلامك في غاية البلاغة، ثم لا يفهمك العامة، فقل لي إذن ما هي الفائدة؟ كيف يأتي هؤلاء الذين يبسطون ليبسطوا للناس، سأل رجل عالماً من العلماء، فسكت العالم، فظن السائل المسكين أن الشيخ ما فهم، فقعد يعيد عليه، فسكت الشيخ، فقعد يعيد عليه، فقال: ما فهمت؟ قال: "فهمتُ ولكن أفكر كيف أفهمك".
نحن –فعلاً- اليوم بحاجة إلى إيصال كلمة الحق إلى الناس خصوصاً مع وجود هذه الوسائل العصرية اليوم، وسائل ضخمة إعلامية إعلانية، كيف سنوصل هذا الدين لهؤلاء الناس للعالمين وبأي قالب؟ وبأي لغة؟ وبأي وسيلة؟ وكيف سنغير في وسائلنا ونجدد بحيث أننا ننافس أو نقترب نوعاً ما من هذه الوسائل الفاسدة التي توقع الناس في الحرام بالصوت والصورة والأشكال والألوان والأضواء والإخراج والمسرح والفيلم والتمثيل، إلى آخره، كيف سنقدم لهم شيئاً يقنعهم؟
نحن نعرف أننا لا يمكن أن نصل إلى عرض سلعتنا الغالية بأساليبهم الرخيصة، هم قد يعرضون سلعتهم العفنة بامرأة متبرجة، وبموسيقى، وأنواع من المؤثرات الصوتية التي تلفت السمع وتلفت النظر، وتوقع الناس في الهاوية، لكن نحن أيضاً عندنا حكمة يجب أن نفكر كيف نبلغ الناس هذا الدين بالطريقة السهلة المفهومة الجذابة.
ظاهرة المتعالمين وأثرها:
إن مسألة التعالم التي شاعت في هذا الزمان، التي جعلت بعض الناس يتخيل الواحد منهم أنه قد أخذ من العلم الكثير، إن هذه المسألة قد أودت بالكثيرين، إن نظماً رائقاً ونثراً فائقاً يسهب ويعجب، إن حمل لواء الوعظ اليوم، والصوت الطيب والوقع في النفوس، إن هذه القضية في المعاني البديعة، والعبارات الوجيزة، إن القدرة على إبلاغ آيات الله وأحاديث نبيه ﷺ للناس يحتاج إلى أهل تميز حقيقة، وإن القضية ليست فقط توصيل معلومات، لكن قواعد تُبنى ومنهج يُسلك وتصورات تقوم في نفوس السامعين، وإذا لم تكن صادرة من قلب صادق وصاحب عبادة خاشعة، وأناس قانتين لله تعالى وأصحاب ورع، فإن تلك الكلمات لا تكون مؤثرة، إنها تكون باردة وإن كانت بأسلوب جميل، لكن سرعان ما يذهب أثرها، أما إذا خرجت من قلب صادق عامر بالإيمان فإنها تبقى في النفوس والله، لقد عظم شأن أبي علاء الهمذاني العطار المقرئ حتى كان يمر بالبلد فلا يبقى أحد رآه إلا قام ودعا له حتى الصبيان واليهود، أثر المقرئ صاحب القرآن، وكان يقرئ نصف نهاره القرآن والعلم، ونصفه الآخر الحديث، وناس محتسبين، ما يقول لك كم لي فيها، وكم تعطوني عليها، وهذا قليل، وفي غيركم دفع أكثر، لا أروح للعقارات أربح لي، روح للعقارات، وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [سورة محمد:38].
إن الذين سبقت لهم منا الحسنى، كتب الله لهم الجنة بديانتهم وزهدهم وورعهم وصدقهم، إن هؤلاء أصحاب البدايات المتميزة هم أهل تميز حقيقة، كان النووي -رحمه الله- كما يقول عنه ياسين بن يوسف المرّاكشي: "رأيت الشيخ محيي الدين وهو ابن عشر سنين بنوى"[25].
ولذلك يُنسب إليها فيقال: النواوي أو النووي، والصبيان يكرهونه على اللعب معهم وهو يهرب منهم، ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، لقد عد أحمد بن الفرات الرازي من الحفاظ وهو شاب أمرد، لقد كان الدارقطني يفهم فهم الإملاء وهو لا يكتب، فيصحح الكتبة كراريسهم على حفظه، لقد كان الحاكم -رحمه الله- آية في الحفظ، ومنهم من كان يحفظ من أول مرة، فلو قال لك قائل: أنا ما عندي ذاكرة قوية أفقد الأمل في أن أكون من المتميزين، فتقول: لا، أنت لك كمال، لك طاقة وحد، لكن هل بلغته؟ مشكلة الكثيرين أنهم يقولون: مستوياتنا غير قابلة للتطوير، ولماذا؟ لماذا تظنون أن مستوياتكم غير قابلة للتطوير؟ هل بلغتَ كمالك؟ هل بلغتَ حدك الأعلى؟ ألم يقل هؤلاء العلماء: إنما يستخدم من الدماغ وخلايا الدماغ وما يستخدم من هذه المواهب التي أعطانا الله إياها أحياناً ما يتعدى 5% لماذا؟ لماذا يحدث ذلك؟ هذه الرفوف الفارغة في الداخل، لماذا لم ترتب فيها الأشياء وتوضع؟
أسباب فقدان التميز
ونعود مرة أخرى ونقول: إن من أسباب فقدان التميز أن يظن بعض الناس أنه متميز وهو غير متميز، هناك غرور في بعض النفوس يمنعها من المواصلة وإكمال الطريق ومزيد من البذل والسعي، بينما كان شعار أحمد: "مع المحبرة إلى المقبرة"[26] ليس هناك شيء اسمه انتهينا من طلب العلم، والذين حضروا حتى الدكتوراه بعضهم قعد ونام وصار خاملاً، إن العجلة تمضي، يقال لهذا: مر أحمد بن حنبل من الكوفة وبيده كيس فيه كتب، قال عبد الرحمن البغوي: "فأخذتُ بيده، فقلت: مر إلى الكوفة ومر إلى البصرة، إذا كتب الرجل ثلاثين ألف حديث لم يكفه، فسكت، ثم قلت: ستين ألفاً، فسكت، فقلت: مائة ألف، فقال: حينئذ يعرفُ شيئاً"[27].
وليست القضية الآن تحطيماً للمعنويات، وأن نقول: مائة ألف من الذي سيكتبها؟ لا، نحن نعرف أن هؤلاء نوابغ الأمة الكبار، لكن نحن أيضاً كان في قدراتنا أن نصل إلى أشياء لكن ما وصلنا إليها، ما سعينا إليها، ما استفرغنا الجهد في الوصول، ما تعبنا التعب الكافي، ما استثمرنا العمر كما ينبغي، ضاعت علينا أوقات، وذهبت علينا أعمار، التهينا بالدنيا بالزخارف بهذه الأنواع من المغريات، بوسائل الترفيه المباحة وغير المباحة، لقد أضعنا أوقاتاً كثيرة في طلب المطاعم الفاخرة وأنواع السياحات والسفريات، فليست القضية الآن أن نقول: ليس هناك أمل أن نحصّل مثلهم، يوجد قلة نعم ندرة يمكن أن يصلوا إلى ما وصل إليه حفظ الدارقطني وغيره، حتى في هذا الزمن، لكن البقية الباقية هؤلاء، إن مستوياتهم تختلف، فهل أخذ كل واحد منهم بما يستطيع الوصول إليه؟
هذا هو السؤال الكبير، خذ على سبيل المثال قضية العبادة، كم من المستويات العالية يمكن أن نبلغها في العبادة؟ كم من الممكن أن نزيد في صلاتنا ولم نزده؟ وكم من الممكن أن نزيد في استغفارنا ولم نفعله؟ وكم من الممكن أن نزيد في دعائنا ولم نقم بذلك؟ وكم من الممكن أن نزيد في حفظنا من القرآن ولم يحدث؟ كم من الممكن أن يكون قد حصل لنا من أنواع التبتل والبكاء بين يدي العزيز الجبار؟ محي الليالي صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم
مسبحاً لك جنح الليل محتملاً ضراً |
من السهد أو ضراً من الورم |
تميز من قبلنا من السلف بالعبادة
لقد تميزوا بالعبادة فيمن قبلنا، وقام الواحد الليل وفي جسده ثلاث سهام والدم ينزف.
إن توالي العبادات التي كانت عند من سبقنا يجب أن تكون باعثاً لنا على مزيد من الحماس لأدائها به كما أمر الله ، نحن ليس المقصود عندما نقول: ما فاتت سعيد بن المسيب تكبيرة الإحرام خمسين سنة، وقال: ما نظرت في قفا رجل في الصلاة منذ خمسين سنة، ما رأيت دبر أحد إلا الإمام، ليس المقصود الآن أن نوقع الإحباط في نفوسنا ونقول: أين؟ لكن المقصود أن نحاول الاقتداء بهؤلاء، عندما يضرب لك المثل الكبير أنت لو شحذت همتك ممكن تصل إلى عشره، خمسه، ثلثه، ولو ما وصلت إليه كله.
إن مسألة الاستمرار في طاعة الله واستثمار الأوقات في ذلك ستعطينا نماذج من المتميزين في العبادات، العصر الذي نعيش فيه الآن عصر شهوات، وعصر فتن ويحتاج إلى ناس متميزين في العبادة، لماذا يعرض الحرام على الواحد بسهولة يقبل، ويقول الواحد: أنا وقعتُ في الفاحشة، أنا كل أسبوع أقع في الفاحشة، كيف تقع في الفاحشة؟ كف عن الذهاب إلى الأسواق، قال: أنا مع الخادمة، هذا الذي يقع له مع الخادمة، وهذا الذي يذهب إلى السوق ويركب الحرام، وهذا الذي يستأجر شقة مفروشة لعمل الحرام، وهذا الذي يرى هذا المسلسل أو هذه القناة المنحلّة الساقطة هؤلاء ما الذي جعلهم يستسلمون بسهولة للحرام؟ اليوم الجوال تأتي فيه الرسائل تدعو للحرام، يدعون إلى النار، وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ [سورة البقرة:221، ما الذي يجعل الواحد يقف؟ ما الذي يجعل الواحد لا يقدم على الحرام؟ وجود حاجز من العبادة من خوف الله من التقوى، ما الذي سينشئ هذا الحاجز؟ هذه العبادة، هذا الاستثمار العمر بالطاعة.
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى | ولاقيتَ بعد الموت من قد تزودَ |
ندمت على ألا تكون كمثله | وأنك لم ترصد كما كان أرصدَ[28] |
أين الأرصدة؟ أين الأرصدة من العبادة؟ يقول على بن المفضّل: "طفت أسابيع حتى رفع سفيان الثوري رأسه من السجود، يعني سبع أشواط وراء سبع أشواط وراء سبع أشواط حتى رفع سفيان رأسه من السجود"[29] هكذا كان ابن سعيد -رحمه الله- هؤلاء ما كانوا فقط في السجود، كانوا حتى في التعليم والحفظ ونفع الناس والجهاد في سبيل الله، ابن المبارك في الثغور وهو في المساجد وهو في الحرمين وهو في غيرها، نحن ما استثمرنا أشياء كثيرة من الأوقات
إذا اشتغل اللاهون عنك بشغلهم | جعلت اشتغالي فيك يا منتهى شغلي |
فمن لي أن ألقاك في ساعة الرضا | ومن لي بأن ألقاك والكل لي من لي[30] |
أين التميز في الدعوة اليوم؟ أليس النصارى يقومون بالدعوة بوسائل كثيرة متطورة؟ أليسوا يدخلون في الظلمات كثيراً من الناس؟ أليسوا يدخلون في سبل جهنم، وهذه المسالك التي تقود إلى النار من يدخلون؟ أليسوا يجوبون الفيافي والقفار، ويقطعون المسافات ويدخلون في الغابات، ويتحملون لسعات البعوض، بل ويمرضون، بل ويتحملون القرف من أصحاب الأوساخ والعفن من القبائل الوثنية وغيرها، لكي يقنعوهم بعقيدة صلب المسيح، وبأن يدخلوا في هذا الدين المفترى المحرف؟ أين نحن في تميز دعاتنا؟ أين تميز دعاتنا؟ أين تميز دعاتنا بالأسلوب؟ أين تميز دعاتنا بالعطاء؟ أين تميز دعاتنا بالمثابرة والمواظبة؟ أين تميز دعاتنا بالمنهجية؟
ونبدأ في قضية المنهجية، لما نقول: الإنسان متميز، متميز بماذا؟ لما نقول اليوم لا بد أن يكون الشاب متميزاً، نريد التميز، نريد أن نكون متفوقين، بماذا؟ أول شيء يا إخوان قضية المنهج، هناك أناس كثيرون يدعون التدين والدعوة وخدمة الإسلام والعمل للدين، لكن عندما تنظر، تمحص، تختبر، تتدبر في تفحص التدين، المنهج الذي هم عليه تكتشف أشياء عجيبة عقائد مختلة، أخطاء، بدع، أنواع من الانحرافات وهكذا أشياء دخلت عليهم بسبب قلة العلم، بسبب عدم وجود تصورات إسلامية صحيحة، المنهج ليس منهجاً سلفياً نقياً، قضية اتباع الدليل غير متوفرة، عبادة الله على بصيرة ناقصة، منهج التلقي عنده فيه خلل، كيف كان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الاتباع والحذر من الابتداع، وأبو بكر يقول: لست تاركاً شيئاً كان رسول الله ﷺ يعمل به إلا عملت به"، كيف كان علي عندما عرف الحق والسنة في التلبية بالحج والعمرة، يقول: "لم أكن لأدع سنة رسول الله ﷺ لقول أحد من الناس"[31].
أين موعظة ابن عباس التي وعظها يبين منهجاً سلفياً نبوياً، أقول لكم: قال رسول الله ﷺ وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟ يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، من؟ مع قول أبي بكر وعمر، ويقدم السنة عليها التي يراها ويعرفها، وكذلك روى مسلم أن رجلاً أتى ابن عمر، قال: أيصلح لي أن أطوف بالبيت قبل أن آتي الموقف، قبل طواف القدوم، قال: نعم، قال: فإن فلاناً يقول: لا تطوف بالبيت حتى تأتي الموقف، قال ابن عمر: "لقد حجّ رسول الله ﷺ فطاف بالبيت قبل أن يأتي الموقف، فبقول رسول الله ﷺ أحق أن تأخذ أو بقول فلان إن كنت صادقاً؟"[32].
لما ذكر الشافعي حديثاً قال أحد الحاضرين: تأخذ به يا أبا عبد الله؟ قال: "تراني يهودياً، تراني نصرانياً، تراني خرجت من كنيسة، خرجت من بيعة، ترى في وسطي زناراً؟"[33].
وهي صفة أهل الذمة، آخذ به، وما لي لا آخذ به وأهلك لو ما أخذتُ به، كان الحديث الصحيح مبتغاهم، كان الدليل رائدهم، ولذلك كان الواحد يقول: "أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، إذا رفض الحديث عن النبي ﷺ، واليوم ممكن تقول للواحد الحديث النبوي، فيقول لك: يمكن منسوخ، يمكن كذا، يمكن لها تأويل آخر، ما عنده دليل على هذا التأويل الآخر، ولا على أن الحديث ضعيف، ولا على أنه منسوخ، فقط يشاغبون على النصوص، النص ما وافق هواه، ماذا يفعل؟ يطعن فيه، ربما خاص بزمن النبوة، ولماذا تفترض الافتراض هذا؟ أليس الأصل في النصوص أنها لكل زمان ومكان؟
ناس يريدون مثلاً تحرير المرأة، تأتي لهم بحديث البخاري: لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة[34].
وأنه لا يجوز المرأة تتولى الولايات العامة كالخلافة والإمارة والقضاء وغيرها، يقول: وأنتم لا تعرفون إلا حديث ابن عمر هذا في البخاري، تطعن في حديث البخاري، ما يعجبك الحديث الذي في البخاري، وإذا لم نكن نريد اتباع الدليل، فمن الذي سنتبع؟
إن هناك خلل كبير اليوم في قضية المنهج عند كثير من الناس، يشاغبون على النصوص، ولا يحترمون النصوص، وليس في صدروهم هيبة للنصوص، ولذلك ما يمكن أن يكون عندهم تميز، ويتميزون بأي شيء، وبعضهم عنده تعصب وتقليد أعمى، وإذا قلت له الحق في خارج المذهب، قال: أنا لا أرى إلا المذهب، وإذا قلت له الحق كذا في قول العلماء بالأدلة الفلانية، قال: أنا لا أقول إلا بقول إمامي، وهل هو معصوم؟ أليس من البشر؟ لماذا لا نتبع محمد بن عبد الله ﷺ؟ وبعض الناس يتبع اليوم بدعاً، ويتبع طرائق مخالفة للسنة، مخالفة لعقيدة السلف، ويقول: الإسلام يتسع لكل هذا! سبحان الله الإسلام يسع البدعة والسنة والخطأ والانحراف والصح والحق والباطل! مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ [سورة القلم:36، 37].
عندك كتاب من السماء فيه أن الإسلام يتسع لكل هذا؟ لا داعي أن يشنع بعضنا على بعض، ولا تقطعوا الإسلام أجزاء، وتقولوا : هذه الفرقة ليست من الدين، ضعوا كل الفرق، نجتمع على لا إله إلا الله، يا أخي لا إله إلا الله لها شروط، لها أركان، لها نواقض، وهذا قد يكون يفعل أحد نواقضها، كيف أقبل به معي في صف واحد؟ وكيف أرضى به أن أناصره، وأن أواليه، وهذا من فرقة عندها هذه الانحرافات، كيف أقبل بهذا؟ أنا أقول النصيحة بأسلوب طيب مهمة، والدعوة بالحسنى مهمة، لكن تقول لي: ارض بالباطل، وضم الباطل إلى الحق، وهكذا، هذا نرفضه، إن هذا الخلل في المنهج فعلاً يعيق عن التميز، وكيف سيتميز أناس ليس عندهم هذا النقاء وهذا الصفاء المطلوب؟
التميز في الأساليب الدعوية المتميزة
الداعية متميز بمنهجه، الداعية المتميز عنده كذلك أساليب متميزة، بعض الناس اليوم يحصرها في الدورات يا أخي هذه الدورات من الأشياء التي تؤدي للارتقاء، لكن ملاحظة الداعية الناجح والاقتداء به قد تكون أعمق أثراً، وأكثر نتيجة، وأكبر من كل الدورات، نحن نحتاج إلى معايشة قدوات، إذا ما عايشنا قدوات في الدعوة كيف يرتقي مستوانا، إذا أنا ما رأيت فلان كيف يقوم عملياً بالدعوة؟ إذا لم أنظر إليه وهو يدعو، وكيف يبدأ وكيف يترفق، وعندما يأتي واحد مبتدئ الآن وضع رجله في أول طريق التدين، يقول له: الموسيقى حرام، الإسبال حرام، ماحكم الصور؟ أنا عندي صور للذكرى، قبل ما يسأل عن منكرات كبيرة وهو واقع فيها، أو واجبات هو تاركها لا يصلي الفجر، فكيف يتصرف معه الداعية؟
هل يا ترى سيقول له: هذه فيها قولان، هناك ناس أجازوها، هل سيخبي القضية؟ هل سوف يغير ويتلاعب بالأحكام من أجل مشاعر هذا المدعو مثلاً، أو بزعم المحافظة عليه، أو حتى لا ينفّر؟ أم أنه سيحاول بأسلوب لبق أن يقول له قبل هذا قبل هذا، لماذا ما نتكلم في حكم صلاة الفجر؟
قبل هذا لماذا ما نتكلم في حكم الفواحش؟ فقد يكون رجل مبتلى بكبائر قبل أن يسأل عن الصور الفوتوغرافية مع أننا لا نسوّغ المنكر، ولا نرضى بأن نقلب الحرام حلالاً، ولا أحكام الله.
إذن: في قضية الدعوة والبدايات، وكيف تصرف لما جاء الرجل يقول: يا رسول الله متى الساعة؟ ليس بصحيح أن يسأل هذا السؤال أصلاً من علم الغيب الذي اختص الله به، صرفه بطريقة حكيمة، قال: ما أعددتَ لها؟.
انظر -يا أخي- هذا أسلوب عظيم جداً في قضية صرف الناس عن الأسئلة غير المناسبة، متى الساعة؟ أجابه بسؤال ما أعددتَ لها؟[35] صرف نظر السائل عن الشيء غير المناسب وقد يكون من المناسب أن تجيبه على كل الأسئلة، وألا تأخر الجواب، أنت تلتقي به الآن في فرصة واحدة، ليس من الأشخاص الذين تتدرج معهم كل يوم خطوة خطوة، سألك يلزمك البيان والإجابة، ولا يجوز لك أن تؤخر البيان عن وقت الحاجة، وفيه أسئلة مشاغبة، وفيه أسئلة ناس تريد الاستفادة، لازم تفرق بين سؤالين، هذا واحد يريد أن يشاغب عليك وأن يشغلك عن قول المهم، يأتي الواحد إلى شخص يريد أن ينكر عليه منكراً عظيماً، أو يكلمه في قضية ضخمة للمسلمين، يقله والخاتم الذي له فص لا بد يكون فيه كتابة أو ما ليس لازماً أن يكون فيه كتابة؟
أنت تريد إضاعة الوقت وتمضي المسألة حتى ما نتكلم في المنكر الكبير، إذن، الداعية فطن، أين الدعاة أهل التميز الذين يطرحون على الناس المناسب في الوقت المناسب، الأهم قبل المهم، والمهم قبل الأقل أهمية.
نحن نحتاج إلى تميز في طرق الدعوة، ودعونا من الشطحات، الذين يقولون نأخذ سيارة، نمر على المحلات التي لا تغلق وقت الصلاة، ونضعهم في سيارة كبيرة سوداء مشبكة، ونأخذهم إلى معسكر خارج البلد، ونمنع عنهم أمواس الحلاقة والمسجلات والراديو، ونقصر ثيابهم، بعد أربعين يوماً يخرجون دعاة صالحين في المجتمع، أين أنت؟ الدعوة ليست بمنع أمواس الحلاقة، القضية الآن أكبر من قضية منع أمواس الحلاقة، لكن -سبحان الله- بعض الناس عندهم سذاجة، وعندهم سطحية عجيبة.
أحياناً الشخص الذي أمامك فاقد الهوية الإسلامية لا يشعر بالانتماء لهذا الدين، عايش في الغرب أو عايش في وسط مستنقعات وحلة وقذرة، هذا الرجل لازم توجد عنده البوصلة أولاً حتى يعرف يتوجه إلى الله، أما قبل أن تعرفه التوجه نتكلم معه في قضايا وندخل معه في أشياء، لا هو ربما لا يقبلها ولا يقتنع بها، أين بناء تلك القواعد الإيمانية في النفوس؟ تعريف الناس بعظمة الله، باليوم الآخر، بالقبر بالجزاء بالحساب بالجنة بالنار، لو دعوناهم بهذه الطريقة لتركوا حراماً كثيراً من تلقاء أنفسهم، وما تعبونا بالنقاشات.
التميز في مجال الدعوة إلى الله تعالى
إن التميز في البصيرة في الدعوة إلى الله المذكورة في الآية الكريمة: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [سورة يوسف:108]، إن المسألة في الأساليب المناسبة لكل شخص: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ جاهل يريد تعليماً بالحكمة، وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ غافل يريد تذكيراً، عظه، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [سورة النحل:125].
صاحب شبهة لا بد من الرد على شبهاته، الحكمة أين هي الحكمة؟ نريد الدعاة المتميزين في متابعة المدعوين الذين يكونون معهم حضراً وسفراً، ترحاً وفرحاً في المناسبات المختلفة الذين يعينونهم، الذين يخدمونهم، الذين يهتمون بشؤونهم، الذين يسلون كرباتهم، والذين يسعون في تفريجها، وفي قضاء حوائجهم، إن هؤلاء المتميزين في المتابعة يتابعون في عباداتهم لا أقصد التجسس وإشعار المدعو أنه مراقب وتحت كاميرات الكاميرا الخفية، و الكاميرا غير الخفية، المسألة الآن أن هذا المدعو يحتاج إلى متابعة في العبادة وفي العلم وفي الأخلاق وفي الآداب وفي المظهر وفي أشياء كثيرة، يجب أن تكون المتابعة عامة، وألا تكون تلك الرقابة اللصيقة التي تجعل هذا الشخص ينفر، ويحس بثقل هذا الداعية ووطئته على نفسه، لكنها تلك الكلمات على قلتها التي تقال من قلب صادق فتؤثر في نفسه التي يسمعها، لا تزال كلماته في أذني.
خذ عبارة لبعض السلف: السؤدد مع السواد، هو يقصد أن يقول: إنك إذا أردتَ أن تبلغ السؤدد، وأن تبلغ المبالغ العالية يجب أن يبدأ ذلك في نفسك وفي مقتبل عمرك، ليس إذا شبتَ الآن تريد أن تبدأ، مع أن هناك مجال للبدء بعد الشيب، لكن السؤدد الذي على أصوله يبدأ مع السواد، وليس أن يتأخر الإنسان، أحياناً القضية ليست خطباً ولا تطويلات، لكنها كلمات من قلب صادق فعلاً الواحد يجد أثرها، ولا يزال ذلك الابن يتذكر نصيحة أبيه ولو بعد سنين، ولا زال ذلك المدعو يتذكر نصيحة الداعية ولو بعد سنين، ولا زالت الوصية التي زود بها قبل الذهاب إلى الغرب في دورة من الدورات لا تزال معه، لقد حفظه الله من حرام، وعلاقات محرمة بكلمات سمعها قبل أن يذهب.
المسألة هي قضية حكمة، وقضية أسلوب، وقضية تنويع وصدق ومتابعة.
أين نحن في التميز في الدعوة إلى الله؟ هذا الطريق الطويل الشاق المملوء بالمصاعب الذي ربما لا يتحمله إلا القليل، وإذا صد الداعية مرات، قالوا للشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: هذا منكر سعينا فيه ثلاث مرات، كتبنا فيه كذا، قال: أنا كتبت في منكر مائة مرة، مائة مرة أكتب ليس مبالغة، إذا ما علا المرء رام العلا ويقنع بالدون من كان دونا، بعض الناس من أول مرة يترك العزيمة والمواصلة، عمر بن عبد العزيز لما تولى الخلافة استشعر المسؤولية إني أعالج أمراً لا يعين عليه إلا الله، كبر عليه الصغير، هرم عليه الكبير، هاجر عليه الأعرابي، شب عليه الصغير، حتى حسبه الناس ديناً، لا يرون الحق غيره"[36].
لقد كانت تلك الخطوات الطويلة التي مشاها علماء الحديث حتى مات بعضهم، وجاع بعضهم، وأوشك على الهلاك بعضهم، وأكل بعضهم الميتة، لقد كانت تلك الخطوات الطويلة التي سارها بعض الدعاة في الأدغال والمستنقعات خاضوا في الأوحال من أجل أن يصلوا إلى قوم بدعوتهم إلى الله ، لقد حملوا معهم أكياساً من الطعام من أجل الوصول إلى قوم يدعونهم إلى الله ، لقد أخذوا من الأجهزة ومن التجهيزات ما يستميلون به قلوب أولئك القوم إلى الله .
لقد سئل أحد الذين دخلوا في الدين وقد التزم بالإسلام وهو كبير في السن، كم عمرك؟ قال: تسع سنين، قالوا سبحان الله، أنت شايب كبير، تقول: تسع سنين، قال: هذه بدايتي في الدعوة، وقبل ذلك كان عمراً ضائعاً، فعندما يشعر الواحد فعلاً بالمسؤولية في الدعوة يكون داعياً متميزاً بالمواصلة بالمثابرة، عندما يكون هناك إعراض عن الطعن في الآخرين، يا إخوان لقد ابتُلينا والله بمن ينهش الأعراض، ويشكك في النيات، ويطعن في الذين ظاهرهم السلامة، نحن الآن لا نتكلم عن قضية إنكار الخطأ الواضح، ولا عن قضية تبيين البدع البينة والواضحة، هذا من الواجبات في الدين، لكن المشكلة أن يؤتى إلى أناس ظاهرهم السلامة، أليس عمر بين أنه يعامل الناس بظاهرهم، أليس هذه من قواعد الشريعة؟ الناس على ظاهرهم، من أظهر لنا السلامة عاملناه بحسب ظاهره، من أظهر لنا غير ذلك عاقبناه عليه وعاملنا به.
الآن تنظر في الساحات في الإنترنت، تنظر في أشرطة وكتب، فتقول: سبحان الله هذه الأحبار أنفقت في ماذا؟ هذه الساعات ضاعت في الطعن والغمز واللمز والغيبة، تقول: أما للناس شغل في الدين غير هذا، ثم يقولون لك: نحتسب في الغيبة، نحتسب في الجرح، ومن الذي يستحق الجرح؟ وبأي طريقة يكون؟ وكيف تكون المناصحة؟ لا توجد، أساليب المناصحة اليوم صارت عزيزة، تلك المناصحة الشرعية الطيبة.
إن التميز يحتاج فعلاً إلى صبر ومصابرة، إن التميز اليوم يحتاج إلى إثارة التنافس في الخير، إنك إذا أثرت التميز في هذه الجموع وهؤلاء الطلاب وهؤلاء الشباب للخير، إنك إذا أثرت التنافس بينهم تفجرت طاقات، وظهرت مواهب، وهذا طريق التميز، ولا يظنن الظان أن المعوق غير قادر على التميز، وأن صاحب العاهة لا يتميز، ألف ابن الأثير جامع الأصول وهو مشلول، وكتب السرخسي كتابه الشهير المبسوط خمسة عشر مجلداً وهو محبوس في الجب، كما أن جل فتاوى ابن تيمية كتبت وهو محبوس، وكتب ابن القيم زاد المعاد وهو مسافر، وشرح القرطبي صحيح مسلم وهو على ظهر سفينة، لا يحدهم حد، ولا تعوقهم العوائق؛ لأن النفوس كبيرة، وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام.
لا بد من الاعتناء بالتربية المؤدية للتميز، ليست أي تربية تؤدي للتميز، هناك أنواع من التربية التي تؤدي إلى إفساح المجال للطاقات للظهور، استكشافها إبرازها توظيفها تشجعيها، الاهتمام بالعلم الشرعي، وترك الجري وراء المستحدثات التي تلهي وتطغي، إن هنالك اليوم مناهج وافدة على الدعوة من نظريات وفلسفات، فهل قمنا بعمل للحواجز اللازمة لكي ننقي هذه الأشياء، ونأخذ المفيد، ونترك الضار والأجنبي عن الدين ونحذر منه؟
أين مطالعة جوانب التميز عند العظماء المتميزين كي نقتدي بهم؟
أين الحاجة للدخول في قضية الاصطفاء التي يندفع بها الشخص إلى التميز، ولا يتأثر بالساقطين ولا المتنازلين؟ يبقى على ثباته ليتميز، بل إن الثبات بحد ذاته تميز، وعندما لا تقبل أنصاف الحلول، ولا تقبل التنازلات، ولا تقبل المداهنات، فأنت متميز حقيقة، ويبقى منهجك متميزاً، ويبقك كلامك وفعلك، ويبقى هذا الشيء الذي تقدمه للناس محترماً عند الآخرين، لأنك لست متنازلاً، لأنك دافعت عن الحق، يعجبون بك، إن هنالك تجارب للمتميزين وبرامج يومية وحياتية ينبغي الاطلاع عليها.
إن تربية الشباب على فقه الكتاب والسنة، وكلام العلماء الراسخين تنشئ التميز حقيقة، وإن الاستفادة من هذه الطرائق الحديثة، والدورات بالقدر الصحيح المناسب، وبالمنهج الذي لا يخالف منهج الحق، هذا شيء جميل جليل، وربما قدم الإنسان وهو واحد خدمة كبيرة لدينه، هيوستن رجل في عام ألف وثمانمائة وثلاثين ألقى أمام الكونجرس خطبة بليغة لم يستعمل فيها كلمة مرتين، فانبهروا وسحر الألباب، وكان قد نجح لتوه في تسكين ثائرة الهنود الحمر وجلبهم إلى توقيع اتفاقات مع الحكومة، وعند ذلك استدعاه الرئيس وقال له: إن تكساس تتبع المكسيك، وإن مستقبل البلد متعلق بها، ولابد من ضمها، وأنت المكلف بذلك، قال: زودني بمال ورجال، قال: لو كان عندي مال ورجال ما دعوتك، أنت تذهب منفرداً بلا دولار واحد، وسأبعث معك حارساً فقط يوصلك إلى نهر المسيسبي، وهكذا تركه الحارس هناك ورجع، دخل بلداً في المكسيك، وفتح مكتب المحاماة، واشتهر بينهم، وبالبلاغة وقوة اللسان انبهر به الناس، وغرس فيهم ضرورة الاستقلال عن المكسيك، وتكساس تنضم إلى الولايات المتحدة، فانضمت بقناعات من أهلها نتيجة خطبه الرنانة، ونتيجة لهذا قدروه وسموا البلد على اسمه هيوستن، ولم ينفقوا في ذلك دولاراً واحداً.
إذا كان هؤلاء يسعون وهم أهل دنيا، وأهل باطل، وهؤلاء أهل طغيان، ويريدون الهيمنة، وعندهم من يتحرك للخدمة، ومن يسعى لأن يعمل لبلده، وأن يضم إليها الأجزاء المختلفة والأقاليم المتفاوتة، فكيف بنا نحن الذين يجب أن نحرص يومياً على أن نضم لهذا الدين ناس جدد، وأن نسعى في تنمية وتطوير والارتقاء بالناس الذين اكتسبوا من قبل في هذه الدعوة، أين استثمار الفطرة يا إخوان عندنا رصيد، رصيد التاريخ، رصيد الفطرة، الدين هذا يوافق ما فطر الناس عليه، ما من مولود إلا يولد على الفطرة[37].
ونحن نحتاج أن نصنع من هؤلاء الشخصيات، هذه الشخصيات التي تعيش معنا وحولنا من هم أصحاب تميز، إن هنالك رجالاً أخرجهم رجال، فإن مالك جوهرة أخرجتها يد ربيعة -رحمه الله-، وهل كان الشافعي إلا صنيعة من صنائع وكيع رحمه الله، ومن الذي أخرج ابن القيم إلا ذلك الشيخ شيخ الإسلام -رحمه الله-، ونور الدين وبعده صلاح الدين، في سلاسل من البشر، فلان أنتج فلاناً، فلان صنع فلاناً، فلان قدم فلاناً، فلان اكتشف فلاناً، وأبرز فلاناً، وشجع فلاناً، بتوفيق من الله، الهداية من الله.
انظر إلى ابن مسعود كيف صنع طلاباً متميزين، يقول علقمة: كنا جلوساً مع ابن مسعود فجاء خباب، قال: "يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء الشباب أن يقرأوا كما تقرأ؟ قال: "أما إنك لو شئتَ أمرت بعضهم يقرأ عليك، قال: أجل، يريد أن يرى هؤلاء الطلاب عند الشيخ، هل فعلاً يقرأون مثل ابن مسعود؟ هنا المستوى كبير، فيما يقضي ابن مسعود وقته، اقرأ يا علقمة، فقال زيد بن حدير: أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرأنا، فنهره، قال علقمة: فقرأت خمسين آية من سورة مريم وسكت، فقال عبد الله: كيف ترى؟ قال: قد أحسن، قال عبد الله: ما أقرأ شيئاً إلا وهو يقرؤه"[38] تلاميذ متعوب عليهم، هناك صناعة للرجال.
يا أيها المدرس: أنت تصنع من طلابك عظاماً، يا أيها الأب أنت تصنع من أولادك عظاماً، يا أيها الأخ الأكبر أنت تصنع من إخوانك الصغار عظاماً، كل واحد فينا عليه دور، أيتها الأم تصنعين من أولادك ذكوراً وإناثاً عظاماً وعظيمات، أيتها المدرسة في المدرسة الطالبات عندك بدلاً من أن يكونوا نهباً للقنوات الفضائية قومي بالتأثير فيهم.
قد يقول قائل: نحتاج إلى عمل على المستوى العام، ودعوة لهذه الجموع، ومن يؤثر في الجماهير حتى لا تنجرف، نقول: نعم، ويقول قائل: نحتاج مصانع للرجال، وللنساء، لكن فيها قلة من هؤلاء الذين يستجيبون ويتحملون هذه المستويات العالية، نقول: الأمة تحتاج لهؤلاء وتحتاج لهؤلاء، هناك من يقدر على التأثير في وعظ الناس، وهناك من يمكن أن يقدم لنا هذه الشخصيات التي الواحد منها بألف، الواحد بألف وأكثر من ألف.
قال ابن مسعود : لو أدرك ابن عباس أسناننا ما عشره منا أحد، نظر الحطيئة إلى ابن عباس يتكلم في مجلس عمر، قال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنه وأعلاهم في قوله؟ العمر أقل والكلام مستوى أعلى، يقول في مجلس عمر، ابن عباس كان صغيراً شاباً حدثاً، يقول عنه الحطيئة: من هذا الذي نزل عن الناس في سنه وأعلاهم في قوله؟ أثار تعجب، قال معاوية لعمرو بن سعيد: إلى من أوصى بك أبوك؟ لكن همة الغلام ما تقبل أوصى بي أبي -يعني يضع وصايا علي- قال: إن أبي أوصى إلي، ولم يوص بي، أوصى إلي وأعطاني نصائح وقواعد، ولم يوص بي"[39].
إذا ما الحي عاش بعظم ميت | فذاك العظم حي وهو ميت[40] |
الأب ممكن يأتي بمربٍ خاص لأبنائه، أن ينتقي يلتمس يرجو المتفوق في التربية أن يحرص على ولده، وهو يدفع بالولد ويشجعه ليكون مع ذلك المربي، نحتاج إلى انتقاء اليوم؛ لأن هناك من أنواع الشر ما هو منتشر وكثير، فلا بد أن تحرص مع من يمشي ويكون ويخالط حتى تصل إلى واحد وتتعب، حتى تجد واحداً ثقة تكون تربية ولدك على يديه، اختيار المدرسة المتميزة، والفصل المتميز، والمدرس المتميز، والمربي المتميز، وأبرز الأنشطة، والأنشطة المتميزة، ورعاية المواهب لتكون متميزة، ومسموعات متميزة، ومقروءات متميزة، الكتب كثيرة يا إخوان والأشرطة كثيرة، لكن هل هذا الغثاء الأناشيدي، مهرجانات سخيفة، هذه الي تنتج لنا ناس متميزين أو تنتج لنا شخصيات مائعة، فعلاً شيء لافت للنظر اليوم أن ترى المسموعات غثائية، لا تبعث على التميز، بل هي ألحان تخديرية تشبه الموسيقى في مفعولها، تؤدي إلى أنواع من الخمول والسكر باللحن، نحن الآن عندنا أنواع من الاهتمامات.
هناك من المدرسين من يحرص على الطلاب المتميزين في التكليف بالأبحاث والتلخيصات والسماع والمسابقات، وليست مسابقات تافهة، مسابقات فعلاً تدفع الطلاب، جلست في حلقة من حلقات لأحد المساجد وجدت مستوىً مبهراً، مع أنهم طلاب من المتوسط والثانوي، لكن عندهم شغف للعلم وحرص عليه، والمسابقة لا يحلها كثير من الجامعيين والمتخرجين؛ لأن الذي يربيهم أنشأ فيهم هذا التميز، أنشأ فيهم هذا العلو والارتقاء، علمهم الجدية، علمهم كيف يواظبون ويقرأون، ولذلك الواحد ما يتأفف إنه إذا سمع كلمة لا يعرف معناها يفتح القاموس ويسأل، أوجد عندهم الحافز للسؤال، الحافز للتعلم، إسناد المسئوليات، الإشراك في المهمات، هذه مهمة في قضية إنشاء المتميزين، أين المهمات؟ وأين الإشراك فيها؟ وأين التدريب عليها؟ وأين المتابعة؟ وأين تقويم الأخطاء؟ وأين التشجيع؟ وحتى لا تكون هناك مشاعر إحباط لو أخطأ، واحد جربته في الدعوة الآن دفعته للدعوة أول مرة مع مدعو، قال المدعو: روح، هذا كلام فاضٍ، أنت الآن تعطيه من ما لقي النبي ﷺ والأنبياء من قبله والمصلحين من الأذى ما تشجعه على الاستمرار واحتساب الأجر.
إن هذه التنمية للمهارات، هذا يتدرب على الخطابة، وهذا على الخط، وهذا بالحاسوب، وهذا بالكتابة، حتى الأشياء التي فيها أنشطة للنساء، للأولاد، منهم من يبدع مع الأطفال، ومنهم من يبدع مع الكبار، ومنهم من يبدع مع العامة، ومنهم من يبدع مع طلبة العلم، ومنهم من يبدع مع الكفار في الدعوة إلى الله.
يا إخوان: لا بد أن تكون هناك برامج، لا بد أن نحرص على التنظيم والترتيب والتنسيق والإعداد، المسألة فيها تعب، استشارة أهل الخبرة، لا بد أن يكون هناك شيئاً مكتوباً ومناقشاً ومدروساً، نحن نحتاج إلى جلسات وفيها عصف آراء ومناقشات للخروج ببرامج تقدم لهذه الأجيال، ترى إذا ما أشغلناهم بالطاعة انشغلوا بالمعصية، وإذا ما أشغلناهم بالعمل للدين عملوا للدنيا أو لهوى النفس أو للأمجاد الشخصية، كذلك فإننا نحتاج إلى الأسرة المتميزة، ورب الأسرة المتميز، والمرأة المتميزة، نحتاج إلى هؤلاء لكي يخرج لنا أولاد متميزون، إن التميز حتى في الذرية مطلب شرعي، ألم يقل نبي الله: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا [سورة مريم:5، 6]، يريد ولداً متميزاً، رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا [سورة البقرة:128]، التميز في الذرية جميل جداً، إنهم يدعون لك، إن مرتبتك عند الله ترتفع باستغفار ولدك لك، لا ينساك ولد صالح يدعو لك، صالح متميز بصلاحه طبعاً، وهكذا فإن الإنسان يطلب من الله: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً [سورة آل عمران:38]، تتميز بالطيب بالخير بالحرص عليه، وهكذا كان الإطلاق الذي يظهر فيه التميز، إن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين[41].
لماذا اكتسب العلماء ألفاظاً: الحافظ، الحاكم، أمير المؤمنين في الحديث، ثقة، ثقة ثبت، ثقة ثبت فقيه إمام حجة، هذه ألفاظ التعديل الموجودة في كتب الحديث تدل على أن هناك تميز، افتح أي كتاب جرح وتعديل، افتح كتاباً من كتب الرجال، وانظر كيف التميز كان في هذه الأمة، كيف الدقة كانت، كيف معايير النجاح التي وضعت.
إن المسألة لم تكن في قطاع الذكور فقط، بل في قطاع الإناث أيضاً، وجد الحافظات والداعيات والمجتهدات، الآن العصر عصر فتن، وهذه الوسائل المنحرفة تجذب الناس، ونحن نريد أن نجذب الناس إلى الحق، وهم يريدون جذب الناس إلى الباطل، نحن نريد أن يتميزوا في الخير، وأولئك يريدونهم رواداً في الشر، هناك تسابق على الناس، من الذي يكسبهم، وإلى أي صف، نريد تطلعاً للأجر في الآخرة، نريد أن يبعد هذا النشء عن الملهيات المحرمة، نريد أن الناس يحفظوا أوقاتهم، أين الصحبة الطيبة التي تعين على التميز؟ وأين الدقة والانضباط المعين على التميز؟ وهل نحن نماذج وقدوات في هذا لغيرنا؟ وأين استعمال الوسائل العصرية الإعلامية بأنواعها التي يكون فيها تميز في عرض الدعوة وإيصالها، وفتح مجالات جديدة وآفاق، والدعوة لا زالت بكراً ناشئة في العالم، لم تستعمل القنوات بعد كما ينبغي، ولا المواقع كما ينبغي، ولا حتى رسائل الجوال كما ينبغي.
إن هنالك مؤثرات خارجية كثيرة تقضي على التميز عند أولادنا وفي النشء، يجب أن نحاربها لكي لا تخدرهم، لكي لا تطغيهم، لكي لا تحرفهم، لكي لا تشغلهم، إن هنالك روح من التناصح يجب أن تكون، إن هنالك متابعات يجب أن تكون، إن هنالك محاربة لليأس والقنوط، وإثارة روح العزة والبعد عن الجدل والمراء، يجب أن نتبادل الخبرات حتى نكون متميزين، كانت مجالس الدعاة قرأت كتاب كذا، وسمعت شريط كذا، سألنا الشيخ الفلاني عن كذا، أفتانا العالم بكذا، مجالس فوائد، الآن لا يفوتكم مندي كذا والله جربنا رز المطعم، أما الستائر تبع المحل الفلاني، لكن تنجيد الكنب هناك، من أين اشتريت هذا يا أخي؟ ممكن تدلني على المحلات؟ فيه تخفيضات سبعون في المائة، صارت المجالس هكذا انقلاب في كثير من المجالس، لماذا حدث ذلك؟ لماذا صار الإقبال على الدنيا؟
التميز بالألفاظ وطريقة القراءة
إن التميز يكون حتى بالألفاظ وطريقة القراءة، هناك واحد عندما يقرأ، يقرأ بتأنٍ ويعيد القراءة، ويلخّص على الجوانب ويضع خطوطاً، ويرقم النقاط، ويكتب الفوائد المهمة في هامش الكتاب أو في الصفحة الأولى البيضاء، يقولون: لماذا الكتاب فيه صفحة بيضاء؟ لماذا يضيعون الأوراق، المطابع مجانين، هذه وضعت لأجل أن تكتب أنت الفوائد من الكتاب، لكن كثيراً من الكتب عليها غبار، وبعضهم باعها، وبعضهم يقول: تعرف أحد يشتري مني هذه المكتبة، والله أنا علي ديون، سبحان الله!، وهنالك مكتبات طلعت للكتب المستعملة، ناس استغنوا عن العلم وعن كتب العلم الآن، وصارت القضية فقط من يأخذ بربع القيمة.
العلم صيد والكتابة قيده | قيّد صيودك بالحبال الواثقة |
فمن الحماقة أن تصيد غزالة | وتتركها بين الخلائق طالقة[42] |
نريد حتى تميزاً صحياً، اختيار المآكل والمشارب بدلاً من الخلط الحاصل، إدخال الطعام على الطعام، نريد تميزاً حتى في النظافة والمظهر، هناك من لا يغسل يده بعد الطعام ولا من المرق والزهومة والنتن، والذي رائحته خارجة وجاء يسلم على إنسان فاضل، وهذا رائحته رائحة النوق، وهذا رائحة العرق، يا أخي النبي ﷺ كان يلبس الملابس لخطبة الجمعة، وأعد تلك الحلة للعيدين، ينبغي أن يكونوا كالشامة بين الناس، أما أن نأتي فعلاً عندنا تخلف حتى في أبسط الأشياء، ما يميز الإنسان عن البهيمة هي قضية النظافة وقضية الطهارة هذه، فكيف يقال بالنسبة للشباب الذين فقدوا التميز باللباس الإسلامي، كتابات عجيبة، اتبعني وأعطني الرقم، وخذ والحقني، ولباس عليه صورة حمار وأشياء فاحشة، وشعارات الكفار وألبسة غريبة عجيبة، منظره لا تميز بينه وبين منظر الكافر، ألسنا يجب أن نتميز عن هؤلاء بشخصياتنا وملابسنا، إن هناك هوة كبيرة يجب أن نردمها حتى نصل إلى المستوى المطلوب، إن هنالك أنواع من الثبات، وأنواع من المداومة المطلوبة اليوم، ليست القضية خطوة ولا خطوتين إنه مسلسل متتابع، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [سورة الذاريات:17، 18]. فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [سورة الشرح:7، 8]، وإذا انتقلت فرغت من عبادة تنتقل إلى عبادة أخرى.
إن الله يحب الاستمرار والمداومة أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل[43].
إننا نعاني اليوم من آثار ضعف التميز، وإن انحدار الأمة بسبب عدم وجود التميز بالدرجة المطلوبة الكافية، يجب أن يكون عندنا تميز في الواجبات الكفائية والثغرات الكثيرة المفتوحة على الأمة، الأمة الآن تحتاج إلى من يقوم بالدين، من ينصر الدين، من يدافع عن المسلمين، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تحتاج العالم والخطيب والداعية، صاحب الكلمة الصادقة، تحتاج للتميز بسلوكه وتصرفاته وشخصيته، تحتاج إلى الآن من ينقذ الأمة من أثر العولمة وهذه الآثار الإعلامية الفاسدة، وهذه الأشياء التي تؤثر على الإيمانيات فتسلبها.
إننا نحتاج إلى عناية وارتقاء واطلاع وتنويع، إننا نحتاج اليوم إلى تجديد لا يخل بالمنهج، ولا يتعدى الأسلوب إلى المنهج، بل تكون الأساليب شرعية أيضاً، وسيبقى هذا المنهج السلفي النقي هو مصدر التميز الذي تكون به قيادة الأمة إلى النصر بإذن الله ، وسيبقى تجدد العطاء وعدم البرود والإحساس بالمسؤولية، والسعي في تطوير النفس، وتنمية القدرات الذاتية، وتنشيط الكوامن الموجودة في أغوار النفوس وأعماقها والتخلق بأخلاق الكبار، وزهد الكبار، ومخالطة القدوات، والثناء على حسنات الآخرين، والاقتباس منهم والتأثر بسيرهم، والله يقدم لنا نماذج في هذا العصر، شهداء وكبار، ويقدم لنا من الأحداث المؤثرة والله في نفوسنا، نحن يجب أن نغتنم هذه الأحداث ويجب أن نكون على مستوى الأحداث اليوم والأمة التي ترزح اليوم تحت أنواع من الاحتلالات الفكرية والقلبية وأيضاً المادية التي تريد الهيمنة عليها لابد أن نقاوم ذلك كله بهذه الشخصيات المتدينة المتميزة.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا في القيام بأمر دينك يا رب العالمين، اجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، اجعلنا عالمين عاملين وفقهاء مستبصرين، وفي سبيلك مجاهدين إنك سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد.
- ^ رواه مسلم: (2664).
- ^ تفسير الطبري: (19/ 370).
- ^ حلية الأولياء وطبقات الأصفياء: (2/ 346).
- ^ إحياء علوم الدين: (3/ 207).
- ^ تفسير ابن كثير: (8/ 35).
- ^ تفسير الطبري: (20/ 117).
- ^ تفسير الطبري: (20/ 118).
- ^ رواه مسلم: (2546).
- ^ رواه البخاري: (3256)، ومسلم: (2831).
- ^ حلية الأولياء: (1/ 130).
- ^ أخلاق أهل القرآن: (103).
- ^ البداية والنهاية: (10/ 127).
- ^ أخلاق أهل القرآن: (77).
- ^ رواه البخاري: (2790).
- ^ رواه الحاكم في المستدرك: (6293)، وأبو نعيم في الحلية: (1/ 320).
- ^ رواه البخاري: (3808)، ومسلم: (2464).
- ^ رواه البخاري: (3809)، ومسلم: (799).
- ^ سير أعلام النبلاء: (17/ 319).
- ^ تهذيب التهذيب: (2/ 265).
- ^ سير أعلام النبلاء: (5/ 155).
- ^ إحياء علوم الدين: (1/ 27).
- ^ سير أعلام النبلاء: (10/ 47).
- ^ تهذيب التهذيب: (11/ 286).
- ^ تاريخ دمشق لابن عساكر: (52/ 84).
- ^ تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين: (44).
- ^ مناقب الإمام أحمد: (37).
- ^ مناقب الإمام أحمد: (33).
- ^ التبصرة لابن الجوزي: (1/ 205).
- ^ حلية الأولياء: (7/ 57).
- ^ التبصرة لابن الجوزي: (1/ 385).
- ^ رواه النسائي في الكبرى: (3689)، وأحمد: (1139)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود: (2723).
- ^ رواه مسلم: (1233).
- ^ ذم الكلام وأهله: (3/ 13).
- ^ رواه البخاري: (4425).
- ^ رواه البخاري: (6167)، ومسلم: (2639).
- ^ الاعتصام للشاطبي: (1/ 42).
- ^ رواه البخاري: (1358)، ومسلم: (2658).
- ^ رواه البخاري: (4391).
- ^ العقد الفريد: (2/ 62).
- ^ المجالسة وجواهر العلم: (5/ 268).
- ^ رواه البخاري: (2704).
- ^ أنس المسجون للحلبي: (33).
- ^ رواه مسلم: (782).