الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد.
مكانة منهج السلف
فإن منهج السلف الصالح كسفينة نوح، من ركب وتمسك بها نجا، ومن تركها هلك.
فهذا أسلم المناهج، وأصفاها، وأنقاها، وأحكمها، فهو أنقاها، وأحكمها، وأسلمها، والطريق المستقيم، والحق المبين، والجادة السليمة، والمحجة البيضاء النقية التي تركنا عليها الرسول ﷺ.
ونحن في زمن فتن وحيرة، واضطرابات، من تمسك بهذا المنهج في هذه الفتن نجا، ومن أخذ به عصم، ولم ينخدع بالأفكار الضالة المنحرفة، ولا بالأهواء التي تعصف اليوم.
ومنهج السلف هو الإسلام. لو قال واحد: منهج السلف، السلفية، السلفي، ما هذه القضية؟ نقول: لا لا هو الإسلام.
ولكن لما صارت الانحرافات، وبعض المبتدعة ما خرجوا عن الإسلام، ما تستطيع أن تخرجهم عن الإسلام فهو مسلم لكن مبتدع، فكيف يميز بينه وبين الذي على الجادة السوية؟
ولذلك صارت، نشأت مصطلحات عند العلماء للتمييز، مثلاً: منهج للسلف تمييزاً له عن منهج الخلف، أهل السنة تمييزاً لهم عن أهل البدعة، أهل الجماعة، السنة والجماعة تمييزاً لهم عن أهل الفرقة، الفرقة الناجية أو الطائفة المنصورة، كما أخبر النبي ﷺ أنها ناجية، وأنها منصورة تمييزاً لهم عن الفرق الهالكة، الفرق المنحرفة.
طبعاً كل صاحب باطل يقول أنا الحق، ولذلك كان لابد من التعرف على منهج السلف، ومن هم المخالفون لهم، وخصوصاً في هذا الزمان.
وقد سبق أن تكلمنا عن منهج السلف، وحقيقة منهج السلف بكلام موسع، فنحن نريد الآن في هذه الدورة إن شاء الله أن نعرض لملخص عن منهج السلف، ما هو؟ ما هي أصوله؟ ما هي أهميته؟ ما هي ميزاته؟
ثم نتحدث في عدد من الدروس إن شاء الله عن المخالفات المعاصرة لمنهج السلف.
يعني مثلاً، يعني نأخذ الأشياء الجذرية وغيرها، يعني مثلاً سنتحدث -إن شاء الله- عن شرك الربوبية، والإلحاديات، والوثنيات.
ونتحدث إن شاء الله عن الغلو ومذهب الخوارج، والذين يكفرون المسلمين ويستبيحون دماءهم، باعتبارهم مخالفة واضحة لمنهج السلف موجودة في هذا الزمان.
سنتحدث إن شاء الله عن أهل الإرجاء، وكيف أنهم عزلوا العمل عن الإيمان؟ وماذا ترتب على ذلك من الانحرافات؟
سنتحدث إن شاء الله عن أهل الذين قدموا العقل عقولهم على النصوص الشرعية، وإلى أي شيء آل إليه هذا الأمر؟ الذين يسمون أنفسهم بالمدرسة العقلانية، أو المدرسة التنويرية، ما هي يعني مقارنة لها بمنهج السلف، ما هي هذه المدرسة؟ وما هو هذا المذهب أو هذا المنهج؟
وسنتحدث كذلك -بمشيئة الله تعالى- عن الذين فصلوا الدين عن الحياة، فصلوا الدين عن الاقتصاد، الدين عن نواحي الحياة المختلفة، ومخالفة هذا الطرح لمنهج السلف.
وسنتحدث -إن شاء الله- عن ما يسمى بالموقف من الآخر، ما هو الطرح العصري الآن عند بعض المخالفين؟ كيف ينظرون إلى الكفار والعصاة والمبتدعة؟ وما هو منهج السلف من الكفار والعصاة والمبتدعة؟
وبهذا يتبين يعني أن هذه الدورة ستكون -إن شاء الله- فيها توضيح لأطروحات معاصرة كثيرة منحرفة، ونقارن هذه الأطروحات بمنهج السلف، ونبين الرد عليها وتفنيدها، وبيان ضلالها وزيغها وانحرافها، لأن هناك كثير من الواقعين فيها، حتى لا يقع المزيد أيضاً.
ففي أول درسين -بمشيئة الله- سنتحدث عن منهج السلف من جهة يعني الأهمية، ومن جهة الأصول، ثم نشرع في بيان كل فرقة من هذه الفرق المخالفة لمنهج السلف، وما هو موقف الشريعة أو موقف المنهج السلفي من هؤلاء؟
معنى منهج السلف
نحن نعلم أن منهج السلف هو الإسلام، الذي جاء به النبي ﷺ، وأن السلف هم رسول الله ﷺ فهم سلفنا، والصحابة، والتابعون بالدرجة الأولى، هؤلاء هم سلفنا، وهذا منهج السلف.
وأن الصحابة أولى الناس بفهم الإسلام، وأنهم تلقوا هذا الدين قرآناً وسنة عن النبي ﷺ، آمنوا به، وقبلوه، واستوعبوه، وفهموه، وعملوا به، وتبعهم على هذا الفهم الصحيح النقي للإسلام علماً وعملاً، وعقيدة وسلوكاً، وباطناً وظاهراً التابعون، ثم أتباع التابعين، وتبعهم بعد ذلك من أجيال الأمة أهل السنة والجماعة جيلاً بعد جيل، ليبلغون الإسلام للناس كما تلقوه ممن قبلهم، ويدعون إليه بنقائه وصفائه، واستقامته ووسطيته، بلا بدع ولا ضلالات، بلا إفراط ولا تفريط، بلا غلو، ولا جفاء، بلا تشديد، ولا تساهلات، وتنازلات.
ولا شك أن هذا المنهج -منهج السلف- هو المقصود بالهجوم أولاً، أول ما يقصد أعداء الإسلام: من يهود، ونصارى، ومجوس، وغيرهم، بالطعن، والحراب، والإغارة، هو هذا المنهج، لأن هذا هو سر قوة الأمة، وهذا هو سر تفوق الأمة، وهذا هو سبب انتصار الأمة.
فإذا صارت الغارة عليه: حرفوه، وغيروه، وبدلوه، حجبوه، منعوه، ضل المسلمون فلم يعودوا بأهل قوة، ولا شأن، ولا سلطان، ولا غلبة، وصاروا متخلفين عن الركب.
لقد تعرض هذا المنهج لحملات شديدة جداً من التشويه، والتلبيس، والتخليط من جهات كثيرة:
من جهة الكفار أعداء الإسلام، الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا.
من جهة المنافقين، الذين يتسترون بالإسلام، ليفسدوا على المسلمين دينهم وعقيدتهم، ويلقوا الشبهات في أوساطهم، ويثيروا الفتن بينهم.
من جهة أصحاب الأهواء والبدع، الذين يحرفون النصوص عامدين.
من جهة رابعاً الجهلة، الذين لا يفهمون حقيقة الدين، ومن جهل شيئاً عاداه.
وقد قال النبي ﷺ عن قوم: يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم [رواه البخاري: 3414، ومسلم: 822].
فلا يوجد فهم، ولا علم بهذا القرآن، فلا يكون حظهم منه إلا مروره على اللسان، فلا يجاوز تراقيهم ليصل إلى قلوبهم، لا يجاوز هو فقط ما هو عنده هذا حده، هذا حده.
ووسط هذا الزخم من التخليط والتخبط في فهم الإسلام، صار الأمر ملتبساً عند كثير من الناس، حتى أن كثيراً من غير المسلمين في الشرق والغرب، يعني يظنون مثلاً: الرافضة هو الإسلام، الصوفية هي الإسلام، مثلاً.
فكان لابد من بيان، يعني ما هو منهج السلف؟ ما هي أصوله وضوابطه؟ حتى يعرف المسلم الحدود التي لا يجوز له الخروج عنها، والثوابت التي يجب التمسك بها، وما هي الأصول التي يجب أن يعتقدها، ولا تختلط عليه الدروب، ولا تعمى عليه طريق الاستقامة، ولا ينخدع بالأهواء الضالة، ولا بالأفكار المنحرفة التي تعصف بأهلها.
ثم إن هذا المنهج يحمي من الانحرافات، يحمي من الزلل، وبقدر ما يحافظ عليه الإنسان المسلم، ويستوعبه، ويفهمه، ويتشربه، بقدر ما تستقيم حياته، وتستقيم عبادته، وتستقيم صلته بالله ، وكذلك يعني يستقيم ميزانه الذي، منظاره الذي ينظر به للأمور، وميزانه الذي يزن به الأشياء.
وطبيعي أن المخالفات لمنهج السلف كثيرة جداً، بدأت يعني مثلاً أول، يعني ما هي أول بدعة ظهرت؟ بدعة الخوارج، ثم بدعة القدرية، وبدعة المعتزلة، بدعة الجهمية، وطلعت بدع كثيرة بعد ذلك، وبدع أصلية، وبدع فرعية، وشيء يتفرع من شيء، وشيء كان في الأسماء والصفات، وشيء كان في القضاء والقدر، وشيء كان في الإيمان، وشيء كان في أبواب متعددة، وشيء كان في الصحابة والقرآن.
فإذن البدع مواضعها يعني متعددة، لكن يهمنا منها الآن يعني رؤوس الانحرافات الموجودة في العصر الحاضر.
لما نتكلم مثلاً عن شرك الربوبية والوثنيات والإلحاديات، أنه هذا الآن، هذا موجود في الجامعات في العالم، ويدرسه طلاب مسلمون، ويغشون المنتديات الإلحادية، ويقرؤون الروايات الإلحادية، ويدخلون الدورات الوثنية، في دورات الآن كثيرة، فيها من وثنيات الشرق، وإلحاديات الغرب، موجودة.
وكذلك كما قلنا: موضوع الإرجاء، يعني فصل العمل عن الإيمان، كون بعض الناس فعلاً ينادون اليوم بعقيدة المرجئة، يوجد خوارج، أو أفكار الخوارج المكفرين الغلاة، مستبيحي الدماء مثلاً، مستبيحي دماء المسلمين طبعاً.
كذلك توجد الأفكار العلمانية التي فيها فصل الدين عن الحياة، خلاص جعل الدين: ما لله لله وخلاص، والباقي الصلة مع الله في المسجد مثلاً، في رمضان، في الحج، الباقي خلاص يخضع للتنظيمات الأممية، والدولية، والعالمية، والإقليمية، فخلاص هي التي تشرع لهم في نواحي الحياة المختلفة، في اقتصاد، في السياسة، في الاجتماع.
وكذلك سنتحدث عن الانحرافات السلوكية، بعض الانحرافات السلوكية، والأخلاقية، يعني الانحرافات عن الأخلاق المستقيمة المجانبة لمنهج السلف في السلوك والأخلاق، لأن يعني قضية السلوك والأخلاق وإن لم تكن هي قضية عقدية، لكن هي من صميم منهج السلف.
يعني بعض الناس يتصور أن منهج السلف فقط عقيدة، أو منهج السلف فقط أشياء علمية، لا ما هو صحيح، منهج السلف فيه أخلاق، وفيه آداب.
وفي ناس جانبوا منهج السلف اليوم في قضية أخلاقهم وآدابهم، وهذا سنختم به -إن شاء الله-.
وباعتبار أن الكلام يعني سيكون منهج السلف هو الذي سيقارن به، ويحتكم إليه، ويوازن به، فلابد أن نعرف ما هو منهج السلف؟
المنهج في اللغة
أما كلمة (المنهج) فتدور في لغة العرب حول عدة معاني، أهمها:
أولاً: الطريق الذي يسلكه السالك في سيره، فالناهج هو الطريق، والمنهج مستقيم الطريق، يعني هذا المنهج من صفاته، هو طبعاً طريق:
1- مسلوك.
2- مستقيم. ثانياً المنهج يتصف بالوضوح والبيان، لما تقول منهج السلف فيه وضوح وبيان، بين واضح.
3- كما قلنا مسلوك مطروق، يعني فيه ناس، هذا ما هو مجرد منهج نظري ما أحد سلكه، وغير مطبق، وغير معمول به، بل إن حديث الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، يدل على أن هذا المنهج يعني معمول به ومسلوك إلى آخر الزمان.
وقد جاء في مختار الصحاح: "المنهاج هو الطريق الواضح، ونهج الطريق أبانه وأوضحه، ونهجه أيضاً تأتي بمعنى سلكه" [مختار الصحاح: 1/688] وهذا في مقاييس اللغة [5/288]، وتاج العروس، ومختار الصحاح، ولسان العرب [2/383] ، والمعجم الوسيط [2/957].
خلاصة معاني كلمة المنهج في اللغة: الطريق الواضح البين المستقيم، سواء كان حسياً أو معنوياً.
المنهج في الشرع
أما المنهج في الشرع، وهو الذي نريده الآن، فإن كلمة منهج أو منهاج وردت في الكتاب والسنة، فقد قال الله : لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً [المائدة: 48] يعني: سبيلاً وسنة يسلكونها، وشرعة يردونها، وطريقاً واضحاً يسيرون فيه. كما في تفسير البغوي. [تفسير البغوي: 2/58].
نجد مثلاً في السنة النبوية، قوله ﷺ: تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون [رواه أحمد: 18430]، وهو حديث حسن [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة:5 ].
ومعنى ذلك أن الخلفاء يسلكون منهج النبي ﷺ، ويسيرون على طريقته، فالمنهج أو المنهاج في السنة أو الكتاب، لا يخرج عن المعنى اللغوي المتقدم.
وأما في المعنى الخاص الذي يقصد عندما نقول (منهج السلف)، فإنه: مجموعة القواعد العامة، والضوابط، والأصول المأخوذة من الكتاب والسنة، والتي هي حقيقة توصل إلى الحقيقة.
وكلمة: (السلف) اللي هو النصف الآخر من هذا التركيب: (منهج السلف).
فإن السلف في لغة العرب يدور على معانٍ، أهمها:
أولاً: الجماعة المتقدمون: أو هو الذي نعنيه يعني نحن. السلف المقصود بها: الجماعة المتقدمون، سواءً في السير، يعني ساروا قبلنا، أو في السن أكبر منا، أو في الفضل، أو في الرحيل والمغادرة عن الدنيا.
قال الأزهري رحمه الله من أئمة اللغة: "والسلف أيضاً من تقدمك من آبائك" فإذا قيل: سلفك، سلفه، سلفنا: من تقدم من آبائك وذوي قرابتك، الذين هم فوقك في السن والفضل، واحدهم سالف". [تهذيب اللغة:4 / 287] ولسان العرب [9 / 158].
هذا طبعاً من جهة اللغة.
في القرآن: قال الإمام الدامغاني رحمه الله: "إن السلف جاءت في القرآن على معنيين: العبرة والعظة، كقوله تعالى: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ [الزخرف: 56] يعني عظة لمن بعدهم.
والثاني: ما تقدم من الزمن الأول، كقوله تعالى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ [النساء:23] مضى".
وكذلك وردت كلمة السلف في السنة بمعنى: المضي والتقدم، والسبق في الفضل والميزة والرتبة، كما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي ﷺ قال لفاطمة: لا أراني إلا قد حضر أجلي، وإنك أول أهلي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك [رواه مسلم: 4/1904].
قال ابن الأثير رحمه الله: "قوله: ونعم السلف أنا لك السلف الماضون، أي نعم ما تقدم لك مني، لأن السلف ما تقدم من الآباء والأجداد". [جامع الأصول في أحاديث الرسول: 9/132].
أما في الاصطلاح: وهو مقصودنا يعني في الحديث، فإن السلف: هم صحابة رسول الله ﷺ، وأئمة الهدى من القرون الثلاثة الأولى ، الذين شهد لهم رسول الله ﷺ بالخير، بل شهد لهم أنهم خير هذه الأمة، كما جاء في الصحيحين عن النبي ﷺ، قال: خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم [رواه البخاري: 2652, ومسلم: 2533].
طيب، لما نقول: منهج السلف الصالح، منهج السلف، ما المقصود به؟
ما كان عليه السلف الصالح الكرام، من الصحابة، والتابعين، وتابع التابعين، وأعيان المسلمين عبر العصور والدهور، أئمة الدين ممن شهد لهم بالإمامة، وعرف عظم شأنهم، وتلقى الناس كلامهم خلفاً عن سلف.
وهؤلاء لم يرموا ببدعة، ولم يشتهروا بلقب غير مرضي، ككلمة الخوارج مثلاً، كلمة يعني بغيضة، وأحياناً تكون النسبة إلى شخص أسس الطائفة: جهمية مثلاً، كلمة المعتزلة كلمة بغيضة، لأنهم اعتزلوا مجلس العلم، فإذن السلف ما رموا ببدعة، ولا بانحراف، ولا بلقب غير مرضي.
وما كان عليه السلف يشمل الطريقة التي كانوا عليها في الاعتقاد، والعبادة، والسلوك، والتعامل، فيدخل في منهج السلف: العقيدة التي كانوا عليها، مثل التوحيد، الإيمان بالغيبيات، القضاء والقدر، كيف كان اعتقادهم في القضاء والقدر، وهكذا.
يدخل في منهج السلف: الطريقة التي ربوا عليها أنفسهم، ربوا عليها طلابهم، ربوا عليها أهلهم ومن حولهم في تكميل النفس، وتزكية النفس وتهذيبها.
يدخل في كلمة منهج السلف: الطريقة التي سلكوها في التلقي. ما هي مصادرهم في التلقي؟ إيش يعني مثلاً منطق اليونان، فلسفة، منامات، عقلانيات، مجرد يعني أشياء، استحسانات.
ما هو منهج التلقي؟ ما هي الأصول؟ ما هي المصادر التي يتلقون منها؟ ما هي المصادر التي اعتمدوها؟ كيف تعاملوا مع النصوص الشرعية؟ وكيف استدلوا بها؟
وسبق طبعاً طرحنا بتفصيل في دورات ماضية: مصادر التلقي عند السلف، وطرحنا أيضاً موضوع: أصول الاستدلال، وكيفية الاستدلال بالنصوص عند السلف.
ألفاظ ذات صلة لمنهج السلف
طبعاً للتنبيه: إذا قيل: السلف، أهل السنة والجماعة، أو الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية، هذا شيء واحد.
طيب: لماذا ظهر مصطلح: أهل السنة والجماعة؟
أهل السنة؛ لأنهم تمسكوا بالسنة واجتمعوا عليها، ولم يلتفتوا إلى غيرها، لا في العقائد، ولا في العبادات، ولا في المعاملات.
سموا أهل السنة بتمسكهم بالسنة، وسموا أهل الجماعة لاجتماعهم على السنة، وعدم تفرقهم وتنابذهم.
وكذلك فإن أئمتهم قد اجتمعوا على هذه السنة وترك البدع والأهواء والتفرق، ما كان السلف جماعات مثلاً، كل جماعة لها أمير، ولها بيعة، ولها طريقة خاصة، ولها منهج خاص.
لا ما كان السلف هكذا، السلف أمة واحدة، فيهم أئمة نعم، فيهم علماء يعلمون الناس ما أنزل الله، فيهم أمراء الأجناد الذين يجاهدون في سبيل الله، ويبايعون على القتال في سبيل الله، وطبعاً هذه بيعة خاصة ليست بيعة عامة، خاصة بالقتال والمعركة والسمع والطاعة فيها، فيهم عباد وزهاد.
فإذن السلف أمة واحدة، ليسوا جماعات، وإن كان فيهم تخصصات، وهذا طبيعي أن يوجد فيهم تخصصات، حتى الصحابة يعني، كان في زيد أفرضهم، علي أقضاهم، معاذ بن جبل أفقههم بالحلال والحرام، أبي بن كعب أقرؤهم أضبطهم لقراءة الكتاب العزيز، تخصصات، ولكن لا يعني الواحد إذا تخصص في شيء لا يفهم الأشياء الأخرى، لا. ولكن هذا شيء فاق فيه وبرع خالد في الجهاد ، عمر في السياسة الشرعية، في الإمامة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ، عمر بن عبد العزيز.
قلنا: أهل السنة والجماعة لماذا سموا بذلك؟ والجماعة هم الصحابة وأهل العلم، والسواد الأعظم من الأمة.
ولذلك الآن لو قيل مثلاً الرافضة، نقول: كم يمثلون من الأمة؟ هل هم سوادها الأعظم؟ لا. القدرية كم يمثلون من الأمة؟ الجبرية كم يمثلون من الأمة؟ مثلاً.
وإذا رجعنا دائماً إلى أنه كلمة الجماعة، السلف، أهل السنة والجماعة، أصلاً هم القرون الثلاثة الأولى، هم أفضل الأمة، فكل البدع التي خرجت في ذلك الوقت، في القرون الثلاثة الأولى، ما كانت تمثل يعني نسبة ضخمة تطغى، لأن السواد الأعظم في السلف والقرون الأولى هم أهل الحق، هم أهل السنة، هم أهل الجماعة، أهل الإسلام الصحيح.
قال الإمام الشافعي رحمه الله في لزوم الجماعة: "اجتماع الأبدان لا يصنع شيئاً، فلم يكن للزوم جماعتهم معنى، إلا ما عليه اجتماعهم من التحليل والتحريم والطاعة فيهما، ومن قال بما تقول به جماعة المسلمين فقد لزم جماعتهم، ومن خالف ما تقول به جماعة المسلمين فقد خالف جماعتهم التي أمر بلزومها".
ولذلك قال العلامة أبو شامة المقدسي: "هو حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المستمسك به قليلاً والمخالف كثيرا كما حصل في الأزمنة المتأخرة، أو في بعض البلدان والأماكن، والقرون الثلاثة الأولى الكثرة الكاثرة هم على الطريقة الصحيحة والدين القويم".
قال: "لأن الحق الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي ﷺ وأصحابه ، ولا نظر إلى كثرة أهل الباطل بعدهم". [إغاثة اللهفان لابن القيم: 1/69] لأن الانحرافات صارت بعد ذلك.
فإذا قال: طيب ما يجي وقت يكون فيه يعني الحق غريب غرباء؟
نقول: إيه، في آخر الزمان، بس احنا الآن نتكلم عن القرون الثلاثة الأولى: ما هو سوادهم الأعظم؟ أهل الحق.
فلما نقول أهل السنة الملتزمون بالسنة، وما ورد عن النبي ﷺ وأصحابه علماً وعملاً وعقيدة وخلقاً وسلوكاً.
وعبر عن ذلك ابن رجب رحمه الله فقال: "طريقة النبي ﷺ التي كان عليها هو وأصحابه، السالمة من الشبهات والشهوات" [كشف الكربة في وصف أهل الغربة: 1/7].
الآن شاع مع الأسف عبارة يعني السنة فيما يجوز تركه، فيقال مومهم ليس مهم هذه سنة، ليس لازم هذه سنة، فصارت كلمة السنة الآن تطلق عند الناس على ما يجوز تركه.
طبعاً هذا اصطلاح حادث متأخر، ولا ما كانت كلمة السنة هذا مدلولها عند الصحابة الذين كانوا يحرصون على السنن ليفعلوها، ويتعلموها ليفعلوها، ونحن نتعلمها لنتركها، سنة مو مهم سنة.
إي بس حتى لو كانت مستحبة، لكن لا يقال بهذا الأسلوب من التزهيد والتقليل.
والسنة: ما سنه رسول الله ﷺ لأمته، وهي الطريقة والشريعة والمنهاج والسبيل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "والسنة التي يجب اتباعها ويحمد أهلها، ويذم من خالفها، هي سنة رسول الله ﷺ، في أمور الاعتقادات، وأمور العبادات، وسائر أمور الديانات، وذلك إنما يعرف بمعرفة أحاديث النبي ﷺ"
فكيف تعرف السنة؟ بمعرفة الأحاديث.
"الثابتة عنه في أقواله وأفعاله ﷺ، وما تركه من قول وعمل، ثم ما كان عليه السابقون والتابعون لهم بإحسان" انتهى كلام شيخ الإسلام رحمه الله. [مجموع الفتاوى: 3/378].
أحياناً يقال: أهل الحديث والأثر. هم السلف، هم أهل السنة والجماعة، لكن لماذا سموا بأهل الحديث والأثر؟ لشدة اتباعهم للنبي ﷺ، لشدة حرصهم على الحديث، لشدة تنقيحهم في الأحاديث، حتى يعرفوا الصحيح من السقيم، لشدة اهتمامهم بالأحاديث حفظاً ومعرفة وفهماً، ظاهراً وباطناً.
طيب: أحياناً يقال: أهل الاتباع. هو اتباع الكتاب والسنة.
الفرقة الناجية
أحياناً يقال: الفرقة الناجية. لأن النبي ﷺ قال: تفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي [رواه الترمذي: 2641، وحسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزياداته: 5343].
وأكثر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتبه، كالعقيدة الواسطية وغيرها، أكثر من استعمال هذا فقال في مقدمة الواسطية مثلاً: "أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة..." [العقيدة الواسطية: 1] إلى آخر كلامه.
أحياناً يقال: الطائفة المنصورة. لماذا؟ لأنها مذكورة في حديث النبي ﷺ: لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك [رواه مسلم: 1920].
مميزات هذه الأسماء عن الأسماء الأخرى
ما مميزات هذه الأسماء عن الأسماء الأخرى؟
أولاً: أنها نسب لم تنفصل عن الأمة الإسلامية منذ تكوينها على منهاج النبوة، فهي تحوي جميع المسلمين.
لكن لو مثلاً أخذنا: الفرقة النقشبندية، الفرقة الرفاعية، الفرقة الشاذلية، الفرقة العيدروسية، الفرقة المرسية، الفرقة البدوية، الفرقة... وهكذا.
سؤال: هل هذا الاسم ملازم لأهل الحق منذ ولادة الأمة إلى الآن؟
لا، هذا اسم ناشئ حديث، حزب كذا، جماعة كذا، هذا اسم ناشئ حديث، ما هو نسبة أصلية في الأمة.
ثانياً: أنا لما نتكلم عن السلف أهل السنة والجماعة، والطائفة المنصورة، الفرقة الناجية أنها تشتمل على كل الإسلام، فلا تنقص، مع أن بعض يوجد مثلاً بعض الجماعات، يقولون: والله نحن نقتصر على أمور السياسة، العقيدة هذا ما، ممكن تجي جماعة ثانية يقولوا: والله شوف نحن فقط شغلنا وتخصصنا أعمال القلوب، فقه حلال حرام هذا ...
فيقال: ما هو هذا الطريق؛ لأن منهج السلف، أهل السنة والجماعة هؤلاء ما عندهم شيء تجزئة الدين، كله كله، إن جيت للعلم علم، وإن جيت للجهاد جهاد، وإن جيت للورع ورع، وإن جيت للعبادة عبادة، وإن جيت للسياسة سياسة شرعية وإمامة، كله.
ثالثاً: أن هذه الأسماء لها أدلة كما قلنا، مأخوذة من أدلة شرعية، وليست مخترعات يعني.
رابعاً: أن هذه الأسماء المتعددة تدل على شيء واحد واحد، هو السلف، الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة، شيء واحد، وأن يعني استعمالها كان يعني لتمييز أهل الحق عن أهل الباطل والفرق التي خرجت، ولا كان كلمة الإسلام كافية، الإسلام، المسلمون خلصنا.
لكن طلع للمسلمين فرق كثيرة فكيف يتميز؟
ولذلك صار في شيء اسمه، يعني من الأشياء المضحكة: مسلم درزي، مسلم رافضي، مسلم نصيري، مسلم شيعي، مسلم إيش، مسلم صوفي، مسلم...
يعني صار إسلامات، يعني حتى صار ضاع الآن أي إسلام، حتى لو جاء واحد يبغا يدخل في الإسلام من الغرب غربي، إذا أراد أن يقول: أنا أريد أن أسلم، فيجي واحد يقول: مسلم إيش تبغا تصير مسلم إيش؟ مسلم إيش؟ صار كلمة مسلم ما تكفي للتعريف.
فأحياناً استعمال كلمة السلف، أو أهل السنة، يعني مسلم سني، آه إي صار، صارت فقط الاستعمال للتمييز، ولا هو كلمة الإسلام في الأصل مفترض أنها كافية جداً للتعبير عن الحق، عن المقصود.
خامساً: أن عقد الولاء والبراء، والموالاة والمعاداة لهذا المنهج الأصيل، ليس على طائفة معينة، ولا على صفة معينة، ولا على ثياب معينة، ولا على رسم معين، وإنما هو لكل من سلك هذا، وفي أي مكان كان.
فلما يجي واحد يقول: والله أنا مثلاً على منهج السلف، أو أنا من أهل السنة والجماعة، أو أرجو أن أكون من أهل السنة والجماعة.
لو شاف واحد في البرازيل، نفس العقيدة، ونفس المنهج، ونفس العبادة، ونفس الأصول، ونفس القواعد، ونفس الثوابت، ونفس المهج. يقول له: أنت أخي وأنا أخوك ما في أي فرق بيننا يعني، لا يفرق بيني وبينك لا حدود، ولا بلد، ولا.. ما في شيء اسمه أنا جماعة وأنت جماعة، وأنا حزب وأنت حزب، كلنا جماعة واحدة، كلنا أهل السنة والجماعة، كلنا على منهج السلف، خلاص.
وهذا فرق عظيم جداً؛ لأنه قد شاع بين الناس جماعات وأحزاب، وطبعاً نحن يجب أن نفرق بين يعني أن يجتمع ناس على التعاون على شيء معين، يقال مثلاً: هذه جماعة تحفيظ القرآن، ولا هذه جماعة مثلاً أنها اجتمعوا على طاعة معينة أو على مهمة معينة، وليس على منهج، على مهمة.
فهذه ما فيها مشكلة يعني، لأن هذه طبيعي، لأنه ما يمكن تحقيق مهمة معينة أنه تصير بدون تعاون ناس معينين القيام بها.
فلو قيل مثلاً هذه جمعية تحفيظ القرآن، هذه جمعية التفسير، هذه جمعية الحديث، هذه جمعية الفقه والنوازل الاهتمام بالنوازل، هذه تخصصات، ولا ماهي مناهج مختلفة، ما هي مناهج مختلفة.
لكن أصحاب الجماعات الضالة، لا. هم يميزون أنفسهم في جماعتهم بمنهج كامل غير بقية الناس، مافي في الإسلام كذا، تفريق المسلمين بهذا، بس أنتم تريدوا تحققوا مهمة معينة اجتماع، مثل واحد قال: نحن مجموعة وتس آب تخصصنا دعوة غير المسلمين، في مشكلة؟
يعني هل إذا سموا أنفسهم نحن جمعية دعوة، أو جماعة دعوة غير المسلمين. هل خرجوا بهذا الاسم عن الأصل، أو منهج السلف، أو أهل السنة والجماعة؟
لا. هذه مجرد تسمية تدل على اهتمامهم بموضوع معين تتجه إليه جهودهم وطاقتهم وتخصصهم، ما في مشكلة، جماعة المسلمين الجدد، جمعية المسلمين الجدد، منتدى المسلمين الجدد، مجموعة المسلمين الجدد، مجموعة دعوة غير المسلمين، سم ما شئت، ملتقى غير المسلمين.. لكن ما هو منهج، ما هو منهج مختلف عن منهج السلف.
بينما تجد الأشياء الضالة: لا. يقول لك: والله نحن أصولنا مثلاً نعتقد أن هناك اثني عشر إماماً معصوماً، يعلمون الغيب، ولا يموتون إلا.. وأنت ماشي، معصومون، وأنه يجب الإيمان باثني عشر إماماً معصوماً، يشرعون.
تجي على ناس ثانيين، مثلاً يقول لك: نؤمن بأن الباب إلى الله، الباب فلان الفلاني، والقطب الأعظم والغوث الأكبر فلان الفلاني يجي منه المدد، ويجي منه الكشوفات، فتجد أن أصولهم ما هي أصول أهل السنة والجماعة، هم ممكن تكون منها، ممكن يكون فيها حق وباطل ممكن، ممكن حق وباطل، لكن ما هي القضية قضية تخصصات، لأن تخصصات هذه ما في إشكال فيها أن يجتمع جماعة لتنفيذ مهمة معينة من المسلمين، ولا عندهم تميز بمعنى يعني حواجز ولاء وبراء، يعني مثلاً ناس أهل الفقه غير أهل التفسير، وأهل التفسير عندهم ولاء وبراء غير أهل العقيدة، وأهل التوحيد عندهم ولاء وبراء، غير، ليس كذلك، هذه مجرد أعمال وتخصصات.
فإذن الصفة الخامسة -الفرق بين منهج السلف، أهل السنة والجماعة، الطائفة المنصورة، الفرقة الناجية-: أنه لا يوجد تعصب لشخص غير النبي ﷺ، فما تجد أن يعني مثلاً هؤلاء يعني السلف وأهل السنة والجماعة، مثلاً لهم مؤسس غير النبي ﷺ، ما لهم مؤسس، لا يتعصبون لأحد غير النبي ﷺ، ليس لهم يعني رمز أنه خلاص، هذا نتبناه وندور حوله، وهذا هو مرجعنا غير النبي ﷺ.
وليش العلماء وأصحاب منهج السلف أنكروا على المتعصبين لأبي حنيفة، والمتعصبين لمالك، والمتعصبين للشافعي، والمتعصبين لأحمد، والمتعصبين لأي فقيه؟
لأنه خلاص ما عادت القضية قضية مدرسة فقهية داخل منهج السلف، وإنما صارت عند بعض الناس هي الجماعة التي يوالى من أجلها ويعادى من أجلها، ولا يصلي فلان المذهب خلف فلان آخر ليش؟
خلاص، لأنه صارت جماعة يتعصب لها، وفيها ولاء وبراء، يعني يوالي الذي فيها، ويعادى خارجها.
كما حصل من بعض الضلال الآن، ينشئون جماعة أو حزب أو فرقة، بعدين يقول: الذي يدخل معنا نواليه ونحبه وننصره، ونتساعد معه، وإلى آخره، والذي خارجها ما لنا دخل فيه، ونتخلى عنه، ولا ملزمين بشيء نحوه.
وهكذا تفرق المسلمون، هكذا، فكيف إذا صارت مثلاً القضية قضية عنصريات قبلية، مثلاً هذه قبيلة وأنا أوالي من أجل القبيلة وأعادي من أجل القبيلة، وأنصر من أهل القبيلة، وأتبرأ اللي برع القبيلة ما لي دخل فيه، وإذا صار له حادث ما .. ولا، لكن الذي من القبيلة.. فإذن صارت قضية بلدان، اللي أنا من البلد الفلاني، اللي معي من نفس البلد ونفس الجنسية، فهذا الذي أحبه وأنصره..، وإذا كان واحد من بلد أخرى ما لي دخل فيه.
كما يقع من بعض الجهال، إذا صارت مصيبة في بلد ثاني، قال إيش دخلنا؟ إيش دخلنا؟ إيش دخلك؟ إيه لأنه لو في منهج السلف صحيح مؤسس في النفوس، كان ما قلت هذا الكلام، كان ما قلت إيش دخلنا؟ لأنه صارت القضية قضية عصبيات: عصبية لحزب، عصبية لقبيلة، عصبية للبلد، عصبية لمذهب فقهي، عصبيات، فمنهج السلف خالي من العصبية، ما في عصبية، هذا ميزته.
ثم إن منهج السلف لا يفضي إلى بدعة ولا إلى معصية، بل إنه هو هو أصلاً يعني يرشد، هو يرشد، هو يسدد، هو يحمي من الانحراف والغلو.
أدلة وجوب اتباع منهج السلف
فإن قال قائل: ولماذا منهج السلف بالذات؟ ولماذا يعني أهل السنة والجماعة بالذات؟
فنقول: إن وجوب اتباع السلف الذين هم الصحابة والتابعين وتابع التابعين هم أصل الأمة، ومنبع الدين، ونقلة الشريعة الأساسيين، هؤلاء في أدلة يعني توجب اتباعهم، علينا نحن اللي جئنا من بعدهم، قال الله -تعالى-: فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ فَقَدْ اهْتَدَوا [البقرة: 137]ـ قال ابن عباس : "يخاطب به الصحابة".
فالآية جعلت إيمان الصحابة ميزاناً للتفريق بين الهداية والشقاق، وبين الحق والباطل: فإن آمن أهل الكتاب بما آمن به الصحابة. لاحظ الخطاب: فَإِنْ آمَنُوا يعني أهل الكتاب. بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ يعني يا أيها الصحابةفَقَدْ اهْتَدَوا. قال ابن عباس من هو المقصود بقوله: بِمِثْلِ مَا آمَنتُمْ بِهِ مين آمنتم؟ الصحابة.
فالآية جعلت إيمان الصحابة ميزاناً للتفريق بين الهداية والشقاق، والحق والباطل، والذي يتولى عن منهج الصحابة خلاص ليس بمسلم، وعلى قدر المطابقة تكون الهداية.
وكذلك فإن الله قد توعد من خالف طريق سلف هذه الأمة بالعذاب الأليم، فقال سبحانه: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ [النساء: 115].
فمن سلك طريقاً غير طريقهم، وسبيلاً غير سبيل المؤمنين، والمؤمنون الأوائل هم أساس المؤمنين، وقد شهد الله لأصحاب نبيه ﷺ ومن تبعهم بإحسان بالإيمان، فعلم قطعاً أنهم أهل هذه الآية والمراد بها كما قال شيخ الإسلام.
ولهذا كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: "سن رسول الله ﷺ وولاة الأمر بعده –يعني أبو بكر وعمر.. الخلفاء الراشدين- الخلفاء الراشدون سنوا بعده سنناً الأخذ بها اتباع لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من الخلق تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في شيء خالفها، من اهتدى بها فهو مهتدٍ، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن تركها اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا"
كلام عمر بن عبد العزيز في: [حلية الأولياء: 6/324، وشرف أصحاب الحديث: 5].
وقال ابن أبي زيد القيرواني: "اتباع سبيل المؤمنين وخير القرون من خير أمة أخرجت للناس نجاة، ففي المفزع إلى ذلك العصمة"
العصمة من البدعة، العصمة من الانحراف، العصمة من الكفر، العصمة من الزلل.
قال: "وفي اتباع السلف الصالح نجاة. وهم القدوة في تأويل ما تأولوه".
يعني تفسير ما فسروه، وشرح ما شرحوه.
"واستخراج ما استنبطوه، وإذا اختلفوا في الفروع والحوادث لم يخرج عن جماعتهم". [الثمر الداني: 2/223].
وقال الأوزاعي: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم"، يعني في مسائل ما خاضوا فيها لا تخوض، لا تخض فيها، "وقل فيما قالوا، وكف فيما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم". [الشريعة للآجري 1 /335].
ثم إن الله امر باتباع سبيل المنيبين إليه وسلوك مسلكهم، واعتقاد عقيدتهم، والسير على منهجهم، قال الله تعالى: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان: 15]، فإذا ما كان هؤلاء القرون الثلاثة هم الذين أنابوا إلى الله فمن الذي أناب؟ وكل الصحابة منيبون إلى الله، فوجب اتباع سبيلهم: وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ [لقمان: 15].
والدليل على أنهم منيبون إلى الله: أن الله هداهم، وقد قال في كتابه: وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ [الرعد: 27]، كما قال ابن القيم في إعلام الموقعين [4/137].
طيب، ثم إن الله أمرنا أن نكون معهم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة: 119].
قال ابن القيم رحمه الله-: "قال المفسرون، غير واحد من المفسرين: هم أصحاب محمد ﷺ، ولا ريب أنهم الأئمة الصادقين، وكل صادق بعدهم فبهم يأتم بصدقه، بل حقيقة صدقه اتباعه لهم". [إعلام الموقعين: 4/139].
طيب، والأدلة من السنة.
أن النبي ﷺ بين أنه لن ينجو أحد، إلا من كان على نهج صحابة نبيه ﷺ، متبعاً لهم.
فقال ﷺ: ليأتين على أمتي ما أتى على بني إسرائيل، حذو النعل بالنعل، وإن بني إسرائيل تفرقت على ثنتي وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلها في النار إلا واحدة -إلا ملة واحدة- قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي. [رواه الترمذي: 2641، وحسنه الألباني] هذا الحديث الحسن الذي رواه الترمذي يبين لنا هذا الموضوع.
وكذلك: لو سألنا من هي يعني اثنين وسبعين فرقة الباقية؟
هي الفرق التي خرجت في هذه الأمة: خوارج، جهمية، قدرية... وهذا يدل على أن فيصل التفريق بين الحق والباطل اتباع الصحابة.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: "ثم من طريقة أهل السنة والجماعة اتباع آثار رسول الله ﷺ باطناً وظاهراً، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار" [العقيدة الواسطية: 30].
ثم إن النبي ﷺ أمرنا بالسير على منهاجهم، فقال: إنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا.
طبعاً عشنا وشفنا، صح أو لا؟ عشنا.
فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيرا.
عشنا وشفنا، وعشنا ورأينا، رأينا اختلافاً كثيرا. فما هو الحل؟
فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة [رواه أبو داود: 4609، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 37]، وهو حديث صحيح.
فقرن سنة خلفائه بسنته، كما أمر باتباع سنته، وبالغ في ذلك حتى قال: عضوا عليها بالنواجذ.
وكذلك فإن النبي ﷺ جعل الصحابة على المحجة البيضاء، فنحن لابد أن نتبعهم، قال: قد تركتم على البيضاء -تركتم تركت من؟ الصحابة- على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك [رواه أحمد: 17182، وابن ماجة: 43، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة: 937]، وهو حديث صحيح.
فهؤلاء الذين عاينوا التنزيل، وعايشوا الوحي، وتلقوا القرآن والسنة عن نبيهم، وسمعوا بيانه وشرحه، وعرفوا أسباب نزول الآيات وورود الأحاديث الشريفة، والناس تبع لهم يعني، الناس بعد أبي هريرة، وعائشة، وابن عمر، وابن عمرو، وعلى من؟ أخذوا مِن مَن؟ هؤلاء الأئمة الصحابة، مصادر الدين، والناس تبع لهم في العلم، وعالة عليهم في ذلك.
ولذلك كان يعني البدعة الباطنية: إسقاط الصحابة، ليه؟ لأن هؤلاء يعني قادة الكفر أئمة الكفر الباطنية، لما اجتمعوا وفكروا: كيف يعني ننتقم من أهل هذا الدين، الذين فتحوا بلداننا، وأدخلوا شعوبنا في دينهم، كيف ننتقم؟ كيف نسقط الإسلام؟
الوسائل كثيرة طبعاً، لكن من أهم الوسائل التي ابتكروها: إسقاط الصحابة، الطعن في الصحابة، إسقاط عدالة الصحابة، ليه، سؤال يعني؟ يعني بعضهم يقول: طيب كرهوا عمر لأن عمر فتح..، طيب وعثمان؟ طيب زيد بن ثابت؟ طيب ليش مثلاً معاذ بن جبل؟ عائشة؟ أبو هريرة؟
يعني في مثلاً بعض الصحابة ما دخلوا بلاد فارس أساساً، لماذا عليهم عليهم؟ لأن هي القضية: إسقاط الدين، لأنك إذا أسقطت عدالة الصحابة، خلاص لا يقبل خبر هؤلاء؛ لأنهم فسقة، كفرة، مرتدون، إلى آخره، خلصنا. وهذه خطة خبيثة جداً، خطة خبيثة جداً.
فالمسلمون عيال على الصحابة في تلقي الدين، ومن وأين جاءنا؟ ومن أين سيأتينا؟ أنهم سمعوه من النبي ﷺ قرآناً وحديثاً، وبلغوه إلينا.
وهذا يقضي بوجوب العودة إلى الصحابة، واتباع الصحابة، وهؤلاء رأس السلف، يعني هم القرن الأول.
وأما بالنسبة للإجماع، فقد قال ابن قدامة رحمه الله: "ثبت وجوب اتباع السلف رحمة الله عليهم بالكتاب والسنة والإجماع، والعبرة دلت عليه". [ذم التأويل للمقدسي: 1/35، رقم:73].
وقال شيخ الإسلام: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف وانتسب إليه واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه بالاتفاق، فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقاً". [مجموع الفتاوى: 4/149].
وفي إعلام الموقعين: "لم يزل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله، من فتاوى الصحابة، وأقوالهم، ولا ينكره منكر منهم، وتصانيف العلماء شاهدة بذلك، ومناظراتهم ناطقة به". [إعلان الموقعين: 4/152] انتهى.
ثم يعني: من هو الأولى من السلف بالاتباع يعني، حتى لو كنت مخيراً، من الأولى من السلف بالاتباع؟ لا أحد.
من الذي يفوقهم ولا من الذي يوازيهم فضلاً؟ من الذي يوازيهم فضلاً؟ خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم خلاص بعد ذلك أخبر عن التغيرات: ويأتي ناس يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون، ويكذبون ولا يصدقون [رواه البخاري: 2651، ومسلم: 2535] خلاص تغير بعد ذلك عظيم.
يعني من يقول: لا، يعني هم بشر ونحن بشر! لماذا يعني الصحابة، ما لنا عقول؟
نقول: استعمل عقلك في اتباعهم، استعمل عقلك في فهم ما جاء عنهم، لازم تستعمل عقلك في مخالفتهم، ما عندك العقل هذا ما عنده استعمال إلا كيف تخالف الصحابة؟
وأي واحد يقول: ولسنا ملزمين، ويعني هذه كانت حقبة زمنية مباركة.
لأن الخبيث الخبثاء الذين يريدون إسقاط منهج السلف ما يذموهم، يعني في الغالب يعني، كانت هذه حقبة زمنية مباركة، لها وضع معين، ظروف معينة، يعني كان لهم أوضاع معينة، نحن أوضاعنا غير، فيبغا لنا فقه غير، وعقيدة غير، ومنهج غير، ثوابت غير، قواعد غير، أصول غير.
فمثلما طعن الباطنية في الصحابة في إسقاط الإسلام الوحيين يعني، وخلاص أن لهم اثنا عشر مصدر آخر هم، مثلما فعل أولئك يفعل بعض الناس اليوم في إسقاط السلف في الإتيان بأصول أخرى، ويعني هم رجال ونحن رجال.
يعني طيب يعني موسى رجل وفرعون رجل، وأبو بكر رجل وأبو جهل رجل، إن جيت يعني على الذكورة كلهم ذكور، ماذا تقصد بكلمة: هم رجال ونحن رجال؟
وكذلك فإن يعني لو سألنا: من أكمل الناس إيماناً؟ من أحسننا اعتقاداً؟ من أتقاهم لله في الأجيال يعني، خذ الجيل، لا تقارن واحد بواحد، خذ الجيل كله، قال تعالى:وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا [الفتح: 26] كلمة التقوى: لا إله إلا الله.
وقال عمرو بن ميمون: "ما تكلم الناس بشيء عظيم أفضل من لا إله إلا الله". [كتاب الدعاء للطبراني: 1/418].
طيب إيش المقصود بالآية؟ ألزمها أصحاب محمد ﷺ.
إذن الله ألزم أصحاب محمد ﷺ كلمة لا إله إلا الله، وكانوا أحق بها وأهلها .
ثم إن الله أخبر أنه رضي عنهم، هو ما قال لك أنه رضي عن المتأخرين، لكن قال لك: رضي عن الصحابة، فقال: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [التوبة: 100].
بل وعدهم بالجنة: وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى [الحديد: 10] الذي من قبل الفتح ومن بعد.
بل إن قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران: 110] هي أساساً المقصود بها الصحابة.
ثم أولى القرون بالخيرية لقربهم من النبي ﷺ: لا تزالون بخير مادام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير مادام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني، والله لا تزالون بخير مادام فيكم