الخميس 4 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 5 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

18- ما جاء في إدام رسول الله ﷺ 1


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فقد قال الإمام الترمذي - رحمه الله - تعالى في كتابه الشمائل المحمدية: باب ما جاء في إدام رسول الله ﷺ: "عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي ﷺ قال:  نعم الأدم أو الإدام الخل ، قال عبد الله بن عبد الرحمن في حديثه: نعم الإدام أو الأدم الخل [رواه مسلم: 2051]. ورواه مسلم وأبو داود وابن ماجة وأحمد والدارمي.

وكلمة: نعم  تُقال للمدح، والإدام كما قال أهل اللغة ما يؤكل به، فيقال: أدم الخبز يأدمه والجمع أُدُم، مثل إهاب وأهب، وكتاب وكتب، والأُدْم بالسكون مفرد كإدام، أما الأدُم بالضم فهي جمع، ما يؤكل مع الخبز من أي شيء كان، ما يؤتدم به يجعل إدامًا، قال الخطّابي - رحمه الله -: "معنى الحديث: نعم الإدام الخل  مدح الاقتصاد في المأكل وتربية النفس على التعود على الابتعاد عن ملاذ الأطعمة، فقوله:  ائتدموا بالخل  ونحو مما تخف مؤونته ولا يعز وجوده، فكأنه يقول: لا تتأنقوا في الشهوات، لا تشترطوا المأكولات المتعددة، لا تبحثوا وتتعبوا أنفسكم وتهتموا بأنواع الشهوات المتعلقة بالبطن؛ لأنها مسقمة للبدن وهي أيضًا تقسّي القلب أي كثرتها. قال النووي - رحمه الله -: الذي ينبغي أن يجزم به أنه ﷺ مدح الخل، فقوله: نعم الإدام الخل ، هذه العبارة يقول النووي - رحمه الله -: "الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه، وأما الاقتصاد في المطعم والشهوات، فمعلوم من قواعد أُخر، والذي يؤيد هذا قول جابر: "فما زلت أحب الخل منذ سمعتها من نبي الله ﷺ،" وهذا كقول أنس : "ما زلتُ أحب الدباء"، أي منذ رأى النبي ﷺ يتتبعها في نواحي الصحفة. [شرح النووي على مسلم: 14/7].

وقوله: نعم الإدام الخل ؛ لأنه سهل الحصول، يحصل بلا كلفة رخيص سهل الوجود، نافع للبدن، وكان ﷺ يحبه ويشربه ممزوجًا بالعسل، وذلك من أنفع المطعومات. ويستفاد من هذا الحديث استحباب الثناء على الأكل تأنيسًا للآكلين، وفيه أن النبي ﷺ كان لا يتكلف معدومًا، ولا يرد موجودًا، يأكل مما تيسر، خل خل، نعم الإدام الخل، ولا يزدري النعمة مهما كانت قليلة، مهما كانت يسيرة، وإذا كان الشيء موجودًا أكله، وإذا لم يجد شيئًا فإنهﷺ يصوم ويقول لأهله معلنًا إني إذن صائم، وأخذ العلماء من الحديث الاقتصار على نوع واحد من الطعام، وليس كما يفعله بعض الناس اليوم من تعداد أنواع الأطعمة على الصحفة، ثم في آخر الأمر محلها خارج الصحفة، والحديث يدل على أن ما خلل من الخمر خلال طاهر بشروطه المعروفة عند الفقهاء. ثم قال - رحمه الله -: حدثنا قتيبة، حدثنا أبو الأحوص عن سماك بن حرب قال: سمعت النعمان بن بشير يقول: "ألستم في طعام وشراب ما شئتم؟ لقد رأيت نبيكم ﷺ وما يجد من الدقل ما يملأ بطنه" [رواه الترمذي: 144، وصححه الألباني في المختصر: 110].

وقد تقدم هذا الحديث، وفيه كيف كان ﷺ يتقلل من الدنيا. وعن محارب بن دثار عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ:  نِعم الإدام الخل  وعن أبي قلابة عن زهدم الجرمي قال: كنا عند أبي موسى فأتي بلحم دجاج، دجاج، دجاج، دَجاج، دُجاج، دِجاج كلها صحيحة، وقال بعضهم: إنها بالفتح والكسر فقط، أتي بلحم دجاج، فتنحى رجل من القوم، فقال: ما لك؟ الحديث ليس مرفوعًا، ليس فيه ذكر النبي ﷺ في أوله، يأتي ذكره فيما بعد، من الذي يقول: ما لك؟ أبو موسى الأشعري، عن زهدم الجرمي قال: "كنا عند أبي موسى الأشعري فأتي بلحم دجاج، فتنحّى رجل من القوم، فقال: ما لك؟ لماذا تنحيت عن الطعام؟ فقال: "أني رأيتها تأكل شيئًا منتنًا، رأيت الدجاج يأكل نتنًا، ما يستقذر، فحلفت أن لا آكلها، سبق رأيت دجاجة تأكل شيئًا منتنًا، ومنذ ذلك الوقت حلفت ما آكل الدجاج، قال: ادنُ، اقترب، فإني رأيت رسول الله ﷺ يأكل لحم الدجاج" والحديث صححه الألباني. [رواه الترمذي في الشمائل: 146، وصححه الألباني في المختصر: 4112].

والدجاج من دج يدج الفعل، دج يدج، وما معنى هذا الفعل في اللغة؟ دجّ إذا أسرع، ويقال له: دجاج "لإسراعه في الإقبال والإدبار" [لسان العرب: 2/264]، يمشي بسرعة ويرجع بسرعة دجاج، ويقال أيضًا دجاجة، يعني العرب كانت تسمي النساء باسم دجاجة، فهو اسم امرأة، وهو بالفتح فقط، ومن راويات الحديث: جسرة بنت دجاجة رحمها الله. قال البخاري - رحمه الله - عندها عجائب" [التاريخ الكبير للبخاري: 2/67]. وقوله في الحديث: "فتنحى"، تأخر وتلكأ عن الطعام. وقوله: "تأكل نتنًا"، وفي رواية: "إني رأيتها تأكل قذرًا"، كأنه ظن أنها أكثرت من ذلك فصارت جلالة، والجلالة ما هي؟ الحيوان إذا أكل القاذورات والنجاسات يسمى جلاّلة، والجلاّلة حكمها في الشرع أنها تحبس حتى يطيب لحمها ثم تذبح فتؤكل، فإذا كانت دجاج أو الغنم أو غير ذلك يأكل من قاذورات ونحوها فيحبس على طعام نظيف طاهر حتى يطيب لحمه، ثم يذبح ويؤكل، فلعل الرجل ظن أن الدجاج هذا جلالة لا يؤكل لتغذيه على القاذورات والنتن والنجاسات، فبين له أبو موسى أنها ليست كذلك، يعني ليس هذا الدجاج الذي ذبحوه مما يتغذى على هذا النتن أو القاذورات، أو كأنه يقول له: لا يلزم من كون تلك الدجاجة التي رأيتها أن كل الدجاج مثلها يتغذى على النتن، فالرجل لما رآها من قبل تأكل النتن حلف أن لا يأكلها، والنبيﷺ قال:  لا أحلف على يمين، فأرى غيرها خيرًا منها، إلا أتيت الذي هو خير وتحللتها [رواه البخاري: 3133، ومسلم: 1649].

ومعنى تحللتها يعني: كفرت عن يميني، فالشيء الذي منعت منه نفسي يكون حلالًا. ومعنى: "ادن" أي: اقترب. وفي الحديث جواز أكل الدجاج إنسيه ووحشيه، وفي الحديث جواز دخول المرء على صاحبه في حال الأكل، وفيه تبيين أحكام الشرع، وأن الأصل في الأطعمة الحل، والتأسي بالنبي ﷺ. قال: وعن إبراهيم بن عمر بن سفينة عن أبيه عن جده قال: "أكلتُ مع رسول الله ﷺ لحم حبارى"، لكن هذا الحديث ضعيف، وأخرجه أبو داود كذلك وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وضعفه الألباني. [رواه أبو داود: 3797، والترمذي: 1828، وضعفه الألباني في المختصر: 132]. أما الحبارى فهي طائر كبير العنق رمادي اللون في منقاره بعض طول، ومن شأنها أنها من أشد الطيور طيرانًا وأبعدها كذلك في الطيران، والحبارى من الطيور وهي حلال ما دام ذكيت فإن لحمها حلال وهو على الأصل. وعن القاسم التميمي عن زهدم الجرمي قال: كنا عند أبي موسى فقدم طعامه وقدم في طعامه لحم دجاج وفي القوم رجل من بين تيم الله أحمر كأنه مولى فلم يدن، فقال له أبو موسى: ادن، فإني قد رأيت رسول الله ﷺ يأكل منه، فقال: إني رأيته يأكل شيئًا فقذرته، فحلفت أن لا أطعمه أبدًا" [رواه الترمذي: 148، وصححه الألباني في الشمائل: 131].

والحديث تقدم، وكذلك رواه البخاري ومسلم. وتيم الله اسم قبيلة، وهذا الرجل كأنه من سبي الروم، وقيل: كأنه من الموالي يعني: العجم. ثم قال: حدّثنا محمود بن غيلان، حدثنا أبو أحمد الزبيري وأبو نعيم، قال: حدّثنا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن رجل يقال له عطاء من أهل الشام عن أبي أُسيد قال: قال النبي ﷺ: كلوا الزيت وادّهنوا به  [رواه الترمذي في الشمائل: 149، وصححه الألباني في المختصر: 133]، فإنه من شجرة مباركة، وأُسيد هكذا ضبطه، ومن قال أسيد فإنه لا يصح، وقوله:  كلوا الزيتﷺ لما أمر فقال: كلوا الزيت ، يعني مع الخبز واجعلوه إدامًا، والمراد بالزيت دهن الزيتون، زيت الزيتون، خلاصة عصارة الزيتون، وقوله ادهنوا به، المراد دهن شعر الرأس، وكانت العرب تفعله لئلا يتشعث الشعر، يعني يتفرق وتعلق به الأوساخ، والأمر هنا ليس للوجوب، ولا للإلزام وإنما هو أمر إباحة وندب لمن قدر على استعماله ووافق مزاجه، فليس كل أمر يحمل على الوجوب، مع أن هذا هو الأصل، لكن قد يصرفه عن الأصل إلى الاستحباب صارف. قال ابن القيم - رحمه الله -: "الدهن في البلاد الحارة كالحجاز من أسباب حفظ الصحة وإصلاح البدن وهو كالضروري لهم"، لكن يمكن يكون في البلاد الباردة الأمر يختلف" [زاد المعاد: 4/282].

إذن هذا بحسب ما يكون عليه حال الناس أو طبيعة البلد والجو والبيئة. وقوله: فإنه من شجرة مباركة  يعني هذا الزيتون يؤخذ أو هذا الزيت يؤخذ من شجرة الزيتون وهي شجرة مباركة، وهو يشير إلى قوله تعالى:  زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ [النور: 35]، وهذه الشجرة مباركة لكثرة ما فيها من المنافع؛ ولأنها تنبت في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها؛ لأنها تنبت في الأرض المقدسة التي بارك الله فيها، ولذلك كانت هذه الشجرة مباركة؛ لأنها تنبت في الأرض المباركة؛ ولأن منافعها كثيرة. ثم قال: حدّثنا قتيبة بن سعيد، حدّثنا حفص بن غياث، عن إسماعيل بن أبي خالد عن حكيم بن جابر عن أبيه قال: دخلت على النبيﷺ فرأيت عنده دباء يقطع، فقلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا، قال أبو عيسى وجابر يعني المذكور في الحديث هو جابر بن طارق ويقال ابن أبي طارق وهو رجل من أصحاب رسول اللهﷺ قال: ولا نعرف له إلا هذا الحديث الواحد، والحديث صححه الألباني. وفي الحديث هذا حُسْن معاشرته ﷺ لأهله حيث أنه كان يقوم على شئونه بنفسه مع أنه كان أكثر الناس انشغالًا، إلا أن هذا لم يمنعه من تدبير أمور نفسه، فقوله رأيت عنده دباء يقطع، قلت: ما هذا؟ قال: نكثر به طعامنا، فالنبي ﷺ إذن كان يشترك في الطعام ويكون في مهنة أهله وهذا من تواضعه ﷺ وقال:  خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي  [رواه الترمذي: 3895، وصححه الألباني في صحيح لجامع الصغير: 3252].

وعن أنس بن مالك قال: "إن خياطًا دعا رسول الله ﷺ لطعام صنعه"، قال أنس: "فذهبتُ مع رسول الله ﷺ إلى ذلك الطعام، فقرّب إلى رسول الله ﷺ خبزًا من شعير، ومرقًا فيه دباء وقديد، قال أنس: "فرأيت النبي ﷺ يتتبع الدباء حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء من يومئذ" وصححه الألباني. [رواه الترمذي: 153، وصححه الألباني في مختصر الشمائل: 135]. وقد جاء الحديث عند البخاري بلفظ: أن خياطًا دعا النبي ﷺ لطعام صنعه، قال: فذهبت مع النبي ﷺ فقرّب خبز شعير ومرقًا فيه دباء وقديد، ورأيت النبي ﷺ يتتبع الدباء من حوالي القصعة، فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ" [رواه البخاري: 2092]. والدباء هو اليقطين والقرع. وقد جاء في صحيح مسلم: "أن النبي ﷺ كان يعجبه القرع". وعند النسائي: أنه ﷺ كان يحب القرع، ويقول: إنه شجرة أخي يونس  لأن الله قال: وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ [الصافات: 146]. وأما قوله: "قديد"، فهو اللحم المملوح المجفف في الشمس، والقدُّ في اللغة" قطع الشيء طولًا، فإن الأشياء قد تقطع عرضًا قد تقطع طولًا، فالقدُّ قطع الشيء طولًا، وكانوا يعملون هذه الشرائح يقطعونها ويشرحونها؛ لأجل تعريضها للشمس لتجف فتملح وتجفف لئلا تتعفن، لكي تستعمل بعد ذلك، هذا اللحم المجفف؛ ولأن اللحم لا يتوفر عندهم دائمًا، فإذا توفر جففوا منه للوقت الذي لا يتوفر. وقوله: "يتتبع الدباء حوالي القصعة"، ما معنى حوالي، ومن حوالي، هل يعني أنه كان لا يأكل مما يليه، ونحن نعلم أن السنة أن الإنسان يأكل مما يليه، فما معنى يتتبع من حوالي القصعة. قال النووي - رحمه الله -: "هذا يحتمل أمرين: الأول من حوالي يعني: جانبه وناحيته من الصفحة لا من حوالي جميع جوانبها؛ لأنه أمر كل إنسان أن يأكل مما يليه، فإذن هو يتتبعها مما أمامه من يمين وشمال، لكن في المكان الذي أمامه من القصعة وليس من أمام غيره وإنما مما أمامه يمينًا وشمالًا مما أمامه فقط، هذا احتمال، والاحتمال الآخر أن يكون يتتبع الدباء من جميع الجوانب فيكون النهي مخصوصًا بمن يتقذر من أكلك وأخذك من أمامه" [شرح النووي على مسلم: 13/224]،

بينما النبي ﷺكانوا يتبركون بريقه ويتبركون بعرقه ويتبركون به ﷺ وبآثاره وبماء وضوئه، فلذلك لو أخذ من أي مكان آخر فلن يتقذر أحد ولن يؤذى أحد من هذا، بخلاف ما لو أكل إنسان من أمام شخص آخر". قال الحافظ - رحمه الله -: "وجمع بعضهم بحمل النهي"، يعني النهي أن تأكل من أمام غيرك، وأنك تأكل من أمامك فقط، "حملوا النهي على ما إذا كان الطعام نوعًا واحدًا، فإذا كان الطعام نوعًا واحدًا، فلماذا تأكل مما يلي غيرك، كل مما يليك، لا تطيش اليد هنا وهنا في الصحن، لكن إذا كان الطعام أنواع، إذا كان الطعام أنواعًا، قال: "ويحمل الجواز على ما إذا تنوع الطعام" [فتح الباري لابن حجر: 9/523]، فيجوز لك أن لا تأكل مما يليك إذا كان الطعام متنوعًا، هب أنهم وضعوا أمامك صحنًا من الفاكهة، وكان ما أمامك برتقال وما يلي غيرك تفاح وأنت تريد تفاحة، فلو أخذت من التفاح لا بأس، مع أنه يلي غيرك، لكن لأن الطعام متنوع، فإذن يحمل الأمر بالأكل مما يلي الإنسان على الإناء الذي فيه طعام من نوع واحد، فلماذا يمد يده إلى أمام غيره ما يلي غيره، وأما إذا كان الطعام متنوعًا فيجوز له أن يأخذ ما يريد من نواحي الإناء، وقد جاء عند الترمذي ما يؤيد هذا في حديث عكراش، وحديث عكراش في الحقيقة ضعيف، لكن نصه كل من موضع واحد فإنه طعام واحد، وهذا بعد أن طاشت يده في الصحفة، ثم قال له في أخرى كل من حيث شئت فإنه غير لون واحد، فإنه غير لون واحد، فالمعنى صحيح وإن كان هذا حديث عكراش ضعيف ما ثبت، لكن المعنى صحيح قال به أهل العلم أن الإنسان يلتزم بالأكل مما يليه إذا كان الطعام لونًا واحدًا، أما إذا كان هناك أنواع من الطعام فلا بأس أن يمد يده إلى مكان يريد أن يأكل منه ويأخذ منه، ما هي القصعة؟ ما يشبع عشرة أنفس، ما هي الصحفة؟ ما يشبع خمسة أنفس، فهذه أنواع من الآنية التي يوضع فيها الطعام إن كان يجلس عليها خمسة تسمى صحفة، إن كان يجلس عليها عشرة تسمى قصعة، فأيتهما أكبر؟ القصعة. وفي حديث أنس هذا وما قبله جواز أكل الشريف طعام من دونه، وكذلك مؤاكلة الخادم؛

لأن أنس كان خادم عند النبي ﷺ ومع ذلك كان يؤاكل خادمه ويجلس معه ولا يفعل كفعل بعض الناس الذين يمنعون الخدم من الجلوس معهم ويقول للخادم انتظر أنت خلك في الأخير، فيتأبى ويستكبر أن يجلس مع خادمه، وفي هذا ما كان عليه النبي ﷺ من التواضع واللطف بأصحابه وتعاهدهم بالمجيء إلى منازلهم. وفي الحديث الحرص على التشبُّه بأهل الفضل والاقتداء بهم في المطاعم وغيرها وفيها فضيلة ظاهرة لأنس لاقتفاء آثار النبي ﷺ حتى في الأشياء الجبلية، الآن أكل القرع والدباء هل هو سنة يؤجر عليها الإنسان؟ لا، لماذا؟ لأننا بحسب القاعدة السابقة إذا عرضنا فعل النبي ﷺ إذا عرضناه على الترتيب هل كان الدافع له شيء من الطبيعة والجبلة أو حاجة الإنسان، فإذا كان كذلك لم يكن محلًا للاقتداء بمعنى أنك تقول إنه سنة ويستحب ويؤجر من فعل هذا، فإذا لم يكن الحامل له عليها حاجة الإنسان والطبيعة والجبلة فإن هذا محل للاقتداء وتؤجر عليها، فلما تكلمنا في العمامة، لما تكلمنا في مثلًا الأماكن التي نزل بها للخلاء في السفر، مثلًا نزل في الطريق الفلاني ونزل دخل إلى ذهب إلى المكان الفلاني ورأى الشجرة الفلانية، هل قضاء الحاجة في المكان هذا وراء الشجرة الفلانية هل هو سنة يؤجر عليه الإنسان يعني في المكان هذا تحديدًا؟ لا، وإنما دعت إليه الحاجة دعت إليه حاجة الإنسان في هذا الوقت طرأ له حاجة الإنسان فنزل، كذلك لو كان شيء تقتضيه الجبلّة أو مثلًا كان يلبس مما يلبس الناس ويلبس العرب ولبس العمامة، فهل لبس العمامة سنة يؤجر عليه الإنسان ويثاب سنة ويقال هذا مستحب؛ لأنه كان يلبس مما يلبسه قومه، فهو يلبس من لباس أهل بلده، وإذا لم يكن هذا ولا هذا إذن القضية قضية اقتداء، فالآن أكل القرع أنه كان يحب الدباء ويحرص عليه ويتتبعه في نواحي الصحفة هذا المحبة هذه وأكل الدباء هل هو محل اقتداء أم أنه شيء جبلي؟ ميل جبلي ميل نفسي يعني فليس محلًا للاقتداء، لكن أنس من شدة محبته للنبي ﷺ لم يزل يحب الدباء من يومئذ" يعني: هو أصلًا من أول ما كان يأكل يحرص على الدباء، لكن لما رأى النبي ﷺ يحب الدباء صار يحب الدباء، فهذا من شدة محبة الشخص للشخص أن يحب ما يحبه يسري إليه الطبع، يسري إليه الميل وهذا يعني لا يكون إلا إذا صار صارت المحبة عظيمة بحيث يصير الواحد ما يكون يحب شيء ولما يكون محبوب وهو يحبه يبغى يحب يصير فعلًا يحبه يعني هذه القضية الكبيرة، فأنس كان يحرص على الدباء من يومئذ لما رأى النبي ﷺ يتتبعها صار حريصًا عليها. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.