الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

53- ضوابط البدعة، والانحرافات في أبواب البدعة والتبديع 5


عناصر المادة
المقدمة
أمثلة انتشار البدع في ووسائل التواصل الإجتماعي
الخلاصة
الانحراف في التبديع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:

المقدمة

00:00:09

فقد تحدثنا في الدرس الماضي عن بعض الضوابط المتعلقة بباب البدعة، ومن هذا الأمور التركية، وذكرنا في آخر الدرس نماذج من البدع، وخصوصًا التي انتشرت في الزمن المتأخر، وأن هذه البدع كثير منها ينتشر عبر هذه الرسائل، ومع وسائل الاتصالات الحديثة يعظم الخطر، وأن الناس في موضوع تلقي هذه البدع منهم من عنده فقه، وعنده علم ودين، فهو يرفضها أشد الرفض، وهو ينكر ذلك ويحذر منه، ومنهم من ربما يستغرب لكنه لا يحرك ساكنًا، ومنهم من يقبل ما يرسل إليه، ويعمل به، ومنهم من يروجه، وقد اجتاحت وسائل التواصل الاجتماعي أنواع كثيرة من هذه الرسائل التي فيها بدع محدثة.

أمثلة انتشار البدع في ووسائل التواصل الإجتماعي

00:01:43

وقلنا: من ضمن ذلك فلنوحد الصيام لأجل كذا، فلنوحد الدعاء من أجل كذا، تريدون أن يقتصر الناس في الدعاء على هذا الشيء، لنفترض أن بعض الكفار المجرمين عملوا مذبحة، فلنوحد دعاء بحيث لا يدعا بشيء آخر.
فإذا كان الإنسان يدعو بالمغفرة والرحمة، لماذا لا يقال للناس: لا تنسوا الدعاء على هؤلاء الكفرة؟ لا تنسوا الدعاء على هؤلاء المجرمين؟ النبي ﷺ والصحابة كانوا يلعنون الكفرة في النصف الثاني في دعاء القنوت في رمضان، كان النبي ﷺ يقنت على من آذى المسلمين فيقول: اللهم عليك بقريش لما آذت، وأحيانًا يقول: اللهم عليك بفلان وفلان[البخاري:240، مسلم: 1794]، من عتاة المجرمين والطغاة الذين آذوا المسلمين، وكان يدعو بالنجاة لأقوام من المسلمين أيضاً في قنوته، لماذا لا نذكر الناس بالسنة؟ لماذا لا نعلم الناس القنوت؟ لماذا نلجأ إلى الأساليب التي لم يرد بها الشرع؟ فلنوحد الدعاء على، يعني: لا يدعو بأي شيء آخر، هب أن إنسان يريد أن يدعو بالمغفرة والرحمة، أو تيسير أمر من الأمور، أو دعاء الاستخارة.
وبعضهم يقول: هناك -انظر إلى هذه البدعة- رؤيا صالحة تدعو أهل الخليج لقراءة سورة الأنعام هذه الليلة لرد عدوان الأعداء، هل يؤخذ استحباب قراءة سورة الأنعام أو غيرها من رؤيا؟ هل هذا من الدين تعيين سورة معينة لقراءتها بناء  على رؤيا؟ لا. أهل الخليج كأنها صارت خاصة بهم، التخصيص هذا بقراءة سورة الأنعام، وبناءاً على رؤيا بدعة، من البدع والغالب أن ترى أن هذا كذاب أشر، وأن هناك من يخترع مثل هذه الرسائل، ويكتب وينشر، والرؤيا لا تكون حقًا إلا إذا وافقت الشرع، وصدق صاحبها فيها.

وكذلك قلنا في المثال: عليكم بصلاة ركعتين في رأس السنة الميلادية، حيث أن الكفار يعصون الآن قوموا صلوا ركعتين من الساعة الثانية عشرة إلا خمسة إلى الساعة الثانية عشرة وخمسة، هذه بدعة في تخصيص رأس السنة الميلادية بركعتين، وتوقيت هذا التخصيص من الثانية عشرة إلا خمسة إلى الثانية عشرة وخمسة.
كذلك بدعة اختم عامك بصيام آخر السنة الهجرية، وخصوصًا إذا وافق آخر السنة اثنين أو خميس اختم عامك بصيام.
يا أخي: ادع الناس لصيام الاثنين والخميس، ادع الناس لصيام أيام البيض، ادع الناس لصيام يوم وإفطار ويوم، أما قضية تخصيص نهاية السنة الهجرية بصيام، واختم عامك بصيام، هذا التخصيص بدعة.
اليوم أول السنة الهجرية لا يفوتك صلاة الفجر في أول يوم من السنة الهجرية، ولماذا لا يفوتك في ثاني يوم، ولا يفوتك في ثالث يوم، ولا يفوتنك في عاشر يوم، فالحرص أو التحريص على صلاة فجر أول يوم من السنة الهجرية بدعة من البدع.
كذلك على سبيل المثال ترويج أحاديث مكذوبة لتعزيز البدعة، "من صام  آخر يوم من ذي الحجة وأول يوم من محرم فقد ختم السنة الماضية، وافتتح السنة المستقبلة بصوم جعله الله كفارة خمسين سنة" حديث مكذوب [الموضوعات للجوزي:2/ 199]. وبناء على هذا الحديث المكذوب تنتشر بدعة في رسائل الواتس أب، والإيمايلات، ورسائل الجوال، وهذا حديث موضوع مكذوب -كما قلنا- فيه كذابان على النبيﷺ. 

وأيضاً دعاء ليلة رأس السنة "اللهم ما عملته في هذه السنة مما نهيتني عنه ولم ترضه، ونسيته ولم تنسه، وحلمت عليّ بعد قدرتك على عقوبتي، ودعوتني إلى التوبة بعد جراءتي، اللهم إني أستغفرك منه فاغفر له، وما علمته فيه من عمل ترضاه ووعدتني عليه بالثواب فأسألك يا ذا الجلال والإكرام أن تقبله مني، ولا تقطع رجائي به، فيحددون نص معين، دعاء رأس السنة الجديدة بدعة، وتخصيصه برأس السنة بدعة، ثم يخترعو فيه حديثًا، والآن فيه تكملة، ويقولون: إن الشيطان بعد هذا الدعاء يقول: قد تعبنا معه سائر السنة، فأفسد عملنا في ليلة واحدة، ويحثو التراب على وجهه، ويسبق هذا الدعاء عندهم صلاة عشر ركعات، يقرأ في كل ركعة الفاتحة وآية الكرسي عشر مرات، والإخلاص عشر مرات، بدعة.
كذلك تحديد أعداد معينة ما أنزل الله بها من سلطان لسور معينة بقصد معين، اقرأ سورة الفيل سبع مرات حتى ينصرنا الله على الأعداء، أمانة برقبتك إلى يوم الدين تبعث لكل من هو فاتح عندك، سورة النصر على نية النصر، تخصيص، هل في السنة هذا؟
يمكن في سورة الأنفال في آيات عظيمة، أيضاً في موضوع النصر، لماذا تخصص هذه؟ نريد هذا الدعاء يصل لأكبر عدد ممكن هذه الليلة لعلها تكون ساعة إجابة، ويأتي بنص معين: "اللهم إني أستودعتك الشام، وأهله، وأمنه، وأمانه، وليله، ونهاره، وأرضه، وسماءه" وبقية بلاد المسلمين، وهذا النص المعين لماذا ينشر؟ الذي ينشر ويخصص أليس يعتقد فضلاً معينًا وإلا لماذا نشره؟ ولماذا حرص عليه؟ ولماذا حرَّص الناس عليه؟

اليوم عندنا صلاة ركعتين وقراءة سورة يس بطلب من أهلنا في سوريا على نية الفرج القريب الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، تخصيص بدعة، وهل تؤخذ الأحكام من رسالة جاءت من أهلنا في سوريا، أو في مصر، أو من اليمن، أو من العراق، أو من المغرب؟ هل تؤخذ الأحكام من رسالة؟ يعني: إذا جاءتني رسالة في الجوال يؤخذ منها حكم معين، واستحباب شيء معين، وعدد معين، وهناك أمانة لازم نؤديها لنجمع مليون سورة يس، الرجاء إرسال الرسالة إلى عشرة أشخاص، مليون رسالة ثم لازم مليون سورة يس، تحديد، وانشر تؤجر هو ينشر ويأثم، والذي بعده يأثم وهكذا.
أخواتي الغاليات جاءنا من أخواتنا في بلد كذا: أن نوحد قراءة سورة كذا من الفجر إلى العشاء بنية الفرج ورفع البلاء، لاحظ تقييد كذا هذه السورة بنية معينة، فإذًا تحديد سورة معينة بنية معينة هنا البدعة أيضاً بدعة زمانية، تحديدها من الفجر إلى العشاء، وتحديد النية.

قراءة سورة يس أو غير يس بنية الفرج ورفع البلاء، هل هذا موجود في السنة هكذا أن نخصص سور معينة بنوايا معينة؟
يا أخي أقرأ القرآن، وأسأل ربك رفع البلاء عنك وعن إخوانك المسلمين، الدعاء عام، ثم لاحظ استنهاض الهمم في هذه الرسائل البدعية نريد مشاركة بقوة، أرجوكم أرسلوا الرسالة إلى الأصدقاء والأقارب، اطلبوا من أولادكم المشاركة، اجمعوا الأعداد -كأن هناك مركز للدراسات الشاملة يتلقى الأعداد، قلة علم وقلة فهم، هذا واضح من تخلف المسلمين إيقاع الناس في هذه البدع- أرجو نشر هذا لكل من هو موجود في قائمتكم، اقرؤوا هذه الآية عشر مرات من سورة كذا، يرجا نشر هذه الآية لنجعلها مليونية -إن شاء الله-، كيف أنتم تريدون الآن تخصيص آية معينة بحيث يقرأها كل واحد ويتواطأ هؤلاء على قراءة هذه الآية، ولن نخذل إخواننا، -الخذلان خذلان النفس، وخذلان الإخوان، وخذلان القريب والبعيد، للمسلمين بنشر هذه البدع-.
تنظيم حملة صيام يوم كذا، وندعو ونحن صائمين عند الإفطار، وعند أكل التمرة الأولى، دعوة الصائم مستجابة حتى قبل أن يفطر، وحتى عند الإفطار، وحتى عند التمرة الرابعة والثالثة والخامسة ممكن الله يستجيب، لاحظ التمرة الأولى تخصيص الدعاء عند التمرة الأولى بدعة من البدع، ثم لاحظ كيف يتم التعميم بإمكان الموظف أن يخبره زملاءه وأهله وأصدقاءه، وبإمكان البعض أن يوصلها إلى إمام المسجد، أو القائم على أمر المسجد للصقها والدعوة إلى ذلك، الصقوها على لوحة المعلومات الموجودة في أغلب المساجد، والمراكز الصحية، والمدارس في هذين اليومين، على المدرسين إخبار الطلاب، وحتى عبر وسائل الاتصالات، وسجلات الزوار، البريد الإلكتروني، قائمة وكذا، ولا تنسوا أن الداعي إلى الخير كفاعله.

هل هذا داع إلى الخير أم أن هذا داع إلى الشر؟ هذا داع إلى البدعة، والذي سيستجيب له وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ[النحل:25].
وقلنا مرارًا بعضهم يقول: كفرنا كفرنا، وزعنا آيات. نقول: أنتم ما كفرتم ولكنكم ابتدعتم، تستهينون بالبدعة: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا[الكهف:103-104].
اليوم بإذن الله في مليونية قراءة الكرسي خمس مرات على نية الفرج، تحديد آية الكرسي خمس مرات هل ورد به دليل؟ تشرعون للناس من الدين ما لم يأذن به الله، من الذي له حق أن يحدد العدد؟ من قرأ كذا عشر مرات من قرأ كذا مائة مرة من قرأ كذا ثلاث مرات، من الذي له حق التشريع؟ من الذي له حق تحديد العدد؟ من الذي له حق تحديد مكان أو زمان أو هيئة؟ الله .

فلماذا تشرعون للناس من الدين ما لم يأذن به الله؟ ألا يكفيكم  ما أذن به الله؟  ألا يكفيكم ما شرعه الله لكم؟
ثم أرسلوها لكل الناس الذين تعرفونهم، ملاحظة مليونية آية الكرسي بطلب من إخواننا في البلد الفلاني، ثم لاحظ مليونية سورة الفتح ويس بنية الفرج، هذا في أحد الرسائل، وقراءتها بشكل جماعي في وقت واحد، دعوة الناس لقراءة سورة معينة في وقت واحد بشكل جماعي هل هذه عبادة أذن بها الله؟ أم أن الله شرع للمؤمنين أن يقرؤوا كلا لنفسه؟ يقرأ كل مؤمن بنفسه، ثم أنت تريد أن يغيثهم الله ادع الله لهم، وقراءة القرآن اقرأ سواء في ختمتك وإلا من غير الختمة، اقرأ ما تريد، واقرأ ما تشاء.

حملة لقراءة سورة الفاتحة على نية الفرج القريب خلال ساعة، يعني: حتى تحديد كأنها تعليمات أنك تقرأ بنية الفرج في الساعة القادمة من وصول هذه الرسالة، وأي مزية يا ترى للساعة القادمة عند وصول الرسالة سواء وصلت الرسالة الحادية عشرة صباحًا أو الثالثة ظهرًا أو السابعة ليلاً؟ ما هذه الميزة؟ يعني: أنه خلال الساعة القادمة تقرأ؛ تحويل الأذكار إلى أوامر مثل الأوامر العسكرية، أو أوامر العمل في الشركات، تحويل العبادات إلى أوامر، تأتي بطلبات معينة تأتي في رسائل الجوال، وكثير من الناس مساكين سذج جهلة، ما عندهم قواعد، فيأتيه ويقول: هذا خير، سورة من القرآن.
شارك في حملة المستغفرين.
يا أخي ذكر الناس بالاستغفار، لا تحولوها إلى حملات ولا مليونات، ذكروا الناس بالاستغفار، الاستغفار له فضل، أحاديث الاستغفار كثيرة سواء من قوله ﷺ، مثل: تعليم دعاء سيد الاستغفار، أو من فعله إني لأستغفر الله وأتوب إليه [البخاري: 6307]، "كنا نعد له في المجلس الواحد أستغفر الله العظيم، وأتوب إليه في اليوم مائة مرة" [أبو داود: 1518، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 1342]، للنبي ﷺ من قوله أو من فعله.
علم الناس انقل لهم السنة الصحيحة كيف كانﷺ يفعل؟ بماذا رغب في الاستغفار؟ اعطيهم دعاء سيد الاستغفار علمهم.

ثم ذكرنا قضية رسائل أيضاً من البدع أسماء معينة من أسماء الله تذكر بدون سؤال، أو بدون ما تكون في جملة مفيدة، يعني: سبحان الله جملة مفيدة مبتدأ وخبر، سبحان الله تنزيه له عن النقائص والعيوب، الحمد لله فيها ثناء على الله، على صفاته العظيمة الجميلة الجليلة، المستحق للحمد في الأولى والآخرة، المستحق للحمد على كل حال، المستحق للحمد لنعمه وصفاته، فهو مستحق للحمد دائمًا حتى قبل أن يخلق الخلق، وقبل أن ينعم عليهم، بأي نعمة فهو مستحق للحمد، الحمد لله جملة مفيدة، والله أكبر جملة مفيدة، ولا إله إلا الله جملة مفيدة، لكن نمسك الأسماء الحسنى مثلاً أو بعضها، وتقرأ هكذا الله، اللطيف، الملك، القدوس، السلام، المؤمن، العزيز، الجبار، المتكبر، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، المعز، المذل، المالك، الرحمن، الرحيم، فقط مجرد القراءة، ليس قراءة آيات قرآن فيها أسماء الله، قراءة آيات القرآن فيها أجر، لا التعبد بتلاوة الأسماء فقط، أو اسم واحد، يعني: سواء قال: الله الله الله، أو يا لطيف لطيف لطيف، أو قال: الأحد، الصمد، الأول، الآخر، الظاهر، الباطن، التعبد بالمجرد مجرد التلفظ بدعة، ما هي جملة مفيدة. لا هو دعاء يا رزاق ارزقني، يا رحمن ارحمني، يا تواب تب عليّ، لا هو آيات.
كيف تتعبد بمجرد ذكر الأسماء بدون ما يكون الاسم في جملة مفيدة؟ ولا تدعو به، ولا في آية تقرأها. من أين ابتدعتم هذه البدعة في ذكر الاسم فقط؟ نقول لهم: عندكم سلطان ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [الأحقاف: 4].
ثم لاحظ الرسالة هذه القيوم الماجد الواجد، الواجد اختراع أسماء، الواجد يعني: وجد واجد، واجد اسم فاعل، الله وجد الواجد، ثم حتى الموجود ليس من أسمائه الحسنى، أين الآية والحديث التي فيها الموجود، فتجد في رسائل فيها ما هو فقط بالتعبد بالاسم الثابت بمجرد التلفظ به، بل اختراع اسم لم يرد، والتعبد بالتلفظ به.
الرسالة القيوم، الماجد، الواجد، الأحد، الصمد، القادر، المالك، الرحمن، الرحيم، الله لا يعجز أبدًا، -انظر هذه جملة في الأخير- أرسلها إلى تسعة أشخاص، واسمع خبرًا سعيدًا غدًا، بدعة من البدع.

وأحيانًا سبحان الله! تشتبه أنه يوجد من أعداء الإسلام أعداء الدين من الباطنية من اليهود من النصارى من يخترع أشياء مضحكة، كأنه يريد كنوع من التشكيك، لأنه لو جاءت إنسان جاهل وعمل بها، ثم انتظر غدًا يسمع خبرًا سعيدًا، ومر اليوم كله وما سمع خبرًا سعيدًا، هو مسكين منتظر الخبر السعيد، وما جاء الخبر السعيد، ماذا سيحدث؟ ممكن يصير عندهم بعض التشكك.
ولذلك ممكن تكون هناك مراكز في العالم عملها أن تروج مثل هذه الرسائل، ولكن كثير منها يروجه جهلة من المسلمين حقيقة جهلة، كذا تخطر على باله فكرة يستحسن، حملة المليونية، وحدوا الدعاء، قل: وحدوا ربكم كان أحسن، ذكر الناس بالتوحيد.
لو تجاهلتها أصابك حظ سيئ لتسع سنوات، اختراع.
لا إله إلا الله عدد كذا وعدد كذا وعدد كذا، والملائكة في المنام كانت تكتب وما انتهت من الكتابة تخيل لو قمت بنشرها، ورددها عشرات من الناس بسببك كم ستكسب من الحسنات، وبعدين أعد القراءة مرة أخرى وشكرًا.

وكأنه صار عند الناس بعض الناس أن الآية والحديث لا تكفي، لازم أساليب جديدة.
امسح واربح، مبروك فزت بنخلة في الجنة، عجبًا لكم ما عندكم طريقة! إلا أن تأخذوا عبارات الإعلانات التجارية، تؤاخذوا من لوحات الإعلانات في الشوارع، أو من إعلانات القنوات، أو من الإعلانات الموجودة في المحلات،  وتأتوا تنزلوا الآيات والأشياء الشرعية تعملونها قوالب وتغليف كذا تعبئة وتغليف. صارت عندكم مكرونة، مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا [نوح: 13]، وقروا دينه، وقروا شرعه.
لو واحد مسح طلع سبحان الله وبحمده، قال له: فزت بنخلة في الجنة، مثل نمط فزت بتذكرة سفر إلى جزر المالديف.
ولو واحد قرأ هل قطعًا كتب له الثواب؟ عقيدة أهل السنة أن الثواب يرجا لا يقطع به، فلما يأتي واحد يقول له: فزت بنخلة في الجنة، قد يكون رد عمله عليه، قد يكون حبط، قد يكون بهذه البدعة، فتجزم له هذا الأجر عند الله.
اللهم صل على محمد أرسلها لعشرة خلال ساعة تكون كسبت عشرة مليون صلاة على الحبيب في صحيفتك، -بناء على ماذا الحكم بهذه المضاعفات أنها حصلت- ملاحظة هامة لا تقل: لست فاضي هذه مليون حسنة، لا تفرط، أرجوك لا تدعها تتوقف عندك حتى تكسب الأجر قبل طي صفحات كتاب هذا العام، -أنظر التخرص على عالم الغيب- كتاب لهذ العام عند الله يطوى الآن، هل أنتم شهدتم خلق هذا الكتاب؟ هل اطلعتم على الغيب؟ عندكم من الله خبر أن هناك كتاب للعام؟ هناك صحيفة للأعمال، وصحف تكتبها الملائكة، وأشياء ترفع إلى الله كل يوم، رفع في الاثنين والخميس أسبوعي، ورفع سنوي في شعبان ترفع الأعمال إلى الله، لكن كتاب أعمال يرفع إلى الله في نهاية العام.

قل معي: والله العظيم سأقرأ هذا الإيمايل وأرسله لكل أصدقائي، -أنظر العبادة- أنت حلفت ولازم تقرأ، كأنها قضية مخادعة، تتحول العبادات مهزلة.
إذا كنت مؤمنًا انشرها، إذا كنت تحب الله انشرها، إذا كنت تحب الرسول انشرها، إذا لم تنشرها فاعلم أن ذنوبك هي التي منعتك، طيب إذا كانت هذه بدعة والله إذا كنت تحب الله ما تنشرها، وإذا كنت تحب الرسول ﷺ حقيقة الذي قال: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد [مسلم: 1718]، فلا تنشرها، وإذا نشرتها فاعلم أن الشيطان هو الذي أزك لنشرها، ولا بد لإجراء تغيرات في هذه الرسالة حتى تظهر على حقيقتها، انشرها وانتظر ماذا سيحدث بعد خمس دقائق، شخص أرسلها وشفي ابنه من مرضه، شخص أهملها ولم يرسلها وبعد ثلاثة أيام مات، تخويف السذج والمساكين ليروجوا البدعة، اختراع فضائل ما أنزلها الله، ولا جاء بها رسوله ﷺ.
عشرة تمنع عشرة: الفاتحة تمنع غضب الله، سورة يس تمنع عطش يوم القيامة، الدخان تمنع أهوال يوم القيامة، الواقعة تمنع الفقر، الكوثر تمنع الخصومة، الكافرون تمنع الكفر عند الموت، الإخلاص عند النفاق.
هل هذا عندكم من الله فيه برهان؟ جاءكم من الله دليل على خصوصيات هذه السور بهذه الأمور؟ فالاختراع بهذه التقييدات لنشرها هو نفسه مبدأ نوح ابن أبي عصمة هذا الذي كان يخترع في كل سورة من القرآن حديثًا، من قرأ كذا فله كذا، ومن قرأ كذا فله كذا، من قرأ يونس فله كذا، من قرأ الرعد فله كذا.

فجاءه بعضهم وقال له: اتق الله تكذب على رسول الله ﷺ.
قال: لا أنا أكذب له لا عليه، أنظر كيف الشيطان يتلاعب بهم، لماذا اخترعت الأحاديث؟ [ترجمته في الكامل في ضعفاء الرجال: 8/40].
قال: رأيت الناس انشغلوا بمغازي أبي إسحاق، وفقه أبي حنيفة، فأحببت أن أعيدهم إلى القرآن، وليس عندك طريقة تعيدهم إلى القرآن إلا بالكذب على رسول الله ﷺ، ما في آيات وأحاديث ما في تذكر بفضائل القرآن إلا بالاختراع.
ثم خذ أيضاً من هذا بدعة الحروف الأبجدية: اللهم ارزقنا بالألف ألفة، وبالباء بركة، وبالتاء توبة، وبالثاء ثواب، وبالجيم جمال، وبالحاء حكمة، وبالخاء خير، وبالدال دليل، وبالذال ذكاء، وبالراء رحمة، وبالزاي زكاء، وبالسين سعادة، وبالشين شفاء، وبالصاد صدق، وبالضاد كذا، والأحرف الأبجدية، اسمه دعاء الأحرف الأبجدية، هذا دعاء مخترع مبتدع، ما كفتكم كل الأدعية الصحيحة الواردة حتى تخترعوا دعا لم يأذن به الله، وتتعبدوا ربكم بغير ما شرع، وتتعبدوه بالبدع.
دعاء مكتوب على جناح جبريل عندما رفع المسيح إلى السماء: اللهم إني أدعوك إلى آخره،  هل كنت معهم لما رفعه إلى السماء؟ نظرت إلى جناح جبريل؟ رأيته بعينك؟ هذه في الرسائل هذا موجود في الواتس أب وتويتر والفيس بوك والإيمايلات، هذه منقولة منها.
وخذ التحديدات روي عن النبي ﷺ أنه قال: من قرأ هذا الدعاء -دعاء طويل مخترع- في أي وقت -هذا لا يخصص لكن خصص الصيغة، اخترع الصيغة التي ما أنزل الله بها من سلطان- فكأنما حج ثلاثمائة وستين حجة، وختم وثلاثمائة وستين ختمة، وأعتق ثلاثمائة وستين عبدًا، وتصدق بثلاثمائة وستين دينارًا، وفرج عن ثلاثمائة وستين مغمومًا، ثم أن النبي ﷺ قال: هذا الحديث نزل به الأمين جبرائيل وقال: يا رسول الله أي عبد من عبيد الله أو أمة من أمتك يا محمد قرأ هذا الدعاء ولو مرة في العمر بحرمتي وجلالي ضمنت له سبعة أشياء: أرفع عنه الفقر، وأمنه من سؤال منكر ونكير، وأمرره على الصراط، وأحفظه من موت الفجأة، وأحرم عليه النار، وأحفظه من ضغطة القبر"، مكذوب يفترون على الله الكذب وعلى رسوله ﷺ، يفترون الكذب.

دعاء للوالدين فلا تبخل عليهما كذا وكذا، لا تبخل على نبيك بضغطة زر صوت، صوت لصالح نبيك، ثم اكتشفوا أن هناك شركة نصب واحتيال في البلاد الفلاني، اتفقت مع شركة الاتصالات، هناك أنه واحد يتصل يخصموا منه كذا دولار  أجرة الاتصال، ثم يستغلوا عاطفة المسلمين، انصر نبيك بالاتصال، اتصل على المكان الفلاني، وصل التصويت كذا، اتصل أنت ترجح الميزان الطرف الثاني، ومساكين يتصلون، وبعد ذلك يخصم عليه فجأة خمسة عشر دولار، اثنا عشر دولار نتيجة الاتصال، وبعد ذلك يكتشفوا أنها شركة يهودية ضحكوا عليهم، وقالوا لهم: انصر وصوت لنبيك لا تبخل على نبيك بالاتصال، وهي وراءها نصب واحتيال، هؤلاء ليس قصدهم البدعة إنما قصدهم الفلوس.
مسابقة على أفضل رجل في التاريخ، والتصفيات النهائية بين عشر شخصيات منهم نبيك، رقم التصويت ثمانية، ثم يكتشفوا أن وراءها خدعة أخرى.
أيضا من الخداع واستغلال من هذه الشركات: كلنا نقوم الساعة الثانية عشرة ليلاً، ونفعل كذا وكذا، وأن الله سينظر إليك، إحياء لسنة التواصل بالحق دعوة لحملة استغفار.
ثم تخصيص آيات بأشياء: هذه الآية للاستيقاظ لصلاة الفجر، هذا الدعاء للإنجاب، وليست أشياء ثابتة.

والله قال: رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ[الأنبياء: 89]، هذا دعاء قرآني ادع به، لا تخصصه بعد معين، ولا بزمن معين، ولا مكان معين، ولا هيأة معينة ادع به، دعاء قرآني، أدعية القرآن.
قال الشيخ عبد الرحمن البراك -نفع الله به-: "ما انتشر من رسائل الجوال مما يسمى حملة الاستغفار بدعة؛ لأنها تدعو إلى الاستغفار في وقت معين من كل من وصلت إليهم هذه الرسالة، والواجب أن تستبدل رسالة حملة الاستغفار برسالة تحمل الدعوة إلى الإكثار من ذكر الله والاستغفار، دون تقييد بوقت.
أو ارتباط مع آخرين أحيانًا تأخذ البدعة اسم هكذا همسة الجمعة، وهي عبارة عن بدعة، اختراع أذكار، كما قلنا جمعة مباركة يواظب عليها كل جمعة، كل جمعة يقول لكل من معه جمعة مباركة، أرسل رسائل يوم الجمعة جمعة مباركة، فرضوه ذكرًا من الأذكار، افعل كذا، وتكون النية أن يجعلنا الله بجوار نبيه ﷺ ويسقينا من يده الشريفة.
رسالة أخرى هذه رسالة نريد أن نهديها للنبي ﷺ في يوم مولده الشريف، نريد مائة مليون صلاة عليه اللهم صل على محمد.

الخلاصة

00:39:46

الخلاصة: أن الله أمر أن نعبده كما يريد، وكما شرع، لا كما يخترع بعض الناس.
ابن مسعود قال: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" [سنن الدارمي: 205]، لازم نعتقد أن الدين كامل، الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ[المائدة: 3]، غير قابل للزيادة، ما يجوز اختراع أي عبادة من العبادات، ثم لا بدّ أن نعبد الله بما شرع، لا نعبده بالبدع، ثم من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد، ثم إن فيما شرعه الله غنية، ثم إن المستحسن للبدعة قد زاد في الدين، ثم إن الانشغال بالبدع يشغل عن السنن، ثم إن المبتدع يعتقد أن الدين ناقص، وأن بدعته تكمل الدين، والمبتدع قد اعتقد أنه توصل إلى شيء لم يعرفه رسول الله ﷺ ولا أصحابه، ثم إن هذه البدع في بعضها شرك، وفي بعضها أيضاً يترتب عليها أو فيها من الألفاظ  المخالفة للدين والعقيدة والتوحيد في عدد من الأحيان، ثم أنك لما تخترع أن من قال كذا فله كذا أنت الآن تتدخل في الأجور التي يكتبها رب العالمين، أن الله يكتب له كذا، ويكتب له كذا الأجر عند الله، وليس من حقي ولا من حقك ولا من حق أي أحد أن يفتري على الله الكذب؛ بأنه يكتب الأجر الفلاني للعمل الفلاني، ولم يخبر الله بذلك ما أخبرنا بذلك، هذا افتراء على الله، كذب على الله من فعل كذا فله كذا، إذا تمت هذه الكذبة بدون دليل هذا افتراء على الله، وقد جعل الله من أعظم الكبائروَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ[الأعراف: 33]، إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ[يونس: 69] هذا افتراء على الله الكذب.
فالواجب التمسك بالكتاب والسنة، وأن نعبد الله بما شرع لنا، وأن نقتصر على هذه السنة، وفيها كفاية، يا ليت هؤلاء ينفقون الوقت الذي ينفقونه بالبدع ينفقونه في تعلم السنة، وليت هذا الحرص البالغ على نشر البدع يكون فيه نشر السنة، إذا أنت نشرت آية أو حديث يعني في ذلك منقصة، لماذا لا تنشر النصوص الشرعية نفسها؟ تنشر أحاديث الترغيب الثابتة، من فعل كذا فله كذا مثلاً.

فنسأل الله أن يجعلنا ممن أصاب السنة، وحرص عليها وفهمها، ونسأله أن يجنبنا البدع والفتن ما ظهر منها وما بطن إنه سميع مجيب.

الانحراف في التبديع

00:43:45

ننتقل إلى مسألة أخرى من المسائل المتعلقة بقضية البدعة، وهي الانحرافات في التبديع:
الناس في موقفهم من البدعة والتبديع كما هي العادة في سائر الأمور طرفان ووسط:
فمنهم من انحرف إلى جانب الإفراط والغلو، فبدع ما ليس ببدعة، ووسع مفهوم البدعة، وأدخل فيها ما ليس منها، وبدع من لا يستحق التبديع، أو غالى في التبديع.
ومنهم من انحرف إلى جانب التفريط، فضيق المفهوم، وأباح بدعًا؛ حتى أن بعضهم كاد أن يقول إنه لا يوجد بدع، إلا البدع الكبار مثل بدعة الاعتزال، وبدعة الخوارج، وبدعة القدرية، وإذا جئته بمثل هذه الأمور التي  هي البدع في الأذكار، يقول: هذه ليست بدعة البدعة بدعة القدرية، والجبرية، وبدعة الجهمية.
والموفق من وفقه الله، فعرف ما هي البدعة وعرف ما هي السنة، وعرف ما هو المباح -فليس كل شيء إما بدعة وإما سنة- فقد يكون أمرًا مباحًا لا سنة ولا بدعة.
ومن الناس من عنده غلو في البدعة من جهة الانحرافات في هذا الباب.
ولنذكر أمثلة:
أولا: في التساهل والتسرع في التبديع: تقدم معنا أن الابتداع والإحداث في الدين أمره عظيم، وأن منزلته خطيرة، وأنه يجب الحذر، وأن التسرع في التبديع هذا باب من الإثم، لأنه عدوان تتهم واحداً أنه مبتدع، وهو ليس مبتدع، ولا بدّ من الحذر من هذا؛ لأن النبي ﷺ لما قال لنا: لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك رواه البخاري [6045]، أن هذا فيه تنبيه وزجر لمن يتساهل في التفسيق والتبديع والتكفير، فإذا رمى أحدًا بأنه مبتدع أو فاسق أو كافر وذاك بريء رجع على القائل.

وقلنا: إنه ليس معنى ذلك أن القائل يصبح كافرًا تلقائيًا، أو مبتدعًا تلقائيًا، لكنه ترتد عليه معصية تكفيره، وتفسيقه، وتبديعه، ويبوء بإثمه، كما قال النووي في شرح صحيح مسلم: "وقد وجد عند بعض الظلمة من الناس المعتدين في هذا الزمن وغيره التساهل في رمي الناس بالبدع، وأول ما يخالفه شخص مبتدع ضال مضل، كما قلنا في موضوع التكفير: اليوم أن طائفة من خوارج العصر، والغلاة يسارعون إلى تكفير بعض الناس، واتهامهم بالردة، واحد عامي يعني يمكن ما أحد علمه شيء معين في الدين، كان أعداء الله قد سلطوا عليهم سياط التجهيل، وما سمحوا لهم بتعلم الدين، قال: أنت جاهل إذًا أنت مرتد، لا يجوز ما يعرف هذه، هم يفترضون المسألة الذي ما يعرف هذه مرتد، تعال نذبحك، استباحة الدماء.
وأنا أظن أن بعض هذا من خطط أعداء الإسلام زرع ناس يظهرون فكر الخوارج، أو يشجعون غلاة عندهم فكر الخوارج، ويتيحون المجال لهم، ولا يحذفون مقاطعهم من الشبكة، لأن هؤلاء الكفرة يريدون أن هذه المقاطع تنتشر حتى يتم تشويه صورة الإسلام، فإذا رأيت بعض أهل البدع من الغلاة من غلاة التكفير، واتهام الناس بالردة، واستحلال الدماء، إذا رأيتهم يمكن لهم، وتنشر مقاطعهم، فاعلم أن هناك من يريد هذا التوجه، لكي يقول للناس من غير المسلمين: كيف هذا الدين أنظر هذا الإسلام، في الشرع الله قال عن الكفار: فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ[محمد: 4] اضرب رقبة الكافر تجي على جنبه على خده، لا هؤلاء يذبحون المسلمين من الأمام، وبعض الغلاة يدعون الانتساب لمذهب السلف لتشويه مذهب السلف، ومنهج السلف، وهم مصادمون لمنهج السلف، ومن ضمن هؤلاء المتسرعين في الحكم بالبدعة ما وفروا في اتهامهم في التبديع لا علماء ولا دعاة ولا طلبة علم، ما وفروا أحدًا أحيانًا يخطئ مثلاً داعية أو طالب علم على طول مبتدع، الحكم جاهز معلم مغلف سلفًا معداً، وأحيانًا يختلف معهم في قضية اجتهادية حتى ما تصنف أنه خطأ على طول يا مبتدع، لماذا تتهمه؟ لماذا تحكم عليه بالبدعة؟ لأنه اختلف معه، لو اختلف معه في وجهة نظر، مسألة اجتهادية، مسألة خلافية، الخلاف فيها سائغ على طول الاتهام جاهز أنت مبتدع، وكذلك تخطئة المجتهد المخطئ، النبي ﷺ أخبرنا عن أهل العلم أن منهم من هو مجتهد مصيب، ومجتهد مخطئ، فيأتي هؤلاء الغلاة إلى المجتهد المخطئ، ويقولون: مبتدع أنت مبتدع، أنت ضال ومضل، ولا يجوز القراءة لك ولا سماع كلامك، ويجب هجرك، وإلى آخره، لأن فيها مترتبات مثل قضية التكفير، أنت مرتد، ضال مضل، حلال الدم والمال، اذبحك، مالك حلال، إذًا هذا الغلو يترتب عليه عدوان، وليس مجرد حكم نظري، أن فلان مبتدع فلان كافر مرتد وراها خطوات، فإذا قالوا مثلاً: فلان مرتد وراها ذبح، واستحلال المال، إذا قالوا: فلان مبتدع، وراها الهجران، وتجد أن بعض هؤلاء المبدعين صغار في السن، مثل هؤلاء أهل الغلو في التكفير، حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام [البخاري: 5057]، هذا مشهد أنا شهدته بنفسي، جاء واحد من هؤلاء إلى طالب علم في الحرم، - -هذا طالب العلم يمكن عمره ضعف هذاك ما أدري ضعف أو ضعفين- فجاء هذا الشاب الصغير بنعاله، جاء من رواءه ووخزه بنعاله، فالتفت طالب العلم.

قال: أنت فلان؟
قال: نعم.
قال: سود الله وجهك يوم تسود الوجوه، هذه التحية التي ألقيت عليه، يقصد أنه مبتدع، وعلى حسب تفسير الآية: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ[آل عمران: 106]، يعني: تسود وجوه أهل البدع، أولاً  كم عمرك؟ كم صار لك في العلم؟ كم متن قرأت وأنهيت؟ وما هو نصيبك وحظك من العلم؟ هذه من مصائب الأمة فلان مبتدع؛ لأنه أثنى على فلان، فلان مبتدع لأنه ذم فلان، فصارت القضية على الأشخاص، هذا مقطوع مثلا لو أثنى على إبليس، أثنى على أبي جهل، أثنى على أبي لهب، مسألة واضحة، لكن أثنى على واحد أمره غامض، ما هو مقطوع، من وقعت منه أخطاء أنت أثنيت عليه، إذًا أنت مبتدع تثني عليه، أنت مبتدع لأنك نقلت جملة من كتاب فلان، وحيث أن ذاك مبتدع طيب الجملة التي نقلت بدعة لا ما هو ضروري مجرد النقل أنت مبتدع، مثلا ممكن أنقل عبارة من واحد كافر، هناك كفار في بعض كلامهم صحيح، أنا نقلت من كافر أعطى نصيحة في الزواج، مثلاً: الزواج ما عندهم كلام أحيانًا فيه حكمة في معالجة إغراق الأطفال في الإنترنت، ما في كفار عندهم حكمة في معالجة إغراق الأطفال في الإنترنت، بعض الكفار تقرأ كلامهم وكنت أحذر أبنائي من دخول التعامل مع المجاهيل عبر الشبكة، وأقول لهم إن التعامل مع المجاهيل لا يصح هذا كلامه ما هو حكمة، أنا لو نقلت عن واحد كافر أو امرأة كافرة كتبت مقالاً في تحذير الأولاد الصغار من التعامل مع المجاهيل في الشبكة ما حكم نقل هذا الكلام عبارة صحيحة؟ هل يكفر الإنسان إذا نقل عن كافر؟ فتجد التبديع هذا الضال، الغلو الظلم، يبدع فلان لأنه نقل عبارة من شخص عليه ملاحظات، والعبارة التي نقلها هي نفسها صحيحة وإلا باطلة؟
أنت مبتدع لأنك تتعاون مع الجمعية الخيرية الفلانية التي فيها واحد من المبتدعة، كذا أي واحد يتعامل مع جمعية خيرية فيها واحد مبتدع يصير هو مبتدع، من طعن في الشيخ فلان فهو مبتدع، لماذا هو أبو بكر وعمر، من طعن في الشيخين فهمنا حكم هذا، لكن أن يعقد التبديع بناء على مدح فلان، أو الطعن في فلان.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وليس لأحد أن ينصب للأمة شخصًا يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها غير النبي ﷺ، ولا ينصب لهم كلامًا يوالي عادي ويعادي غير كلام الله ورسوله، وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصًا أو كلامًا يفرقون به بين الأمة يوالون به على ذلك الكلام، أو تلك النسبة ويعادون، مجموع الفتاوى [20/164].
من الانحراف في هذا الباب التسلسل في التبديع، فلا يكتفون بتبديع من وقعت منه البدعة بل يقولون على فرض إن وقعت منه بدعة، بل يقولون من لم يبدع فلان فهو مبتدع، ومن لم يبدع فلان فهو مبتدع، وهكذا تسلسل، ومن لم يبدع من لم يبدع من لم يبدع فلان فهو مبتدع، وتجد أن ميزان التبديع على حسب يعجبه فلان اليوم فمن مدحه ما يقال له شيء، اختلف معه غدًا هو مبتدع، والذي لا يبدعه فهو مبتدع، فالمسألة على حسب الوفاق والخلاف، لا على كلام الله ورسوله ﷺ، وكذلك من حضر درس فيه فلان فهو مبتدع، هذا واحد من الحضور ما ذنبه؟ في واحد مبتدع حضر درس شيخ، وواحد من أهل السنة حضر درس نفس الشيخ، يقول: لا كيف يحضر معه في نفس المجلس هذا مبتدع، إذا ما ذميت فلان، أو ذميت الجماعة الفلانية فأنت مبتدع، وما أسهل كلمة ألحقه به.

سئل الشيخ الألباني -رحمه الله-: عن عبارة من لم يبدع المبتدع فهو مبتدع، ومن ليس معنا فهو ضدنا، فقال منكرًا: من هو صاحب هذه القواعد؟ ومن قعدها؟ ثم قال الشيخ الألباني -رحمه الله- ما نصه: ليس شرطًا أبدًا أن من كفر شخصًا وأقام عليه الحجة أن يكون كل الناس معه في التكفير؛ لأنه قد يكون هو متأولا ويرى العالم الآخر أنه لا يجوز تكفيره، وكذلك التفسيق والتبديع فهذه الحقيقة من فتن العصر الحاضر، ومن تسرع بعض الشباب في ادعاء العلم.
قال الشيخ الألباني: والمقصود أن هذا التسلسل وهذا الإلزام غير لازم أبدًا، هذا باب واسع قد يرى عالم الأمر واجبًا، ويراه الآخر ليس كذلك، وما اختلف العلماء من قبل ومن بعد إلا لأنه من باب الاجتهاد لا يلزم الآخرين أن يأخذوا برأيه، الذي يلزم بأخذ رأي الآخر إنما هو المقلد الذي لا علم عنده، وهو الذي يجب عليه أن يقلد، أما من كان عالماً فالذي كفر أو فسق أو بدع ولا يرى مثل رأيه فلا يلزمه أبدًا أن يتابع ذلك العالم: انتهى من سلسلة الهدى والنور للشيخ الألباني -رحمه الله-.
هناك مزيد من هذا الأمر في قضية القواعد في موضوع التبديع، ونحن تكلمنا عن البدعة ما هي البدعة حقيقة، أمثلة على ذلك، وانتقلنا بعدها إلى مسألة التبديع بغير حق، والتبديع ظلمًا وعدوانًا، حتى نأتي على الأمر من الجهة الأخرى، سنتابع حديثنا -بمشيئة الله تعالى- في الدرس القادم غدًا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.