الخطبة الأولى
إن الحمد لله، نحمده، و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًالأحزاب:70-71.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
المؤمن يسأل الله الثبات في كل وقت وحين.
أيها الإخوان: لابد أن نتفكر جميعاً في مسألة تثبيت الله للمسلم، ولابد أن نمعن النظر جلياً في حال هذا العصر، والزمان الذي عمت فيه الفتن، والشهوات، لدرجة أنك كنت ترى كثيراً من الناس من أبناء العوائل الطيبة الذين خرجوا من بيوت فيها إيمان، وإسلام أولاد على آباءهم على خير وفضل، وأمهاتهم على عبادة، وعفاف خرج هذه من البيوتات أولاد لا يعرفون الله، وشباب قد انتكسوا في حمأة الرذيلة، واستهواهم الشيطان، وركبهم.
ولابد أن نتفكر في بعض الصور من الواقع الذي كنت ترى فيه أناس يعتادون المساجد، يصلون مع المسلمين، ويؤدون زكاة أموالهم، ويصومون في شهر الله رمضان، وربما حجوا إلى بيت الله العتيق، تجدهم في وقت من الأوقات قد زلت أقدامهم في بحار من الرذيلة، واستهواهم الشيطان فأدخلهم أوكار الفساد.
ونحن لازلنا نسمع بين حينة، وأخرى من بعض النساء اللاتي يشتكين أزواجهن، فتقول في أسئلتها مثلاً: زوجي عندما تزوجني كان يصلي الصوات الخمس، وكان يذهب إلى المسجد في صلاة الفجر، وكان له رفقة طيبة، ثم تغير حاله فجأة أصبح لا يصلي، ويشرب المسكرات، ويسافر إلى بلاد قريبة أو بعيدة منتشر فيها الفساد بأنواعه؛ ليقترف تلك الذنوب، لقد تغير عيشنا، ولم يعد الأمن والإيمان في هذا العش الذي كنا نعيش فيه، إنني أصبحت أخشى على أولادي، وعلى بناتي من هذا الرجل الذي صار رذيلاً لا يعرف حق الله، ولا يقف عند حرمات الله، هذه الظاهرة -أيها الإخوة- ظاهرة الرجوع عن الإيمان، وعن التمسك بهذا الدين لا زلت ترى في جار من جيرانك، أو زميل من زملائك في العمل، أو طالب معك في الدراسة، لا زلت تجد مثل هذه الأمور، ولا تحسبن أن هذا الأمر جديد، بل أن علماءنا -رحمهم الله- قد عاينوا مثل هذه الحوادث، وخالطوا أناساً كانوا في يوم من الأيام شعلة من الإيمان، فاستزلهم الشيطان حتى أصبحوا في دركات من الرذيلة.
يقول ابن حزم – رحمه الله-: "ولي كلمتان قلتهما معرضاً بل مصرحاً برجل من أصحابنا كنا نعرفه، كلنا من أهل الطلب والعناية، والورع، وقيام الليل، واقتفاء اثآر النساك باحثاً مجتهدا، وقد كنا نتجنب المزاح بحضرته، فلم يمض الزمن حتى مكن الشيطان من نفسه، وفتك به بعد لباس النساك، وملك إبليس من خطامه، فسول له الغرور، وزين له الويل والثبور، وأعطاه ناحيته بعد شماس، فخب هذا المسكين في طاعة إبليس، وأوضع، واشتهر بعد ما ذكرته في بعض المعاصي القبيحة الوغرة، فيا سوأتاه لمن بدأ باستقامة، ولم يعلم بأن الخذلان يحل به، وأن العصمة ستفارقه، لا إله إلا الله، ما أشنع هذا، وما أفظعه، لقد دهمته إحدى بنات الحرس، وألقت عصاهابه فإذاً كانت فتنته في امرأة من النساء، إحدى بنات الحرس ممن كانوا في الماضي، فتنته عن دينه، ورجعت به إلى حياة العصيان، والذل، وطاعة إبليس، ولا حول ولا قوة إلا بالله".
ثم يقول- رحمه الله -: "وكان هذا المذكور من أصحابنا قد أحكم القراءات إحكاماً جيدا، واختصر كتاب الأنباري في الوقف والابتداء اختصاراً حسنا، أعجب به من رآه من المقرئين، وكان دائباً على طلب الحديث وتقييده، والمتون، لقراءة ما يسمعه على الشيوخ المحدثين، مثابراً على النسخ مجتهداً به، فلما امتحن بهذه البلية مع بعض الغلمان رفض ما كان معتنياً به، وباع أكثر كتبه، واستحال استحالة كلية نعوذ بالله من الخذلان".
وضرب مثالاً آخر فقال: "وقد ذكر أبو الحسين، أحمد بن يحيى بن إسحاق الرويدي في كتاب اللفظ والإصلاح، أن إبراهيم بن سيار النظام، رأس المعتزلة، مع علو طبقته في الكلام، وتمكنه، وتحكمه في المعرفة، وهو وإن كان ضالاً في قضية الكلام، فإنه ازداد إلى ذلك سوءة أخرى بحادثة حصلت له، ماذا حصل؟
قال: "هذا الرجل تسبب إلى ما حرم الله عليه من فتى نصراني عشقه، ما هي البلية التي حصلت له؟ بأن وضع له كتاباً في تفضيل التثليث على التوحيد، فيا غوثاه! عياذك يا ربي من تولد الشيطان، ووقوع الخذلان بسبب أنه تعلق بهذا الفتى النصراني ألف له كتاباً في تفضيل التثليث عقيدة النصارى الكفرية على عقيدة التوحيد الصافية".
الثقة الزائدة بالنفس سبب للوقوع في المعاصي والذنوب
فإذاً -أيها الإخوة- هذه المعاصي، والآثام تفعل الأفاعيل، ويحدث منها الأعاجيب، لا تقل: أنا لا يمكن أن أقع في مثل هذا، ولا يمكن أن يحدث لي مثل هذاً، فإنك لا تعلم، فاسأل الله الثبات.
ثم يقول -رحمه الله-: عن رجل كان مستوراً في أهله ساتراً لنسائه، وأهل بيته، يقول: "وقد يعظم البلاء، وتكلب الشهوة، ويرق الدين، حتى يرضى الإنسان في جنب وصوله إلى مراده بالقبائح، والفضائح كمثل ما دهم فلاناً وسماه، فإنه رخى بإهماله داره، بإباحة حريمه، والتعريض بأهله، طمعاً في الحصول على بغيته من فتى كان علقه، نعوذ بالله من الضلال، ونسأله الحياطة، وتحسين آثارنا، وإطابة أخبارنا، حتى لقد صار المسكين حديثاً تعمر به المجالس، يضرب به المثل مما استباح به أهل بيته، وعرضهم للخذلان، وعرضهم للشقاء، وعرضهم للرذيلة بسبب شيء، وقريباً من هذا -أيها الإخوة- ما يحدث لبعض الناس اليوم الذين يبيعون بناتهم، أو أخواتهم في أسواق النخاسة ليس بيع الرقيق، وإنما هو أسوأ من ذلك، فيجرون بهم إلى الرذيلة؛ لكي يحصل على شيء من المخدرات مثلاً، فانظر كيف يفعل تحصيل الرجل لمراده من الحرام؟ يفعل به يؤدي به إلى أن يصبح ديوثاً، والديوث هو: الذي يقر الخبث في أهله، ومعنى داث: يعني: سهل وصول الأخباث الأنجاس إلى أهله، وقد حصل لأناس أرادوا أشيئاً من المناصب أن فضحوا حريمهم، وعرضوهم للرذيلة؛ لكي يرضي رئيساً من رؤسائه، فيصل إلى منصب يطمع إليه، فهذا والله من أشد البلايا، والرزايا التي يمكن أن تحدث.
وأخبر ابن حجر -رحمه الله- في كتابه:" إنباء الغمر بأبناء العمر، عن فلان من الناس قال: نقل إلى حبس المرقب لشكوى المقادسة من تعرضه لأبنائهم، وإكثاره من الفساد، وقيل في ترجمته: إنه كان شاباً جميل الصورة، مشاركاً في بعض المسائل العلمية أقصد، بل كان يحفظ عقيدة الطحاوي، ثم تغير، وأقبل على الملاهي، وعشرة المساخر, نعوذ بالله من الخذلان.
هذه قصص من الماضي، والقصص من الماضي، والقصص من الحاضر كثيرة جدا، بل هي أكثر مما كان من قبل بكثير؛ نظراً لضعف إيمان الناس الآن، وغلبت الشهوات، والتفسخ الحاصل، وشيوع المنكرات، والتبرج، والسفور، وتسهيل الوصول إلى الحرام، الآن عصابات تعمل لترويج الحرام بين الناس وتسهيله، وتجد التذاكر تباع بأبخس الأثمان؛ ليتمكن الناس من الذهاب إلى الحرام، والسفر إلى الحرم حتى أنك لتعجب عجباً شديداً، وأنت تتأمل هذه الأسعار، وتقول: هل فيها ربح يا ترى؟
ولكنك إذا عرفت أن أعداء الله لم يكونوا أبداً ليتركوا أبناء المسلمين في الحشمة، والعفاف لا يمكن أن يتركوهم أبداً، إنهم على استعداد لينفقوا من جيوبهم؛ لكي ينحرف أبناء المسلمين، ولذلك يقول الله عن هؤلاء الذين كفروا أنهم: يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِسورة الأنفال:36، مستعدين أن يدفعوا من جيوبهم ليصدوا عن سبيل الله، مستعدين أن يبيعوا المخدرات بأثمان رخيصة؛ لكي يقع بها أبناء المسلمين، مستعدين أن يبيعوا الخمور بأسعار رخيصة؛ ليغرق فيها المسلمون وهكذا.
تنوع وسائل وطرق الحرام في هذا العصر
فإذاً؛ أيها الإخوة، حصل في هذا الزمان من تسهيل الحرام، وانتبهوا إلى هذه العبارة تسهيل الحرام، أشياء لم تكن معهودة في الماضي، بل إن الحرام نفسه قد تنوعت أنواعه جداً، فصار كل من له أرب في أمر وجد في السوق ما يلبي هذه الرغبة في نفسه، ولو اختلفت رغباته، بل إن الشر والفساد، ساعد على ذلك هذه المخترعات الحديثة.
فانظر إلى شؤم الحضارة الغربية مثلاً، عندما يتطور الطب؛ لكي يعمل جراحة رتق البكارة، رتق البكارة؛ لكي يسهل للبنات الأبكار الزنا؛ لأنها بعد ذلك عندها منفذ؛ لكي تعيد كل ذلك بعملية جراحية.
فإذا،ً ساهم العلم أو هذه التكنلوجيا كما يقولون، ساهمت إسهاماً كبيراً في نشر المنكرات، ونشر الفساد، وتأمل في هذه المخترعات في الوسائل المسموعة، والمرئية، وتأمل في قوة أجهزة البث التي أوصلت الفساد لبيوت المسلمين في عقر دورهم، وما سيأتي في المستقبل أعظم وأنكى.
فإذا،ً تطور الحرام في القرن العشرين تطوراً عجيباً، وتسهل، وتنوع، وقوته المبتكرات العلمية الحديثة حتى صار البقاء على العفاف في غاية الصعوبة.
-أيها الإخوة- يجب أن نقر ونعترف بهذا، لن نقول إن البقاء على العفاف أمر سهل، كلا والله، إنه في هذا العصر يكتوي المسلم بأنواع من النيران؛ لكي يحافظ على عفته، و يالله كم لهؤلاء الصابرين من أجر؟ إذا هم صبروا على هذه المنكرات، بل إنهم يعطون من الأجور أضعاف أضعاف ما أعطي أوائل هذه الأمة في قضية الصبر عن الحرام، وعدم الوقوع فيه، أولئك كانوا يجدون أعواناً على الخير، والمسلمون المتمسكون اليوم قل ما يجدون أعوانا، فنسأل الله العون والثبات.
بعض الأسباب المؤدية إلى الوقوع في الحرام
ومن الأسباب التي توقع في الحرام ثقة الواحد بنفسه، فيقول: أنا إيماني قوي هذه الأشياء لا تؤثر في، كم سمعنا من أناس عندما نوقشوا عن الأغاني، وأنها تؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، وأن هذه الأشعار، نقول لهم: يا جماعة هذه الأشعار هذه الكلمات التي في الأغاني لا تظن أن مفعولها سهل، هذه الكلمات التي فيها وصف المحبوب والمعشوق، هذه الكلمات تثير الفتنة في النفس، وتسهل الوقوع في الفاحشة.
يا أيها الناس، يا أيها العقلاء، يا أيها المسلمون، إن هذه الألحان الخالعة مع هذه الكلمات الشنيعة تفعل فعلها في النفس، يقولون: نحن لا نتأثر، إن قلوبنا صافية، ونياتنا طيبة.
فإذاً من الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في الحرام، أن بعض الناس قد أوتوا من الثقة بأنفسهم ثقة عجيبة، حتى أنه قد يخلوا بامرأة، وينظر إليها، ويقول: إيماني قوي، أنا لا أتأثر، ويسمع الأغاني الفاحشة، ويقول: قلبي صافي لا أتأثر، وبعد ذلك وقعوا في الحرام.
فإذاً، الثقة الزائدة بالنفس، ولذلك لا يجوز لرجل أن يخلو بامرأة، ولو كان أبا بكر الصديق ، ورسول الله ﷺ ما مست يده يد امرأة قط أبداً، مع أنه رسول الله ﷺ، إنما كان يبايعهن من بعيد، من وراء حجاب، ولم يأخذ البيعة بيده ﷺ مع أن نفسه أطهر نفس، وأشرف نفس، ولكنه ﷺ ما خلا بامرأة ولا مس يد امرأة أجنبية.
فكيف يقول اليوم بعض المسلمين: أنا أخلو بزوجة أخي، وزوجة عمي، وزوجة خالي هذه مثل أمي، هذه مثل أختي ماذا سيحصل لي؟ يا أخي اتق الله الرسول ﷺ لم يفعل هذا، وهو أكمل الأمة إيماناً، ولذلك ضرب لنا العظماء بسيرتهم في عدم ثقتهم بأنفسهم في مثل هذه القضايا أموراً عجيبة.
انظر مثلاً لحال شيخ الإسلام يقول ابن القيم - رحمه الله – عن شيخه: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – من ذلك أمراً لم أشاهده من غيره، وكان يقول كثيراً: ما لي شيء، ولا مني شيء، ولا في شيء، وكان كثيراً ما يتمثل بهذه الأبيات:
أنا المكدى وابن المكدى | وهكذا كان أبي وجدي |
وكان إذا أثني عليه في وجهه يقول: والله إني إلى الآن أجدد إسلامي، وهو من هو؟ شيخ الإسلام – رحمه الله – أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً، وبعث إلي في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات من خطه بنظمه يقول:
أنا الفقير إلى رب البريات | أنا المسيكين في مجموع حالاتي |
أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي | والخير إن يأتنا من عنده ياتـي |
لا أستطيع لنفسي جلب منفعة | ولا عن النفس دفع المضـرات |
والفقر لي وصف ذات لازم أبداً | كما الغنى وصف له ذاتيٌ ذاتي |
وهذه الحال حال الخلق أجمعهم | وكلهم عندهم عبد له آتـي |
وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداًمريم:95
والسبب الثاني -أيها الإخوة-: أن بعض الناس يتساهل الأمر المحرم، تسول له نفسه أن يخلوا بامرأة؛ لكي يفعل لها معروفاً، ثم تحدث الطامة الكبرى، ولذلك قال أحد الصالحين لابنه: يا بني امش وراء الأسد والأسود، الأسود الحية مثلاً، امش وراء الأسد والأسود، ولا تمش وراء المرأة، ويقول بعض السلف لابنه: "لا تخلون بامرأة، ولو كنت تعلمها القرآن، ولا تدخل على السلطان، وإن قلت أنصحه، فربما غرك سلطانه وفتنك، ولا تصغ لصاحب بدعة أذنك، وإن قلت أرد عليه طبعاً: هذا يختلف من حال إلى حال، فإن أهل العلم الثقات يجب عليهم مناصحة السلاطين، ويجب عليهم الرد على أهل البدع، ولكن من كان إيمانه رقيقاً، وهو مسكين، فلا يصح أن يتولى مثل هذه الأمور.
نسأل الله أن يجعلنا، وإياكم من المتقين الأخيار، وأن يرزقنا حسن الخاتمة، وعقب الدار، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، وارجوا من إخواني جميعاً أن يتقدموا إلى الأمام حتى يدخل إخوانهم المزدحمون في الخارج، وفي ميمنة المسجد، وميسرته مكان للإخوة في الخارج يدخلوا ويملؤه.
الخطبة الثانية
الحمد لله الغني المتعال، اشهد أن لا إله إلا هو غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ غافر:3، واشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي أرسله الله رحمة للعالمين، فجاهد في الله حق جهاده، وعلمنا كيف نصبر على المنكر، وكيف نصبر على الحرام.
صور من خوف الرعيل الأول من الذنوب
أيها الإخوة: مما يساعد على صبر الإنسان على فتن الشهوات في هذا العصر أن يتأمل في حال السابقين، مثل نبي الله يوسف، كيف صبر على الحرام؟ وكيف صمد أمام إغراءات امرأة العزيز؟ لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْسورة الأنعام:90
كما أمر الله نبيه ﷺ والأمر للمؤمنين أيضا، ومما يساعد على ذلك أن نتفكر في العاقبة، وماذا سيحصل عندما ينزل الموت بالإنسان؟ وهذه مسألة طالما نفرت منها كثيراً من الأسماع، وطالما طالبك الناس بتغيير موجة إذا أردت أن تتكلم عن الموت، وهذه بعض كلمات المحتضرين من الصالحين: لما احتضر عمرو بن العاص قال: اللهم أمرتني فلم ائتمر-طبعاً يقول هذا على سبيل التواضع والذل لربه ، وزجرتني فلم أنزدجر، ووضع يده في موضع الغل، فقال: اللهم لا قوي فانتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت، فلم يزل يرددها حتى مات -رحمه الله-، وقال معاوية : عندما حضرته الوفاة، اللهم أقل العثرة، واعفوا عن الذلة، وجد بحلمك على من لا يرجو غيرك، ولا يثق إلا بك، فإنك واسع الرحمة، تعفو بقدرة، وما وراءك مذهب لذي خطيئة موبقة يا أرحم الراحمين، ولما حضرته الوفاة قال: أقعدوني، فأقعد، فجعل يذكر الله، ويقول: يا رب أرحم الشيخ العاصي، ذا القلب القاسي، وعزتك إن لم تغفر لي فقد هلكت، ثم غشي عليه، فبكى أهله -رحمه الله تعالى-.
وقيل لبعض الصالحين، وهو يجود بنفسه كيف تجدك عند الموت؟ وكيف حالك؟ فقال: كيف حال من يريد سفراً بعيداً بلا زاد؟، ويدخل قبراً موحشاً بلا مؤنس؟وينطلق إلى رب ملك بلا حجة، ولما نزل بهشام بن عبد الملك -أحد الخلفاء- الموت نظر إلى ولده يبكون حوله، فقال لهم: جاد لكم هشام بالدنيا، وجدتم له بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما اكتسب، ما أعظم منقلبه إن لم يغفر الله له، وقيل لبعضهم، وقد احتضر أي شيء تشتكي؟ قال: تمام العدة، وانقضاء المدة، وقيل لأعرابي في مرضه: ما الذي تجده؟ قال: أجد ما لا أشتهي، وأشتهي ما لا أجد، أشتهي أن ارجع إلى الدنيا، ولكن هيهات، وقال معمر: حضرت الوفاة رجل كان معي في الحبس، وكان مصاباً بداء البطن، فقلت له: كيف تجدك؟ قال: أجد تحرري أكثر من تبردي، وأجد روحي قد خرج من نصف الأسفل، وكأن السماء قد دنت مني، فلو شئت أن المسها بيدي لفعلت، ومهما شككت في شيء فلا تشك أن الموت برد، ويبس، وأن الحياة رطوبة وحرارة، وقيل لآخر عند موته: كيف تجدك؟ قال: أجدني أذوب، ولا أثوب، فلما قربت نفسه من أن تفيض، قال له ابنه: قد كنت تحب أن ترى عاقلاً فطناً قد احتظر، فتسأله عما يجد المحتضر، وقد احتضرت، وأنا أحب أن تصف لي الموت، فقال: أجدك أن السماء منطبقة على الأرض، وكأني أتنفس من خرم إبرة، فإذاً تذكر هذا الموقف، وكلنا سنمر به، شئنا أو أبينا، طلعنا أو نزلنا، عاجلاً، أو آجلاً سنمر به، فلا تذهب نفسك للقاء الله غير مستعدة من أجل لحظات من الحرام، وتأمل في حال اللذة المحرمة كم هي تستمر؟ لحظة تعقبها حسرات، ولذة محرمة تعقبها آهات، ولذا فإن المسلم يسأل ربه الثبات.
اللهم ثبتنا على الدين، واليقين، اللهم حببنا الإيمان، وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر، والفسوق، والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وكفر الكفرة والملحدين، وانصر المجاهدين في سبيلك يا رب العالمين، إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءوَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.