الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص الحديث التاسع
هو حديث جليل قدسي يرويه نبينا ﷺ عن ربنا : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرما؛ فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته؛ فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته؛ فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا؛ فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعني فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد يعني منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني -كل واحد يسأل كل ما لديه- فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يعني لو غمست إبرة في البحر وأخرجتها كم نقص البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه [رواه مسلم: 2577].
شرح الحديث التاسع
هذه ألفاظ الحديث، هذا واضح يعني تقع في النفس موقعا عظيما، يعني -سبحان الله- الوحي يعرف، ألفاظ الوحي تستطيع أن تميز بينها وبين كلام الناس العادي، يعني مثل هذا من يأتي بمثله؟
هذا حديث قدسي، وليس بقرآن، القرآن أعلى وأجل وأبلغ ومعجز.
الحديث هذا رواه مسلم، حديث عظيم جليل شريف القدر، دال على عظمة ربنا ، كان أبو إدريس الخولاني من كبار السلف -رحمه الله- إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه.
الحديث هذا رواته إسناده شاميون.
نحن نعرف أن الصحابة انتشروا في الأمصار ففي صحابة راحوا على الشام، وفي صحابة راحوا إلى مصر، وفي صحابة راحوا إلى العراق، وهكذا.. هذا الحديث شامي، يعني انتشر من الصحابي الذي بالشام، هناك حدث به وانتشر عنه، فرواته كلهم شاميون، ولذلك قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "ليس لأهل الشام حديث أشرف من هذا الحديث"، أو قال هو أشرف حديث لأهل الشام، يعني أهل الشام رووا أحاديث يعني طلبة العلم الذين بالشام المحدثون، رووا تابعوهم رووا عن الصحابة، وتابعو التابعين رووا عن التابعين، وتابع تابع التابعي روى عن تابع التابعي، وهكذا.. هذا الحديث شامي، قالوا: رواته من أهل دمشق، فهو مسلسل بالدمشقيين، هذا الحديث إسناده مسلسل بالدماشقة، كما ذكر النووي -رحمه الله- في كتابه "الأذكار"، وكذلك ابن رجب في "جامع العلوم والحكم".
لكن الحديث حديث جليل، يعني فقرات الحديث فيها تصيب يعني قلب المؤمن هيبة رب العالمين.
تنزيه الله عن الظلم
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي بدء الحديث بتحريم الظلم، والظلم محال في حقه -سبحانه-، لقد حرمه على نفسه.
الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، الله نفى الظلم عن نفسه في آيات كثيرة، ومنها: وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس: 44]، وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف: 49]، وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ [الزخرف: 76]، إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ [النساء: 40]، وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ [غافر: 31]، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [فصلت: 46]، وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ [ق: 29].
فأخبر تعالى عن تحريم الظلم على نفسه، ونفى عن نفسه فعل الظلم، وإرادة الظلم؛ كما ذكر ابن القيم في "مفتاح دار السعادة" قال ابن القيم: "قد اتفق أهل الأرض والسماوات على أن الله -تعالى- عدل لا يظلم أحدا، حتى أعداءه -لا يظلمهم، حتى لو فعلوا أفعالا خيرية، وهم على كفر وشرك، ولن يعطيهم شيئا يوم القيامة، من عدله: أنه يعطيهم في الدنيا صحة ومالا وشهرة، وأولادا، في الآخرة ليس لهم عند الله من خلاق ولا نصيب- المشركين الجاحدين لصفات كماله، فإنهم مقرون له بالعدل ومنزهون له عن الظلم، حتى إنهم ليدخلون النار وهم معترفون بعدله، -يكونون على قناعة كاملة باستحقاقهم لدخولهم النار، ما في أحد يدخل النار يوم القيامة إلا وهو مقتنع تماما باستحقاقه لدخول النار- كما قال تعالى: فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ [الملك: 11] ، وقال تعالى: يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأنعام: 130]" [مختصر الصواعق] يعترفون يوم القيامة اعترافا كاملا، ما في واحد يقول: لا.
طبعا في البداية في محاولات، في النهاية اعترافات، في البداية الكفار يوم القيامة يحاولون يجادلون بعدين خلاص يستسلمون: بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [الصافات: 26]، فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ [الملك: 11]، قَالُوا بَلَى [الملك: 9]، يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا [الأنبياء: 97]، وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ [الأعراف: 37].
والله خلق السماوات والأرض بالحق وبالعدل، قال: وَالسَّمَاء رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ * وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ [الرحمن: 7-9].
إذن، خلق السماوات والأرض بالعدل، وأراد أن يقوم العدل، وإن الله يأمر بالعدل والإحسان، وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً [الأنعام: 115] صدقا في أخباره، وعدلا في أحكامه، والله يقضي بالحق، ويوم القيامة يفصل بينهم بالعدل: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47].
لما حرم تعالى الظلم على نفسه حرمه بين عباده، قال: وجعلته بينكم محرما فلا تظَالموا أو تظّالموا يعني لا تتظالموا، يعني لا يظلم بعضكم بعضا، وهذا توكيد لقوله: وجعلته بينكم محرما وزيادة تغليظ في تحريمه؛ كما ذكر النووي في "شرح مسلم"، فحرام على كل عبد أن يظلم غيره.
والظلم نوعان: ظلم العبد لنفسه، وظلم العبد لغيره، ظلم العبد لنفسه بما يوردها من الذنوب والمعاصي وعلى رأسها الشرك: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13]، يجعل المخلوق مكان الخالق، أي ظلم أعظم من هذا؟ ما قلنا إن الظلم وضع الأشياء في غير مواضعها، فكيف يكون الشرك ظلما؟
لأن المشرك يضع المخلوق مكان الخالق، ويعطي المخلوق حق الخالق، أو شيئا من حق الخالق، فهذا وجه كون الشرك ظلما، من الناحية اللغوية الظلم وضع الشيء في غير موضعه.
والظلم الثاني: ظلم العبد لغيره، وهذا المذكور في هذا الحديث، وفي الحديث الآخر: الظلم ظلمات يوم القيامة [رواه البخاري: 2447، ومسلم: 2579]، وحديث: من كانت له مظلمة لأخيه [رواه البخاري: 2449] المقصود به ظلم الغير.
الافتقار إلى الله
ثم قال: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم أمرنا أن نطلب منه أمرين دينين، وأمرين دنيويين.
فما هو الدينيان؟
طلب الهداية، والثاني: طلب المغفرة.
والأمران الدنيويان: طلب الطعام، وطلب الكسوة.
إذن، فيها تعليم العباد وأمر العباد بسؤال الله اللجوء إلى الله، سؤال الله الحاجات الدينية والدنيوية فاستهدوني فاستغفروني ، وكذلك: فاستطعموني فاستكسوني ، هذه يعني التي تفلت النظر، يا ابن آدم اسأل ربك حاجاتك الدينية والدنيوية، اسأل ربك، ألح على الله، اطلب، الجأ إليه، أنزل حاجتك به إذا سألت فاسأل الله [رواه أحمد: 2763، وقال محققو المسند: "حديث صحيح"] هذا توحيد.
وقد جاء في لفظ آخر: يا بني آدم كلكم كان ضالا إلا من هديت، وكلكم كان عاريا إلا من كسوت، وكلكم كان جائعا إلا من أطعمت، وكلكم كان ظمآنا إلا من سقيت، فاستهدوني أهدكم، واستكسوني أكسكم، واستطعموني أطعمكم، واستسقوني أسقكم [رواه أحمد: 21420، وصححه محققو المسند].
إذن، الخلق مفتقرون إلى الله، إذن العباد لا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، إذن الطعام والكسوة يحتاجونه، السقاية يحتاجونها، وكذلك يحتاجون المغفرة، ويحتاجون الهداية: وَمَن يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ [الإسراء: 97]، مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر: 2]، فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت: 17]، رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف: 23].
ماذا فعل إبراهيم ؟
انظر إلى تطبيق إبراهيم للحديث: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين ِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِين * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء: 77-82] فخزائن الأشياء عنده: وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ [الحجر: 21].
فهو يهدي ويضل، ويغفر ويعذب، ويرحم ويعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يوسع في الرزق ويضيق، يطعم ويحرم، ولذلك لا بد من اللجوء إليه، الأمور عنده وهي بيده.
زد على ذلك أن الله يحب من الناس أن يسألوه، الله يحب المسألة؛ لأن فيها توحيد؛ لماذا؟
أولا: أنت تسأله معناها أنت تعتقد أنه يقدر على أن يجيبك، ويقدر على أن يعطيك سؤلك مهما كان.
ثانيا: أن اللجوء إلى الله هذا فيه افتقار، فيه إظهار حاجة، فيه إظهار المذلة، الله يحب هذا، جاء في الحديث: ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأل شسع نعله إذا انقطع [رواه الترمذي: 3604، وضعفه بعضهم].
لكن المقصود يسأل الله كل شيء حتى شسع النعل.
كان بعض السلف يسأل الله كل حوائجه حتى ملح عجينه، وعلف شاته.
اسأل الله كل شيء، ما تقول لا ما يليق بالله أن أسأله وجبة طعام، لا كيف اسأل، لا تنظر إلى الشيء الذي تسأله أنت هي وجبة طعام، انظر إلى ذات السؤال: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ [القصص: 24].
سؤال الله الهداية
قضية الهداية من الله فاستهدوني أهدكم .
اللهم لولا أنت ما اهتدينا | ولا تصدقنا ولا صلينا |
ونحن نحتاج إلى الهداية أعظم من حاجتنا إلى الطعام والشراب.
والهداية للصراط المستقيم نسألها يوميا مرات كثيرة.
و اهدنا لأحسن الأخلاق ، و اللهم إني أسألك الهدى والتقى .
الهدى تشمل العلم النافع، الصراط المستقيم طريق الحق.
اهدنا للأخلاق الفاضلة.
أما الطعام بجميع أنواعه كل شيء غذاء فاكهة دواء كل مطعوم.
اللباس: كلكم عار إلا من كسوته ، وهذه الكسوة زينة أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا [الأعراف: 26]. استكسوني اسألوني الكسوة، الكساء الجميل الظاهر، والكساء الباطن الأجمل: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف: 26].
يا عبادي إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم والاستغفار طلب المغفرة من الله.
لاحظ أنه قال: إنكم تخطؤون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم معناها مهما بلغت ذنوبكم بالليل وبالنهار ومتواصلة لا تيأسوا من طلب المغفرة أغفر لكم حتى لو ملأتم الليل والنهار ذنوبا: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ [التوبة: 104]، وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طـه: 82]، والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم [رواه أحمد: 13493، وقال محققو المسند: "صحيح لغيره"].
تأمل كيف قال الذنوب وأنا أغفر الذنوب جميعا الألف واللام تفيد الاستغراق، ولاحظ جميعا يعني إذا سألت الله بصدق المغفرة ما هو يقتصر المغفرة ربعها ونصفها وثلثها جميعا، وأنا أغفر الذنوب جميعا حط أملك فيها، والله يستر على المذنبين والعصاة.
والرواية فيها طلب أمرين دينيين: الهداية والمغفرة، وأمرين دنيويين: استطعموني واستكسوني ، وفيها أن الهداية لا تطلب إلا من الله، وأن الله إذا هدى أحدا فلا يضل.
وقد عرفنا: ماذا يسأل المصلي ربه: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ [الفاتحة: 6]، ويكرر ذلك، ولو أن الله هداه فتكون: اهدني، ثبتني على الهداية، وأسألك المزيد منها.
لو قال واحد طيب: وإذا كان اهتدينا أيش فائدة نسأل: اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ ؟ طيب وإذا اهتدينا؟
نقول:
أولا: لا تأمن على نفسك ولا تغتر، وبعض من اهتدى ضل.
ثانيا: نريد المزيد من الهداية.
ثالثا: نريد الثبات عليها.
فالهداية طلب الهداية أن الله يهديك.
ثم لاحظ أن الشيء الذي يهتدى إليه ليس أمرا واحدا، يعني اهدنا إلى طريق الحق في الدين، يعني اجعلنا موحدين، لا تجعلنا مشركين، اجعلنا من الذين يعرفونك، ولا تجعلنا من الملاحدة، اجعلنا من أهل الإسلام، اجعلنا من أهل السنة، لا تجعلنا من أهل البدعة، هذه هداية اجعلنا من أهل الطاعة لا تجعلنا من أهل المعصية، ممكن واحد يكون موحدا، لكنه عاص، صاحب كبائر، يريد الهداية أيضًا، ففي هداية تتعلق بأمور التوحيد، وفي هداية تتعلق بأمور الأحكام الشرعية، يعني الآن في ناس ما اهتدوا إلى الحق في مسائل تتعلق بالفقه الحلال والحرام، فيظنه مباحا وهو محرم، ويظنه واجبا وهو مستحبا، أو العكس، مثلا، اهدنا لأعمال القلوب الآن خلاص نحن الآن كملنا النصاب في الرجاء والخوف والمحبة والإخلاص والحياء والصدق والتوكل كلها كملناها خلاص ما نحتاج إلى المزيد من الهداية فيها؟ في الأخلاق في الآداب في الفقه والحلال والحرام.
إذن، الهداية أبواب فلما نقول: اهدنا، هداية بعد هداية، وزدنا هداية، وزدنا علما وتوفيقا، وهدى.
طيب كل أحد مضطر إلى هداية ربه في جميع أحواله، وقلنا مثلا من الهداية: الهداية للأخلاق اهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت كما جاء في [رواية مسلم: 771].
والنبي ﷺ علم أصحابه الدعاء بأربع تجمع خيري الدنيا والآخرة، فقال للصحابي علمه قل: اللهم إني أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى [رواه مسلم: 2721] الغنى: الاستغناء عن الخلق، ما هو يعني لازم الواحد يصير من أصحاب الملايين، الغني من استغنى عن غيره، خلاص لو عنده كفاف، المهم عنده ما يكفيه ما يضطر يمد يده لأحد، عنده ما يكفيه هذا اسمه غني، من استغنى عن غيره، والغنى الحقيقي غنى القلب، ممن الواحد يكون عنده ملايين الملايين هلوع وطماع، ويبحث عن مزيد ويلهث وراء الدنيا، ولا كأنه عنده شيء، الغنى هذا الغنى غنى القلب أسألك الهدى، والتقى، والعفاف، والغنى [رواه مسلم: 2721].
فإذن، الهدى هذا فيه صلاح القلب، والعفاف فيه التعفف عن الحرام، واستعفاف عن سؤال الناس، وتتم كذلك بهذه الأشياء القناعة بما أتاه الله.
سؤال الله الطعام والكساء
ثم الحديث فيه: يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته بأنواع الرزق المختلفة، فاستطعموني اطلبوا الرزق مني، لا يستنكف حي، ولا ذو كثرة أن يستطعمني، فلو قال واحد: هل هذا الحديث يشمل الأغنياء الذي عندهم أكوام الأطعمة مكدسة في مخازنهم وثلاجاتهم ومستودعاتهم ومطابخهم مكدسة؟ هل يشملهم حديث فاستطعموني ؟
نعم، اطلبوا الرزق مني، ممكن في ليلة تخسر كل شيء، ممكن يحترق كل شيء، ينهب كل شيء في ليلة، في ناس كذا أمسوا أغنياء أصبحوا فقراء، في الواقع الذي نعيش فيه، في الشام في العراق في اليمن، في ناس كذا فجأة بين يوم وليلة.
إذن، استطعموني، وفي ناس عندهم أطعمة ولا يستطيعون أن يأكلوها، عنده علة في صحته تمنع الأكل، فاستطعموني أطعمكم لاحظ بلاغة العملية فقط، ما هو بتوفير الأكل، بس حتى أن يطعم هذا الأكل.
وكذلك فيه توجيه للفقراء أن يطلبوا الطعام من الله، فيجعل الأغنياء وغيرهم سببا، ما يعلق الفقير قلبه بغني، يعلقه بالله، فالله يسوق إليه الطعام، اللباس، المال، يسوق إليه النقد، قد يكون عن طريق غني أو غيره، قد يجي واحد يعطيه، وقد يرثه إرثا، وقد يمن الله عليه بشراكة، أو بعمل يشتغل فيه بعرق جبينه، ما فيه منة من أحد، أو يزرع زرعا.
المهم الرزق له أسباب فاستطعموني أطعمكم .
يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته الكل محتاج إلى ستر عورته والتنعم بأنواع اللباس والزينة، ثم لا ننسى لباس التقوى، وهو خير لباس: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ [الأعراف: 26].
فلما تطلب من الله الكساء استكسوني اطلب جميع أنواع الكساء.
سؤال الله المغفرة
وقوله: يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم الاستغفار طلب المغفرة، والعبد أحوج شيء إلى ذلك؛ لأنه يخطئ بالليل والنهار، لكن الله لم يؤيسنا، قال: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر: 53]، وقال: وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ [آل عمران: 133]، وقال: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طـه: 82].
النبي ﷺ مع أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، لكن عمل بهذا الحديث استغفروني أغفر لكم عمل به في المجلس الواحد، وقال: والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة [رواه البخاري: 6307]، وفي رواية: مائة مرة قال: وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة [رواه مسلم: 2702].
هذا الاستغفار، يعني طلب المغفرة نوع عظيم من التعبد لدرجة أن العباد لو استغنوا عن الله يستغني عنهم، ويأتي بغيرهم فيستغفرون، يعني الله يحب هذا، يحب من العباد أن يطلبوا منه المغفرة، ويحب العبد يقول: اغفر لي، اغفر لي، اغفر لي، قد علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، قال في الحديث: والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تبلغ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم، والذي نفس محمد بيده لو لم تخطؤوا لو كنتم نوعا لا يخطئ لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم حتى يجري ويمضي اسمه الغفار، وإلا لو ما كان يغفر لأحد فكيف يعمل اسمه في الواقع، الغفار كيف ينطبق؟ كيف ينطبق اسم الغفار؟ ولذلك قال: لو لم تخطئوا لجاء الله بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم إلى هذه الدرجة، يعني محبة الله للاستغفار إلى هذه الدرجة أنه لو العباد هؤلاء ما يخطئون لخلق الله قوما خصيصا لكي يخطئوا ويستغفروا ليغفر لهم، الله يحب أن العباد يستغفروه، وهو يحب أن يغفر -سبحانه-، يحب أن يتجاوز ويمحو الذنب ويستر -سبحانه-، لو بلغت ذنوبك عنان السماء يا ابن آدم عنان السماء، والعنان هو: السحاب، ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم أنك لو أتيتني بقراب إنك لو أتيتني بقراب الأرض، قراب يعني ما يقارب الأرض مثل الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها، بملئها، بمثلها مغفرة [رواه الترمذي: 3540، وهو حديث حسن].
فالله غفور رحيم وكريم.
افتقار العباد إلى الله
وقوله تعالى: يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني فيه بيان غنى الله عن خلقه، وأنهم لن يضروه شيئا، وأنه غني حميد، وأن بيده مقاليد الأمور، وأنه يسير الأقدار كيف يشاء، ويخلق ذلك، ثم يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا فالله لا يزيد ما عنده بطاعة خلقه له، ولو كان كلهم بررة أتقياء، على أتقى قلب رجل واحد منهم، كما لا ينقص من ملكه معصية العاصين، ولو كانوا كلهم فجرة على أفجر قلب واحد منهم، فهو الغني بذاته، وله الكمال المطلق، ملكه كامل لا نقص فيه، لا يضر أحد، ولا أحد يزيد الله شيئا، ولا أحد ينقص مما عند الله شيء، هذه المعاني في العظمة الإلهية ينبغي أن تستقر في نفوسنا، بل من أسباب لجوء المخلوق إلى الخالق، ومن أسباب توجه المخلوق إلى الخالق، ومن أسباب عكوفه على ربه هذه المعاني، فهو يرى عظمة الله يعني يشعر بذلك، ويؤمن بذلك فيتجه إليه يعلم أنه يغفر يطعم يكسو؛ فيستغفر يسأل يدعو، ولما العبد يعلم أن الله مستغني عن عبادة العباد، فيعرف أن العبادة التي يعبدها لمصلحته هو، لا لشيء ينتفع به ربه: لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا [الحـج: 37] ليستفيد العبد، الله ما هو مستفيد من طاعتنا أبدا، وإنما نعبد لمصلحتنا نحن، ولذلك ما في معنى المنة، يعني أني أنا أمن عليك بعبادتك، فهو يقول أنا مستغن عنك، وعن عبادتك، تمن على الله بأيش؟ فتذهب قضية المنة هذه: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا [الحجرات: 17] هذا في سلوك بعض البشر، بعض البشر عندهم هذا المعنى يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات: 17]، وكذلك تصبح العبادة يعني فيها معنى الافتقار، يعني أنا أعبد مفتقر، أنا بحاجة إليه، أنا أعبده لحاجتي، أنا محتاج إلى هذه العبادة، وليس هو محتاج إلي، أنا ما أعبد عبادة المستغني؛ لأن بعض الناس يعبد كذا كأنه يعني يؤدي خدمة، تخدم من؟ الله مستغني عنك وعن خدمتك، فيصحح العبادة، ويصحح سلوك الإنسان في العبادة، إذا استقامت في نفسه هذه المعاني.
وأيضًا لما الواحد يستشعر عظمة الله يقبل على الله بالسؤال؛ لأنه يعني هو الآن أمام العظيم لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر .
فالواحد لما يستقر عنده هذا المعنى ما يستكثر على الله شيء في الدعاء، لما يستقر عنده هذا المعنى ما يقول لا يمكن يعطيني هذه، وما يعطيني هذه، يعني أسأله عشرة أشياء كثير، يمكن ما يعطيني كلها، هو يقول لك: لو اجتمع العباد كلهم في ساحة واحدة وسألوا الله، وأعطى كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عنده إلا كما ينقص الإبرة إذا دخلت البحر وطلعت، أيش نقصت من البحر؟ وهذا مثال للتقريب وإلا ما ينقص إذا كانت ابتلت قليلا جدا جدا، يعني نقص البحر قليل جدا جدا، الله ما ينقص من عنده شيء أبدا إطلاقا؛ لأن المثل للتقريب فقط، ما هو مطابقة.
وجاء في الحديث: يد الله ملأى لا يغيضها نفقة أيش يعني لا يغيضها لا ينقصها، يعني مهما أعطى يعني أعطى هذا مزارع، وأعطى هذا العبيد والإماء، وأعطى هذا زوجات وأولادا، وأعطى هذا قصورا، وأعطى هذا مراكب، وأعطى هذا ذهبا وفضة، ودنانير ودراهم، وأعطى هذا غنما وبقرا وإبلا، وأعطى.. وأعطى كل البشر، ما ينقص شيء، أنت لما تروح واحد من أهل الدنيا تسأله تقول: ليس معقولا يعني يا أخي، ولذلك يأتيك واحد يقول: يا ابن الحلال خل طلبك منطقيا، خل طلبك واقعيا، خليك عمليا، لا تقل: أعطني كل هذه، خلاص بس الثلاثة الأولى، هذه أيش تبغى تأخذ فلوسه وتنبهه ما يعطيك شيء، الله ما في، اطلب كل شيء، رح اطلب ماذا تريد، بيتا ولدا زوجة، وظيفة، ثروة، مركبا أثاث، ملابس، اطلب كل شيء، وما في حد، يعني ما في سقف للمطالب، مفاوضات الدنيا، في الدنيا تحط سقف المطالب، لما تقدم وظيفة لشركة أطمح أن يكون راتبي، ما راح تحط لهم ثلاثمائة ألف، أنت تبغى عشرة، عشرين، خمسة عشر، حط خمسة عشر، ينزل لعشرة، يعني في سقف مطالب، في سؤال الله ما في سقف مطالب، ما دام السؤال صحيحا، ما دام أنت لا تعتدي في الدعاء، لا تقول: اللهم اجعلني نبيا! خلاص انقطعت النبوة، وانتهينا، محمد ﷺ، هو خاتم الأنبياء، لكن تسأل الله مزرعة وقصرا وزوجات وأولادا ولباسا وأطعمة وصحة وعافية ومراكب ووظيفة، اسأل، أنت خسران أيش؟ ولا يهولنك شيء، لا يهولنك شيء، هو هذه أثر دراسة هذه الأحاديث، أحاديث العظمة الإلهية، إذا درست بشكل صحيح يتغير سلوكنا وعبادتنا ومطالبنا، وكلامتنا، كل شيء يتغير، خلاص تبعا لذلك يد الله ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار يعني دائمة العطاء، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ يعني سواء أعطى ذا القرنين وإلا فرعون وقارون، يعني سواء أعطى المسلم والكافر، هو أعطاهم كلهم: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي [الزخرف: 51]، وذو القرنين: وَآتَيْنَاهُ مِن كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا [الكهف: 84] فسواء المسلم والكافر، يقول: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغض ما في يده [رواه البخاري: 7411، ومسلم: 993]، ولذلك قال ﷺ: إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت يعني بعض الناس يسأل على استحياء يقول يمكن ما يعطيني، يمكن نصف، يمكن ربع، اللي يعطيني يعني يسأل وهو يعني غير واثق إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، ولكن ليعزم المسألة، وليعظم الرغبة -كما في الحديث- فإن الله لا يتعاظمه شيء أعطاه [رواه مسلم: 2679] لو رحت إلى عظماء الدنيا تقول مثلا: أعطيني ترليون؟ يقول: أيش يمكن يغص فيها بالكلمة، يعني تتعاظمهم المطالب، لو تقول: أعطني وأعطني أعطني بيتا وسيارة ومليون، يعني يقول: خلك منطقيا، خلك واقعيا، أيش تبغى حدد مطالبك؟ انزل؟ نزل شوي؟ نعطيك ثنتين والثلاثة؟ لا، والله لا يتعاظمه شيء، لو فرض أنه شرب عصفور من البحر، يعني أيش ينقص من البحر، الله ما ينقص مما عنده شيء البتة أبدا: مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ [النحل: 96].
قال ﷺ: يد الله ملأى، لا يغيضها نفقة [رواه البخاري: 7411] يعني لا ينقصها نفقة، النقص يدخل على المحدود الفاني، لكن الباقي الغني ما يدخل عليه نقص، ما يدخل عليه نقص.
شف لاحظ المثل لما ضرب بالبحر المخيط إذا أدخل البحر، البحر بحر، يعني مقصود طبعا ضرب المثل للتقريب للأفهام؛ لأن البحر من أعظم المرئيات في الدنيا، لو تجي لواحد تقول له: هات شيئا دنيويا عظيما، يعني في الدنيا، هات في الأرض أكبر حاجة تعرفها في الأرض إيش هي؟ البحر، المحيطات، هذه ثلاثة أرباع العالم البحار، ثم في شيء يعني طبعا الإبرة لماذا اختيرت الإبرة في ضرب المثل؟ لأنها صقيلة، ما يعلق فيها، لا يكاد يعلق فيها شيء، لماذا اختار المخيط؟ يعني لماذا اختار البحر واختار المخيط؟
لأن البحر يمكن أكبر شيء في الأرض، يعني نعرفه أكبر مخلوق موجود في الأرض البحر، والمخيط صقيل جدا، إذا غمسته في البحر وطلعته أيش راح ينقصه، فهذا مقصود، يعني مقصود البحر والمخيط مقصودة لضرب المثل، حتى الواحد تصل الفكرة بجلاء ووضوح ما ينقص ما عند الله شيء، ثم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، يعني ماذا سينقص إذا كان أمره يخلق ما يشاء بالكلمة: كن، فإيش راح ينقص سيزيد، فإذا كان هذا عطاؤه وملكه، فلما تسأل الفقير العاجز؟ اسأل الغني الكريم، هذا درس آخر يعني من الدروس كلها أن لا يتعاظمك شيء عند سؤال ربك.
ثانيا: أنك تتوجه بالسؤال له لا إلى الفقير المخلوق مثلك.
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها أحصيها الله، يعني أسماء لله بمعنى الإحصاء: المحيط، الحفيظ، الحسيب، الرقيب الشهيد: لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا [مريم: 94].
إحصاء الله لأعمال العباد
يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيرا فليحمد الله ؛ لأن الخير منه، إيش العلاقة بين من وجد خيرا فليحمد الله؟ لأن الخير منه سبحانه، الشر سببه ابن آدم، كله من الله، لكن الشر مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء: 79] ، هو كله من عند الله، لكن الشر الإنسان له سبب في الموضوع، هو تسبب فيه من اتباعه لهواه: ما أصابك من سيئة فمن نفسك، "لا يرجو عبد إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه"، في الدنيا نحن مأمورين باتباع شرعه، وإذا صار يعني شيء من السوء نلوم أنفسنا، نرجع إليها باللوم، في الآخرة من وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه وما ينفع اللوم يومئذ، فهم يلومون أنفسهم، لكن لا ينفع اللوم، فكأنه يقول: إذا أردت لوما ينفع فالآن في الدنيا، النفس اللوامة هذه تلوم نفسها على الشر، فتتوب، تلوم على ما يحصل منها من السوء فتؤب، هذا اللوم الذي ينفع، أما في الآخرة خلاص فات الأوان.