الخطبة الأولى
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن العناية بالطلاب والناشئة من الأمانة التي أخذها الله على القائمين عليهم، وكنا قد تحدثنا في الخطبة الماضية عن بدء العام الدراسي وقضية التعليم، والحقيقة أيها الإخوة أن القيام بتربية الناشئة والطلاب من الأمور العظيمة والمهمة؛ نظراً لكبر أثرها، وضخامة حجمها.
كيف نغرس تعظيم الله تعالى ومحبته في قلوب الناشئة؟
أيها الإخوة: إن هذه المسألة من المسائل العظيمة، والذي يستشعر الأمانة التي لم تقم بها السماوات والأرض والجبال، ولم تطق حملها، وحملها الإنسان، عرف أن المسؤولية جسيمة، فقام لله بالواجب في هذه التربية والتعليم لأبناء المسلمين، ماذا ينبغي أن نعلمهم؟ وعلى أي شيء ينبغي أن نربيهم؟
أولاً: على توحيد الله ، وتثبيت دعائمه في نفوسهم، وغرس معاني لا إله إلا الله، وشروطها، هذه الكلمة العظيمة، لا معبود بحق إلا الله، وكل شيء من المعبودات إلا الله فهو باطل، ينبغي أن يركز على معاني هذه الكلمة، ولماذا قاتل النبي ﷺ الكفار لأجلها؟ لماذا رفضوا أن يقولوها؟ لأنها ليست كلمة باللسان، وإنما لها متطلبات وواجبات وأركان.
عباد الله: إن تعظيم الله ومحبته من الأمور التي ينبغي غرسها في النفوس من أول أمرها، وما هي الأسباب الجالبة لها؟ فعلى سبيل المثال: ذكر نعم الله تعالى وآلائه، وتعداد هذه النعم على أسماع الناشئة والطلاب، والأبناء والبنات، مما يؤدي إلى محبتهم لله؛ لأن النفوس جبلت على محبة من أحسن إليها، ولذلك ترى الله ذكر في سورة النحل وغيرها من السور نعمه العظيمة على عباده، وعددها، حتى سميت سورة النحل بسورة النعم؛ لكثرة ما ذكر من النعم فيها: وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَاسورة النحل 18. وكذلك ذكر رقابته على البشر، وهيمنته عليهم، واطلاعه، وعلمه بما يفعلون، ويُستعان لأجل غرس هذا المعنى بالقصص، فمثلاً: قصة المرأة التي سمعها عمر تقول لابنتها: قومي إلى هذا اللبن فامذقيه بالماء، فأبت البنت المسلمة أن تفعله، وقالت: إذا كان عمر لا يرانا فإن رب عمر يرانا، وقصة الراعي الذي مر عليه ابن عمر فأراد أن يختبره فقال: أعطني شاة من هذا القطيع فقال: إنها ليست لي ولكن لسيدي فقال: قل لسيدك أكلها الذئب، فقال الراعي -وكان عبداً-: فأين الله؟ فبكى ابن عمر ، وأعتقه، واشترى الغنم وأهداها له، وقال: كلمتك نفعتك في الدنيا، وأرجو أن تنفعك عند الله.
إن مثل هذه القصص تنمي رقابة الله تعالى في نفس الولد المسلم، وهذا ما ينبغي العناية به والزيادة فيه؛ لأجل أنها ستكون رقابة ذاتية وشيئاً داخلياً، يتحكم في هذا الولد، من ذكر وأنثى في حياته المستقبلة.
إن كثيراً مما نراه من مظاهر الانحراف، إن المعاصي جميعاً، وهذه السيئات تحدث بسبب ضعف المراقبة لله، وغياب هذا المفهوم، والعقيدة في النفوس، ولذلك إذا أردنا جيلاً مستقيماً، فلا بد أن نسعى لأجل تحقيق هذا المعنى في نفوس الأبناء والبنات.
ومحبة الله للعبد، كيف تُستجلب هذه المحبة؟ ما هي أسباب محبة الله للعبد؟ كذلك كمثل: حديث يشرحه حديث وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به[رواه البخاري 6502]. وينادي الله جبريل: أن أحب فلانا: فيحبه جبريل، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض[متفق عليه].
إن مسألة حب الله ورسوله قضية جد مهمة في تأسيسها في نفوس الأبناء والبنات، والطلاب والناشئة، كيف كان الصحابة يقدمون الله ورسوله على كل شيء؟ كيف ضحوا بأرواحهم فداءً لله ودينه ونبيه ؟ وكيف ضحى صهيب عندما خرج من مكة بماله كله لأجل أن يتركوه يحقق الشعيرة الإسلامية العظيمة التي تنفع المسلمين وتضر الكافرين؟ ألا وهي الهجرة في سبيل الله.
عباد الله: ربح البيع أبا يحيى [رواه الطبراني في الكبير 7308]. ربح البيع، وغرس محبة النبي ﷺ وسنته في نفوس الناشئة مما يجعلهم يقدمون حديثه على حديث كل أحد، وأن يتمسكوا بسنته في الكبير والصغير، هذا المعنى الذي انطوى عليه حديث عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال النبي ﷺ: لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر: فإنه الآن والله، بعدما سمع الكلام تغير ما في قلبه وازداد، فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي، فقال النبي ﷺ: الآن يا عمر.[رواه البخاري 6632]. إن قصة الأعرابي الذي قال للنبي ﷺ لما سأله: ما أعد للساعة، فقال: أعددت لها حب الله ورسوله، فقال: أنت مع من أحببت[متفق عليه]. قصص تؤثر في النفوس وتبعث على الاقتداء، تغرس الغرس العظيم في نفوس أولئك الناشئة.
وإن قصة غلام أصحاب الأخدود التي انطوت على التضحية لله بالنفس، والثبات على الدين، بالرغم من التحديات، والتهديدات، وأن يكون الله أحب إلى الإنسان من نفسه التي بين جنبيه، والجرأة في إبلاغ الحق، والحكمة في عرضه، والرغبة في المصلحة العظيمة أن يسلم الناس ويؤمنون، كل ذلك حصل من غلام أراد الله به خيراً، فكانت العاقبة أن أسلم المجتمع، والبلد، والناس الذين كان يعيش بينهم، إنها قصة عظيمة تبين بالواقع والدليل الحقيقي كيف يمكن أن يعمل غلام على هداية بلد بأكمله.
وإن الولاء لله ورسوله ودينه إذا غرس في النفوس أثمر ثمرات يانعة، هذه القضية المهمة والحساسة جداً، الولاء للإسلام، الهوية هوية الإسلام، عندما يُغرس في الناشئة قول الله: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ سورة المجادلة 22. الآية.
مشكلة الجيل القادم
عباد الله: إن من مشكلات هذا الجيل ضياع الهوية الإسلامية، لماذا يتشبهون بالكفار؟ لماذا لا تجد كثيراً من هؤلاء الأولاد لا تظهر عليهم المظاهر الإسلامية؟ وإنما بعكس ذلك في ألبستهم، وقصات شعورهم، وعاداتهم، بل وألعابهم، كلها غربية مستوردة، في الشكل والهيئة والمضمون، بسبب واحد: غياب الهوية الإسلامية، غياب الولاء لله والرسول ﷺ، ولدين الإسلام؛ لأن هذا الولاء إذا غرس سارع الولد إلى تلبية النداء والواجب، وإلى العمل بمقتضى ذلك، لماذا يحبون الكفار؟ لأنه لم يغرس في قلوبهم على سبيل المثال قضية البراء من أعداء الله والمشركين، يحب بعض الطلاب في بعض البلدان العربية المدرس النصراني، ويقدمونه على المسلم لبعض هذه الأسباب.
عباد الله: إننا يجب أن نعمل بمبدأ لقمان الحكيم رحمة الله عليه، الذي قام يغرس في ولده هذه التصورات والأمور المنهجية بحسب الأولوية، فيبدأ بالأمر بتوحيد الله، والنهي عن الشرك الذي هو ظلم عظيم، وزرع رقابة الله في ابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُسورة لقمان 16.
قصة من الواقع في غرس حب العبادة عند الطلاب
عباد الله: إن العمل على تحبيب هذه العبادات للطلاب، والأبناء، كالصلاة يجعل النتائج عظيمة في سبق الأولاد أباهم إلى المسجد، وحرصهم على الصلاة، بل وحثهم إياه عليها، تكلم أحد المدرسين في الفصل بكلام محبب مشوق لصلاة الفجر، والحرص عليها، وفي الجماعة في المسجد، فلما عاد ذلك الطفل الصغير إلى بيته مفكراً فيما يسمعه، ويُغرس في عقولهم ما لا يغرس في عقول الكبار، وتترعرع هذه الكلمات لتولد ثماراً عملية تتفاعل في النفوس، تحيك داخلهم، ويسهم الولد بنظره، وإن هو إلا مفكر بما سمعه من مدرّسه، كيف يطبق صلاة الفجر في الجماعة في المسجد، وهذه الظلمة والخشية؟ وكيف يتم الاستيقاظ للذهاب؟ فيتغلب على قضية الاستيقاظ ويقوم للصلاة، يتغلب على النوم ويقوم للصلاة، لكنه يفتح باب بيت نام أبوه فيه عن الصلاة، أهله لا يعتنون بالصلاة، ولا يحافظون عليها، فتح الباب لينظر من شقه إلى الشارع المظلم، وفي نفس الطفل رهبة، وخوف من هذه الظلمة، وكيف يسير وحيداً إلى ذلك المسجد، فهو يفكر فيما سمعه من مدرسه، ويتقلب بين ذلك وبين الخشية من الظلمة، إذ سمع صوت عكاز جد صاحبه أحمد، وهو يطرق الرصيف، ذلك الشيخ الكبير الذي يذهب بطاعة الله تعالى، يغدو ويروح إلى بيت الله، يطرق الرصيف عامداً إلى ذلك المسجد، فعندما رآه هذا الطفل الصغير تشجع، وخرج يكاد أن يلتصق بالشيخ إلى المسجد، ورافقه إليه ذهاباً وعودة، واطمأنت نفس الطفل بهذه الرفقة المأمونة، وكان ذلك الجد القدوة الصالحة، والرفيق والأنيس في هذه الرحلة الإيمانية، فلما مضى ردح من الزمن وإذا بالخبر يقع على رأس الطفل كالصاعقة بوفاة جد جاره أحمد، فانسكبت العبرات، وانطلقت الزفرات والآهات من تلك النفس، نفس الطفل المسلم، حزناً على ذلك الرجل الصالح أولاً، وثانياً: فقد الرفيق الذي كان يقوده ويرافقه إلى المسجد، فانطلق بالبكاء فرآه أبوه، فاستغرب أشد الاستغراب، فسأله عن سبب بكائه، فقال: جد جارنا وصاحبي قد مات، فقال: وما الذي يبكيك عليه وليس بقريب لك؟! وما الذي جعلك تتأثر هذا التأثر؟ وشرع ينكر على ولده، لماذا يبكي على ذلك الشايب، حتى أن الولد من كثرة العتاب، قال: يا ليتك أنت الذي مت بدلاً منه، فاستعظم ذلك أبوه جداً، وكيف يقول الولد مثل هذا الكلام، فقال: ولم؟ قال: لأنني كنت أرافقه للمسجد، وأنت لا تقوم للصلاة أصلاً، فمن الذي نفعني؟ فعرف الأب -والحكمة تنطلق من لسان الطفل- عرف الخطأ الشنيع الذي كان يقع فيه بقدوته السيئة، في النوم عن الصلاة، ثم هذا الولد الصغير يقوم بتنفيذ هذا الحكم الشرعي، فتاب الأب إلى الله، من جرّاء موقف الولد، الذي انطلق من تربية في الدرس، قام بها ذلك المدرس في تحبيب الأولاد بصلاة الفجر، وحثهم عليها، وفي صلاة الجماعة في المسجد، وهكذا تكون التربية ويكون التأثير يا عباد الله.
تربية الطلاب على الاعتزاز بتاريخ الأمة الإسلامية وقادتها
أين عظمة هذه الأمة، والاعتزاز بتاريخها؟ شيء يجب أن يولده المعلم في نفس التلميذ، وإلا فإن الولد سيعتز برموز الكفار، وشخصيات الكفار، التي يراها في أفلامهم، ومسلسلاتهم صباح مساء، هؤلاء الكفرة يعملون العجائب، ويحتفلون بأبطال حتى لو كانوا وهميين، في قصة وهمية، ويجعلون لهم ذكرى واحتفالات؛ من قلة العقول وضعفها، يفعلون العجائب، ونحن إذا سألت الناشئة لدينا، من هو قدوتك، ومحبوبك، والبطل الذي تفتخر به، والشخص الذي تحبه؟ لأجابك من خلال الواقع الذي يراه ويسمعه، عن ممثل، أو مغنٍ، أو لاعب، أنه هو قدوته وبطله، فأين إذن الأنبياء والصحابة؟ وأين العلماء؟ وأين أبطال الإسلام؟ وأين خالد وسعد والمثنى وصلاح الدين؟ إذا كنا نعيش اليوم في معركة تحدٍ مع اليهود والنصارى، والكفار، ومقدساتنا منتهكة، وأراضينا مغتصبة، فمن الذي سيحررها إذا كنا نحن في ضعف، نرجو من أولادنا أن يكونوا جيش التحرير القادم، فهل سيحرر مثل هؤلاء، ويقاومون، ويحاربون؟ إن القضية جد خطيرة أيها الإخوة، ولذلك ترى عجباً عجاباً من البعض، عندما يضع الأمثلة في الحصة ويقول: ضع الحرف حرف الجر المناسب: رأيت التمثيلية ... فراغ.. شاشة التلفاز، بدأت التمثيلية .. فراغ .. الساعة التاسعة مساءً، أعجبت كثيراً ... فراغ .. ببرامج القناة الفلانية، وهكذا، ولكنه لا ينسى أن يختم لهم القضية بـ: ختم الإرسال ... فراغ .. بالقرآن الكريم.
أيها الإخوة: عندما تكون المسألة حتى في قضية الأمثلة التي تعطى للطلاب في الامتحانات أو في الشرح منعكسة، خارجة من مدرسٍ خاوٍ، فماذا ستكون النتيجة؟ استطاع فريق ... فراغ .. أن يحقق بطولة كأس العالم كذا.. فراغ.. لهذا العام، وهكذا، هكذا هذه هي الأمثلة، نحن نحتاج فعلاً إلى مراجعة للنفس، ولما نقدم، إنها أمانة بين أيدينا، ثم غرس الأدب الإسلامي في الطلاب قضية مهمة جداً، كيف يتعاملون مع آبائهم، مع أقاربهم، مع جيرانهم، مع كبار السن، لماذا يحدث اليوم الاحتقار والإهانة والاعتداء على حقوق كبار السن من بعض الأطفال، وسوء أدب، لماذا؟
أيها الإخوة: الخلق الإسلامي، الأخلاق الرفيعة، الرحمة، العدل، الإنصاف، إننا نريد أخلاقاً إيمانية كالصبر، والحياء، والحلم، تُؤسس في النفوس، نريد بالقدوة أن نعلم الولد الصدق قبل أن نعلمه بالكلام، اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم، من ضمن الست ضمنت له الجنة.
عباد الله: إن داخل المدارس من الأمور الكثيرة التي تحتاج إلى مراجعة، ومراقبة، وتصحيح، إن مسألة التوجيه، والتعليم، والقدوة حتى دور الموجه الذي يدخل لمراقبة صنيع المدرس عليه مسؤولية كبيرة، وهذا المدرس أيضاً، والمدير كذلك، عليهم مسؤوليات عظيمة، وحتى ذلك المراقب والمشرف الإداري، والموجه الطلابي، يجب أن تكون العملية التعليمية لوجه الله أولاً، الحرص على النافع، التربية الحسنة، القدوة الطيبة، عفة اللسان من المدرس دليل على الخلق الحسن الذي يدعو إليه الطلاب، وأخذ العمل بجد، وعدم التغيب؛ لأن كل ما يضر بالعمل لا يجوز، والمقابل الذي يأخذه ليس بحلال عليه، المقابل الذي يؤخذ على تغيب غير معذور فيه، أو على إهمال وتقصير ليس مالاً حلالاً،
ولذلك فإنه ينبغي الجد في هذه القضية، وتأديب الأولاد بالشرع، ومصادرة الأمور المحرمة، وتعليمهم قبل ذلك لماذا تؤخذ، سواءً كانت أشرطة أغاني أو ملاهي، أو هذه الأقراص الكمبيوترية التي ربما ترى فيها العجب، يُرى فيها العجب العجاب من أنواع المحرمات، وحتى خاتم الذهب، وكل ما يُلهى به في الفصل، ولو كان مسبحة، أو سلسلة طويلة، ونحو ذلك من أدوات الإيذاء، والأدوات الحادة، التي ربما حملها بعضهم ليطعن بها بعضهم بعضاً في مناوشات، ومهاوشات على باب المدرسة من الخارج.
عباد الله: إذا لم نسعَ في حماية أبنائنا وتربيتهم، فإنهم سيتحولون إلى جيل عصابات، وهذا ما تشهد به التربية الغربية، مع اعتنائهم البالغ بالتعليم، لكن بدون دين، بدون إيمان، بدون تقوى، مع العناية بالوسائل وأجهزة الكمبيوتر، والتعليم الحديث، يطلق الولد على مدرسه النار، وبقية أطفال الفصل، إن هذا يدل على أن القضية ليست قضية مادية مالية، وليست قضية تطوير أجهزة فقط ومختبرات، المسألة أولاً مسألة دين وإيمان.
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا ممن قام بالأمانة، اللهم هيئ لنا من أولادنا وبناتنا وذكورنا وزوجاتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إماماً، اللهم إنا نسألك الصلاح في النفس والذرية، اللهم إنا نسألك صلاح البيوت يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه الغفور الرحيم.
وأوسعوا لإخوانكم يوسع الله لكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوكل عليه، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، رب الأولين والآخرين، ونشهد أن محمداً رسول الله الصادق الأمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة، وذهب إلى ربه ولم يترك خيراً إلا دلنا عليه، ولا شراً إلا حذرنا منه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى صحبه وأزواجه وذريته الطيبين، وعلى من تبعهم وسار على هديهم إلى يوم الدين.
العظة والعبرة من حوادث الزمان
عباد الله: إن في الحوادث التي تجري لعبراً، وإن المسلم لا بد أن يتأثر لما يحصل لإخوانه المسلمين، ونحن نرى على المستوى العام ما حل بالمسلمين في أرجاء المعمورة، ولكننا نسمع أيضاً عن بعض الأحداث والأخبار من مجتمعنا وواقعنا ما فيه عبرة والله، ففي الوقت الذي تسمع فيه خبراً عن انتحار بعض أبناء المسلمين، فهذه تبلع حبوباً بكمية كبيرة، وذلك يضرب رأسه بمسدس، وآخر يعلق رقبته بحبل، ونحو ذلك من الأمور التي تودي في جهنم و من قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا يطعن بها في بطنه ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا[رواه مسلم 109]. وهكذا.
في هذا الوقت الذي نسمع فيه العجب العجاب من متابعة أبناء وبنات المسلمين للغرب في كل شيء حتى الانتحار، حتى الانتحار الذي يكثر بينهم، فإننا لا زلنا أيضاً نرى بحمد الله من الأحداث في الجانب الآخر في صلاح البعض وموتهم على ما نحسبه حسن خاتمة ما يكون باعثاً على التمسك بالدين إلى الممات، وحتى آخر لحظة.
إن قصة أولئك النفر الذين خرجوا من ديارهم هنا، وآخر الإجازات يكون فيها مواسم للوفاة، ولعل من أسباب ذلك حوادث السيارات التي تكثر في التنقلات عندما يعودون إلى بلدانهم، أو في أول الإجازات عندما يسافرون منها، فترى موسم وفايات، وعزى هنا وهنا، وفي بيوت متفرقة.
خرج نفر من بيوتهم، وبينهم واحد ذهب يودع أمه قبل أن يخرج، ويقول لها: إن سمعتي بخبر موتي فعضي على الثوب بأسنانك، حتى لا تنطلق النياحة أو الصرخة المحرمة، ثم لا تجعلوا في عزائي طعاماً مطبوخاً تدعون إليه الناس؛ لأن ذلك نياحة وبدعة محرمة، لا تصبوا إلا قهوة فقط، ثم يخرج من البيت مودعاً أخاه الصغير يقول له: إنني سأذهب ولن أرجع فاستوصِ بأمك وأخواتك خيراً، إحساس، إلهام، تحديث، قل ما شئت، فهذا ما كان، إلى أين؟ إلى البيت الحرام، لعمرة قبل بدء العام الدراسي، ماذا كان بعض حالهم؟ التواصي بعمل خير لجلب مكيف في الحر إلى أسرة فقيرة، ولكن هذا وهذا لا يملكان ثمن المكيف الذي سيتصدقون به، فما هو الحل إذن؟ أن نشتري من محل المكيف بالتقسيط، مكيفاً من محل الأجهزة الكهربائية، ونعطيه لذلك الفقير، لعل دعوة منه في هذا الحر تنفعنا يوم الدين، وهكذا يكون، طاعة تلوى طاعة، ومسار الرحلة إلى مكة، ثم ماذا؟ برز رأي إلى أبها، وآخر إلى المدينة، ولا وقت للأمرين معاً، فتترجح الكفة بالذهاب إلى المدينة لفضلها، والطاعة بعد الطاعة، وفضل الصلاة في مسجد النبي ﷺ، وفي تلك الرفقة تنطلق الحناجر بأصوات القرآن في الطريق، فما أجمل صوته، وما أحسن تجويده، وهكذا تؤدى العمرة، ويذهبون بعدها إلى مدينة النبي ﷺ، ولما كانت العمرة تؤدى يعطي الواحد الآخر مصحفاً أثناء الطواف ويقول له: اجعل عينك في المصحف ولا تلتفت فإن الفتن كثيرة، والمقصود عدم النظر إلى النساء أثناء الطواف، ثم في المدينة صلاة وعبادة في مسجد النبي ﷺ، وأدعية قد تليت قبل وبعد، وتربط الساعة للمنبه قبل الفجر بساعة فيقوم إلى المسجد للصلاة والمرابطة فيه، إلى أذان الفجر لأداء الفريضة، ومن قعد ينتظر الصلاة فهو في صلاة، وحتى عند الذهاب إلى المطعم نصحٌ لصاحبه في منكر لهوٍ وضعه فيه، وفي الطريق إنكار على بعض الشباب المتسكعين الذين يعملون منكراً من المنكرات، وفي المسجد حضور درس علمي أيضاً بعد بعض الصلوات، وقبل أن يغادروا الفندق قال: تعالوا نرتب الأسرّة، قالوا: هذه مهمة العمال، قال: لكي يأخذوا فكرة طيبة عن الشباب المسلمين، ثم يطلب واحد أن يموت في المدينة ويدفن فيها، وتنطلق السيارة في صبيحة يوم الجمعة، ويقرأ الأول سورة الكهف وينهيها، والثاني تبقى له صفحتان، توقفوا السيارة في محطة لتعبئة البنزين، فيقوم ذاك إلى دورة المياه ليتوضأ؛ لأنه لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن[رواه ابن ماجه 277]. ثم تنطلق السيارة مرة أخرى، والأخبار المتداولة أخبار المجاهدين، وتمنى الشهادة في سبيل الله، ويا ليتنا كنا معهم فنفوز فوزاً عظيماً و من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه[رواه مسلم 1909]. ثم بعد ذلك يخرج في الخط المقابل صاحب سيارة أخرى لم يحسب الحساب ليضرب سيارة الأصحاب فتنقلب، وتحدث الوفاة لهذين الشابين في الحادث، أما أحدهما فقد سُمع يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، ثم يرقد كالنائم في هذا الموت الذي كتبه الله ، ميتة في يوم جمعة، والموت في يوم الجمعة من أسباب وقاية فتنة القبر لمن كان يستحق ذلك، والله أعلم بمن يستحق، والله أعلم بمن يكافأ بالأحرى على ذلك، ميتة في يوم جمعة، بعد عمرة، وزيارة للمسجد النبوي، وعبادة، وطاعة، وتمنيات إيمانية، وإنهاء سورة الكهف، وشهادة، وحادث ترجى به شهادة، والدفن في المدينة حيث تمنى؛ لقرب الحادث منها.
أيها الإخوة: إنها والله أحداث تبعث في النفس تمني مثل تلك الأحوال، وبعد العودة تفتش الأغراض التي تركها فإذا فيها كتيبات ومطويات كان يراسل بهما المسلمين وغيرهم، دعوة إلى الله واحتساباً للأجر في الداخل والخارج، لعل الله أن يهدي بها من يشاء من عباده.
أيها الإخوة: شتان بين من يموت منتحراً، وبين من يموت مثل هذه الميتة، شتان بين من مات في مكان الفسق والفجور، وبين من مات في الطاعة، شتان بين من يموت بين رفقة سيئة ومن يموت مع رفقة صالحة.
أيها الإخوة: نسأل الله أن يتغمد موتى المسلمين المسلمين برحمته، وأن يجعلنا ممن حسنت خاتمهم، ونسأله أن يجعل على التوحيد ميتتنا، وعلى الإيمان خروجنا من هذه الدنيا، وأن يتلقانا وهو راضٍ عنا، ونسأله سبحانه في مقامنا هذا أن ينصر إخواننا المجاهدين في فلسطين والشيشان وسائر الأرض إنه على كل شيء قدير، وإننا لنكبر في إخواننا في بلاد الشيشان ما يقومون به دفاعاً عن دين الله، وكذلك في أرض فلسطين من الاستمرار في مجابهة اليهود، بالرغم من طول المعركة وكثرة التضحيات، أكثر من سبعمائة قتيل، وأربعين ألفاً من الجرحى، والمعاناة تتوالى جوعاً وحصاراً.
اللهم إنا نسألك أن تكون لهم عوناً، أعنهم ولا تعن عليهم، اللهم أغثهم بمدد من عندك، اللهم أطعم جائعهم، واحمل حافيهم، وآو شريدهم، واكس عاريهم، واشف مريضهم، وأبرئ جريحهم، وارحم ميتهم، إنك على كل شيء قدير، وأنت الغفور الرحيم، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله.