الثلاثاء 9 جمادى الآخرة 1446 هـ :: 10 ديسمبر 2024 م
مناشط الشيخ
  • يتم بث جميع البرامج عبر قناة زاد واليوتيوب

أهمية الوسط الطيب للشباب المسلم 2


عناصر المادة
الخطبة الأولى
البحث عن الحق من صفات الصادقين
نعمة الهداية إلى الإسلام
أهمية الرفقة الصالحة في السير إلى الله
الخطبة الثانية 
الإسلام يحرص على استغلال القدرات

الخطبة الأولى

00:00:07

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَآل عمران:102يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباًالنساء:1. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۝ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماًالأحزاب:70-71.

 أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ﷺ وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

البحث عن الحق من صفات الصادقين

00:01:18

إخواني، عندما ينتقل أبناؤنا، وإخواننا، وشبابنا من مرحلة إلى مرحلة تليها في الدراسة أو غيرها، وعندما نعبر نحن كلنا مشوار هذه الحياة، فإنه لابد لنا أن نتلمس الحق، وأن نبحث عنه، وأن نتعرف إلى الأوساط الطيبة التي يوجد فيها هذا الحق؛ لكي نتأثر بها، ونستفيد منها، والأوساط الطيبة ذات فوائد جمة على الناس عموماً، وعلى الشباب عندما يكونون في بداية نشأتهم بالذات، والأوساط الطيبة ذات فوائد جمة على الناس عموماً، وعلى الشباب عندما يكونون في بداية نشأتهم بالذات، ولقد جرى قدر الله في أهل الحق في أن يبحثوا عنه منذ القدم، وأن ينقادوا له، وأن يستجيبوا، وأن يدخلوا فيه، وأن يتأثروا.

ونحن سنجمل لكم البحث عن الحق، وعلى ما في أهل الوسط الطيب، وما هي فوائد هذه الأوساط؟ لعل الهمة تتحرك في نفوس أبناءنا، وشبابنا للبحث عن هذا الدين خالصاً نقي، والالتزام به، ولعل الباعث يتحرك عند الاباء؛ لإلزام أبناءهم بهذا الحق، وجعلهم ينقادون إلى أهله، لعل الاباء يعلمون أن أبناءهم أمانة في أيديهم، وأنهم سيسألون عنهم يوم القيامة، وأنهم إذا أرادوا النجاة من الحساب الأكبر، فإنهم لابد أن يقيدوا أبناءهم لمعرفة الأخيار، والانخراط في سلكهم، فأما البحث عن الحق، فإن له قصص كثيرة منذ القدم، وأولئك الأنبياء والصالحون كانوا لا يزالون يسألون ربهم الواحد أن يدلهم عن الحق، وعلى الحق، وأن يعرفهم به، ورسولنا ﷺ كان يقوم الليل يسأل ربه، ويطلبه أن يوفقه للحق، ولمعرفته أن يريه الحق حقاً ويرزقه اتباعه، وأن يريه الباطل باطلاً ويرزقه اجتنابه.

ومن تلكم الحوادث المشهورة في التاريخ قصة سلمان عندما خرج يبحث عن الحق، وعن الرسول الأمين حتى أدركه فصدقه في قصة طويلة صحيحة اختصرها العلامة ابن القيم – رحمه الله – بأسلوبه الجميل فقال: لما قضي في القدم بسابقة سلمان عرج به دليل التوفيق عن طريق ابائه في التمجس، فقد كان سلمان يعيش بين المجوس في بلاد فارس، فأقبل يناظر أباه في دين الشرك، فلما علاه بالحجة ظهر الابن على أبيه بالحجة لم يكن له جواب إلا القيد فصفده أبوه في الأقياد، وألقاه في غرفة مغلقة في البيت.

وهذا جواب يتداوله أهل الباطل من يوم عرفوه، وبه أجاب فرعون موسى لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَسورة الشعراء:29، فقد كان الإرهاب دائماً سلاح الطغاة عندما يفحمون، وعندما يظهر الحق أمامهم لا يملكون إلا استخدام السطوة، والقوة في إسكات أهل الحق، وبه أجاب الجهمية الإمام أحمد، لما عرضوه على السياط، وبه أجاب أهل البدع شيخ الإسلام حين استودعوه السجن، يقول ابن القيم – رحمه الله -: وها نحن على الأثر، وهو قد سجن مع شيخه، وعذب في الله، وطيف فيه على جمل يهان بين الناس؛ لمجرد أنه تمسك بالسنة، فينزل به ضيف، بسلمان، فينزل به ضيف وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ الابتلاء، فسمع أن ركباً على نية السفر إلى بلاد الشام إلى مكان النصارى لعله يجد عند هؤلاء النصارى بديلاً عن هذه المجوسية في بلاد فارس، فسمع أن ركباً على نية السفر فسرق نفسه من أبيه، ولا قطع فركب راحلة العزم يرجو إدراك مطلب السعادة، فغاص في بحر البحث ليقع بدرة، فوقف نفسه على خدمة الأدلاء، وقوف الأذلاء؛ لأنه قعد يخدم الرهبان واحداً بعد واحد ذليلاً عندهم حتى يوصلوه إلى الحق يريد الحق يبحث عنه، وكلما أشرف واحد على الموت دله على آخر على التوحيد، فلما أحس الرهبان بانقراض دولتهم، وأنه لم يبقى موحد سلموا إليه أعلام الإعلام على نبوة نبينا محمد ﷺ وأخبروه بظهوره، وقالوا: إن زمانه قد أضل فاحذر أن تضل، فرحل مع رفقة إلى بلاد إلى جزيرة العرب، يبحث حسب المعلومات، والأوصاف عن هذا النبي الجديد، فرحل مع رفقة لم يرفقوا به، وشروه بثمن بخس دراهم معدودة، كان أهل القافلة التي رحل معهم خونة، فابتاعه يهودي بالمدينة، فلما رأى الحرة حرة المدينة، التي كانت أحد الأوصاف على بلد النبي الجديد ﷺ، فلما رأى الحرة توقد حراً شوكه، ولم يعلم رب المنزل بوجود النازل، فبين ورب المنزل هو اليهودي لم يعلم أن رسول الله ﷺ قد قدم المدينة، فبينما سلمان هو يكابد ساعات الانتظار قدم البشير بقدوم البشير، وسلمان في رأس نخلة يعمل لليهودي، عبد عنده، وكاد القلق يلقيه من رأس النخلة؛ لما سمع اليهودي يقول لليهودي الآخر: إن رسول الله قد وصل من مكة، وصفته كذا، كاد القلق كاد القلق يلقيه لولا أن الحزم أمسكه، كما جرى يوم إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَاالقصص:10.

فعجل النزول؛ لتلقي ركب البشارة، فصاح به سيده اليهودي مالك انصرف إلى شغلك، فقال: كيف انصرف ولي في داركم شغل؟ ثم أن سلمان استطاع أن يتفلت، ويذهب إلى رسول الله ﷺ ليعلم هل الصفات التي أخبره بها الرهبان هي الصفات المجتمعة في هذا الرجل أم لا؟ فلما لقى الرسول عارض نسخة الرهبان بكتاب الأصل فوافقه، ورأى خاتم النبوة بين كتفي رسول الله ﷺ فأزاح ﷺ الرداء عن منكبيه، وهو يعلم بأن سلمان يبحث عن شيء، فاستدار سلمان فرأى خاتم النبوة بين كتفيه ﷺ فألقى نفسه بين يديه يبكي فرحاً، بكاء الفرح من الوصول إلى الحق، ثم التزم هذا الدين، نسبه ابن الإسلام، وماله الفقر، وحانوته المسجد، وكسبه الصبر، ولباسه التقوى، وقصده الجنة، ودليله إمام الخلق وهادي الأمة، ﷺ. 

نعمة الهداية إلى الإسلام

00:10:29

والوصول إلى الحق لا يتم لكل أحد، فإنك ترى الآن على وجه الأرض الملايين من البشر ليسوا على عقيدة التوحيد، ملايين يعبدون البقر، ملايين يعبدون الشجر، ملايين يعبدون الحجر، ملايين يعبدون بوذا، وملايين يعبدون الطواغيت الحية، وملايين يعبدون الجعلان، والخنافس، وملايين يعبدون النجوم، وملايين يعبدون شهواتهم وأهوائهم، وملايين بلا دين هكذا، وأهل الحق أهل التوحيد قلة في أهل الأرض.

ولذلك تعلموا -أيها الإخوة- أنه ليس كل واحد يصل إلى الحق، وإنما هو توفيق من الله يصل به الإنسان إلى الهدى، فليحمد كل واحد منكم على طريق التوحيد نعمة الهداية، وليعلم أن ملايين في الأرض لم يصلوا إلى تلك النعمة، وهذا ابن القيم – رحمه الله – كان على بعض الضلالات في مبدأ حياته حتى يسر الله له رجلاً أخذ بيده، ذلكم هو شيخ الإسلام يقول عن نفسه:

يا قوم والله العظيم نصيحة من مشفق وأخ لكم معوان
جربت هذا  كله ووقعت في تلك الشباك وكنت ذا طيران
حتى أتاح لي الإله بفضله من ليس تجزيه يدي ولسان
فتى أتى من أرض حران فيا أهلاً بمن قد جاء من حران
فالله يجزيه الذي هو أهله من جنة المأوى مع الرضوان
أخذت يداه يدي وسار فلم يرم حتى أراني مطلع الإيمان
ورأيت آثاراً عظيما شأنها محجوبة عن زمرة العميان

الحق محجوب عن العميان

ووردت كأس الماء أبيض صافياً حصباؤه كلآلئ التيجان

إلى أن يقول:

والناس لا يريدونه إلا من الآلاف أفراد ذوي الإيمان

ويقول في مطلع آخر:

لولا تداركه الإله بلطفه  -يقول عن نفسه- ولى على العقبين ذا نقصان
لكن توقف خاضعاً متذللاً مستشعر الإفلاس من أثمان
فأتاه جند حل عنه قيوده فامتد حينئذ له الباعان

التخليص التخليص من الضلالات

والله لولا أن تحل قيوده وتزول عنه ربقة الشيطان
كان الرقي إلى الثريا مصعداً من دون تلك النار في الإمكان

إلى أن قال:

إن رمت تبصر ما ذكرت فغض طرفاً عن سوى الآثار والقرآن

فإذا، ً الوصول إلى الحق لابد له من دليل، من داعية يأخذ بهذا المدعو إلى طريق الحق، وهذا المدعو لو كان مخلصاً، لو كان يعرف الحق لأهله، والفضل لهم؛ لضل يشكرهم على معروفهم بإنقاذه، ويشكر قبل ذلك ربه على هذه النعمة، أن وفق له من الناس من يقوده إلى طريق الحق، كم من تائه أرسل الله له في دواجير الظلمات من يأخذ بيديه، وكم من أعمى أرسل الله من الدعاة من خلقه من يفتح له عينيه.

هذه نعمة -أيها الإخوة-، ولكن الناس الآن إذا جاءهم داعية، إذا جاءهم الذي يريد أن يدلهم إلى الحق قالوا له: أبعد عنا، إنا في غنىً عنك، وهكذا فكيف يصلون إلى الحق؟ وقد أعرضوا عن الدعاة؟ وحتى لو تبين لهم الحق يعرضوا عنه، هؤلاء الناس هذه الأوساط الطيبة التي يقول فيها الحق إن سألتني، ما هي أوصاف أهلها؟ أقول لك: اسمع قال عمرو بن حبيش – رحمه الله -: إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السنة والجماعة فارجه ارجوا الخير من وراءه، وإذا رأيته مع أهل البدع فايأس منه، فإن الشاب على أول نشوئه.

ولذلك ترى كثيراً من الشباب الذين سافروا إلى الخارج، أو ظلوا في الداخل كثير منهم بقوا على ضلالهم؛ لأنهم نشأوا منذ نعومة أظفارهم على هذه الضلالات، والشبهات، وإذا كان الإنسان مغروساً بين أهل البدع، كيف يفتح عينيه على أنوار السنة؟

أهمية الرفقة الصالحة في السير إلى الله

00:15:20

وقال عبد الله بن شوذب: إن من نعمة الله على الشاب، إذا نسك أن يواخي صاحب سنة يحمله عليها، فالمطلوب صاحب سنة ليس صاحب ضلالة، صاحب سنة ليس صاحب تعصب وأهواء، صاحب سنة ليس صاحب تقليد أعمى، صاحب سنة يأخذه ليدله على الحق، أنت أيها الأب إذا رأيت من أهل الدين والخير أناساً قد أتوا إلى ولدك؛ لينتشلوه يجب عليك أن تفرح والله، وإلا فأنت من أعمى العميان، فإنك يجب أن تفرح، وتشجع ولدك على الانخراط معهم، والانقياد لهم، والتأثر بهم، وإلا فإنك قد ضيعت على نفسك، وعلى ولدك خيراً قد لا يعود إليك في يوم من الأيام، وقد دل محمد بن نوح -رحمه الله- الإمام أحمد وفقه الله له.

قال الإمام أحمد: ما رأيت أحداً على حداثة سنه، وقدر علمه أقوم بأمر الله من محمد بن نوح، إني لأرجوا أن يكون قد ختم له بخير، قال لي ذات يوم: يا أبا عبد الله، الله الله، إنك لست مثلي، أنت رجل يقتدى بك، قد مد الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك، فاتق الله، واثبت لأمر الله، فمات محمد بن نوح في الطريق إلى السجن، وفك قيده، قال الإمام أحمد: وصليت عليه ودفنته رحمه الله، فمات على التوحيد، على السنة، مع إمام أهل السنة، ومن فوائد الأوساط الطيبة: ما يحدث فيها من التواصي على الحق، والصبر ما يحدث فيها بأخذ بعضهم في أيدي بعض؛ لعبادة الله وطاعته بإقامة الفروض والنوافل، فترى بعضهم يشجع بعضاً على صيام النفل، وقيام الليل، وترى بعضهم يأخذ يد بعض في طلب العلم الشرعي، ومعرفة دين الله؛ ليعلم كيف يعبد الله.

ويجد الشاب في هذه الأوساط الطيبة القدوة الصالحة التي يتأثر بها، ويقتدي بها، ولابد من قدوة حية لابد من قدوة حية بين الناس -أيها الإخوة- أحياناً يكون الأولاد يتاما في البيوت؛ لأن الاباء منشغلون بالدنيا، فليس هناك قدوة واحدة طيبة في بيت هذا الشاب، أو بيت هذا الولد، فإذا لم يكن له من أحد مدرسيه، أو أصدقائه قدوة طيبة، فكيف يتأثر؟ لابد من أشخاص يحملون هذا القرآن، وهذه السنة يمشون على الأرض؛ ليتأثر بهم الناس، وكم من مواقف أنقذت أشخاص بسبب وجود قدوات طيبة، بسبب وجود أناس من أهل الخير، ولو كانوا قلة لكنهم يأثرون، القرآن لا يمشي ويدخل القلوب بنفسه، ولكن هناك أناس يحملونه يدخلونه في قلوب الناس، وزد على ذلك ما يكتسبه الشاب في هذه الأوساط من الوعي الإسلامي، الذي يجعله يحذر الحذر الشديد من أعداء الله، وانظر إلى زيد بن أرقم، الشاب الفتى الصغير، كيف غرس الوعي فيه منذ نعومة أظفاره؟ لما عاش وسط النبوة، جو النبوة، وسط الصحابة، عن زيد بن أرقم قال: غزونا مع رسول الله ﷺ وكان معنا أناس من الأعراب، فكنا نبتدؤ الماء، وكان الأعراب يسبقونا إليه، فسبق أعرابي أصحابه فيسبق الأعرابي فيملأُ الحوض، ويجعل حوله حجارة إلى أن حصلت مشكلة، فانتهزها المنافق عبد الله بن أبي، فغضب وقال: لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّواالمنافقون:7، وكان الأعراب يحضرون الرسول ﷺ عند الطعام، فقال عبد الله المنافق: إذا أنفضوا من عند محمد فأتوا محمداً بالطعام، فليأكل هو ومن معه، ثم قال لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة فليخرج الأعز منكم الأذل، وزيد بن أرقم الصحابي الصغير موجود حاضر يسمع الكلام، فسمعت عبد الله بن أبي فأخبرت عمي، فأنطلق فأخبر رسول الله ﷺ فأرسل إليه رسول الله إلى عبد الله بن أبي يقول: تعال ماذا قلت؟ فحلف، وجحد، قال: فصدقه رسول الله وكذبني في البداية؛ لعدم وضوح الشاهد، وقوة الدليل، وتألفاً لقلب ذلك الرجل، قال: فجاء عمي إلي فقال: ما أردت إلى أن مقتك رسول الله وكذبك المسلمون؟ قال: فوقع علي من الهم ما لم يقع على أحد، قال: فبينما أنا أسير مع رسول الله ﷺ في سفر قد خفقت برأسي من الهم؛ إذ أتاني رسول الله ﷺ فعرك أذني، وضحك في وجهي، فما كان يسرني أن لي بها الخلد في الدنيا، أناس يقدرون فتيان الصحابة، يقدرون معنا الابتسامة.

وقال  ﷺ لزيد: لقد صدقك الله وأوفيت بهذه الأذن ثم أن أبا بكر لحقني، فقال: ما قال لك رسول الله؟ قلت: ما قال لي شيئاً إلا أنه عرك أذني، وضحك في وجهي، فقال: أبشر، ثم لحقني عمر، فقلت: مثل قولي لأبي بكر، اهتمام كبار الصحابة بصغارهم، وتشجيعهم، وتحفيزهم، فلما أصبحنا قرأ رسول الله ﷺ: سورة المنافقين، وفضح الله عبد الله بن أبي، وصدق الغلام الصغير زيد بن أرقم، رواه الترمذي وهو حديث صحيح، وقد ساغ البخاري وغيره أطرافا منه.

وهذه الأوساط -أيها الإخوة- الأوساط الإسلامية، وليست أوساط الميوعة، والذل، والانحرافات، والفساد هي التي تربي في نفس المسلم العزة الإسلامية، والتي تجعله شجاعاً لا يخشى الكفرة، مهما كان عددهم.

وفي حديث مسلم، عن سلمة بن الأكوع، لما بايع رسول الله ﷺ ثلاث مرات، ولما نادى مناد في تلك الغزوة، يا أهل المهاجرين، كان مضطجعاً في أصل شجرة، وأربعة من المشركين في شجرة أخرى، قال: فاخترطت سيفي ثم شددت على أولئك الأربعة، وهم رقود فأخذت سلاحهم في يدي، ثم قلت: والذي كرم وجه محمد ﷺ لا يرفع أحدكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه، ثم جئت بهم أقودهم إلى رسول الله ﷺ، واحد يقود أربعة، ويأخذ سلاحهم، والعزة تنطلق من كلماته، ويتعلم الشاب في هذه الأوساط الطيبة معاني التضحية، والأخوة، والإيثار.

الإيثار لا يمكن أن يتعلمه إنسان لوحده أبداً، كيف تتعلم الإيثار ولا ويوجد معك من تأثرهم على نفسك؟ وهؤلاء الصحابة - رضوان الله عليهم – ماذا يقول قائلهم؟ روى ابن ماجة عن ابن عمر قال: لقد رأيتنا على عهد رسول الله ﷺ وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم، ولا واحد يرى أن ماله الذي في جيبه، وداره الذي يسكن فيه هو أحق به من أخيه المسلم، بل يرى أنه هو وأخوه سواء في هذه الملكيات، فأي درجة من الإيثار، والتضحية يجدها ذلك الشخص! يتعلم حتى فك الأزمات المادية، الناس الذين قد ابتعدوا عن الله، لا يعرفون أن يفكوا ضائقة أحد؛ ولذلك ترى أن كثيراً من الناس يذهبون إلى البنوك إلى الاقتراض، نقول: يا أخي لا يجوز، لعن الله آكل الربا وموكله[رواه أحمد:3725]، يقول: ما وجدت أحد يسلفني، ما وجدت أحد يقرضني قرضاً حسناً، لماذا؟ لأن مثل هؤلاء الناس لا يعيشون في أوساط الخير، والأخوة الإسلامية التي توفر مثل هذه الخدمات، ويجد حتى من يستشيره، ويشير عليه بالرأي الطيب الحسن، لا يخونه فيه، ولكن عندما يكون الإنسان في أوساط الأنانية، والمعاصي، من الذي سيشير عليه بالرأي الطيب؟ بل أن أحدهم لو سمع رجلا يستشير، هل أشتري السيارة الفلانية أم لا؟ فإذا وجدها غنيمة ذهب واشتراها هو لنفسه من خلف أخيه، أليس كذلك؟ مثل هذه الأشياء لا تحدث في الأوساط الطيبة،  نسأل الله تعالى أن يطيبنا وإياكم، وأن يطب أوساطنا أجمعين، وأن يجعلنا من المتخلقين بأخلاق رسوله ﷺ أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، وارجوا أن تقاربوا حتى يدخل إخوانكم الواقفون في الخارج أوسعوا لإخوانكم في يمين المسجد، وشماله حتى يدخلوا.

الخطبة الثانية 

00:25:03

الحمد لله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي ضرب لأمته القدوة، وجاهد في الله حق جهاده، وفي هذه الأوساط الطيبة -أيها الإخوة- تتفجر الطاقات، وتوجه لخدمة دين الإسلام إذ أن كثير من الناس فيهم طاقات، ولكن أين توجه؟ هذا هو السؤال.

الإسلام يحرص على استغلال القدرات

00:25:30

عن زيد بن ثابت قال: " أوتي بي النبي ﷺ مقدمه المدينة عندما قدم المدينة، فقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار، وقد قرأ مما أنزل عليك سبعة عشرة سورة، في البداية ولد صغير يحفظ سبعة عشرة سورة إنجاز عظيم، فقرأت على رسول الله ﷺ فأعجبه ذلك، وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود لغة اليهود، فإني والله ما أمنهم على كتابي[رواه أحمد:21618]،  قال: فتعلمته فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، تعلم لغة جديدة، ولد صغير قيل أن عمره احدى عشرة عاماً، احدى عشرة سنة، فما مضى لي نصف شهر حتى حذقته، وكنت أكتب لرسول الله ﷺإذا كتب إليهم إذا كتب إلى اليهود" إسناده حسن، وفي رواية قال لي رسول الله ﷺ: أتحسن السريانية قلت: لا، قال: فتعلمها فتعلمتها في سبعة عشرة يوماً[روا الحاكم:5781]،  إسناده صحيح، وهكذا وظف صحابة رسول الله ﷺ طاقاتهم في خدمة المجتمع المسلم ذلك الوسط الطيب الذي نبغت فيه الطاقات، والمواهب، ووجهت التوجيه السليم،

وظَّفَ صحابةُ رسول الله ﷺ طاقاتهم في خدمة المجتمع المسلم ذلك الوسط الطيب الذي نبغت فيه الطاقات، والمواهب، ووجهت التوجيه السليم، فهذا بلال يؤذن، وسعد وغيره لحراسة النبي ﷺ وزيد وغيره للكتابة، وخالد وغيره للقيادة، وحسان، وكعب، وابن رواحة قاموا بدور الإعلان في ذلك المكان، والوقت، وابن مسعود صاحب النعلين، والمطهرة لقابليته الشديدة للتعليم، وسلمان يدل على فكرة الخندق، وينفع في الحروب، ونعيم بن مسعود الثقفي يعرض خدماته لما أسلم، وأبو طلحة يأتي ببستانه يقول: يا رسول الله ضعها حيث أراك الله، ووضع التجار إمكاناتهم ليس الصغار فقط، ولا الشباب فقط، وضع التجار إمكاناتهم للجهاد، ونصرة الدين،

فهذا عثمان يحمل يحفر البئر على نفقته، ويجهز جيش العسرة، ويفك أزمة الناس بتجارة له، وكذا عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم ، وشبابنا اليوم عندما يكونون في أوساط سيئة ماذا يحدث أيها الإخوة؟ لو كان واحد منهم ذا صوت جميل، فبماذا سيستخدمه؟ في الإمامة في الأذان أم في الغناء، والفسق مع العزف على الألحان، وإذا صار عند أحدهم موهبة شعرية، فهل يستغلها في المكافحة عن الدين، والدعوة إلى سبيل، أم سيستغلها في نظم الأبيات في وصف النساء والمجون، وتقرأ على صفحات المجلات والجرائد مثل تللك المواهب تضيع في الزبالة، وإذا كان لأحدهم أسلوب جيد في الكتابة فبماذا سيستغله؟ سيسخر القلم لنصرة الدين؟ كلا، بل سيخط بقلمه الروايات التافهة، والقصص الفارغة، والمقالات ضد الدين، وأنتم تقرؤون يومياً ماذا تقذفه تلك الصفحات من تلك المقالات السيئة؟ أسلوب جميل، لا ننكر -

أيها الإخوة- أن بعض الناس من المشاهير لهم أسلوب جميل، لكن للأسف، نجيب محفوظ، ومن على شاكلته، أسلوب جميل، شيق، قصصي، جذاب، يدخل إلى النفس بسهولة، لكن في أي شيء استخدمه؟ في الإلحاد، ونشر الكفر بين الناس -أيها الإخوة- نشر الميوعة والمجون بين الناس، وعندما يكون لواحد من هؤلاء الشباب التائهين ذاكرة قوية، فبماذا سيستخدمها؟ في حفظ القرآن، حفظ الأحاديث، حفظ العلم الشرعي، أم أنه سيحفظ أسماء المطربين، واللاعبين، وتواريخ الأهداف، وكلمات الأغاني، وعندما يكون لأحدهم ذكاء مفرط، فبماذا سيستخدمه؟ بلعب البالونج، والشطرنج، ونحوها، أليس كذلك، لكن هل سيستخدمه في جذب الناس، وإيجاد الأساليب الدعوية المناسبة لهداية الناس لطريق الحق، هذه الانحرافات نتيجة الصحبة السيئة، وكل أب مسؤول عن أولاده، واحد من الشباب جاء يشتكي إلي مرة عن شكه في وجود الله، وعن أن هذا الدين هو الدين الصحيح، ولما استطردت معه في الكلام قال: كان لي صديق يعطيني روايات كامل موسى، وغيره، وما هي هذه الروايات؟

 

أنا لم أقرأها، ولم أعرفها، لكني عرفت منه أنها تشكك الإنسان بكل شيء، حتى بأنه موجود أصلاً، تشككه بربه ودينه، روايات يقرأها الناس، يقرؤونها في كل وقت ومكان، وإحدى الفتيات تكتب موضوعاً عن ضرر الدين، أضرار الدين من وراء روايات عبير، وغيرها مما سمعتم عنه أو لم تسمعوا، فإذاً حتى متى سنسير -أيها الإخوة- في هذه الضلالات؟ وحتى متى سيبقى الاباء في غفلة عن أولادهم، حتى متى؟ حتى متى سيتحمس الآباء لدفع أولادهم إلى الأوساط الطيبة قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌالتحريم:6، وأنت -أيها الأخ الكريم- بعض الناس -لفتة بسيطة أنهي كلامي- بعض الناس عندهم شلة لديهم ديوانية لديهم أصدقاء قد أعتاد عليهم منذ عشرات السنين، هذا الرجل المفروض أن يغير، المفروض أن يبحث عن صداقات جديدة، المفروض أن يبحث له عن أوساط طيبة، المفروض أن يبحث له عن مجالس خير، لكن يقول: أنا هؤلاء تعودت عليهم منذ زمن بعيد، لا استطيع أن أتركهم؛ ولذلك عند بعض الناس عقدة في قضية تغيير الصداقات، لا يستطيع أن يغير أقرانه، فيقع في كثير من الانحرافات بسببهم، والقصص كثيرة جداً -أيها الإخوة- كثيرة جداً في انحراف الناس، والشباب بالذات عندما تطبق عليهم كماشة الفساد، فيعلمونهم أسواء الأعمال، والأفكار.

نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُآل عمران:8، وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.

1 - رواه أحمد:3725
2 - رواه أحمد:21618
3 - روا الحاكم:5781