الحمد لله رب العالمين. وصلى اللهم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
أقسام أشراط الساعة
تنقسم علامات الساعة من حيث ما وقع منها وما لم يقع إلى ثلاثة أقسام:
الأولى: ما وقع على وفق ما أخبر النبي ﷺ وقعت وانتهت.
الثانية: ما وقع مباديه، ولم يستحكم، وقع أوله ولم ينته وقوعه.
الثالثة: ما لم يقع منه شيء من الأشراط الصغرى، ولكنه سيقع.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن بعض الناس قد يفهم من أشراط الساعة أن كل شرط من أشراط الساعة محذور، وممنوع، ومحرم، وأن علامات الساعة التي جاءت بها الأخبار هي أشياء مذمومة، لكن هذا ليس بصحيح، فإن بعض الأشراط المذكورة أشراط محمودة وليست مذمومة، أو أشياء مباحة لا يقال عنها إنها مذمومة أو محرمة.
قال النووي رحمه الله: فإنه ليس كل ما أخبر به ﷺ بكونه من علامات الساعة يكون محرماً، أو مذموماً، فإن تطاول الرعاع في البنيان، وفشوا المال، وكون خمسين امرأة لهن قيمٌ واحد ليس بحرام بلا شك، وإنما هذه علامات والعلامة لا يشترط فيها شيء من ذلك". [شرح النووي على مسلم: 1/159].
يعني: من الحل والحرمة، بل تكون بالخير والشر والمباح والمحرم والواجب وغيره, والله أعلم.
أشراط الساعة الصغرى مجملة فيما يلي:
أشراط وقعت
أ- الأشراط التي وقعت:
بعثة النبي
أولا: بعثة النبي ﷺ: عن سهل بن سعد قال: قال رسول الله ﷺ: بعثت أنا والساعة كهذه من هذه أو كهاتين، وقرن بين السبابة والوسطى". متفق عليه. [رواه البخاري: 5301، ومسلم: 2951].
وروى مسلم عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله ﷺ: بعثت أنا والساعة كهاتين ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى. [رواه مسلم: 2951].
فأول أشراط الساعة إذا بعثة رسول الله ﷺ وهو خاتم الأنبياء، وليس بعده نبي آخر، وإنما تليه القيامة كما تلي الوسطى السبابة مباشرة، وليس بينهما أصبع أخرى.
أو أن معنى الحديث أن بينهما شيئا يسيرا كما بين الأصبعين في الطول، فالوسطى أطول من السبابة بقليل، فهكذا يكون بين النبي ﷺ وبين قيام الساعة من النسبة على أحد الأقوال.
والمراد من الحديث قرب القيامة من بعثة النبي ﷺ حتى أن النبي ﷺ عبر عن هذا القرب الشديد بقوله: بعثت أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسبقني رواه الإمام أحمد [أحمد: 18792، وصححه محققو المسند] ، قال الحافظ: "سنده حسن". [فتح الباري: 6/97].
قال القرطبي في التذكرة عن علامات الساعة:
أولها النبي ﷺ؛ لأنه نبي آخر الزمان، وقد بعث وليس بينه وبين القيامة نبي. [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة، ص: 1219].
موت النبي عليه الصلاة والسلام
ثانيا: موت النبي ﷺ: هذا من أشراط الساعة، لأن البخاري رحمه الله قد روى عن عوف بن مالك، قال: قال النبي ﷺ لعوف بن مالك: أعدد ستاً بين يدي الساعة، عد ستة أشياء ستحدث، موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتانٌ يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطاً، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر، -يعني الروم النصارى- فيغدرون فيأتونكم تحت ثمانين غاية -يعني راية- تحت كل غاية اثنا عشر ألفاً[رواه البخاري: 3176] وسنأتي على تعريف بعض هذه الأشراط إن شاء الله.
فتح بيت المقدس
ثالثاً: فتح بيت المقدس: من أشراط الساعة أشار إليه في الحديث، وقد فتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب سنة خمس عشر للهجرة، وقيل: سنة ست عشر للهجرة، فهذا من الأشراط أيضاً.
طاعون عمواس
رابعاً: طاعون عمواس: وقد وقع سنة ثماني عشر للهجرة، وهو المراد في الحديث السابق الذي قال فيه ﷺ: ثم موتانٌ يأخذ فيكم كقعاص الغنم.
ومعنى الموتان: الموت كثير الوقوع.
كقعاص الغنم: هو داء يأخذ الدواب، فيسيل من أنوفها شيء فتموت فجأة.
قال الحافظ رحمه الله: إن هذه الآية موتانٌ ظهرت في طاعون عمواس في خلافة عمر، وكان هذا بعد فتح بيت المقدس". [فتح الباري:6/ 278].
ومات فيه الصحابي الجليل أبو عبيدة بن الجراح ، وذهب فيه شهداء من الصحابة كثر، فهذا حدث أيضاً الطاعون هذا أو الموتان قد حدث، وهو من أشراط الساعة الصغرى.
استفاضة المال
خامساً: استفاضة المال والاستغناء عن الصدقة: روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يكثر فيكم المال، فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، وحتى يعرضه، فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي [رواه البخاري: 1412، ومسلم: 157]، أي: مالي فيه حاجه، خذ مالك.
قال الحافظ: "في هذا الحديث إشارة إلى ثلاثة أحوال:
الأول: "إلى كثرة المال فقط" -يعني سيأتي على الأمة وقت يكثر فيه المال- "وقد كان ذلك في زمن الصحابة" رضوان الله عليهم فإنهم قد فتحوا البلاد، واقتسموا أموال فارس والروم، وإلى هذا الإشارة بقوله: يكثر فيكم المال.
إذاً في عهد الصحابة حصلت فتوحات، وكثر المال كثرة واضحة جداً، حتى أن بعض الصحابة مات وعنده ملايين الملايين، وبعضهم قسمت تركته بالفأس قطع الذهب الكبار.
الحالة الثانية: "الإشارة إلى فيضيه مع الكثرة"، فإذا هو كثير ويفيض لأنه قد يكون كثيرا ولا يفيض، "بحيث يحصل استغناء كل أحد عن مال غيره".
وإلى هذا الإشارة بقول النبي ﷺ: فيفيض حتى يهم رب المال من يقبل صدقته، فإذاً يكون مهموماً لمن سيعطي الزكاة.
"وكان ذلك في آخر عصر الصحابة، وأول عصر من بعدهم، وذلك ينطبق مع ما وقع في عهد عمر بن عبد العزيز" ورحمه، فقد وقع في زمنه أن الرجل كان يعرض ماله للصدقة، فلا يجد من يقبل صدقته، أغنى عمر الناس بعدله، لا يوجد فقير واحد.
الحالة الثالثة: "فيه الإشارة إلى فيضه وحصول الاستغناء لكل أحد"، وهذا كالثاني وزيادة "حتى يهتم صاحب المال بمن يقبل صدقته، ويزداد بأن يعرضه على غيره ولو كان ممن لا يستحق الصدقة"، فلا يقبله، ويرفضه، ويأبى، ويقول: لا حاجة لي فيه". [فتح الباري: 13/87].
وهذا في الإشارة بقول النبي ﷺ: حتى يعرضه فيقول الذي يعرضه عليه: لا أرب لي، إذا الحالة الثالثة تزيد عن الثانية، فالثانية فيها أن المال يزيد ويفيض، ويصبح الإنسان مهموما لمن سيعطي الزكاة, الحالة الثالثة الواحد يخرج يعرض المال على الناس، ويقول: يأيها الناس خذوا، يقول حتى لغير المحتاج، فيقول: ما لي فيه حاجه.
وهذا يمكن أن نعتبره من الشروط التي وقع مراحل منها، ومرحلة منها ما وقعت بعد, هذا سيكون في عهد عيسى إذا طهرت الأرض من الكفر، فلا يبقى لا يهودي، ولا نصراني، ولا مجوسي، ولا بوذي، ولا مشرك، ولا كافر، إما الإسلام وإلا القتل، كل الناس يدخلون في الدين، والذي ما يرضى يقتل، لا يوجد جزية حكم خاص بتلك الفترة حتى الجزية لا تقبل، فإذا وقع هذا، وطهرت الأرض من شرك تخرج الأرض بركاتها، والسماء تمطر بركات، وبالتالي حلبة الشاة تكفي القبيلة، والرمانة يستظل بقشرتها الجماعة الكثيرة من الناس، وتنزع العداوات حتى من العقرب والحية والأسد، وفي هذه الحالة سيخرج الواحد بماله يعرضه زكاة أو صدقة ما في أحد يأخذ لا زكاة ولا صدقة.
بعض العلماء فهم أن هذه المرحلة ستكون عند خروج الناس مذعورين؛ نتيجة النار التي تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، وهذه من الأشراط الكبرى في آخر الزمان، ستخرج نار من قعر عدن تنتشر في الأرض يميناً وشمالاً, شرقاً وغرباً, وتسوق الناس إلى محشرهم في الشام، قالوا: في هذه الحالة الناس مشتغلون كلهم بأمر الحشر لا يوجد أحد عنده مجال يفكر في أي شيء ثاني غير الهرب من النار، تسوقوهم إلى المحشر، ففي هذه الحالة لا أحد يلتفت إلى المال إطلاقاً.
ففسره بعضهم بهذا, فإذا إما أن يكون المقصود في زمن عيسى، أو في زمن خروج النار.
ظهور الفتن
سادسًا: ظهور الفتن: كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ لا تقوم الساعة حتى... قال: وتظهر الفتن [رواه البخاري: 1036، ومسلم: 157].
وقد ظهرت الفتن فعلا منذ أواخر عهد الصحابة رضوان الله عليهم فمن ذلك مقتل عثمان ، والقتال الذي دار بين بعض المسلمين في موقعة الجمل وصفين، وظهور فرقة الخوارج، والقدرية في أخر عهد الصحابة، ولذلك قال ابن مسعود: "هذه آنية نبيكم لم تكسر، وثيابه لم تبل، ما أسرع هلكتكم يا أمة محمد". [سنن الدارمي:210، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة:2005]. هذه مازالت أثاره موجودة بسرعة انحرفتم وابتدعتم.
فحصل إذا خروج الخوارج، وفرقة القدرية الذين أنكروا علم الله تعالى، وكتابته للأشياء، واطلاعه عليها قبل حدوثها، وأن الناس يخلقون أفعالهم بأنفسهم, ظهرت بدعة القدرية في أواخر عهد الصحابة رضوان الله علهم وتبرأ منهم ابن عمر .
وقد أشار النبي ﷺ إلى بعض هذه الفتن بقوله في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: لا تقوم الساعة حتى يقتتل فئتان، فيكون بينهما مقتلة عظيمة دعواهما واحدة [رواه البخاري: 3608، ومسلم: 157].
قال ابن حجر: "المراد بالفئتين جماعة عليّ، وجماعة معاوية رضي الله عنهما، والمراد بالدعوة الإسلام على الراجح، وقيل: المراد دعواهما واحدة اعتقاد كل منهما أنه على الحق" [فتح الباري: 6/616].
وهذه الفتنة التي نمسك عنها، ولا نتكلم فيها، ولا نخوض بالباطل، ولا نقول شيئاً فيه انتقاص من أحد من الصحابة؛ لأنها فتنة عصم الله منها دماءنا، فيجب أن نعصم منها ألسنتنا، وأن الله أراد بها تكثير ورفع منزلة هؤلاء الصحابة، فقدر وشاء أن يقع بينهم ما وقع، وهذا بين بعضهم لأن البعض الآخر ما دخلوا في الفتنة أصلا.
فكان معاوية يقول: أنا ولي عثمان أعطوني قتلة عثمان، أنا ولي الدم، أطالب بالدم، فيقول: عليّ بايعني أولا حتى ننظر في قتلة عثمان، فيقول: معاوية كيف أبايعك وقتلة عثمان في جيشك فحصل الخلاف, وكان من الأشياء العجيبة في بعض الحالات يحتدم القتال إذا جاء وقت الصلاة توقف القتال وصلوا جماعة واحدة، ثم يرجعون لأن كل واحد منهما يظن أن ما قاله للآخر شرعي، ولا شك أن عليّ أقرب إلى الحق بدليل حديث مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله ﷺ: تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، مارقة: أي فرقة تخرج وهي الخوارج الذين كفروا المسلمين واستباحوا دمائهم. قال: يقتلها أولى الطائفتين بالحق [رواه مسلم: 1064].
يعني: كل طائفة عندها شيء من الحق، لكن من الذي قتل الخوارج؟ هو عليّ فهو أولى الطائفتين بالحق، فهذا الدليل على رجحان موقف عليّ .
ونمسك عن الخوض في الصحابة، ولا نتكلم كما يفعل الجهلة الذين يتكلمون بكلام فيه شتيمة لمعاوية، أو عمرو بن العاص، وفلان وفلان من الصحابة، وينتقصونهم، وينزلون من قدرهم، ويقولون: هذا كذا وهذا طالب ملك, فنقول: نمسك؛ لأن النبي ﷺ قال: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا [المعجم الكبير الطبراني: 10448، والسلسلة الصحيحة: 34].
فإذًا نبين فضلهم، ونمسك عما شجر بينهم، هذا من الاعتقاد, ونذكر المواقف الجميلة الجليلة مثل لما أراد ملك الروم أن يغزو بلاد المسلمين لما صارت الفرقة والخلاف انتهز الفرصة، وكتب إلى معاوية يقول: أن الملكة التي قبلي هادنتكم، وسوف أسير إليكم إن لم تفعلوا كذا وكذا، فكتب إليه معاوية، يقول: إن لم ترجع إلى بلادك لأصطلحن أنا وابن عمي عليك يا لعين، ولأخرجنك من بلادك، فرجع, فانظر إلى قول معاوية .
فإذا الفتنة حصلت، ومنها خروج الفرق، ومنها الاقتتال الذي صار بين بعض المسلمين.
وقوله: تمرق أي تخرج.
و مارقة يعني الخوارج.
وقد وقع الأمر كما أخبر به النبي ﷺ في سنة ست وثلاثين وسبع وثلاثين عندما وقعت المقتلة بين المسلمين، وكذلك خرجت الخوارج من نهروان، فقاتلهم عليّ فكان هو أولى الطائفتين بالحق، وقتاله لهم قتال شرعي، مأجور يثاب عليه الثواب العظيم,
كان عنده من الورع الشيء العظيم، حتى أنه كان يخشى أن يكون هؤلاء الذين قاتلهم ليسوا هم المعنيين بالحديث، ويقول لمن معه: "ابحثوا عن ذي الثدية" [رواه النسائي: 8571]. -وذي الثدية هذا آياتهم- بحثوا فلم يجدوه, رجعوا قالوا ما وجدناه، قال: ما كذب رسول الله ﷺ ولا كذبت ابحثوا, فوجدوه تحت كومة من القتلى، بعد ما أزلوها، وجدوه تحتها هذا الرجل مقطوع اليد، في طرف العضد مثل حلمة ثدي المرأة المخدج؛ لأن النبي ﷺ أخبر علياً أنه سيقاتل هذه الفئة المارقة، وإن فيهم هذا الرجل، فوجده، فسجد شكراً لله.
ومن الفتن التي وقعت في الأمة فتنة خلق القرآن، التي باء بإثمها المعتزلة: مثل أحمد بن أبي دؤاد وغيره، ولا تزال الفتن تقع وتشتد بالأمة، وخصوصاً في هذا الزمان فتنة الشهوات، وفتنة الشبهات، وفتنة المناصب، يبيع الرجل دينه بعرض من الدنيا، وقد قال النبي ﷺ: بادروا بالأعمال فتناً يعني: اعملوا قبل أن تأتي الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، التقلب سريع، يبيع دينه بعرض من الدنيا [رواه مسلم: 118].
قال النووي رحمه الله: "معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال الصالحة قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة، المتكاثرة، المتراكمة كتراكم ظلام الليل المظلم، وليس كظلام الليل المضيء بالقمر". [شرح النووي على مسلم: 2/133].
ووصف ﷺ نوعا من شدائد تلك الفتن وهو أنه: يمسي مؤمنا ثم يصبح كافرا، أو عكسه، شك الراوي، وهذا لعظم الفتن ينقلب الإنسان في اليوم الواحد هذا الانقلاب.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: "كقطع الليل المظلم أي كقطع من الليل المظلم لفرط سوادها وظلمتها، وعدم تبين الصلاح والفساد فيها.
وحاصل معنى الحديث: تعجلوا بالأعمال الصالحة قبل مجيء الفتن المظلمة، من القتل، والنهب، والاختلاف بين المسلمين في أمر الدنيا والدين، فإنكم لا تطيقون الأعمال على وجه الكمال". [تحفة الأحوذي: 11/418].
حينئذ, يعني أعبد الآن في وقت السكينة، في وقت الأمن، في وقت الرخاء، في وقت السلم، قبل أن يأتيك أيام حروب، وسلب، ونهب، وقتال ما تستطيع تعبد فيها مثل الآن، فاغتنم عمرك الآن, فهذا الشرط يمكن اعتباره من الشروط التي وقع كثير منها، وليس أولها فقط لكن باقي فيها.
ثلاث فتن عظيمة ستحصل في الأمة
ومن الفتن التي ما ظهرت بعد فتنة الأحلاس، والسراء، والدهيماء:
روى أحمد وأبو داود عن عبد الله بن عمر قال: كنا قعود عند رسول الله ﷺ فذكر الفتن، فأكثر في ذكرها حتى ذكر فتنة الأحلاس، فقال قائل: يا رسول الله، وما فتنة الأحلاس؟
قال: هي هرب وحرب، ثم فتنة السراء دخنها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، يزعم أنه مني وليس مني، وإنما أوليائي المتقون، ثم يصطلح الناس على رجل كوركٍ على ضلاعٍ، ثم فتنة الدهيماء.
إذاً فيه ثلاث فتن عظيمة شديدة ستحصل في الأمة ما حصلت بعد، غير الاقتتال الأول بين المسلمين، وغير فتن الفرق والخوارج وغيرهم، هناك ثلاث فتن كبار ستحدث في الأمة قبل قيام الساعة: الأحلاس، والسراء، والدهيماء، هي هكذا بالترتيب.
قال: لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فإذا قيل: انقضت تمادت، كلما قيل انتهت الآن اشتعلت مرة أخرى.
يصبح الرجل فيها مؤمناً، ويمسي كافراً حتى يصير الناس، يعني: نتيجة هذه الفتن فهذه فتن عالمية تمحص الناس إلى فسطاطين: فسطاط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه، فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو من غده[رواه أبو داود: 4244، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 974].
إذا وقع التمايز هذا، والانقسام، والتفريق هذا الذي ستفعله الفتن هذه بالناس، سينحاز طائفة مؤمنين ما فيهم نفاق، وطائفة منافقين ما فيهم إيمان، سيفترقون افتراقاً واضحاً إلى معسكرين، فإذا حدث فالدجال سيخرج في نفس اليوم أو في اليوم التالي.
شرح الحديث:
فتنة الأحلاس: جمع حلس، وهو كساء يكون على ظهر البعير تحت القتب، والقتب رحل صغير يكون على قدر سنام البعير، فوقه يجعل كساء، أو غطاء، أو قطعة قماش على ظهر البعير تجعل الركوب عليه مريحاً.
ما علاقة هذا بفتنة الأحلاس؟
أن هذا الغطاء الذي يجعل على ظهر البعير ملازم لظهر البعير، وكذلك هذه الفتنة تلازم الناس حين تنزل بهم كما يلازم الحلس ظهر البعير، وإنما وصفت بفتنة الأحلاس لدوامها وطول لبثها، أو لسوادها وظلمتها.
ما طبيعة هذه الفتنة؟ هرب وحرب، يعني: يفر الناس من بعضهم البعض، يعني: بينهم عداوة وقتال شديد، وفي نهب لمال الإنسان، وتركه لا شيء له، يسلبه ماله ما يترك له شيئاً، إذا طبيعة هذه الفتنة أن الناس يقاتل بعضهم بعضاً، ويسلب بعضهم بعضاً، وينهب بعضهم بعضاً حتى إذا واحد سلب الآخر ما يترك له شيئاً، والناس يفرون من بعضهم من شدة الفتنة هذه، مذعورين، متفرقين، وهذه الفتنة طويلة ممتدة تلازم الناس ما ترتفع عنهم إلا إذا شاء الله.
ومن يتأمل بعض الأشياء التي تقع الآن كما يحدث في بلاد العراق مثلاً، كيف ممكن يكون اختلال الأمن والسلب والنهب ممكن يدرك كيف يعيش مجتمع كامل في جو من هذا النوع، طبعاً لم يصل الحال بهم إلى هذه الدرجة، نحن لا نقول الآن هذه فتنة الأحلاس، لكن في مقدمات، في أحوال تذكر الإنسان بهذه الفتنة، ممكن تكون الآن مصغرة لكن إذا جاءت فتنة الأحلاس كل الناس هرب وقتل وسلب، هذا شيء عام في الأمة.
قال الخطابي: الحرب ذهاب المال والأهل، ذهب عليه أمواله، وأهله قتلوا، والمال سلب". [عون المعبود: 11/208].
ولماذا قال بادروا بالعبادة؟
يعني: الآن انتهز الفرصة للعبادة، يمكن يأتي عليك وقت ما تقوم فيه الليل، ولا تصلي الضحى، وليس عندك من الهدوء وراحة البال ما تستوعب به قرآن تقرأه في الصلاة، أو ركوعاً وسجوداً مطمئناً، ووقت تدعو فيه لأنك في شغل من نتيجة الفتنة.
ثم فتنة السراء بعد فتنة الأحلاس، والمراد بالسراء: النعماء التي تسر الناس من الصحة والرخاء والعافية من البلاء والوباء، هذه فتنة السراء, ابتلوا قبلها بالضراء بعد ذلك تهدأ الأمور، وتضع الحرب أوزارها، ويبتلوا بعد ذلك بفتنة السراء من الصحة والعافية من البلاء والوباء، ولكنها سراء تنسيهم ذكر الله، وعبادته فيقعون في المعاصي بسبب كثرة التنعم.
وقيل: سميت بفتنة السراء لأنها تسر العدو.
مبدأها من عند من؟!
قال: دخانها وظهورها وإثارتها من تحت قدمي رجل من أهل بيتي، إذاً هو من النسل النبوي الشريف، ولكن هذا الرجل وإن كان من نسل النبي ﷺ ونسبه وسلالته، لكنه ليس من المتقين، فيوجد من آل البيت من هو كافر وفاجر.
وقد تبرأ منهم النبي ﷺ عمه أبو لهب كان كافراً، ومات على الكفر, لذا فقد ذكر وقال: إنما أوليائي المتقون، ويزعم أنه مني أي: في الفعل، وإن كان مني في النسب حقيقة، ولكن في الفعل أنا بريء منه، ليس مني لأنه لو كان على هديه ما هيج الفتنة، إذا هذا هو الذي يهيجها، وهذا كقوله تعالى عن نوح : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ [هود: 46]، وهو ابنه.
فتنة السراء كيف ستكون نهايتها؟
عرفنا أن أولها من المسرة والرخاء والنعيم، ثم يهيج هذه الفتنة رجل يزعم أنه على الطريقة النبوية، وهو ليس كذلك نهايتها أن يصطلح الناس على رجل، يعني: يجتمعون على بيعة رجل، إذًا معناها أن الناس في هذه الفتنة لن يكون لهم إمام وخليفة، سيكون بينهم أمر مريج في قضية من الذي سيرأسهم، وفي النهاية تتمخض الأمور بأن يبايع المسلمون رجلاً، قال: كوركٍ على ضلعٍ لكن هذه البيعة لهذا الرجل ليست ثابتة ولا مستقرة؛ لأنه شبهها قال: كوركٍ على ضلعٍ.
والورك: معروف وهو الذي أسفل سرتك من الهيكل العظمي، إنه عظم كبير في الحجم.
والضلع: هو عظم نحيف من عظام الأضلاع الذي خلق الله حواء منه.
فإذا أخذت الورك الكبير هذا وحاولت أن تثبته على العظم النحيف وهو الضلع، فيكون ثباته عليه مهزوزاً، فهكذا سيكون أمر هذا الرجل، وإن اجتمعوا عليه، وبايعوه في النهاية، لكن أمره ليس بثابت ولا مستقر، فيكون حكمه مزعزع، وقد وصفه وصفاً دقيقاً، قال: ثم يصطلح الناس على رجل كوركٍ على ضلع والمعنى: أن هذا الرجل المنتخب غير أهل للولاية لقلة علمه وخفة رأيه، لكن من الفتنة أخرجوه.
ثم فتنة الدهيماء: وهي فتنة أرى ضخمة جداً وكبيرة وهائلة؛ لدرجة أنه قال: لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فهذه هي الفتنة العظمى المظلمة.
ما معنى الدهيماء؟
تصغير الدهماء، وهي السوداء، فالتصغير فيها للتعظيم، وليس للتقليل مثل:
وكل أناس سوف تدخل بيته | دويهية تصفر منها الأنامل |
[ديوان المعاني للعسكري:1/ 46].
فهنا صغر داهية إلى دويهية، وليس المقصود بالتصغير هنا التقليل، المقصود بها التضخيم والتكبير.
الدهيماء هذه الفتنة العظيمة المظلمة.
لا تدع أحداً من الأمة إلا لطمته لطمة، أي: أصابته بمحنة ومسته ببلية، ضاع منه ولد، أو أب، أو أخ، أو مال، أو احترق بيته، أو ذهبت دابته، ما في أحد إلا يصاب بها, ومن عظيم شررها أنها تدخل على كل الناس، وتمس كل الناس.
وهذه فتنة الدهيماء كلما خفت اشتعلت فإذا قيل: انقضت وتوهم الناس أنها الآن إلي زوال تمادت وذهبت بلغت الغاية.
نهاية فتنة الدهيماء ونهاية هذه الفتن المتلاحقة:
نهايتها أن الناس ينقسمون إلي معسكرين، إلى فسطاطين، يتمايزون هذه الفتن تميز بعضهم عن بعض:
فأهل الإيمان يذهبون في معسكر، وتجمع خاص بهم، فسطاط إيمان لا نفاق فيه، لا في أصله ولا في فصله، ولا في اعتقاده ولا في عمله، ناس خالصون من النفاق، لا نفاق الاعتقاد، ولا نفاق العمل؛ لأنه قال: فسطاط إيمان لا نفاق فيهفلا: نافيه، ونفاق: نكرة، والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، لا نفاق لا أصغر ولا أكبر، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه لا أصلاً ولا كمالاً.
وإنما هو مجموعة من هؤلاء العفنين المنافقين أهل الكفر، والكذب، والخيانة، ونقض العهد كلهم يجتمعون مع بعض، وإذا حدث هذا انتظروا الدجال، أي ظهور الدجال من يومه، أو من غده.
إذاً الأمة هذه أمة محمد ﷺ ستمر بثلاث فتن قطعاً ما فيها نقاش، ولا تردد في الحكم؛ لأنها خبر الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام الأمة مقبلة على مرحلة فوضى عارمة بلا شك ولا ريب، عارمة في كل شيء ستكون نتائجها قتل وسلب، ستكون نتائجها مصائب في كل البيوت، وكل الأسر، وكل العوالم بلا شك.
لكن متى سيكون هذا؟!!
الله أعلم, إنما سيقع، وستتمخض القضية في النهاية عن فسطاط إيمان يقوده المهدي ، وينزل فيهم المسيح، وفسطاط نفاق سيكونون أتباع الدجال، وهؤلاء الذين سيقاتلون معه.
ولذلك الشاهد الآن أن يحافظ الناس على دينهم، وأن يحافظوا على أمنهم, فالمسلم عليه أن يسعى في أن يحارب الفتنة، يعني: كون أننا نعرف هذه التفاصيل الآن من الحديث النبوي لا يعني أننا نشارك في الفتنة، أو أننا نسعى فيها، وإنما ندرأ الفتنة، فكونها ستقع فستقع ليس في مهرب, لكن هل معنى ذلك أن تقع على أيدينا نحن؟ أبدا.
ولذلك فإننا نسأل الله أن يعصمنا من الفتن، لأن الفتن هذه إذا نزلت لا تعرف ماذا سيكون الموقف فيها؟ ممكن إنسان يكفر، ويقتل، وينهب، يضل يكون مؤمناً ويصبح كافراً؛ لأنه قال في الحديث: يمسي مؤمناً فيصبح كافراً
إذًا المطلوب نشر العلم، نشر الوعي، نشر الأمن، والمحافظة على الأمن، والوعي، والدين، والدعوة، والتربية، والمكتسبات الشرعية، وتثبيت النفس، وتثبيت الناس هذا هو المطلوب؛ لأن الإنسان إذا عرف أن شيئاً من هذا سيحدث، فإنه سيصيبه الخوف من أن يكون في حياته، ولذلك يسعى، ويكافح ألا يكون هذا في حياته يدرأ الفتن، أما إذا شاء الله وقوعها ستقع بالتأكيد.
اتباع سنن الأمم الماضية
سابعاً: اتباع سنن الأمم الماضية، وتقليدهم، والتشبه بهم:
روى البخاري عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، فقيل: يا رسول الله، كفارس والروم؟ فقال: ومن الناس إلا أولئك [وراه البخاري: 7319].
وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن النبي ﷺ قال: لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعا بذراع؛ حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه.
قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟ [رواه البخاري: 3456، ومسلم: 2669].
أي: فمن غيرهم أعني, وقد وقع التمثيل في الحديث بجحر الضب لشدة ضيقه ورداءته، ومع ذلك فإن الضالين من هذه الأمة لاقتفائهم آثار اليهود والنصارى، واتباع طرائقهم لو دخل أولئك في مثل هذا المدخل الضيق الرديء لتبعوهم، ودخلوا ورائهم جحر ضب ضيق رديء, ولذلك ترى اليهود والنصارى لهم أعمال: بعض الموضات منتنة، عفنة، مستنكرة، مستهجنة، سخيفة، نجسة، وإذا فعلوها تجد بعض الشباب يفعلون مثلهم، يأتي هؤلاء الكفرة فيضعون حلق معدنية في جفن العين فيأتي بعض المسلمين فيضع حلق معدنية في جفن العين، ويعتبرون هذا من الزينة, خرق جفن العين لتثبيت أقراط، لو وضعوا في الشفه خرقوا الشفه ووضعوا فيها, لو سلكوا جحر ضب دخلوا وراءهم.
قال النووي: "والمراد بالشبر، والذراع، وجحر الضب: التمثيل بشدة الموافقة لهم، والمراد الموافقة في المعاصي والمخالفات, لا في الكفر" [شرح النووي على مسلم: 16/220].
يعني: هذا الحديث لا يتكلم عن قضية الكفر فقط، يعني: إن المسلم يصير يهودي أو يصير نصراني -هذا ممكن يقع- لكنه يتحدث عن قضية التشبه بهم فيما دون الكفر، مثل: الموضات، والأزياء، والعادات، وهكذا، ولا يتحدث الحديث عن التشبه بهم في الطرق النافعة في الزراعة، والصرف الصحي، والإدارة، وتنظيم الأعمال، والعمليات الجراحية بالليزر، واستعمال الحاسوب، لا، وإنما عن اقتفاء آثارهم، واتباع طرائقهم في المعاصي والمخالفات, إذا حديث التشبه هذا موضوعه الذم في قضية الموافقة في المعاصي، والمنكرات، والمخالفات.
قال النووي رحمه الله: "وفي هذا معجزة ظاهرة لرسول الله ﷺ، فقد وقع ما أخبر به ﷺ". [شرح النووي على مسلم: 16/220].
وفي هذا الزمان كثر في المسلمين بطبيعة الحال التشبه، لو استعملوا البيض المصبوغ في العيد لاستعملوه في العيد، لو نسبوا نساءهم إلى أزواجهم في النسب تبعوهم على ذلك، مع أن نسبة المرأة إلى غير أبيها حرام، قوانين الكفار وهذه من أشنعها، وهذا وقع ولازال يحصل، والفتن حصلت ولازالت تحصل.
انتشار الأمن
انتشار الأمن: أخبر النبي ﷺ أن هناك مرحلة زمنية معينة في الأمة، أنه سيكون فيها أمن عظيم، وقد وقع هذا في عهد الصحابة رضوان الله عليهم بعد النبي ﷺ.
فروى عدي بن حاتم قال كما في البخاري: "بين أنا عند النبي ﷺ إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة" -أي الفقر- "ثم أتاه رجل، فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟
قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها"، -هذه مدينة بعيدة-.
"قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله.
عدي قال: فأين دعار طيئ الذين سعروا البلاد؟" -أين مجرمو طيئ؟ كيف لا يقطعون الطريق عليها؟ أين هؤلاء؟
الدعار: جمع داعر.
قال: ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى.
قلت: كسرى بن هرمز؟
قال: كسرى بن هرمز، ولئن طالت بك حياة لترين الرجل يخرج ملء كفيه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبله منه.
قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله"، فقد عاش عدي، وجاء عهد الفاروق وجاء عهد الأمان، والفتوحات، والعدل الذي نشر الأمن، واستتب الأمر للمسلمين.
وقد كان عهد النبي ﷺ جهاداً للكفار حتى أخضع الجزيرة، وعهد الصديق قتال للمرتدين حتى درأ الفتنة، وثبت الدعائم في الأساس عهد الفاروق، كان عهد الامتداد بعد أن توطد من قبله الأمور في القاعدة، انطلقت الفتوحات في الأمصار المختلفة.
"وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز"، يقول عدي: "ولئن طالت بكم حياة" -أيها السامعين لحديثي فإنه يحدثهم- "لترون ما قال النبي أبا القاسم ﷺ يخرج ملء كفه ولا يجد من يقبله". [رواه البخاري: 3595].
هذا الأمن حصل، ثم يزول بالفتن بين المسلمين كما سيحدث في فتنة الأحلاس، والسراء، والدهيماء، كما أخبر.
لكن هل يعني ذلك أنه يزول الأمن بالكلية فلا أمن بعده؟
الجواب: كلا سيحصل أمن آخر، فقد روى أحمد عن أبي هريرة أن النبي ﷺ ذكر نزول المسيح عيسى بن مريم وفيه: فيدق الصليب-يكسر كل صليب بالعالم- ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعوا الناس إلى الإسلام، فيهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام -لا هندوس ولا سيخ ولا بوذيين كل الأمم تهلك إلا الإسلام- ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، وتقع الأمنة على الأرض–يعني تمتلئ الأرض من الأمن، كما يمتلئ الإناء من الماء.
وإذا قلت السلام العالمي متى سيقع؟
حقيقة في عهد عيسى قبله لا يوجد سلام في كل العالم، لكن يوجد حروب في أماكن مختلفة، وفتن، وثورات، ويقع الأمنة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات، لا تضرهم، فيمكث أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون [رواه أبو داود: 4326، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2182].
قال الحافظ بن حجر: "إسناده صحيح". [فتح الباري: 6/357].
إذا أربعين سنة سيمكث عيسى في الأرض، وهكذا يكون الأمن في عهده بعد هلاك يأجوج ومأجوج.
ظهور نار من أرض الحجاز
تاسعاً: ظهور نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل في البصرة:
روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى [رواه البخاري: 7118، ومسلم: 2902].
وبصرى مدينة بالشام بينها وبين دمشق نحو ثلاث مراحل, وقد ظهرت هذه النار حقيقة في المدينة في منتصف القرن السابع الهجري في عام: 654هـ، وكانت ناراً عظيمة، وأفاض العلماء في ذكرها وصفتها، والرسائل التي جاءت من المدينة في حالهم.
قال النووي: "تواتر العلم بخروج هذه النار عند جميع أهل الشام". [فتح الباري: 13/79].
ونقل ابن كثير: "أن غير واحد من الأعراب رعاة الإبل ممن كانوا بحاضرة بصرة شاهدوا أعناق الإبل في ضوء هذه النار التي ظهرت من أرض الحجاز". [البداية والنهاية: 13/191].
إذاً النار ظهرت في المدينة، وهذه الإبل في بصرى، وبصرى من بلاد الشام، كم ارتفاع هذه النار وعظمها؟ حتى أن نور هذه النار، أو ضوء هذه النار يصل إلى بصرة، وأن أعناق الإبل في بصرة بالليل تشاهد على ضوء تلك النار؟
إنه شيء عجيب " رُئيت من مكة -كما قال القرطبي في التذكرة- ومن جبال بصرى" [التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة ص: 1236].
قال ابن حجر: "والذي ظهر لي أن النار المذكورة هي التي ظهرت بنواحي المدينة كما فهمه القرطبي وغيره". [فتح الباري: 13/79].
وأما النار التي تحشر الناس فنار أخرى, كانت تلك نارا عظيمة ترمي بزبد كأنه رؤوس الجبال، دامت خمسة عشر يوما تحرق في الحجارة وتصهرها، وزلزل أهل المدينة زلزالا شديدا، ودخلوا كلهم الحرم النبوي، واستغفروا، وأعتق الأمير جميع مماليكه، وخرجوا من المظالم، ولا يزالون مستغفرين حتى سكنت الزلزلة، لكن النار ما انقطعت، وحصل في ذلك مشاهد عظيمة من الفزع، والخوف، والرعب الذي انتاب الناس.
قتال الترك
عاشرا: قتال الترك:
وقد وقع قتالهم في زمن معاوية واستمر بعده قروناً، فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا الترك صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، كأن وجوههم المجان المطْرقة أو المطَرقة [رواه البخاري: 2928].
وفي رواية لمسلم: يلبسون الشَعر ويمشون في الشعر[رواه مسلم: 2912] ، وفي البخاري: عن أبي هريرة أن النبي ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً، وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، وجوههم المجان المطْرقة، نعالهم الشعر [رواه البخاري: 3590].
ومعنى: ذلف الأنوف: يعني: صغار الأنوف، وقيل: دلف بالدال، هو استواء الأنف في طرفه ليس له حد غليظ، وقيل: أن الأنف ينشمر عن الشفاة العليا، فهي علامة مميزة في الأنف، ففيهم فطس الأنوف، وهو الأنف الذي ليس له حد.
و المجان المطرقة: جمع مجن، وهو الترس، والمطْرقة أو المطَرقة: هي التي غطيت بالجلود طاقة فوق طاقة، فإذًا وجوههم عريضة، شبهه وجوههم في عرضها وكثرة لحمها بالترس المغطى بالجلد.
نعالهم الشعر: يعني نعالهم مصنوعة من الشعر، فيجعلونها من شعر مظفور.
و يلبسون الشعر: يستخدمونه في لباسهم.
وخوزا وكرمان: أمتان من الأعاجم.
والحديث يخبر عن قتال الترك، وقتال خوزًا وكرمان أيضاً، ويحتمل أن يكون قتال الترك من أشراط الساعة، فيقع قريباً منها.
يقول ابن كثير: وعلى هذا يمتد القتال بين المسلمين والترك مدة عظيمة حتى يكون آخر ذلك بين يأجوج ومأجوج إذا اعتبر أن يأجوج ومأجوج من الترك, وحصل قتال طبعاً مع التتر وهولاكو وجنكيزخان، وحصل قتال كان الترك فيه يهجمون.
والنبي ﷺ قال: اتركوا الترك ما تركوكم [رواه أبو داود: 4304، وحسنه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: 772]، فإذا لم يتركونا سنقاتلهم، لكن أن نستفزهم كما فعل ذلك الرجل، وقد ذكرنا قصته فكان سبب بلاء عظيم على الأمة الإسلامية.
ويأجوج ومأجوج ما لنا معهم حول ولا قوة، ولذلك يقول الله لعيسى : لا يدان لأحد بقِتَالهم [رواه مسلم: 2937].
إذا خرج يأجوج ومأجوج يقول: انسحب ما في قدرة على مواجهتهم.
الترك ليس هم المسلمين، الدولة العثمانية هذا لا علاقة له بالموضوع إطلاقاً، هؤلاء دخلوا في الإسلام، لكن المقصود بهم في تلك النواحي من الأرض الكفار، أما الأتراك المسلمين فهذه قضية أخرى، هؤلاء شيد الله بهم أركان الدين في الأرض قروناً متطاولة، فأطول دولة بعد العباسية الدولة العثمانية في العمر.
قال النووي: وكل هذه معجزات لرسول الله ﷺ فقد وجد قتال هؤلاء الترك بجميع صفاتهم التي ذكرها ﷺ: صغار الأعين، حمر الوجوه، ذلف الأنوف، عراض الوجوه، كأن وجوههم المجان المطرقة، ينتعلون الشعر، فوجدوا بهذه الصفات كلها في زماننا، وقاتلهم المسلمون مرات، وقتالهم الآن". [شرح مسلم: 18/38].
إذًا في عهد النووي كان لازال قتال الترك الكفار قائما.
وقال الحافظ بن حجر: "إن قتال الترك وقع في خلافة بني أمية، واستمر بعد ذلك قرونا". [فتح الباري: 6/609].
وقال الشيخ محمود التويجري رحمه الله: "وقد ظهر مصداق هذا الحديث في أثناء القرن الثاني عشر من الهجرة حين جاء الترك، وأعوانهم من المفسدين في الأرض فعاثوا في بلاد نجد بالقتل والتخريب، والإفساد". [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 1/371] -هذا حدث لما جاء طوسون- وغيره من الأتراك الذين انحرفوا عن جدة التوحيد، فقاتلوا أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، وخربوا الدرعية.
فالشيخ محمود رحمه الله يرى أن جزء من قتال الترك هذا الذي حصل في الدرعية, أما عندما يكون هؤلاء من المسلمين الموحدين قطعاً لا يراد بهم الترك المذكورين في الحديث.
وقد مر بالدولة العثمانية أوقات قوة وعظمة، ومجد ونشر الإسلام في أوروبا، ومرت بهم أوقات وصلت للكفر عندما جاء بعض قادتهم واستوردوا القوانين من أوروبا، وطبقوها في بلاد الدولة العثمانية، وصارت الفترات المعروفة بالرجل المريض وهكذا.
وقال في تعليقه على حديث معاوية: إن الترك تجري العرب حتى تلحقها بمنابت الشيح [المستدرك:8463، وصححه الذهبي]، فظهر مصداقه، وشهد له الواقع بالصحة حين ظهرت التتر على المسلمين، وألحقوا العرب بمنابت الشيح، والقيصوم من جزيرة العرب". [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 1/372].
وطبعا هذه نبتات تستعملها العرب في الرعي، وهو نبات معروف في الصحراء، فأجلوهم حتى أوصلوهم لهذه المنطقة.
انتشار الزنا
الحادي عشر من أشراط الساعة: انتشار الزنا، وأعظم من ذلك استحلال الزنا، وقد قال ﷺ: إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل ويشرب الخمر، ويظهر الزنا متفق عليه [رواه البخاري: 80، ومسلم: 2671].
وقد روى مسلم عن النواس بن سمعان قال ذكر رسول الله ﷺ الدجال ذات غداة، ثم ذكر الحديث وفيه نزول المسيح بن مريم، ثم قال: فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبة، فتأخذهم تحت أباطهم، فتقبض روح كل مؤمن، وكل مسلم، ويبقى شرار الناس، فيتهارجون فيها تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة [رواه مسلم: 2937].
فإذًا الريح إذا جاءت تحت الآباط أرواح المؤمنين، وهذه ريح خاصة يرسلها الله في أخر الزمان بعد موت عيسى ، تأتي من تحت الإبط، وتقبض روح الواحد يعني يموت بها، ما هو موت عذاب، إنما ميتة رحمة, قال: إن الناس غير المؤمنين سيبقون بعدها، ويتهارجون تهارج الحمر، ومعنى هذا أي يجامع الرجال النساء بحضرة الناس كما يفعل الحمير في الشوارع، ولا يكترثون لذلك.
وروى البزار عن عبد الله بن عمر وصححه الألباني قال: قال رسول الله ﷺ: لا تقوم الساعة حتى يتسافدوا في الطريق تسافد الحمير قلت: إن ذلك لكائن؟ قال: نعم ليكونن [صحيح ابن حبان: 6767، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: 481]، وله شواهد:
منها أن خيارهم يومئذ إذا مر بالرجل يزني بالمرأة في منتصف الطريق، قال: لو واريتها وراء هذا الجدار, اقتراح كذا بأسلوب لطيف، إذًا هذا من أشراط الساعة فشوا الزنا حتى يصير في الشوارع.
طبعا هذا يحدث الآن، فيوجد أندية للعراة، وشواطئ للعراة، وأماكن للعراة، يحدث فيها الزنا في أنحاء من أوروبا، ووجد في بعض بلاد المسلمين زنا علني في الحدائق العامة، وفي المطاعم العامة، لكن سيحدث بعد عيسى أشياء أشنع من الموجودة الآن في الزنا العلني نسأل الله السلامة والعافية.
كثرة شرب الخمر
الثاني عشر: كثرة شرب الخمر لقوله: أن من أشراط الساعة... ويشرب الخمر، والآن شرب الخمر منتشر جداً في العالم، شركات الخمر الآن تصنع، وتقذف إلى الأسواق بالداعيات الهائلة للخمور, 62% من داعيات الخمور على شبكة الإنترنت موجهه للأطفال؛ ليرسخوا في ذهن الولد شكل قارورة الخمر من أول أمره، ونعومة أظفاره، حتى ينشأ متعلق بها، ومحب لها، ودعايات الخمر على الفضائيات شيء هائل، كما نسمع وجودها في الفنادق، والأماكن المختلفة، وتهريبها حتى أنهم يهربونها في خزانات السيارات, والسكارى ربما تجدهم في الطريق، أو يقود السيارة وهو سكران، ويتكلم سكران، ويطلق سكران, إذاً انتشر كما أخبر ﷺ.
انتشار الربا
الثالث عشر: انتشار الربا: قال النبي ﷺ: بين يدي الساعة يظهر الربا [المعجم الأوسط للطبراني: 7695، وصححه الألباني صحيح الترغيب:1861]، ولا يوجد عصر انتشر فيه الربا مثل اليوم أبداً، بفكرة البنوك العالمية اليهودية، وما حدث بعد ذلك من بطاقات الفيزا، التي تحول فيها الآن الاقتراض على الحسابات المكشوفة، بحيث أن كثيراً من الناس واقعين فيه, اقتراض على الحساب المكشوف وفي زيادة إذا لم يسدد، وفي رسم بطاقة سنوي حتى لو سدد، وهذا الرسم ربا؛ لأنه يرد لهم آخر الشهر ما اقترض منهم ويزيدهم الاشتراك السنوي، فهذه الزيادة على القرض ربا, فالآن في كثير من المعاملات في العالم، وتتجه الآن المعاملات الإلكترونية إلى الربا.
استحلال المعازف
الرابع عشر: ظهور المعازف واستحلالها: ليس فقط ظهور المعازف لكن -أيضاً- استحلال الغناء، يعني: يجادلونك، ويقولون: حلال، ليس فيها شيء، استحلال للغناء، وللموسيقى، وموسيقى هادئة، وموسيقى شرقية, عن عمران بن حصين أن رسول الله ﷺ قال: إن في هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف، خسف سيكون في الأراضي، ومسخ إلى القردة والخنازير، وقذف بالحجارة من السماء، فهذا من أشراط الساعة، فسيحدث خسوف، وسيحدث أن ناس يصبحون على شكل القردة، يعني: الناس يعرفون أنه على صورة الآدمي، فإذا به يراه أمامه قردا، وحجارة من السماء تنزل على ناس في مواقع من العالم، "فقال رجل من المسلمين: يا رسول الله، ومتى هذا؟ أي: ومتى سيحدث الخسف والمسخ والقذف؟ "قال: إذا ظهرت القينات -وهن المغنيات، وما أكثرهن، والظهور الآن بالقنوات الفضائية ليس بعده ظهور، قال: إذا ظهرت يعني: لا تغني داخل مكان مغلق مستترة، ولكن إذا ظهرت على المسرح في الهواء الطلق، وفي القنوات الفضائية أمام الملايين، والمعازف المعازف الآن في كل مكان، ترفع سماعة الهاتف تجد المعازف والبرامج، وألعاب الأطفال، والجوالات في وسط المسجد معازف، وشربت الخموررواه الترمذي [2212]، وصححه الألباني [السلسلة الصحيحة: 1787].
إذاً حدثت الأشياء وبقيت العقوبات، فكل هذه الأمور ظهرت، وباقي أن نسمع عن الخسف، والقذف بالحجارة، وناس يمسخ الله صورتهم الآدمية إلى قردة، وقد أخبر عن قوم تحت جبل لهم ماشية يبيتون على خمر، ومعازف، ومغنيات، يذهب الراعي بالغنم ويرجع، فإذا القوم ممسوخين، والجبل الذي كانوا تحته يجعله الله عليهم، كما جاء في الحديث الصحيح وهذا سيقع.
والمسخ ليس بمشهور ولا معروف في التاريخ الإسلامي أنه حدث في هذه الأمة، معروف في يهود بني إسرائيل، ورد في بعض الأخبار، في حالات نادرة جدا، ذكر ابن تيمية في كتابه الاستقامة بعض الأشياء عن بعض الرافضة أنه لما مات كشف عن وجهه، فوجد رأس خنزير، فاحتمال أنه وجدت حالات نادرة فيما مضى، لكن المسخ المشهور لأعداد من الناس لم يحصل بعد، لكن سيحصل قطعاً؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخبر عنه، نجزم به بلا ريب، ولا تردد، ونؤمن به سيقع.
زخرفة المساجد
الخامس عشر: زخرفة المساجد والتباهي بها من أشراط الساعة: روى النسائي عن أنس أن النبي ﷺ قال: من أشراط الساعة أن يتباهى الناس في المساجد [رواه أبو داود: 449]، وصححه الألباني [صحيح الجامع: 5895].
وقال في عون المعبود: "يتفاخرون في بنائها وتشيدها، وتجد كل واحد يقول: أنا مسجدي أرفع، أو أجمل، أو أوسع، أو أحسن، رياء وسمعة، واجتلابا للمدحة وثناء الناس".
قال ابن رسلان: هذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره ﷺ عما سيقع بعده، فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في الزمان بالقاهرة، والشام، وبيت المقدس، بأخذهم أموال الناس ظلما وعمارتهم بها على هذه الأشكال". [عون المعبود: 2/84].
ثم التباهي بها، فقد يفرضونها ضرائب على الناس بالقوة ثم يشيدون بها مساجداً، ويتباهون بها، وقد يجعل بعضهم ضريحا و قبرا فيها، أو قبره فيها زيادة في الإثم والعدوان والشرك.
التطاول في البنيان
السادس عشر: التطاول في البنيان: هذا من أشراط الساعة التي لا يشترط أن تكون كلها محرمة مذمومة، فقد تكون بعضها مباحة أو محمودة.
يعني: الآن إذا عادت جزيرة العرب مروجا وأنهارا هذا من ضمن الأشراط هل هذا مذموم؟ لا, ومعناه أن الناس يصعدون في البنيان إلى أعلى، وقد تدعوا لهذا الحاجة مثل الكثرة السكانية، وقلة مساحات الأراضي المهيأة للبناء مثل مكة الآن، فالوضع يتطلب ارتفاع في البنيان لتكفي الأعداد من الناس, إذًا لا يشترط أن تكون كل الأشراط من القسم المذموم، يعني: قد يكون التباهي مذموماً.
قال الحافظ رحمه الله: "ومعنى التطاول في البنيان أن كلا ممن كان يبني بيتا يريد أن يكون ارتفاعه أعلى من ارتفاع الآخر، ويحتمل أن يكون المراد المباهاة به في الزينة والزخرفة، أو أعم من ذلك، وقد وجد الكثير من ذلك، وهو في ازدياد". [فتح الباري: 13/88].
وقد ظهر هذا منذ زمن بعيد، ولعل هذا مرتبط بقوله ﷺ: ويكثر المال [رواه أحمد: 24017، وصححه محققو المسند]، لأن كثرة المال من أسباب التطاول في البنيان حتى أن أهل البادية بعضهم بنى العمائر الضخمة الكبيرة، قال: وأن ترى الحفاة -ما في أرجلهم نعال- العراة -لا يكاد يستر أبدانهم شيء- رعاء الشاة يتطاولون في البنيان [رواه مسلم: 8].
وهذا قد حدث بعد حدوث الطفرة النفطية، فرأيت بعضاً ممن كان فعلاً راعي غنم فقيراً يحدثك عن حاله في الفقر سابقاً، كيف صار ليبني عمارة ضخمة طويلة, ووصلت القضية إلى ناطحات السحاب في هذا الزمان.
أن تلد الأمة ربتها أو ربها
السابع عشر: أن تلد الأمة ربتها أو ربها:
وربها يعني: المالك لها.
وفي رواية البخاري: ربها [رواه البخاري: 50]، وفي مسلم: ربتها [رواه مسلم: 8]، قال بعض العلماء: تكثر الجواري، وتلد من سيدها ولدًا يكون بمنزلة سيدها؛ لأنه ولد سيدها, فإذا وطء الجارية، وحملت صارت الجارية أم ولد، فترتقي من جارية إلى أم ولد، لكن ما تتحرر إلا عند موت السيد، فلها أحكام الجارية أو الأمة إذا ولدت من وطئها حراً تصبح أم ولد، وإذا مات عتقت لموته تلقائيا، وهذا قول أكثر العلماء.
وقال ابن حجر وابن كثير: المقصود أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد لأمته من الإهانة بالسب، والضرب، والاستخدام، ويستعملها كأنها خادمة، ويجعل لزوجته الأمر عليها، فأطلق عليه ربها مجازاً لذلك.
قال ابن حجر: "وهذا أوجه الوجوه عندي لعمومه، ولأن المراد حاله مع كونها تدل على فساد الأحوال مستغربه، يعني: في أخر الزمان يعق الرجل أباه، ويقرب صديقه، ويعق أمه، يطيع زوجته، فتنعكس الأمور في آخر الزمان بحيث يصير المربى مربياً، والسافل عالياً. [فتح الباري لابن حجر: 1/123].
كثرة القتل
الثامن عشر: كثرة القتل من أشراط الساعة: فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: لا تقوم الساعة حتى قال: ويكثر الهرج، وهو القتل القتل[رواه البخاري: 1036، ومسلم: 157]، وقد وقع فعلا كما أخبر ﷺ, الحرب العالمية الأولى عشرة مليون، والثانية تجاوز الثلاثين مليون، ثم بعد ذلك حروب، وملايين تقتل في الأرض.
تقارب الأسواق
التاسع عشر: تقارب الأسواق: فروى أحمد عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: لا تقوم الساعة حتى تتقارب الأسواقحديث صحيح [رواه أحمد: 10735، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2772].
قال الشيخ محمود رحمه الله في كتاب إتحاف الجماعة في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: "وأما تقارب الأسواق والظاهر -والله أعلم- أن ذلك إشارة إلى ما وقع في زماننا من تقارب أهل الأرض بسبب المراكب الجوية، والأرضية، والآلات الكهربائية التي تنقل الأصوات، كالإذاعات، والتليفونات الهوائية"، -طبعا والآن الإنترنت- "التي صارت أسواق الأرض متقاربة بسببها، فلا يكون تغيير في الأسعار في قطر من الأقطار إلا ويعلم به التجار أو غالبهم في جميع أرجاء الأرض"، فمثلا لو الذهب في تايوان ارتفع على الناحية الغربية من الأرض، تعلن فورا ولحظيا على الشاشة, أي تغيير في أقصى الأرض في المشرق والمغرب يعلم به فورا، "فيزيدون في السعر إن زاد، وينقصون إن نقص، وكذلك من تقارب الأسواق يذهب التاجر في السيارة إلى المدائن التي تبعد عنه مسيرة أيام، فيقضي حاجاته منها، ثم يرجع في يوم، أو بعض يوم، ويذهب في الطائرات إلى أسواق المدائن التي تبعد عنه مسيرة شهر فأكثر، فيقضي حاجاته، ويرجع في يوم أو بعض يوم"، والإنترنت، وشاشات البنوك، والشراء من أنحاء العالم أمامك، وأسواق العالم أمامك في البيت، وفي المكتب على الشاشة، تبغى من سوق طوكيو، من سوق لندن، من سوق نيويورك، موجودة أمامك, فهل تتصور تقريبا أكثر من هذا؟!!
إذًا حصل تقارب الأسواق الذي أخبر النبي ﷺ عنه حقيقة, فالوحي الذي يوحى لا شك وقع فعلا تقارب الأسواق، "وسرعة العلم بما فيها من الزيادة والنقصان، وسرعة السير من بعضها إلى بعض، وتقارب الأسواق فيها" [إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة: 2/196].
وهكذا أسواق ضخمة على الإنترنت أكثر من ثلاث ملايين سلعة تشتري في بيتك من أنحاء العالم من أسواق العالم تقارب حسي، وكذلك التقارب الذي حصل بهذه الموجات.
ظهور الشرك في هذه الأمة
العشرون: ظهور الشرك في هذه الأمة كما قال الرسول ﷺ: لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى التي هدمها ﷺ. [رواه مسلم: 2907].
وقال ﷺ: لا تقوم الساعة حتى تضطرب أَلَيَاتُ نساء دوسٍ حول ذي الخلصة [رواه البخاري: 7116، ومسلم: 2906].
وذي الخلصة هو صنم كانت تعبده قبيلة دوس، وهي من القبائل العربية في الجاهلية، وكما كان معروف جنوب الطائف، وقد وقع حقيقة ما أخبر به النبي ﷺ فبعد أن محي هذا الصنم وأزيل، وأرسل النبي ﷺ إليه من خربه وحرقه، رجع بعض العرب إلى ما كانوا فيه من الشرك والجاهلية، فعبدوا ذا الخلصة.
ولما أرسل الله المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب في هذه الجزيرة، جاء والصنم يعبد، وقباب على القبور، وقبور تعبد، وأشجار تعبد، وأحجار تعبد في جزيرة العرب، فجدد الله به الدين، وأعاد به الناس إلى التوحيد، وناس آخرين من المصلحين في مصر، والشام، واليمن، والمغرب، والهند، ناس وقعوا في الشرك فعادوا بهم إلى التوحيد مرة أخرى.
إذًا قال: إن اللات والعزى ستعبد من دون الله، وإن صنم ذي الخلصة هذا سيعبد من دون الله مرة أخرى, ومعنى أن تضطرب أليات نساء دوس إذًا هناك طقوس ستمارس حتى تضطرب إلية المرأة عند الصنم, وقد يحدث أكثر من مرة، يعني: يمحى بعد النبي ﷺ، ثم يعودون إليه، ثم يزول بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ثم يعودون إليه بعد مدة، ممكن ولا زال هناك عبادة أوثان في بعض المناطق، لا زال هناك عبادة أوثان، فوقع كما أخبر النبي ﷺ وسيقع من ذلك ما شاء الله.
هذه بعض أشراط الساعة الصغرى، ويبدو أننا سنتمم بقيتها مع الفتن والملاحم؛ لأن الفتن والملاحم هي المعارك الكبيرة التي ستكون في آخر الزمان مع اليهود مع النصارى، هو الباقي في الموضوع قبل الدخول في أشراط الساعة الكبرى، فسوف نتم بقية الأشراط -بمشيئة الله- مع الفتن والملاحم في الدرس القادم، وصلى الله على نبينا محمد.