الخميس 20 جمادى الأولى 1446 هـ :: 21 نوفمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

14- شرح حديث (الْعِزُّ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ..)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

نص الحديث الرابع عشر

00:00:08

قال ﷺ: العز إزاره، والكبرياء رداؤه؛ فمن ينازعني عذبته [رواه مسلم: 2620].

وفي رواية: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري  [رواه أبو داود: 4090، وابن ماجه: 417، وأحمد: 7382].

وفي رواية: والعزة إزاري؛ فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في النار  [رواه أبو داود: 4090، وأحمد: 7382، وصححه ابن حبان].

شرح الحديث الرابع عشر

00:00:44

فالله عظيم له صفات العظمة والعزة والكبرياء؛ كما قال تعالى: وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية: 37]، وقال: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ  [الرعد: 9].

وقال: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ  [الحشر: 23].

وفي الحديث: وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبر على وجهه في جنة عدن  [رواه البخاري: 4878، ومسلم: 180].

فوصف الله -تعالى- نفسه بما وصف هذا، ومن ذلك: أن العز أو العظمة إزاره، والكبرياء رداؤه، وهذه من صفاته نثبتها له -سبحانه-، ونؤمن بها كما جاءت من غير تشبيه ولا تمثيل، ولا تكييف ولا تعطيل، يعني: ولا تكييف نكيفه من عندنا، هناك كيف لكن لا يعلمه إلا هو، وليس معنى الحديث: أن لله إزارا ورداء من جنس ما يلبسه الناس -تعالى الله-، الناس يلبسون من جلود الأنعام ومن القطن والصوف والكتان، بل نص الحديث ينفي هذا المعنى الفاسد؛ لأنه قال:  العظمة والكبرياء ، فرداء الله ليس كرداء البشر، وإزار الله ليس كإزار البشر، فالبشر هذه الأقمشة وهذه المصنوعات، والله رداؤه وإزره العزة والكبرياء أو العظمة والكبرياء، وقد أشار إلى هذا المعنى شيخ الإسلام ابن تيمة -رحمه الله- في "بيان تلبيس الجهمية".

قال في الحديث: فمن ينازعني عذبته  والكبرياء: العظمة والجلال والمجد، ومن أسمائه -سبحانه- المتكبر، ما يليق بالله لا يليق بالمخلوق في الكبر، الله  من أسمائه المتكبر،  وَلَهُ ‌الْكِبْرِيَاءُ ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الجاثية: 37]، وهذا الذي جاء في ردائه أنه الكبرياء، فلا يليق بالمخلوق أنه يكون متكبرا، وإذا كان متكبرا كان مذموما.

أما الله فمن كماله: أنه المتكبر، والذي يليق به الكبر هو الله، وليس المخلوق، المخلوق إذا تكبر يتكبر بغير الحق، أما الذي له الكبرياء الحق الله .

وقد قيل في معنى المتكبر: له الكبرياء، العظيم ذو الكبرياء، وقيل: المتعالي عن صفات الخلق، وقيل: المنزه عن السوء والنقائص والعيوب، هذا معنى المتكبر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والعظمة والكبرياء من خصائص الربوبية، والكبرياء أعلى من العظمة، ولهذا جعلها بمنزلة الرداء، كما جعل العظمة بمنزلة الإزار".

قال: "ولهذا كان شعار الصلاة والأذان والأعياد هو التكبير، وكان مستحبا في الأماكن العالية كالصفا والمروة، وإذا علا الإنسان شرفًا -يعني مثلا في طريق السفر صعد جبلا أو مرتفعا من الأرض أو أقلعت الطائرة به- قال شيخ الإسلام: أو علا الإنسان شرفا، أو ركب دابة، ونحو ذلك، وعند الأذان يهرب الشيطان" [العبودية، لابن تيمية، ص: 99- 100].

وقال أيضًا: "التكبير مشروع في المواضع الكبار؛ ليبين أن الله أكبر، وتستولي كبرياؤه في القلوب، على كبرياء تلك الأمور الكبار" يعني: لو أنت رأيت مثلا جيشا عظيما، فقلت: الله أكبر، تذكر نفسك أن الله أكبر من هذا الجحفل، وهذا الجيش العرمرم، ولو رأيت  ما رأيت من هذه الأسلحة الفتاكة والجبارة، وحاملة الطائرات والصواريخ العظيمة، فتذكر نفسك أن الله أكبر من كل هذه، حتى ما تستولي على قلبك كبر هذه الأشياء، وإنما يستولي عليه الله ، صفة الكبر لله -عز وجل-، وأنه أكبر، وأنه الكبير المتعال سبحانه على خلقه، قال شيخ الإسلام: "وتستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار، فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبرين، فيحصل لهم مقصودان، مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله -يعني قلوبهم تكبر- ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه" [مجموع الفتاوى: 24/229].

فالكبرياء لله وحده، ولهذا كان من عقاب الله -تعالى- للمتكبرين -كما مر معنا- أن الله يحشرهم يوم القيامة في صورة مهينة ذليلة، كما قال: يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر -كالنمل الصغار في الحجم- على صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان [رواه الترمذي: 2492، والبخاري في الأدب المفرد: 557، وهو حديث حسن].