الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نص القصة
مع قصة أخرى من قصص القرآن الكريم، وهذه المرة في جزء عم في سورة البروج، قال الله : وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ[البروج: 1-11].
تفسير القصة
هذه القصة في سورة البروج، قد ورد شرحها في السنة النبوية، والآيات في سورة البروج تتحدث عن هذه القصة، ويقسم الله تعالى بالسماء بذات الأبراج، وهي المنازل منازل الشمس والقمر والكواكب، ويقسم باليوم الموعود وهو يوم القيامة الذي وعد الله به الأولين والآخرين، وأقسم بالشاهد والمشهود بيوم الجمعة ويوم عرفة، وكل شاهد ومشهود، وكل مبصر ومبصر، وكل حاضر ومحضور، وكل راء ومرئي، أقسم الله بذلك على أي شيء؟ على أي حقيقة، ما هو جواب القسم؟ أين هو؟ قال تعالى: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ [البروج: 4]، أهلكوا، لعنوا، طردوا عن رحمة الله، أصحاب الأخدود الكفار الذين أحرقوا المؤمنين بالنار، أين مكانهم؟ الله بهم عليم، هل كانوا في نجران كما هو مشهور؟ هل كانوا في اليمن أو في الشام؟ الله بهم عليم، لكنهم كفار خدوا الأخاديد، وأوقدوا فيها النيران، وجعلوا يقذفون الناس المؤمنين فيها.
قال مجاهد رحمه الله في أصحاب الأخدود: "شق بنجران كانوا يعذبون الناس فيه". [الدر المنثور: 8/465]، فتنوا المؤمنين ليردوهم عن دينهم، لما عجزوا حفروا الأخدود، كالنهر في الأرض، وجمعوا الخطب الكثير، وأججوا النيران، وألقوا فيها عباد الله المؤمنين، الله فسر قوله: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ [البروج: 4-5].
هذا بيان لما تحويه الأخاديد، وهذا وصف لها لأنها عظيمة يرتفع فيها اللهب من الحطب الكثير وأبدان الناس، ماذا فعل أصحاب الأخدود المجرمون؟ إنهم كانوا قعودًا ينظرون إلى الذين يعذبونهم، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ[البروج: 6]، حول الأخدود، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا حول النار التي ألقوا فيها المؤمنين، يرونهم والنار تشويهم وتأكلهم تلتهمهم، وهم مع ذلك في غيهم وضلالهم، يتفرجون على التعذيب، وهناك أناس فيهم من انتكاس الفطرة ما يجعلهم يلتذذون بإيلام الآخرين، لماذا كل هذه النيران وهذا الأخدود وهذا الحرق والتعذيب؟ ما هو جريمة هؤلاء الناس الذين ألقوا في النار؟
قال تعالى: وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [البروج: 8]، كل الجريمة إذًا أن هؤلاء الذين ألقوا في الأخدود، كانوا يؤمنون بالله العزيز الذي لا يضام، ولا يرام، ولا يستطيع أحد أن يغلبه، فإن له العزة والجبروت، والقوة والملكوت ، إذًا عيبهم ليس بعيب في الحقيقة.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم | بهن فلول من قراع الكتائب |
[القرط على الكامل لابن سعد: 1/113].
كقول الشاعر يمدح قومًا، ليس إيمانهم بعيب، فلماذا يحرقون؟ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [البروج: 8-9]، وحده لا شريك له يتصرف فيهما، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج: 9] مطلع على كل شيء، يرى الكفار وماذا يفعلون، ويرى المؤمنين كيف يحرقون ، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ[البروج: 10] فتنوهم عذبوهم أحرقوهم.
قال الحسن البصري رحمه الله: "انظر إلى حلم الله يحرقون أولياءه ثم يعرض عليهم التوبة" [تفسير ابن كثير:8/ 271]، إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج:10] يعني: بعد كل هذا الإحراق، إذا ما تابوا لهم عذاب جهنم، وإذا تابوا تاب الله عليهم، فما أعظم هذه التوبة، وما أحسن هذه المنزلة، وما أفضلها عند الله إنه يعرض عليهم التوبة، وقد حرقوا أولياءه، انظر إلى حلم الله يحرقون أولياءه، ثم يعرض عليهم التوبة، يقول: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا [البروج: 10].
إذًا العبد لا ييأس من رحمة الله، ولو كان قتالاً للناس، ولو كان مجرمًا سفاكًا للدماء، فإن الله يتوب على من تاب، حتى لو قتل من عباد الله من قتل، حتى لو كان الذين قتلهم ليفتنهم عن دينهم، وهذا أشد من الذي يقتل الناس للاستيلاء على أموالهم، الذي يحرقهم ويعذبهم لكي يفتنهم عن الدين والتوحيد والإسلام أسوأ وأشد من الذين يقتلهم للاستيلاء على أموالهم، ومع ذلك باب التوبة مفتوح للجميع حتى لهؤلاء.
قال ابن القيم رحمه الله: وفي هذا فائدة عظيمة، وهي أن على العبد ألا ييأس من مغفرة الله وعفوه؛ ولو كان منه ما كان، فلا عداوة أعظم من هذه العداوة، ولا أكثر ممن حرق بالنار من آمن بالله وحده، وعبده وحده، ومع هذا فلو تابوا لم يعذبهم، وألحقهم بأوليائه [طريق الهجرتين:1/469].
فتنوا أحرقوا كما قال تعالى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: 13] يحرقون، فتنوهم صدوهم عن الدين، والآية تحتمل المعنيين جميعاً: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا[البروج:10]، يرجعوا إلى الله ويندموا، فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ [البروج:10] مثلاً بمثل، والجزاء من جنس العمل، أحرقوا أولياء الله فكان جزاؤهم الحرق في النار، جزاء وفاقًا.
وفي هذه الآية: إشارة إلى أن التوبة تهدم ما قبلها.
وأن العذاب يكون من جنس الجريمة، ولو نظرنا في عدد من أنواع العقوبات لوجدنا أن العقوبة جاءت مناسبة للجرم، فمثلاً الحدود الشرعية لما تلذذ جسد الزاني بالحرام وهو محصن ناسب أن يرجم بالحجارة في كل مكان من الجسم، ولما امتدت يد السارق الخائنة إلى المال الحرام عليه كان من المناسب قطع هذه اليد، وهكذا العقوبات لها علاقة بنوع الجريمة.
ولما ذكر عقوبة الظالمين ذكر ثواب المؤمنين فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا [البروج: 11]، بقلوبهم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البروج: 11] بجوارحهم لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ[البروج: 11].
قد يسلط الله بعض أعدائه على بعض أولياءه، وليس هذا التسليط معناه إهانة الأولياء، كلا، لكنه يريد رفع درجاتهم وزيادة حسناتهم ، وليس معنى ذلك أنه يريد إعزاز أعداءه، كلا، بل هي فتنة لهم وإمهال وليزداوا عذابًا، ويزدادوا جرائم، فيكون عليهم العذاب مضاعفُا يوم القيامة.
ونرى كيف أن هؤلاء الكفار لم يأخذوا المسلمين بجرم فعلوه، ولا بذنب اقترفوه، وإنما بالإيمان ليس هذا ذنبًا إنه الحق، وهذا من شأن أعداء الله ينقمون على أولياءه ما يجب على الأولياء أن يفعلوا، قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ [المائدة: 59]، ماذا نقم أهل الفواحش على لوط وعلى أهله؟ ماذا نقموا عليهم؟ أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ [النمل: 56].
لماذا؟ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل:56] سبحان الله! وهؤلاء أصحاب الأخدود يحرقونهم بالرغم من أنهم على الحق، وفعلوا ما يجب عليهم من الإيمان بالله.
هل تم إحراق المجرمين من أصحاب الأخدود في الدنيا، أم أن العذاب أجل إلى يوم القيامة؟
قال بعض العلماء: أنهم أحرقوا في الدنيا، وأنهم بعد أن أحرقوا أولياء الله خرجت النار من الأخدود عليهم، فأكلتهم.
وبعضهم فهم من قول الله تعالى: وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ[البروج:10]، أن هذا الحريق في الدنيا، ولكن ليس عندنا دليل ثابت نستطيع أن نسلم به أن النار قد خرجت على هؤلاء وأحرقتهم فعلاً، ولعل عذاب هؤلاء لم يحصل في الدنيا، وعذاب الحريق يكون في الآخرة، وقد سمى الله عذاب جهنم عذاب الحريق في عدد من المواضع، وهكذا رحلت هذه الثلة إلى الله من المؤمنين، ورحلت الثلة الأخرى من الكافرين الذين عذبوهم إلى الله أيضاً، لكن شتان فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: 7].
حريق الدنيا الموت فيه بعد مدة يسيرة، وحريق الآخرة ليس هناك موت ولا تخفيف، حريق الدنيا ينتهي، وحريق الآخرة لا ينتهي للكفار، حريق الدنيا بنار جزء من سبعين جزءًا من نار جهنم، وحريق الآخرة فضل على حريق الدنيا بتسعة وستين جزءًا، وإن كان جزء واحد كافي، لكن الله جعله مضاعفًا على أصحاب النار.
قصة الغلام والساحر
لقد روى هذه القصة الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، وهناك زيادات أيضاً عند غيره، عن صهيب أن رسول الله ﷺ قال: كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر [رواه مسلم: 3005].
ونلاحظ الاقتران بين الملك والسحر من جهة السيطرة على الناس، فالملك من مصلحته أن يسيطر على الناس، ومن أجل ذلك يتخذ الذين يعجب بهم الناس، أو الذين يمكن أن يخدعوا الناس، ويسلم له الناس، ويتبعه الناس ويظنهم الناس أصحاب شأن، وهم السحرة، لقد استعان الملوك بالسحرة قديمًا مرارًا وتكرارًا، وفرعون لعنه الله استعان بالسحرة، والملك هذا في قصة أصحاب الأخدود استعان بالسحرة، ولا يزالون يستعينون بالسحرة، ولا شك أن هذا استعانة بأهل الباطل، ولذلك فإن الاستعانة بالحرام بصاحب الحرام حرام، والذي يستعين بالساحر فإنه آثم قلبه.
كان ملك فيمن كان قبلكم إنها قصة رائعة من القصص القديمة التي أخبرنا النبي ﷺ عنها، تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ [هود: 49] وكان له ساحر، إذًا مختص بالملك هذا ساحر البلد، هذا ساحر الملك الخاص، وكان له ساحر فلما كبر يعني الساحر قال للملك إني قد كبرت أحس بأن أجله قد دنا، وساعته قد اقتربت فابعث إليّ غلامًا أعلمه السحر، إذًا أهل الباطل يريدون باطلهم يستمر، وأنه ينتقل عبر الأجيال، ولذلك قال للملك: ابعث إليّ غلامًا أعلمه السحر وفيه أن السحر يعلم ليس فقط شيء نفسي، أو ينقدح في النفس لكن يعلم وينتقل بالتعليم، وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ [البقرة: 102].
ولذلك كان تعلم السحر حراما، وتعليمه حرام، ودع عنك الذين يقولون: نتعلم السحر لكي نحذر أساليب السحرة، نقول: لا يجوز تعلم السحر إطلاقًا، ولا يجوز تعليم السحر، التنبيه على أساليب السحرة هذا جيد، فيقال: يا أيها الناس انتبهوا إنهم يأخذون بقايا الشعر، وأظفار، ودم، حيض، وكذا وكذا، التنبيه على الأشياء التي يعملون بها السحر مهم في توعية الناس، لكن أن يعلم الناس كيف يعمل السحر، وما هي الاستغاثات بأسماء الجن التي بواسطتها يتوصل إلى عقد السحر، وهناك كتب تعلم السحر منتشرة، وهناك في هذا الزمان مواقع على الإنترنت تعلم السحر، وهناك أفلام هاري بوتر المشهورة التي تحدثوا عنها في هذه الأيام، وقصص بلغ توزيعها مائتين وخمسين مليون نسخة تشجع على السحر، وتبجله، وتزينه، وتجمله في عقول الأطفال، هذا ما بلغنا من أطفال صغار في مسرحية، أو فلم، أو مسلسل له شهرة فيه جذب الناس إلى السحر، وتحبيهم للسحر، وإغراؤهم بالسحر، وهذا من وراءه اليهود، ولا شك لأن اليهود من أكبر السحرة في العالم، حتى أن أحدهم حدثني أنه ذهب إلى بلاد المغرب لكي يلتمس ساحرًا هناك ينتقم به ممن فعلوا له سحرًا هنا، يذهبون إلى آخر الدنيا لكي يفكوا أسحارًا، ويعملون أسحارًا، ويرد على سحر فلان بسحر آخر.
قال: فسألت عن أعلم واحد بالسحر، قالوا: نذهب بك إلى شيخ السحرة، المعلم الكبير، فذهبوا بي إلى يهودي، فاليهودي طلب مبلغ من المال كبير، وقال: السحر أعلمه لك، وهذا يحتاج إلى وقت، ثم تجعله في النجف في البيت الجماعة، وتجعل كذا نقط على مدخل الباب، وكذا في غرفة النوم، وكذا تحت الوسادة، وكذا تجعل في الطعام، فهذا خاف، قال له: لكن هذا السحر ما هو حرام؟ قال: لا، هذا نبيكم حث عليه، أن عملي صحيح، وما فيه شيء، قال كيف؟ قال نبيكم في الحديث: إن الله يحب من أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه [الطبراني في الكبير: 776، وصححه الألباني السلسلة الصحيحة: 1113].
فالعامة تسمي السحر عمل، على أية حال السحر قديم في البشرية، وأهل الباطل يريدون نقل الخبرات المحرمة إلى الأجيال حتى لا ينقطع طريق الشر، ولا ينقطع طريق إبليس.
قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليّ غلامًا أعلمه السحر لماذا ما قال: ابعث لي رجلاً؟ لأنه يريد أن يطول عمر صاحب الباطل، وأن يكون الغلام ذكيًا يستطيع أن يفهم بسرعة، ويتعلم بسرعة، ويكون عنده الوقت حتى يمارس أطول وقت ممكن، وينشأ ويترعرع على الباطل؛ لأن غرس الباطل في نفوس الأطفال سهل، وتنشأتهم عليه يكون في البداية، وفي سن الطفولة له أثر عميق في النفس.
وعند الترمذي: ابعث إليّ غلامًا فهمًا أي سريع الفهم، أو قال: فطنًا أي حاذقًا، لقنًا [رواه الترمذي: 3340، وصححه الألباني صحيح الترمذي: 2661]، حسن التلقن لما يسمعه، انظروا إلى المواصفات: فهمًا، لقنًا، أعلمه السحر فبعث إليه غلامًا يعلمه إذًا تم انتخاب أذكى غلمان القرية، لكي يتعلم هذا الباطل، وهذا الكفر، لكن الله إذا أراد هداية شخص مهما تكالب أهل الباطل عليه، وكان عنده المعلمون الكبار للكفر، فإن الله إذا أراد أن يهديه هداه، ولذلك يمكن أحيانًا أن يهتدي الشخص في أسوأ الأماكن، يعني: من العجيب مثلاً أن تهتدي ممثلة من الممثلات، ولغت في مستنقعات الفن العفنة، ومثلت في الأدوار الوسخة القذرة، ثم يهديها الله ، أن يتوب مغني أو مغنية من هذا شيء عجيب، ليس مثل أن يهتدي شخص عادي خلطوا عملاً صالحا وآخر سيئًا، هذا إذا تاب من الطبقة هذه أشخاص هذا يدل فعلاً على معنى قول الله: مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي [الأعراف: 178]، من يهده الله فلا مضل له [رواه أبو داود: 2120، وصححه الألباني صحيح أبي داود: 1860].
الغلام يتعلم من الراهب
كيف هدى الله هذا الغلام؟
قدر الله أن يكون على طريق الغلام وهو ذاهب من بيته إلى الساحر راهب موحد ممن كان يعبد الله في ذلك الوقت على بصيرة، وعلى التوحيد، فبعث إليه غلامًا يعلمه فكان في طريقه إذا سلك راهب فقعد إليه وسمع كلامه، شاء الله أن يصل كلام الراهب إلى سمع الغلام، وأن يسمع ويأتي ويجلس، ومن المهم أن يوجد للناس دروس حتى يجلسوا إليها؛ لأنه لو لم يوجد دروس كيف يعرفون الحق؟ لو لم يوجد مجالس ذكر كيف سيهتدون إلى الحق؟ ولذلك فإن هذا الراهب الذي كان يذكر ربه، فسمعه الغلام، فجاء وقعد إليه، قعد إليه يبين كيف مقعد التلميذ من الشيخ، قعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وهكذا الحق عليه نور، والإنسان إذا سمعه يمكن أن يميزه، لماذا؟
لأنه يوافق الفطرة، والأصل أن كل مولود يولد على الفطرة، والأصل في هذا الغلام أنه على الفطرة، وأن كلام الراهب الموحد العابد هذا موافق لفطرة الغلام، ولذلك لما سمع إليه أعجبه، وينبغي أن يعرض الحق بالأسلوب الحسن، صحيح أن الحق حسن في ذاته، لكن يزيد حسنًا إذا عرض بأسلوب جميل، ومن المهم أن يعرض الحق بأسلوب جميل، إننا نرى في هذه القصة منظرًا جميلاً لغلام فتي حدث يقعد إلى راهب عابد موحد من عباد الله الأخيار؛ ليتعلم منه، فأنعم بهذا التعلم، فصار هنا درسان يومية ممن مشربين مختلفين، وشيخين مختلفين، شيخ في الضلالة والكفر، وشيخ في الإيمان والتوحيد، يتلقى الغلام يوميًا درسًا في الكفر، ودرسًا في التوحيد، يجلس عند هذا الشيخ شيخ الكفر والسحر، وعند شيخ التوحيد والدين والإيمان، إنها ازدواجية في التلقي، ولذلك تنتج حيرة، ولأجل هذا الغلام بقي في نفسه أي الأمرين أحب إلى الله: أمر الساحر، أو أمر الراهب، في حيرة صحيح قد يكون هناك ميل أو ترجيح.
من أين منشأ الحيرة أو النسبة في الشك؟
ازدواجية التلقي، ولذلك يجب أن يتلقى أولادنا الحق من طريق واحد، لا يتلقون حقًا وباطلاً، لا يتعلمون إسلامًا وكفرًا، لا يتلقون سنة وبدعة، لا يتلقون حسن خلق وسوء خلق، لا يجوز، الازدواجية مضرة تنتج في النفس انشقاقات، وتجعل الطفل في حيرة واضطراب، هذا أحسن أو هذا أحسن، هذا صح أو هذا، ولذلك هذه الازدواجية في التعلم جعلت في نفس الغلام ما فيها، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، يعني لماذا تأخر عن موعد الدرس، صار الغلام يتأخر بسبب قعوده إلى الراهب، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر هنا نلاحظ أن الغلام اشتكى إلى الأوثق عنده، اشتكى إلى صاحب الدين، وهكذا الناس يشتكون إلى الأخيار، يشتكون إلى أهل العلم والدين والإيمان، يطلبون حلولاً منهم، يقول الغلام: أنا إذا أتيتك ذهبت إلى الساحر ضربني للتأخر، إذا كررت عليك راجعًا بعد درس الساحر، وصلت إلى أهلي متأخرًا ضربوني، ماذا أفعل أريد حلاً؟
الناس تريد حلولاً من الذي يملك الحلول الصحيحة، من الذي يقدمها للناس، هل هم أصحاب النفاق والعلمنة، أصحاب التغريب، أصحاب الفكر المنحرف الذين يعجبون بالغرب، ويريدون السير على منواله، أصحاب النظرية الهدامة، كالشيوعية، والوجودية، والإلحادية، من الذي يقدم الحلول من هؤلاء؟ الذين يقدمون الحلول الصحيحة إنه هذا الراهب الموحد الذي يقدم الحل، ولا يشترط أن يكون الحل يفوق الوصف، ولا يخطر ببال أحد أبدًا، لا إنه حيلة، لكنها تنفع، إنه كلام قد يبدو في الظاهر بسيط، يمكن أن يأتي به أي أحد، لكن وفق الله الراهب لهذه الفكرة، فقال: إذا خشيت الساحر فقل: حبسني أهلي، أهلي أخروني، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر.
فإن قال قائل: هذا كذب، هل يجوز؟
نقول: نعم الكذب على الكفار جائز، لقد كان أهل الغلام كفارًا، وكان الساحر كافرًا، وإذا لم يستطع أن يخرج من شرهم إلا بالكذب فماذا يفعل؟
على أنه لا يخلو أن يكون الساحر حبسه مرة، أو أهله حبسوه مرة، وإذا خشيت أهلك فقل: حبسني الساحر، الحيلة المشروعة والتورية جميلة، وحل مخرج شرعي جاء رجل إلى الإمام أحمد يطلب المروذي، المروذي من خواص تلاميذ أحمد، من أفضل تلاميذ أحمد، والمروذي موجود في الدرس، وأحمد لا يريد أن يقطع تلميذه النجيب الدرس، فما هو المخرج، ومثل الإمام أحمد لا يكذب رحمه الله ولذلك فإنه لما جاء الإمام أحمد المروذي، قال الإمام أحمد: ليس المروذي ها هنا، وما يفعل المروذي ها هنا، وهو ينظر إليه. [سير أعلام النبلاء: 11/319].
الإمام أحمد يشير بيده إلى اليد الأخرى، ويقول: ليس المروذي ها هنا، وما يفعل المروذي ها هنا، يعني: ليس ها هنا ليس على راحة يدي، وماذا سيفعل على راحة يدي، لكنه لا يقول هذا كله بالتفصيل، فانصرف.
وسفيان الثوري لما أراده الخليفة أن يأتي وألح عليه، وأتي به في النهاية مرغمًا، وما كان يريد أن يطيل الجلوس، فاستأذن له فلم يأذن له، فألح فلم يأذن له السلطان بالانصراف إلا إذا تعهد بالرجوع، فتعهد سفيان بالرجوع، ثم قام كأنه نسي نعله، وخرج ثم رجع وأخذ نعله، وانصرف فانتظر السلطان، ولم يأت سفيان، أين سفيان أليس قد حلف أن يرجع؟
قالوا بلى إنه رجع، فأخذ نعليه وانصرف، فكان للسلف رحمهم الله وسائل للتخلص غير الكذب، حيلة شرعية مباحة، وبعض هذه الحيل لها علاقة بمسائل فقهية، ومنها كالتي يرونها في مسائل الطلاق في رجل صعدت امرأته السلم، فغضب عليها، فقال: إن صعدت فأنت طالق، وإن نزلت فأنت طالق، فبقيت المسكينة، فذهبوا يستفتون لها وهي على السلم، فقال أحد: أهل العلم يحمل السلم ويوضع على الأرض وهي عليه، فيصبح السلم بمستوى الأرض، فيصير لا تطلع ولا تنزل على أية حال، بعض هذه المخارج ممكن تكون صحيحة، لكن بعضها حيل بني إسرائيل، مذهب بني إسرائيل الذين حرم عليهم الصيد يوم السبت، فنصبوا الشباك يوم الجمعة، وسحبوها يوم الأحد، وحرمت عليهم بيوع الشحوم، فأذابوها، وباعوها ذائبة، هذا مذهب بني إسرائيل، وهذه حيل محرمة، ولذلك ترى الحيل المحرمة كثيرة: كنكاح التحليل من طلق زوجته ثلاث، فيأتي واحد صاحبه، ويقول: بالله اعقد عليها وطلقها حتى أتزوجها أنا، والحيل المحرمة هي مذهب بني إسرائيل، فينبغي الحذر منها.
كرامات الغلام
فقال الحديث: فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قيل: أسد قد حبست الناس، يعني: دابة في منتصف الطريق فقال الغلام: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، نلاحظ أنه بدأ بالراهب كأنه عند الغلام في ترجيح أن أمر الراهب أفضل، والحق عليه نور، والباطل عليه ظلمة، لكن هذه الازدواجية في السن المبكرة تحدث حيرة وشكًا، فقال: اليوم أعلم آلساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرًا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب، وهذا في نظري يدل على تأثر الغلام بدروس الراهب لأنه علمه أن الملك ليس هو الله، وأن له إله يدعا، ويعبد، ويرجا، ويلجأ إليه، ولذلك قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل يا الله فاقتل ليس أنا أقتل، وليس الحجر، فاقتل أنت يا الله، وهذا يدل على صحة ما تعلمه من الراهب، هذا يدل على أن هذا أثر تعليم الراهب، هذه الكلمات تكشف لنا أثر تعليم الراهب في نفس الغلام، يعني كيف أنه لجأ إلى الله، وآمن بالله ربًا، وعرف أنه يدعا، وأن من عباداته التي توجه للخالق الدعاء، وأن الله على كل شيء قدير، وأن الله ممكن يقتل بالحجر، الله قال: وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى[الأنفال: 17]، ممكن الله يقتل بالحجر الصغير دابة كالأسد، ولذلك قال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس.
إذًا الغلام هذا صار في نفسه خير عظيم، إنه يحب الخير للناس لأن هذه الدابة حبست الناس في الطريق، ويريد أن الناس يمرون إلى أشغالهم وأعمالهم وبيوتهم، قال: فاقتل هذه الدابة حتي يمضي الناس، وليس ليرتفع شأني، ولا لينظر إليّ الناس أني أنا صاحب معجزات، لا، حتى يمضي الناس.
إذًا إخلاصًا وحسن مقصد عند الغلام، وفي ذات الوقت يتعرف على الحق، أن هذا أمره أحسن أو هذا، فرماها فقتلها، ومضى الناس، رمى الدابة وفعلاً قتلت الدابة بهذا الحجر، وأي حجر ستحمله كف غلام، يشير إلي بقبضته، يقول: هكذا حجم الحجر، وهذا صحيح، وهل هذا الحجر الصغير الكف الصغيرة يقتل أسدًا في العادة، لا فكيف قتله قتله بخارق خرق الله به العادة لأجل الغلام؛ لأن الله يريد من وراء ذلك أمورًا، من يرى القصة يعرف أشياء من حكمة الله، كيف الله يدبر الأمور لتسير باتجاه معين، سبحان الله! تدبير إلهي، البشر لا يستطيعون تخطيط من هذا المستوى إطلاقًا، هذا شيء رباني، قال: فرماها فقتلها ومضى الناس.
طبعًا بالتأكيد الآن انتشر الخبر، وأن غلامًا قد رمى الدابة بحجر فقتلها، وكلنا كنا خائفين حتى جاء الغلام وقتل الدابة، وهذا الغلام مبارك، وهذا الغلام عنده قدرات خارقة، وهذا الغلام الآن ارتفعت أسهم الغلام في المجتمع، واتجهت إليه الأنظار، والذي لم يكن يعرفه بات يعرفه جيدًا، إنه الغلام صاحب القدرات الخارقة، لكن الخبر وصل إلى عدة أشخاص من بينهم نقل الغلام الخبر إلى الراهب، ووصل الخبر إلى الراهب، الراهب بكل تجرد وإخلاص، وبكل تنازل عن حظوظ النفس، وبطريقة غير متوقعة، وهل يعني سهل على الشيخ أن يقول لتلميذه أنت أفضل مني؟
ولكن الراهب قال ذلك، الراهب هو الشيخ وهذا الغلام تلميذ عنده، يتعلم منه، فقال الراهب: أي بني بني لأنه صغير، مع ذلك أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، يعني الله أجرى على يدك هذه الخارقة الكبيرة، أنك أنت الآن عند الله بمنزلة.
أنت أفضل مني وإنك ستبتلى، لعل الراهب عنده خبر، ومن سنة الله في أوليائه الابتلاء، والآن يعني الراهب ينظر إلى شخص قد أودعه دينًا، الراهب الآن يقدر في الحقيقة، أن الراهب رحمه الله كان رجلاً حصيفًا ذكيًا بعيد النظر يفكر ويدبر، ويقلب الأمور، قال: أي بني أنت اليوم أفضل مني، صارت على يدك هذه الكرامة، أنت من أولياء الله إن الله أجرى على يدك هذه الكرامة، إذًا أنت من أولياء الله، والعادة أن أولياء يحدث لهم ابتلاءات، خصوصًا أن الغلام الآن عرف الحق، الآن عرف الغلام أن أمر الراهب هو الحق، وأن دين الراهب هو الحق، وبما أن دين الغلام الذي اكتشفه أنه الحق الآن يقينًا أنه مخالف لدين الملك ودين المجتمع، فمعنى ذلك أن الغلام هذا معرض، القضية ما تحتاج الآن إلى علم غيب، الراهب عرف أن الغلام أيقن أن الحق هذا بعد الحادثة، الآن الغلام يحمل عقيدة مخالفة لعقيدة الملك والمجتمع، فماذا يعني ذلك، وهو الآن مقرب عند الملك، الآن مرشح لخلافة الساحر.
يعني: أن الغلام الآن معرض للابتلاء، يعني: المسألة هذه شبه محسومة معروف عقيدة هذا الملك، وكيف أنه كان كافرًا بالله يدعو الناس إلى عبادته، وإنك ستبتلى فإن ابتليت فلا تدل عليّ ولو عذبوك لا تدل عليّ، معنى: ذلك أن هذا الراهب كان يعيش في واقع اضطهاد، كان يعيش في واقع غربة شديدة للدين، معناه يمكن ما في في البلد كلها إلا هذا الراهب، معناه هذا من بقايا دين عيسى ، أو شيئًا آخر حتى لو كان من قبل عيسى ، إذًا هو من بقايا التوحيد، معنى ذلك أن البلد هذه ما كان فيها إلا هذا تقريبًا، والقصة ما ذكرت في البلد كلها إلا هذا، ومن الراهب انتشر الدين في الحقيقة، في النهاية هو صحيح الغلام كان له فضل كبير بعد الله، لكن أساس المعتقد نبع وجاء في البلد هذه من الراهب، قال: فإن ابتليت فلا تدل عليّ لأنه من علمك؟ من أين أتيت بالكلام؟ هذا مخالف لعقيدة البلد، إذًا سيعترف، فإن ابتليت فلا تدل عليّ لا تخبر عني لأن الراهب لو أنه سئل سيجيب، ولو قيل له: ارجع عن دينك لن يرجع، فالنتيجة الموت، ولذلك قال: فلا تدل عليّ لعله يعيش يعبد الله أكثر، ولكن الله يريد أن هذا الراهب شهيدًا، وليس موتة عادية يموت شهيدًا، وكان الغلام يبرئ الأكمة الذي خلق أعمى والأبرص ويداوي الناس من سائر الأدواء.
إذًا صارت القضية الآن أمر الغلام هذا انتشر، والكرامة صارت كرامات، والمسألة ما وقفت عند قضية قتل دابة، صار الغلام الآن ممكن على يديه وبدعائه يبرأ الأعمى، ويبرأ أصحاب العاهات، ويبرأ الأبرص، والذي عنده آفة جلدية، ويداوي الناس من سائر الأدواء، المسألة الآن ما وقفت عند أمراض معينة من سائر الأدواء.
وطبعًا الناس يريدون الصحة، وكل واحد إذا مرض وإذا تسامع الآن إذا واحد نجحت على يديه حالة من عشرة الناس تقاطروا إليه، الناس الآن على الريحة يذهبون للدجالين والمشعوذين، يقولون هذا سمعنا واحد في الشام، في الأردن، واحد في المغرب، واحد في اليمن، في الهند، في واحد يسوي عمليات من غير جراحة، ويذهبون رزافات ووحدانًا، ويدفعون فلوس لأن الناس تدور الصحة، الناس يريدون يشترونها بالمال، عند الناس ترى أكثر أهم الأشياء العامة في الناس الصحة، وإذا جلست في مجلس، وتكلمت عن فوائد الأغذية وفوائد الأطعمة لأنصتوا لك طويلا؛ لأن عندهم هذا يفيد، وتراهم يفهمونها، ويحرصون عليها أكثر من الحرص على فهم أحكام الدين، اسأله في المواريث، وأسأله في فوائد الفجل، لربما أتى لك بالعجب العجاب، يخبر بها بعضهم بعضًا، ويحرصون على الإتيان إلى كل واحد عنده إمكانات في المداواة والعلاج.
فارتفع شأن الغلام في البلد زيادة، وصار الناس يأتونه طبعًا، وبما أن له نتائج باهرة إذًا صار الناس يحبونه، إذًا الغلام صار له شعبية، إذًا صارت القضية مهيأة للتلقي عن الغلام، وصارت كلمة الغلام مسموعة.
فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني اغراءات خذ كل هذه الهدايا والأموال، ونلاحظ أنه قال: إن أنت شفيتني، يعني: أن العقيدة خربانة عند هذا الجليس الأعمى، وهنا يسارع المؤمن، وهذا واجب أي موحد يعلم التوحيد أن يصحح للناس المعتقدات الباطلة، أول ما قال له ذلك قال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله هذه قضية كبيرة أن يذكر الله في البلد، هذه تعتبر الآن مفاجأة ضخمة جداً، يعني: الناس لا يعرفون إله إلا الملك، الآن في عقيدة جديدة ظهرت، ماشطة بنت فرعون لما آمنت بموسى سرًا، وهي تمشط بنت فرعون وقع المشط، فمع الروعة قالت: بسم الله، إذا واحد وقع منه أي شيء يقول: بسم الله، فبنت فرعون سمعت الله كلمة جديدة، يبدو أن الماشطة رحمها الله قررت المجاهرة بالحق، قالت: ربي ورب أبيك وربك الله ، أخبر أبي؟ أخبري أباك، أخبرت أباها، انتهت العملية بذهاب الماشطة وأولادها إلى الله تعالى شهداء في قدر يغلي، وجمع العظام بناء على وصيتها، فرعون كان وفيًا في جمع العظام مع بعض، قال: ذلك لك علينا من الحق [الحاكم: 3835، وقال: حديث صحيح الإسناد" ! ووافقه الذهبيٍ] ، ودفنت العظام، اللحم راح في القدر الذي يغلي، إذًا خروج لفظ الجلالة في مكان مجتمع مطبق الكفر عليه، مثل: قصة هذا الغلام وقصة ماشطة بنت فرعون هنا.
قال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله، فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك معناه: أن مسألة العمل الطبي هنا اقترانه بالدعوة، إذا كان المنصرون لا يعالجون إلا إذا آمنت بيسوع، وصلب يسوع، ونعطيك الدواء، ممكن واحد يكون عنده وجع رأس تؤمن بصلب يسوع نعطيك دواء يريحك، لا يعرف أن هذا بندول يأخذ ويروح الصداع، فيؤمن بيسوع والصلب، وناس جهلة مساكين، فلما رأى واحد من الأطباء كيف يعمل المنصرون في بلده وهم أهل إسلام، وكيف يجذبون الناس للكنيسة وعندهم عيادات، ذهب استأجر سيارة إسعاف وأوقفها عند المسجد فيها أدوية، إمكانات متواضعة، وأقبل إليه الناس يقول: هذا الدواء، وهذا المسجد، صارت دعوة وتضايق النصارى جدًا كيف هذا يأخذ الزبائن عليهم؟
إذًا نلاحظ طريقة الغلام الآن انتقل الغلام إلى داعية، الآن ليس مجرد مؤمن كان تلقي من الراهب كلامًا، الآن صار ينقل هو للآخرين، وصار يغتنم الفرصة، أليس الناس محتاجون إليه، إذًا من أهم الأشياء أنك إذا كنت في مكان الناس يحتاجونك اغتنمها في الدعوة؛ لأن الناس الآن احتاجوا الغلام؛ والآن صار الغلام يشرطها شرطًا؛ لاحظ العبارة يقول: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله هذا الآن تصحيح المعتقد وتقرير المعتقد، إنما يشفي الله الله موجود يشفي هذا تقرير العقيدة، الآن في شرط في دعوة، قال: فإن إن شرطية، فإن أنت آمنت هذا فعل الشرط، دعوت الله لك إذًا أنا ما أشفي أنا أدعو والله يستجيب لدعائي، أنا مجاب الدعوة، أنا من يوم ما رميت الدابة بالحجر استجاب الله دعائي، إذًا أنا لست أشفي أنا أدعو. قال: فإن أنت آمنت بالله دعوت الله فشفاك اغتنام حاجة الناس لسحبهم إلى التوحيد هذه قضية مهمة، أحسن ناس يمارسون هذا الدور الأطباء، لأن الناس يحتاجون إليهم أشد تقريبًا من أي نوع آخر من الناس.
يعني: أكثر من المهندسين، وأكثر من الخياطين، وأكثر من الطيارين، ولذلك اجتهد النصارى في قضية الجمعيات الطبية التبشيرية بدين النصارى، الغلام يمارس الدور بشكل جميل جداً، ودعوة رائعة في الحقيقة، والقضية ليست قضية إكراه، لأن الأعمى بعد ذلك آثر الموت، كانت العملية دعوة اقتناع باقتناع؛ لأن الأعمى مثلاً لما آمن بالله، ورأى النتيجة أن الغلام دعا واستجيب، إذًا هناك إله يدعى ويجيب، ويشفي فصارت المسألة الآن درس عملي في العقيدة، بالإضافة إلى التلقين النظري، لما اجتمع الأمران صارت المسألة عالية.
قال الأعمى: إذًا لا بدّ أن يسلم، وبالتالي قال: فشفاك فآمن بالله فشفاه الله، فآمن الأعمى جليس الملك بالله فشفاه الله، فأتى الملكإذًا الأعمى جاء على حسب العادة فجلس إليه كما كان يجلس، الأمور أحيانًا أمور الدعوة تمشي بوتيرة بطيئة، تأتي في منحنى معين تتسارع الأحداث، ماذا كانت الدعوة في وقت الراهب يمكن سنوات طويلة الراهب هذا كان وحده أليس كذلك؟ يعني: كان الإيمان في البلد كله في واحد، ويمكن سنوات طويلة الأمور ساكنة، تحركت الأمور قليلاً لما شاء الله أن يسمع كلام الراهب للغلام، يجلس عند الراهب، ويؤمن ثم تسارعت الأمور أكثر لما صارت قضية الدابة هذه، ثم تسارعت أكثر لما بدأ الغلام يمارس دورًا دعويًا عن طريق علاج الناس، ثم الآن وصلت القضية إلى مجلس الملك إلى أعلى سلطة في البلد، الآن قضية الدعوة تسارعت وصارت ترتفع حتى وصلت إلى هذا المستوى، التدبير إلهي الله يريد هذا، وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].
والآن جاء أوان حدوث طفرة دعوية في البلد، يريد الله أن تصل المسألة إلى هذه المرحلة لتنتشر الدعوة، فإذًا الدعوات ممكن تمر بفترات خمول سكون، وهدوء ثم تصعد فجأة هذا طبيعة الدعوة، يعني دعوة الحق ممكن تحدث النبي ﷺ ثلاثة عشر سنة في مكة ما هي الحصيلة؟
يمكن ثلاثمائة واحد من كل الثلاثة عشر سنة، يعني في السنة كم واحد يسلم أكثر من عشرين واحد في السنة، لكن من الحديبية إلى فتح مكة وضعت الحرب أوزارها اشتغل المسلمون بالدعوة، النتيجة أنه جاء في غزوة مكة عشرة آلاف مقاتل، وحجة الوداع بعدها بسنة أو سنتين مائة وأربعة وعشرين ألف شخص، في طفرة حدثت، وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا [النصر: 2].
مع أنه في الأول كان يطوف على الناس في منازلهم في الحج، يا بني فلان، يا بني فلان من يمنعني فأبلغ رسالة ربي، لا يكاد يوجد أحد، وأبو لهب وراءه كذاب لا تسمعوا له، كذاب صابئ صبأ عن قومه لا تسمعوا له، أينما ذهب ينتقل وراءه الدعوة تحركت بشكل بطيء جداً في مكة، ثم بعد ذلك طفرة.
فإذًا ليس بشرط أن الدعوة تيسر بوتيرة ثابتة، ولا حتى النمو ثابت إذا رسمتها بيانيًا ممكن تمشي منحنى بطيء، وهكذا هذه القصة دليل على ذلك لما جلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، لم يشأ الجليس أن يكتم الحق، رأى أنه ما دام الله أنعم عليه برد البصر، إذًا شكر النعمة يقتضي أن يعترف أن المنعم هو الله، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله انظر إلى وقاحة الملك الذي يقول: ولك رب غيري؟، يعني: هذا مذهب فرعون ما علمت لكم من إله غيري، ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، هذا ثبات عجيب، وإيمان قوي لأن الأعمى يعرف جيدًا من هو هذا الشخص الذي أمامه، ويعرف جبروته وسلطانه وقوته وبطشه يعرف هذا جيدًا يعرف ماذا سيكون وراءه، فأخذه فلم يزل يعذبه.
إذًا في تعذيب مستمر حتى دل على الغلام يعني: معنى ذلك أن الأعمى رحمه الله حاول أن يصمد، حاول أنه ما يكون سبب في أذية غيره، لكن في النهاية مع شدة التعذيب تكلم أن الغلام هو الذي علمني أن الله وربي وربك ورب الناس، فجيء بالغلام الغلام شأنه غير عند الملك، فحاول الملك أن يحتويه أولاً، فقال له: أي بني يعني: تلطف معه بالكلام، قد بلغ منك سحرك.
إذًا رد المسألة الآن إلى السحر، يعني: أنت تفوقت وتعلمت وعلمناك وشهادات، وجبنا لك مدرسين خصوصيين، وتعبنا عليك، وصرفنا عليك، أي بني قد بلغ من سحرك ما تبرأ الأكمة والأبرص، وتفعل وتفعل، فقال: إني لا أشفي أحدًا إنما يشفي الله هي العبارة، نلاحظ اتحاد العبارة، الحق واحد لما يتكلم هذا ويتكلم هذا ويتكلم هذا، الحق واحد ونفس الكلام يتكرر، هكذا أهل الحق دائمًا كلامهم واحد، وقد تختلف الألفاظ والمعنى واحد.
فأخذه فلم يزل يعذبه غلام وصغير، وتعذيب شديد، ولم يزل يعني: المسألة تتوالي، والاستمرارية في القضية حتى دل، ما أطاق، والنفس البشرية لها حدود، لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].
والانهيار وارد، لا يستطيع أن يصبر إلى هكذا حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب، وهكذا التسلسل تعقب منشأ العقيدة، من أين جاء بهذه العقيدة، من واحد لواحد حتى وصلت إلى الأول، فجيء بالراهب، طبعًا ما يحتاج يقال: للراهب من الذي علمك؟
خلاص هو الآن المعلم الأول في هذه البلد، فقيل له: ارجع عن دينك المساومة الآن في مجال آخر، التهديد الآن ليس من الذي قال لك؟
الآن التهديد ارجع عن دينك، فأبى الآن لحظة ثبات، والشيء الذي كان يخافه الراهب قد حصل، هو أصلا كان لا يريد أن يدل عليه لأجل ألا يصل إلى قضية هذه النهاية، لكن إذا جاءت لا تتمنوا لقاء العدو، لكن إذا لقيتموهم فاصبروا [رواه البخاري: 2965، ومسلم: 1742].
خلاص شيء لم يخطط له، ولم يتمن أن يحصل لكن لما حصل ليس إلا الثبات، خلاص، فقيل له ارجع عن دينك فأبى فدعا بالمئشار، وفي رواية: المنشار طبعًا آلة تعذيب رهيبة جداً، وهذه الحقيقة ليست آلة تعذيب آلة قتل بطريقة وحشية لإرهاب الآخرين هذا المقصود، فوضع المئشار في مفرق رأسه، وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر، فشقه حتى وقع شقاه أمام الناس، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك لا بدّ الآن من القضاء على الفكرة، والقضاء على العقيدة، والقضاء على حملة العقيدة واحد وراء الآخر، المسألة الآن عند هذا الملك تصفية كلهم.
ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المئشار في مفرق رأسه فشقه به حتى وقع شقاه راح الراهب، وراح الجليس الأعمى الذي أبصر بعينه وأبصر الحق، وبقي الغلام.
النبي عليه الصلاة والسلام مدح هؤلاء، وقال لخباب لما جاءه يشكو إليه وهو متوسد بردة في ظل الكعبة "ألا تدعو لنا؟ ألا تستنصر لنا؟" ألا ترى ما بنا تعذيب كفار قريش قال: إن الرجل فيمن كان فيمن كان قبلكم يوضع المئشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ما يصده ذلك عن دينه [رواه البخاري: 3612].
فكان يسليهم بقصة أصحاب الأخدود، الذي روى هذه القصة بالمناسبة صهيب الرومي، يمكن كان صهيب يرويها له معنى وطعم خاص، يعني ما رواها واحد من الأنصار رواها واحد من المهاجرين الذين كانوا مثل صهيب بالتأكيد، كان يناله في مكة تعذيب، فكون حفظ القصة ورواها معناه الظروف متشابهة، ومعناه أن القصة هذه رسخت في ذاكرة صهيب جيدًا حتى نقلها إلينا.
وصلت المسألة إلى الغلام، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك؟ فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه الغلام الآن وضعه خاص، الناس يحبونه، وله شعبية، قتله بطريقة المئشار الوحشية وهو صغير السن وله بين الناس مكانة فكر فيها قليلاً، نظر وبسر، وعبس واستكبر، نتيجة القرار في النهاية قتل لكن بطريقة أخرى كأنها قضاء وقدر، هذا كله قضاء وقدر بالمنشار أو بالجبل، لكن كأنها جاءت حادث عرض، فقيل له راجع عن دينك؟ فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه يعني: من أصحاب الملك من جنوده، فقال اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا حدد الجبل، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، يعني: هذا جبل مرتفع لا بدّ أن يكون حتى تكفي التقلبات من فوق إلى تهشيم الجمجمة.
فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه يعني ساوموه هناك أيض
-
ماهرالبدري
جزاك الله خير