الخميس 30 ربيع الأوّل 1446 هـ :: 3 أكتوبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

01- صفات الحق


عناصر المادة
المقدمة
أهمية معرفة الحق
صفاتُ الحق
الحق إلهي المصدر
التأييد الإلهي
الثبات وعدم الاضطراب
الحق يفصل بين النزاعات
يتصف الحق بالقوة
من صفات الحق: الخيرية
خلو الحق من التناقض والاضطراب
من علامات الحق الوضوح
الحق سهل الفهم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:

المقدمة

00:00:23

فإن الله هو الحق، ويدعو إلى الحق، ومنه الحق جل وعلا.
ومعرفة الحق واجب عظيم، فكيف نُميّز الحق؟ كيف نعرفه؟ ما هي الدلائل الدالة عليه؟ ما هي أماراته؟ ما هي صفاته؟ ما هي طريقة الوصول إليه؟ ما هي الصوارف عنه؟ كيف نتعامل معها؟ من هم أعدائه؟ وكيف نواجههم؟
هذه بصائر عظيمة، ينبغي على المسلم؛ وخصوصا في هذا الزمان أن يحرص عليها.
الحق شيء كبير، الحق قامت به السموات والأرض، الحق في خِضَمِّ هذه الشُّبهات، والانحرافات كثيرة، أين الحق في غمرة الأطراف المتصارعة، وأين هو الحق اليوم في غمرة الأطروحات والنظريات؟
كيف نعرف الحق الآن في ظل هذا الزخم الكبير الهائم، التي تبثه القنوات، وتزخر فيه المقالات، وهذه المنشورات على الشاشات، كيف تعرف الحق؟
الله أخرجنا من بطون أمهاتنا على الفطرة السليمة، فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم: 30]، وأقسم تعالى بذلك فقال: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا [الشمس: 7]، أي: وما خلقها.
وقد خلقها سويةً مستقيمةً على الفطرة القويمة، فطر الله الناس على معرفته، وعلى توحيده، وأن الحق لو عرض عليهم بدون موانع وصوارف سيقبلونه.
جعل الله في النفوس استعدادات للتعرف على الحق، والإحساس به وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى[الأعراف: 172].
الحق الذي لأجله خلق الله الخلق، وحقُ الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا [رواه البخاري: 2856، ومسلم: 152]، ولا بد من التعرف على الحق، ومعرفة مصادره، وكذلك فإن معرفة الحق من أشرف العلوم التي ينبغي تعلمها.

أهمية معرفة الحق

00:03:24

وهذا الحق من أسمائه، وأفعاله حق، وصفاته حق، وكل شيء يُنسب إليه تعالى فهو حق، والموضوع متعلق باسمه ، وشرف كل علم بشرف المعلوم؛ وهذا المعلوم له تعلّق باسم من أسمائه تعالى، وهو "الحق".
وقوله حقٌ، وفعله حقٌ، ووعده حقٌ، ولقائه حق، ورسله حق، وكتُبه حقٌ، ودار كرامته حقٌ، ودارُ عذابه حقٌ .
فإذاً، معرفة الحق من الفطرة.
ثانيا: معرفة الحق من أشرف العلوم.
ثالثا: معرفة الحق للتميز بينه وبين الباطل، وضبط الأمور؛ حتى لا يقع الزيغ، فإن للحق أمارات وعلامات نصبها الله تعالى.
والتمييز بين الحق والباطل أمرٌ مهم جداً.
رابعاً: معرفة الحق لاتخاذ الموقف من الحق بالتأييد، ومن ضد الحق –الباطل- للمواجهة.
خامساً: معرفة الحق تجعلك تؤيد أنصار الحق.
سادساً: مواجهة أعداء الحق.
وإذا عرفنا الصوارف عن الحق عرفنا كيف نواجهها، قال حذيفة : "كان الناس يسألون الني ﷺ عن الخير، وكنتُ أسأله عن الشر؛ مخافة أن يدركني" [رواه البخاري: 3605، ومسلم: 4890].
ما معنى: الحق واحد ولا يتعدد؟ ما معنى: الحق أبلج، والباطل لجلج؟ ما معنى: الحق له علامات، وأمارات.
سابعا: معرفة الحق تعين على الثبات عليه، والقين به؛ خصوصا في عصر الفتن من الشهوات والشبهات؛ خصوصا في عصر انتفاش الباطل، وهيمنته، وكثرته، وتغلبه المادي.
المسلم الذي يعرف الحق ثابت الجَنان، قوي الحُجّة، مطمئن في مسيره.
ثامناً: معرفة الحق تعين في الحكم على الأشخاص، والأعمال، والمواقف، والأحداث؛ لأنه لا يجوز الحكم على هذه الأشياء بالظن والتخرُّص، ولا الرجم بالغيب، ولا بالهوى والتشهي، ولا بالعصبية.
معنى الحق:
الحق في اللغة: كلمة تدل على "إحكام الشيء وصحته" [معجم مقاييس اللغة: 2/15].
الحق في كتب اللغة وصفوه بالعدل، ووصفوه بالثبات، ووصفوه بالوجوب، ووصفوه باليقين، ووصفوه بالصدق، ووصفوه بأنه ضد الباطل.
إذاً الحق: الإحكام، والصحة، والإصابة، والوجود، والثبات، والصدق، والعدل.
ما معنى: الله هو الحق؟ أي: حقٌ في وجوده، فلا يمكن لأحد أن يجحده ويكون مسلماً، حقٌ في أفعاله، حقٌ في قضائه وقدره، حقٌ في ذاته وصفاته، حقٌ في ألوهيته، فلا يستحق أحد العبادة إلا هو.
فقوله حق، وفعله حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه حق، الله هو الحق المطلق، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ[الحج: 6]، كل الناس، كل البشر، كل المخلوقات تفنى إلا الله، فإنه باق، يبقى، لأنه وجوده حق سبحان.


لكن وجودنا نحن، نأتي ونذهب، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ۝ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن: 26 - 27]، أسمائه سبحان وتعالى وصفاته حق، فلا يوجد في أسمائه مدح زائد، ولا يوجد في أسمائه شيء لا يستحقه .
وكذلك فإن شرعه حق، وشرع يره فيه الخطأ والصواب، وفيه الباطل والانحراف، وفيه النقص، وفيه الظلم، أما شرعه حق، عدل، كمال، شمول.
وكذلك فإن قوله حق، ليس فيه كذبٌ، ولا نقصٌ، ولا خلل، قال: فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ [ص: 84]، وتقيم المفعول وَالْحَقَّ أَقُولُ، وأصل الجملة: أقول الحقَ، فتقديم المفعول يفيد الحصر، يعني: لا أقول إلا الحق.
قال : وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ، نحن نقول حق وباطل، والبشر يخطئون ويصيبون، الله قول حق دائما. وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا[الأنعام: 115]، لا كذبَ، ولا ظلمَ، لا في شرعِه، ولا في قدَره، وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: 4]، سبحانه، يهدي إلى سبيل الحق، والناس كثيرون، منهم يهدون إلى سبيل الباطل، وكل ما سوى الله باطل، يهدي إلى باطل، إلا من دعا إلى سبيل الله، واستمدّ من الله، فيكون على الحق.
والناس لا يُعرفون في الحق إلا بنسبة إصابتهم من الحق الصادر عن الله.
وكذلك فإن وعده حق لا يخلف، ولا يتخلف وعده أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [يونس: 55] وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ [إبراهيم: 22].
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "فكما أن ذاته الحق، فقوله الحق، ووعده الحق، وأمره الحق، وأفعاله كلها حق، وجزاءه المستلزم لشرعه ودينه ولليوم الآخر حق، فمن أنكر شيء من ذلك فما وصف الله بأنه الحق المطلق من وجه، وبكل اعتبار، فكونه حقا يستلزم أن شرعه ودينه وثوابه وعقابه" [بدائع الفوائد: 4/972].
فكيف كلها حق، وأيضا فإن ملك الله حق، قال تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ [الفرقان: 26].
فلا يبقى لأحد من المخلوقين لا ملِك ولا ملَك، لا يبقى له شيء.
ولقائه حق، فالبعث حقٌ لا شك فيه، ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ[الأنعام: 62]، وحسابه حقٌ لا ظلم فيه، يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور : 25].
فإذاً، نجد أن كلمة الحق في القرآن والسنة كلمة متكررة، لها وزن كبير، ولها مدلولات عميقة، والقضية تستحق أن نبحث عنها، ونتعرف عليها، وأن نعتمدها، وندافع عنها، ونتبنّاها.

صفاتُ الحق

00:12:56

بعد أن عرفنا تعريف الحق، وارتباط الحق بالله ، ومن أسمائه "الحق"، فلنتعرف على صفات الحق.
لما الله خلق السموات والأرض، خلقهما بالحق، وأخبر أنه الحق، وأن شرعه حق، وأنه دعا العباد إلى سبيل الحق، ويريد الله للحق أن يَحِق، فإن من رحمة الله أن جعل للحق علامات، ولم يترك البشر يضطربون في معرفة الحق، أو تركهم في حيرة، بل نصب الله للحق علامات.
فهذه الكتب التي أنزلها، وهذه الرسل التي بعثها، وهؤلاء الدعاة الصادقين الذين قيّضهم، وهذه الأدلة التي ركزها في الفطرة، وفي القرآن، وفي الواقع؛ للدلالة على الحق، حتى لا يكون لأحد حجة يقول: ما علمتُ، ما دريتُ.
فالحق له صفات، وصفات الحق جميلة، وتميزه عن الباطل، ولن يشتبه الحق بالباطل عند مَن يريد معرفة الحق، ويستمدُ من الله العون والتوفيق، ويسلك السُّبل التي أرشده الله إليها في معرفة الحق.
أما مَن أغمض عينه، وأصم أذنه، فلن تملك له من الله شيئا، والشمس ساطعة في وضح النهار، لكن من تعامى عنها وأغلق عينيه لن يراها، صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ[البقرة: 171]، أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا[الأنعام: 122].

الحق إلهي المصدر

00:14:55

أهم صفة للحق أنه: "إلهي المصدر"، فمن أراد البحث عن الحق، فلا يمكن أن يبحث عن الحق في نظريات الغربيين والشرقيين مثلاً، ولا في معامل الأبحاث والمختبرات، لا يمكن أن يبحث عنه في آراء الناس، ولا يمكن أن يكون الحق في وسائل الإعلام، أو أن يُبحث عن الحق في المصادر البشرية مثلا.
وأعظم ميزه للحق أنه إلهي المصدر، ونتكلم هنا عن الحق كله بمجموعه؛ الحق في العقيدة، والحق في العبادة، والحق في المعاملة.
ولذلك هناك أناس عندهم مشكلة حقيقة، يبحثون يذهبون، يأخذون، ينظرون، يقولون: دعونا نرى ماذا لدى الهنود، والصينيين، والأوربيين، والغربيين؟ وماذا عند هؤلاء؟ وماذا عندهم..؟
هناك أناس تبحث، وتقرأ، ولربما ضاعت على أحدهم سنين طويلة وهو البحث، وربما يموت ولم يصل بعدُ، لكن الذي يعرف أن الحق إلهي المصدر، لا يمكن أن يبحث عن الحق في غير المصادر الإلهية، والمصادر الإلهية هي الوحي، ليست عندنا مصادر أخرى.
فالحبل الذي بيننا، وبين الله هذا الكتاب، وهذه السُّنة، فالذي يريد أن يبحث عن الحق خارج الكتاب والسُّنة ضال، ولن يصل، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب : 62].
هذا الحق الذي جاء من عند الله، هذا الحق وحي إلهي وتشريع رباني إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ [النساء : 105].
يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ [النساء : 174]، المصدر مِنْ المصدرية، مِنْ رَبِّكُمْ.
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [النساء : 174]،  فليس الحق نابع من إرادة، أو طبقة، أو حزب، أو قبيلة، أو شعب، أو أكثرية، أو ديمقراطية، ولا يمكن البحث عن الحق في الرأس مالية، والعلمانية، والليبرالية، والمذاهب البشرية؛ لأن الحق ليس له إلا مصدر واحد فقط، أنه من عند الله، والدليل وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ[الكهف : 29]، انتهت القضية.
قل للناس يا محمد: إن الحق الذي لا مِرية فيه هو من الله الذي خلقهم، وقال تعالى: الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران: 60] .
وكل مصدر آخر معرض للخلل، والضلال، والزيغ، والانحراف، فلان يعطيك رأياً خاصاً، هذا رأيه، لكن عندما يعطيك آيةً وحديثاً فإنه يعطيك حقاً، ولو رأيت قاضياً يقضي بالجور والظلم، فإنه لا يقضي من هواه، أو من جهل؛ لأن الله قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي [رواه مسلم: 6737 ].
وقال النبي ﷺ: القضاة ثلاثة، اثنان في النار[رواه ابن ماجة: 2315، والنسائي: 5891، والبيهقي: 20851، وصححه الألباني: 7896]، قاضٍ عرف الحق فجار، وآخر قضى على جارة.
ولذلك ترى المصادر الأخرى غير الوحي الإلهي تأتي بالأباطيل، فمثلاً: الدساتير البشرية لقوانين الأمم المتحدة تجدها تشرعن الظلم، أو الانحلال الأخلاقي، تبيح الشذوذ، زواج المثليين، والحرية الجنسية، والزنا والفاحشة.
وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا[الأعراف : 28]، هذه وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا محض افتراء، وبذلك ردَّ عليهم، قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ[الأعراف : 28].
فإذا رأيت انحرافاً في الواقع فإنه لا يمكن أن يكون مصدره إلهي، إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ، وأن هذا ليس حقاً.
ولذلك كل هذه النظريات، وكل هذه الفلسفات، ليست مصدراً للحق.

التأييد الإلهي

00:20:23

ثانيا: التأييد الإلهي:
أن الله أيد الحق بمعجزات للأنبياء، أيدّه بتثبيت أصحابه، أيدّه بسنن كونيه جارية، وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ[يونس : 82]، فيثبِّت أصحاب الحق على الحق وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ[الأنفال : 8].
وهذه كلماته السابقة الأزلية في الوعد بذلك، وهذه أوامره وقضاءآته، وهذه حججه وبراهينه.
الله يؤيد الحق بإرسال الرسل، ومعهم المعجزات الدالة على الحق، وإنزال الكتب المبينة كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ[البقرة : 213] ، رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء: 165] .
والمعجزات من التأييد الإلهي للحق؛ لأنه لا بدّ للناس من بينات تدلهم أنه هذا، وليس هذا، ولو كل انسان يقول: أنا رسول، اتبعوني، لفُتح الباب للمُبْطلين، فجعل الله للرسل الذين أُرسلوا من عنده آيات تدل على أنهم أتَوا من عنده بالحق، وأن غيرهم دجّالون كذابون.
قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [الأعراف: 73]، جادل فرعون، وقال: كيف نعرف يا موسى أنك من عند الله؟ قال: أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ قال: فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ[الشعراء: 31].
فَأَلْقَى عَصَاهُ[الشعراء: 32]، الفرق واضح جداً بين هذه الآية، وبين عمل السحرة، ولا يمكن أن يُقارِع ما عند هؤلاء ما جاء به موسى عليه السلام.
كل رسول لديه آية تبين للناس الذين أُرسل إليهم، أنه حق، وجاء من عند الحق، برسالة الحق، ودين الحق، حتى لا يأتي كل واحد يدعي، ولو قال لنا قائل الآن: أنتم يا أيها المسلمون تقولون: أنكم على الحق؟ نقول: نعم، وما هو دليلكم؟ ولماذا تدّعون أنكم على الحق؟ نقول: لأنه قد جاءنا رسول من الله بالحق.
فإن قال: كيف عرفتم أن هذا الرسول صادق؟ فقد يكون كذاباً، وهناك الكثير ممن ادعى النبوة غيره، حتى في هذا الزمن، نقول: لأن نبينا قد جاء بدليل على أنه بُعث بالحق، هذا الد يا محمد ليل مُعْجِز، وآيةً من آياته العظيمة، بتأييد إلهي، وهو هذا القرآن.
إيتوا لنا بمثله -يا أيها العالم-، نحن عندنا دليلٌ قاطع على أننا على الحق، ورسولنا حق، والإسلام حق، ولا حق غير هذا؛ بهذا القرآن المُجوّد الآن، غير الآيات والمعجزات التي كانت في عهد النبي ﷺ.
وكل رسول كان لديه من البيّنات، فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ ۝ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ[الشعراء : 32 - 33]  لأنه ما من الأنبياء نبي إلا أُعطي ما مثله آمن عليه البشر [رواه البخاري: 4981، ومسلم: 402].
فالبشر يحتاجون إلى أدلة وبيّنات.
وإنما كان الذي أوتيتُ وحياً أوحاه الله إليّ، هذه آيتي ومعجزتي، فأرجوا أن أكون تابعاً يوم القيامة؛ لأن آيته ومعجزته مستمرة إلى قيام الساعة.
وأيضاً جعل الله على الحق براهين، وأدلة، كما قال تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ[الأنعام: 149].
فهذا القرآن لا يمكن أن يكون من تأليف بشر.
وقد حاول البشر في كل العصور السابقة واللاحقة الإتيان بمثله، وجرت محاولات، حتى من بعض نصارى العرب الذين كانوا متضلعين باللغة العربية، حاولوا، وما استطاعوا، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ [يونس: 16].
ومن التأييد الإلهي للحق تأييده بالدعاة المخلصين، فكما أيدّه بالرسل الصادقين، والكتب المنزلة، أيدّه بالدعاة المخلصين، الله يقيض للحق مَن يقوم به، ويدعوا إليه، وينصره، ويدافع عنه، وهذا من رحمة الله، ولوا انطمس، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23].
نلاحظ كذلك قصة مؤمن آل يس وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ ۝ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ ۝ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ۝ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ ۝ إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ۝ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ [يس: 20 - 25].


كذلك قصة مؤمن آل فرعونوَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ [غافر : 28]، إلى قوله تعالى: وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ [غافر: 28]، أنتم يا قومي، يا أيها القِبط، ليس عندكم رسالة، والذي يتبعها يدخل الجنة؟ والذي لا يتبعها يدخل النار؟ ليس عندكم، أنتم أصحاب دنيا.
جاء رجل وقال: أنا رسول من الله، و اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر: 38]، إذا اتبعتموني تدخلون الجنة وإذا لم تتبعتموني فستدخلون النار،.
يا قومِ هذا الرجل يقول: رَبِّيَ اللَّهُ وقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر: 28]، يعني: معه أدلة ما هو كلام بالادعاء فقط، وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا [غافر : 28]. مصيبة يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ[غافر: 28]وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ ۝ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ ۝ لا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلا فِي الآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ ۝ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ[غافر: 41-44].
نلاحظ أيضاً أن التأييد الإلهي كان حاضراً موجوداً في التحرّكات النبوية، حتى مع الأخذ بجميع الأسباب
مثلا: كم أخذ النبي ﷺ سبباً في الهجرة؟
تواعد مع أبي بكر سرّاً، وأخفي الأمر عن كثير من أهله، والتقيا في وقت القيلولة، وهدأت الرجل، وخرجا في هذا الوقت، واستعملا هادياً خِرِّيتا خبير بالطريق، وسلك غير الطريق المعتاد، يعني: ليس على طريق مكة المدينة مباشرة، وصار في اختباء في الغار، وصار هناك مَن يزود بالطعام، وصار مَن يأتي بغنمِه ليعفي آثار خطوات الطريق.
ومع ذلك كان التأييد الإلهي حاضراً، فإن المشركين وصلوا إلى الغار، رغم كل الخطوات؛ دلالة على أنه لولا أن الله نجاهما منهم ما كانت الأسباب كافية، أي أنه رغم كل الأسباب إلا أنه كان هناك تأييد إلهي في الموضوع.
ولذلك نقول: اتخِذ الأسباب، وتوكل على الله؛ لأن عدم الأخذ الأسباب مخالفة للسنة الكونية الإلهية، وبأسباب بدون توكل تخفق، ومهما كنتَ دقيقاً فلا بد أن تخطئ، وتكون هناك مفاجآت.
فالتأييد الإلهي للحق وأصحابه حاضراً جلياً حتى مع الأخذ بالأسباب، "يا رسول الله: لو أن أحدٌ نظر تحت قدميه لأبصَرَنا"، قال: فما ظنُّك -يا أبا بكر- باثنين، الله ثالثهما [رواه البخاري: 3653]، وحتى في الهجرة لحقهما، مع أنهم نجوا من أول خطر، لحقهما سراقة ابن مالك، وأدركهما، خلاص، ولولا أن الله نجاهما منه لقبض عليهما، وأعادهما إلى قريش.


يوم بدر اتخذت كل ما أمكن من الأسباب، لكن كان التأييد الإلهي حاضراً،فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ [الأنفال : 17] وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى[الأنفال : 17]، وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ[آل عمران : 123].
ويوم الأحزاب، يعني: صحيح حفر الخندق، ووضعت الحراسات، ووضع النساء والأطفال في الأطم، والحصون، ووُلِّى عليها مَن وُلِّي من غِلمان المسلمين، ومع ذلك لم يتم النصر إلا بإرسال الله ريحاً أطفئت نيرانهم، وكفأتْ قدورهم، وقلعتْ خيامهم، وهناك جنود، فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا[الأحزاب : 9].
فحصلت النتيجة المرجوّة، وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ [الأحزاب: 25]
وصار في نصر آخر بعده مباشرة الذي هو فتح بني قريظة، وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا[الأحزاب : 27].
إذاً، من رحمة الله: المصدر الإلهي والتأييد الإلهي، وهذا التأييد الإلهي، يعني: لو تصور عاد الحق ما في رسل صادقين، ولا دعاة مخلصين، ولا كتب منزلة، كيف يكون الوضع؟
ولا كرامات، تأييد بجنود من عنده، لازم يستشعر الإنسان المعاني الإيمانية في موضوع الحق، فالحق ليست قضية علمية فقط، بل قضايا إيمانية وقلبية.

الثبات وعدم الاضطراب

00:33:19

ثالثاً: يتسم الحق بالثبات، وعدم الاضطراب، فلا تجد زعزعةً في الحق، ولا تجد فيه خللاً، وليس فيه اضطراب، فالحق مطرِّد وثابت، لا يتلون، ولا يتغير، ولا يتبدل.
ولذلك تجد من علامات الباطل، أنه بشري المصدر، أو شيطاني المصدر، وأنه يتلون ويتغير، والله يجري أقداراً في الواقع ليبين للناس الحق.
فمثلاً، هناك كثير من الناس عندهم قناعة بالديمقراطية، وصناديق الانتخابات، وأن الديمقراطية هي الطريقة الصحيحة، وهي الطريقة الراقية، والطريقة الناضجة.
لكن إذا نظرتَ إلى الواقع تجد أن الديمقراطية كصنم من تمر، متى أرادوه اتخذوه، ومتى لم يناسبهم أكلوه، هل الديمقراطية منهج مضطرِّد في العالم عند أهله الذين يقولون به؟  الجواب: لا.
إذا ناسبهم اتخذوه، وإذا لم تعجبهم النتائج ذهبت الصناديق، وذهبت الانتخابات، وذهبت النتائج، فالله يجري أحداثاً ليبين للناس أن هذه أباطيل.
وفي كل المسائل، حتى لو جاءت أكبر مسألة، الحق فيها من عند رب العالمين شيءٌ معين.
ولذلك فإن الحق يطرِّد، والباطل متلون، وهذه من صفات المنافقين الذين يتربصون بكم، فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[النساء : 141].
أما الحق في ثبات، إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا[الأنفال : 45]، حتى إذا لقيتم فئةً من أهل الباطل يناقشون، ويجادلون، فاثبتوا، وإذا لقيتم فئةً تهدد وتتوعد فاثبتوا، وإذا لقيتم فئةً تعذب وتعتدي فاثبتوا، وإذا لقيتم فئة تقاتل فاثبتوا.
فسواء كانت تجادل، أو تقاتل، أو تهدد، أو تتوعد للباطل، فاثبتوا، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ[إبراهيم : 27].
وكثير من الذين أسلموا رأوا آيات تدل على أن هذا هو الحق، بعضهم رآها في ساحات المعارك، وقال: رأيتُ جنودي يفرون أمام أناس ليس عندهم إلا بنادق قليلة، مع كثرة ما لدينا من السلاح والعتاد، فقلتُ: كيف يمكن هذا؟
يقول بعضهم: لا نعرف ديناً محارَباً في العالم الآن مثل الإسلام.
والإسلام حسب الإحصاءات أكثر الأديان انتشاراً في العالم، كيف يكون هذا؟ يعني: كيف يكون الإسلام أكثر ديناً يُحارب في العالم هو وأتباعه، قتل، حصار، شبهات، شهوات، كل أنواع المواجهة.
ومع ذلك فالإسلام أكثر الأديان انتشاراً في العالم، ينتشر بحسب الإحصاءات، كيف يصير هذا؟
فبعضهم أسلم عندما رأى هذا ، يقول:  هذا لا يمكن إلا أن يكون حقاً .
ونحن كلما حاربناه، وكلما اشتد حربنا له فهو ينتشر أكثر؛ لأن العادة جرت أن الشيء المحاصر، والمحارَب يموت، ينكمش، على الأقل أن يبقى مكانه، وألا يزداد.
لكن أن نحاربه ويزيد، أو أن ونحاربه وينتشر، هذا شيءٌ ليس من صُنْع البشر، هناك شيءٌ فوق العادة.
أيضاً، من التقيضات الإلهية للحق، أن الله يقدّر مواقف يثبِّت فيها أهل الحق؛ لبقاء الدلالة على أنه حق، كقصة أصحاب الأخدود مثلاً، وموقف الغلام؛ ذلك الموقف الذي ثبّت الله به الناس، وهداهم.
وموقف الغلام الذي مع أمه، عندما تقاعست أن تقع في النار، فقال: يا أمه، أصبري فإنك على الحق [رواه البخاري: 7703]، سواء كان الغلام الكبير، أو الغلام  الصغير، هذه آيات دالة على الحق؛ لأن عادة المبادئ أن يدافع عنها الرجال الأقوياء الكبار، فعندما يقيّض الله غلاماً لتسلم على يديه قرية بأكملها، ويقيّض رضيعاً ليثبت به أمه،


فهذه آيات وأقدار، ومواقف ينصِبها ويقدرها الله في الواقع؛ لتثبيت أهل الحق على الحق، وهذه إعانة مهمة.
الآن في غمرة الأحداث التي تدور في العالم العربي، تجد في بعض الوفيات آيات باهرات، وكرامات، فعلاً، مع نقل المشاهد في عالم اليوتيوب وغيره، في قضية الخاتمة، والنهاية، والشهادة في الموت، ستجد أن هناك أشياء باهرة واضحة، تثبت المؤمنين.
انظر كيف مات هذا ؟ وعلى أي شيء؟، وبماذا نطق؟، وماذا قال قبل أن يموت؟، وهذا حاله –مثلاً- أن هناك طعن في جثته، وحرقها، وهذا رفع أصبعه، وهذا بيده المصحف.
وهناك شواهد كثيرة ومتعددة في النهاية والخاتمة، يقيّضها الله ليبين للناس الحق، ويثبتهم عليه.
أسلمت ماشطة ابنة فرعون، -يعني الكوافيرة-، على يد موسى -عليه السلام-، وأخفت إسلامها سرّاً، فبينما كانت الماشطة تمشط ابنة فرعون، إذ وقعت المادرة من يدها مرةً، فقالت: بسم الله.
وعرفنا من الأدلة أن الإنسان إذا أُصيب بصدمة مفاجئة؛ كأن يتعرض لحرقٍ أو سقوط مفاجئ، أن يقول: بسم الله، كحديث طلحة، عندما اُصيب بسهم قطّع أصابعه، قال: حس، كلمة تقولها العرب عند الألم.
فالنبي ﷺ قال: لو قلتَ: بسم الله لرفعتك الملائكة، والناس [رواه النسائي: 3149، وحسنه الألباني: 3149].
قالت المرأة الماشطة عندما وقعت المادرة من يدها أمام ابنة فرعون: "بسم الله"، قالتها فجأة، وانطلق اللسان بها من غير تخطيط؛ لأنها تخفي إيمانها، فانتبهت ابنة فرعون عندما سمعت، وقالت: بسم الله؟، الله أبي!
قالت: ربي ورب أبيكِ الله ، فأخبرت بها ابنة فرعون ، فأُخذت المرأة، وأولادها، فأُمر بأولادها، فأُلقوا بين يديها واحداً واحدا، ولا أصعب على المرأة من أن ترى أولادها يُلْقون أمامها في الموت، ثم تُلقى ورائهم، ومع ذلك ثبتت.
هذه القصة ثبّت الله بها، ولا زال يبّث الله بها؛ لأن قصة الغلام المؤمن، وقصة ماشطة ابنة فرعون، وغيرها من القصص كل هذه مثبّتات ستبقى إلى قيام الساعة.
إلى أن انتهي ذلك إلى صبي لها مرضع، ومرضع، وكأنها تقاعست من أجله، قال: يا أمه، اقتحمي، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فاقتحمت.
عندما يهيئ الله للحق أئمة يثبتون، كـ الإمام أحمد مثلاً، ابتُلى، وضُرِب، وسُجِن، ومُنِع، وأوذي، وعرّض للقتل مراراً؟ كاد أن يموت، فكانت كلماته ومواقفه تثبت الناس.
وكذلك يقيد الله من الذين يقاتلون عن الحق مَن يثبت إلى أن يُقتل، صحيح أن يذهب القائد عمر المختار، والناس في حاجةٍ إليه، وترك فراغاً، لكن بقيت سيرته، وبقي الحدث، يثبت الله به الناس، وهكذا.
إذاً، هذا تأييد إلهي من خلال الدعاة الصادقين، والمواقف، هذا لمعرفة الحق والثبات عليه.

الحق يفصل بين النزاعات

00:45:19

الحق فصل بين الأمور، فكثيرا ما تشتبه، وتختلط الأمور على الناس، أو على بعض الناس، فنحتاج للحق لفصل النزاعات، رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف: 89]، وخير الحاكمين.
والله تعالى سمى يوم القيامة يوم الفصل: إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ[الدخان: 40]، خلص يفصل بين أهل الحق، وأهل الباطل، ويقضى في محكمة إلهية يوم القيامة، لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ ۝ لِيَوْمِ الْفَصْلِ [المرسلات: 12-13].
فيفصل بين أهل الشر وأهل الإيمان، والتوحيد، ويفصل بين أهل البدعة، وأهل السنة، يفصل بين الظالم والمظلوم فيه، يوم الفصل فرقان، فرقان،.
والحق يفصل، والباطل يغمغم، الباطل يغمغم، لفلفة الأمور، تغطية الأمور، سبق الأمور، وتجد تعمد بعض الناس للخلط، تعمد الخلط، مات فلان الفلاني النصراني رحمه الله، كذه يقلك الخبر.
أيش هذه؟ نصراني يرحمه الله كيف صارت؟ هذا تعمد خلط الأمور، حتى ما يعني: يجي واحد يعني، بأن الحق خلاص، لا يسمع به يهودي ولا نصراني، ثم لا يؤمن به إلا دخل النار، فما في يرحمه الله يدخله النار، يدخله النار.
والناس وأمرهم إلى الله، ما يجوز نترحم على كافر، فالترحم على كافر في الخبر ما هو؟ خلط للأمور.
وما كان الله ليذر هذا حتى يميز، كما قال الله تعالى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [آل عمران: 179]، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 141].


وأما يعني: أهل الباطل ما تطلع بنتيجة، وما في؟ يمكن يقضي مرة هكذا، ومرة هكذا، ومرة، كما قالت العرب في أمثالها: وجدت الضبع تمرةً فاختلسها الثعلب فلطمته فلطمها فتحاكما إلى الضبع وقال: يا أبى الحسن، قال: سميعاً دعوتي، قالت: إني التقطت تمرةً، قال: حلوة جنيت، قالت: إن الثعلب أخذها، قال: حظ نفسه بغي، قال: فلطمته، قال: أسفتي والبادي أظلم، قال: فطمني، قال: حر انتصر لنفسه، قالت: اقضي بيننا، قال: قد قضيت، ما في نتيجة؟ فإما أن يكون باطل، وإما غمغمة.

يتصف الحق بالقوة

00:48:37

خامسا: الحق يتصف بالقوة، بالقوة، الحق قوي، الحق ليس ضعيفاً، بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ [الأنبياء: 18]، يدمغه: يهلكه، يقال: دمغ الرجل الرجل، شجه شجتاً بلغت الدماغ، فإذا هو راهق: هالك، زائل، مضمحل.
وأهل الحق بالقوة الذي معهم يثبتون، يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا [إبراهيم : 27]، كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً [البقرة : 249].
لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى قيام الساعة، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله [رواه مسلم: 412]، لماذا لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم؟ لماذا ظاهرين؟
لقوة الحق الذي معهم، ما هو لقوت السلاح فقط الذي معهم، لقوة الحق الذي معهم، فإذاً الحق قوي، الحق ليس ضعيفاً، ولا يحتاج أن نعتذر عن التمسك بالحق، ولا أن نقدم مبررات، ومصوغات، لسنا على جناية، ولا على شيء يخجل منه، لا ، هذا شيء يفتخر به.

من صفات الحق: الخيرية

00:50:07

سادسا: الخيرية، الحق ملازم للخير دائماً، لا ينفصم عنه، مفارق للشر دائماً لا يلتقي معه، إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ [النحل: 90]، إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ [الأعراف: 28].
أيها الملك، يقول جعفر بن أبي طالب للنجاشي: كنا قوما أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منذراً، نعرف نسبه، وصدقه وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله؛ لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآبائنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات. الحديث. [رواه أحمد: 1740، وصححه الألباني في صحيح السيرة النبوية ص: 174].
يعني: كنا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، وترى شوف حتى الآن الغرب، والذي يقول: أن الغرب متقدم، يعبدون الأصنام، ويأكلون الميتة، ويأتون الفواحش، يعني: الكفر، الباطل متشابه.
ويأكل القوي منا الضعيف، وماذا يفعل الغرب؟ يأكلوا الضعيف، القوى يأكل الضعيف، حتى بعث الله إلينا رسولاً، فالأشياء التي جاء بها كلها خير، ولا تجد شيئاً يستحيى منه في الحق، يخجل منه، ما تجد شيء يخجل منه في الحق.
الحق ما فيه أشياء سرية، ولا فيه أشياء مخجلة، ليس في الحق أشياء سرية، مثل: بعض الملل كالدروز، وغيرها، يقل لك، ما أقدر أقلك عقيدتي ما هي، أصلاً في أشياء نحن ممنوعين نقولها.
الحق ما في أشياء سرية، ولا في أشياء مخجلة، بحيث الواحد يعني، يخجل من ذكرها، يتوارك فيها، لا.

وضح الحق واستنار السبيل وعليه فعل الجميل دليل
نحمل الخير للجميع ونسعى وعلى الله ربنا السبيل

خلو الحق من التناقض والاضطراب

00:52:59

وسابعاً: الحق خال من التضارب والاضطراب، وهو واحد، ولو أن هناك وجوها متعددة لفعل الحق، وسبلاً متنوعة لإقامة الحق، فهو في النهاية واحد، فإذا وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت: 69]، هذه سبل الجنة كثيرة في سبيل الصلاة، وسبيل الصيام، وسبيل الصدقة، وسبيل العتق، وسبيل بر الوالدين، في النهاية توصل إلى شيء واحد، مرضات الله الجنة، شيء واحد.
عبادة رب واحد، والحق لا يضطرب، ولا يتذبذب، والكتب السماوية يصدق بعضها بعضا، كلها بشرة بمحمد ﷺ، وكل الأنبياء حذروا من الدجال، يعني: شوف التوارد، التوارد.
الحق يعين: التوراة، والإنجيل، والقرآن، كلها فيها التبشير بمحمد ﷺ، ما من نبي إلا حذر أمته الدجال، فالتوارد على الخير تعريفاُ به، والتوارد على الشر تحذيراً منه.
لاحظ الحق ما يضطرب، ما يتغير، ما يتناقض، وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82].

من علامات الحق الوضوح

00:54:34

ثامنا: من علامات الحق الوضوح، أبلج، ما في خداع ومضاربة، الحق أبلج، والباطل لجلج، الباطل، هو، أحيانا ما تمسك شيء، تريد أن تتعرف تضبط ضوابط، ما تجد ضوابط، فإذاً الحق واضح، وقال الله : قد أرسلت عبداً يقول الحق ليس به خفاء، كما قال حسان.
قال الله تعالى: فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ [النمل: 79]، قال النبي ﷺ: قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك [رواه ابن ماجه: 43، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 4369]. ليلها كنهارها سواء.

الحق سهل الفهم

00:55:21

تاسعاً: الحق سهل الفهم، يعني: لو قارنت بين التوحيد، وبين علم الكلام والفلسفة، تجد علم الكلام والفلسفة عسير، وصعب، وعر، مسلكه وعر، لكن تجد أن التوحيد، اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُه [الأعراف: 59]، سهل الفهم جداً، ما في ألغز، ما في أسرار، ما في معميات.
لكن خذ لك أديان أخرى قائمة على الكهنوتيات مثلاً، والرهبانيات، والفلسفيات، هضمه عسير، فهمه صعب، مع تناقضه، أما الحق سهل المأخذ، قريب للجميع، قارن بين عقيدة التوحيد، وعقيدة التثليث، وشوف عقيدة التثليث على وعورتها، وصعوبتها، وتناقضها، وتضارب بعضها مع بعض.
لو تقول، أول البداية تقول: أعطوني أول البداية، يقول لك: يعني، الثالوث والناسدو، واللاهوت، من أولها، من أولها العملية صعبة جداً، وثلاثة أقانيم، وبعضها ثلاثة، واحد، واحد، في ثلاثة.
الحق مبني على الدليل والبرهان، لا على الظن والتخمين:
عاشراً: الحق يبني على الدليل والبرهان، لا على الظن والتخمين، الحق مبني على الدليل والبرهان، لا على الظن والتخمين، أما الباطل، خرافات، أهواء، تقليد أعمى، تخمين، وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا [يونس: 36].
قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين [البقرة: 111]، سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت: 53].
الآن بعض العقائد قائمة على الرؤى الأحلام، بعض العقائد قائمة على الأوهام، بعض العقائد قائمة انحرافات الفكر والأسقام، ولذلك فإن بناء الحق على البرهان والدليل، من أكبر الآيات الدالة، البينات الدالة عليه.
هذه عشر صفات في معرفة الحق، وتبينه، سنواصل إن شاء الله في هذا الموضوع، وهذه البصائر في موضوع الحق، بمشيئة الله تعالى درسنا غداً بعد صلاة المغرب إن شاء الله.
نسأل الله أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.