الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

33- أحوال الفساق يوم القيامة


عناصر المادة
عصاة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم
عصاة غضب الله عليهم وخاصمهم واحتجب دون حاجتهم
عصاة لا يجدون ريح الجنة
أنواع من ذل العصاة يوم القيامة
 
عقوبة المتكبر
عقوبة الغادر وفضحه
عقوبة من يسأل الناس تكثراً
يجعل الله تعالى جوارح من عصاه ناراً تلتهب
التكليف بما يعجز عنه الشخص، والتعجيز مع الفضيحة
عقوبة مانع الزكاة
عقوبات من جنس المعاصي

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد:
فقد عرفنا ماذا يكون لأعداء الله والكفار يوم القيامة من ألوان العذاب، وماذا يكون للمؤمنين من أنواع التنعيم والتكريم، فما هي حال الفساق والعصاة في ذلك اليوم قبل دخول الجنة والنار؟

عصاة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم

00:00:39

أصحاب المعاصي درجات، لقد خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لقد استحقوا العذاب والعقاب، ولكن عقوباتهم يوم الدين تختلف باختلاف معاصيهم، فمن هؤلاء من يحرمهم الله -تعالى- كلامه وتزكيته كما قال سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [البقرة: 174].
وهذا يشمل العلماء الذين يكتمون الحق، والأحبار والرهبان عندهم العلم فيمنعونه، ويؤثرون الحظ العاجل من الدنيا، فيكتمون العلم لمصلحة دنيوية، أو لهوى، أو لطمع، أو لرغبة، أو رهبة، فهؤلاء يوم القيامة الله يعرض عنهم، وهذا وعيد شديد لمن كتم ما أنزل الله، ومن تعوض به الحطام الدنيوي فليُبشر بسخط الله عليه وإعراضه، وهذا عظيم جداً، والله لا يزكي هؤلاء، ولا يطهرهم من الأخلاق الرذيلة، ولا يمدحهم، ومن المحرومين من كلام الله -تعالى- من يُحرم من نظر الله -تعالى-، والله له كلام رحمة، وكلام توبيخ، ونظر رحمة، ونظر عذاب، وكفى بالحرمان من كلام الله كلام الرحمة، ونظر الله -تعالى- نظر اللطف كفى بذلك حرماناً، الذين ينقضون عهد الله، الذين يشترون بأيمانهم ثمناً قليلاً، الذين يحلفون بالأيمان الكذابة تحقيقاً لمكاسب زائلة.
قال تعالى عنهم: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [آل عمران: 77].
قال ابن كثير -رحمه الله-: "لا يكلمه الله كلام لطف بهم، وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ بعين الرحمة، وَلا يُزَكِّيهِمْمن الذنوب والأدناس، بل يأمر بهم إلى النار وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.


ومنهم أيضاً ثلاثة ذكروا في سياق واحد وتوعدهم الله بهذه العقوبة، كما جاء في حديث النبي ﷺ: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم يقول أبو ذر: قلت: يا رسول الله من هم خسروا وخابوا؟ قال: فأعاده رسول الله ﷺ ثلاث مرات ثم قال: المسبل، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب أو الفاجر، والمنان، [رواه مسلم: 106].
فالمسبل الذي يُرخي إزاره أو ثوبه ويرسله إلى الأرض ويطوله، وقد جاء في ذلك وعيد أيضاً في حديث محمد بن زياد، قال: "سمعت أبا هريرة، وقد رأى رجلاً يجر إزارة -وأبو هريرة كان يومئذ أميراً على البحرين- فجعل يضرب الأرض برجله، وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، قال رسول الله ﷺ: إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً، [رواه مسلم: 2087]، ومعنى ذلك يجره تكبراً وطغياناً، وأصل البطر الطغيان عند النعمة، واستعمل أيضاً بمعنى التكبر، قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: الخيلاء، والمخيلة، والبطر والكبر والزهو والتبختر، كلها بمعنى واحد وهي حرام". [شرح النووي على مسلم: 14/61].
أما المنان الذي ورد في حديث: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئاً إلا منه.. ، [رواه مسلم: 106].
فهذا المخالف لقوله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلا أَذًى  [البقرة: 262].
فمن أنفق ومنّ على الآخرين فقد أبطل صدقته، كما قال تعالى:  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة: 264].
وهذا المنان يؤذي من أعطاهم من صدقة أو هدية، ويظل يذكرهم بما أعطاهم، ويقول: أنا معطيك كذا، متى أعطيتك آخر مرة كذا، أذكر أني أعطيتك كذا، من الذي أعطاك هذه التي معك ونحو ذلك.
هؤلاء يُذهبون أجور صدقاتهم، فتضمحل وتذهب، ويوم القيامة يحتاجون إليها جداً فلا يجدونها، وغالباً ما يقع المن من البخيل، أو من المعجب بعمله، فالبخيل تعظم العطية في نفسه جداً، ولو كانت حقيرة، والمعجب يحمله العجب على النظر في نفسه بعين العظمة، وأنه مُنعم ومعطي، وإن كان المُعطى أفضل منه، وهذا كله من الجهل ونسيان نعمة عليه، لو تذكر نعمة الله عليه ما مّن على غيره.


وأما المنفق سلعته بالحلف الكاذب، فهو الذي يحلف للبائع بالله العظيم أنه اشتراها بكذا، وأن رأس مالها عليه بكذا، حتى يغر المشتري ليدفع له زيادة، وقد جاء في الصحيحين واللفظ لمسلم: فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا فصدقه وهو على غير ذلك [رواه مسلم: 108].
وإما أن يحلف على سلعته أنها قد سيمت منه بكذا وكذا، وعُرض عليه فيها الثمن الفلاني، وهو كذا كما في البخاري قال ﷺ: ورجل يُبايع رجلاً بسلعة بعد العصر، فحلف بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا، فصدقه فأخذها وهو لم يُعطى بها [رواه البخاري: 7212].
وهؤلاء يُحشرون فُجاراً يوم القيامة كما كانوا فُجاراً في أيمانهم، ولذلك قال النبي ﷺ لما خرج مع رفاعة بن رافع ورأى الناس يتبايعون: قال: يا معشر التجار!فاستجابوا لرسول الله ﷺ ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: إن التجار يُبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله، وبر وصدق [رواه الترمذي: 1210، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 1785].
وقوله: إلا من اتقى الله، يعني: ما ارتكب محرماً في البيع، ولا ترك واجباً يجب عليه في البيع، وصدق في يمينه وكلامه، ولما كان ديدن التجار وعادتهم التدليس والغش والكذب، والتهالك على ترويج السلع بالأيمان الكاذبة، واستعمال أنواع الخداع، والتضليل، والاعتداء، وسحب الزبائن من الآخرين، والأعمال التي فيها إيغار الصدور، وأنواع المحرمات، فإن العقوبة كانت لهم بهذه الشدة، واستثنى منهم من اتقى المحارم، وبر بيمينه، وصدق في حديثه، وليس الوعيد بسوء الحال يوم القيامة ليس خاصاً بهذه الصورة من الغش في البيع والشراء وترويج البضائع بالحلف بالكذب، بل هو عام في كل من حلف يميناً كاذبة فاجرة؛ ليأكل بها أموال الناس بالباطل، كما قال النبي ﷺ والحديث في البخاري ومسلم: من حلف على يمين صبر يعني: يمين الصبر: التي يحبس الإنسان نفسه عليها، يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر، لقي الله وهو عليه غضبان، قال الأشعث بن قيس: "كان بيني وبين رجل أرض باليمن، فخاصمته إلى النبي ﷺ فقال: هل لك بينة؟ فقلت: لا، قال: فيمينه، قلت: إذاً يحلف ولا يبالي، فقال رسول الله ﷺ عند ذلك: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم وهو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان فنزلت: إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[آل عمران: 77]. [رواه البخاري: 6676، ومسلم: 138].
وغضب الله لا يشبهه غضب أحد من خلقه، ليس كغضب الله غضب، وهذا صاحب اليمين الغموس التي تغمسه في النار يوم القيامة.


وهناك ثلاثة أخرون لا يكلمهم الله جاءوا في حديث أبي هريرة عن النبي ﷺ: ثلاثة لا يكلمه الله يوم القيامة ولا يزكيهم، قال أبو معاوية: ولا ينظر إليهم، يعني: في الرواية، ولهم عذاب أليم، من هم؟ قال: شيخ زان، وملك كذاب، وعائل مستكبر[رواه مسلم: 107].
ما سبب تغليظ العقوبة على هؤلاء؟ أنهم عملوا المعصية مع ضعف دواعيها، وعدم اضطرارهم واحتياجهم إليها، فالذي يعمل المعصية وعنده نوع شهوة جاذبة وسبب غير الذي يفعلها بلا سبب؛ لأن هذا الذي يفعلها بلا سبب يدل فعله لها على الاستهانة والمعاندة والاستخفاف، فما حاجة الشيخ إلى الزنا؟ مع أنه قد ضعفت شهوته، وكبر سنة ليس مثل الشاب، وكلاهما مجرم لو زنا.
وما حاجة الملك إلى الكذب، وهو بهذه السلطة والقوة؟ وما حاجة الفقير إلى ما هو دافعه إلى الكبر؟ ما الذي يدفعه للكبر وهو على فقر، ما الذي يدفعه للتكبر، على ماذا يتكبر؟ وإن كان لا يُعذر أحد بذنب سواء ارتكبه وداعي قوي يجذبه إليه، أو لم يكن هناك داعي فهو آثم، لكن إثمه وعقوبته إذا ارتكبه مع ضعف الداعي، وضعف السبب، وضعف الباعث أشد، ولذلك الشيخ الزاني، والملك الكذاب، والعائل المستكبر أعظم إثماً من الشاب والضعيف والغني، إذا قاموا بهذه الآثام، لا يكلمه الله.
وهناك أناس لا يكلمهم الله مثل: من بايع أميراً للدنيا يفي إن نالها ويغدر إن حُرم منها، كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل على فضل ماء بطريق يمنع منه ابن السبيل، معه زيادة ماء زيادة عن حاجته،  ورجل بايع رجلاً لا يبايعه إلا للدنيا، فإن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يفي له، ورجل ساوم رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف بالله لقد أُعطي بها كذا وكذا فأخذها [رواه البخاري: 2672، ومسلم: 108].


اغتر بكلامه وأخذها، الرجل هذا الثاني استحق الوعيد لكونه غش إمام المسلمين، ومن لازم غش الإمام غش الرعية، لما فيه من التسبب لإثارة الفتنة، وفيه وعيد من نكث البيعة، وخرج على الإمام لما في ذلك من تفريق كلمة المسلمين، وإلقاء بذور الفتنة والحرب والخلاف فيما بينهم، وإزالة التحصين عن الدماء.
وهناك ثلاثة يحرمون من نظر الله يوم القيامة، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه قال: قال رسول الله ﷺ: ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث،  [رواه النسائي في السنن الكبرى: 2343، وأحمد: 6180، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 3071].


الديوث: الذي يُقر الخبث في أهله، والمترجلة هي التي تتشبه بالرجال في زيهم وهيئاتهم، وتخشن صوتها، وتمشي كمشية الرجل، ونحو ذلك، وما أكثرهن اليوم بحجة المطالبة بالحقوق، تتشبه بالرجال، وهناك محروم من نظر الله، وهو من أتى امرأة في دبرها، وهذه جريمة عظيمة أخرى ملعون من فعلها، قال عليه الصلاة والسلام: إن الذي يأتي امرأته في دبرها، لا ينظر الله إليه[رواه أحمد: 7670] وهو حديث صحيح [صححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 1691].
تحريم إتيان النساء في أدبارهن في غير موضع الولد في موضع خروج الغائط في الحُشف، اتفق العلماء على تحريم وطأ المرأة في هذا المكان سواء كانت طاهراً أو حائضاً، كبيرة أو صغيرة، حرة أو أمة، وهنالك من المحرومين أيضاً من يُحرم فضل الله وكلامه يوم القيامة: ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم رجل حلف على سلعة، لقد أعطى بها أكثر مما أعطى وهو كذاب، ورجل حلف على يمين كاذبة بعد العصر ليقتطع بها مال امرئ مسلم، ورجل منع فضل ماء، فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يداك[رواه البخاري: 2369].


وقال ﷺ: من منع فضل ماءه أو فضل كلئه منعه الله فضله يوم القيامة حديث صحيح [أحمد: 6673، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 1422].
إذاً هذا الذي عنده زيادة في الكلأ وزيادة في الماء ومر به ناس محتاجون وابن سبيل ومنعه، من الذي خلق الماء؟ الله، من الذي أنبت الكلأ؟ الله، تمنع فضل ما لم تعمل يداك.

عصاة غضب الله عليهم وخاصمهم واحتجب دون حاجتهم

00:14:18

ومن العقوبات يوم القيامة للعصاة المخاصمة، خصماء لله يكون الله خصيمهم، ومن كان الله خصيمه فقد هلك، من كان خصيمه ربه فقد خصمه، ومن كان الله خصمه فقد هلك، قال ﷺ: قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه حقه [رواه البخاري: 2270].
أعطى بي ثم غدار عاهد عهداً بالله، وحلف عليه بالله ثم نقضه، الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل ولم يعطه حقه، وكذلك الذي باع حراً وأكل ثمنه، وهذه جريمة عظيمة هؤلاء أحرار فكيف يُباعون ويُجعلون تحت تسلط من اشتراهم.
ومن الناس من تكون عقوبتهم أن يلقى الله غضبان، كما جاء في الصحيحين: من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان [رواه البخاري: 2356، ومسلم: 138].
ونُلاحظ أن هناك أعمال نفس العمل عليه كذا عقوبة، وعن عكرمة بن خالد بن سعيد بن عاص المخزومي أنه لقي عبد الله بن عمر بن الخطاب: فقال له يا أبا عبد الرحمن: إنا بني المغيرة قوم فينا نخوة، فهل سمعت رسول الله ﷺ يقول في ذلك شيئاً؟
فقال ابن عمر : سمعت رسول الله ﷺ يقول: من تعظم في نفسه، أو اختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان [رواه أحمد: 5995، والبخاري في الأدب المفرد: 549، وصححه الألباني، السلسلة الصحيحة: 543].
وكما يبغض الله المتكبرين فإنه يبغض أسماءهم يوم القيامة، وتكون أسماءهم التي تفرحهم في الدنيا، ويغترون بها، ولا يرضون أن ينادون إلا بها، والألقاب الفخمة المعظمة وبالاً عليهم يوم الدين، فروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: أغيظ رجل على الله يوم القيامة، وأخبثه وأغيظه عليه رجل كان يسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله [رواه مسلم: 2143].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: اشتد غضب الله على من زعم أنه ملك الأملاك [أخرجه الطبراني الكبير: 12113، وصححه الألباني صحيح الجامع الصغير: 988].
فالذي يسمي نفسه شاه شاه، أو ملك الملوك، يا ويلاه يوم الدين! وكذلك من يُنازع الله عظمته وكبرياءه فيقول عن نفسه: صاحب الكبرياء أو صاحب العظمة فيا ويله.
وروى أحمد والترمذي عن عمرو بن مرة أنه قال لمعاوية: إني سمعت رسول الله ﷺ يقول: ما من إمام يُغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته فجعل معاوية رجلاً على حوائج الناس". [رواه أحمد: 1332، والترمذي وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 629].


فمن الناس من يحتجب الله عنهم يوم القيامة فقال ﷺ: من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، مدير، مسئول، صاحب منصب، الناس يراجعونه، حاجتهم عنده فاحتجب عنهم وأغلق الباب، ورفض المراجعين، وطرد الناس من عنده، ولم يعطهم حقهم، وأخرهم وماطلهم، وسوف وغداً وتعال بعد أسبوع، وما في، من ولي من أمر المسلمين شيئاً، أي: منصب أي وظيفة إدارة، فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم، احتجب الله يوم القيامة دون حاجته وخلته وفقره [رواه أبو دواد: 2950، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 629].
وعند أحمد من حديث معاذ قال: قال رسول الله ﷺ: من ولي من أمر الناس شيئاً فاحتجب عن أولي الضعفة والحاجة احتجب الله عنه يوم القيامة [رواه أحمد: 22129]. وقال المنذري بإسناد جيد [الترغيب والترهيب: 3342، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 2209].
ومعنى احتجب دون حاجتهم، أي: امتنع من الخروج إليهم، أو من الإمضاء عند احتياجهم إليه، وخلتهم الحاجة الشديدة، والمراد باحتجاب الوالي أن يمنع أرباب الحوائج والمهمات أن يدخلوا عليه فيعرضوها له ويُعسر عليهم إنهائها، احتجب الله عنه دون حاجته وفقره فأبعده، ومنعه عنما يحتاجه يوم يكون أشد ما يكون حاجة إلى فضل الله، ولا يجيب دعوته، ويخيب أمله، ومنهم من يخاصمه الله يوم الدين ويحاجه ومن يقوم لله من يقوم أمام الله، إذا كان الذ يحاجه ربه، روى أبو داود عن عدة أبناء أصحاب رسول الله ﷺ عن آباءهم عن رسول الله ﷺ قال: ألا من ظلم معاهداً، أو انتقصه، أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة، حديث صحيح. [رواه أبو داود: 3054، وصححه الألباني سلسلة الأحاديث الصحيحة: 445].
انتقصه نقص حقه، عابه انتقصه استهزأ به، كلفه فوق طاقته في الخراج والجزية مع أنه هذا المعاهد كافر لكن في عهد يجب أن يُحترم، ما دام أعطينا عهداً يجيب أن نحترمه، وإلا قالوا: المسلمون لا عهد لهم، لا دين لهم، لا أمان لهم، لا أمانة عندهم، فتتشوه صورة الدين، أعطينا عهداً يجيب أن نفي به، أعطينا أمانة يجب أن نُحافظ عليه، وإذا لم قال: فأنا حجيجه، أي: خصمه ومحاجه ومغالبه يوم القيامة.


ومن الناس من تتكون عقوبتهم يوم الدين إعراض الله عنهم، وإعراض الله شديد، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: إن أوليائي يوم القيامة المتقون، وإن كان نسب أقرب من نسب، لا يأتي الناس بالأعمال وتأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم، فتقولون: يا محمد، فأقول هكذا وأعرض في عطفيه"، رواه ابن أبي عاصم في السنة. [كتاب السنه لأبي العاصم: 1012]، وحسنه الألباني [السلسلة الصحيحة: 765].
ومن الناس من يكونون يوم القيامة أبغض إلى النبي ﷺ وأبعدهم منه مجلساً، كما قال ﷺ: وإن أبغضكم إليّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون، [رواه الترمذي: 2018]، وصححه الألباني [السلسلة الصحيحة: 791].
الثرثار كثير الكلام تكلفاً، والثرثرة كثرة الكلام، وإعادته هذه تسبب أزمة نفسية عند السامع، كثرة الثرثرة ترفع الضغط، والمتشدق هو المتكلم بملء شدقة، تفاصحاً وتعظيماً لكلامه، والمتفيهق أصله من الفهق وهو الامتلاء، وهو بمعنى المتشدق؛ لأنه الذي يملأ فمه بالكلام، ويتوسع فيه إظهاراً لفصاحته وفضله، واستعلاء على غيره وإظهاراً لمواهبه.

عصاة لا يجدون ريح الجنة

00:23:01

ومن الناس المحرومين يوم القيامة من يُحرم ريح الجنة، هذه من العقوبات الأليمة حرمان عظيم، روى البخاري عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، لا يشمها، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً [رواه البخاري: 3166].
لم يرح أصله يراح، أي: يجد ريح، يعني: يشم، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ، وهذا الحديث عظيم للنساء وخصوصاً في هذا الزمان، قال: صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البُخت المائلة لا يدخلن الجنة، ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا [رواه مسلم: 2128].
إذاً هذه المرأة التي تلبس ولا تلبس، تلبس لكنه قصير، تلبس لكنه شفاف، تلبس لكنه ضيق، تلبس لكنه مشقوق، هذه الكاسية العارية لا تجد رائحة الجنة يوم القيامة، مع أن ريح الجنة توجد من مسافة بعيدة جداً، تستر بعضاً وتكشف بعضاً، تلبس رقيقاً يصف البدن.
مائلات عن طاعة الله، مميلات يعلمن غيرهن، فعلهن المذموم، مائلات يمشين متبخترات، مميلات لأكتافهن، مائلات يمشطن المشطة المائلة مشطة الغاية، مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة أيضاً، كوفيرات، رؤوسهن كأسنمة البُخت يكبرنها، ويعظمنها بلفافات وعصابات وباروكات، ونفخ الشعر، ورفع الشعر، وتكويم الشعر، وكعكعات، وطوابق، كأسنمة البخت يُكبرنها ويعظمنها تلفت الأنظار أنظار الرجال، لا تجد ريح الجنة.
وفي سنن أبي داود قال أبي هريرة، قال رسول الله ﷺ: من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله ، هذا المفترض، يعني: هذا الأصل في هذا العلم علم التفسير، علم الحديث، علم الشريعة، علم الفقه، علم الحلال والحرام، قال: لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة يعني: ريحها، حديث صحيح. [رواه أبو داود: 3666، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 105].
وروى الترمذي عن ثوبان أن النبي ﷺ قال: المختلعات والمنتزعات هن المنفقات، قال: المختلعات هن المنافقات، وقال: أي ما امرأة اختلعت من زوجها من غير بأس لم ترح رائحة الجنة ، حديث صحيح. [رواه الترمذي: 1186، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 2018].


لأتفه سبب تريد أن تخلع من كبرها، لا تصبر على زوجها بشيء أبداً، حتى في الأشياء العادية المعتادة تخلع تختلع، وشياطين الأنس يوفرون لها قانون لكي تخلع نفسها وقت ما تريد، حتى لو ما كان معها حق، قانون الخلع، حُرية المرأة، ولذلك قال: من غير ما بأس، يعني: لو كان هناك بأس، الزوج ظالم، معتدي، لا يمكن الصبر عليه يجوز أن تخلع، لكن هذه امرأة تخلعه بحق.
وروى أحمد عن عبد الله بن عمرو عن النبي ﷺ قال: من ادعى إلى غير أبيه، فلن يرح رائحة الجنة، وريحها يوجد من مسيرة سبعين عاماً  حديث صحيح. [رواه ابن ماجه: 2611، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 2307].
وروى البخاري عن الحسن عن عُبيد الله بن زياد أمير البصرة في زمن معاوية وولده يزيد، عاد معقل بن يسار في مرضه الذي مات فيه، فقال له معقل: إني محدثك حديثاً سمعته من رسول الله ﷺ سمعت النبي ﷺ يقول: ما من عبد استرعاه الله رعية، فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة [رواه البخاري: 7150].
هو أب، هو مدير، هو أمير، المهم عنده رعية، لم يحطها يعني لم يحفظها ولم يصنها، وفي رواية لمسلم: يموت يوم يموت، وهو غاش لرعيته إلا لم يجد رائحة الجنة [رواه مسلم: 142].
أي: شخص تولى، وكان تحته ناس لابد أن يقيم فيهم شرع الله، فإذا أهملهم إذا أدخل عليهم الخبث، إذا وضع بين أيديهم، وأبصارهم وآذانهم أدوات اللهو والمعاصي والفجور الأفلام أغاني، وإذا أدخل عليهم أنواع من الأجانب يخالطونهم، ويجسون خلال البيوت، ويخل الواحد منهم بالمرأة في البيت، يدخل عليها السائق يخلو بها، مع البنت وحدها، مع الزوجة وحدها، هذا أحاط رعيته بنصح؟
كلا، أرسل البنت وحدها للخارج تدرس، لا يهم أين تسكن، ومن ومع من تصادق؟ هذا أحاطها بنصحه ورعايته! ضاعت فجرت، حصل أي شيء من أنواع المكاره نتيجة تضييع في الأول، هذه الثمار يقطفونها -بعد فوات الأوان- حنظلاً.


قال: لم يحفظها لم يصنها هذا كلام الشراح، في قوله: لم يحطها، هذا عبيد الله بن زياد لما سمع النصيحة من الصحابي قال له: ألا كنت حدثتني هذا قبل اليوم، قال: لم أكن لُحدثك، لماذا؟ قيل: إنه كان سفاكاً للدماء.
وفي رواية لمسلم قال له: لولا أني ميت ما حدثتك"، فكأنه كان يخشى بطشه، كما قال الشراح، فلما نزل به الموت أراد أن يكف بذلك بعض شره عن المسلمين، ولذلك جاء في رواية: لولا أني في الموت ما حدثتك، لما صار الحديث معك اضطرارياً، ولا بد منه حدثتك، أما ذلك الرجل الذي ادعى إلى غير أبيه وذهب إلى دائرة الوثائق الرسمية، والجوازات والأحوال المدنية، وغير ذلك، ينسب نفسه إلى غير أبيه، ويدعي إلى غير أبيه، فلن يرح رائحة الجنة أيضاً؛ لأن الانتساب إلى غير الأب حرام، ويترتب على ذلك ضياع حقوق، وأخذ ما ليس له ظلم.
وروى الترمذي عن ثوبان أن رسول الله ﷺ قال: أي من امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة [رواه أبو داود:  2228، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 2018].
من الناس أيضاً الذين يعاقبون بهذا ما جاء في النسائي، وأبي داود عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله ﷺ قال: قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان، كحواصل الحمام لا يرحون رائحة الجنة وصححه الألباني [رواه أبو داود: 4214، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 2097]، يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام، إذاً يصبغون شعورهم ولحاهم بالسواد، يغيرون الشيب بالسواد، ويصبغون حواصل الحمام يعني كصدورها فإنها سود غالباً، حوصلة الحمامة أو صدر الحمامة أسود غالباً، قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان، حواصل الحمام لا يرحون رائحة الحنة، وريحها يوجد من مسافة عظيمة، في تلك الرواية سبعين، بعض العلماء قال: خمسمائة في بعض الروايات، أو المقيد بما قبل دخول الجنة من القبر أو الموقف أو النار.

أنواع من ذل العصاة يوم القيامة

00:33:06

 

عقوبة المتكبر

00:33:06

من عذاب يوم القيامة قبل النار والعياذ بالله الذل، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ: يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، فيساقون إلى سجن في جنهم يُسمى بُولَسَ تعلوهم نار الأنيار من عصارة أهل النار طينة الخبال رواه الترمذي، وقال حديث حسن صحيح. [رواه الترمذي: 2492، وحسنه الألباني صحيح الترغيب: 2911].
الذر النمل الأحمر الصغير، وصغار النمل لا يأبه به الناس فيطأونه بأرجلهم وهم لا يشعرون، هؤلاء المتكبرون يوم القيامة يجعلون أمثال الذر في الصغر والحقارة، في صور الرجال على صورة الإنسان المعروف المعتادة، لكن الجثة جثة نملة، يكونون في غاية المذلة والنقيصة يطأهم أهل المحشر بأقدامهم، وهذا يدل على هوانهم على الله، يساقون إلى سجن مظلم مضيق حبس منقطع عن غيره تعلوهم نار الأنيار، كما تقدم النار التي تأكل النيران لفرط إحراقها وشدة حرها، أصل نيران العالم، الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى [الأعلى: 12].
وهذا ما يشربونه عصارة أهل النار، ما يسيل من أهل النار من الصديد والقيح والدم، وطينة الخبال الفساد في العقول والأبدان والأفعال، الخبل، هؤلاء أول ما يخرجون من قبورهم، يخرجون بأحجامهم المعتادة الأصلية؛ لأن الأجساد تعاد على ما كانت عليه، كما أنهم يحشرون غرلاً، فيعيدهم عند إخراجهم من قبورهم على أكمل صورهم، ويجمع أجزاءهم كاملة، ثم يجعلهم في موقف الجزاء على الصورة المذكورة إهانة لهم، فأول ما يخرجون بأحجامهم العادية، ثم يصغرون إلى أن يكونوا بهذه المثابة، وهذا العقاب على الفعل الشنيع معاملة لهم بنقيض قصدهم، ألم يقصدوا التكبر والانتفاش والانتفاخ في الدنيا! خذوا الآن هذه الأحجام وهذه الإهانة والاحتقار يوم الدين.

 

عقوبة الغادر وفضحه

00:35:32

من العقوبات يوم القيامة: الفضيحة وهذه سيئة جداً بأن الفضيحة الآن ما هي على واحد واثنين وألف وألفين ومليون ومليونين، هذه الآن فضيحة أمام الأولين والآخرين من آدم إلى آخر شخص، يُحشر راعياً من مُزينة، كل البشرية على الجن على الإنس على الملائكة أمام الله وخلقه، ففضيحة أسوء من الفضيحة التي تكون على القنوات الفضائية، فضيحة على رؤوس الأشهاد، على العالم والملأ كلهم المحشورين في ذلك المقام، كلهم محشورين في مكان واحد، فتكون الفضيحة أمام الجميع، نسأل الله العافية.
في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله ﷺ: إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة، يُرفع لكل غادر لواء يُعرف به، فيقال: ألا هذه غدرة فلان بن فلان [رواه مسلم: 1735].
وورد تعيين أن هذا اللواء يُنصب عند استه، نعوذ بالله من الخزي والفضيحة، والإست حلقة الدبر، هنالك ينصب ويراه كل الناس تحقيراً له، قال: لكل غادر لواء عند استه يوم القيامة  [رواه مسلم: 1738].
يُغرز اللواء عند استه، قال ابن المنير: "كأنه عُمل بنقيض قصده" [فتح الباري: 6/284]، لأن اللواء عادة يكون على الرأس فنُصب على استه زيادة في الفضيحة؛ لأن الأعين غالباً تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سبباً لامتدادها إلى المكان الذي تبدأ منه، فتزداد الفضيحة، قال القرطبي: "هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل؛ لأنهم كانوا يرفعون للوفاء راية بيضاء وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه". [فتح الباري: 6/284].
وكلما كانت الغدرة عظيمة ارتفعت الراية أكثر يوم القيامة للفضح، قال عليه الصلاة والسلام: لكل غادر لواء يوم القيامة يُرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدراً من أمير عامة [رواه مسلم: 1738]، تحريم الغدر وخصوصاً في الولايات العامة؛ لأن الضرر كبير والتعدي فيه إلى الخلق كثير، وعنده القوة فلماذا يغدر، فبعض الناس يقولون: غدر بي فلان أعطاني العهود والمواثيق وأعطاني كذا وأعطاني شيك وأوراق، ثم اتضح أنها مزورة، ومن غير رصيد، وأنا كنت أعطيه وغدر بي، فنقول: مهلاً سيأتي بالحساب، سيأتي الحساب، ولكن يوم القيامة يوم الخزي.


قال ﷺ فيما رواه رفاعة بن شداد: "كنت أقوم على رأس المختار"، المختار ادعى النبوة كذباً، فهنالك حديث عن النبي فتذكر هذا الرجل شيئاً رجع به إلى الحق، وأما صاحب لواء الغدر في ذلك اليوم فهو الذي يغدر بما أمنه ويقتله، فروى أحمد وابن ماجه عن رفاعة بن شداد قال: "كنت أقوم على رأس المختار فلما تبينت كذابته هممت وأيم الله أن أسل سيفي فأضرب عنقه، حتى ذكرت حديثاً حدثنيه عمرو بن الحنق قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أمن رجلاً على نفسه فقتله أعطي لواء الغدر يوم القيامة [رواه أحمد: 21996، وقال محققو المسند: أسناده صحيح]، فهذا الذي حبسه عن قتله، قال: هو استأمنني أن أكون حارساً له، وأردت أن أقتله وهو كذاب، فتذكرت الحديث فعدلت عن فعلي، شين في الوجه وفضح في الموقف.
 

عقوبة من يسأل الناس تكثراً

00:40:08

يكون أيضاً يوم الدين الذي يسأل الناس وله ما يغنيه، ومن تلك الصور البليغة التي تشاهد يوم القيامة صور أولئك السائلين الذين يسألون الناس، وعندهم ما يغنيهم عن السؤال، فمن سأل الناس في الدنيا تكثراً شان الله وجه يوم القيامة، وهذا الشين يكون عاراً وخزياً عليه، فعن عمران بن حصين قال: قال رسول الله ﷺ: مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة [رواه أحمد: 19834]، وهو حديث صحيح [صححه الألباني صحيح الترغيب: 798].
وقد ورد في أحاديث كثيرة بيان هذا الشين، وأنه يكون خدوشاً في وجه صاحبه بقدر المسألة، فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً، أو خموشاً، أو كدوحاً في وجهه، قيل يا رسول الله وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً أو قيمتها من الذهب[رواه أحمد: 4207، وابن ماجه: 1840، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 499].


والخدوش خدش الجلد إذا قشره، والخموش والقدوح مثلها، وكل أثر من خداش أو عض فهو كدح، فإذاً واحد يتكفف الناس يسأل الناس، ويدخل على الناس، ويقدم خطابات، ويطلب ويقف بعد الصلاة وفي المساجد وعلى الأبواب، ويلحق هذا، ويتابع هذا، ويقدم المعاريض وعنده ما يغنيه، قالوا: وما يغنيه؟ قال: خمسون درهماً، أو قيمتها من الذهب، يعني: خمس دنانير تقريباً، الغنى ما يمنع من السؤال، وعن حُبشي بن جُنادة السلولي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في حجة الوداع وهو واقف بعرفة: أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب، فعند ذلك حرمت المسألة، فقال رسول الله ﷺ: إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي، ذي المرة صاحب القوة والقدرة على الكسب، إلا لذي فقر مدقع أو غُرْمٍ مُفْظِعٍ، ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشاً في وجهه يوم القيامة، ورضفاً يأكله من جنهم، ومن شاء فليقل ومن شاء فليكثر [رواه الترمذي: 653، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 802].
ومعنى قوله: ولا ذي مرة ذي قوة وقدرة على الكسب، سوي سليم الأعضاء صحيح البدن، وقوله في الحديث: إلا لذي فقر مدقع، شديد يُلصق صاحبه بالدقعاء، وما هي الدقعاء؟ الأرض التي لا نبات بها، أو غُرم مُفظع، ما يلزم أداءه تكلفاً لا في مقابلة عوض، والمفظع الشديد الشنيع الذي جاوز الحد، والذي يسأل  ليُثري به ماله من الإثراء بسبب السؤال، ليكثر ماله، كان هذا السؤال، أو المال المأخوذ خموشاً ورضفاً، يعني: عبساً وحجراً محمياً في وجه، فمن شاء فليقل يعني: السؤال، ومن شاء فليكثر، أخذ الأموال، هذا أسلوب تهديد، قال: ولا يزال الرجل يكدح وجهه ويخمشه، قال عليه الصلاة والسلام: ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم [رواه البخاري: 1474، ومسلم: 1040].


لأن كل ما الشخص خدش وكدح قشط قشر خلاص في الأخير اللحم ذهب، ماذا يبقى؟ العظام، ففي ناس من كثرة السؤال، يقولون: هذا اكتشفوا معه ثلاثة مليون، هذا اكتشف معه اثنين مليون، شحات، وهذا يقف هنا وهنا وهنا، وعلى الأبواب، هذا كل مسألة خدشة حتى يخلص اللحم، ما يزال الرجل يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة ليس في وجهه مُزعة لحم، المُزعة القطعة، فيأتي يوم القيامة ذليلاً ساقطاً لا وجه له عند الله، فيُحشر ووجه عظم لا لحم عقوبة له، وعلامة بذنبه، وهذا فيه فضيحة أمام الناس يوم القيامة، وكان الجزاء من جنس العمل؛ لأنه أراق ماء وجهه عند الناس يسألهم فراح الوجه.
ومن العقوبات يوم القيامة الأشياء المُقرفة في الوجه، من الأشياء المقرفة البُصاق والتفل والنُخامة والبلغم، قال ﷺ: تُبعث النُخامة في القبلة يوم القيامة، وهي في وجه صحابها  [مسند البزار: 5904]، وصححه الألباني [صحيح الجامع الصغير: 2910].
وقال ﷺ: من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة تفله بين عينيه [رواه أبو داود: 3826، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير: 6160].
إذاً: احترام جهة القبلة واجب، والذي يبصق أو يتفل، أو يتنخع، أو يُخرج مما يصعد من الصدر، أو ينزل من الأنف ويخرجه تجاه القبلة هذا كل الخارج يأتي في وجهه يوم القيامة، وهذا يدل على احترام جهة القبلة خصوصاً أثناء الصلاة، فإذا احتاج إلى إخراج شيء في منديل عن يساره، ولا يخرجه تجاه القبلة، ورأى النبي ﷺ نخاعة، أو نُخامة في حائط المحراب في جهة القبلة داخل المسجد الجدار، فحكها وغضب وأخبرهم بالوعيد.

 

يجعل الله تعالى جوارح من عصاه ناراً تلتهب

00:47:10

ومن صور الهوان والعذاب التي تحصل لأهل الجرائم يوم القيامة: أن الله يجعل جوارحهم التي عصوا بها ناراً تتلهب يُعذبون بها، نفس الجارحة تصبح ناراً، وهذا حال شر الناس منزلة عند الله، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال النبي ﷺ: تجدون شر الناس يوم القيامة عند الله ذا الوجهيين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه [رواه البخاري: 6058، ومسلم: 2526].


قال النووي: "هو الذي يأتي كل طائفة بما يرضيها، فيظهر لها أنه منها ومخالف لضدها، وصنيعه نفاق ومحض كذب وخداع وتحيل للاطلاع على أسرار الطائفتين وهي مهادنة محرمة". [شرح مسلم للنووي: 8/78].
فالمذموم من يزين لكل طائفة عملها، ويقبحه عند الأخرى، ويذم كل طائفة عند الأخرى، وقال القرطبي: "إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لأن حاله حال المنافق إذا هو متملق بالباطل وبالكذب مُدخل للفساد بين الناس". [المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم: 21/37].
وفي سنن أبي داود عن عمار قال: قال رسول الله ﷺ: من كان له وجهان في الدنيا، كان له يوم القيامة لسانان من نار[رواه أبو داود: 4875، صححه الألباني في صحيح أبو داود: 4873].
في سبب العقوبة كما كان له لسانان عند كل طائفة، بعض الناس يأتي أهل الدين فيقول لهم كلاماً يرضيهم، وأنا معكم، وأنتم على الحق ويمدحهم، ثم ينصرف إلى أهل الشر فيقول: أنا معكم وأنتم على خير، وهؤلاء المتدينين أعوذ بالله، ويذمهم، أو يأتي أناس متنافسين في تجارة فيقول: أنا معكم وهؤلاء أصحاب الشركة الأخرى فيهم وفيهم، ثم يأتي للآخرين ويقول أولئك فيهم وفيهم وأنا معكم وأنتم على الحق، يسمونها دبلوماسية، وفطنة، وذكاء، وكياسة، وسياسة، وهي تعاسة، فهذا يأتي كل طائفة بكل وجه يعني لو كان هذا محقاً لوقف مع صاحب الحق، إذا كان الحق مع هؤلاء قال: أنا معكم، وقال: الحق مع أولئك، لا تكون صاحب وجهين إذاً، فاسترضاء الطائفتين وخصوصاً المنافقين وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ  [البقرة: 14].
فيوم القيامة هؤلاء يكون الواحد صاحب الوجهين شر الناس عند الله، ومن كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان من نار، ليس من هذا من يريد الإصلاح بين فئتين فيذهب إلى هؤلاء ويمدحهم، ويذهب إلى هؤلاء فيمدحهم، ويذهب إلى هؤلاء فيقول: أولئك يثنون عليكم، ويذهب إلى هؤلاء فيقول: أولئك يثنون عليكم، يريد الإصلاح بين الطائفتين، ليس هذا من هذا، هذا مأجور والأول مأزور.
لجام من نار:


وهناك من أنواع العذابات يوم القيامة لجام النار، قال ﷺ: من سُأل عن علم علمه، ثم كتمه أُلجم يوم القيامة بلجام من نار حديث صحيح [رواه أبو داود: 3660، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 120].
من سُأل عن علم علمه مما يحتاجه السائل في أمر الدين، ثم كتمه بعد ما سُأل عنه بمنع الجواب، أو منع الكتابة، وليس هناك من يجيب إلا هو، فالسائل لا يعرف الحق إلا من هذا الشخص، لا يوجد من يعرفه غيره مما يستطيع السائل الوصول إليه.
متى يتعين الجواب ويأثم إذا ما أجاب؟
إذا كان المسؤول يعلم الحق، وكتمه عمداً بغير سبب، ولا يوجد إلا هو يجيب، أما لو كان لا يعلم، أو يشك في الجواب ما عنده علم يقيني، فلا يفتي، يقول: يا أخي ما أعرف الجواب، لا أدري، وكذلك لو كان إذا أجاب يخشى على نفسه، فلا يلزمه الإجابة، وكذلك لو كان هناك غيره من يجيب، فيقول: يا أخي اذهب إلى فلان، اذهب إلى فلان، مثل الصحابة كانوا يتدافعون الفتوى كل واحد يخشى على نفسه، ويرى أن الآخر أفضل منه، وأنه هو أولى أن يُسأل، فأحياناً طالب العلم لا يجيب احتراماً للعالم العالم في البلد موجود، أو يمكن الوصول إليه، أو سؤاله أو الاتصال عليه، فلماذا أجيب على كل سؤال؟ يرد الناس إلى من هو أعلم.
هناك يوم القيامة ناس يأتون بشق مائل: روى أبو داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال: من كانت له امرأتان، فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل [رواه أبو داود: 2135، وصححه الألباني صحيح الترغيب: 1949].
لم يعدل بينهما، مال إلى إحداهما دون الأخرى، أنفق على هذه، ولم ينفق على هذه، وأعطى هذه عشرة، وأعطى هذه واحد برغم من تساويهما في الحاجة، يبيت عند هذه عشر ليالي، ويبيت عند هذه ليلة أو ما يبيت عندها.
كيف يأتي يوم القيامة وشقه مائل؟
لثقل الشق المائل -كما قالوا في أحد- جنبيه يجيء يوم القيامة غير مستوي الطرفين، بل يكون أحدهما كالراجح وزناً لما يصير هذا أثقل ينزل، وهذا أخف يطلع، فيأتي يوم القيامة وشقه مائل،.
قال بعض الشراح: به فالج، يعني: الشلل، مثل الشلل النصفي مثلاً، على أية حال يأتي غير مستوي الطرفين، بل يكون أحد شقيه كالراجح وزناً كما كان في الدنيا غير مستوي الطرفين بالنظر للمرأتين، بأن كان يُرجح إحداهما على الأخرى.


ومن الناس من يأتي يوم القيامة يتخبط كالمجنون، كما قال النبي ﷺ: إياك والذنوب التي لا تُغفر، فمن غل شيئاً أُتي به يوم القيامة، وأكل الربا فمن أكل الربا بُعث يوم القيامة مجنوناً يتخبط، هذا نص الحديث المرفوع الذي رواه الطبراني [الكبير: 110]، وحسنه الألباني [صحيح الترغيب: 1862]، قال ﷺ: فمن أكل الربا بُعث يوم القيامة مجنون يتخبط ثم قرأ: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ [البقرة: 275].
وهنالك أناس يحملون جناياتهم يوم القيامة، الذنب نفسه يحمله على ظهره على رأسه يحمله، قال تعالى: وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يأتيه حاملاً له على ظهره ورقبته ويتعذب بثقله وحمله، مرعوباً بصوته موبخاً بإظهار خيانته على رؤوس الأشهاد، غال الغال من الغنيمة، الذي لا يؤدي الزكاة، الذي سرق نهب، الذي أخذ رشاوى، الذي أخذ خيانة من فيء أو سرق من غنيمة قبل القسمة، الذي أدى به الطمع والأثر إلى هذا، قال فيه ﷺ لما ذكر الغلول وعظمه وعظم أمره:  لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رُغاء، يقول: يا رسول الله، أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة له ثُغاء، يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح، يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً قد بلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع تخفق، يقول: يا رسول الله أغثني فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك، لا أُلفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت، يقول: يا رسول الله أغثني، فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد بلغتك [رواه البخاري: 3073، ومسلم: 1831].
ومعنى الصامت الذهب والفضة، والنفس التي لها صياح ما يُخطف من الغنيمة من الرقيق من عبد أو أمة أو صبي، الفرس له حمحمة عند العلف صوت الفرس دون الصهيل، والرقاع التي تخفق تضطرب إذا حركتها الرياح وما هي؟ الثياب.


أنواع الغلول، والأخذ من الغنائم بدون حق، وقبل القسمة وسرقة من الغنيمة، ومن الغلول طبعاً أخذ الموظفين والعمال والولاة من الأموال العامة دون حق، والنهب من بيت مال المسلمين، والأخذ بغير حق، وهؤلاء الذين يسرقون من ميزانية الدوائر التي يعملون فيها، الذين يأخذون أموال من الأموال العامة، كله يوم القيامة محسوب سيأتي به، فإذا كان هذا قد جاء بشبر من أرض غصبه إلى سبع أراضين تحت طوق حول رقبته كل يؤخذ من الأرض حقيقة ويطوقه يأتي به يوم القيامة، كيف يتحمل هذا؟ وزن إلى الأرض السابعة، إذا شبرين، إذا كان متر، إذا هكتار، وإذا عشرين ألف هكتار! كله حول رقبته، لا بد أن يحمله مهما ثقل لازم، غصب شبر أو أكثر إلى سبع أراضين.
استعمل النبي ﷺ عاملاً، فجاء العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله، هذا لكم، وهذا أُهدي إليّ، وحصل الغضب من النبي ﷺ وصعد وخطب، وقال: والذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، أي واحد في منصب أو وظيفة حكومية -مثلاً- أُعطي شيئاً في مقابل الوظيفة، لولا الكرسي ما أُعطي، جاءوا إليه يشتغل في مرور، في شرطة، في مصلحة حكومية، في أي مكان، خذ مشي لنا، أُعطي في مقابل ماذا؟ المنصب لولا المنصب ما أعطوه، كله يأتي به يوم القيامة.
قال: والذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، اللهم هل بلغت! ثلاثاً"، لا يأتي بشيء إلا جاء به يوم القيامة، إن كان بعير له رغاء، أو شاة لها تَيْعَرُ [رواه البخاري: 6636، ومسلم: 1832].
صوت الشاة الشديد، لو أتى شخص، وقال: يعني بعض ما يُسرق من النقد أخف وزناً من البعير ولكنه أغلى منه؟ فالجواب: المراد بالعقوبة فضيحة الحامل على رؤوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم، وليس بالثقل والخفة فقط، يعني: بالإضافة إلى عامل الثقل والخفة عندنا عامل آخر مهم جداً، وهو أصل الموضوع في الفضيحة؛ لأن العذاب النفسي في كثير من الأحيان يكون أشد من العذاب البدني والجسماني، ولذلك الواحد يقول: اضربني، ولا تشتمني أمام الناس، افعل بي ما تريد أنا بين يديك في السر ولا تفضحني أمام الناس.


حتى ذكروا في مسألة التعزير، أن بعض الناس يكون عليه أشياء أشد من بعض الناس، كالكلمة تقال لواحد من الوجهاء يُعزر بها ممكن تكون أشد عليه من ضرب السياط.
وقد أخبر النبي ﷺ أن الغلول حتى ولو كان في الشيء التافه، فهو خزي على صاحبه يوم القيامة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت "أن النبي ﷺ كان يأخذ الوبرة من جنب البعير من المغنم" -انظر الوبرة- "يقول: مالي فيه إلا مثل مال لأحدكم منه أنا وأنتم سوى كلنا مشتركين، هذا بيت المال كل المسلمين فيه شركة، يقول ﷺ: إياكم والغلول، فإن الغلول خزي على صاحبه يوم القيامة، أدوا الخيط والمخيط وما فوق ذلك [رواه أحمد: 22847، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 670].
وفي مسند أحمد من حديث عبد الله بن عمرو "أن النبي ﷺ دنا من بعيره فأخذ وبرة من سنامه، فجعلها بين أصابعه السبابة والوسطى، ثم رفعها، فقال: يا أيها الناس! ليس لي من هذا الفيء، ولا هذه إلا الخمس، يعني: أن الله قد أعطاه له، والخُمس مردود عليكم، فردوا الخياط والمخيط، فإن الغلول يكون على أهله يوم القيامة عاراً وناراً وَشَنَارًا، فقام رجل عنده كبة من شعر، فقال: إني أخذت هذه أصلح بها بردعة بعير لي دبر، فقال: أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لك -أنا حقي متنازل عنه- "فقال الرجل: يا رسول الله! أما إذا بلغت ما أرى فلا أرب لي بها ونبذها". [رواه أحمد: 6729، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 1973].
إذاً يعني وبقية حق المسلمين من يسمع به ويتنازل، من أين له أن يتنازل بقية المسلمين عنه، والوبرة الشعرة، والكُبة الشعر الملفوف بعضه على بعض، والبردعة الكساء الذي يُلقى تحت الرحل على ظهر البعير.
وقوله: أما ما كان لي يعني من الكُبة، وقوله: "بلغت" أي الكُبة هذه المرتبة والعزة، يعني: هذه الكبة بلغت هذا التعظيم التي تعظمه في نفوسنا، فلا أرب لي فيها ولا حاجة.
وقوله: أدوا الخياط والمخيط، الإبرة، فيُحمل أحدهما على الكبيرة، أدوا الخياط والمخيط.

التكليف بما يعجز عنه الشخص، والتعجيز مع الفضيحة

01:04:33

ومن صور الذل التي تنال أصحاب المعاصي والكبائر في ذلك اليوم -نسأل الله الستر والسلامة- التكليف بما يعجز عنه الشخص، والتعجيز مع الفضيحة، فمثلاً الذي كذب في الحُلم، ويدعي أنه رأى في المنام ما لم يره، هذا كذب على الله عظيم، كما قال ﷺ: إن من أفرى الفرى أن يُري عينيه ما لم ترى  [رواه البخاري: 7043].
وهذا الكذاب المفتري يُعطى يوم القيامة شعيرتين، يُكلف يجب عليه ولا بد أن يقوم بهذه المهمة أن يعقد بعضهما إلى بعض.
فقال ﷺ فيما رواه عن ابن عباس: من تحلم بحُلم لم يره كُلف أن يعقد بين شعيرتين، ولن يفعل [رواه البخاري: 7042].
تحلم تكلف الحلم كذب قال رأيت كذا وهو وما رأى، بحُلم كُلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، وعُذب بهذا؛ لأنه سيقال له: هذه الشعيرة أعقد بين طرفيها، ولا يمكن أن يعقد، ولذلك فإن الشخص هذا لما أرى عينيه ما لم تريا كُلف بشيء محال لا يستطيع أن يفعله، هل يستطيع الإنسان أن يُري نفسه مناماً، أنت ممكن قبل النوم تقول أنا سأعمل اجراءات الآن وأجعل نفسي ترى كذا وكذا في النوم؟ لا، ما تستطيع.
قال ابن حجر -رحمه الله-: "وأما الكذب على المنام، فقال الطبري: إنما اشتد فيه الوعيد مع أن الكذب في اليقظة، قد يكون أشد مفسدة منه إذا قد تكون شهادة في قتل، أو حد، أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذب على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين، وإنما كان الكذب في المنام كذباً على الله لحديث: الرؤيا جزء من النبوة [رواه مسلم: 2263]، وما كان من أجزاء النبوة فهو من قِبل الله -تعالى-" [فتح الباري: 12/428]. وأيضاً لأحاديث: الرؤيا من الله[رواه البخاري: 5747].
لو أحد غل أرضاً من جاره، واقتطع شبراً من أرض بغير حق؟ قال ﷺ: أعظم الغلول عند الله ذارع من الأرض تجدون الرجلين جارين في الأرض، أو في الدار فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعاً، فإذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين إلى يوم القيامة [رواه أحمد: 17294، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 1869].
بعض الناس يقول: أبني سُوري في أرض جاري، مع أن مُخطط البلدية أن السور في أرضه، وليس في أرض جاره، فتراه يمد، وعن سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفيل أن أروى خاصمته في بعض داره، فقال: دعوها وإياها، فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أخذ شبراً من الأرض بغير حقه طوقه في سبع أراضين يوم القيامة، اللهم إن كانت كاذبة فأعمي بصرها، واجعل قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء، الراوي يقول، تلتمس الجُدر، كيف يمشي الأعمى؟ يتكفف ويتحسس الجدران في مشيه، قال: تلتمس الجُدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيد، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئر في الدار، فوقعت فيها فكانت قبرها". [رواه مسلم: 1610].


قال النووي -رحمه الله-: "قال العلماء: هذا تصريح بأن الأراضين سبع طبقات، وهو موافق لقول الله -تعالى-: سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ [الطلاق: 12]. [شرح النووي على مسلم: 11/48].
وأما التطويق المذكور فيحتمل أن معناه أنه يحمل مثله من سبع أراضين، ويكلف بطاقة كذلك، ويحتمل أن يكون يُجعل له كالطوق في عنقه، كما قال : سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[آل عمران: 180].
وقيل: معناه أنه يطوق إثم ذلك ويلزمه كلزوم الطوق بعنقه" [شرح النووي على مسلم: 11/49]، لكن هذا الأخير بعيد؛ لأن الأصل حمل اللفظ على ظاهره، والحديث هذا يدل على تحريم الظلم، وتحريم الغصب وتغليظ عقوبته، وفيه إمكان غصب الأرض، ليس معنى الإمكان، يعني: الإباحة لكن هذا إذا فعله، هكذا سيحصل له يوم القيامة، والاحتمال الأول أظهر، ما هو الاحتمال الأول؟ أن يحمل مثله من سبع أراضين، ويُكلف أن يحمله ويُرغم على حمله، ولا بد له من ذلك.
وقد جاء أنه يُكلف بحملها إلى المحشر، الآن الناس سيخرجون من القبور، ويمشون إلى أرض المحشر، في مسافة في مشوار، ففي مسند أحمد عن يعلى بن مُرة الثقفي قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أخذ أرضاً بغير حقها، كُلف أن يحمل ترابها إلى المحشر [رواه أحمد: 17594 صححه الألباني في صحيح الترغيب: 1868].
قال المناوي: "جاء يوم القيامة يحمل الحصة المغصوبة إلى المحشر، ويُكلف نقل ما ظلم به إلى أرض المحشر". [فيض القدير: 3/103].
هل أتاكم أن هنالك خسفاً سيكون لبعض الناس يوم القيامة؟ قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: قال النبي ﷺ: من أخذ من الأرض شيئاً بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين [رواه البخاري: 2454].
يعني: الآخذ غصباً لتلك الأرض المغصوبة سيهوي بما غصبه إلى أسفل إلى سبع أراضين يوم القيامة، هذا عذاب غير النار قبل، هذا عذاب نفسي، وقلنا: أن العذاب النفسي يكون في كثير من الأحيان أشد من العذاب البدني.
فمن جملة من يقع لهم ذلك ما جاء عن أبي أُمامة أن النبي ﷺ قال: ما من رجل يلي عشرة فما فوق ذلك، إلا أتى الله مغلولاً يوم القيامة يده إلى عنقه فكه بره أو أوبقه إثمه، واحدة من الاثنين فكه بره أو أوبقه إثمه، أولها ملامة، ما هي؟ الإمارة، أولها ملامة، وأوسطها ندامة، وآخرها خزي يوم القيامة ، [رواه أحمد: 22354، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 349].


وعن عوف بن مالك أن رسول الله ﷺ قال: إن شئتم أنبأتكم عن الإمارة وما هي، قال عوف: فناديت بأعلى صوتي، وما هي يا رسول الله؟ قال: أولها ملامة، وثانيها ندامة، وثالثها عذاب يوم القيامة إلا من عدل، وكيف يعدل مع قريبه، قال المنذري: "رواه البزار [مسند البزار: 2756]، والطبراني في الكبير [132]، ورواته رواة الصحيح" [الترغيب والترهيب: 3286]، وحسنه الألباني [السلسلة الصحيحة: 1562].
تعليق المناوي على قول أن أول الإمارة ملامة والأوسط ندامة: "إشارة إلى من يتصدر للولاية، فالغالب كون غراً غير مجرب للأمور فينظر إلى ملاذها، فيجهد في طلبها، ثم إذا باشرها ولحقته تبعاتها، واستشعر بوخامة عاقبتها ندم"، هذا الذي يتطلب الإمارة، ويبحث عنها، ويبحث عن المناصب والأشياء ويركض ورائها، فإذا تسلمها وحصل عليها، بدأت تبعاتها، وفيها مسئولية، وثقل وأشياء، فبعد ذلك لما يُرهق يندم، "وآخرها خزي يوم القيامة لما يؤتى به في الأصفاد والأغلال، ويوقف على متن الصراط في أسوء حال". [فيض القدير: 5/481].

عقوبة مانع الزكاة

01:13:39

وهؤلاء الناس الذين لا يؤدون زكاة أموالهم سيعذبون بما منعوه يوم القيامة، وقد جاء في النصوص لهذا ألوان من العذاب:
أولاً: أن يُمثل لصاحب المال ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان فيطوق عنقه، فعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهﷺ: من آتاه الله مالاً فَلَمْ يُؤَدِّ زكاته مُثل له ماله يوم القيامة شجاعاً أقرع، شجاعاً الحي الذكر، أقرع سقط شعر رأسه من كثرة سمه.
الأقرع من الحيات قال القرطبي: "الذي ابيض رأسه من السم"، له زبيبتان نقطتان سودان فوق عيني الحية، وقيل: نابان يخرجان من فيه، يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بِلِهْزِمَتَيْهِ، الثعبان يأخذ بشدقي مانع الزكاة، ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك، ثم تلا: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ[آل عمران: 180] [البخاري: 1403].
قال ابن كثير: "لا يحسبن البخيل أن جمعه المال ينفعه، بل هو مضرة عليه في دينه، وربما كان في دنياه"، ثم أخبر بمآل أمره يوم القيامة، فقال: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [تفسير ابن كثير: 2/174].
ويقول: أنا مالك أنا كنزك، هذا فيه تعذيب الحسرة وتهكم، هذا سخرية استهزاء به، مثل قوله: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان: 49].
وهذا أيضاً: يقول له أنا مالك، أنا كنزك وهو يأخذ بشدقيه، وفُسر الشدقان بالعظمين الفائتين في اللحيين تحت الأذنين، تحت الأذن العظم، وقيل: هما لحم الخدين الذي يتحرك إذا أكل الإنسان، يعني: انظر مقدار يعض عليه الثعبان هذا من وجه الشخص، من جنبتي وجهه، قيل الشدقين، وقيل: تصل العضة إلى أقصى إلى جانب الوجه.


وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: من ترك كنزاً، والمال الذي لا تؤدى زكاته هو الكنز، قال: فإنه يُمثل له يوم القيامة شجاعاً أقرع يتبعه له زبيبتان فما زال يطلبه، يقول: من أنت؟ يقول: أنا كنزك الذي تركته بعدك، قال: فيلقمه يده، يعني: لا بد ما له مهرب، لا بد مانع الزكاة يخرج يده يضعها في فيّ هذا الثعبان ما في خيار، فيُلقمه يده فيقضمها، ثم يتبعه بسائر جسده، سبحان الله! كل الجسد. [رواه أحمد: 10349، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 759].
ومثله من يمنع مولاه، أو ذوي رحمه، أو يحرمهم من فضل ما عنده، عقوق، قال ﷺ: لا يأتي رجل مولاه يسأله من فضل عنده فيمنعه إياه إلا دعي له يوم القيامة شجاع أقرع يتلمظ فضله الذي منعه [رواه أحمد: 20032، وحسنه الألباني السلسلة الصحيحة: 2438].
إذاً: الإنسان مكلف بالإنفاق على عبيده ودوابه، غير الإنفاق على من يلوذ به من الزوجة والأولاد والوالدين إلى آخره، والمحتاج، وأهل الحاجة، وقال ﷺ: ما من ذي رحم يأتي ذا رحمه فيسأله فضلاً أعطاه الله إياه فيبخل عليه إلا أخرج الله له من جنهم حية يقال له شجاع يتلمظ فيطوق به، قال المنذري: "رواه الطبراني بإسناد جيد" [المعجم الأوسط: 5593، وصححه الألباني في صحيح الترغيب: 896].
والشجاع عرفناه، وقوله: يتلمظ يدير لسانه عليه ويتبع أثره، واللون الثاني من عذاب أهل البخل بعذابهم أن يؤتى بالمال نفسه الذي منع زكاته، فإن كان من الذهب والفضة جُعلت صفائح من نار ثم عذب بها، وإن كان حيواناً إبلاً وبقراً وغنماً عُذب بها، وقد قال تعالى: وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ۝ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34-35].
ماذا تفعل الذهب والفضة؟ صفائح من نار، تحول صفائح من نار، يكوى بها جنبه وجبينه وظهره، جاءه السائل من الأمام أعطاه الجنب، جاءه من الجنب أعطاه ظهره إعراض، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، صاحب الإبل بُطح لها بقاع قرقر مستوي أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلاً واحداً، تطؤه بأخفافها، وتعضه بأفواهها، كلما مر عليه أولاها رد عليه آخرها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إلا إلى الجنة وإما إلى النار [رواه مسلم: 987].
البقر والغنم أيضاً: تنطحه بقرونها تَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا أيضاً طيلة الوقت، تأتي أسمن ما كانت وأعظم ما كانت، ومن حقها أن تُحلب على الماء [رواه البخاري: 1402].
لأن المساكين يأتون إلى الماء ينتظرون أصحاب الإبل أصحاب الغنم يأتون فيشربون من الحليب فإذا منعوهم ومن حقها حلبها يوم وردها.

عقوبات من جنس المعاصي

01:20:17

هكذا ستكون هذه الألوان من العذاب ومن ضمنها طبعاً القصاص اللطمة باللطمة، ومن قذف مملوكة كان لله في ظهره حد يوم القيامة أقام عليه الحد يوم القيامة، من قذف مملوكاً وهو بريء جُلد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال، من ضرب مملوكه سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة، من انتفى من ولده ليفضحه في الدنيا فضحه الله يوم القيامة على رؤوس الأشهاد قصاص بقصاص، إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشد الناس عذاباً للناس في الدنيا، الذين يعذبون، من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة [رواه الترمذي: 1283، وحسنه الألباني صحيح الترغيب: 1796].
من فرق بين الولد ووالده في البيع فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة، من أكل برجل مسلم أكلة فإن الله يطعمه مثلها من جنهم، ومن كُسي ثوباً برجل مسلم فإن الله يكسوه مثله من جهنم، ومن قام برجل مقام سمعة ورياء فإن الله يقوم به مقام سمعة ورياء [رواه أبو داود:4883، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 34]، برجل مسلم يعني باغتيابه والوقيعة فيه والتعرض له بالأذية، وهكذا إذا أهان مسلماً كُسي ثوباً برجل مسلم بسبب إهانته، الرجل يكون صديقاً ثم يذهب إلى عدوه فيتكلم فيه بغير الجميل ليجيزه عليه بجائزة، هذا الغدر من الظهر، هذا الطعن من الخلف، والمرائي يريد في الدنيا الشهرة والسمعة، ويوم القيامة يحقره الله ويفضحه ويصغره ، ويجعله للناس مضحكة، وينظرون إليه تحقيراً له.
وأخيراً فإن هناك ملابس للعذاب والمذلة، مثل: النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب [رواه مسلم: 934].
من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة ثم ألهب فيه ناراً [رواه ابن ماجه: 3607، وحسنه الألباني صحيح الترغيب: 2089].
وهؤلاء اليوم بعضهم يلبسون الثياب ليلفتون الأنظار، يلبسون الغريب والعجيب، يلبسون ما يريدون به التعزز والترفع على الناس، وحتى يرفع الناس إليهم أبصارهم، يريدون أن يتميزوا بالشيء الغريب بين الناس، شهرة يريدون شهرة، فتكون العاقبة ما هي؟ مذلة.
القوم الذين يجلسون مجلساً لا يصلون على النبي ﷺ سيكون عليهم حسرة وندامة، يجلسون مجلساً لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة [رواه أبو داود: 4857، وصححه الألباني: السلسلة الصحيحة: 77].
نسأل الله أن ينجينا يوم الدين، وأن يعافينا من أنواع المعاصي، ونسأله أن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.