الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله الذي أنزل علينا الكتاب، وعلمنا ما لم نكن نعلم، وهو ذو الفضل العظيم.
الحمد لله الذي قال معلماً لعباده: وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا[طـه: 114].
مقدمة
أيها الإخوة: إن موضوعاً كموضوع: "كيف تسأل أهل العلم؟" أو "آداب المستفتي" من الموضوعات المهمة التي يحتاج إليها المسلم دائماً؛ لأن المسلم لا بد أن يتعرض في حياته لمواقف كثيرة يحتاج إلى السؤال عنها، وإلى حوادث وحالات لا يعلم حكمها، ولا بد امتثالاً لقول الله -تعالى-: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[الأنبياء: 7] لا بد له أن يسأل أهل العلم؛ لأن هذا فريضة قد أمر الله بها: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[الأنبياء: 7].
وموضوع الفتوى والمفتي والمستفتي من الموضوعات الخطيرة والحساسة التي أفرد لها العلماء الكتب، وصنفوا فيها الرسائل، وتكلموا عنها في كتب أصول الفقه.
خطر منصب الفتوى
وموضوع الفتوى موضوع خطير، كيف وقد قال الله : وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ[النحل: 116].
وقد كان أصحاب رسول الله ﷺ يتوقون الفتيا، كما قال أحد السلف: "لقد رأيت ثلاثمائة من أصحاب بدر ما فيهم أحد إلا وهو يحب أن يكفيه صاحبه الفتيا".
وقال ابن أبي ليلى: "أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب النبي ﷺ يسأل أحدهم عن المسألة فيرد هذا إلى هذا، وهذا إلى هذا، حتى ترجع إلى الأول [آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، ص: 14، وصفة الفتوى، ص: 7].
هذا المنصب الخطير، منصب الفتيا الذي ضاع اليوم بين المسلمين.
منصب الفتيا الذي ملأه في كثير من بلدان العالم الإسلامي أناس من الجهلة، أو من أصحاب الهوى الذين لا يخافون الله ، من الذين يبيعون الدين بالدرهم والدينار، هؤلاء الذين تورط بهم الناس ورطة كبيرة، فتشعبت الأقوال، وتاه الناس ما بين هؤلاء الجهلة.
وسلم من خلق الله من أهل العلم أناس قليلون ونفر معدودون يصلحون للفتيا يلجأ إليهم المخلصون، وهم الذين يعصمون من الهلكة، والوقوع في الهاوية، هؤلاء الذين ينبغي على المسلم أن يلجأ إليهم.
إن منصب التوقيع عن رب العالمين منصب خطير، والمفتي في الحقيقة يوقع عن رب العالمين.
الله يفتي: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ[النساء: 176].
فالمفتي إذاً ينوب عن الله في إخبار الناس بأحكام الله، فهو يوقع بالنيابة عن الله، ولذلك صار منصبه جد خطير.
وكان الذي يفتي بغير علم إثمه عظيم، قال ﷺ: من أفتى بفتوى غير ثبت، فإنما إثمه على من أفتاه[رواه ابن ماجه: 53، وأحمد: 8266، والدارمي: 161، وقال حسين سليم: "إسناده حسن"]. لو قارنا حال الذين يتساهلون اليوم في إفتاء الناس بحال الصحابة التي ذكرناها قبل قليل لوجدنا أمراً عجيباً.
اليوم يفتي بعض الناس وهم جهلة، بل ربما يكون المجيب أجهل من السائل، يفتي بعض الناس من أتباع الهوى، ويأخذون الأموال على الفتاوى الرخيصة، لأجل إرضاء فلان وفلان، قال أبو حصين الأسدي: "إن أحدكم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر" [أدب المفتي والمستفتي، للخطيب، ص: 76].
وكان ابن عمر إذا سئل قال: اذهب إلى هذا الأمير الذي تولى أمر الناس فضعها في عنقه [مختصر المؤمل في الرد إلى الأمر الأول، ص: 40].
وقال: يريدون أن يجعلونا جسراً يمرون علينا إلى جهنم، من هو الذي يقول؟ العالم المجتهد ابن عمر .
والشيء الذي يمنع بعض الناس اليوم من أن يقول: لا أدري كان لا يمنع الثقات العلماء من السلف أن يقولوا ذلك، سئل الشعبي عن مسألة فقال: لا أدري، فقيل: ألا تستحي من قولك: لا أدري، وأنت فقيه أهل العراق؟ قال: لكن الملائكة لم تستح حين قالت: لا علم لنا إلا ما علمتنا [صفة الفتوى، ص: 9].
وهذا الإمام مالك -رحمه الله تعالى- سئل عن ثمان وأربعين مسألة، فقال في اثنتين وثلاثين منها: لا أدري، يقول له السائل: ماذا أرجع للناس، وماذا أقول لهم؟ قال: قل لهم يقول الإمام مالك: لا أدري.
هذا دين إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًاإِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ[المزمل: 5 - 7].
ولقد شدد رسول الله ﷺ على من أفتوا رجلاً من أصحابه بغير علم، لما أصابت رجلاً شجة في سفر، وأصيب بجنابة، هو عليه جنابة وفي رأسه شجة، والماء من الخطر أن يصل إلى الشجة، فسألهم، قالوا: لا بد لك من الاغتسال، فاغتسل فمات، فقال ﷺ:قتلوه قتلهم الله دعا عليهم قتلهم الله، وقال: ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإنما شفاء العي السؤال[رواه أبو داود: 336، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: 364] العي والجهل شفاؤه بالسؤال.
ولقد كان الأمر على عهد النبي ﷺ من سؤال أهل العلم أمر قائم، جاء رجل إلى النبي ﷺ قال: يا رسول الله! إن ابني كان عسيفاً عند هذا؟ اثنان متخاصمان، كان خادماً عند هذا، فزنا بامرأته، فسألنا ناساً، فافتديت منه بمائة شاة ووليدة، أعطيته فدية لقاء ما أفسد ولدي من زوجته، أعطيته مائة شاة ووليدة، ثم إني سألت أهل العلم، فقالوا: إنما على ابني جلد مائة وتغريب عام، الرسول ﷺ قضى بكتاب الله، قال: الوليدة والغنم رد عليك، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام[رواه البخاري: 6859، ومسلم: 1697 ، 1698].
فإذاً، الصحابة كانوا يسألون أهل العلم الذين يخبرونهم بالفتوى الصحيحة.
ومن هذا المنطلق نقول في مقدمة هذا الدرس: كيف تسأل أهل العلم؟
نقول -أيها الإخوة- سنتحدث إن شاء الله عن مسائل أصولية تتعلق بالسائل المستفتي، وآداب سؤال الشيخ والمفتي، وملاحظات على الأسئلة بالهاتف، وأسئلة النساء، وبعض الأسئلة التي فيها أخطاء نلقي عليها بعض الضوء.
مسائل أصولية تتعلق بالمستفتي
ولن نتحدث عن خطورة منصب الفتيا ولا عن خطورة القول على الله بغير علم، ولا عن عمل المفتي، وماذا يجب على المفتي، هذا أمر طويل جداً، ونحن يهمنا الآن المستفتي أو السائل.
فنقول -أيها الإخوة-:
أولاً: مسائل أصولية تتعلق بالمستفتي:
1- يجب على المسلم إذا نزلت به حادثة لا يعلم حكمها أن يسأل أهل العلم؛ امتثالاً لقول الله : فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ[الأنبياء: 7] هذا أمر واجب، هذا من صميم الدين، يجب عليه أن يسأل.
2- يجب على المستفتي أن يتحرى وينتقى الأعلم والأورع لسؤاله، فلا يسأل جاهلاً، ولا صاحب هوى، ولا يجوز للعامي سؤال كل من تظاهر بالعلم، أو وضع في منصب من قبل جاهل، أو فاسق عينه في هذا المنصب.
ولا يجوز أن يسأل كل من تصدى للتدريس، أو قال للناس: اسألوني، وإنما يجب عليه أن يتحرى، وأن يبحث، وأن ينتقي من يسأله: فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا[الفرقان: 59].
"إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم" [صحيح مسلم: 1/14].
فإذاً، لا بد من البحث عن أهل العلم: إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساً جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا[رواه البخاري: 100، ومسلم: 2673].
لا بد من اختيار الأوثق، أنت إذا عرض لك مرض، قضية في جسدك وذكر لك طبيبان، فماذا تفعل؟
تسأل من تثق بعلمه في الطب، تذهب إلى الأمهر، إلى الأكثر خبرة، وهكذا..
3- كيف يعرف العامي: أن فلاناً أهل للسؤال؟
الجواب يعرف ذلك بأمور، فمنها:
التواتر بين الناس والاستفاضة بأن فلاناً أهل للفتوى.
والمقصود بالناس العقلاء العارفون، وليس عوام الناس الذين يُلبس عليهم ، ففي بعض البلاد يُلبس على بعض العامة؛ يقول لك آلاف من الناس: فلان هذا المفتي، اسأل فلاناً، وهذا ملبس عليهم فيه.
فما تواتر بين الثقات العارفين واستفاض بين الناس بأن فلاناً أهل للفتوى عالم، هو الذي يسأل.
الطريقة الثانية: تزكية العلماء العدول الثقات لفلان بعينه أنه أهل للفتوى، فيقصد ويسأل.
4الطريقة الثالثة- إذا تعدد المفتون في بلد، فماذا يجب على الشخص؟ هل يجب عليه أن يسأل الأعلم ويعرف الأعلم ليسأله، أو يسأل أي واحد منهم، ما دام صالح للفتيا؟
قال بعض أهل العلم: لا يجب على العامي البحث فيمن هو الأعلم ما دام الجميع أهلاً للفتوى، وإنما يسأل من يتيسر منهم، خصوصاً أنه عسير على العامة معرفة وتمييز من هو الأعلم، فكيف يعرفون؟ الذي ليس عنده موازين فكيف يميز؟ فهذا يقلد شيخاً يثق به، صالحاً للفتوى، يسأله فيقلده.
ولما ضل الناس في مسألة التحري نتجت عندنا أمور مهلكة، وقضايا مضحكة، وأضرب لكم مثالين من أشياء سمعتها عندنا هنا في المنطقة: رجل ظاهر من امرأته، قال لها: أنت علي كظهر أمي، ما حكمه في كتاب الله؟
عليه عتق رقبة، ثم صيام شهرين متتابعين، ثم إطعام ستين مسكيناً، إذا لم يستطع بالترتيب.
هذا الرجل ذهب إلى إمام مسجد.
الناس الآن من المآسي والمصائب الموجودة عندنا: أن الناس لا يميزون في السؤال، ذهب إلى إمام مسجد، قال له كذا كذا المسألة، قال: اجلس! قل ورائي: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، وصار يقرأ هذا الإمام آيات سورة المجادلة، يعني آية الظهار من سورة المجادلة، والشخص الآخر يقرأ وراءه، بعدما انتهى من القراءة، قال: خلاص انتهى، اذهب ما عليك شيء.
انظر كيف حل المسألة؟
قال: اقرأ ورائي قرأ آيات سورة المجادلة واقرأ ورائي وخلاص ما عليك شيء، مع أن المفروض أن يقول: اسمع حكم الله في المسألة، ثم يقول: سمعت حكم الله، اذهب ونفذ، لكن هذا قرأ له الآيات، قال: اقرأها ورائي، فلما قرأها قال: اذهب، ما عليك شيء.
ومثال آخر واقعي: رجل وطئ امرأته في نهار رمضان، ما حكم الله في المسألة؟
عتق رقبة، فإن لم يستطع فصيام شهرين متتابعين، المسألة فيها تغليظ، القضية قضية عقوبة، ليست المسألة مسألة هزل، فإن لم يستطع يطعم ستين مسكيناً.
ذهب إلى واحد يسأل ممن هب ودب، أقرب شخص أو إمام مسجد لا يخاف الله، قال: أنا فعلت كذا وكذا، قال: هذه بسيطة، عليك إطعام ستين مسكيناً، ثلاثين عليك وثلاثين على زوجتك، وحتى الستين ما هي عليه، ما هي على الرجل لا قسمها بالنصف، قال: عليك ثلاثين وعلى زوجتك ثلاثين.
وأمثلة هذا كثيرة جداً، هناك أناس يحلون ما حرم الله، وهناك أناس يحلون ما علم من الدين بالضرورة مثل الربا وغيره، هناك أناس يحلون نكاح المتعة، وهناك أناس يحلون أشياء كثيرة جداً من الحرام الذي أطبقت عليه الأمة، وعلم في الضرورة أنه حرام، لكن من الناس من لا يخاف الله، ويتجرأ، وليس عنده أدنى مانع من أن يعطي الناس الأريح، وأن يفتي بالرخص الضالة الكاذبة، ويجعل دين الله ملعبة.
وبعضهم يزعم أن هذا وسيلة للدعوة أن نرخص للناس، ونخفف على الناس، فيكذب على الله وعلى رسوله ﷺ، وعلى علماء الأمة، ويعطي الناس أحكاماً ما أنزل الله بها من سلطان، أو يوجب على الناس أشياء لا تجب عليهم، يأتي واحد في الحج يسأل جاهلاً، يقول له: فعلت كذا، فيقول: هذه فيها دم، وهذه فيها دم، وهذه فيها دم، خمسة دماء، ستة دماء، وربما ولا واحد منها ما فيه دم.
فإذاً، قضية إيجاب ما لا يجب على الناس حرام أيضاً، فقضية تحليل الحرام أو تحريم الحلال، وقضية إيجاب ما لا يجب، كله ليس من دين الله ولا من شرعه.
5- يجب على العامي أن يعلم نبذةً عن أسباب الاختلاف بين العلماء؛ لأن العامة الآن يسألون علماء أو مشايخ، ويسمعون فتاوى العلماء، فإذا جاء مثلاً في قضية قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية خلف الإمام، سمع عالماً يقول: يجب أن يقرأ، ثم سمع عالماً يقول: لا يجب أن يقرأ، بل ربما قال: لا يجوز أن يقرأ وعليه الإنصات.
امرأة تسمع شيخًا يقول: تجب الزكاة في الحلي، ثم تسمع مفتياً آخر يقول: لا تجب إذا كان مستعملاً، أو يجب في العمر مرة.
وهكذا في حال كثير من المسائل الخلافية، فالعامي إذا ما كان يعلم نبذة من أسباب خلاف العلماء يتيه ويضيع، ويقول: ضيعونا العلماء، هذا الدين صار صعباً، العلماء هؤلاء لماذا يختلفون؟ لماذا صار الدين هكذا؟
وبالتالي يتصور الدين تصوراً عجيباً، لكنه لو علم أن أصحاب النبي ﷺ قد اختلفوا، وأن الخلاف من طبيعة البشر، وأن أفهام العلماء تتفاوت، وأن العالم الفلاني قد يصل إليه الدليل، وعالم لا يصل إليه الدليل، عالم يصح عنده الدليل وعالم لا يصح عنده الدليل.
عالم يفهم الدليل من جهة، والآخر يفهمه من جهة أخرى.
عالم يظن أن هذا هو الناسخ والآخر المنسوخ، وعالم آخر ينظر أن العكس هو الصحيح، أن المنسوخ الذي رآه ذلك العالم هو الناسخ، والناسخ هو المنسوخ، والخاص هو العام، والعام هو الخاص.
فإذاً، هذا الاختلاف طبيعي في أفهام البشر، وما دام أنهم كلهم ثقات وعلماء.
فإذاً من الطبيعي أن يختلفوا، واختلافهم مقبول، وعلى العامي أن يتحرى الأعلم ليسأله.
6- لا يعمل بالفتوى حتى يطمئن لها قلب المستفتي، قال ابن القيم -رحمه الله-: "لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي إذا لم تطمئن نفسه، وحاك في صدره من قبوله، وتردد فيها" [حلية الأولياء: 4/195]؛ لقوله ﷺ: استفت نفسك وإن أفتاك المفتون[أبو نعيم في حلية الأولياء: 2/44] فيجب عليه أن يستفتي نفسه أولاً؛ ولا تخلصه فتوى المفتي من الله، إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه.
واحد يعلم أن الأمر في الباطن حقيقة خلاف ما أفتى المفتي، أو لشكه فيه، أو لجهله، ولا تخلصه فتوى المفتي من الله إذا كان يعلم أن الأمر في الباطن بخلاف ما أفتاه، كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك.
الآن لو أن اثنين ذهبا إلى قاضٍ، واحد محق وواحد مبطل، لكن المبطل الذي على الباطل، ألحن وأقدر على التعبير وعلى الإقناع، فأقنع القاضي، فحكم له القاضي، هل حكم القاضي يجعل المال حلالاً عليه؟!
لا، لا يجعل المال حلالاً عليه؛ كما قال ﷺ: فمن قضيت له بحق أخيه شيئا، بقوله: فإنما أقطع له قطعة من النار[رواه البخاري: 2680].
ولا يظن المستفتي أن مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه إذا كان يعلم أن الأمر بخلافه في الباطن، سواء تردد أو حاك في صدره، لعلمه بالحال في الباطن، أو لشكه فيه، أو لجهله به، أو لعلمه جهل المفتي، أو محاباته في فتواه، أو عدم تقيده بالكتاب والسنة، أو لأنه معروف في الفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة، وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بالفتوى، وسكون النفس إليه.
فإذا كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتي يسأل ثانيًا وثالثًا حتى تحصل له الطمأنينة.
فإذاً، المثل العام الذي يقول بعض الناس: "حط بينك وبين النار شيخاً" أو "ضعها في رقبة عالم واخرج منها سالم" يعني اسأل واحداً، وإذا أفتاك فامش عليها، فإذا كان العامي (الشخص السائل) يعلم أن هذا المفتي ليس بأهل، أو أنه لم يفهم السؤال، أو أنه أخفى عليه أشياء، وأفتى المفتي بناءً على الجزء المقدم إليه، فلا يجوز للعامي أن يعمل بهذه الفتوى، لكن لو وضح القضية، وأجاب عنها العالم الثقة، فلا يصح أن يخرج عنها، بدون شيء شرعي، يجب عليه أن يلتزم ما دام سأل وأعطي الجواب، يجب أن يلتزم ولا يتهرب، لكن إذا كان يعلم أن الأمر الذي أفتى به المفتي بخلاف الحقيقة، فلا يجوز له أن يقول: والله مادام فلان قد أفتى فيها، إذاً فقد برئت ذمتي وعهدتي، لا يجوز له ذلك.
7- قال ابن القيم -رحمه الله-: إذا نزلت بالعامي نازلة وهو في مكان لا يجد فيه من يسأل، ماذا يفعل؟ أنت في سفر أو في مكان ما وجدت عالماً، ماذا تفعل؟
قال: "الصواب أنه يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع، ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله، وقد نصب الله على الحق أمارات كثيرة" [إعلام الموقعين: 4/168]، ولا بد أن تكون الفطر مائلة إلى الحق، ولا بد أن تكون هناك أمارات في المسألة تدل على أن الحق كذا وكذا.
إذاً، هنا في هذه الحالة إذا ما وجد يتحرى، ويتقي الله ما استطاع، ويعمل بما ظهر لديه، ويستغفر الله، ويتوب إلى الله، ويسأل الله أن يلهمه الصواب: اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك[رواه مسلم: 770] ويعمل، ثم بعد ذلك يسأل إذا وجد الشيخ أو المفتي، فإذا كان يجب عليه استدراك شيء استدركه.
8- إذا حصلت له حادثة، فسأل فأفتي، ثم حصلت له الحادثة مرة أخرى، هل يلزمه تجديد السؤال لاحتمال أن رأي المفتي قد تغير مثلاً؟
الصحيح: أنه لا يلزمه، والأصل استمرار الفتوى على ما هي عليه.
9- ويجوز للمستفتي، صاحب المسألة أن يستفتي بنفسه، وهذا الأصل، أو أن يقلد ثقة يقبل خبره، فيقول له: اسأل لي العالم، ينتقي واحداً عاقلاً، يحسن النقل، يحسن الإيضاح، يحفظ، يضبط، ويقول: اسأل لي العالم، وله أن يأخذ بالجواب الذي جاء عن طريق هذا الشخص.
10- إذا سمع العامي أكثر من فتوى في المسألة، فماذا يفعل؟
الجواب: طبعا بعض العلماء قال: يأخذ بالأغلظ.
بعضهم قال: يأخذ بالأخف.
وبعضهم قال: يسأل ثالثاً يرجح له.
لكن الصواب، والله أعلم كما ذكر بعض أهل العلم أنه يتحرى الأعلم والأوثق فيقلده، وهذا في الغالب ليس بمتعذر.
11- لا يجوز للعامي أن يتخير بين الأقوال، فيفتح كتاباً فيه علم الخلاف، ويعرف المسألة يقول: زكاة الحلي، يوجد من يقول: يجب كل سنة، ويوجد من يقول: يجب مرة في العمر، ومنهم من يقول: تجب إذا لبس، وهناك من يقول: لا يجب أبداً.
إذاً أحسن شيء أن أنتقي، مثلاً أنه يجب مرة بالعمر، قال: نأخذ الوسط، لا كذا ولا كذا، هل هذا منهج يصلح أن يفعل هذا؟
الجواب: لا يجوز للعامي أن يتخير بين الأقوال، فيفتح كتاب خلاف، وينتقي قولاً، أو يأخذ فتاوى وينتقي منها عشوائياً، يجب عليه أن يقلد الأعلم إغلاقاً لباب الأهواء، وباب تتبع الرخص، وهكذا..
ولذلك أعطيكم مثالاً في بعض كتب مناسك الحج التي توزع وتباع بين الحجاج، يعطيك مثلاً يقول: الشيء الفلاني مثل محظورات الإحرام، الشيء الفلاني عند أبي حنيفة مثلاً جائز، عند مالك كراهة، عند أحمد مكروه، عند الشافعي مثلاً محرم، ونحو ذلك، فعنده جدول للمذاهب الأربعة، يأتي يفتح الكتاب ويقول: نأخذ هذه المرة بـأبي حنيفة، مثلاً المسألة التي بعدها شيء آخر، يقول: هنا والله مذهب الشافعي أسهل نأخذ به، ولهذا الذين يطبعون هذه الكتب ويبيعونها للعامة، ماذا يصلون إليه في الحقيقة؟ ومن من الحجاج الآن متمذهب بمذهب بحيث أنه الآن يقلد صاحب المذهب؟ قليل.
ثم ما صحة هذا النقل، وهذه الكتب؟
آداب سؤال أهل العلم
وننتقل الآن بعد هذه المسائل الأصولية، للمفتي إلى قضية الأدب في سؤال المستفتي أو كيف تسأل أهل العلم من جهة الأدب في طرح بالسؤال؟
السؤال هذا وسيلة عظيمة جداً لتحصيل العلم.
العلم خزائن، والسؤالات مفاتيحها.
السؤال منفذ كبير لطلب العلم.
السؤال دلو تغرف به من بحور العلم.
السؤال يفتح لك آفاقاً.
السؤال يزيل الإشكال.
السؤال وسيلة للفهم.
السؤال إذاً قضية خطيرة يجب ألا نلعب فيها، وأن نعطيها وزنها وحقها، فلننتقل الآن إلى الكلام عن كيفية السؤال، كيف تسأل أهل العلم؟ ما هو الأدب مع المفتي؟ المستفتي كيف يفعل؟
ينبغي على المستفتي أن يتأدب مع المفتي.
وينبغي على السائل أن يتأدب مع الشيخ.
ينبغي على العامي أن يتأدب مع العالم.
قال أهل العلم في هذه المسألة: فيبجله في الخطاب، لا يقول: يا فلان، إما أن يكنيه يقول: يا أبا فلان، أو يا أيها الشيخ الجليل، مثلاً، أو يأتي بصيغة الجمع: ما قولكم حفظكم الله، أو رحمكم الله في المسألة الفلانية، ولا يومئ بيده في وجهه، ويؤشر له فوق وتحت ويمين ويسار شرحاً، وإنما يتأدب في الخطاب.
ولا يقول إذا أجابه الشيخ: هذا كان رأيي من البداية! أنا هكذا قلت! أو أن يقول: لكن فلاناً أفتاني بخلاف قولك! هناك شيخ آخر قال غير الذي تقوله!
وكذلك قالوا: لا يسأله على حالة ضجر أو هم! وغير ذلك مما يشغل القلب.
العلماء تكلموا في الكتب عن قضية رقعة الاستفتاء، كيف ينبغي أن تكون يكون الخط واضحاً، وأن يضع فيها كل المعلومات، وأن يجعل فيها فراغاً للكتابة، بعض الناس يعطي الشيخ ورقة، السؤال يملأ الورقة، وأين يكتب الجواب؟ يأتي بورقة أخرى، حتى الرقعة التي فيها الفتوى تكلموا في وصفها، وكيف ينبغي أن تكون.
المهم الشاهد: بلغ الأدب من بعضهم أنه كان يدفع الرقعة إلى المفتي منشورة مفتوحة، ولا يحوجه إلى فتحها، ويأخذها من يده إذا أفتى مباشرة، مفتوحة حتى لا يحوجه إلى طيها.
ولا يصلح أن يستعمل الجفاء بأن يناديه باسمه -كما ذكرنا- أو يقول: يا أخ! يا هيه! أنت..! أنت يا فلان! أنت..! كما يقع لبعضهم، وإنما يناديه بلقب حسن، ويقرن ذلك بالدعاء، كأن يقول: غفر الله لك، أو أحسن الله إليك، أو أحسن الله عملك، أو رضي الله عنك، أو أثابك الله، أو وفقك الله، أو نفع الله بعلمك.
وحتى يأتي بكلمة مواساة: أرجو ألا أشق عليك! عسى ألا أشق عليك! ما حكم كذا؟
بعض الناس يود الشيخ أن لا يسأله ولا سؤال واحد من سوء أدبه ولو كان الشيخ مرتاحاً.
وبعضهم يود الشيخ أن يسأله زيادة، ولو كان الشيخ متعباً مما يرى من حسن أدبه.
بعض الناس يمكن تقول من أرباب الشوارع إذا خطر بباله أن يسأل المسألة بقلة أدبه من الشارع ينتقل إلى خطابه للشيخ، ولا يتخلصون من لكنة الشوارع، فإذا سأل الشيخ وأجابه؛ قال: إلى ذمتك، أنت متأكد، واحد يسأل عالماً كبيراً، يعطيه الجواب، يقول: أنت متأكد من هذا الكلام؟ أكيد؟ سبحان الله! يعني حتى الأعراب لما جاء أحدهم قال: يا ابن عبد المطلب، قال: لبيك، نعم، قال: إني سائلك فمشدد عليك في المسألة، فلا تجد عليَّ في نفسك [رواه البخاري: 63] هذا كان أسلوب الأعرابي، جاء من الصحراء، لكن قال: فلا تجد عليَّ في نفسك.
وهؤلاء يقولون في زماننا كلاماً فيه من الرعونة وقلة الأدب شيئاً عجيباً.
أو مثلاً إذا جاء يشرح له القضية، فأجابه الشيخ قال: كذا، قال: لا! لا! ما فهمت سؤالي! ركز يا شيخ! ما فهمت السؤال! انتبه معي يا شيخ!
وبعض الناس من طريقته في الشرح: أنه يتكلم بضمير المخاطب، فمثلاً يقول: افرض يا شيخ أنك فعلت كذا وكذا، أيش يكون الجواب؟! وقد يكون هذا الذي فعلت كذا وكذا، قد يكون طامة من الطامات، فمثلاً قد يقول: مثلاً يا شيخ أنت زنيت والمرأة التي زنيت بها كذا وكذا! كيف؟! أو يقول مثلاً: يا شيخ أنت تعمل في شركة، من قبل عشر سنوات مثلاً يدك امتدت إلى الخزينة وسرقت مثلاً، وأنت الآن لا تدري كم سرقت، فكيف تفعل الآن؟!
فهذه عبارات فاحشة، وسوء أدب ما بعده سوء.
وكما قلت لكم -أيها الإخوة- عبارات بعض الناس كأن الشيخ يقول: اسألني زيادة.
وبعض العبارات تصطك منها المسامع يود لو أنه أغلق الهاتف، وأنه صرفه عن وجهه، من سوء أدبه.
والعلماء تكلموا في آداب المفتي، كيف يكون صدره واسعاً، وكيف يستقبل، وكيف يتغاضى ويتجاوز، لكن المستفتي يجب أن يكون مؤدباً في السؤال، إذا أراد أحدهم أن يسأل وجيهاً، أو وزيراً، أو عظيماً، تأدب غاية التأدب، حتى إذا أراد أن يسأل مديراً في دائرة، يقول: إذا سمحت لي، ويكون صدرك واسعاً، وإذا جاء يسأل شيخاً أو عالماً أعطاه من هذه الكلمات العجيبة.
وكذلك ينبغي على السائل أن ينتبه، فربما فهم الشيخ السؤال وهو يظن أن الشيخ ما فهم السؤال.
الآن كثير من الأسئلة متشابهة، الشيخ يمكن سمع هذا السؤال خمسين مرة، مائة مرة ألف مرة قبل ذلك، وبعض السائلين يظن أنه يسأل هذا السؤال لأول مرة، وأنه ما سبق الشيخ سئل هذا السؤال هذا، يظن ذلك، فربما الشيخ يفهم السؤال من الوهلة الأولى، من أول العبارات يفهم الشيخ السؤال، فيجيبه، فيظن الشخص يقول: لا، لحظة، دعني أكمل، افهم معي جيداً، فالشيخ يقول له: أنا فهمت سؤالك، يقول: لا، دعني أوضح، فإذا كان الشيخ فهم السؤال فأجابه الحمد لله، فإذا سمع الجواب وظن أن الشيخ لم يفهم، أتى له بالعبارات الزائدة، بلطف.
لذلك واحد كان يقول لإياس القاضي، قال: أنا أكره فيك ثلاثاً: أنك تحكم قبل أن تفهم، مع أن إياس من أذكياء العالم، كيف يحكم؟ هو يتوهم الخصم أنه يحكم قبل أن يفهم، لكنه فهم.
ومن الأدب: أن لا يقاطع الشيخ أثناء الإجابة، يتمهل حتى يقضي الشيخ كلامه، ثم يقول ما يريد أن يقوله من الاعتراض، أو الاستشكال مثلاً، أو سؤال زائد، أو فرعية في الكلام، أو سؤال عن لفظة غريبة وردت في كلام الشيخ مثلاً.
وبعض الناس أيضاً يعاملون بعض الشيوخ والمفتين والعلماء كأنهم موظفون يأخذون أجراً على الاستفتاء، وأنه موظف موجود لكي يجيب وأنه لا بد أن يجيب، وقد يكون الشيخ محتسباً لا يأخذ أجراً على ذلك، ولا أحد أعطاه على أن يجلس عند الهاتف بين المغرب والعشاء، أو بعد العشاء، أو أنه يجلس في المسجد ليفتي الناس، ما أحد أعطاه أجراً على هذا، هذا متبرع من عنده، فبعض الناس يسألون الشيخ كأن الشيخ موظف لا بد أن يجيب، لأنه يأخذ عليه أجر، وكأنه يقول حلل راتبك، انتظر هات الجواب.
وخصوصاً الذين يسألون المشايخ في بيوتهم، من الذي أعطاه، قال: اجلس في بيتك وخذ مرتباً على الإفتاء من الساعة كذا إلى الساعة كذا؟
وكذلك لا بد للمستفتي إذا أراد أن يستفتي في مسألة فيها حرج أن يقدم بين يدي الاستفتاء بعبارات تدل على تحرجه، وأنه لا يريد الفحش بالكلام، فبعض الناس يقول مثلاً: إن الله لا يستحي من الحق، يا شيخ ما حكم كذا؟ أو لا حياء في الدين ما حكم كذا؟ أو أريد أن أسألك عن مسألة لكني متحرج فيها، ولكن لا بد من السؤال، ويعطيه السؤال.
وبعض الناس لا يبالي بذلك، ويذكر توصيفات وأشياء تتعلق بالعورات، تتعلق بأمور من هذا القبيل بدون أي تقديم ولا يظهر للشيخ تحرج السائل، بل يظهر له قلة أدبه في السؤال.
فإذاً، لا بد من شيء من التقديم؛ لا مؤاخذة ما معنى كذا وكذا؟
لكن بعض الناس رأينا في المجالس ناس يقول: يا شيخ ما معنى: "حتى تذوق عسيلتها؟" طريقتهم واضحة أنهم يريدون الفحش، بعض هؤلاء الناس الذين يريدون إظهار المشايخ بمظهر ، أو إنهم يستدرجوهم إلى الكلام في قضايا من مثل هذا القبيل، ما معنى: حتى تذوق عسيلته[رواه البخاري: 2639، ومسلم: 1433] وقد يكون يعرف للجواب، لكن هذا موجود في المجتمع.
ثم إنه ينبغي على المستفتي إذا أحسَّ أن الشيخ يريد بجوابه إبعاده عن الموضوع وصرفه عنه، أن لا يقل: لا، لا، يا أنك تقول لي: حرام حتى أتركه، أو أنك تقول: أنه ليس بحرام، فأحياناً بعض المشايخ يتورع، أو تكون المسألة من المشتبهات، أو من المكروهات، هذا كثير جداً فيقول الشيخ مثلاً: لا أنصح بهذا، أرى أن تترك ذلك، أرى أن تترك هذا الشيء، فيقول: لا، لا، حدد حرام وإلا لا؟ لماذا؟
لأن هذا السائل ما عنده شيء اسمه: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك[رواه الترمذي: 2518، والنسائي: 5711، وأحمد: 1723، وقال الألباني: "صحيح" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 1737] ولا عنده "اتق الشبهات" أبداً، ولا عنده شيء اسمه فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام[رواه البخاري: 1599] أو هذا محتواه، يقول: لا، حدد لي هذا حرام خلاص وإذا ما هو حرام سأفعل.
طيب الشيخ يريد أن يعلمك ترك الشبهات، يريد أن يعلمك أن هذا خلاف الأولى، لا تفعل، فتجد هذا يلزم، وأحياناً يقول: لا يجوز وإلا حرام؟ يعني حتى بعضهم لا يفهم لا يجوز، يأثم لو فعل، فيريد كلمة: حرام، يريد كلمة: حرام، بالنص، فيفوت مقصد من مقاصد الشيخ في الإجابة.
بعض آفات المستفتيين
وكذلك من آفات المستفتيين: أن بعضهم يتبرع بالسؤال عن شخص آخر، فيقول لواحد من الناس أنا أسأل لك، ويذهب بمعلومات غير كافية للشيخ، فيسأل الشيخ، فإذا استفصل منه الشيخ، قال: والله لا أدري، هذه ما عندي فيها علم، الفتوى كلها تتوقف على هذا الأمر، كما قال أحد السلف لسائل من هذا النوع: ليتك إذ دريت دريت أنا، لو أنك أعلمتني بالشيء الناقص، لأعلمتك بالجواب.
ومن آفات المستفتيين، وهذا شيء كثير متكرر: ذكر معلومات لا داعي لها، ولا تؤثر في الفتوى من قريب ولا بعيد، وتجد لذلك الأوراق فيها معلومات كثيرة، أو الدقائق تضيع بالهاتف في معلومات كثيرة لا داعي لها، في أسماء أشخاص، أو أعمار، أو أسماء أماكن مثلاً، أو وقت معين؛ ساعة معينة، ليس لها تعلق، بعض المعلومات لها تعلق بالفتوى، لكن بعض المعلومات ليس لها تعلق، وربما لو فكر قليلاً لاختصر السؤال، مثل واحد يقول: يا شيخ سافرت إلى أمريكا قبل خمس سنوات، ومعي أهلي، وذهبت لأدرس علم كذا، وذهبنا إلى مكان معين، فيه مسبح، وجلست عند المسبح، وجعلت أولادي يسبحون، فجاء واحد بولده اسمه مثلاً: سعيد، وقال لي: انتبه للولد سعيد وهو يسبح، وتكفى الله يرضى عليك انتبه له، ووصاني عليه وحرصني، وأكد عليّ، ثم نزل الولد يسبح، والمسبح ينقسم إلى قسمين: قسم عميق، وقسم سطحي، وأنا أتكلم مع واحد بجانبي، ثم التهيت عن الولد، فبعد ذلك واحد من الناس صاح، قال: في واحد غريق، جبنا المنقذ الأول، نزل أول مرة ما وجد، نزل ثاني مرة ما وجد، نزل واستخرج الجثة، واتصلنا بالإسعاف، واستخرجوا الولد، ووضعوه على جنب، وعملوا له تنفساً صناعياً، واستيقظ بالمرة الأولى، أي انتفع بها، وأخذوه بسيارة الإسعاف، ثم مات في الطريق، والسؤال: يا شيخ ماذا يجب علي الآن؟ من جهة مثلاً عليّ دية وإلا لا؟
هذه أشياء واقعية حصلت، يمكن ببساطة تقول: أوصاني رجل أن أنتبه لولده الذي نزل إلى المسبح، فانشغلت عن الولد فغرق الولد ومات عليّ شيء؟
صفحة طويلة أو صفحتان أو ثلاث صفحات ممكن أن تختصرها بسطر أو سطر ونصف.
فبعض الناس يعيشون بين وسوسة، أن يقول للشيخ: اسمع قصتي من أولها، وأنه لا بد أن يذكر كل شيء.
بعض الناس يقول: يمكن الجزئية هذه مهمة لا بد أن نقول للشيخ كل شيء كل حاجة بالتفصيل.
هل يوجد فرق عند الشيخ أن اسم الولد سعيد وإلا اسمه عمرو وإلا اسمه رضا وإلا اسمه زيد؟ يوجد فرق أن حادثة الغرق صارت في أمريكا، أو في الهند مثلاً؟ يوجد فرق أن الولد مات فوراً أو مات بعدها بساعات؟
لكن كثيراً من السائلين لا يفكرون في المعلومات المهمة في الفتوى، والمعلومات غير المهمة، ثم يريد بعد ذلك من الشيخ أن يتسع صدره لكل التفاصيل، وأنه لا بد أن يستمع للقصة، وإذا الشيخ لم يستمع لكل القصة، وقال: اختصر وعجل وهات النهاية، قال: ليش المشايخ لا يعطون فرصة للواحد كي يتكلم؟ ليش هؤلاء المشايخ متكبرين على الخلق؟ ولماذا كذا؟ وهكذا..، ولا يفكر أن هذا الشيخ وراءه أناس كثيرون يريدون أن يسألوا، وأنه ليس هو الذي على حسابه تهدر أوقات الشيخ.
ومن الأشياء المهمة في المقابل: حجب معلومات مهمة، خيانة في عرض السؤال، مثل إخفاء أمر طلقتين ثم يسأل عن الطلقة الثالثة حصلت وإلا لا؟ وإذا حصلت، فيقول الشيخ: راجعها، إذا حصلت راجعها، وأمر الطلقتين من قبل، هذه إذا حصلت الثالثة انتهت القضية.
أو يحذف بعض الورثة يقول: يا شيخ مثلاً مات أبي أو مات أخي، وترك كذا وكذا، ويحذف بعض أسماء الورثة.
هذه تفرق كثيراً، يمكن الآن بعض المذكورين ما لهم شيء أصلاً، أو يمكن الأنصبة تختلف، أنصبة الميراث الآن أنت حجبت عن الشيخ ذكر بعض الورثة، بعض الورثة الذين ما ذكرتهم اختلفت المسألة تماماً، هذه إساءة أدب أن يطرح نصف القضية، بعضهم يطرح نصف القضية، وينتظر الجواب، وبعد ذلك يقول: لكن لا يا شيخ كذا وكذا، طيب من أول تكلم، خذ مثالاً: واحد يقول: يا شيخ! أحرمنا من الميقات، وذهبنا إلى جدة أنا وزوجتي، وجلسنا يومين بإحرامنا في جدة، ثم ذهبنا إلى مكة وأدينا العمرة، أيش حكم العمرة؟ صحيح، كونه جلس يومين في جدة بإحرامه لا يؤثر، فقال الشيخ: العمرة صحيحة.
قال: لكن يا شيخ أنا جامعت زوجتي في جدة، الآن المسألة اختلفت، الآن يلزمه إمضاء العمرة الفاسدة، ودماً، وأن يأتي بعمرة جديدة من الميقات الذي جاء منه.
أنت تعلم أن مركز السؤال هنا في قضية جماع الزوجة، فلماذا أخرته وأهدرت الوقت؟
ولذلك -أيها الإخوة- الحل الآن في مسألة المعلومات التي لا داعي لها، وحذف المعلومات المهمة، أقول: إن الحل في كثير من الأحيان في هذه الإشكالات: كتابة السؤال قبل طرحه على الشيخ.
كتابة السؤال يعطي السؤال جدية.
كتابة السؤال يمكنك من انتقاء التعابير المناسبة.
كتابة السؤال يمكنك من مراجعة المعلومات المهمة، وفيه توفير وقت عليك وعلى الشيخ، اقرأ السؤال مرة واحدة قبل أن تقرأه على الشيخ، اقرأه مرة واحدة، بعض الناس يكتب أسئلة ويدفعها للشيخ، لكن ربما لو قرأها مرة أخرى لحذف شيئاً لا داعي له، عدل كلمة غير واضحة مثلاً، وعدلها، أخطأ، اكتب السؤال، واقرأ السؤال بعد أن تكتبه.
السؤال أمانة، فكون بعض الناس يحرفون ويغيرون، هذا لا يغني عنهم من الله شيئاً.
كون الشيخ أفتاك على شيء أنت حذفت منه معلومات تظن أنه الآن قد برئت ذمتك، وخرجت منها، أنت تكذب على نفسك، وتخادع الله، وتخادع نفسك:يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ[النساء: 142].
ولذلك بعض المفتين الحاذقين الأذكياء، يقول للسائل: إذا كان الواقع كما ذكرت فالجواب كذا، إذا كانت المسألة كما صورتها، فالجواب كذا، إن كان ما تقوله حقاً فالجواب كذا، هذا جيد من المفتي أن يفعل ذلك، لماذا؟ لينبه السائل أنك إذا حذفت معلومات أو غيرت، أو بدلت السؤال تراه ما يغنيك شيئاً، الجواب هذا ما ينطبق على المسألة الحقيقية.
تهيؤ المستفتي واستعداده قبل سؤال المفتي
ومن الآداب كذلك: الاستعداد قبل السؤال، الاستعداد النفسي وتهيئة المكان أو تهيئة النفس، مثلاً بعض الناس قد يتصل بالهاتف ليسأل الشيخ، ولا يجهز نفسه أو يذهب مثلاً إلى غرفة هادئة، أو يكتب السؤال أمامه، فيتصل فيقال له: مشغول، مشغول، يطلع في المرة العاشرة، يقول له الشيخ: نعم.
السلام عليكم.
وعليكم السلام. نعم.
والله يا شيخ نسيت السؤال! تفاجأت فيك ونسيت السؤال طيب اكتب السؤال، ثم اطرحه، تتذكر.
فوجئت بردك يا شيخ ونسيت كل الأسئلة، كان عندي مائة سؤال، واتصلت مرات عديدة، فلما رديت تبخرت وضاعت كل الأسئلة.
أو لحظة يا شيخ واحد يدق الباب، لحظة يا شيخ الخط الثاني يشتغل، لحظة يا شيخ الولد يلعب بالتلفون، لحظة يا شيخ الزوجة تتكلم، أنت هيئ مكاناً، ثم لو طرأ طارئ لعله يعذرك، لكن لا بد أن تهيئ مكاناً، وأن تجهز نفسك، تضع ورقة الأسئلة أمامك، بعض الأحيان واحد يتصل على الشيخ، ثم يقول: لحظة يا شيخ أدور على ورقة الأسئلة، ضاعت بين الأوراق.
فإذاً، لا بد من الإعداد والتجهيز، لأن الآن هذا سؤال لعالم، سؤال العالم يجب أن يحترم ويوقر، ويحفظ وقته، وتحفظ أنت ماء وجهك أيضاً، ولا تجلب لنفسك الكلام الذي لا داعي له.
أمور يجب أن يحذر منها المستفتي
كذلك من الأمور القبيحة جداً -وأشرنا إليه ونعيد التأكيد عليها-: سعي بعض السؤال من أصحاب النوايا السيئة إلى أن يصادم كلام المفتين بعضهم لبعض، فيقول له بعد أن يجيب الشيخ: لكن الشيخ الفلاني قال بخلاف قولك، أو قال غير كذا مثلاً، فهذا قلنا ليس من الأدب، وما تقصد؟ هل تريد أن تحرجه؟ لماذا اتصلت أصلاً؟ ما هو الباعث لك على العمل؟
ومن الأمور التي ينبغي أن يحذر منها كذلك: صياغة السؤال بطريقة تقود الشيخ للإجابة التي يريدها السائل، وعدم التجرد في طرح السؤال، بعض الأحيان تقرأ أسئلة ما بقي إلا أن الشيخ يبصم عليها، أو يضع ختمه فقط، ولذلك لا بد أن يتجرد السائل أثناء الكتابة، ولا يكتب أو لا يتكلم بشيء كأنه يملي على الشيخ الجواب، يقول: يا شيخ ما حكم كذا وكذا وأنت تعلم يا شيخ أن هذا منهي عنه، فما هو الحكم؟
فكان ماذا؟ ماذا تقصد إذاً؟
ومن الأمور الخطيرة أيضاً: ما يعمد إليه بعض الناس المتخاصمين في مسألة شرعية، فيتخاصمون في المسألة كل واحد يقول هذه حكمها كذا والآخر يقول: حكمها كذا، طيب نتحاكم إلى شيخ، كل واحد يزين الواقعة حسب ما يوافق القول الذي قال به، يزين الواقعة والحادثة ويكيفها لا بحسب ما حدثت كما هي الأمانة، وإنما بحسب ما قاله هو لصاحبه واختلفا عليه.
وكثير من الناس يتحدون بعضهم في مجلس، نتصل بالشيخ، فيرفع السماعة ويتصل، فلا بد إذاً من التجرد، ولا يصح أن تجعل كلام الشيخ لتنتصر لنفسك، وإنما تجعل كلام الشيخ لتنتصر للحق، فكثير من الناس يريد من الشيخ أن يوافق قوله، ولو قال الشيخ بخلافه لقال: لكن يا شيخ انظر في المسألة، كأنه يريد أن يوافق الشيخ قوله، حتى لا يرجع إلى الناس بجواب يحرج به.
فإذاً ما هو هدفنا؟ البحث عن الحق، أو إفحام الناس؟
البحث عن الحق أو أن نظهر نحن بمظهر الذين انتصرنا في المعركة والكلام.
ومن الأمور التي يحذر منها كذلك في قضية الأسئلة: إشغال المشايخ بالأمور التافهة، مثل أسئلة المسابقات، وهذه كثيرة، وبعد كل رمضان، وهذه قضية ملموسة بعد كل رمضان الأسئلة تكثر في المسابقات، أي شيء ينزل في مسابقة المدرسة، مسابقة كلية، مسابقة جامعة، مسابقة هيئة، مسابقة محل تجاري.
تجد يا شيخ من هو أول شهيد في الإسلام؟! يا شيخ من هي أول سرية خرجت؟! يا شيخ كم مرة ذكر العسل في القرآن؟!
ثم افرض السؤال سؤالاً شرعياً ، سؤال المسابقة موضوع للناس لكي يبحثوا بأنفسهم، وليس لكي يتصل ليمليه الأسئلة صح خطأ، والأجوبة بعدين يروح يقدمها، وهذا شيء يفعله ضعفاء العقول، يفعله أناس لا يقيمون وزناً لأوقات أهل العلم، ولا للمشايخ، ولا لأنفسهم هم أيضاً، ولذلك قال لي بعض العلماء: أنا أي سؤال أحس أنه سؤال مسابقات ما أجيب عليه، أقول: ابحث أنت، مطلوب منك أن تبحث فيه، ممكن نعذر طالباً صغيراً، فسأل سؤالاً، دعه يتعود على سؤال العلماء، أو سؤال المشايخ، أو سؤال طلبة العلم، يتعود نشجعه ولو كان سؤال مسابقة، أما شخص كبير، إنسان في جامعة، واحد ناضج بلغ من السن مرحلة لا بأس بها يجي يسأل الشيخ سؤال مسابقة.
ومن الأمور المهمة كذلك: عدم السؤال عن الغرائب، وعما لا ينتفع ولا يعمل به، وعن الفرضيات التي لم تحدث، هذا كلام ذكره أهل العلم في كتبهم عدم السؤال عن الغرائب وعما لا ينتفع ولا يعمل به، وما لم يكن؛ سؤال الفرضيات، قال المروزي -رحمه الله-: قال أبو عبد الله الإمام أحمد: سألني رجل مرة عن يأجوج ومأجوج أمسلمون هم؟ فقلت له: أأحكمت العلم حتى تسأل عن ذا؟ خلاص الأشياء المهمة أحكمتها حتى تسأل عن هذا السؤال؟
وقال أحمد بن القطيعي: دخلت على أبي عبد الله، يعني: الإمام أحمد فقلت: أتوضأ بماء النورة؟ نورة خالطت الماء أتوضأ به؟ فقال: ما أحب ذلك، فقلت: أتوضأ بماء الباقلاء؟ قال: ما أحب ذلك، قال: ثم قمت فتعلق بثوبي، وقال: أيش تقول إذا دخلت المسجد؟ فسكت، فقال: أيش تقول إذا خرجت من المسجد؟ فسكت، فقال: اذهب فتعلم هذه، قبل أن تسأل عن الوضوء بماء الباقلاء، تعلم دعاء دخول المسجد والخروج من المسجد، وهؤلاء التلاميذ تعلموا وأصبحوا جهابذة، بفضل هذه التربية.
عن ابن عباس قال: "ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله ﷺ ما سألوا إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض، كلهن في القرآن، وما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم" [مسند الدارمي: 1/244، وجامع بيان العلم وفضله: 2/1062] فكر قبل السؤال هذا السؤال يفيدك أم لا، ينفعك أم لا، سؤال عملي أم افتراضي لا يحصل إلا نادراً جداً؟
حكم السؤال عن الأشياء التي لم تحدث
ما حكم السؤال عن الأشياء التي لم تحدث؟ شيء ما حدث لك ما حكم السؤال عنه؟
في الحقيقة التوفيق بين النصوص، والمسلك الوسط والله أعلم أن نقول: إن السؤال عن الشيء المتوقع حصوله لك، يعني مثلاً أنت سافرت إلى مكان معين، وفي السفر تتوقع أن تحدث لك أشياء، مثلاً: أنت صمت في هذه البلد، ستذهب إلى بلد صاموا بعدنا بيوم أو يومين، ماذا تفعل هناك؟ السؤال عن هذا الموضوع سؤال جيد أو غير جيد؟
سؤال جيد، لماذا؟ لأن هذا الشيء متوقع حصوله، لكن أن تسأل عن شيء نادر جداً ما يحدث يمكن لو واحد في المليون تسأل يمكن أن يحصل لي؟ فتدوخ الشيخ وتضيع وقته، وتهدر الكلام والوقت في فرضيات ما تحصل إلا نادر جداً.
فإذاً، السؤال عما لم يحدث ينقسم إلى قسمين: إذا كان متوقعاً حصوله السؤال جيد، وإذا كان غير متوقع حصوله، فالسؤال مذموم، ويدخل في حديث النبي ﷺ: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه[رواه الترمذي: 2317، وابن ماجه: 3976، وأحمد: 1737، وقال محققو المسند: "حسن بشواهده"].
ويدخل في حديث النبي ﷺ: وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال[رواه البخاري: 2408، ومسلم: 593].
ويدخل في أنه كره النبي ﷺ المسائل وعابها [رواه البخاري: 5259، ومسلم: 1492]، وهكذا..
عدم السؤال عن الأغلوطات، وسوء القصد في الأسئلة
ومن الأمور كذلك: عدم السؤال عن الأغلوطات، وسوء القصد في الأسئلة.
وكذلك السؤال عما لا ينبغي السؤال فيه، خذ مثالاً من السيرة من سنة النبي ﷺ، روى البخاري رحمه الله -تعالى- في صحيحه، عن زيد بن خالد الجهني : أن رجلاً سأل رسول الله ﷺ عن اللقطة، قال: عرفها سنة، ثم اعرف وكاءها وعفاصها، ثم استنفق بها، فإن جاء ربها -صاحبها- فأدها إليه، فقال: يا رسول الله: فضالة الغنم؟ قال: خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب، قال: يا رسول الله: فضالة الإبل؟ قال فغضب رسول الله ﷺ حتى احمرت وجنتاه [رواه البخاري: 2436]، وفي رواية: أحمر وجهه، ثم قال: مالك ولها؟! معها حذاؤها وسقاؤها حتى يلقاها ربها[روله البخاري: 6112، ومسلم: 1722].
مالك ولها في أحد يسأل عن ضالة الإبل التي تستطيع الدفاع عن نفسها، وتصبر على مر الوقت، وعلى العطش وعلى الجوع حتى يلقاها ربها.
فإذاً، هذا السؤال لا داعي له، لذلك غضب النبي ﷺ، وقال مالك: قال رجل للشعبي:
إني خبأت لك مسائل" واحد جاي للشيخ يقول أنا الآن مجهز لك أسئلة فقال الشعبي -رحمه الله-: فقال: أخبئها لإبليس حتى تلقاه فتسأله عنها" [الآداب الشرعية: 2/74].
وفي البخاري عن يوسف بن ماهر: أن رجلاً عراقياً قال لعائشة: أي الكفن خير؟ قالت: ويحك وما يضرك [الآداب الشرعية: 2/76] أنت ميت.
عدم إملال الشيخ بكثرة الأسئلة
ومن الآداب المهمة أيضاً: عدم إملال الشيخ بكثرة الأسئلة، عن رواد قال: سألت مالكاً عن أربعة أحاديث، فلما سألته عن الخامس، قال: يا هذا ما هذا بإنصاف؟ [الجامع لأخلاق الراوي: 1/215].
وكان إسماعيل بن أبي خالد من أحسن الناس خلقاً، فلم يزالوا به حتى ساء خلقه [الجامع لأخلاق الراوي: 1/218] يكون الشيخ مثلاً هادئ الطبع، حسن الخلق، واسع الصدر، فمن كثرة ما يشغله الناس ويضيقون عليه، ويزيدون ويشددون، ويكثرون في الأسئلة، يتغير خلقه فعلاً مع الوقت، يتغير خلقه، ولذلك كان أبو معاوية -ذكره أهل العلم في كتبهم، ونقوله لتوضيح القضية- كان أبو معاوية يحدثنا يوماً بحديث الأعمش عن زر ، وكان ثم أهل الباتوجة، وأهل الباتوجة هؤلاء الظاهر أنهم ناس لا يعلقون جيداً، فجعلوا يردون: عن الأعمش عن مَن؟ يقول: عن زر، عن من يقول عن زر من هو؟ زر؟ قال: عن إبليس، فلما رآهم لا يفهمون، قال: عن إبليس من الضجر" [الجامع لأخلاق الراوي: 1/218].
وجاء رجل إلى يحيى بن سعيد يسأله عن أحاديث وطول عليه، فقال له يحيى في النهاية: ما أراك إلا خيراً مني ولكنك ثقيل" [الجامع لأخلاق الراوي: 1/221] أنت حريص لكنك ثقيل دم، أنت ثقيل.
وحضرت ذات مرة مجلس عالم كبير من العلماء، فسأله رجل فأضجر الشيخ، الشيخ يقول: تعال لي غداً، يقول: أنا مستعجل وأنا مسافر، قال: تعال غداً، فقال: أنا لا أستطيع، قال: تعال بعد شهر، تعال بعد شهرين، فزاد الرجل، فقال الشيخ: تعال بعد يوم القيامة، تعرف يوم القيامة تعال بعد يوم القيامة.
فإذاً، الناس إذا كان فعلاً ما راعوا العلماء وما راعوا المشايخ، هذا من هنا وهذا من هنا، وهذا في الهاتف، وهذا جاء، النفس لها حدود، ولها قدرة في التحمل، والواحد منا نحن السائلين يأتي ليسأل بكامل عافيته، يأتي شبعان نوم، وأكل ومستريح، وجاء للشيخ مجهزاً نفسه، والشيخ عنده أسئلة وناس وأوراق، ويأتي ليبرز الآن ما عنده من أشياء، فينبغي أن تراعي أن هذا الشيخ كثر عليه الناس، أن هذا الشيخ حاله يحتاج إلى شفقة، ما وجدت المكان ولا الزمن المناسب، اذهب يا أخي، عد مرة أخرى، اكتف بسؤال واحد، أجل الباقي فيما بعد.
سؤال أهل العلم للإفحام والمماراة
وكذلك من آفات بعض السائلين: أنهم يحفظون أطرافاً من المسائل، ونتفاً من الأحاديث مثلاً تعلق في أذهانهم، ثم يأتون يسألون العلماء أو المشايخ، يقول: أيش معنى حديث كذا؟ يأتي بالحديث غلط، ويأتي بجزء من الحديث، ما حفظ منه إلا كلمتين، أو مسألة سمعها في مجلس ما عقل منها إلا كلمتين، يأتي للشيخ ويقول: ما كذا، جاء ابن عجلان إلى زيد بن أسلم، فسأله عن شيء فخلط عليه الكلام، فقال زيد: اذهب فتعلم كيف تسأل، ثم تعال فسل.
وقال ابن عيينة: ضمني أبي إلى معمر وكان معمر -رحمه الله- يجيء إلى الزهري يسمع منه، فأمسك له دابته، ابن عيينة كان صغيراً، أبوه وضعه مع معمر، حتى يتعلم من معمر، ومعمر يذهب إلى شيخه، وهو الزهري فيسأله؟ إذا ذهب معمر إلى الزهري، أمسك ابن عيينة بدابة معمر، كان ابن عيينة صغيراً، قال: فجئت يوماً فدخل معمر على الزهري وأنا ماسك دابة معمر في الخارج، فقلت لإنسان: أمسك الدابة، فدخلت وإذا مشيخة قريش حوله -حول الزهري- فقلت له: يا أبا بكر كيف حديث النبي ﷺ: بئس الطعام طعام الأغنياء قال: فصاحوا بي -الناس- فقال هو: تعال، ليس كذا، الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليه الأغنياء ويترك الفقراء، ومن لم يجب فقد عصى الله ورسوله[الجامع لأخلاق الراوي: 1/214].
فإذاً، الواحد ما هو يحفظ كلمتين من حديث، أو طرف مسألة، ويأتي إلى الشيخ يجادله بها.
وبعض السائلين عندهم آفة استعراض العضلات عند العلماء، يبحث مسألة ويقرأ فيها ويطلع، ثم يتصل بشيخه، لا يوجد شيء استغلق عليه ليسأل عنه، ولا يوجد شيء غريب يسأل عنه، ولا يريد أن يسأل عن الراجح بين قولين، وإنما ليذكر للشيخ تفاصيل البحث الذي عمله، ويقول: يا شيخ ما حكم كذا؟ الشيخ الآن ما يتذكر كل التفاصيل، كمن بحث الآن، الذي قرأ الآن طالع في الكتب هذا الآن ليس مثله مثل الشيخ الذي هو بعيد عهد بالمسألة، فيقول: يا شيخ! ما حكم كذا؟ فيقول الجواب الفلاني، يقول: لكن الكلام الفلاني قال في كتاب الفلاني كذا، ولكن هذه دليلها كذا، فأنت لماذا تسأل؟ نعود دائماً ونكرر على الناس نقول: لماذا تسأل؟ استعراض عضلات من طلب العلم ليجاري به العلماء أو ليماري به السفهاء أو يصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار[رواه الترمذي: 2654، وقال الألباني: "صحيح لغيره" كما في صحيح الترغيب والترهيب: 106].
وبعضهم يأتي بسؤال يلف به على المشايخ، لمجرد أن يقول في المجالس: سألت الشيخ فلان قال كذا، سألت الشيخ فلان قال كذا، يفتخر بأنه جمع أقوال المشايخ، أين الإخلاص يا أيها السائل؟ أين الإخلاص يا طالب العلم؟
ولذلك المقصود من السؤال حقيقة هو الاسترشاد وطلب الفائدة، وليس استكشاف المسؤول، وحب الاستطلاع، وإحراج المشايخ بالأسئلة، وفرد العضلات.
أعطيكم مثالاً عن السؤال عن أشياء غير مناسبة، وفيها شيء من الإزراء: سمعت أنك أخذت عمرة، فهل أنت حلقت أو قصرت نرجو منك أن تكشف غطاء رأسك لنا، لنراه؟
طيب أيش معنى هذا؟ ما هي فائدته؟ أنت تعلم حديث النبي ﷺ أنه دعا للمحلقين ثلاثاً، ودعا للمقصرين واحدة، أنت تعلم الحكم الشرعي، فتأتي تسأل واحد وتقول: اكشف لنا شعرك نراه أمام الناس.
أو كذلك مثلاً أن يُسأل الشيخ في قضية ما له علاقة بها أبداً.
هذه أسئلة وردت في محاضرة شرعية:
السؤال: ما هو القولون العصبي؟ وما أسبابه؟ وما هو العلاج اللازم له؟ وهل يمكن الشفاء منه؟
سؤال آخر: امرأة أخذت بالغلط دم مصاب بفيروس الكبد الوبائي وهي امرأة متزوجة، هل هذا يؤثر على الأطفال الذين تنجبهم فيما بعد؟
سؤال آخر: لو أخذت المرأة إبرة من الحصبة الألمانية، وبعدها اكتشفت أنها حامل في الشهر الثالث ماذا الذي يتوقع من خطورته؟
حدث لي التهاب اللوزتين فوصف لي الطبيب دواء معيناً، وقال: عندي بؤرة صديدية، وبلغم، ثم داومت يومين على الدواء وبعد ذلك انقطعت عنه، وأحسست بالشفاء مع العلم أن هذا مضاد حيوي، هل يؤثر هذا على القلب أم لا؟
فإذاً، كونك تسأل شيخاً عن سؤال طبي، أو هندسي أو فلكي، ليس له فيه اطلاع، هذا أيضاً من إساءة الأدب، أن توجه له سؤالاً لا علاقة له به.
آداب سؤال أهل العلم عبر الهاتف
ونأتي الآن إلى الفقرة قبل الأخيرة: استخدام الهاتف في السؤال.
لا شك أن الهاتف -أيها الإخوة- من نعم الله ، والسؤال بالهاتف أمر قيضه الله لنا، لكي نستفيد منه، ومن أعظم ما يستخدم به الهاتف، إن لم يكن هو أعظم الأشياء على الإطلاق: سؤال أهل العلم.
لقد كان الناس يرحلون مسافات طويلة، ويسافرون ويتغربون، ويتركون الأوطان والأهل والأولاد من أجل مسألة أو حديث وجمع العلم، وأنت بإمكانك الآن استخدام الهاتف الذي يقرب لك المسافات، والذي يكون لك بمثابة الاستئذان على بيت الشيخ أو العالم لتسأله.
وينبغي أن نراعي في قضية استخدام الهاتف للسؤال أموراً، منها:
أولاً: عدم الاتصال في الأوقات المزعجة، بعض العلماء أو المشايخ قد يفصل الهاتف، وتنتهي القضية، وإذا جاء وقت الأسئلة وضعه، لكن بعضهم قد لا يفعل ذلك، ليس عنده إلا هاتف واحد، يبقيه في الليل للأشياء الطارئة والمستعجلة، فيأتي واحد الساعة واحدة ليلاً أو الثانية ليلاً يتصل ويقول: عندي شيء أقلقني وما عرفت كيف أنام ولا بد أن أسأل، طيب هل من البر بأهل العلم أن تفعل ذلك؟
ثانياً: لوم المشايخ، لماذا لا يردون على الهاتف؟ ولا يفكر السائل في ظروف الشيخ، وأحواله، وأهله، وقراءته، وراحته، وأكله وشربه، وملاعبة أولاده، ولا يفكر فيمن يسأل من الناس بعده، وإنما يقول: كل واحد يفترض نفسه صاحب الحق، وأن الشيخ مخطئ إذا لم يرد عليه.
ومن الأمور كذلك التي ننتبه لها في السؤال بالهاتف: الاستغراق بالسؤال عن الأحوال، والحلال والعيال، ونحو ذلك، أما السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فلا بد من السلام، والاستفتاح بشيء حسن قصير من دعاء مثلاً أن تقول: بارك الله في علمك، نفع الله بك يا شيخ، كذا كذا وكذا؟ أحسن الله عملك يا شيخ، ما حكم كذا؟ لا مؤاخذة يا شيخ على هذا الاتصال، ماحكم كذا؟ هذا شيء بسيط ما يأخذ وقتاً، لكن لو أن كل سائل يريد أن يسأل الشيخ عن حاله، وصحته وأولاده وبيته وحلاله، لو أن كل واحد يأخذ ولو نصف دقيقة، فلو كان يتصل على الشيخ مائة رجل في اليوم، فكم يكون ضاع من وقته، وكم من سؤال أهدر لأناس يتصلون من مسافات بعيدة على العلماء ليسألونهم.
وأقول لكم: بعض الأشياء التي استفدتها بنفسي من سؤال أهل العلم، وعلى رأسهم سماحة الشيخ/ عبد العزيز بن عبد الله بن باز نفع الله بعلمه وزاده أجراً، وأحسن عمله، ورفعه في الدارين، آمين، وجدت أن من الأشياء المفيدة: اختيار الوقت المناسب، وهو أول وقت الاتصال بالشيخ، فإذا كان الشيخ مثلاً يجلس بعد المغرب مثلاً بنصف ساعة إلى العشاء، فالحرص على الاتصال في أول الوقت، عندما يكون ذهن الشيخ صافياً، ما يكون فيه زحمة ناس وأشياء وناس كثيرون اتصلوا قبلك، لا بد تراعي قضية الناس الذين اتصلوا قبلك، فعندما تكون من أوائل المتصلين يكون الشيخ قد جاء من راحة فيكون أفرغ لك وأحسن، وهذه مسألة تحتاج إلى دقة وضبط في وقت الاتصال.
ومسألة التلطف والاختصار -كما قلت لكم في مسألة إلقاء السلام، ودعاء قصير جداً، ثم يتبعه بسؤال واضح، وأنا أحرص أن أكتب عادة عندي الأسئلة في دفتر، كل الأسئلة التي أسأل عنها في المسجد وليس عندي علم بها أكتبها في دفتر أولاً بأول، فإذا جاء وقت الاتصال وضعت الدفتر أمامي، ثم بدأت في الأسئلة، وأعرف أن الشيخ مثلاً يعاملني بثلاثة أسئلة في كل مرة، فلا أزيد على ذلك، فلا أزيد على هذه الثلاثة، وكذلك لا بد من مراعاة نفسية الشيخ، فأنت تسمع وتنتظر أحياناً يرد عليك، تسمع نقاشاً حاداً في قضية شخص ملح، أناس ما عندهم أدب مثلاً، فلو أنك استعملت كلمة واحدة في التخفيف عن الشيخ قبل سؤاله فيكون أمراً حسناً.
ثم -أيها الإخوة-: الصبر على الشيخ، أحياناً الواحد يتصل ربما ثلث ساعة، ربما نصف ساعة لكي تلتقط الخط، ثم لا تلقط الخط إلا أذان العشاء عند الشيخ، فقد يقول لك الشيخ مثلاً: وقت الأسئلة انتهى اتصل غداً، طبعاً الإنسان قد يتبرم ويضيق، أنا الآن متصل أنا جالس على الهاتف ثلث ساعة أتصل، وربما تجلس على الخط أيضاً عشر دقائق وتتكلم من منطقة خارجية، ثم إلى أن يفرغ من مناقشاته، ثم يقول لك: أذن العشاء اتصل غداً.
فينبغي إذًا الصبر والفسحة في الصدر.
وبعض السلف قالوا له: فلان -هذا العالم- صعب، كيف استطعت أن تدخل عليه؟ قال: إني تملقته حتى دخلت عليه، وصار يرحب بي، ويسمع كلامي.
وتعلمت كذلك ألا أقول للشيخ يوجد سؤال طويل اسمح لي آخذ من وقتك عشر دقائق، هذه مقدمات قاتلة بالنسبة للشيخ يسمع، فاختصر السؤال واعرضه.
ثم -أيها الإخوة- هناك مشايخ مشغولون، تسألهم سؤالاً محدداً، الجواب نعم أو لا، في مشايخ أفرغ، تسألهم عن الدليل، في مشايخ أفرغ تسألهم عن إشكالات في الدليل.
انتبه معي مثلاً قد يكون الشخص المتفرغ ليس عالماً كبيراً جداً، لكنه طالب علم متمكن، فيفيدك في الأدلة، وخلاف العلماء، وفي الراجح، في إشكالات عندك.
وأن تراعي أيضاً ولا تكون أنانياً، تراعي أن هناك أناساً ينتظرون دورهم في السؤال خلفك أنت ما تنزل السماعة إلا وهناك أناس كثيرون يتصلون، وقد تكون عندهم قضايا أهم من القضايا التي تعرضها أنت.
والمشكلة أن إحساس بعض الناس بمشكلته أكبر من إحساسه بوقت غيره.
آداب سؤال المرأة للمفتي عبر الهاتف
ثم أنتقل إلى النقطة قبل الأخيرة، وهي: أسئلة النساء، المرأة تجد متنفساً لها بالهاتف، ولا تستطيع أن تسافر ربما لتسأل أو تذهب بنفسها إلى المسجد لتسأل الشيخ، فيكون هذا الهاتف رحمة لها أن تستعمله، ولكن نلفت أنظار النساء في استخدام الهاتف إلى ما يلي:
أولاً: السؤال بقدر الحاجة، وربما لو سأل عنها رجل أفضل في بعض الأحيان، وأحياناً تحتاج أن تشرح مشكلتها بنفسها، فلا بأس أن تسأل.
ثانياً: لا داعي للمقدمات، هي تسأل الآن رجلاً أجنبياً: كيف حالك، وعساك بخير، كيف الأولاد؟ وكيف الصحة؟ هذا ليس مجال أن تسأل امرأة رجلاً أجنبياً.
ثالثاً: عدم الإطالة والإعادة التي لا داعي لها، كما يكثر في أسئلة النساء.
رابعاً: عدم الخضوع في القول، وعدم التكسر، وعدم الميوعة في الكلام، وقد تكون بعض النساء تعودت على هذا، ما يصلح أن تخاطب شيخاً وما زال رجلاً أجنبياً.
خامسا: قال الله : وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً[الأحزاب: 32] ولا يصلح أبداً أن تأتي امرأة وتقول لشيخ أو لطالب علم حتى من الشباب: إني أحبك في الله، هذه من مفاتيح الشيطان ومن أبواب إبليس.
وكذلك أخيراً: عدم التبسط وإزالة الكلفة مع الشيخ، يعني: تتكلم وكأنها تكلم زوجها، أو تكلم أخاها، أو تكلم أباها مثلاً، فتتبسط وترفع الكلفة، ويقل الأدب، فهذه بعض النصائح التي نقولها أيضاً في هذا المجال.
بعض الأسئلة الطريفة
وختاماً: أقول لكم: بعض الأسئلة الطريفة التي تدل على أشياء مما حصل ووصل، بعض الناس يتصل وهو خائف أن يسمع جواباً معيناً، هذا رجل اتصل، قال: أسألك سؤالاً -يسأل وهو خائف من الجواب- أنا أتيت زوجتي في نهار رمضان وما أنزلت لكني وطئت، أيش الحكم؟
الجواب: ما دام أنك أولجت فعليك صيام شهرين.
قال: يا نهار أبيض! وسكر السماعة.
بعض الناس كأنه خائف من الجواب، وربما ظن أنه إذا أغلق السماعة كأنه ما سمع، كأنها ألغيت أو محيت.
وامرأة تقول: عندي أساور المسألة فيها زكاة؟
الجواب: نعم فيها زكاة، حسب حديث أبي داود في المرأة التي جاءت إلى النبي ﷺ.
قالت: ما عندي نقود.
تبيعين واحدة منها، وتخرجين الزكاة.
قالت: حسافة كلهم زينات.
وأحياناً يأتيك سؤال ما تدري هو كيف وصل عقله إلى هذا الحد، يقول رجل: أنا اعتمرت لنفسي فحلقت شعري، ثم خرجت للتنعيم، ثم أحرمت واعتمرت لأبي، فما وجدت شيئاً أحلقه، فنتفت من لحيتي شعرات، فهل هذه فكرة وجيهة؟ طيب اسأل عندك في الحرم ممكن تجد ناساً من أهل العلم.
أو هذا يقول واحد آخر يقول: وضعت الساعة لأتسحر، ووضعتها خطأ بعد ساعة يعني، وقمت على الساعة مسرعاً في البيت وجهزت الأكل وأخرجت طعاماً من الثلاجة، وضعته على الطاولة ووضعت الساعة أمامي وجلست آكل آكل، وأنا أطالع في الساعة آكل آكل طيب ما أذن، ثم قلت: لماذا المؤذنون كلهم نائمون اليوم؟ يقول: قمت وفي فمي لقمة، فتحت الستارة وإذا بالنور ظهر لي، نور النهار، فتورطت باللقمة التي في فمي، ماذا أفعل؟ فأخذت كوباً من الماء وبلعتها.
لو سامحناه في موضوع اللقمة هذه التي في فيه، إذاً كوب الماء الذي أخذه.
أو بعضهم يسأل بأسلوب يقول: توضأت بدون ما أغسل أحد الأعضاء وصليت، ثم وسوس لي الشيطان أن صلاتي غير صحيحة، كيف هذا؟ عدم غسل أحد الأعضاء هذا وضوء باطل، كيف وسوس لك الشيطان أن صلاتك غير صحيحة، هذا ما هو من الشيطان، هذا من الملك الذي دفعك للتفكير بهذا.
ومن أشد ما يؤلم أحياناً أن إنساناً يسألك عن مسألة، وهناك من هو أعلم منك يستطيع أن يسأله، بل خذوا هذه القصة، الآن مثلاً أنا أحاول أن أجيب على الأسئلة، وأحسن أحوالي أن أنقل فتاوى العلماء، لا عندي قدرة على الفتوى، ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه، أحسن أحوالي أن أنقل فتوى عالم أعرفه في المسألة إلى شخص، يأتيك أحد يسأل: السلام عليكم، ما حكم كذا وكذا أنا أكلمك مثلاً من الرياض ما حكم كذا وكذا ؟ تقول: الحكم كذا، لكن ليش ما تسأل الشيخ عندك الشيخ عبد العزيز، يقول: أنا سألته بس أحببت أن أتأكد.
سبحان الله فعلاً الناس لا يعرفون قدر العلماء، تتأكد من الأدنى على الأعلى؟ وممن لا يقارن تتأكد عن فتوى العالم؟ يعني فعلاً شيء مذهل أن الناس لا يعرفون قدر علمائهم.
وختاماً: أسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والإخلاص في القول والعمل، وحسن التعلم وحسن السؤال، إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد.