الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد:
حياكم الله في هذا المجلس نسأل الله أن يجعلنا فيه وبعده من المغفور لهم.
المنة ببثعة نبي الأمة
لقد امتن الله على هذه الأمة أن أرسل إليها رسولاً كريماً حريصاً عليها: لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [التوبة: 128]، فهو ناصح لهذه الأمة، يعلمها ما ينفعها، يعلمها كيف تتصرف في المواقف المختلفة والأحوال المتنوعة.
وهذا التعليم من النبي ﷺ فيه فائدة عظيمة لهذه الأمة حتى إذا صادفت وواجهت ووقعت وأقبل عليها شيء من هذه الأحوال يكون التصرف واضحاً معلوماً في هذه الشريعة، فلا تحتار الأمة كيف تتصرف، ولا يضطرب المسلمون ماذا يفعلون؛ لأن التصرف وهذا الفعل معلوم موجود: وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النــور: 54].
فإذًا، إذا اتبعناه اهتدينا.
ولذلك لا بد أن نتعرف على هذه التصرفات الحسنة، وكيف نفعلها ونقوم بها في الأحوال المتنوعة.
وهذا كان -طبعاً- من مسائل العقيدة والعبادة والفتن.
التصرف مع وسوسة الشيطان
فالنبي ﷺ علمنا ماذا نتصرف حتى لو الواحد تعرض إلى المشككات الوساوس مثلا: لن يبرح الناس يتساءلون حتى يقولوا: هذا الله خالق كل شيء، فمن خلق الله؟ وسوسة الشيطان يوسوس، يلقي بهذا السؤال.
ماذا يفعل الإنسان؟ ما هو التصرف حيال هذا الأمر؟
قال: فإذا بلغه فليستعذ بالله ولينته متفق عليه [رواه البخاري: 3276، ومسلم: 134].
وفي رواية: فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله ورسله [رواه مسلم: 134، وأحمد: 26203].
وأيضاً فإذا قال ذلك يعني: الشيطان فقولوا: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، ثم ليتفل عن يساره ثلاثا، وليستعذ من الشيطان [رواه أبو داود: 4722، وهو حديث حسن].
فإذًا، ماذا نتصرف إذا ألقى الشيطان وسوسته ونصب حباله ودفع بشبهه؟
أولاً: إعلان الإيمان: فليقل: آمنت بالله ورسله هذا الإيمان ضد الوسوسة وضد الشك.
هذا الإيمان الصحيح آمنت بالله ورسله يدفع كل وسوسة.
ثانياً: قراءة سورة الإخلاص: فقولوا: الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد .
ثالثاً: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم: فهذه الاستعاذة تبعد الوسوسة؛ لأن قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من همزه، ونفخه ونفثه [رواه أبو داود: 775، والترمذي: 242، وأحمد: 11473، وقال: "إسناده صحيح"؛ كما في صحيح أبي داود: 748] داخل فيها وساوس الشيطان هذه، ومن استعاذ بالله القوي أجاره.
رابعاً: أن يتفل عن يساره ثلاثاً: وهذا التفل فيه تفاؤل بتغير الحال من هذه الوسوسة إلى الإيمان القوي.
وكذلك فيه ترغيم للشيطان ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ [الأعراف: 17] وكثيراً ما يأتي عن الشمال.
ولذلك كان أتباعه من أصحاب الشمال.
ثم ليتفل عن يساره ثلاثاً .
خامساً: الانتهاء: ينتهي عن الاسترسال في التفكير: قف، ضع حداً، وكذلك فإن إشغال العقل بالخواطر الطيبة ومعاني الآيات والأحاديث، والخواطر الإيمانية والتفكير في عمل البر، والتفكير في محاسبة النفس، والتفكير ماذا أعددت لغد، هذا يزاحم الخواطر السيئة ويطردها.
وكذلك فإن الالتجاء إلى الله والاحتماء به ضد العدو اللعين.
وفي قوله: فليستعذ بالله ولينته لينته عن هذه الوسوسة، يكف وهذه مجاهدة خواطر.
والأمر هذا الذي جاء من النبي ﷺ، وهذا الانتهاء عن هذا التسلسل الباطل، والاستعاذة من الشيطان الذي يلقي الوسوسة، وإعلان الإيمان الصحيح، هذا يقطع الشر، ويفتح على الإنسان أبواب الخير، ويصل الإنسان إلى مرتبة اليقين.
وقد جاء ناس من أصحاب النبي ﷺ كما يقول أبو هريرة إليه فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذاك صريح الإيمان [رواه مسلم: 132] يعني: ما دمت أنت كاره لهذه الوسوسة ما تضرك.
المصيبة إذا رضيت بها، واطمأنت نفسك إليها، واسترسلت معها، أو اعتقدت بها.
أما مجرد أن يلقي بنفسك شيئاً أنت تكرهه، وتبغضه، وما تستطيع أن تتكلم به، وتتحرج من هذه الخواطر، هذا معناها أنك مؤمن، ذاك صريح الإيمان فاستعظام الكلام هذا، والتحرج من النطق به، هذا صريح الإيمان.
وقال أبو زميل: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما-: ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قلت: والله ما أتكلم به" يعني من شناعته، فقال لي: "أشيء من شك؟؟ وضحك، هذه ضحكة تربوية، أيش معناها؟ معناها أن هذا أمر لا يؤبه له، ضحك ابن عباس ضحك، أن هذا الشيء لا عبرة له، أنت غير معتقد به، وقال: "ما نجى من ذلك أحد، حتى أنزل الله : فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ [يونس: 94]، الآية..
وقال ابن عباس: "إذا وجدت في نفسك شيئاً، فقل: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم [رواه أبو داود: 5110، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1614].
التصرف مع الفتن
من التصرفات التي علمتنا إياها الشريعة وذكرها لنا نبينا ﷺ: كيف نتصرف في الفتن إذا نزلت، وأقبلت، واضطرمت؟
أولاً: الابتعاد عنها: قال ﷺ: ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، من تشرف لها تستشرفه [رواه البخاري: 3601، ومسلم: 2886] بعض الناس يفتح المواقع ولا يبالي، وأي شيء من الرسائل هذه التي فيها أو الصور أو الكلام الذي فيه فتنة يقرأ ولا يبالي.
انتبه، النبي ﷺ قال: من تشرف لها تستشرفه لو تعرضت لها يمكن أن تذهب ضحية، تنغمس، ولذلك قال في الحديث: من وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به [رواه البخاري: 3601، ومسلم: 2886].
هذا تصرف مهم جداً حيال الفتن.
فتن، فتنة شبهات، فتنة شهوات، فتنة اقتتال بين مسلمين، أي فتنة، قال: فمن وجد منها ملجأً أو معاذاً فليعذ به .
فلا أحسن من أن تستعيذ بالله.
كذلك: تعتصم بالكتاب والسنة.
كذلك: تكون مع أهل الإيمان والدين.
كذلك: تحرص على العلم الشرعي، فالعلم الشرعي وقاية من الفتن.
فقوله: من وجد ملجأً أو معاذاً يعني موضعاً يلتجأ إليه ليسلم من شر الفتنة، فليأته.
فإذًا، كانت هذه فتنة بغي، فتنة تنازل على الدنيا، قال: القاعد فيها خير من القائم ؛ لأنه كلما عظمت المشاركة عظم الإثم، ولذلك قال: القاعد فيها خير من القائم القائم وضعه أسوأ.
وقال ابن حجر -رحمه الله-: فيه التحذير من الفتنة والحث على اجتناب الدخول فيها وأن شرها يكون بحسب التعلق بها" [فتح الباري، لابن حجر: 13/31] يعني: والمشاركة فيها.
وقال الإمام النووي -رحمه الله-: القاعد فيها خير من القائم، معناه بيانه عظيم لخطرها، والحث على تجنبها، والهرب منها، وأن شرها وفتنتها يكون على حسب التعلق بها [شرح النووي على مسلم: 18/ 9]
قال: من تشرف لها تستشرفه من تطلع لها وتعرض لها، ولم يعرض عنها تهلكه.
وقال ﷺ: ويل للعرب من شر قد اقترب، من فتنة عمياء صماء بكماء، ويل للساعي فيها من الله يوم القيامة [رواه ابن حبان: 6705 وهو حديث صحيح].
إذًا، معنى ذلك أن التعرض لها هذا من أسباب العذاب، ولأن: "ويل" كلمة تهديد ووعيد.
النبي ﷺ حذرنا: ويل للعرب من شر قد اقترب .
وحذرنا من تداعي الأمم علينا، وقال: تداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها وأقرب مثال على التداعي: اتفاق فارس والروم هذا الآن.
تتداعى عليكم الأمم هذا اتفاق فارس والروم الآن من الذي سيذهب فيه؟ والخطر المحدق، العرب المسلمين أصل مادة الإسلام.
هو قال: إنكم كثير يعني ليست القضية العدد، لا يخشى من العدد القليل، ولكن المشكلة الغثائية، قال: لكنكم غثاء [رواه أبو داود: 4297، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 5369] أيش الغثاء هذا؟ يعني مالكم وزن، مالكم أهمية، مالكم تأثير، ((لكنكم غثاء)) الغثاء هو انتفاشات فوق سطح الماء، يعني السيل إذا جرى بها تتعلق، وتتفرق، تتعلق ببقايا جذوع الأشجار، وحواف مجرى السيل، تتعلق وتتفرق، وإن كان في الظاهر فيه انتفاش، لكن في الوزن الحقيقي ما في.
ولذلك لا بد من الخروج من الغثائية هذه بالعودة إلى الله، والتمسك بدينه.
متى يكون للمسلمين وزن؟ على مر التاريخ متى يكون للمسلمين وزن؟ متى يكون لهم ثقل؟ متى يكون لهم تأثير؟ متى يصير عكس الغثائية؟
إذا صاروا متمسكين بدينهم صار لهم هيبة ورهبة.
ولذلك لا بد للقضية من دعوة وتربية وإقبال وإصلاح، وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، لأن الوضع خطير.
والمصيبة أنه في الوقت الذي تتداعى علينا الأمم تطلع فينا مثل هذه الأشياء، وعلى أجيال، هذه التي لم يحسن الوالدان التربية، ولم تقم المدرسة بواجبها أو قصرت، ولم يقم الدعاة والخطباء والمصلحون بالواجب المطلوب.
ففيه خطر كبير واضح.
هو علمنا طبعاً سبب القوة: أن نعود إلى ما كان عليه وأصحابه، ونعتصم بالكتاب والسنة، ونرجع إلى الله ونطبق شرعه، ونلتزم بكتابه وسنة نبيه، يعني: عودة للإسلام، والالتزام بالواجبات، ونترك المحرمات، ونقوم بما أمرنا به.
هذا هو الطريق، واضح ليس غامضاً.
من ضمن حسن التصرف والتصرفات الشرعية التي جاء بها الدين: علمنا إذا صارت فتنة بين المسلمين، أو قتل بين المسلمين، وليس جهاد بين المسلمين والكفار، إذا صار اقتتال بين المسلمين الموحدين، وليس بين مسلم ومشرك، بين أهل السنة وأهل البدعة، بين أهل الإسلام وأهل الكفر، هذا شيء آخر، لكن إذا صار بين المسلمين أنفسهم، تنازعوا على دنيا واقتتلوا، علمك ماذا تفعل، قال: القاعد فيه خير من الماشي فيها، والماشي فيها خير من الساعي فيها، فإذا نزلت أو وقعت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كانت له غنم فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه فقال رجل: يا رسول الله أرأيت من لم يكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: يعمد إلى سيفه فيدق على حده بحجر ثم لينجو إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت، اللهم هل بلغت؟ فقال رجل: يا رسول الله أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفيين أو احدى الفئتين فضربني رجل بسيفه أو يجيء بسهم فيقتلني؟ قال: يبوء بإثمه وإثمك ويكون من أصحاب النار [رواه مسلم: 2887].
فإذًا، علمنا في مثل هذه القضية التي تكون اقتتال بين مسلمين اتخذ سيفا من خشب [رواه الترمذي: 2203 وحسنه].
وكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل [رواه أحمد: 21064 ، وقال محققو المسند: "رجاله ثقات رجال الشيخين"]، فاكسروا قسيكم وقطعوا أوتاركم واضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بيته فليكن كخير بني آدم [رواه أحمد: 19730، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
هذا لما يكون فيه التباس وعدم وضوح، وعدم معرفة الحق، وما في تمايز في الصفوف ولا فيه أهل إسلام وأهل كفر، وأهل توحيد وأهل شرك، وإنما بين المسلمين، قال: كقطع الليل المظلم [رواه مسلم: 118] يريد بذلك الالتباس، والعموم، والاستمرار والشيوع، فأعرضوا، أوصانا، لا تتقاتلوا.
وإذا خشيت أن يظهرك شعاع السيف إذا دخل عليك المعتدي فألق طرف ردائك على وجهك يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار.
وفي رواية: اجلس في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية [رواه ابن ماجه: 3962 وصححه الألباني].
هذا استشهد به بعض الصحابة لما وقعت الفتنة، ورفض سعد أي مشاركة، وقال: "لا، إلا أن تعطوني سيفاً له عينان بصيرتان، ولسان ينطق بالكافر فأقتله، وبالمؤمن فأكف عنه".
أما عند عدم وضوح بين مسلمين موحدين لم يكن هناك سيف ينطق بالكافر ليقتله ولا بالمؤمن فيكف عنه.
وفي هذه الحالة الترك والابتعاد والاعتزال.
لكن هذا يكون كما قال ﷺ في آخر الزمان، في نحو فتن الدهيماء، والأحلاس، ونحوها.
أما ما دام فيه أهل إسلام وأهل كفر، وهناك وضوح أن هذا إسلام وهذا كفر، هذا توحيد وهذا شرك، فهنا العدو واضح، والهدف واضح.
النبي ﷺ أوصانا، من التصرفات والأفعال المهمة عند اندلاع الفتن، فتن مثل الأشياء التي يخشى فيها الإنسان على إيمانه، يعني: يجد شبهات من كل مكان، شهوات من كل مكان، وهذا يعني: ألصق ما يكون في عصرنا، نحن الآن ألصق ما يكون بعصرنا: شيوع فتن الشبهات والشهوات والمعاناة منها، ما هو التصرف؟
أن يحافظ المسلم على رأس ماله ولا يغامر.
وما هو رأس المال هنا؟
الإيمان، قال ﷺ: إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وفتنة وأمور تنكرونها، وتجئ فتنة فيرقق بعضها بعضاً يعني هذه بالنسبة للتي سبقت تنسي ما قبلها، تصبح السابقة بالنسبة للجديدة ولا شيء، وتجئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه مهلكتي ثم تنكشف، وتجيئ الفتنة فيقول المؤمن: هذه هذه، فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه يعني: مثل ما تحب أن يعاملوك عاملهم)) [رواه مسلم: 1844].
أوصانا أيضاً من التصرفات والأفعال في مثل هذه الأحوال عند عموم فتن الشبهات والشهوات: بكثرة العبادة، فقال ﷺ: العبادة في الهرج كهجرة إلي [رواه مسلم: 2948].
يعلق الحافظ ابن رجب -رحمه الله- على هذا الحديث فيقول: وسبب ذلك أن الناس في زمن الفتن يتبعون أهواءهم، ولا يرجعون إلى دينهم، يتبعون أهواءهم ولا يرجعون إلى دينهم، فيكون حالهم شبيها بحال الجاهلية، فإذا انفرد من بينهم من يتمسك بدينه ويعبد ربه ويتبع مراضيه، ويجتنب مساخطه، كان بمنزلة من هاجر إلى رسول الله ﷺ، مؤمناً به، متبعاً لأوامره، مجتنباً لنواهيه" انتهى كلام الحافظ ابن رجب -رحمه الله-.
قال النووي: المراد بالهرج هنا الفتنة واختلاط أمور الناس، وسبب كثرة فضل العبادة فيه أن الناس يغفلون عنها، ويشتغلون عنها ولا يتفرغ لها إلا أفراد" انتهى كلامه[شرح النووي على مسلم: 18/88].
أوصانا كذلك ﷺ في هذه الأحوال: بالتمسك بالقرآن والسنة، وأن نعض عليهما بالنواجذ، فقال: إنها ستكون فتنة فقالوا: فكيف لنا يا رسول الله؟ وكيف نصنع؟ قال: ترجعون إلى أمركم الأول [رواه الطبراني في الكبير: 3307، وهو حديث صحيح].
ما هو أمرنا الأول؟
الكتاب والسنة.
الآن من خطط الأعداء إبعادنا عن الأمر الأول بحجة فهم جديد للدين، تطويرات وتحديثات للإسلام، مدرسة تنويرية جديدة تأتي بفهم جديد للكتاب والسنة غير فهم السلف، هذا واحد يتكلم قال: وأما حكم الرق في الإسلام فقد نسخ، فقال له واحد: وما الذي نسخه؟ قال: التقدم العصري.
يعني: الآية والحديث ينسخها التقدم العصري بكل بساطة.
فعندنا قواعد في الشرع، فيه قواعد في التفسير، في مصطلح الحديث، أصول الفقه، النسخ وشروط الناسخ والمنسوخ.
التقدم العصري صار ينسخ، يعني خلاص فقه جديد، وأحكام جديدة، وأيضاً دستور، جيب لك آيات وأحاديث جديدة ترجعون إلى أمركم الأول هكذا أوصانا، الرجوع للأمر الأول، الكتاب بتفسيره والسنة بشروحها، هذا الأمر الأول.
قال عبد الرحمن بن أبزى: لما وقع الناس في أمر عثمان ، -سبحان الله- الفتن ماشية، لم تخل الأمة من فتن، الله قدر أن تكون فتن في عهد أفقه أجيال الأمة، حتى نتعلم نحن كيف نتصرف، لما وقع الناس في أمر عثمان قلت لأبي بن كعب: يا ابا المنذر ما المخرج؟ ترى فيه ورطة كبيرة نحن فيها؟ ما المخرج من هذا الأمر؟ قال: "كتاب الله وسنة نبيه، ما استبان لكم فاعملوا به، وما أشكل عليكم فكيلوه إلى عالمه" [رواه الحاكم: 5321، وصححه الذهبي في تلخيص الحبير].
وروى الترمذي وأبو داود عن العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله ﷺ موعظة" هذه كانت بعد صلاة الفجر "موعظة بليغة ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع؟" خافوا "فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن عبد حبشي يعني ما دام يقيم فيكم الكتاب والسنة فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيراً، وإياكم ومحدثات الأمور فإنها ضلالة، فمن أدرك ذلك منكم فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضو عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة قال أبو عيسى: "هذا حديث حسن صحيح" [رواه الترمذي: 2676، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 165].
الذي يرى حجم البدع التي تسوق الآن إلكترونياً، يعني: حجم البدع والأحاديث الموضوعة التي تسوق وتروج في الواتس آب الآن شيء مخيف.
وأنا لا أشك أن وراء ذلك أقسام تعمل يعني: عند أهل الكفر والبدعة، هذه يعني ما هي مجرد اجتهادات من بعض الناس يعني انشر تؤجر فقط، دغدغة عواطف واستجابوا لها.
هذه وراءها أقسام تنتقي وتختار وتصيغ الرسائل وتنشر، والمساكين يروجون.
هذا التسويق الإلكتروني، والنشر الإلكتروني.
أوصيكم بتقوى الله، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة فيه تنبيه، والإنسان في الأخير إذا ما وجد إلا أن يكون مع خاصة نفسه، من إخوانه المقربين إليه وأقاربه الموثوقين، خلاص يكون معهم.
النبي ﷺ عرفنا كيف نتصرف في هذه الأحوال.
التصرف عند إقبال الدنيا
عرفنا أيضا كيف نتصرف إذا أقبلت الدنيا، يعني: صار فيه أرباح وتجارة، وفرص استثمارية، وارتفاع العقارات، وأشياء..، قال لي رسول الله ﷺ يقول شداد بن أوس: يا شداد بن أوس إذا رأيت الناس قد اكتنزوا الذهب والفضة فاكتنز هؤلاء الكلمات فاكنز هؤلاء الكلمات، ما هي؟ اللهم إني أسالك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسالك من خير ما تعلم، وأعوذ بك من شر ما تعلم، وأستغفرك لما تعلم إنك أنت علام الغيوب رواه الطبراني في الكبير: 7135، وقال الألباني: "إسناده جيد" كما في السلسلة الصحيحة: 3228].
الثبات في الأمر، ما هو الأمر؟
الدين، الثبات عليه، يعني: لزوم الاستقامة.
العزيمة على الرشد، يعني: الجد فيه بحيث نأخذ به ونفعل وننجز، الرشد الصلاح والفلاح والصواب، قال ابن القيم رحمه الله في "عدة الصابرين" معلقاً على الحديث: الدين مداره على أصلين: العزم والثبات وهما الأصلان المذكوران في حديث: اللهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد، فمتى أيد العبد بعزيمة وثبات فقد أيد بالمعونة والتوفيق" [عدة الصابرين، ص: 110].
شكر المنعم نسبة النعمة إليه، واعتقاد أنه هو الذي أتانا بها، وشكره وحمده عليها، واستعمالها في طاعته، وعدم استعمالها في معصيته.
وقوله: وحسن عبادتك يعني القيام بها بشرائطها وأركانها، وواجباتها وسننها، والاخلاص فيها.
وأسالك قلباً سليماً يعني من الشكوك والشبهات والشهوات، والغل والغش والحقد، وكل الصفات الرديئة.
ولساناً صادقاً يوافق ما في القلب السليم.
التصرف مع من يسترزق بالقرآن
علمنا النبي ﷺ كيف نتصرف مع من يسترزق يستأكل بالقرآن، قال: تعلموا القرآن وسلو الله به الجنة قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهي، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 4/198، ومحمد بن نصر في قيام الليل، ص: 180].
والتباهي بالتلاوة من ضمنها استعراض القرآن بالمقامات، هذا حجازي، هذا نهاوند، الله أنزله نهاوند وحجازي؟ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ [الزمر: 23] هذه القلوب، هذه الجلود، تقشعر من خشية الله مما أنزله من المعاني التي فيه، ولما فيه من تخويف وفيه من ذكر عذابه، وما فيه من اليوم الآخر وأهواله، تقشعر منه.
ثم تلين وتطمئن هذه الجلود والقلوب لذكر الله، تنصرف فيما ينفعها، فخشيت وخافت فعملت، هذه النتيجة.
فالآن صار التباهي بالقرآن مثل قراءته بالمقامات، وانتبه ما تطلع من مقام لمقام.
الله يقول: ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي [إبراهيم: 14]، ليس مقامكم ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ [إبراهيم: 14].
أما الاسترزاق به مثل هذا الذي يجيء، يقرأ في العزاء ثم يقول: هات، أو يتعرض في طريق الناس يمد يده ويقرأ.
قال ابن مسعود في التصرف مع هؤلاء: "سيجيء زمان يسأل فيه بالقرآن فإذا سألوكم فلا تعطوهم" [شعب الإيمان للبيهقي: 4/199].
التصرف مع زلة العالم
علمتنا الشريعة أيضاً في التصرف، حسن التصرف كيف نتصرف مع زلة العالم: عن معاذ بن جبل: "إن من ورائكم فتن يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق، والرجل والمرأة، والصغير والكبير، والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: مال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن" يعني: صار منه كثير، هناك كثير من الحفاظ أو كثير من المتخصصين في الشريعة يقول: لماذا الناس ما يتبعوني؟ لماذا أنا ما لي أتباع؟ لماذا لا يوجد لي مريدون؟ أين جماهيريتي؟ وشعبيتي؟ لماذا مالي جماهير؟ أين الفلورز؟
هذا كلام معاذ بن جبل عن واحد أتاه الله القرن فيوشك قائل أن يقول: مال الناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، يعني: حفظته، "ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره"؛ لأنه هذا صار في منه كثير فلازم نأتي بشيء جديد، حتى يكون له لذة وشهوة وطرب في الأسماع فيُقبلوا "فإياك وما ابتدع فإنما ابتدع ضلالة" [رواه أبو داود: 4611].
الآن هذه الموضات وهذه الأشياء المستحدثات الجديدة دخلت حتى في الدين، وصار بعض الناس يعمل مدرسة تنويرية، ومدرسة عقلانية، ومدرسة رخص، فيقول: في كثير على منهج السلف، فأنا أريد أسوي اتباعاً، فما الحل؟ أسوي لي شعبية وجماهيرية، أبدأ أفتي بالرخص، وأجمع تسهيلات، فيتم السماع له.
والله الذي يفكر الآن، يجدها أكيد تنطبق على الواقع انطباقاً عجيباً، كان عند المسلمين الكبار والشباب أحكام من مشايخهم واضحة من علمائهم الكبار، في الحج كان عندهم أحكام واضحة وفتاوى، فيجيء بعض الناس يقولون: هؤلاء كلهم مع المشايخ، دعونا نعمل طريقة نسوي لنا فيها شعبية، أيش هي؟
نجمع ونعطيهم رخصاً، من يقول بالخروج من عرفة قبل الزوال؟ فلان، خذ، من يقول: أن مزدلفة سنة ما هي واجب ولا ركن؟ خذ، من يقول: بالرمي قبل الزوال؟ خذ، من يقول..؟ ويبدؤون في هذا المسلسل، فيبدأ يأتيهم من الذباب ومن الخفاف، ومن الذي ما عنده اهتمام شرعي كاف من أصحاب الهوى، ومن ضعاف الإيمان، يأتيهم زبائن.
أنت الشيخ الحقيقي، وبعض المنحرفين أو أصحاب الأهواء أو حتى من أصحاب العلمنة وغيرهم يشجعون هذا التوجه، وحتى لو لم يقتنعوا، ويقولون: ليت كلهم مثلك.
ولذلك تأمل كلام معاذ: "فيوشك قائل أن يقول: مال للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن، وماهم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإنما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم"
تأمل من المنحرف الذي هو ليس بعالم، وهذه مشكلة بعض الناس أنهم لا يطبقون قاعدة: "انظروا عمن تأخذون دينكم" ما في تمحيص، يتبع الأشهر إعلامياً، الذي عنده أتباع أكثر في تويتر، الذي عنده كذا.
هل ضروري أنه أكثر واحد متابعة في مواقع التواصل هو أعلمهم؟ هل أول عشرة أو عشرين هم أعلم؟
لا، ممكن يكون الأعلم ما عنده أصلاً، ما دخل في هذه أصلاً، ويمكن يكون معه نفر يسير، الآن صار زمن الشهرة، وصارت القضية للأشهر، ولو أعطاهم رأياً شرعيا تبعوه، وقد لا يكون هو الصواب.
ولذلك يجب أن يؤكد أصحاب الشعبية الإلكترونية على اتباع العلماء، ومن هو أعلم منهم، في مسائل الدين، لأن هذه أمانة.
والمشكلة عندما لا يفرق كثير من الناس بين العالم والشاعر، بين العالم والقاص، بين العالم والأديب، بين العالم والإداري، وبين العالم والمدرب الذي يعطي الدورات، فتكون البداية بأخذ أشياء تتعلق بالشريعة من مدربي دورات، أو لمجرد أنهم مشهورين، أو لمجرد أن لهم برنامج في قناة.
وإذا نحن الآن أخرجنا هذا الذي أحياناً اسمه مثقف شرعي ليس عالماً، عنده نوع من الثقافة الشرعية لكنه ليس عالماً، إذا أخرجته الآن في قضايا الاستفتاء، وقلت: هذا دين وأنا لن أستفتي إلا أهل العلم الذي على الأمر الأول، الذي منهجهم على الأمر الأول، على منهج السلف، على فهم الصحابة والتابعين حسب النصوص؛ لأن هذا هو التصرف السليم.
سيبقى عالم فعلاً ، لكن له زلة أو زلات، فكيف نتصرف مع زلة العالم؟ ممكن يوجد عالم حقيقي،عنده مهارات العالم، وشروط العالم تجتمع فيه فعلاً، لكنه بشر، تخفى عليه أشياء، يذهل عن أشياء، يفهم أشياء خطأ يحصل، يفهم واقعاً ما خطأ، فيزل في أشياء.
ما هو التصرف الشرعي من هذه الزلات؟
قال: "وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق" [رواه أبو داود: 4611] زيغة الحكيم في كلام معاذ هي زلة العالم، قال يزيد بن عميرة قلت: لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلال وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ يعني: كيف أميز؟
قال: "بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها: ما هذه" [رواه أبو داود: 4611، ] يعني إذا جاء عالم وأفتى فتوى مخالفة لفتاوى العلماء، فاشتهرت، طاروا بها راحت في القنوات ومواقع التواصل، طاروا بها، وهشتقوها هشتقة، إيه -والله- هذا الواقع، قال: "اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات" هذه "التي يقال لها: ما هذه؟" ما هذه الطلعة؟ ما هذه؟ ما هذا الشيء؟ ما الموقف منها الآن في التصرف؟ "اجتنب، قال: "ولا يثنينك ذلك عنه"، وفي ذات الوقت لا تهجره لا تبغضه، أليس عالماً؟ زل زلة، خلاص نشطب عليه؟ نلغيه؟ لا.
قال: مع هذا مع الاجتناب هذا والترك لما قاله "ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع"، ما معنى: لعله أن يراجع؟ يرجع إلى الحق، قال: "وتلقى الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا" [رواه أبو داود: 4611، وهو حديث صحيح].
فإذًا، اجتناب الزلة؛ لأن هذا ليس معصوماً، نعم عالم لكنه ليس معصوماً.
قال الشاطبي -رحمه الله-: إن زلة العالم لا يصح اعتمادها من جهة ولا الأخذ بها تقليداً له، وذلك لأنها موضوعة على المخالفة للشرع، ولذلك عدت زلة، وإلا فلو كانت معتدة بها لم يجعل لها هذه الرتبة، ولا نسب صاحبها إلى الزلل فيه" [الموافقات: 5/136].
وقال ابن القيم: "فإذا عرف أنها زلة لم يجز له أن يتبعه فيها باتفاق المسلمين، فإنه اتباع للخطأ على عمد، ومن لم يعرف أنها زلة فهو أعذر منه" [إعلام الموقعين: 2/13] يعني: أقل في المؤاخذة "وكلاهما مفرط فيما أمر به" الذي عرف أنها زلة وأخذ مفرط، والذي ما عرف أنها زلة وأخذ دونه في التفريط، لكن عليه مسؤولية لماذا ما راح إلى الأوثق؟ لماذا لم يأخذ كلام أهل العلم الآخرين الذين اتفقوا عليه؟
ولاحظ العدل من معاذ : "ولا يثنين ذلك" يعني: ما تشطب عليه وتلغيه.
قال الإمام الشاطبي -رحمه الله-: "لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها، ولا ينتقص من أجلها" [الموافقات: 5/136].
هذا إذا كان فعلاً عالم، ليس جاهلاً أو منحرفاً فضحته الفتوى؛ لأن هذا تساهلاته تفضحه، وبالتالي يسقط، يحذر منه، لكن العالم بالكتاب والسنة لا يشنع عليه، ولا ينتقص من أجلها، أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة، يعني: ما نقول: تعمد أنه ينحرف أو يخالف، "فإنه هذا كله خلاف ما تقتضيه رتبته في الدين" [الموافقات: 5/137].
وقال الحافظ الذهبي -رحمه الله-: "ثم إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق، واتسع علمه، وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه، وورعه واتباعه، يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنة" نعم "ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ، ونرجو له التوبة من ذلك" [سير أعلام النبلاء: 5/271].
التعامل مع محرفي النصوص
علمنا الشرع أيضاً كيف نتعامل مع محرفي النصوص: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: تلا رسول الله ﷺ هذه الآية: هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران: 7]، قال رسول الله ﷺ: فإذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم متفق عليه [رواه البخاري: 4547، ومسلم: 2665].
فإذًا، كما يقول الإمام النووي -رحمه الله-: "في هذا الحديث التحذير من مخالطة أهل الزيغ وأهل البدع، ومن يتبع المشكلات للفتنة" [شرح النووي على مسلم: 16/218].
وقال على القاري في "مرقاة المفاتيح": "فاحذروهم لا تجالسوهم ولا تكلموهم أيها المسلمون" [مرقاة المفاتيح: 1/236] من هم هؤلاء؟ أهل البدع.
قال ابن بطة: "ولقد رأيت جماعة من الناس كانوا يلعنونهم ويسبونهم، فجالسوهم على سبيل الإنكار عليهم والرد عليهم ، فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر، ودقيق الكفر حتى صبوا إليهم" [الإبانة: 2/469].
يعني بعض الناس الآن في خلال الحوارات، يفتح حواراً مع مبتدع على موقع من مواقع الشبكة، ويقول: أنا قصدي أهديه، وأنا قصدي أقيم عليه الحجة، وأنا قصدي، ما هي بضاعتك؟ وما تحصيناتك؟ ما هو علمك؟ لأنه يخشى من قضية الانزلاق معه في النهاية.
وقد يظهر لك منهم خبثاء، في غالب التخصصات، عليها دروات تدريبية، ودراسات كثيرة، وأشياء نفسية، كيف يتعاملوا معنا؟
فقد يظهر لك في البداية تراجعاً وأنه قبل منك، وأنه رجع على الحق، وأنه شكرك على هذا، وأنه.. ، لكنها مثل ماذا؟ مثل قصة واقعية، وهي تلك الفتاة التي اتصلت على شاب صالح، وحصل العكس أيضاً، معاكسة، فكلام، فقال: اتق الله، وخافي ربك، وهذا حرام، وما يجوز، وكذا.. وكذا..، فأظهرت ماذا؟ التوبة، جزاك الله خيراً، ذكرتني، أنا كنت غافلة، ونحن نحتاج مثلك، ممكن تصحيني لصلاة الفجر كل يوم؟ وحصل العكس.
القصص التي وريت لنا أيضاً، واحد اتصل يعاكس واحدة فشتمته ووبخته وعنفته، وقرعته وخوفته ووعظته، ممكن تصحيني لصلاة الفجر؟ هذا طلب كيف يعني شكله؟ صلاة الفجر.
لكن قول ابن بطة في الإبانة: "فما زالت بهم المباسطة وخفي المكر" هذه هي المباسطة وخفي المكر، وفيه ناس انحرفوا عن طريق الشبكة بهذه الطريقة.
قالوا: أن أبا العلاء المعري الشاعر المشهور ارتحل إلى طرابلس واجتاز باللاذقية فنزل ديراً به راهب متفلسف" يعني: راهب وعنده علم الكلام والفلسفة، فدخل كلامه في مسامع أبي العلاء وحصلت له شكوك لم يكن له نور يدفعها فحصل له نوع انحلال دل على ذلك ما ينظمه ويلهج به من الشعر.
فإذًا، ما المشكلة؟ كيف زاغ؟
نزل بدير فيه راهب عنده علم الكلام، وفلسفة فحصلت له شكوك وظهرت بعد ذلك في شعره.
فإذًا، ما هو التصرف الشرعي هنا؟ المجانبة التامة والترك، والابتعاد وعدم المجالسة، وعدم المباسطة؛ لأنه ينزلق.
التصرف مع الخوارج
أخبرنا النبي ﷺ عن التصرف مع الخوارج الذين يكفرون المسلمين، وبدايته: فلان الفلاني ما يحكم بشرع الله؟ صح، كافر، ووزراؤه؟ كفار، وجنوده الذين يحرسونه؟ كفار، وشعبه راضون فيه؟ كفار، هذا تسلسل التكفير عند هؤلاء.
يأتي على أي مسألة من مسائل السياسة الشرعية، شيء من الباطل من منتجات الغرب، فيكفر من دخل فيه باللازم، يقول: يلزم من ذلك كفره، ويلزم من ذلك كفر من صوت وانتخب وشارك، وكلهم كفار.
الخوارج هؤلاء النبي ﷺ وصفهم بأوصاف قال: حدثاء الأسنان، سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول البرية عندهم أدلة، عندهم آيات وأحاديث، يحسنون القيل، ويسيئون الفعل يذبحون الأبرياء، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم عندهم عبادة، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم هو حافظ آيات لكن ما في فهم، ما في تفسير صح، يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية باعتقاداتهم الباطلة، أهل الغلو يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، سيماهم التحليق، يقرؤون القرآن يحسبون أنه لهم وهو عليهم من أبغض خلق الله إليه، هم شر الخلق والخليقة، انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها على المؤمنين)) هذه صفاتهم مجمعة من روايات في البخاري ومسلم.
كيف التعامل معهم؟
أولا: لا يبدؤون بالقتال، وإنما يبدؤون بإقامة الحجة، النصح، بيان باطلهم، مجادلتهم بالتي هي أحسن.
فإذا تحولوا إلى الفعل وبدؤوا يقتلون المسلمين، خلاص، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر لمن قتلهم يوم القيامة [رواه البخاري: 3611] لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد [رواه البخاري: 3344] هذه كلها في البخاري طوبى لمن قتلهم وقتلوه [رواه أبو داود: 4765]، من قتلهم كان أولى بالله منهم)).
قال علي لهم: "لكم عندي ثلاث خلال ما كنتم معنا : لن نمنعكم مساجد الله أن يذكر فيها اسمه، ولا نمنعكم شيئاً ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلونا" [مصنف ابن أبي شيبة: 7/562].
التصرف عند اقتتال الناس على الدنيا
علمنا الشرع أيضاً من التصرفات: أنه لو ظهر كنز تقاتل الناس، لو تقاتل الناس من أجل الدنيا ماذا نفعل؟ حتى لو حسر الفرات عن جبل من ذهب، وهذا سيحدث قطعاً، وما بعد حصل، يعني: لو قلت: أشراط الساعة الصغرى وقع أكثرها، بدأت من بعثة النبي ﷺ أكثرها وقع، بقي كم واحدة من أشراط الساعة الصغرى وبعدين خلاص تأتي الكبرى، وقد تتخلل الكبرى بعد الصغرى، بعض ما تبقى من الصغرى، من أشراط الساعة الصغرى التي ما بعد وقعت: أن يحسر الفرات عن جبل من ذهب، قال ﷺ يبين الموقف: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب يقتتل الناس عليه فيقتل من كل مائة تسعة وتسعون، ويقول كل رجل منهم: لعلي أكون أنا الذي أنجو [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
ما هو التصرف؟
قال ﷺ: فمن حضره فلا يأخذ منه شيئاً متفق عليه [رواه البخاري: 7119، ومسلم: 2894].
إذًا، هذا التصرف: إذا تقاتل الناس على الدنيا لا تدخل في القتال، شيء يؤدي إلى الاقتتال وعلى الدنيا لا تقربه ولا تدخل فيه، ولا تأخذ منه شيئاً.
قال ابن حجر -رحمه الله-: "الذي يظهر عن أخذه" ليس لأن الذهب حرام، ليس لأنه إذا واحد اكتشف منجماً أو وادياً أو جبلاً من ذهب، ما يجوز يأخذه، الله يقول: وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ [الجاثية: 13]، هذه منة من الله، اضرب في الأرض، ابتغوا من فضل الله، ما أحد منعك، هذا حلال، معادن أودعها الله، الله كريم أكرم عباده بأن جعل لهم في الأرض معادن وأكلاً وزرعاً {لكم ولأنعامكم} فليس السبب في المنع أن الذهب حرام، أو مناجم الذهب حرام، قال ابن حجر: "الذي يظهر أن النهي عن أخذه لما ينشأ عن أخذه من الفتنة والقتال عليه" [فتح الباري، لابن حجر: 13/81].
ولأنه كما قال ابن علان: "لا يمكن الوصول إليه إلا بعد القتال المذكور".
وما الفائدة أن يقتل؟
فيذهب هو والذهب.
وقال ﷺ: ستكون معادن يحضرها شرار الناس [رواه أحمد: 23645، وصححه الألباني: 1885].
والمعادن الجوهر المستخرج هذا.
فالمقصود ما هو؟
قال: اتركوها لا تقربوها لما يلزم على حضورها والتزاحم عندها من الفتن المؤدية إلى الهرج والقتل.
لو فيه تنظيم للأمور، وفيه شركات استخراج وتنقيب، روح ابتغ من فضل الله. لكن ما هو التصرف؟
أنه ما نتنافس على الدنيا، وتنافس يؤدي إلى الاقتتال، ألا يوجد من قتل أخاه من أجل ميراث؟ ألا يوجد من قتل جاره من أجل قطعة أرض؟
فإذًا صارت مشكلة في الأسرة أو خارجها، المهم شيء يؤدي إلى اقتتال، أيش التصرف الشرعي الصحيح؟
هذا.
التصرف مع النار التي تخرج من حضرموت في آخر الزمان
علمنا ﷺ حتى النار التي تخرج من حضرموت في آخر الزمان ماذا نفعل، فعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: تخرج نار من قبل حضرموت تحشر الناس قلنا: يا رسول الله ما تأمرنا؟ قال : عليكم بالشام [مسند أحمد: 4536 بسند صحيح].
إذًا، في آخر الزمان تكون الهجرة إلى الشام على ثلاثة مراتب:
المرتبة الأولى: الذي يهاجر مبكراً إليها؛ لأنه فيها فسطاط المسلمين، وأمر الإسلام قائم بالشام، وعمود الدين قائم بالشام، نسأل الله أن يقيمه، نسأل الله أن يقيم عمود الدين بالشام عاجلاً.
فإذا قام عمود الدين في الشام بعد ذلك في آخر الزمان، ويكون فيها فسطاط المسلمين يذهب إليها أهل الإيمان والدين مبكراً، الفئة هذه المبكرة، هجرتهم إليها مثل الهجرة من مكة إلى المدينة، فاضلة جداً.
النوع الثاني: يذهبون عند وقوع بداية الفتن.
النوع الثالث: يذهبون مضطرين إذا خرجت النار من حضرموت يذهبون مضطرين من شرار الخلق في آخر الزمان.
التصرف مع محرفي النصوص
وكذلك علمنا النبي ﷺ كيف يكون التصرف، وكيف يكون العمل إذا قام هؤلاء أهل التحريف للنصوص، فإنه ﷺ قال: فاحذروهم وهذا يعني طبعا -كما قلنا-: عدم المجالسة والترك والابتعاد.
وكذلك علمنا مع الخوارج كيف يكون الأمر.
وكذلك علمنا عند حدوث الاقتتال على الدنيا كيف يكون الأمر.
وكذلك علمنا عند خروج النار من جنوب الجزيرة ماذا يكون الحال والتصرف.
التصرف عند ظهور الدجال
وكذلك علمنا ماذا نفعل عند ظهور الدجال، فإنه عليه الصلاة والسلام علمنا: الاستعاذة منه.
وعلمنا ﷺ: حفظ أوائل سورة الكهف للتعامل معه، من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدجال [رواه مسلم: 809]؛ لأن هذه الآيات العشرة الأولى فيها ذكر العجائب والآيات التي يتأملها تهون عليه فتنة الدجال، فيقرأ عليه فواتح سورة الكهف.
ثالثاً: علمنا الابتعاد عنه: من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله أن الرجل ليأتيه وهو يحسن أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات [رواه البخاري: 4319].
علمنا أيضاً - أنتم الآن في مكة- من الأمور أن الحرص على سكنى مكة والمدينة يجنب الدجال، لأنه ﷺ قال: ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال، إلا مكة، والمدينة [رواه البخاري: 1881، ومسلم: 2943].
علمنا: أن لا ندخل جنته، لهذا الدجال، وأن ندخل ناره، فقال ﷺ: إن الدجال يخرج وإن معه ماء وناراً فأما الذي يراه الناس ماء فنار تحرق، وأما الذي يراه الناس ناراً فماء بارد عذب، فمن أدرك ذلك منكم فليقع في الذي يراه ناراً، فإنه ماء عذب طيب [رواه مسلم: 2935].
بما أن الدجال سيطوف في الأرض أربعين يوماً، يوم مقداره سنة، ويوم مقداره شهر، ويوم...، كيف نصلي؟ علمنا كيف نتصرف، وكيف نفعل في الصلاة، وأن نقدر لها قدرها؛ لأنهم قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم سنة أتكفينا فيه صلاة اليوم؟ قال: لا اقدروا له قدره [رواه مسلم: 2937]، فإذا مضى بعد طلوع الفجر مقدار ما تحضر صلاة الظهر، ماذا نفعل؟ نصلي الظهر، إذا مضى بعد الظهر قدر ساعتين ونصف مثلاً جاء العصر نصلي العصر، المغرب كم بينه وبين العصر كذا، ننتظر ساعتين ونصلي المغرب، ونصلي العشاء، وهكذا.. نقدر له قدره، حتى ينقضي اليوم.
التصرف عند حصول الفساد والظلم
علمنا النبي ﷺ إذا حصل الفساد، والظلم وتأخير الصلاة عن وقتها ماذا نفعل؟ فقال كعب بن عجرة: خرج إلينا رسول الله ﷺ ونحن تسعة خمسة وأربعة، أحد العددين من العرب والآخر من العجم، أي: إما أن نحن خمسة من العجم وأربعة من العرب، أو العكس، يعني: مثل العجم سليمان الفارسي وغيرهم، فقال: اسمعوا هل سمعتم أنه سيكون بعدي أمراء من دخل عليهم فصدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه، وليس يرد علي الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وأنا منه وسيرد علي الحوض)) [رواه الترمذي: 2259، والنسائي: 4208، وصححه ابن حجر].
ولذلك روى جابر أن النبي ﷺ قال لكعب بن عجرة: أعاذك الله من إمارة السفهاء قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي، من صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يرد علي حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم على ظلمهم فأولئك مني وانا منهم وسيرد علي الحوض [رواه أحمد: 14441 وإسناده على شرط مسلم].
التعامل معهم في قوله تعالى: وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ [هود: 113].
والتعامل معهم عدم طاعتهم في معصية الله؛ لأنه ﷺ قال: سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، وينكرونكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله رواه أحمد.
هذا إذا كره وهو لا يستطيع الإنكار برئ.
من الذي سيقع في المصيبة؟
من رضي وتابع.
إذا أخر هؤلاء الصلاة عن وقتها ما هو التصرف؟
قال ﷺ لأبي ذر: كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها قلت: فما تأمرني؟ قال: صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة [رواه مسلم: 648].
التصرف عند تفرق المسلمين
علمتنا الشريعة ماذا نفعل، وكيف نتصرف إذا تفرق المسلمون، فقال ﷺ كما في حديث الذي كان يسأله عن الشر مخافة أن يدركه: هل بعد ذلك الشر الخير؟ قال: نعم وفيه دخن ما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر إذًا حالهم مخلط، فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوهم إليها ما إن أدركني ذلك، ماذا أفعل ، كيف أتصرف؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم ، قلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق أي الفرق التي على الباطل كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك [رواه البخاري: 3606، ومسلم: 1847].
التصرف عند موت الأخيار وبقاء الأشرار
إذا واحد أدرك الزمان الذي فيه يموت الأخيار ويبقى الأشرار، فقال ﷺ: يوشك أن يغربل الناس غربلة، وتبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم دخلت وضاعت واختلطت، وكانوا هكذا، وشبك بين أصابعه.
الغربلة ما هي؟ يوشك أن يغربل الناس غربلة يذهب الأخيار؛ لأن الغربال ما الذي يذهب منه؟
الدقيق النافع الطيب.
والذي يبقى فيه الشوائب، يوشك أن يغربل الناس غربلة، وتبقى حثالة من الناس أراذل، الرديء من كل شيء، قد مرجت عهودهم وأماناتهم فسدت واختلطت، وكانوا هكذا، وللالتباس، قالوا: فكيف نصنع يا رسول الله إذا كان ذلك؟ قال: تأخذون ما تعرفون أنه حق، وتذرون ما تنكرون تتركونه، وتقبلون على خاصتكم أيش عندك إخوان في الله، طلبة علم أهل دين، أهل طاعة تلزمهم مهما قل عددهم، قال: وتدعون عامتكم يعني: الأكثرية الذي على الباطل [رواه أبو داود وصححه: 4342].
هنا يأتي الزم بيتك واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف، ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة [رواه أبو داود: 4343، و صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 2744].
متى يكون هذا؟
عند عدم القدرة على الدعوة.
عدم القدرة على التعليم.
عدم القدرة على النصيحة.
عدم القدرة على الإنكار.
هل نحن الآن وصلنا إلى هذه المرحلة؟
الجواب: لا، والحمد لله، لم نصل، لكن الشرع علمنا الحالات المتنوعة.
التصرف مع الكذابين
عند وجود كثرة الكذابين سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة طبعاً هذا حصل أكيد، ما الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة [رواه ابن ماجه: 4036، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1887].
ما هو الحل؟
في حديث آخر: إياكم وإياهم والأباطيل إذا روجت وسوقت اتركوها ولا تأخذوا بها..
التصرف مع طلبة العلم والأفاضل
علمنا ماذا نفعل مع طلبة العلم، والأفاضل، قال: سيأتيكم أقوام يطلبون العلم فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحباً مرحباً بوصية رسول الله ﷺ، واقنوهم يعني: علموهم [رواه ابن ماجه: 247، وحسنه الألباني].
التصرف مع أقوام يجلسون في المسجد حلقاً حلقاً إمامهم الدنيا
النبي ﷺ علمنا أنه سيأتي وقت يكون فيه أقوام يجلسون في المسجد حلقاً حلقاً إمامهم الدنيا، المساجد ما بنيت للدنيا، ماذا نفعل؟
لا نجلس مع هؤلاء، قال سعيد بن عبد العزيز: "رأى أبو الدرداء رجلاً يقول لصاحبه في المسجد: اشتريت وسق حطب بكذا وكذا، فقال أبو الدرداء : "إن المساجد لا تعمر لهذا".
بعص التصرفات المتعلقة بالعبادات
علمنا ﷺ أشياء كثيرة حتى في العبادات.
علمنا : إذا أقيمت الصلاة لا تأتوها وأنتم تسعون لا تهرول ولا تستعجل، امش وعليك السكينة والوقار، ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا [رواه مسلم: 602].
علمنا : إذا رجل عطس وما حمد الله أن لا نشمته.
علمنا: إذا أحدث واحد في الصلاة أن يأخذ بأنفه وينصرف فيظن أن به رعافاً.
علمنا: إذا واحد نظر إلى امرأة وأعجبته أن يأتي زوجته ليرد ذلك ما في نفسه من الإعجاب بهذه المرأة الجديدة التي رآها، وهذا على فرض أنه نظر فجأة، لأنه النظر حرام، لكن لو صار النظر فجأة، وحتى لو كان عصى ونظر تعمداً يتوب إلى الله ويأتي زوجته.
علمنا: إذا بشر الواحد منا بخبر سار أن يخر لله ساجداً.
علمنا: إذا مر الواحد في قلق وحيرة واضطراب أن يصلي، إذا كان حزبه أمر صلى.
علمنا: إذا الواحد أصيب بمصيبة أن يسترجع ويقول: اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيراً منها [رواه مسلم: 918].
التصرف مع طلبات الصداقات المجهولة
علمنا الشرع الموقف من طلب الصداقات المجهولة، وهذا يحدث على الفيس بك وعلى مواقع التواصل.
طلب الصداقات المجهولة، قال ﷺ: لا تصاحب إلا مؤمناً [رواه أبو داود: 4832، والترمذي: 2395، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح: 5018].
إذًا، أنا ما أقبل صداقات مجهولة، ما أدري من هذا عدو لله، ولي لله، خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً، من هو؟
لكن أصحاب الانفتاح يقولون: اقبل الآخر أياً ما كان، الصداقة للجميع.
ولكن انظر الفرق بين الشرع وبين الأطروحات الأخرى.
هل تقبل الصداقات النساء الأجنبيات ؟
الشرع ماذا يقول؟
هذا الكلام.
هنا ينبغي أن نعرف كيف يكون التصرف.
علمنا في الكسوف : أن نفزع إلى الصلاة، وليس إلى الكاميرات ولا النظارات التي تقي الأشعة تحت وفوق.
نفزع إلى الصلاة، ما هو إلى المراصد، لكن الآن بعض الناس ما يتصرف التصرف الشرعي الصحيح.
كذلك علمنا الشرع: أن الإنسان إذا دخل المسجد والإمام يخطب ما يجلس حتى يصلي ركعتين خفيفتين.
وكذلك علمنا الشرع: إذا الإنسان مدح في وجهه ماذا يفعل من نهي من يمدحه ويوقفه، وعبر عن هذا بقوله: فاحثو في وجوههم التراب [رواه الترمذي: 3002] إذا أفرط.
وكذلك علمنا الشرع: إذا رأينا ((شحاً مطاعاً)) يعني: بخلاً تطاوعه نفوس هؤلاء البخلاء، ((وهوى متبعاً)) تتبعه بعض النفوس، وهو هوى خلاف الكتاب والسنة، ((ودنيا مؤثرة)) يعني: تقدم على الآخرة، ((وإعجاب كل ذي رأي برأيه)) من غير نظر إلى الكتاب والسنة، فيعجب به وينشره ويؤلف فيه، ويعمل عليه دورات، وهو من الباطل، ((إعجاب كل ذي رأي برأيه))، والنبي ﷺ علمنا في هذه الحالة، ((فعليك بخاصة نفسك)) [رواه الترمذي: 3058، وقال: "حديث حسن غريب"] ما تعرفه من الحق الزمه، اثبت عليه، استمر عليه، وداوم عليه.
علمنا إذا هبت الريح ما نلعنها ولا نسبها؛ لأنها مأمورة.
علمنا إذا رأينا واحداً يبيع في المسجد أن نقول له: لا أربح الله له تجارتك ، ونخرجه خارج سور المسجد.
علمنا عدم السلام على من يقضي حاجته، لأنه لا يذكر الله في مثل هذه الحالة.
علمنا ﷺ أن الواحد إذا جاءه مال من غير إشراف نفس ولا مسألة أن يقبله، وإذا صارت نفسه هي التي تهفو وتقبل وتذهب وتطلب أن لا يفعل، ولا يقبل.
علمنا إذا جاء واحد صاحب دين وخلق يخطب ماذا نفعل.
الشاهد: أن هناك تصرفات كثيرة علمنا إياها الشرع في العبادات، وفي المعاملات، وهذه نماذج فقط.
وإنما كان أصل الكلام على التصرف في حال تغير الأمور، والفتن، وهذا هو زمننا الذي ينبغي أن نعرف كيف نواجه فيه هذه المتغيرات.
نسأل الله أن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يتوب علينا وأن يصلح شأننا، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يصرف قلوبنا على طاعته، وأن يختم لنا بخاتمة السعادة أجمعين، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد.
-
مراد
السلام عليكم - كيف حالك يا شيخنا ؟ شكرا محاضرة طيبة .