الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وحياكم الله في هذا الدرس الثاني من سلسلة: "الأربعون في عظمة رب العالمين".
ملخص الدرس السابق
وكنا قد تحدثنا بالأمس عن بدء الخلق كان الله ولم يكن شيء معه .
وكذلك حديث النبي ﷺ في كتابة المقادير: كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء، قال: وعرشه على الماء ، وقلنا: إن الإيمان بالقدر لا يكون إلا بالإيمان بمراتبه الأربعة: العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق، فنؤمن بأن الله -تعالى- علم الأشياء بعلمه الأزلي قبل أن تكون، وعلم ما كان، وما يكون وما سيكون، وما لو كان كيف كان يكون؛ جملة وتفصيلا، وعلم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم، ونؤمن بأن الله -تعالى- كتب كل شيء في اللوح المحفوظ قبل أن يقع، وخلق الله القلم وأجراه؛ فكتب كل المقادير، وكتب كل ما هو كائن إلى الأبد على وفق علم الله -تعالى-، كما جاء في الحديث الصحيح: إن أول ما خلق الله القلم، فقال: اكتب، قال: ((ما أكتب؟)) قال: اكتب القدر، ما كان وما هو كائن إلى الأبد [رواه الترمذي: 2155، وهو حديث صحيح].
وقد فهم بعض العلماء من الحديث: أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب معناها أن الكتابة حصلت فور وجود القلم، عندما خلقه أمره، فورا، وفي رواية: إن أول ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة [رواه الإمام أحمد: 22705، وهو حديث حسن]، هذه مرتبة العلم، وهذه مرتبة الكتابة.
مرتبة المشيئة
ثالثا: مرتبة المشيئة، كل ما يجري في هذا الكون فهو بإرادة الله ومشيئته، ومشيئة الله صادرة عن حكمته ورحمته، وما وقع مطابق لعلمه السابق في اللوح المحفوظ، المكتوب في اللوح المحفوظ، فمشيئة الله نافذة، وقدرته شاملة، وما لم يشأ لم يكن فلا يخرج عن إرادته شيء: وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 29].
وما شاء الله يخلقه، الذي يشاءه يوجده، وهذه هي المرتبة الرابعة: الإيجاد والخلق: قال تعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [القمر: 49]، وقال: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [الفرقان: 2]، وقال: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الزمر: 62] فنؤمن بأن الله خالق كل شيء لا خالق غيره، ولا رب سواه، وكل ما سواه مخلوق، والله خلق العامل والعمل، خلق كل شيء عامل وعمله، وكل متحرك وحركته، وكل ما يجري من خير أو شر، وكفر أو إيمان، أو طاعة أو معصية، شاءه الله وقدره.
ونؤمن بأن هذه المراتب الأربعة شاملة لما يكون من الله -تعالى- ولما يكون من العباد، فهناك أشياء يعملها ربنا مباشرة، هناك أشياء يعملها العباد والله خلقها، فكل ما يقوم به العباد من الأقوال والأعمال والتروك معلوم لله، مكتوب عنده ومخلوق، والله قد شاءه وأراده وخلقه، قال تعالى: لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير: 28-29]، قال: وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [البقرة: 253]، وقال: وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ [الأنعام: 137].
وقال: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات: 96].
لكن مع إيماننا بأن الله -تعالى- خلق أفعال العباد فإننا نؤمن أيضا كما أخبر أن للعباد مشيئة واختيارا، وأن لهم فعلا حقيقيًّا وعملا، وأنهم ليسوا مجبورين على أعمالهم، فلو شاء الواحد أن يصلي صلى، ولو شاء أن لا يصلي ما صلى، ولو شاء أن يشرب الخمر لشربه، ولو شاء أن يتركه لتركه، وهكذا..
إذن، هذه المشيئة التي بناء عليها يحاسبون، ولو كان الأمر أنهم لا اختيار لهم ولا مشيئة ما حاسبهم، ولذلك رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه فإذا وصل الأمر بالعبد إلى أن يفعل شيئا بغير اختياره ورغما عنه وبالإكراه وبالإجبار وبالقوة فإن الله لا يحاسبه على ذلك، فالعباد يفعلون ما يشاؤون، لهم مشيئة واختيار يفعلون، يعني أفعالهم بمشيئتهم، ولكن هذه الأفعال وهذه المشيئة كلها مخلوقة خلقها الله، خلق الفاعل والفعل، والعامل والعمل، وخلق الشائي ومشيئته، سبحانه وتعالى، فليس في كتابة الله تعالى وتقديره إذن منافاة لمشيئة الإنسان واختياره؛ لأن الله كتب علمه بما يعمله هذا المخلوق، وما يترتب على ذلك، ولم يجبره عليه، بل هديناه النجدين، وبين له طريق الخير وطريق الشر، وخلى بينه وبين نفسه، قال له: اعمل، وهو يختار ما يريد، من غير إكراه ولا إجبار.
فمن كمال علم الله -تعالى- وعظمته: أنه يعلم ما في السماوات وما في الأرض، وعلمه محيط بما في السماوات وما في الأرض، وأنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، وأنه علم الكائنات كلها قبل وجودها، وكتب كل حركة من حركاتها في اللوح المحفوظ؛ كما قال تعالى: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحـج: 70].
كتابة الله للمقادير
ذكرنا للوح المحفوظ أسماء ما هي؟
أم الكتاب، الإمام المبين، الذكر، كتبنا في الذكر: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء: 105] كتبنا في الزبور من بعد الذكر، يعني من بعد ما كتبنا في الذكر في اللوح المحفوظ أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.
قال كثير من المفسرين: الجنة، أرض الجنة.
الكتاب المبين، والإمام المبين، أم الكتاب، والذكر، واللوح المحفوظ، قال : إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحـج: 70].
وقال سبحانه: مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا [الحديد: 22] من قبل أن نخلقها، من قبل أن نوجدها في الواقع هي مكتوبة إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22].
وذكرنا أن هناك فوائد لهذه الكتابة: أن يسلم العبد لا يطغى إذا أتاه الله مالا، ولا ييأس أو يأسى إذا فاته شيء من الدنيا؛ لأن ذلك مكتوب مقدر من قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فعلام على ماذا يكون الأسى؟ خلاص أي شيء يحدث مصيبة فهي مكتوبة من زمان، شيء مقدر ومكتوب ومفروغ منه، وجف القلم بعدما كتب القلم المقادير، جف القلم على علم الله.
قوله ﷺ في الحديث: وعرشه على الماء يعني كتب المقادير القلم، خلق القلم وكتب المقادير قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء ، وبهذا يستدل على أن العرش سابق على القلم، خلق العرش سابق على خلق القلم، وقد قال تعالى: وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء [هود: 7] فهو سبحانه كتب مقادير الخلق حين كان عرشه على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة.
كتابة القلم للقدر كان في الساعة التي خلق فيها -كما قلنا- في الحديث: إن أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب فليس القلم أول مخلوق، لكن معنى الحديث أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب وليس القلم أول مخلوق، وإنما أول ما خلق الله القلم، قال له: اكتب، فكانت الكتابة بعد خلق القلم مباشرة.
وأما العرش مخلوق قبل القلم: إن أول ما خلق الله القلم ثم قال: اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة [رواه الإمام أحمد: 22705، وهو حديث صحيح].
وهذا ذكره أهل العلم كابن تيمية -رحمه الله- في: "الصفدية"، وكما في: "بغية المرتاد" و "شفاء العليل" لابن القيم، و"رسالة العرش" للذهبي -رحمه الله-.
طبعًا هذه المعلومات ثروة كبيرة وفرصة للعباد من رب العالمين، يعني نحن لا شهدنا، ما رأينا، ولا حضرنا، وكيف نستنبط هذا، ما يمكن، ولذلك كل هذه المعلومات ثروة ورزق من الله.
الآن البشرية تخوض في قضية بدء الخلق كيف بدأ الخلق؟
ما عندهم نظريات وأشياء تكهنات تخرصات توقعات، فيه نظرية تقول كذا، وفيه نظرية تقول، وفيه نظرية تقول، ونحن عندنا العلم الأكيد، يعني نحن المسلمين عندنا العلم الأكيد بالقضية الغيبية الذي ما شهدناها، لكن هذا من الله، وهذا فائدة الإسلام والدين أن عندك يا مسلم علم يقيني، والذي عند غيرك من الكفار الذين يتكلمون عن بدء الخلق تخرصات، وبعضهم ملاحدة ويقولون: بالانفجار ما الذي انفجر؟ ما الذي قبل الانفجار العظيم؟ قالوا: عدم، لا شيء، ما كان في شيء.
ما الذي انفجر؟ قالوا: خلية صغيرة.
هذا خلية -كما قلنا- شيء تكهنات وتخرصات كيف انفجرت؟
طفرة، ما الذي طفرها؟ ما في، ولذلك ظنون وتخمينات، وكثير منها طبعا باطل، لكن أنت يا مسلم عندك العلم الحق أنت يا مسلم عندك العلم الحق.
نص الحديث الثالث
الحديث الثالث: عن جبير بن مطعم قال: "سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ [الطور: 35-37] قال جبير: "كاد قلبي أن يطير" [رواه البخاري: 4854].
وفي رواية: "سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي" [رواه البخاري: 4023].
شرح الحديث الثالث
جبير بن مطعم كان مشركا قدم المدينة بعد بدر يطلب فداء أسارى بدر، جاء من طرف المشركين بعد معركة بدر، النبي ﷺ كان حريصا أن الأسرى والوفود من يأتي يسمع القرآن حتى يسمع كلام الله فكان ينزلهم في أماكن قريبة من المسجد حتى يسمعوا؛ فسمع جبير بن مطعم وهو مشرك لما جاء المدينة في طلب الفداء فداء الأسارى من قومه وافق في صلاة المغرب النبي ﷺ يقرأ سورة الطور، فسمع منه هذه الآيات أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ هل خلقوا من العدم أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ لأنفسهم؟، لا الخلق من العدم ما يمكن ،كيف يعني شيء يوجد من لا شيء، وما الذي أوجده؟، حدث من تلقاء نفسه، لا يمكن، هم الخالقون لأنفسهم لا يمكن كيف يخلق الإنسان نفسه قبل أن يوجد، فما الاحتمال الثالث الوحيد الباقي الصحيح: أن هناك خالقا أو موجودا أوجد هذا من العدم بقدرته.
لما سمع جبير هذه الآيات وقعت في قلبه وأثرت تأثيرا بليغا، وكانت سبب هدايته إلى الإسلام، وقد جاء في بعض الروايات: "فكأنما صدع عن قلبي حين سمعت القرآن" رواه الإمام أحمد، الحديث فيه ضعف؛ لكن معناه موافق.
كأنما صدع عن قلبي في تلك اللحظة التي سمعت فيها الآيات، انفتح لي شيء ما كان يراه.
قوارع القرآن ضد الملحدين
وهذه الآيات من قوارع القرآن.
قوارع القرآن في ترى هذا باب عظيم قوارع القرآن، لماذا؟ لأن هذا في مناقشات في الشبكات الإنترنت والمناظرات والمناقشات مهمة قوارع القرآن؛ لأنها تقرع يعني لو شفت ملحد تقول له: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [الطور: 35-36].
أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [إبراهيم: 10].
أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17].
هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ [لقمان: 11].
آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ [النمل: 59].
أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل: 61].
وهكذا هذه قوارع القرآن تقرع، ولذلك جبير بن مطعم لما سمعها انزعج وقلق وانصدع عن قلبه، وأصيب بالرهبة؛ لأنه عرف ما تضمنته الآية من الحجة البالغة، والعرب هؤلاء يفهمون، كانوا يفهمون القرآن على وجهه، وهذه الآية كافية لمن عنده عقل في الدلالة على وجود الخالق سبحانه، وأنه هو الذي خلق، وما يمكن إذا واحد عاقل إلا أن يذعن، يعني ماذا سيفعل غير الإذعان لما في الآية؟
وأي منكر وعاقل إذا قرأت عليه لا بد أن يسلم إلا إذا عاند، وقد تقرر في العقل مع الشرع أن الأمر لا يخلو من ثلاثة احتمالات: إما أنهم خلقوا من غير شيء، لا خالق خلقهم، وجدوا من غير إيجاد ولا موجد، وهذا محال.
ثانيا: أنهم هم الخالقون لأنفسهم، وهذا أيضا محال، بل هو أشد في البطلان.
الثالث: الذي تقوم به الحجة أن هناك موجدا وخالقا، وهو الله -عز وجل-، فإذا تعين هذا علم أنه المستحق للعبادة؛ لأنه وراء قضية التسليم.
الآن في صراعنا مع الملاحدة الآن ترى بعض الملاحدة يقول أو بعض الكفار يقولون: طيب خلاص سلمنا لكم أنه في خالق، خلاص سلمنا لكم في خالق، سلمنا في خالق، لكن خلقهم وتركهم، لماذا للتملص من قضية؟ ما الخطوة التي بعد؟ أنه في خالق، أنه في شرع، وفي مراد لهذا الخالق من الخلق، لماذا خلقه الكافر؟ ماذا يريد أن يقول ليزيغ؟
يقول: خلق وترك، لماذا خلق يلزم من هذا أنه خلق عبثا، ولذلك من قوارع القرآن: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ [المؤمنون: 115]، هذه من قوارع القرآن؛ لأن هذه في المناقشات هذه تجي وراء هذه، يعني إذا سلم في النهاية انحشر في الزواية، وقال: خلاص أقر أن هناك موجد وخالق، فأنت لا بد أن تنتقل معه إلى النقطة التي بعده في النقاش، هذه أصول في النقاشات، فلماذا خلقهم؟ كذا بس؟ يعني ما يمكن الخالق الحكيم، ما يمكن الخالق العظيم، صاحب القدرة هذه العجيبة أن يخلق بلا قصد، بس كذا يخلق بلا قصد، ما يمكن لا بد يكون في قصد.
ما القصد؟
بعدين يجي الرد في قوله: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56] هذه في آخر سورة الذاريات، وإي شيء الذاريات بالنسبة للطور؟
فالآيات تتجاور وتترابط، خلاص كل واحدة تقود إلى الأخرى، الحق منه سبحانه.
وإذا كان خلقنا لعبادته فكيف نعبده؟ من الذي سيخبرنا كيف نعبده؟ هو، فكيف يخبرنا؟ رسول وكتاب واضحة، يعني التسلسل واضح يعني ولا بد، فهذا الرسول وهذا الكتاب، فيقال للكافر: اقرأ ترجمة الكتاب إذا كنت لا تعرف العربية، خلاص أنت اعترفت أنه خالق، وأنه ما يمكن يخلق عبثا، وأنه خلق الخلق لعبادته فكيف يعبدوه، هو الذي عليه البيان، ما يمكن الخلق يستنبطون كيف من أنفسهم، كل واحد يعبد على كيفه.
كيف يعبدونه؟ برسول يرسله، وكتاب ينزله.
خلاص اقرأ، يالله اعبد، الآن وصلنا إلى المبتغى، قال جبير في الحديث: "كاد قلبي أن يطير" لقوة الدليل المفحم المقنع فدخل الإيمان في قلبه واطمأن.
السبر والتقسيم في إقامة الحجة على الملحدين
وهذا الدليل دليل عقلي يعني هو دليل من الكتاب من القرآن، لكنه يناقش العقل يخاطب العقل: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ هذا حوار عقلي أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ [الطور: 35- 36].
هذه الطريقة تسمى عند العلماء: طريقة السبر والتقسيم، يعرض لك الاحتمالات، الاحتمال الأول هذا صحيح؟ لا، ما يمكن باطل، الاحتمال الثاني هذا صحيح؟ لا، لا يمكن، الاحتمال الثالث، ماذا بقي؟ هذه طريقة السبر والتقسيم، فنحصر الاحتمالات ونناقشها واحدا واحدا، ما هي الاحتمالات الممكنة؟ هذا أو هذا نناقشها واحدا واحدا حتى نصل إلى الحق، قال الإمام الشنقيطي -رحمه الله- محمد الأمين: "السبر والتقسيم عند الأصوليين يستعمل لاستنباط علة الحكم الشرعي، وضابط هذا المسلك أمران: الأول: حصر أوصاف الأصل المقيس عليه. والثاني: إبطال ما ليس صالحا للعلة، فإن كان الحصر والإبطال معا قطعيين فهو دليل قطعي، وإن كانا ظنيين أو أحدهما ظنيا فهو دليل ظني، ومثال ما كان الحصر والإبطال فيه قطعيين قوله تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ [الطور: 35]" شف يحصر الاحتمالات، ويبطل الحصر.
والإبطال شف هذه طريقة السبر والتقسيم، هذا العنوان الأساسي ماذا يأتي بعده؟ الحصر والإبطال، الذي هو احصر الاحتمالات، وكر عليها واحدا واحدا، الأول، الثاني، نبطل كل الأباطيل، فيبقى عندنا في الأخير الاحتمال الوحيد الصحيح الباقي، قال الشيخ: "لأنه حصر أوصاف المحلي في الأقسام الثلاثة التي هي أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور: 35] قطعي لا شك فيه لأنهم إما أن يخلقوا من غير شيء أو يخلقوا أنفسهم أو يخلقهم خالق ولا رابع البتة، وإبطال القسمين الأولين قطعي لا شك فيه -يعني لا شك أنه باطل ما يمكن يكون أنه صح أكيد باطل- فيتعين أن الثالث حق لا شك فيه"، لكن هو حذف في الآية، الحين الآية ما هو مذكور في الآية، ليس لظهوره؛ لأنه خلاص هو الوحيد الباقي، فدلالة هذا السبر والتقسيم على عبادة الله وحده قطعية لا شك فيها.
شف مثلا في القرآن: هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ [فاطر: 3].
الكلام السابق في "أضواء البيان" للشنقيطي -رحمه الله-.
نص الحديث الرابع
الحديث الرابع: عن أنس بن مالك قال: "نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء" يعني الصحابة ما كانوا يسألون عن حكم الأشياء التي لم يذكر حكمها اكتفاء بأن الأصل هو الإباحة، حتى لا يكون سؤال أحدهم سببا للتحريم، فكانوا خلاص الله ربنا ليس بنسي: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64]، فلو كان الله يريد أن ينزل حكما في شيء لنزله، الصحابة كانوا مؤدبين، ما كانوا يسألوا في هذه المنطقة أو في هذه المساحة، في هذه الأشياء، هذه خلاص من فقههم أنهم يتركونها، غير قضية الوقائع والأحداث التي تقع للواحد منهم، هذا شيء آخر، ولا بد يسأل، هو يقول حصل لي كذا، حصل كذا، يسأل هو، لكن السؤال العام عن شيء خلاص تركه ربه ما نزل فيه شيء خلاص، اتركوه، الأصل الإباحة، وهذا حكم، يعني هذا لله حكم ما يعتبر أن هذا مغفول عنه، ويعني أنه ما له شيء، لا، هذا الأصل في الأشياء الإباحة، هذا حكم، ولو أراد الله أن ينقله عن الإباحة لنزل حكما نقله تحريما، أو إلى آخره، يعني تحريما أو وجوبا أو إيجابا.
عن أنس بن مالك قال: "نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء".
فإذن، هذا "نهينا أن نسأل عن شيء" لها جانب معين، ما هو نسأل أبدا، لا، إذا وقع لهم شيء يسألون، ولا يسألون عن الافتراضيات، هذا أصلا ليس من الأدب في طلب العلم أنه يجي واحد يخترع قضايا ما حصلت، "نهينا أن نسأل رسول الله ﷺ عن شيء، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية" العاقل فيسأله ونحن نسمع "فجاء رجل من أهل البادية" يوم من الأيام جاء واحد من أهل البادية.
طبعا يعجبهم الواحد من أهل البادية العاقل؛ لأنه أسئلته وجيهة وجيدة، تكون جيدة ووجيهة، ما يجي مثلا واحد سفيه وإلا طائش فيه حماقة، لا، يعجبهم العاقل الرجل من أهل البادية يأتي ليس مثلهم مخاطبا، يعني عنده العلم والفقه، ويجب أن يسكت عن كذا، يجي واحد ما يدري من البادية ما يدري ويسأل وهو عاقل، سؤال عاقل، فيسأله ونحن نسمع، "فجاء رجل من أهل البادية، فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك"؟
شف بعض البادية عندهم أسلوب في التحقق، فيه الأسئلة المشددة الصريحة المباشرة القوية الواضحة هو كذا، يعني طريقتهم في، يجي السؤال: "يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله أرسلك؟ قال: صدق ، قال: "فمن خلق السماء" شف هنا يتبين لنا عقل الرجل أنه بدأ يسأل عن الأشياء التي يراها كل يوم في الطبيعة، وهذه الأسئلة التي تقود إلى شيء، هذه الأسئلة لها معنى ومغزى، هذه تقود إلى أشياء، قال: "فمن خلق السماء؟" قال: الله قال: "فمن خلق الأرض؟" قال: الله ، قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟" قال: الله ؛ يعني جعل فيها سبلا، الله في القرآن، قال: لما خلق الجبال أنه جعل فيها سبلا، وذكر أنه جعل فيها شيئا آخر فِجَاجًا سُبُلًا [الأنبياء: 31]، فبعضهم ذكر في الفروق: الممرات في الجبال سواء كانت مغلقة أو نافذة، يعني توصل إلى السهل مثلا في النهاية، في نهايتها توصل إلى السهول، وأحيانا تكون طريق ينتهي في وسطه، لكن في طرق لا نافذة إلى آخر الجبل، يعني في فرق بين فجاجا وسبلا ما هي مثل بعض ما في تكرار.
قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟"، يعني مثل الفجاج السبل أو جعل فيها ما جعل من المعادن، وأنزلنا الحديد تجده في الجبال في معادن في الجبال، قال: "فمن نصب هذه الجبال وجعل فيها ما جعل؟ قال: الله ، قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال: آلله أرسلك؟" هذا إقسام، قسم، قسم، بعدما قرر قال: "من الذي خلق السماء؟" كل الخبر الإجابة واحدة: الله قال: "فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه الجبال آلله أرسلك؟" قال: نعم ؛ الحديث رواه البخاري ومسلم واللفظ له وتمامه، قال: "وزعم رسولك أن علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟" قال: صدق ، قال: "فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم ، قال: "وزعم رسولك أن علينا زكاة في أموالنا؟" قال: صدق ، قال: "فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم ، قال: "وزعم رسولك أن علينا صوم شهر رمضان في سنتنا؟" قال: صدق ، قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟" قال: نعم ، قال: "وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا"، قال: صدق قال: ثم ولى".
طرح الأسئلة هذه بقوة وأخذ الإجابات ومضى، قال: "والذي بعثك بالحق لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن"، فقال النبي ﷺ: لئن صدق ليدخلن الجنة [رواه البخاري: 63، مسلم: 12].
شرح الحديث الرابع
من هو هذا الرجل؟ ضمام بن ثعلبة .
شف الرجل واضح وحفظ من رسول رسول الله ﷺ كل العلم، المعلومات التي جاءهم بها، وجاء الآن يتحقق.
وهذا الرجل ضمام له أسئلة، يقول عمر : "ما رأيت أحدا أحسن مسألة ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة".
الأسئلة المنهي عنها في الشريعة
نهى الله -تعالى- الصحابة عن كثرة سؤال النبي ﷺ أو السؤال عن أشياء قبل أن تحدث، وعما لا ضرورة إليه، ولا فائدة لهم من السؤال فيه، والتنقيب عنه؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ [المائدة: 101].
أما ما يحتاجونه، ما وقع لهم قضايا خاصة بهم، فإنه لا بد أن يسألوا؛ كما قال تعالى: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7]، وهذا هو الجمع بين الآيتين؟
لما يأتينا نصان فيهما أمران في الظاهر، يعني كبداية متعارضان ماذا نفعل؟
كلاهما نزل من جهة واحدة من عند الله، ما يمكن يكون في تعارض.
على طول مباشرة نقول: السؤال المنهي عنه غير السؤال المأمور به، على طول هذه طريقة أهل العلم والفقه.
طيب المنهي عنه مثل ماذا؟
طيب أشياء قبل أن تحدث، فرضيات لا ضرورة إليها، لا فائدة منها، أشياء سكت الله عنها، فلماذا يسأل؟ خلاص الله سكت عنها، يعني مباحة، لماذا تسأل، تبغي تشديد مثل بني إسرائيل: اذبحوا بقرة، أي بقرة، بين لنا ما هي؟ ما لونها؟، هذه أسئلة التعنت.
المهم السؤال المنهي عنه غير السؤال المأمور به، كان الصحابة يعجبهم أن يأتي رجل من أهل البادية مما لم يبلغه النهي عن السؤال، ويكون عاقلا فيسأل وهم يسمعون؛ لأن العاقل أعرف بكيفية السؤال وآدابه، والمهم منه، ويحسن المراجعة، فينتفعون بالجواب، كما ذكر النووي في شرحه على مسلم، وكما في تفسير ابن كثير -رحمه الله-.
الربط بين توحيد الربوبية والألوهية
وقد اكتفى هذا الرجل العاقل بأسئلة سهلة في جوابها يكون في جوابها إثبات لوجود الله ووحدانيته، واستحقاقه للعبادة، وهذا الربط المهم الذي لا يربطه كثير من الكفار، ما الربط بين الخالق وعبادته؟
يعني لاحظ "من خلق السماء؟ الله، من خلق الأرض؟ الله، من خلق الجبال؟ الله، بعدين طيب جاء رسولك يقول: إن علينا خمس صلوات لله، وصيام شهر لله، الذي خلقه وزكاة وحج لله، هذا الربط بين توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، هذا الربط بين الإقرار بوجوده، وأنه خلق وأنه رب رازق محيي مميت، وهكذا.. وبين أن نعبده وحده لا شريك له: وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر: 3].
طيب الخطوة التي بعدها؟ لماذا تعبدون معه غيره؟ لماذا تعبدون من دونه؟ هذا الذي سقط فيه مشركو العرب.
إذن، توحيد الربوبية عند العاقل لا بد أن يقود إلى توحيد العبادة، لا بد الذي خلق كل هذه ما له حق علينا، الذي خلقنا ما له حق علينا، قال العلماء: في هذا الحديث وهذا من حسن سؤال هذا الرجل، وملاحة سياقته وترتيبه، فإنه سأل أولا عن صانع المخلوقات من هو، ثم أقسم عليه بها أن يصدقه في كونه رسولا للخالق، ثم لما وقف على رسالته وعلمها أقسم عليها بحق مرسله، وهذا ترتيب يفتقر إلى عقل رصين، يعني ما يمكن يطلع الترتيب هذا إلا من واحد عاقل، وعقله رصين. "شرح النووي على صحيح مسلم".
الاستدلال بالصنعة على الصانع
هذه الطريقة التي سلكها هذا الصحابي ماذا نسميها في المناظرة أو التدبر، الاستدلال؟ بماذا؟ على ماذا؟ أول حديث الرجل هذا أسئلته الأولى هي طريقة علمية فما هي؟
هي في البداية الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، هذه مهمة ترى في النقاشات اليوم التي تحدث عبر الشبكات، الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، ثم معرفة الواجب نحو هذا الخالق، هذه الطريقة، طريقة تفكر وتدبر وتأمل.
وهذه أيضا تنفع في تزويد المراهق الشاب أول ما يبلغ الشباب، الأولاد أول ما يبلغون يصير عنده نزعة انتباه، تصير عنده نوع من الانفتاحات، يعني أنا وجدت في عائلة مسلمة لكن ما الإسلام؟ من الخالق؟ يعني ما الدليل؟
تبدأ تتفتح عنده أشياء، هذه طريقة مهمة، هنا يبدأ الولد إذا بدأ يطرح أسئلة من النوع الذي من أين جئنا؟ من خلقنا؟ ويش الدليل على أن الرسول؟ أن القرآن؟ طيب الإسلام مين؟ من قال؟ كيف؟
فيقال: خلاص، يقول: ابدأ الاستدلال بالمخلوقات على الخالق، ثم ما هو حق هذا الخالق، ثم كيف نعرف هذا الحق وتفصيلاته أيضا؟
هذه نافعة في الوساوس، لما يجي الشيطان يلقي للواحد وساوس: من خلق؟ من قال؟ كيف نعرف؟ ماذا يؤكد لنا؟
هذه طريقة مهمة في تركيز الحق في النفس وترسيخ الإيمان، هذه الأدلة اليقينية في القرآن كثيرة، ما هي قليلة: قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [يونس: 101]، أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِنْ شَيْءٍ [الأعراف: 185]، إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ [آل عمران: 190]، وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ [الذاريات: 20-21].
الاستدلال بالصنعة على الصانع، وبعجائب المخلوقات على الخالق، وأن النظر في هذا الشيء البديع التناسق الانتظام مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ [الحجر: 19] كذا موزون، كذا كل شيء موزون في الكون، يعني لو زاد الأكسجين، لو نقص كذا، شف ماذا سيحدث من المصائب، فهذه الأشياء التي في الكون هذا التناسق الإبداع، التوازن الانتظام في المسارات والأفلاك، الترتيب يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5]، هذا مجال عظيم للتدبر والانقياد إلى وجود الله وقدرته وحكمته ، وماذا يجب نحوه بعد ذلك.
الآيات الموافقة لما ذكره ضمام بن ثعلبة
من الآيات التي في القرآن الموافقة لما ذكره ضمام من الأسئلة ما هي؟
آيات في جزء عم في سورة من سور جزء عم فيها موافقة: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ * وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ * وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ * وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ [الغاشية: 17- 20].
طبعا هذه مرتبة يعني البدوي أول ما يقف في الصحراء على بعيره، أول ما يرى بعيره إذا استوى على بعيره السماء، ثم الجبال، ثم الأرض.
مثل الترتيب في سورة عم شف مرتبة هذه الأمور: أول شيء السماوات سبعا شدادا فوق، سبعا شدادا تحتها، وجعلنا سراجا وهاجا، اللي هو الشمس تحتها، وأنزلنا من المعصرات السحاب ماء ثجاجا، اللي تحتها لنخرج به حبا ونباتا، مرتبة مثل ترتيب النحل: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل: 68].
تحت على الأرض من المناحل التي يتخذها الناس.
إذن، هذه الأسئلة التي طرحها ضمام موجود مثلها في القرآن، وهذا استدلال وما يراه الراكب على بعيره السماء فوقه، والجبال أمامه، وأرض تحته، وتدل على العليم الخبير سبحانه وتعالى، ولذلك جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال يقول: هل يقدر أحد أن يخلق مثل الإبل أو يرفع مثل السماء أو ينصب مثل الجبال أو يسطح مثل الأرض غيري؟
يعني هذا تفسير الآيات من سورة الغاشية.
نص الحديث الخامس
الحديث الخامس: عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: أخذ الله -تبارك وتعالى- الميثاق من ظهر آدم بنعمان قال يعني: عرفة فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر نثر الخليقة كلها بين يديه كالنمل الصغار كالذر ثم كلمهم قبلا، قال: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ [الأعراف: 172] الحديث رواه النسائي في الكبرى والإمام أحمد -رحمه الله- وهو حديث صحيح [رواه أحمد: 2455، والنسائي في الكبرى: 11127، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 121].
شرح الحديث الخامس
هذا الحديث عن عالم الذر أخذ الله -تبارك وتعالى- الميثاق، الميثاق ما هو؟ العهد.
إذن، الله أخذ العهد على البشر جميعا، على البشر في عالم الذر، أخذ عليهم العهد أنه ربهم، وأن يعبدوه وحده لا شريك له.
المواثيق التي أخذها الله على بني آدم
المواثيق التي أخذها الله -تعالى- على بني آدم ثلاثة؛ كما جاء في الأدلة: ميثاق عالم الذر، وميثاق الفطرة، والميثاق في الرسل والكتب.
ميثاق عالم الذر
أما بالنسبة لميثاق عالم الذر، فإن الله -تعالى- استخرج من ظهر آدم ذريته جميعا، كل البشرية بنعمان.
نعمان هذه منطقة، شف أنت إذا طالع من مكة إلى الطائف إلى طريق الهدا وين تكون عرفة على شمالك.
نعمان هذه المنطقة التي نثر الله فيها ذرية آدم جميعا، لكن صغار جدا كأمثال الذر.
وهذا خبر غيبي أنا وأنت ما نذكر، هل تذكر أنه حصل هذا؟
لا، لكنه حصل، ولو كنا لا نذكره، قطعا حصل.
كيف عرفنا أنه حصل؟
بخبر الوحي الصادق المصدوق، وهذا من العجائب، يعني عجائب عندنا أخبار عن أشياء ما تعرفها البشرية، ولا يمكن معرفتها بدون هذا الطريق، بدون طريق الوحي، ونحن الآن نمر بين نعمان ونمر بالوادي ونمر بمنطقة عرفة، ونرى المنطقة ما نذكر شيئا، لا نتذكر شيئا، لكننا نعلم يقينا أن ربنا في ذلك المكان استخرج ذرية آدم من ظهره جميعا ونثرهم في نعمان أمثال الذر النمل الصغار، وقال لهم مخاطبا جميعا: أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى [الأعراف: 172] كلهم ما أحد اعترض، ولا أحد أنكر، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ [الأعراف: 172].
وقد جاء في الحديث الصحيح يقول الله -تعالى- لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة لو أن لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدي به. فيقول: نعم لو الأرض كلها يا ابن آدم يقول الله لرجل من أهل النار: لو كل ما في الأرض من ذهب من أموال من زينة من .. من .. إلى آخره، لو كنت تملكه الآن وأنت داخل النار أكنت تفتدي به؟ مستعد أن تقدمه فداء حتى ما تدخل النار؟ فيقول: نعم مستعد، وأضحي وأعطي كل ما عندي، فيقول: أردت منك أهون من هذا أنا ما طلبت منك ملء الأرض ذهبا، طلبت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم ألا تشرك بي شيئا فأبيت إلا أن تشرك بي متفق عليه [رواه البخاري: 3334، ومسلم: 2805].
أمرتك حين أخذت الميثاق عليك فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا أن تشرك بي، وأنت مأخوذ عليك العهد، مأخوذ عليك الميثاق.
ميثاق الفطرة
الميثاق الثاني: ميثاق الفطرة: أن الله فطر الناس على توحيده، وأن تعرف النفوس، الفطر أن تعرف ربها، وأن تعرفه واحدا لا شريك له: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ [الروم: 30].
استخرج ربنا ذرية آدم شاهدين على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم لا إله إلا هو.
ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه [رواه البخاري: 1358، ومسلم: 2658].
وقال تعالى في الحديث القدسي: إني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشيطان فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا [رواه مسلم: 2865].
ميثاق ما جاءت به الرسل وأنزلت به الكتب
الميثاق الثالث: ما جاءت به الرسل، وأنزلت به الكتب: رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 165].
كل المواثيق حتى لا يقول أحد ما جاءنا، ما عرفنا، ما اهتدينا، ما شعرنا، ما حسينا، ما درينا؟
نقول: لا، فطرتك تدلك، والكتاب يدلك، والرسول يدلك، وحتى الأدلة العقلية لو كان عندك عقل صحيح تصل، فماذا صار؟
إما أنه كذب أو وقع ضحية للمكذبين، ولذلك الذي ما وصله الإسلام بشكل صحيح واضح يوم القيامة الله يختبره؛ لأن الله لا يظلم، أولاد المشركين الذين يموتون وهم صغار سئل النبي ﷺ قال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين [رواه البخاري: 1383، ومسلم: 2660].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.