الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

23- رؤاه ﷺ 1


عناصر المادة
المقدمة
تعريف الرؤيا
رؤيا الأنبياء
رؤيا النبي ﷺ أول الوحي
أنواع رؤيا النبي ﷺ
رؤى النبي ﷺ المتعلقة بأمته
رؤى النبي ﷺ المتعلقة ببعض أصحابه

المقدمة

00:00:04

الحمد لله، وسبحان الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وحياكم الله في هذه الحلقة الأخرى من حلقات أحوال النبي ﷺ، نستعرض فيها وإياكم بعضًا من أحوال نبينا ﷺ، وكنا قد تكلمنا عن حاله ﷺ في تعجبه، وتكلمنا أيضًا عن ذكريات محمد ﷺ، ونتحدث بمشيئة الله تعالى في هذه الليلة عن رؤاه ﷺ.

تعريف الرؤيا

00:01:18

والرؤيا: بالألف الممدودة، جمعها رؤى، وهي ما يتعلق بالمنام، وأما الرؤية: فهي ما يتعلق باليقظة، فهذه مما تراه العين، وهذه مما يراه القلب.
وكان ﷺ رؤاه من الله قد عصمه ربه فلا سلطان للشيطان عليه، سواء كان نائمًا أو يقظانًا، وقد يعبث الشيطان بأحدنا في المنام ويتلاعب به، ولكن النبي ﷺ معصوم من هذا، فإنه لا يتلاعب به الشيطان لا في اليقظة ولا في المنام، صانه ربه في صحوه وفي نومه.
والرؤيا: ما يراه الشخص في منامه بوزن فعلى، والعرب تجعل الرؤية لما يرى في اليقظة، والرؤيا لما يرى في المنام.
قال ابن جني رحمه الله من علماء اللغة: لا تستعمل الرؤيا إلا في النوم، وجمعها رؤى. [المخصص: 1/496].
وأهل الإسلام يعلمون بأن هذه الرؤيا قد تكون من الله وقد تكون من الشيطان، وأن الله جعل في قلب النائم أشياء، وقد تكون بحضرة ملك فيقع بعدها ما يسر، أو بحضرة الشيطان فيقع بعدها ما يضر.
والتعبير: هو تفسير الرؤيا، لأنه يعبر بها أو يعبر بها من حال النوم إلى اليقظة، وعبرت الرؤيا إذا فسرتها، وعبرتها مبالغة في التعبير.

رؤيا الأنبياء

00:03:31

ورؤيا الأنبياء منها ما يحتاج إلى تعبير، ومنها ما هو ظاهر لا يحتاج إلى تعبير، فيكون على ظاهره، ومن أمثلة ما يحتاج إلى التعبير في الرؤى النبوية: رؤيا النبي ﷺ شربه للبن ثم إعطاؤه الفضلة وما زاد لعمر بن الخطاب ، وكذلك مما يحتاج إلى تعبير وتفسير في الرؤى النبوية رؤياه عندما رأى الدجال يطوف بالبيت وهو واضع يديه على منكبي رجال، فهذا وأمثاله من الرؤى النبوية يحتاج إلى تعبير.
وأما الرؤيا النبوية التي لا تحتاج إلى تعبير فهي على ظاهرها: كرؤيا الخليل إبراهيم أنه يذبح ابنه، فعدها بأنها أمر من الله بذلك، ولما أصبح أراد أن يقوم بذلك، وأيضًا رؤيا النبي ﷺ قصرًا لعمر في الجنة، فهذا مما هو على ظاهره لا يحتاج إلى تعبير، ورؤى الأنبياء وحي تختلف عن رؤيا غيرهم لأنهم معصومون يقظة ومنامًا، ومن العصمة حفظ النبي من الخلط، فلا يقع في منامه تخليط، وليس عنده أضغاث أحلام، ولا يتسلط الشيطان عليه في المنام.
قال العلماء: كانوا يمتنعون من إيقاظه ﷺ، يعني: الصحابة لما كانوا يتوقعون من الإيحاء إليه في المنام، فكان ﷺ إذا نام لم يوقظ حتى يستيقظ؛ لأنه قد يكون الآن وهو نائم يرى رؤيا وحي من الله، فما كان للصحابة أن يقطعوا عليه منامه؛ لأنه قد يكون في حالة وحي وهو نائم، وهو وإن نامت عيناه فإن قلبه لا ينام.
وقد روى الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "رؤى الأنبياء وحي" وصححه [المستدرك: 3613]، وصححه غيره [ذكره الهيثمي وقال: فيه عبد الله بن محمَّد بن أبي مريم وهو ضعيف، مجمع الزوائد:7/ 176].
وقال عبيد بن عمير: "رؤيا الأنبياء وحي، ثم قال: قرأ: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ[الصافات: 102] [البخاري:138].
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "وجه الاستدلال بما تلاه من جهة أن الرؤيا لو لم تكن وحيًا لما جاز لإبراهيم الإقدام على ذبح ولده". [فتح الباري: 1/239].
وقد حكى القاضي عياض في الشفا في أحوال المصطفى: الاتفاق على أن رؤيا الأنبياء حق ووحي. [الشفا بتعريف حقوق المصطفى: 1/359].
ومما يؤيد ذلك ما رواه الإمام البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه عن أنس بن مالك يحدث عن ليلة أسري بالنبي ﷺ من مسجد الكعبة قال: "والنبي ﷺ نائمة عيناه ولا ينام قلبه، وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم" [رواه البخاري:3570].
 هكذا في رواية أنس وإنما منع النوم من قبل النبي ليعيي الوحي إذا أوحي إليه في المنام، ولو سلط النوم على قلبه كانت رؤياه كرؤيا من سواه؛ ولذلك كان ﷺ ينام حتى ينفخ، ويسمع غطيطه وهو نائم، ولكن قلبه لم ينم، ولذلك كان يقوم فيصلي ولا يتوضأ.


وقال الطحاوي رحمه الله: "رؤيا الأنبياء صلوات الله عليهم كانت مما يوحيه الله إليهم، فيوحي إليهم في مناماتهم ما شاء الله أن يوحي، ويوحي إليهم في يقظاتهم ما شاء الله أن يوحي، فينزل عليه جبريل بالوحي، كل ذلك وحي منه إليهم، يجعل ما يشاء منه في يقظاتهم، وما يشاء في مناماتهم". [شرح مشكل الآثار: 14/465].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "المنام تارة يكون من الله، وتارة يكون من النفس، وتارة يكون من الشيطان، هذا بالنسبة لعموم الناس، وهكذا ما يلقى في اليقظة، والأنبياء معصومون في اليقظة والمنام، ولهذا كانت رؤى الأنبياء وحيًا؛ كما قال ذلك ابن عباس وعبيد بن عمير".[مجموع الفتاوى: 17/532].
وقال ابن القيم رحمه الله: ورؤيا الأنبياء وحي، فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأمة، ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل بالرؤيا، وأما رؤيا غيرهم فتعرض على الوحي الصريح" لو رأى واحد منا رؤيا في المنام تعرض على الوحي، "فإن وافقته وإلا تركته". [مدارج السالكين: 1/75].

رؤيا النبي ﷺ أول الوحي

00:08:54

أما قصة الرؤيا مع النبي ﷺ فقد كان أول ما بدئ به ﷺ الرؤيا الصالحة أو الصادقة قبل أن يبعث، يعني: من مبادئ مقدمات الوحي.
فروى البخاري ومسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: "أول ما بدئ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح". [رواه البخاري: 3، ومسلم: 160].
يعني: في الوضوح والوقوع، وإنما ابتدئ ﷺ بهذا لئلا يفجأه الملك، ويأتيه صريح النبوة بغتة فلا تحتمله القوة البشرية؛ ولذلك صار من رحمة الله أنه مهد للوحي الذي سينزله على نبيه بالرؤيا، فبدئ النبي ﷺ بأول خصال النبوة وتباشير الكرامة من صدق الرؤيا، وأيضًا رؤية الأنوار.
كان يرى ضوء، يرى نورًا، كذلك سماع الأصوات، فمثلاً سمع حجرًا يسلم عليه بمكة، وهكذا سلام صوت أنوار رؤى هذه مقدمات قبل أن يأتي الملك في غار حراء حتى يمهد له؛ لأن الوحي شيء عظيم، ولذلك حتى لما نزل عليه بعد ذلك من هول المفاجأة أصابه الرعب والفزع حتى عاد إلى خديجة يقول: زملوني دثروني [رواه البخاري: 3، ومسلم: 160].
قال ابن القيم رحمه الله: "هذا شأنه سبحانه أن يقدم بين يدي الأمور العظيمة مقدمات تكون كالمدخل إليها". [زاد المعاد: 3/369].
ألا ترى أن الساعة قبلها أشراط، لأن قيام الساعة يترتب عليه تدمير الأرض جميعًا، وتسير الجبال عن مواضعها، وتشقق السماء، والكواكب يذهب نورها، ويصطدم بعضها ببعض، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ[التكوير: 6] تشتعل نارًا، فهذه قضية تشقق السماء وتدمير الأرض بما عليها له مقدمات: مثل الدجال، يأجوج ومأجوج، الدخان، الخسوف الثلاثة، طلوع الشمس من مغربها، وهكذا، وهذه الكبرى لها مقدمات، وهي الأشراط الصغرى، وإذا لاحظ أكثرها عجائب كلها تمهيد الله يمهد للبشرية قيام الساعة، فمثلاً تكليم السباع الإنسان عجائب، أن ينطق الحديد عجائب، أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب عجائب، حتى أشراط الساعة الصغرى بعضها ما حصل، أكثرها حصل لكن حسر الفرات عن جبل من ذهب لم يحصل لكن سيحصل، لكن مثلاً تطاول الحفاة في البنيان، ولدت الأمة ربتها، انتفاخ الأهلة، ظهور النار بأرض الحجاز لقد ظهرت ورؤى على ضوئها أعناق الإبل ببصرى الشام مع بعد المسافة.
وكذلك مما لم يحدث نزول الخلافة الأرض المقدسة، وإذا حصل ذلك فقد دنت البلال والزلازل والأمور العظام.


مما حصل كثرة الزلازل الآن يتحدثون عن تغيرات مناخية في العالم، في تسونامي في حرائق، روسيا الكبيرة التي صارت ارتفاع درجات الحرارة في أماكن غير معهود ارتفاع درجات الحرارة فيها فيموت الناس، وكذلك ترى اضطراب الأمواج البحرية، وأيضًا ترى أشياء من العواصف من الزلازل، هذه الآن تحدث، الآن في العالم تغيرات مناخية غير معتادة، هذا واضح حتى الآن لو تسأل واحد عن أجواء الجزيرة؟
يقول: عواصف ترابية، ارتفاعات حرارة كبيرة، أمطار في غير الوقت المعتاد، طوفانات، سيول، شيء غير عادي واضح، لكن هذه تمهيدات، فهذه أشراط الساعة الصغرى بعدها أشراط الساعة الكبرى بعدها قيام الساعة، من حكمة الله ورحمة الله التمهيدات، نحن في آخر الزمان إذا كان نبينا ﷺ لما بعث قال: بعثت في نسم الساعة [حلية الأولياء:4/ 161، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة:808].
 بعثت أنا والساعة كهاتين [رواه البخاري: 5301، ومسلم: 867]، فنسأل الله السلامة والعافية.
وقد أخبرنا عن الهرج، وأخبرنا عن فتنة الأحلاس، وأخبرنا عن فتنة الدهيماء، وأخبرنا عن فتنة السراء، وأخبرنا عن فتن  كقطع الليل المظلم، وأخبرنا عن الرجل يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، أخبرنا عن وقت يمر الرجل بالقبر يقول ياليتني مكانه ليس به إلا البلاء، أخبر أنه لن تقوم الساعة حتى ترى يا معاذ عما ها هنا وها هنا مروجًا وأنهار، كان في وقتها في منطقة تبوك، هناك أشياء لا شك أنها تحدث الآن مقدمات لما بعدها، وما بعدها مقدمات لما بعدها حتى تقوم الساعة، فهذا الذي يبعث في نفس المؤمن الاستعداد لليوم الآخر، أيها الناس كل المراكب، والسيارات، والأجهزة، والجوالات، والشاشات، والشبكات، وهذه الأنواع المخترعات والبنيات والناطحات ترى كلها ذاهبة، التقنية كلها ذاهب، ونحن في آخر الزمان فلا شك أنا نرى الآن أشياء غير معتادة، وكل ما تقدم الوقت سيرى الناس على الأرض أشياء أكثر في ما يندهش منه، ويتعجب له.
إذا كان ﷺ أخبرنا أن قبل الدجال ثلاث سنوات يأمر الله السماء فتمسك ثلث المطر، والأرض تمسك ثلث النبات، والسنة اللي بعدها ثلثي المطر، وثلثي النبات، والسنة التي بعدها ولا قطرة من السماء ولا نبتة من الأرض، قال: فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله الناس ما يعيشهم؟


قال: التسبيح والتحميد والتهليل يجزئ ذلك عليهم مجرى الطعام [رواه ابن ماجه: 4077، وقصة المسيح الدجال: 26]. هذا يجزي ذلك عليهم مجزئة الطعام والشراب، يعني: التسبيح والتهليل والتحميد كأنك أكلت وشربت، هذا من فضل الذكر.
نعود إلى موضوعنا النبي ﷺ أخبر أنه كان يرى في أول الأمر سألوه كيف كان حالك مع الوحي؟ كيف كانت بدايتك مع الوحي؟ فأخبرهم: أنه كان يرى الرؤيا مثل فلق الصبح في وضوحها وتحققها.
وقد أخبر النبي ﷺ أن الرؤيا الصالحة من أجزاء النبوة عن أنس بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة [رواه البخاري: 6983]. فالله أوحى إليه في المنام.
قال العلماء: إن الله أوحى إلى نبيه في المنام ستة أشهر، ثم أوحى إليه بعد ذلك في اليقظة بقية مدة حياته، ثلاثًا وعشرين سنة، فمدة الوحي المنام تساوي نصف سنة، ونسبتها من وحي اليقظة تساوي جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، ذكر هذا القول ابن القيم رحمه الله في الزاد، ولم يذكر غيره. [زاد المعاد: 1/83].
ما معنى أن الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة؟ قالوا: إن النبوة ثلاث وعشرين سنة، نصف سنة منها كانت رؤيا، وبعد ذلك وحي بنزول جبريل، فنسبة النصف إلى ثلاثة وعشرين واحد على ستة وأربعين، هذا يعني الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه على كتاب التوحيد: "لأن أول الوحي كان بالرؤيا الصالحة من ربيع الأول إلى رمضان، وهذه ستة أشهر، فإذا نسبت هذا إلى بقية زمن الوحي كان جزءًا من ستة وأربعين جزءًا؛ لأن الوحي كان ثلاثًا وعشرين سنة، وستة أشهر مقدمة له". [القول المفيد: 2/237].


والرؤيا الصالحة هي التي تتضمن الصلاح، وتأتي منظمة، وليست بأضغاث أحلام.
وقال بعض أهل العلم: أنه لم يثبت أن الرؤيا كانت قبل النبوة ستة أشهر، وأن الأولى أن نقول: بأن الرؤيا تجتمع مع الوحي في تحقق ما يرى، فلو أن بعض الناس رأى رؤيا أنه سيقع كذا كذا وبعد ذلك وقع، هذا ما هو المشترك بين هذا وبين النبوة، الخبر عن شيء  في المستقبل حق يقع.
فإذًا قيل: هذا موضوع الستة أشهر بالنسبة لثلاثة وعشرين سنة هذا قول.
القول الثاني قالوا إن النبوة فيها أحكام وأخبار وأشياء، ومن الأشياء التي جاءت في النبوة أمور في المستقبل ستقع يأتي الخبر فيها بالوحي بالنبوة، فكذلك بعض الناس قد يرى رؤيا في المنام عن شيء سيقع ويقع، فتكون هذا بالرؤيا خبر عن المستقبل كما يأتي في الوحي والنبوة خبر عن مستقبل، لكن أين هذا من هذا، هذه رؤيا حصلت لواحد يمكن في عمره كله ما صارت إلا مرة مثلاً، لكن النبي ﷺ أخبر عن أشياء كثيرة، وجاءه الوحي يقظة، ورأى  في المنام أشياء، ورؤيا أي واحد فينا في المنام مهما كانت صادقة لا تكون شيئًا بالنسبة لرؤاه ﷺ، لا في العدد، ولا في المحتوى والمضمون، ولكن الرؤى في الجملة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة؛ لأنه يقع فيها أحيانًا في المنام أن شيئًا سيقع في المستقبل ويقع.

أنواع رؤيا النبي ﷺ

00:21:24

ومناماته ﷺ على أنواع كثيرة:
منها: ما هو لتثبيته وبيان حقيقة دعوته.
ومنها: ما يكون بيانًا لفضائل أقوام.
ومنها: ما كان لبيان أشياء ستقع.
ومنها: بشائر لهذه الأمة.
ومنها: أحوال وأحداث تكون القيامة.
ومنها: أشياء تكون في البرزخ.
لو أخذنا الرؤى النبوية ونظرنا في مواضيعها، يعني: جمعنا الأحاديث التي فيها رؤى للنبي ﷺ ما موضوعها؟ إما أشياء ستقع في المستقبل، أو تقع في البرزخ، أو تقع بعد قيام الساعة، أو بيان فضائل أقوام مثلاً، رأى قصر عمر.
رأى في المنام الصحابية الفلانية أو للصحابي الفلاني.
منها: ما هو أحيانًا تحذير للأمة لما استيقظ قال: من يوقظ صواحب الحجرات، رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة. يعني: سبحان الله ماذا أنزل من الفتن ماذا أنزل من الخزائن [رواه البخاري: 1126]، فأحيانًا تكون الرؤيا النبوية فيها تحذيرات من شرور وأخطار.

رؤى النبي ﷺ المتعلقة بأمته

00:22:38

فمن رؤاه ﷺ المتعلقة بدعوته وأمته رؤيته ﷺ لجبريل وميكائيل يضربان المثل به وبأمته، هذا فيه فضله وفضل أمته.
فروى البخاري والترمذي عن جابر بن عبد الله قال: "جاءت ملائكة إلى النبي ﷺ وهو نائم"، وفي لفظ الترمذي: إني رأيت في المنام كأن جبريل عند رأسي، وميكائيل عند رجلي [رواه الترمذي:2860]، فقال بعضهم: إنه نائم، وقال بعضهم يعني: الملائكة: إن العين نائمة والقلب يقظان، فقالوا: إن لصاحبكم هذا مثلاً فاضربوا له مثلاً فقالوا: مثله كمثل رجل بنى دارًا، وجعل فيها مأدبة، وبعث داعيًا، فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة، ومن لم يجب الداعي لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة، فقالوا: أولها له يفقهها، فقالوا: فالدار الجنة، والداعي محمد ﷺ فمن أطاع محمدًا ﷺ فقد أطاع الله، ومن عصى محمدًا ﷺ فقد عصى الله، ومحمد ﷺ فرق بين الناس [رواه البخاري: 7281].
فهذه رؤيا رآها ﷺ تبين حقيقة دعوته وحال أمته معه، وأن مثله كمثل داعي إلى دار فيها وليمة مأدبة طعام، فمن أجاب الدعوة دخل وأكل، ومن لم يجب لا دخل ولا أكل، فالدار الجنة، وهو الذي يدعونا إلى الجنة.
وفي معنى هذا ما رواه البخاري أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: يا رسول الله ومن يأبى؟، قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى [رواه البخاري: 7280].
وقد رأى النبي ﷺ رؤى قريبة من الرؤية المتقدمة، فروى الإمام أحمد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ أتاه فيما يرى النائم ملكان، فقعد أحدهما عند رجليه، والآخر عند رأسه، فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته، فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سُفر يعني: على سفر، وسُفر: جمع مسافر، مثل ركب صحب جمع راكب جمع صاحب، انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة المفازة: الصحراء، انتهوا إلى رأس مفازة، فلم يكن معم من الزاد ما يقطعون به المفازة، ولا ما يرجعون به، فبينما هو كذلك إذا أتاهم رجل في حلة حبرة، فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضًا معشبة ورياض: جمع روضة، رياضًا معشبة: يعني ذات عشب، وحياضًا رواء يعني: فيها ماء كثير عذب،  أتتبعوني هم في مفازة يتمنون هذا، فقالوا: نعم، فانطلق بهم، فأورد رياضًا معشبة وحياضًا رواء، فأكلوا وشربوا وسمنوا، فقال لهم: ألم ألقكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبة وحياضًا رواء أن تتعبوني؟ فقالوا: بلى، قال: فإن بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه، وحياضًا هي أروى من هذه، فاتبعوني. فقالت: طائفة صدق والله لنتبعنه يعني: ما دام صدق في الأولى الثانية أكيد أنه صادق.
وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه شوف أصحاب الهمم الدنية ما يتقدمون، أولى ما يحصل على شيء حتى في الدنيا أول وظيفة يمكن تتقدم تروح لوظيفة أحسن، شوف هؤلاء الكبار أصحاب المناصب الكبيرة، يمكن تحصله أحيانًا ما يطول في منصب ست شهور إلى سنتين، ثم يتقدم، وهذا قاعد أول وظيفة الملف الأخضر اجلس عليه إلى آخر العمر، هكذا في الأمور الدينية في ناس عندهم طموح، وفي ناس ما عندهم طموح يرضى بأقل شيء، فالحديث هذا حديث عجيب.


يقول: ألم ألقكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضًا معشبة وحياضًا رواء أن تتبعوني؟ فقالوا: بلى، قال: فإن بين أيديكم رياضًا أعشب من هذه، وحياضًا هي أروى من هذه، فاتبعوني. فقالت طائفة: صدق والله لنتبعنه. وقالت طائفة: قد رضينا بهذا نقيم عليه والحديث صححه أحمد شاكر في تعليقه على المسند [2402]، قال الهيثمي: إسناده حسن [مجمع الزوائد: 8/260]، وله شاهد عند الحاكم من حديث سمرة، وصححه على شرط الشيخين [المستدرك: 8200].
فحاصل المثل أن النبي ﷺ جاءهم في شدة الحال، وضيق العيش فدعاهم إلى الله، ووعدهم فتوح البلاد، ورخاء العيش، وأوصاهم ألا يكتفوا بذلك بل يأخذوا منه بقدر الحاجة، ويرغبوا في الآخرة، فحين جاءهم ذلك فمنهم من رغب في الآخرة، ومنهم من قنع بالدنيا ولا يبالي بالآخرة، ماذا كان العرب قبل البعثة من ناحية الأوضاع المادية، كانوا في أسوأ حال يأكلون الجعلان من الجوع، فالنبي ﷺ لما أتاهم بدعوته فتحوا فارس والروم، ودخلوا إيوان كسرى، وأخذ الذهب والفضة، فضة الروم، وذهب فارس، فصار العرب أغنى أمة في العالم لأنه خلاص أسقطوا أكبر دولتين في ذلك الوقت فارس والروم، فتحولت أفقر وأخنع وأسوأ وأحط أمة في العالم؛ لأنه كان الفرس والروم متقدمين عليهم، والحبشة متقدمين عليهم، العرب كان عندهم قحط يغير بعضهم على بعض، يدفنون البنات أحياء، يأكلون الجعلان، يشربون الخمر.
وأحيانًا على بكر أخينا إذا لم نجد إلا أخانا
فجاءهم النبي ﷺ فرفعهم الله به من أحط أمة إلى أقوى أمة وأغنى أمة، يعني: في عهد عمر إمبراطورية فارس انتهت، إمبراطورية الروم انحسرت، وهرقل راح إلى القسطنطينية، هرب ترك عاصمة ملكه الشام، ترك الشام وذهب إلى القسطنطينية بمن بقي معه، هذه كانت أقوى دولتين في ذلك الوقت، فصاروا من أفقر  أمة إلى أغنى أمة، ومن أضعف أمة إلى أقوى أمة، هل قال لهم: ارضوا بهذا، الآن أنا جئتكم بدين ستفتحون به فارس والروم، وتأخذون الكنز الأحمر والأبيض، فهل قال لهم: قفوا عند هذا؟ وارضوا بهذه المكاسب الدنيوية؟
لا، قال: بعدها الجنة، اعملوا للآخرة، هذا الدين يحقق لكم عز الدنيا ونعيم الآخرة، هذا المثل جاءهم في مفازة.
قال: إن أوردتكم رياضًا معشبة وحياضًا رواء تتبعوني؟

ثم أراد أن ينقلهم قال: أمامكم أعشب وأروى من هذه، فمنهم من قال: هذا يكفي، وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا[يونس: 7] نحن الآن هل نحن الآن نعمل للآخرة بجد، وأكثر وقتًنا للآخرة، وأكثر حرصنا على الآخرة، وأكثر تفكيرنا في الآخرة، وأكثر إنتاجنا للآخرة، وإلا نحن شغالين للدنيا ليلاً ونهارًا، والآخرة هذه نعطيها ما زاد من الوقت، انعكست علينا. مثلاً بعض الناس إذا جاؤوا مكة في بالهم يقول، تلقى عمائر ناطحات، وفيها فنادق خمس نجوم، وبوفيهات، ومطاعم من كل الأنواع، ومحلات كل الماركات، فتروح لهناك إلى هذه العمائر، وهذه الأماكن الفخمة، وهذه الفنادق، صارت القضية الكعبة غير المقصود، صار الناس يبحثون عن الفخامة والأكل، حتى شروط البرامج التي فيها أسفار السياحة الدينية هي تقوم على هذا التنافس، أنت الآن عند الكعبة المفترض أنك تبعد عن الدنيا، تتقلل، تعتكف في الحرم، المقصود الأساسي ما هو؟ لماذا جئت من آخر الدنيا؟ ومسافر للأفخم والتسوق، والأكل، والأنواع، فصارت الدنيا تلهينا عن العمل للآخرة.
رأى النبي ﷺ في منامه الأمم تعرض عليه مع أنبيائهم، ورأى أمته ومقارنتها ببقية الأمم، فروى الإمام أحمد عن ابن مسعود قال: "أكثرنا الحديث عند رسول الله ﷺ ذات ليلة ثم غدونا عليه" يعني: ثاني يوم الصباح، "فقال: عرضت عليّ الأنبياء معناه أنه بعد ما انصرفوا عنه في الليل نام ورأى في المنام ما يلي، فأخبرهم به صباحًا، عرضت علي  الأنبياء الليلة بأممها [رواه أحمد: 3806].
وعند البزار: رأيت فيما يرى النائم أن الأمة عرضت عليّ، فجعل النبي يمر ومعه الثلاثة، والنبي ومعه العصابة، والنبي ومعه النفر، والنبي ليس معه أحد.
وفي البخاري: فأخذ النبي يمر معه الأمة مثلت له نوح ومن معه، إبراهيم ومعه، وموسى ومن معه، عرضت علي الأنبياء وأممها.
رواية البخاري: فأخذ النبي يمر معه الأمة، والنبي يمر معه النفر، والنبي يمر معه العشرة، والنبي يمر معه الخمسة، والنبي يمر وحده [رواه البخاري: 6541]. لأن الأنبياء كثر.
ورد في حديث عند أحمد عن أبي ذر عدة الأنبياء منهم من حسنه، وكثيرون على تضعيف الحديث، أن عدة الأنبياء مائة وأربعة وعشرون ألف نبي الرسل، من ذلك ثلاثمائة وخمسة وستون [رواه أحمد: 22288، وصححه الألباني مشكاة المصابيح: 5737] جمًا غفيرًا طبعًا قوله: وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24] يدل على أن أمم الأرض كلها فيها أنبياء.
فلو قال لك واحد: أمة الهند أمة الصين فيها أنبياء؟ نعم بعث فيهم أنبياء، نعم أي بشر موجودين في العالم جاءهم نبي، أي أمة في العالم سوداء أو بيضاء أو صفراء أو حمراء، لا يوجد أمة إلا جاءها نبي، إفريقية أمريكا الجنوبية آسيا أوروبا  وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ [فاطر: 24].


والأنبياء كثيرون جداً، وذكر بعض أهل العلم هذا، يعني: أشاروا إلى أن هذه الأمم حتى الهند والصين وغيرها أنه بعث فيهم أنبياء، ولا يوجد في كلام بعض حكمائهم من الأشياء التي تحس أن فيها صدق أو حق ممكن تكون من آثار وبقايا النبوات في كلام حكمائهم، ولذلك ممكن بعض المتخصصين في التاريخ يبحث في بقايا كلام الأنبياء في أممهم عن طريق ما تبقى ما يسمى بالحكمة الهندية، والحكمة الصينية؛ لأن بعض الكلام الحق الذي عندهم من بقايا النبوات، لأن النبوات فيها بقايا في الأرض، مثل ما أخبر النبي ﷺ: إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت [البخاري:6120].
فمعناه أن من كلام النبوة الأولى بقت في الأرض، على أية حال: والنبي ليس معه أحد، والنبي يمر وحده.
في رواية أحمد: حتى مر عليّ موسى معه كبكبة من بني إسرائيل [رواه أحمد: 3806] والكبكبة هي الجماعة من الناس إذا انضم بعضهم إلى بعض، فأعجبوني يعني في عددهم وهيأتهم.
وفي الصحيحين: ورأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: هذا موسى في قومه [رواه البخاري: 3410، ومسلم: 220].
عودة مرة أخرى لرواية أحمد: فقلت: من هؤلاء؟ فقيل: هذا أخوك موسى معه بنو إسرائيل. فقلت: أين أمتي؟ فقيل لي: انظر عن يمينك، فنظرت، فإذا الظراب يعني: الجبال الصغار المنبسطة على الأرض، قد سد بوجوه الرجال، ثم قيل لي: انظر عن يسارك، فنظرت، فإذا الأفق قد سدت بوجوه الرجال [رواه أحمد: 3806].
وفي رواية أخرى عند أحمد: فرأيت أمتي قد ملئوا السهل والجبل، فأعجبني كثرتهم وهيأتهم. فقيل لي: أرضيت؟ فقلت: رضيت يا رب، رضيت يا رب، فقيل لي: إن مع هؤلاء سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فقال النبي ﷺ لأصحابه: فدى لكم أبي وأمي إن استطعتم أن تكونوا من السبعين الألف فافعلوا، فإذا قصرتم فكونوا من أهل الظراب المرتفعة، فإن قصرتم فكونوا من أهل الأفق، فإني قد رأيت ثم ناسًا يتهاوشون يعني في الرؤيا رأى ناس يتهاوشون.
ما معنى يتهاوشون؟ التهاوش في اللغة الاختلاط، يعني: يدخل بعضهم في بعض، ويخالط بعضهم بعضًا، ولا يستقرون، أحوالهم مضطربة.

فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله لي يا رسول الله أن يجعلني من السبعين، فدعا له.
فقام رجل آخر فقال: ادع الله يا رسول الله أن يجعلني منهم.
فقال: قد سبقك بها عكاشة [رواه أحمد: 3806، رواه ابن حبان: 6431، والحاكم في المستدرك:8721، وصححه ابن كثير في التفسير: 2/96، والحافظ في الفتح: 11/407].
وأصله في: [البخاري: 3410، ومسلم: 220]. من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

رؤى النبي ﷺ المتعلقة ببعض أصحابه

00:42:09

ومن رؤاه ﷺ الرؤيا التي جاءت لبيان فضائل بعض أصحابه، مثل عمر ، فعن أبي سعيد الخدري قال رسول الله ﷺ: بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص جمع قميص، مثل الثوب الذي نلبسه، هذا يسمى باللغة قميصًا، منها ما يبلغ الثدي، يعني قصير بحيث لا يصل من الحلق إلى الثدي، ومنها ما دون ذلك، يعني أشياء أطول إلى السرة، تحت السرة، فمنهم من قميصه إلى سرته، ومنهم من قميصه إلى ركبيته، ومنهم من قميصه إلى أنصاف ساقيه، وعرض عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرهيعني: طويل إلى الأرض، هذا ليس له علاقة بإسبال الثياب، هذه رؤيا تأويلها شيء آخر، وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره.
قالوا: فما أولت ذلك يا رسول الله؟ يعني: ناس يلبسون قمصان مختلفة في الطول، إلى الثدي وإلى الركبة وإلى السرة وإلى أنصاف الساقين، وعمر عليه قميص يجره.
قال: الدين يعني: القميص هو الدين. [رواه البخاري: 23، ومسلم: 2390].
وجه تعبير القميص بالدين أن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الآخرة، ويحجبها عن كل مكروه من النار والعذاب، والأصل في ذلك قوله تعالى:  وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26] والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالقميص.
ومنها قوله ﷺ لعثمان: إن الله سيلبسك قميصًا فلا تخلعه [رواه أحمد: 24837، والترمذي: 3705] وابن ماجه: 112، وصححه ابن حبان: 6915، وصححه الألباني مشكاة المصابيح: 6077].
ما المقصود بالقميص الخلافة، ولذلك ما خلع عثمان نفسه لما حاصر الثوار المدينة؛ لأن عنده وصية نبوية: إن الله سيلبسك قميصًا فلا تخلعه.
وفي رواية: فإن أرادك المنافقون على أن تخلعه فلا تخلعه [أحمد: 24566].
واتفق أهل التعبير على أن القميص يعبر بالدين، وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده، لاحظ قميص يجره خلفه تأويلها أن آثار عمر الدينية، أن دين عمر سابغ، وفضله سابغ، وسيبقى له آثار من بعده، يعني في سيرته، وعدله، وتنظيمه، وإدارته الدولة الإسلامية، ومنعه للبدع، وما تجرأ أحد، صبيغ بن عسل لما حاول، وبدأ يسأل عن المتشابهات في المجالس ناس ليس عندهم علم، لما بدأ يحوم في أشياء سمع عنه عمر.
قال: من أنت؟
قال: أنا عبد الله صبيغ.
قال: وأنا عبد الله عمر، فأخرج عراجين النخل التي أعدها، وسلخه، يضرب حتى سال الدم من رأسه، قال: حسبك يا أمير المؤمنين قد ذهب الذي في رأسي [سنن الدارمي: 146].
أرسله إلى أبي موسى في العراق في البصرة، وكتب عمر لا يكلمه أحد بقي الرجل كالأجرب ما أحد يقرب عليه بأمر من عمر، من الذي يتجرأ يخالف عمر، حتى الرجل كاد يموت من الغم، فكتب أبو موسى يستشفع يعني: يشفع عند عمر، أن الرجل سيموت من الغم، وفي الأخير أذن له عمر أن يكلم الناس. [الإصابة في تمييز الصحابة:3/ 371].
فلذلك ما أحد تجرأ في عهد عمر يفتح فمه ببدعة أبدًا، فبقي أمر الدين في عهد عمر مستويًا قائمًا لا بدع، والفتوحات وصلت في العراق، ومصر، والشام، كلها في عهد عمر، يعني: أساس بلاد المسلمين فتوحات عمر، ثم فتوحات عثمان في طنجا، أرمينية وأذربيجان في عهد عثمان توسعت، ثم في عهد خلفاء الإسلام، لكن ترى أن الشغل الأساس في عهد الراشدين، فكل أهل الأرض هؤلاء الذين أسلموا أصلهم مثل أجورهم في ميزان الصحابة؛ لأنهم هم الذين فتحوا بلدانهم، وعلموهم الإسلام، وأدخلوهم في الدين، يكفي من منجزات الصحابة أن الشام والعراق ومصر والمغرب كلهم تكلموا العربية، كيف تخلي شعب كامل يتعلم العربية؟ ويصبح في العراق وسوريا ومصر والشام والمغرب بالعربية؟ تغيير لغة، تدخل أمة من لغتهم إلى لغة أخرى يتكلمون بها، ويدينون دين الإسلام، ويصبح فيها مساجد، ولله في أرضه عباد.


فإذًا النبي ﷺ أولها بالدين.
وقال القاري: والمعنى يقام الدين في أيام خلافته مع طول زمان إمارته، وبقاء آثار فتوحاته حال حياته ومماته. [مرقاة المفاتيح: 9/3896].
قال ابن العربي: وأما غير عمر فالذي كان يبلغ الثدي هو الذي يستر قلبه عن الكفر، وإن كان يتعاطى المعاصي، والذي كان أسفل من ذلك وفرجه باد هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية، والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بتقوى عن جميع الوجوه، والذي يجر قميصه زائدًا على ذلك في العمل الصالح الخالص. [فتح الباري: 12/396].
قال الحافظ رحمه الله: وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام، ويذم في اليقظة شرعًا". [فتح الباري: 12/396].
تعليق لطيف جداً، إذا واحد رأى منام أنه لابس قميص يجره، قال: رأيت فلان العالم الشيخ صاحب الفضل فلان لابس قميصًا يجره خلفه.
قال ابن حجر: وهذا من أمثلة ما يحمد في المنام ويذم في اليقظة شرعًا"، لو رأيته يجر ثيابه باليقظة هذا مذموم، وإذا رأيته في المنام يجر ثوبه مما يرجى له الخير، قال: لما ثبت من الوعيد في تطويل الثياب، وعكس هذا ما يذم في المنام، ويحمد في اليقظة.
وفي الحديث مشروعية تعبير الرؤيا، وسؤال العالم بها عن تعبيره، ولو كان هو الرائي، يعني: لو العالم هو الذي رأى فإنه لا بأس أن يسأل عن تأويلها.
نختم بقصتين أو رؤيا للنبي ﷺ في عمر، وأيضًا رؤيا أخرى عن عبد الله بن عمر، قال: سمعت رسول الله ﷺ قال: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن، فشربت حتى إني لأرى الري يخرج في أظفاري الري: الشبع من الماء، وهذا كناية عن الارتواء، ثم أعطيت فضلي ما زاد عمر بن الخطاب ما زاد من اللبن.
قالوا: فما أولته يا رسول الله؟
قال: العلم [رواه البخاري: 82، ومسلم: 2391].
اللبن أوله بالعلم، ووجه تعبير اللبن بالعلم اشتراك اللبن والعلم في الكثرة النفع، وكونهما سببًا للصلاح، فاللبن للغذاء البدني، والعلم للغذاء المعنوي وغذاء الروح، والمراد بالعلم هنا العلم بسياسة الناس بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ، واختص عمر بذلك لطول مدته بالنسبة إلى أبي بكر، واتفاق الناس على طاعته، وبالنسبة إلى عثمان يعني: ما خرج على عمر، فإن مدة أبي بكر كانت قصيرة، فلم يكثر فيها الفتوح التي هي أعظم الأسباب في الاختلاف، ومع ذلك فساس عمر فيها مع طول مدته الناس بحيث لم يخالفه أحد، يعني: فتحت الشام، والعراق، ومصر، فتحت بلدان في عهد عمر ما أحد خرج عليه، طبعًا الصديق أفضل منه قطعًا، وبذل الصديق في مكة ما لم يبذله عمر، وبذل في المدينة ما لم يبذله عمر، ووطد الجزيرة على التوحيد بقتال المرتدين تمهيدًا لعمر.


يعني: شغل أبي بكر الصديق في قتال المرتدين هو في الحقيقة تمهيد للانطلاقة خارج الجزيرة؛ لأنك إذا ثبت الناس في الجزيرة انطلقت بعدها للمرحلة الأخرى فتوحات، فأبو بكر جهز لانطلاقة عمر، لكن خلافة الصديق ما طالت سنتان، وبينما عمر طالت خلافته، وكثرت فتوحاته، ومع ذلك ساس الناس سياسة لا يوجد مثلها، شيء عجيب تفتح بلد كاملة والكل يسكتون، ويسكنون، ويهدؤون، ويستسلمون، العادة إذا فتحت بلد إلا ويصير فيها ثورات وقلاقل، وما تستتب الأمور وترجع، وأخذ وعطاء، عهد عمر فتح البلاد استتبت ولم يخرج عليه أحد، ولم يكن سفاكًا للدماء.
أين عمر من الحجاج؟ عمر هيبة، ليس سفاك للدماء، هيبة إيمان قوة الدين رهبة، الناس تهاب عمر لدينه، ثم ازدادت بعد ذلك الفتوحات في عهد عثمان ولم يكن عثمان كعمر مع فضل عثمان، وحياء عثمان، ودين عثمان، لكن حصل بداية اختلاف الآراء، والأقوال، والبدع في عهد عثمان فنشأت فتن، وقام عبد الله بن  سبأ، وقام المجوس بمؤامرتهم، وأدى ذلك إلى الخروج عن خليفة المسلمين، وقتل خليفة المسلمين.
وفي الحديث أن علم النبي ﷺ بالله لا يبلغ أحد درجته فيه؛ لأنه شرب حتى رأى الري يخرج من أظفاره.
وقد روى الطبراني في الكبير عن الأعمش عن أبي وائل قال عبد الله بن مسعود: "لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان ووضع علم أهل الأرض في كفة ميزان لرجح علمه بعلمهم.
قال الأعمش: فأنكرت ذلك، فأتيت إبراهيم فذكرته له.
فقال: وما أنكرت من ذلك، فو الله لقد قال عبد الله أفضل من ذلك، قال: إني لأحسب تسعة أعشار العلم ذهب يوم ذهب عمر ". [المعجم الكبير للطبراني: 8809].
قال الهيثمي: "رواه الطبراني بأسانيد ورجال هذا رجال الصحيح غير أسد بن موسى، وهو ثقة". [مجمع الزوائد: 14436].
وأخيرًا: رأى النبي ﷺ في منامه قصرًا لعمر في الجنة، كما في حديث أبي هريرة قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ جلوس فقال رسول الله ﷺ:  بينما أنا نائم رأيتني في الجنة، فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر من ذهب، فقلت: لمن هذا؟ قالوا: هذا لعمر، فذكرت غيرتك، فوليت مدبرًا فبكى عمر وهو في المجلس، ثم قال: أو عليك يا رسول الله أغار". [رواه البخاري: 3679].
وقد جاء الحديث عند الترمذي وصححه عن بريدة، وفيه: فأتيت على قصر مربع مشرف من ذهب مربع مشرف يعني: في رأس مطل على قصر مربع مشرف من ذهب، فقلت: لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من العرب، فقلت: أنا عربي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من قريش، قلت: أنا قرشي لمن هذا القصر؟ قالوا: لرجل من أمة محمد، قلت: أنا محمد لمن هذا القصر؟ قالوا: لعمر بن الخطاب [رواه الترمذي: 3689، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 1/313].
قال المهلب: "هذه الرؤيا بشرى لعمر بن الخطاب بقصر في الجنة، وهذه الرؤيا مما تخرج على حسب ما رئيت لغير رمز"، يعني: ما تحتاج إلى تأويل، ما تحتاج إلى تعبير، هي على ظاهرها، "ولا غموض تفسير، والجارية كذلك، والوضوء إنما يؤخذ منه اسمه من الوضاءة؛ لأنه ليس في الجنة وضوء لصلاة، ولا عبادة"، يعني: القصر والجارية في الجنة [شرح صحيح البخاري لابن بطال: 9/543].
رأيت امرأة تتوضأ، ليس في الجنة تكليف، غير مكلفين بصلاة ولا صيام كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ [الحاقة: 24].
والوضوء يحتاج إلى تعبير، قالوا: إنما يؤخذ منه اسمه من الوضاءة، لأنه ليس في الجنة وضوء لصلاة ولا عبادة، وفيه دليل على الحكم لكل رجل بما يعلم من خلقه، ألا ترى أن النبي ﷺ لم يدخل القصر حين ذكر غيرة عمر، يعني في المنام يريد أن يدخل القصر فذكر غيرة عمر في المنام ما دخل امتنع، وقد علم أنه لا  يغار عليه، لكن أراد أن يأتي ما يعلم أنه يوافق عمر أدبًا منه، يعني لاحظ أدب النبي ﷺ مع أصحابه ومع عمر.
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم قصورًا في جنات النعيم، وأن يجعلنا من ورثة جنة الفردوس، وأن يعلي مراتبنا ودرجاتنا في دار السلام، ونسأله أن يغفر لنا أجمعين.
ونصلي على النبي ﷺ والحمد لله رب العالمين.